ثانيا : قيام الخلائق على معانى النقص في الكمال والجمال.
من حكمة الله عز وجل أنه فطر عباده على أن يكون جلال المحبوب هو أعظم دواعي الحب في قلوبهم، فالقلب يحب كل جميل، ويتعلق بكل جليل، ومن هنا تعلقت القلوب بربها لعظمة أسمائه وجلالها، وكمال أوصافه وجمالها، قال تعالى في وصف أسمائه : }وَلِلهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا{ (الأعراف:180)، وقال في مدحها وعلو شأنها : }تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ والإكرام{ (الرحمن:78) .
والجلال هو منتهى الحسن والعظمة في الأسماء والصفات والأفعال، وله عند التحقيق ركنان : أولهما الكمال وهو بلوغ الوصف أعلاه، والثاني الجمال وهو بلوغ الحسن منتهاه.
ومن حكمة الله عز وجل في خلقه أنه إن أعطى أحدا من عباده كمالا ابتلاه في الجمال، وإن أعطاه جمالا ابتلاه في الكمال، وإن أعطاه كمالا وجمالا ابتلاه في دوام الحال، فربما يبلغ المرء كمالا في الغني بحيث يفوق الآخرين فيه حتى يبلغ الوصف أعلاه، لكنه مبتلى في غناه فربما يكون جاهلا أو مريضا، أو قبيحا أو عقيما، أو مبتلى في ولده وزوجته، أو أهله وعشيرته أو غير ذلك من أنواع البلاء .
وكذلك ربما تجد امرأة بلغت كمالا في الخلق والنسب، ولها منزلة كبيرة في الشرفِ والحسب، وعلى قدر كبير من العلم والفهم، وهي أبعد ما تكون عن الخيانة وموصوفة بالصدق والأمانة، غير أنها قبيحة سوداء، أو دميمة بكماء، لا تسر أحدا من الناظرين، أعطاه الله من جهة الكمال وابتلاها من جهة الجمال .
والله عز وجل لو أعطى أحدا من عباده كمالا وجمالا ابتلاه في دوام الحال ؛ فما يلبث أن يموت الخليفة العادل أو يغتال، وكل ذلك عن حكمة الله في خلقه، ليعلموا أن الجلال المطلق في أسمائه وصفاته، وأنه هو المنفرد به دون غير، فالوحيد الذي اتصف بالكمال والجمال هو رب العزة والجلال، بل كل اسم من أسمائه فيه الكمال والجمال معال، قال تعالى : }تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ والإكرام{ (الرحمن:78) .
ثالثا: ليس كل ما يتمناه يدركه ، لماذا؟
(وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً) (الانسان:30) . (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (التكوير:29). (مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (النساء:134). (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) (هود:107) . (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً) (الاسراء:18). (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام:83). (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف:56).(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (الزمر:74).(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) (البقرة:35).(وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأعراف:19).
|