#1
|
||||
|
||||
الــشرعــية وأحكامها
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، سامعِ شكوى المتألمِّين ، ومجيبِ دعاء السائلين ، والصلاةُ والسلام على محمد رسول الله ، الهادي الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن سار على دربه واهتدى بهديه إلى يوم الدين . أما بعد : فما من خير إلا ودلّنا عليه ديننا ،وما من شر إلا وحذرنا منه ، والرقية الشرعية من الأمور التي فيها صلاح في دنيانا وأجر في آخرتنا ، ولقد عُرفت الرقية عند الكفار من نصارى وغيرهم ، وكذلك عند العرب قبل الإسلام ، وهذه المعرفة جاءت من بقايا ما أُثر عن النبوات السابقة ، ولكن داخل رُقاهم الشركُ والكفر والاستعانة بغير الله سبحانه وتعالى . وقد جاءت النصوص الشرعية مرشدة لنا ودالّة على الرقية الشرعية ، ومحددة لأحكامها وضوابها . والرقية من الأمور التي يحتاجها المسلم المستعين بالله ، وهذه الحاجة شبه يومية ، فإذا ما اشتكى من ألم أو اشتكى أولاده أو أهله رقاهم ، فيحصل بذلك الشفاء بإذن الله ، ويحصل له أيضاً الأجر العظيم الذي يتحصّلُه المسلم بسبب استعانته بالله سبحانه وتعالى . وتقريباً للفهم والإيضاح عَرْضتُ أحكام الرقية على طريقة السؤال والجواب ، راجياً من الله أن ينفعني بما قدمت وأن ينفع به غيري . ومن الجدير بالذكر أنني لم أنهج نهج التقصي في إيراد الأقوال عن أهل العلم ، وإنما أوردت الدليل مع إيضاح الشاهد منه ، وذلك لعدة أسباب : الأول : حتى لا يزيد عدد الصفحات فيعجز كثير من الناس عن قراءة الموضوع إلى آخره . الثاني : حتى لا يتشتت كثير من القارئين في زحمة الأقوال ، ويغفلوا عن الدليل والشاهد منه . الثالث : حتى يستفيد كثير من القارئين من أصحاب التخصصات غير الشرعية ؛ لأن الأمر يهم كل المسلمين على اختلاف تخصصاتهم . الرابع : ويُعد عرض الموضوع على طريقة السؤال والجواب المختصرَين المبسّطَين مع ذكر الدليل والشاهد دون توسع في النقول ؛ يُعد من أقرب الطرق إلى الحفظ والاستذكار . وما جاء في هذا الموضوع ليس بِدعاً من الأحكام ، بل هو مستنبط من قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم في ضوء القواعد الشرعية . والله المستعان . وفيما يلي عرض للأسئلة والإجابات المتعلقة بضوابط الرقية الشرعية وأحكامها . س :بماذا تُعرَََََََّفُ الرقية الشرعية ؟ ج : وللجواب عن هذا السؤال أقول : الرقية الشرعية : هي تعويذ المريض بالقرآن و الأذكار المأثورة و الأذكار الجائزة والأفعال المأثورة والأفعال الجائزة طلباً من الله أن يشفيه . س :ما المقصود بتعويذ المريض ؟ ج : المقصود بتعويذ المريض هو اللجوء إلى الله لشفاء المريض ، ففي اللغة : استعاذ به : لجأ إليه . وعوّذه بالله أي أعاذه بالله ( انظر مختار الصحاح : مادة عوذ ) أعاذني الله وإياك من كل سوء . س :قد عرفنا ما المقصود بالتعويذ ، ولكن ماذا تقصد بالأذكار المأثورة ؟ ج : أقصد بالأذكار المأثورة أي الأذكار والأدعية التي وردت في القرآن الكريم أو صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم . أرشدنا الله وإياك إلى التمسك بسنته . س : هل من الممكن أن تذكر بعض الأذكار المأثورة في الرقية ؟ ج : نعم ، سأذكر لك بعض الأمثلة من الأذكار المأثورة ، منها : بسم الله الرحمن الرحيم ] قُلْ أَعُوذُ بِربِّ الفَلَقِ %مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ %وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ %وَمِنْ شِرِّ النَّفَّاثَاتِ في العُقَدِ %وَمِنْ شِرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [ ( سورة الفلق ) والشاهد فيها : أن الله يأمرنا أن نستعيذ به ونلجأ إليه من الشرور التالية : من شر كل شيء خلقه الله ، و من شر الليل إذا حلَّ ؛ لأن الليل موطن الخوف ، ومن شر السِّحر ، ومن شر الحسد . ومنها أيضاً : ما رواه ( مسلم : 4056 ) أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ والشاهد في الحديث أن جبريل رقى النبي صلى الله عليه وسلم وعوّذه من الشرور المذكورة في الحديث . وروى ( البخاري : 5243 ) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ قَالَ أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا . والشاهد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي المريض بما ورد ، طالباً من الله ومستعيناً به أن يشفي المريض الشفاء التام . وكذلك روى ( مسلم : 4082 ) عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ . والشاهد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه أن يرقي نفسه بالبسملة والدعاء المذكور . وهذا ليس كل ما أُثر من الرقية ، بل هذا من باب التمثيل لا الحصر . س : إن الرقية تكون بالأذكار المأثورة والأذكار الجائزة . فما الفرق بين الأذكار المأثورة والأذكار الجائزة ؟ ج : هنالك فرق بين الأذكار المأثورة والأذكار الجائزة ، والذي أقصده بالأذكار المأثورة هي الأذكار والأدعية التي وردت في القرآن الكريم أو صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم . والذي أقصده بالأذكار الجائزة تلك الأذكار التي توافق تعاليم الإسلام وعقيدته وأحكامه وإن لم تكن نصوصها مأثورة . س : ما الدليل على أن الرقية تكون بالأذكار الجائزة ؟ ج : الدليل على أن الرقية تكون بالأذكار الجائزة ما رواه ( مسلم : 4079 ) عن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ . والشاهد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز الرقى ؛ كلَّ الرقى ، ولكن بشرط خلوها من الشرك ، وأجازها وإن لم تكن مأثورة عنه ، وإن كانت من رقى الجاهلية ، وكل هذا بشرط خلوها من الشرك . إذن ؛ جواز الرقية غير متوقف على المأثور ، ولكن جوازها متوقف على خلوها من الشرك . قال أبو الطيب آبادي في (عون المعبود ج10/ص266) : " والحديث فيه دليل على جواز الرقي والتطبب بما لا ضرر فيه ، ولا منع من جهة الشرع ، وإن كان بغير أسماء الله وكلامه لكن إذا كان مفهوماً ؛ لأن ما لا يُفهم لا يُؤمَن أن يكون فيه شيء من الشرك " . س : ما الشروط التي يجب أن تتوافر في الرقية حتى تكون شرعية ؟ ج :لا بد أن تتوفر الشروط التالية في الرقية حتى تكون شرعية : أولاً : أن تكون أقوال الرقية وأفعالها مشروعة أي من القرآن أو السنة أو ما كان جائزاً . ثانياً : أن تكون بلغة مفهومة أي بالعربية للعربي . وبالفرنسية للفرنسي ، فالمسلم الفرنسي قد يرقي ابنه باللغة الفرنسية ، أي في الأدعية والأذكار ، أما القرآن فلا بد أن يقرأ بالعربية كما هو معلوم . ثالثاً : أن يعتقد الراقي والمَرْقِيُّ أن الشفاء من الله ، لا من الرقية ولا من الراقي . س : فيما سبق فرّقت بين الأذكار المأثورة والأذكار الجائزة ، ولكن ما الفرق بين الأفعال المأثورة و الأفعال الجائزة ؟ ج : الفرق بين الأفعال المأثورة والأفعال الجائزة أن الأفعال المأثورة مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم بكيفية مخصوصة ، و أما الأفعال الجائزة فهي أفعال لم تروَ عن النبي صلى الله عليه وسلم بكيفيتها المخصوصة ، ولكن جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على جوازها . فأما مثال الأفعال المأثورة فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا " رواه ( مسلم : 4058 ) أي إذا طُلب من العائن أن يغسل بعض أعضائه حتى تُسْكَب على المعيون فعلى العائن أن يغسل . وأما مثال الأفعال الجائزة فهو : كتابة بعض آيات القرآن بالزعفران أو غيره من المداد الطاهر على الورق ثم غسله بماء في وعاء ثم الاغتسال منه والشرب منه . وكذا قراءة القرآن على الماء والنفث عليه ثم الشرب منه والاغتسال به ، أو الرش منه على الأولاد والممتلكات . وكذا القراءة على زيت الزيتون وغيره من الزيوت والادّهان بها . وقد يقول قائل : وما دليل جواز هذه الأفعال ؟ فأقول له : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ " ( مسلم : 4079 ) والشاهد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز الرقى ؛ كلَّ الرقى ، ولكن بشرط خلوها من الشرك ، وأجازها وإن لم تكن مأثورة عنه ، وإن كانت من رقى الجاهلية ، وكل هذا بشرط خلوها من الشرك والمعصية . س : الذي أعلمه أن الرقية تكون لعلاج العين والسحر والمس ، ولا أعلم أن علاج الأمراض العضوية بالرقية أمر مشروع ، فهل هذا صحيح ؟ ج : الصحيح أن علاج الأمراض العضوية بالرقية أمر مشروع ، والدليل على أن الرقية من الأمراض العضوية أمر مشروع ، هو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَمَسَحَ عَنْهُ بِيَدِهِ ( البخاري : 4085 ) ( مسلم : 4066 ) والشاهد هنا : " اشتكى " أي تألم جسده . وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ ( مسلم :4065 ) والنفث شبيه بالنفخ . والشاهد هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى أهله من المرض . وفي هذين الحديثين دليل على أن الرقية مما يستشفى به لعلاج الأمراض العضوية ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي بالمعوذات نفسه وأهله من الآلام والأوجاع والأمراض . قال النووي : " والنفث نفخ لطيف بلا ريق ، فيه استحباب النفث في الرقية ، وقد أجمعوا على جوازه ، واستحبه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم . .... وقد اختلف العلماء في النفث والتفل ، فقيل : هما بمعنى ولا يكونان إلا بريق . قال أبو عبيد يشترط فى التفل ريق يسير ولا يكون في النفث . وقيل : عكسه . ... قال القاضي : وفائدة التفل التبرك بتلك الرطوبة والهواء والنفس المباشرة للرقية , والذكر الحسن . ... كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر والأسماء الحسنى " ( شرح النووي على صحيح مسلم ج14/ص182 ) وكذلك فقد روي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْقِي وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا . فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ قَالَ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اقْسِمُوا فَقَالَ الَّذِي رَقَى لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ثُمَّ قَالَ قَدْ أَصَبْتُمْ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( البخاري : 2115 ) والشاهد في الحديث أن الصحابي رقى الملدوغ بالفاتحة ، وآلام البدن بسبب السم من الأمراض العضوية ، وهذا لا يخفى على أحد . قال ابن حجر : " وفي الحديث جواز الرقية بكتاب الله , ويلتحق به ما كان بالذكر والدعاء المأثور , وكذا غير المأثور مما لا يخالف ما في المأثور , وأما الرقى بما سوى ذلك فليس في الحديث ما يثبته ولا ما ينفيه " ( فتح الباري ج4/ص457 ) س : ما الأسباب الداعية للرقية ؟ ج : من الأسباب الداعية للرقية : أولاً : الرقية من العين . ثانياً : الحُمَة ، وهي : السم . ثالثاً : النَّملة ، وهي : قروح تخرج في الجنب . فَعَنْ أَنَسٍ قَالَ رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ وَالْحُمَةِ وَالنَّمْلَةِ ( مسلم : 4073 ) رابعاً : أوجاع الجسد عامة . عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ ( مسلم : 4082 ) وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ بَيْتٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنْ يَرْقُوا مِنْ الْحُمَةِ وَالْأُذُنِ ( البخاري : 5280 ) " والحمة بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم وقد تشدد , وأنكره الأزهري , هي السم ... وأما رقية الأذن فقال ابن بطال : المراد وجع الأذن , أي رخص في رقية الأذن إذا كان بها وجع " ( فتح الباري ج10/ص173 ) س : هل يرقى من السحر والمس الشيطاني ؟ ج : نعم ، فهو ضرر يصيب الإنسان ومثل هذا أولى بالرقية ؛ ففي الحديث الذي رواه ( مسلم : 4056 ) أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ . فجبريل رقى النبي صلى الله عليه وسلم من كل شيء يؤذيه . ومن المعلوم أن السحر والمس الشيطاني من جملة المؤذيات ، ولأجل هذا فالرقية مشروعة من السحر والمس . س : هل يرقى من العين ؟ ج : نعم ، يُرقى من العين ؛ لأنها من جملة المؤذيات ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عُمَيس أن ترقي أولاد جعفر رضي الله عنه من العين ( مسلم : 4075 ) . س : قبل أن نناقش كيفية الرقية ما الدليل على تأثير العين ؟ ج : أما الأدلة على تأثير العين فهي كثيرة ، أذكر منها حديث الإمام أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً تُصِيبُهُمْ الْحَاجَةُ قَالَتْ لَا وَلَكِنْ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ قَالَ ارْقِيهِمْ قَالَتْ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ ارْقِيهِمْ . ( مسلم : 4075 ) ومعنى ضارعة : هزيلة . ومعنى " وَلَكِنْ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ " أنهم يلفتون النظر . وهؤلاء الأولاد هم أولاد جعفر رضي الله عنه . وكذلك قالْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا . ( مسلم 4058 ) " الإصابة بالعين شيء ثابت موجود , أو هو من جملة ما تحقق كونه . قال المازري : أخذ الجمهور بظاهر الحديث , وأنكره طوائف المبتدعة لغير معنى , لأن كل شيء ليس محالاً في نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل , فهو من متجاوزات العقول , فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى , وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به من أمور الآخرة " ( فتح الباري ج10/ص203 ) س : ماالدليلعلىأنللسحرضرراً؟ ج : أما الدليل على ضرر السحر فهو قول الله تعالى : " فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِيْنَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ " ( سورة البقرة : 102 ) أي يقع من السحر ما هو ضرر ، ولكن لا يقع هذا الضرر إلا بإذن الله كباقي الأشياء " وَمَا هُمْ بِضَارِيْنَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ " س : يشكك بعض الناس بمس الشيطان للإنسان ويقولون : إنما هو أمراض نفسية ، والمس الشيطاني خرافة يؤمن بها عامة المسلمون ، فهل هذا صحيح ؟ ج : الصحيح أن المس حقيقة قرآنية قال تعالى : " الَّذِيْنَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ " ( سورة البقرة : 275 ) س : ماذا يقول منكرو المس عن هذه الآية ؟ ج : يقولون : إن مس الشيطان خرافة خيالية عند العرب فأراد الله أن يخاطب العرب بما يعرفون . وهذا كلام غير صحيح ، فهل يقيم الله عقائد الأمة على خرافات جاهلية ليجعلها أساساً في إثبات الحق ؟ ! وهل يعقل أن يقرر الله عقائد الخرافات ويجعل عقائد المسلمين تبعاً لتصور العقائد الكفرية ؟ ! وهذا الكلام باطل لوجوه : أولاً : لا يُقِرُّ القرآنُ عقائد الكفر . وقد وقع الإقرار هنا ، وذلك لتشبيه تخبط آكل الربا بالممسوس من الشيطان . ولكن قد يقول قائل : ليس في الآية إقرار لوقوع المس . فأقول له : وقوع التشبيه دون تفنيد يدل على الإقرار الضمني ، فتفكر فيما أقول مليّاً . ومما يزيد الإقرار ثبوتاً تشبيه تخبط آكل الربا يوم القيامة بتخبط الممسوس ، علماً بأن الإيمان بتخبط آكل الربا يوم القيامة من عقائد الإسلام . فكفى تدليلاً على ثبوت الإقرار بالمس أن العقائد الإسلامية شُبِّهت بعقيدة المس ، مما يدلَِّل على أن المس عقيدة إسلامية . ثانياً : ظاهر الكلام أن الشيطان يتخبط الممسوس . أي يجعله يتخبط ، والخبط هو : ضرب عشواء ، بخلاف الضرب ؛ لأن الضرب قد يكون ضرب عشواء وغير عشواء . ولا يصرف اللفظ عن ظاهره إلا بما هو أقوى دلالة . ثالثاً : يقول علماء البلاغة يجب أن يكون وجه الشبه أقوى وأظهر في المشبَّه به منه في المشبَّه. يعني عندما أريد أن أصف زيداً بالقوة أقول : زيد كالأسد قوة . فزيد مشبَّه ، والأسد مشبَّه به ، ووجه الشبَهِ القوة ، فالقوة في الأسد - وهو المشبه به - أقوى وأظهر من قوة زيد ، وبهذا تحصل فائدة التشبيه . ولكن لا يجوز أن أقول : زيد مثل الأرنب قوة ، إذا أردت أن أصف زيداً بأنه قوي جداً ؛ لأن القوة في المشبَّه " زيد " أقوى منها وأظهر من القوة في المشبه به وهو " الأرنب " ففي هذه الآية تشبيه آكل الربا (وهو المشبه) بالممسوس (وهو المشبه به) ووجه الشبه هو التخبط . فعلى هذا ؛ فان تخبط آكل الربا حقيقة ، وآكل الربا مشبه ، فيلزم من هذا أن يكون التخبط في المشبه به وهو الممسوس أظهر وأقوى ، أي يلزم من حقيقة تخبط آكل الربا أن يكون تخبط الممسوس حقيقة أيضاً وإلا كان تشبيه حقيقة بخيال . وكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ ( البخاري : 139) ( مسلم : 563 ) والخبث الذكور من الجن والخبائث الإناث . قال ابن حجر : " والخبث جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة , يريد ذكران الشياطين وإناثهم قاله الخطابي وابن حبان وغيرهما " . ومما يرجح أن الشياطين هم المقصودون ما رواه ( أبو داود : 5 ) ( النسائي : 19 ) ( ابن ماجه : 292 ) عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ . والحشوش : مواضع قضاء الحاجة . وهذا الحديث صحيح ، ولكن قال الترمذي : " حديث أنس أصح شيء في هذا الباب وأحسن وحديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب . روى هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة فقال سعيد عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن أرقم ، و قال هشام الدستوائي عن قتادة عن زيد بن أرقم ، ورواه شعبة ومعمر عن قتادة عن النضر بن أنس ، فقال شعبة عن زيد بن أرقم ، وقال معمر عن النضر ابن أنس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال أبو عيسى : سألت محمداً عن هذا فقال يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعاً " ( الترمذي : 5 ) . وقول البخاري : يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعاً . مما يجعل حديث زيد مما يستشهد به في بيان معنى الخبث والخبائث . والشاهد هنا قوله : محتضرة . جاء في (عون المعبود ج1/ص13) : " ( محتضرة ) على البناء للمجهول , أي تحضرها الجن والشياطين وتنتابها لقصد الأذى " . و قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا ( البخاري : 138 ) والضرر هنا ليس الوسوسة ؛ لأن الوسوسة لا نسلم منها. فهو ضرر بغض النظر عن ماهيته . قال النووي : " قال القاضي : قيل المراد بأنه لا يضره أنه لا يصرعه شيطان ، وقيل لا يطعن فيه الشيطان عند ولادته بخلاف غيره ، قال ولم يحمله أحد على العموم في جميع الضرر والوسوسة والإغواء . هذا كلام القاضي " (شرح النووي على صحيح مسلم ج10/ص5 ) وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوّذ الحسن والحسين بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ ( البخاري : 3120 ) قال ابن حجر : " قوله : ( بكلمات الله ) قيل المراد بها كلامه على الإطلاق , وقيل أقضيته , وقيل ما وعد به ... قوله : ( من كل شيطان ) يدخل تحته شياطين الإنس والجن . قوله : ( وهامة ) بالتشديد واحدة الهوام ذوات السموم , وقيل كل ما له سم يقتل فأما ما لا يقتل سمه فيقال له السوام , وقيل المراد كل نسمة تهم بسوء . قوله : ( ومن كل عين لامة ) قال الخطابي : المراد به كل داء وآفة تلم بالإنسان " ( فتح الباري ج6/ص410 ) وقول ابن حجر : ( من كل شيطان ) يدخل تحته شياطين الإنس والجن . اهـ يدل على أن للجن ضرراً ، كما يدل على أن للبشر ضرراً . وهنالك أدلة أخرى كثيرة ولكن هذا الكلام جاء استطراداً ، وأنا أقول : إن من يؤوِّل قوله تعالى : " ( إن الذين يأكلون الربا ) .. الآية بأن القرآن يقرر عقائد الإيمان بناء على الخرافات فليس صعباً عليه أن يؤول ما شاء من النصوص بعد ذلك . عَن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ فَإِذَا ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ ( البخاري : 5192 ) ( مسلم :3756 ) والشاهد في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حذّر من خروج الصبيان أول ساعة من الليل ؛ لأن الشياطين تنتشر ، والنبي صلى الله عليه وسلم يخاف على الصبيان من الشياطين ؛ لأن الشياطين تضرهم ، ولولا ذلك ما خاف عليهم ولا أمر بكفهم عن الخروج . س : سمعت أنهم يضعفون الأحاديث الواردة في إثبات ضرر الجن على البشر ، فهل هذا صحيح ؟ ج : إن الأحاديث في إثبات ضرر الجن على الإنس صحيحة ، وهي من كثرتها لو كانت ضعيفة لانجبر ضعفها بتعدد طرقها ، كيف وأن كثيراً منها في صحيحي البخاري ومسلم ، وأن كثيراً منها صححه الأئمة الحفاظ . س : هل أفهم من كلامك أن كل حالات الصرع هي مس شيطاني ؟ ج : كلا ، بل هنالك صرع سببه المس الشيطاني وصرع سببه علة عضوية ، فالأول يرقى ، والثاني أيضاً يرقى ، ولكن لا بد من علاج المرض العضوي بالأدوية المادية . س : كيف تكون الرقية ناجعة ؟ ج : أولاً : في بداية الأمر لا بد من استشعار عظمة آيات الله ، و لا بد من التوكل على الله ، و لا بد من اليقين على أن الشفاء بيد الله وحده . وثانياً : تكون الرقية بالقرآن والأذكار المأثورة والجائزة والدعاء وبعض الأفعال المأثورة والجائزة هذا على العموم . وثالثاً : أن ينفث على نفسه أو على من يرقيه فقد كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَمَسَحَ عَنْهُ بِيَدِهِ ( البخاري : 4085 ) ( مسلم : 4066 ) وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ ( مسلم :4065 ) والنفث شبيه بالنفخ . وكذلك يقوم الراقي بالتفل ، وهو نفخ معه قليل بزاق ، كما في حديث أبي سعيد عند البخاري في رقية سيد حي من أحياء العرب . وكذلك يقوم بالمسح باليد ، وكذلك وضع اليد على مكان الألم ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح بيده إذا رقى نفسه ، وكذلك أمر عثمان بن أبي العاص بوضع يده على ما تألَّم من جسده . وأيضاً لا بد من التكرار حتى تحصل الفائدة . س :هل لبعض الآيات تأثير بالرقية أكثر من بعضها ؟ ج : نعم ، لبعض الآيات تأثير بالرقية أكثر من بعضها ، والدليل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم للصحابي الذي رقى الملدوغ بالفاتحة " وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ " دلالة على أن بعض الآيات أكبر تأثيراً عند الرقية من بعضها . وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ " ( مسلم : 1300 ) يدل على أثرها المميز على الشياطين . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ قَالَ مُعَاوِيَةُ بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَة ُ( مسلم : 1337 ) وأذكر حادثة وقعت : حيث إن شخصاً كان به مس ، واستشارني فنصحته أن يقرأ سورة البقرة كل ثلاثة أيام مرة ، وأن تُقرأ عليه - إن لم يستطع أن يقرأها - كل ثلاثة أيام مرة ، وحقاً فعل . وبعد مدة من الزمن ذهب هذا الشخص إلى راقٍ ، فرقاه وإذا بالجني ينطق على لسانه ويخبر أنه قد كان نصرانياً ولكنه أسلم لسماع سورة البقرة وسيخرج لأجل ذلك . وبعد هذا الواقعة انقلبت حياة هذا الشخص من ممسوس إلى إنسان طبيعي يمارس أعماله كما يمارس الناس أعمالهم ، ولم تعرض له تلك العوارض . س : كيف تُعْلَم هذه الآيات ؟ ج : تعلم أولاً عن طريق النقل حيث جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الرقية بالمعوذتين وجاء عنه – صلى الله عليه وسلم - إقرار الرقية بالفاتحة . وجاء عنه الإرشاد إلى الرقية من السحر بسورة البقرة فقد روى ( مسلم : 1337 ) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ قَالَ مُعَاوِيَةُ بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ . أما الطريق الأخرى فهي الاجتهاد ، كما اجتهد الصحابي الذي رقى بالفاتحة ، وكما كان يجتهد الصحابة في أدعية الرقية وأذكارها ، ويقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم : اعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك . س : يقول بعض الناس كرر هذه الآية سبع مرات وهذه سبعين وهكذا فهل يجوز تحديد القراءة بهذه الأعداد وإلزام الناس بها ؟ ج : ولا بد أن يُعلم أن الإلزام بعدد معين لا يجوز إلا بنص كمثل ما رُوي عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ ( مسلم : 4082 ) فتحديد العدد في هذا الحديث بثلاثة وسبعة هو سنة نبوية. ولكن تحديد القراءة بعدد معين من غير إلزام الناس به ، وإخبارهم أنه اجتهاد ، وبدون التمويه عليهم أنه سنة – فهذا أمر جائز ، وليس فيه شيء ، وهو من باب حديث النبي - صلى الله عليه وسلم – أنه ليس بالرقى بأس إن لم يكن في هذه الرقى شرك . والتحديد الذي يذكره بعض الراقين ليس المقصود به الإلزام الشرعي ، وإنما هو من باب الاجتهاد ، حيث يجتهد الراقي ٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍلما يرى من تأثير بعض الآيات ، فيجتهد ليقول : إن تكرار هذه الآية سبعين مرة مفيد ، وهو لا يقصد العدد سبعين بالتحديد ، وإنما يقصد التكرار ، والذي قدّر أنه مفيد في حدود سبعين مرة . وهذا الاجتهاد قد يكون صواباً وقد يكون خطأ ، وهذا المجتهد قد يصيب وقد يخطئ تبعاً لإصابة اجتهاده وخطئه . س : هل يشفى المريض بالرقية الأولى أو الثانية أو أن الأمر يطول ؟ ج : بعض الناس يشفيه الله من المرة الأولى وبعضهم من عدة مرات وبعضهم قد يطول أمره ، وهذا كله عند الله . وأحب أن أنبه على أن بعض الناس يعاني من العين فيطلب من أحد أهله أن يرقيه ، فيرقيه هذا القريب برقية سريعة ، ولا يشعر المعيون بعدها بتحسن فيظن أن الرقية غير مفيدة ، وأذكر واقعة حصلت مع من أعرف ، حيث كان في مقام ما يُحسد عليه ، فرجع إلى بيته محطماً مهدود القوى ، فرقاه أحد أهله - ممن أظن فيه العلم والصلاح - برقية تقارب ثلاث ساعات . وأخبرني هذا المعيون أن الآلام في جسده كانت تخرج مع استمرار الرقية ، كأنها شيء في البدن يسحب سحبا تدريجياً ، وقال لي : ثم قمت بعد الرقية كأنه لم يكن بي ألم البتة . س : هل من أسباب تجعل للرقية أثراً أكبر ؟ ج : نعم . أولاً اختيار الرقية المناسبة . وثانياً : إيمان الراقي بهذه الرقية . وثالثاً : تقبل المريض لهذه الرقية . فمتى تخلف واحد من هذه الأشياء لم يحصل الشفاء ، ومتى اجتمعت حصل الشفاء بإذن الله . وبكلمة أخرى ، الرقية التجاء إلى الله فلا بد فيها من الإلحاح في السؤال ، ومن تفويض الأمر إلى الله ، ومن انفعال الرجاء داخل القلوب . وبقدر اليقين من الراقي ومن المرقي يكون حصول الشفاء بإذن الله . س : قال لي بعضهم : عندما أشعر بنكد في البيت أقرأ على كأس ماء وأتفل فيه بين القراءة ثم ارش كل البيت فيذهب جزء من التوتر واكرر هذا عدة مرات . وقد أقرأ على كأس الماء وأرش على سيارتي ، فهل يجوز مثل هذا الفعل ؟ ج : نعم هذا الفعل جائز وليس فيه مخالفة شرعية ، ولا يُنكر هذا الفعل . س : وهل يجوز أن أضع مع هذا الماء ملح ، حيث إنني سمعت كثيراً من الرقاة يقولون : إن للملح أثراً في تطهير البيوت من الشياطين ؟ ج : هذا الفعل جائز ، لأن شأن الملح هو شأن الماء ، أي هو خلق من خلق الله ، لا يشفي بذاته ، ولا يجوز أن نعتقد أنه يشفي بذاته ، فهو مادة تستخدم في العلاج كما يستخدم الدواء ،وسبب استخدامه أن الجن يتضايقون منه ، وهذا معلوم بالتجربة ، فمن شاء صدّق ، ومن شاء كذّب ؛ لأنه ليس قرآناً ولا سنة ، وإنما هي التجربة . وفيما ذكرتُ – آنفاً - من إجازة النبي rللرقية - ما لم يكن فيها شرك - دليل على جواز هذا العمل . س : ما حكم قراءة القرآن على الزيت والادهان به وعلى الماء والاغتسال به ؟ ج :وهذا أيضاً لا بأس به . لأنه يندرج تحت قوله عليه الصلاة والسلام " لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك " . س : يقوم بعض الراقين بضرب من به مس من الجن . ما حكم هذا الضرب ؟ ج : قد ورد عن بعض العلماء أنه كان يضرب من به مس من الجن عند استحضار الجني , كالإمام ابن تيمية حيث قال : " ولهذا قد يحتاج في إبراء المصروع ودفع الجن عنه إلى الضرب ، فيضرب ضرباً كثيراً جداً ، والضرب إنما يقع على الجني ولا يحس به المصروع حتى يفيق المصروع ويخبر أنه لم يحس بشيء من ذلك ، ولا يؤثر في بدنه ، ويكون قد ضُرب بعصا قوية على رجليه نحو ثلاثمائة أو أربعمائة ضربة وأكثر وأقل ، بحيث لو كان على الإنسي لقتله ، وإنما هو على الجني ، والجني يصيح ويصرخ ويحدث الحاضرين بأمور متعددة ، كما قد فعلنا نحن هذا وجربناه مرات كثيرة يطول وصفها بحضرة خلق كثيرين " ( كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه ج19/ص60 ) وقد ذكرنا آنفا أن الأفعال التي ليس فيها مخالفة شرعية جائزة , ولكن عملية الضرب غير منضبطة مما يسبب الأذى والضرر للممسوس وقد يؤدي إلى قتله , يقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار " فالذي أراه أن علاج المس الشيطاني بالرقية الشرعية بعيداً عن الضرب هو الطريق الواضح الآمن ، وأن الضرب فيه مخاطر كبيرة وهو فعل غير منضبط . ولا يجوز القول بالجواز حتى لا يقع الناس في المحظور ، وإن كان بعض العلماء قد فعله . وقد قرأت في بعض الصحف اليومية قبل أيام أن امرأة في مصر ماتت تحت يدي أحد الرقاة من شدة الضرب ، وأن القضية أُحيلت إلى الجهات الأمنية . وفي ذكر هذه القصة والإشارة إلى غيرها خير دليل على خطورة ضرب الممسوس . س : هل هناك من فرق بين الرقية المباشرة والرقية عن طريق سماع الشريط ؟ ج : الرقية المباشرة أفضل ؛ لأن فيها نفث وفيها وضع يد الراقي على المرقي ، وهذا غير ممكن عند سماع الشريط ، ولكن لسماع أشرطة الرقية أثر طيب لا يُنكره إلا من جهله . س :هل تنفع رقية الراقي الساهي عن التدبر بآيات الله ؟ ج : قراء كلام الله خير وبركة ، وكذلك الرقية به ، ولكن مما لا يخفى أن التدبر مطلوب عند قراءة القرآن ، وأن التدبر هو الوجه الأكمل في القراءة ، ومتى كان التدبر هو الوجه الأكمل ، فهذا يعني أن الرقية مع التدبر هي الرقية الأكمل . وإن كانت الرقية بقراءة القرآن دون فهم معنى الآيات ودون تدبر نافعة أيضاً ، فهاهم كبار السن الأميون يرقون أهلهم وهم لا يدركون معاني سورة الفلق كاملة - وهذا الأمر مانع من التدبر ؛ لأنه لا تدبر بدون فهم المعنى - ولكن كان في رقيتهم الخير رغم جهلهم بمعاني الآيات علاوة عن تدبر معناها . س : هل الرقية موهبة أم تعليم أو بمعنى آخر هل يستطيع كل مسلم أن يقوم بالرقية ؟ ج : نعم ، إذا تعلم المسلم الرقية وما يجوز منها وما لا يجوز ، فبإمكانه القيام بالرقية ، ولكن لا يُنكَر أن بعض الناس أعلم بالرقية من بعض ، حتى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فعَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ لِي خَالٌ يَرْقِي مِنْ الْعَقْرَبِ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرُّقَى قَالَ فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ نَهَيْتَ عَنْ الرُّقَى وَأَنَا أَرْقِي مِنْ الْعَقْرَبِ فَقَالَ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ ( مسلم : 4077 ) فخال جابر تميز عن بعض الصحابة – رضوان الله عليهم - بالرقية من العقرب . س : هل يجوز أن يتخصص بعض الناس بالرقية ؟ ج : لا بأس أن ينفع المسلم الناس ، أما ما نراه من استغلال بعض من يدعي الرقية للناس وكذبه عليهم وغير ذلك من الأمور ، وإشعارهم أنه مقرب من الله ، وأن له ميزات خارقة غير ميزات الآخرين ، فكل هذا محرم وفيه غبن وخداع . وبعض هؤلاء قد يكون من السحرة س : كيف يفرِّق المسلم بين الساحر والراقي الصالح ؟ ج : الراقي الصالح يرقي بالقرآن والأذكار والأدعية الشرعية ، يشهد له بالصلاح أهل حيه وأهل مسجده وأقاربه ، لا يستغل الناس ولا يكذب عليهم ، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر . وأما الساحر فقد يدلس عليك بقراءة بعض آيات القرآن ، وبالصلاح الزائف الذي سرعان ما يذهب عند السؤال عنه . س : هل من علامات يعرف بها الساحر ؟ ج : أول علامة ما ذكرنا من عدم صلاحه . وأنه قد يقرأ القرآن ولكنه قد يتمتم بأشياء غير معروفة ، وأيضاً قد يدَّعي علم الغيب ويقول للمريض إن فلاناً هو الذي سحرك ، أو أن صفته كذا وكذا . بل إن بعضهم يحافظ على صلاة الجماعة ولكنه يصلي على غير طهارة ، تقرباً للشياطين ؛ لأنه مستخف بعبادة الله ، بل إني سمعت أحد السحرة التائبين يقول : إنه كان يصلي جنباً . وقد شاهدت أحد السحرة في محضر دُعيت إليه لأتعرّف عليه ، وأُخبر من دعاني بحقيقة هذا الرجل هل هو راقٍ أم ساحر ، فلاحظت أنه يقرأ القرآن ثم يتمتم بكلمات بصوت خافت لا يسمعه حتى القريب منه ، فاتضح أنه ساحر . س :من المعالجين من يسأل المريض عن اسمه واسم أمه ، وإذا سُئل : لماذا تريد معرفة اسم الأم دون اسم الأب ؟ قال : لأن الإنسان يُنادى عند تلقينه على القبر باسم الأم ، ويُنادى في الآخرة باسم الأم أيضاً . ويقول أيضاً : إن روحانية الكواكب نزلت عليه وهو في بطن أمه فهو ألصق بها من أبيه . فما حقيقة هذه الأقوال ؟ ج : إن من يدّعي العلاج بالقرآن ويسألك عن اسمك واسم أمك لهو ساحر ساحر ، لا ريب في هذا الأمر البتة . وأما قولهم : إن المسلم ينادى باسم أمه بعد دفنه ، فهذا قول خطأ ؛ فقد روي بسند ضعيف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل يا فلان ابن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب . ثم يقول يا فلان ابن فلانة فإنه يستوي قاعداً . ثم يقول يا فلان ابن فلانة فإنه يقول أرشدنا رحمك الله . ولكن لا تشعرون ، فليقل : اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، وإنك رضيت بالله ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً. فإن منكراً ونكيراً يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول : انطلق بنا ما نقعد عند من لُقِّن حجته ، فقال رجل : يا رسول الله فإن لم نعرف أمه، قال : فينسبه إلى أمه حواء ، يا فلان ابن حواء " والحديث ضعيف انظر ( المجموع ج5/ص265 )وانظر (السلسلة الضعيفة 2/64) وأما قولهم : إنه يُنادى في الآخرة باسم أمه ، فهذا خطأ أيضاً ؛ لأنه يُنادى في الآخرة باسم أبيه . فقد روى البخاري في (صحيحه ج5/ص2285) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال : هذه غدرة فلان بن فلان . وفي هذا دليل على أن الإنسان يُنادى باسم أبيه في الدنيا والآخرة . وأما ما يُذكر من روحانية الكواكب فهذا محض افتراء وكذب وخرافة . س : بعض المعالجين قد يطلب أثراً من آثار المريض كقطعة من ثيابه أو قطعة من أشياء يستخدمها ، ويقول له : لا بد من هذا الأثر في عملية العلاج ، فما حقيقة هذا المعالج؟ ج : حقيقة هذا المعالج أنه ساحر ، ولا يحتاج المعالج بالقرآن إلى الأثر ، وإنما الذي يحتاجه هو الساحر . فمن أنواع السحر ما يكون عن طريق الشعر أو الملابس أو أي شيء له علاقة بالمسحور . وهذا الأمر أوضح من الشمس في منتصف النهار ، وإذا طلب معالج أثراً للمريض فهو ساحر وإن كان ذو لحية كثة أو ثوب ناصع البياض أو حتى حسن الصوت بقراءة القرآن ، فالأمور تعرف بحقائقها لا بمظاهرها . س : بعض المعالجينً يطلب أحياناً حيواناً بصفات معينة ليذبح ، فما حقيقة هذا الأمر؟ ج : حقيقة هذا الأمر أن هذا الإنسان ساحر ، يتقرب إلى شياطينه بهذه الذبائح ، وأما هذه الصفات المعينة فإنما كانت بناءً على طلب شياطينه ، وهذا الأمر يدخل في باب الشرك والذبح لغير الله ، وليس فيه شفاء وإنما فيه البلاء ، عافانا الله وإياك ! س : بعض المعالجين قد يعطي المريض أوراقاً كتبت عليها كلمات غير مفهومة وقد يكون فيها كلمات واضحة من كلمات القرآن فما حقيقة كتابة هذه الطلاسم غير المفهومة؟ ج : من ضوابط الرقية الشرعية أن تكون مفهومة ، ولا يخفى منها شيء ، فإن كان فيها شيء واحد غير مفهوم ، خرجت من حيز الرقية الشرعية إلى حيز الرقية المحرمة . فاحذر هذه الأوراق وهذه الطلاسم فهي شركية ، ولو كانت شرعية لما أخفاها كاتبها . س : بعض المعالجين قد يتلو عزائم غير مفهومة، مثلاً : يا سيد ، يا نادر . أو أي شيء غير أسماء الله سبحانه وتعالى المعروفة لدينا ، ويقول لك هذا المعالج : إن هذه أسماء لله تعالى قد وهبها الله لي وأعطاني أسرارها . فهل حقيقة أن لله أسماء وهبها لهؤلاء الأشخاص وأعطاهم أسرارها ؟ ج : أسماء الله سبحانه وتعالى غيب لا تعلم إلا عن طريق رسالات الأنبياء ، ومن ادّعى أنه يعرف من أسماء لله سبحانه وتعالى غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كذب ؛ لأن الغيب لا يعلمه إلا الله ، ولا يظهر الله على غيبه أحداً إلا من ارتضى من أنبيائه ورسله . وحقيقة هذه الأسماء التي يعزّمون عليها ويستغيثون بها أنها أسماء لشياطينهم التي يستغيثون بها . ثبتنا الله وإياك على التوحيد ! س : بعض المعالجين يأمر المريض أن يعتزل الناس فترة معينة ويقول له : إن هذا الاعتزال هو طريق الشفاء ، فهل يجوز للمريض أن يطيع هذا المعالج ؟ ج : الاعتزال ليس طريقاً إلى الشفاء ، وإنما هو منهج السحرة في معاملة المرضى ، وليس السر في الاعتزال وحده ، وإنما يأمره أن يتلو عزائم معينة ، أو أن تكون الغرفة مظلمة أو أن يترك الصلاة والذكر ودعاء الله في فترة الاعتزال . وكل هذا كما هو واضح بعيد عن الشرع بل ومضاد له ، ولا يجوز لمسلم أن يمارس مثل هذا العمل ، لأنه على أحسن أحواله عبث لا فائدة منه ، كيف وهو أسلوب للسحرة والمشعوذين . س : بعض المعالجين يطلب من المريض أن لا يمس الماء لمدة معينة ، هل يجوز هذا الأمر ؟ ولماذا يطلبونه ؟ ج : هذا الأمر لا يجوز ، لأن المسلم بحاجة إلى الوضوء والطهارة لأداء الصلاة ، ولا صلاة بدون طهارة ، فهذا أمر لترك الصلاة ولكن بأسلوب ملتف . بل إن بعضهم يأمر المريض بأن لا يمس القرآن وبأن لا يقرأه ، معلِّلاً ذلك بأنه لا يريد أن يثير الشياطين الموكَّلة بالمرض لكي يتم الشفاء . ويطلبونه بغية إرضاء أسيادهم من الشياطين ، جعلني الله وإياك من المتطهرين ! س :بعض المعالجين يعطي المريض أشياء يدفنها في الأرض ، فهل هذه من الطرق الشرعية ؟ ولماذا يؤمر المريض أن يدفنها؟ ج : هذه الطريق ليست من الطرق الشرعية ، بل هي من طرق السحرة والمشعوذين ، ويؤمر المريض بدفنها لأنها حجاب وعمل سحري ، والدفن هو لحفظها من أن تصل إليها الأيدي فتفكّها فيبطل عملها . س :أحياناً يخبر بعض المعالجين المريض عن اسـمه واسم أمه وبلده ومشكلته ، فما حقيقة هذا الإخبار ؟ ج : هذا المعالج ساحر يتعامل مع الشياطين ، وحقيقة ما يتم أن شياطين الساحر تسأل قرين الرجل من الجن عن اسم الرجل ومشكلته وبلده وأشياء أخرى ، ثم توحي هذه الشياطين ما سمعته من قرين الرجل إلى الساحر ، والذي بدوره يقوم بإخبار المريض المسكين بهذه الأمور ، فينبهر هذا المريض بهذا المعالج ويظن أن له القدرات الخارقة في العلاج ، وما هو إلا سراب يحسبه الظمآن ماء . س :بعض المعالجين قد يعطي المريض أوراقاً بها آيات من القرآن وبعض الأرقام ، ويقول هذا المعالج للمريض : اشرب ماءها أو احرقها أو تبخر بها ، أو غير ذلك . فما حكم هذه الأوراق رغم أنه ليس فيها شرك ؟ ج : بل كلها شرك ؛ فأسلوب كتابة الأرقام مع الآيات القرآنية أسلوب شعوذة وسحر ، حيث إن لهذه الأرقام أحرف توازيها على طريقة أحرف ( أبجد هوّز ..) وهم يستخدمون هذه الأرقام مع الآيات لتحقير الآيات والسخرية منها ، حيث إن لهذه الأرقام رموز شركية ، وهذا أسلوب سحر محرم . فلا يجوز التعامل بهذا الأسلوب سواء كتابة أو أخذاً أو إعطاء أو إرشاداً لقوله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) س : هنالك من يُعطي المرضى أوراقاً فيها آيات من القرآن كتبت بشكل مقطّع ، أو على شكل مربعات وفيها أحرف آيات من القرآن ، وقد تكون هذه الكتابات على بيض دجاج أو على أشياء أخرى ، فما حكم هذا ؟ ج : إن كتابة القرآن على أي صورة غير الصورة المعروفة التي كتبت في المصاحف هي أسلوب سحر يتقرب به الساحر إلى الشياطين ، كأن يكتب القرآن مقلوباً ، أو بأحرف مقطعة ، أو معه الأرقام ، بل وبعض السحرة يكتب آيات من القرآن على الصورة المعروفة في المصاحف ولكنه يخلط المداد بالبول ودم الحيض ، ليكتب القرآن بالنجس ، وكل هذا تقرباً إلى الشياطين ، فليحذر المسلم من هذه الأساليب الكفرية . س : ممن يُقال عنه ساحر ويتعامل تعامل السحرة بالطلاسم يقول لك : إن الشفاء بيد الله ، وإن الله على كل شيء قدير ، وإن العلاج لا يكون إلا بالقرآن ، فكيف يكون هذا ؟! ج : لا بد أن نعلم أن التدليس على المسلمين مطلب شيطاني في البداية ،والسحرة خدم للشياطين يحققون مطالبهم الكفرية و يدلسون على الناس دينهم ، كل هذا مقابل خدمات يسيرة من الشياطين لهذا الساحر ، وأود أن أذكر أن الشياطين هم الذين يسيطرون على الساحر ، وليس كما يظن بعض الناس أن الساحر هو المسيطر على هذه الشياطين . فكم من السحرة مَن تطلب منه الشياطين أن يذهب إلى ضريح أحد المعروفين وأن يقرأ عنده القرآن وأن يصلي ، وبهذا ترتفع مكانته عندهم . وقد يسأل سائل : كيف ترتفع مكانة الساحر عند الشياطين بالصلاة وقراءة القرآن ؟ ولمعرفة السر في هذا الأمر يجب أن يُعلَم أن الشياطين لا ترفع مكانة الساحر بقراءته للقرآن وللصلاة ، وإنما هنالك أمر آخر هو السر في الأمر حيث يطلبون إلى الساحر أن يصلي إلى القبر ، وهذا عين الشرك الذي ينقض كل خير في الدنيا . ومن الشياطين من يطلب إلى السحرة أن يستغيثوا برسول الله صلى اله عليه وسلم ، وهذا ليس حباً في الرسول ، وإنما هو حب للشرك . س : قد يعطي بعض المعالجين للمرضى أشياء يأكلها أو يرشها أو يحرقها ويتبخّر بها أو ما شابه هذا ، ويطلب هذا المعالج من المريض أن ينادي باسم غريب عند الأكل أو الرش أو الحرق ،على سبيل المثال : حبتوش أو ما شابه ، ويقول هذا المعالج للمريض : إن هذا اسم الله الأعظم ، فما حكم هذا الأمر ؟ ج :لا يجوز الاستعانة والاستغاثة بغير الله سبحانه وتعالى ، ولا المناداة بهذه الأسماء الوثنية ؛ لأن هذا من أعمال الشر والشرك ، أعاذنا الله من الضلال ! س : ما حكم الاستشفاء بارتداء بعض الملابس أو لبس بعض الخواتم التي يُقال إن في لبسها شفاء ، ويقولون : إن لهذه الملابس تأثيراً وإن لهذه الخواتم أسراراً وخداماً ؟ ج : حقيقة هذه الملابس أنها تحتوي في داخلها على طلاسم شركية ، أو أنها قد عُزّم عليها تعزيمات شركية ، وهذا ليس من أساليب المعالجة الشرعية ، وإنما هذا سبيل السحرة الضُّلال ، وكذلك الاستشفاء بهذه الخواتم المزعومة ، ما هذا إلا سبيل الشرك والكفر والاستعانة بغير الله سبحانه وتعالى . س : هل حقيقة أن لسور القرآن الكريم خدّاماً ، حيث سمعت بعضهم يقول : إن لكل سورة من القرآن خدّاماً ؟ ج : القول بأن لسور القرآن خدّاماً هو إخبار عن الغيب ، والغيب لا يُقبل إلا إذا كان عن طريق ما جاء في القرآن أو أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، أما هذا الخبر المكذوب ، وهو أن للسور خدّاماً ، فهو محض افتراء من السحرة ، يستعينون بالشياطين ، ويقولون هم خدّام سور القرآن ؛ ليغطوا كفرهم وضلالهم بالتدليس والكذب ، فمثلهم كمثل من جاء بالسم وخلطة بالدسم ، فهل يغيّر الدسمُ حقيقة السم . س : هل من كلمة تريد أن تختم بها ؟ ج : القرآن شفاء للأمراض كلها كما مر آنفاً ، ولكن هذا لا ينافي التداوي بالأدوية العلاجية ، فالنبي rتداوى بالحجامة ، وأرشد الصحابة إلى التداوي بالعسل وغير ذلك من العلاج المتوفر أيامهم ، وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ " ( مسلم: 4084) الخاتمة هذه رسالة تضيء الطريق أمام الرّقاة أو من يتعلم الرقية أو من يريد تعلُّمها أو من يُرقى من غيره ، وهذه الإضاءة لا بد منها في عصر دلَّس فيه كثير من المشعوذين والدجالين والضالين على كثير من الناس ؛ لأنهم لبسوا ثياب المشايخ والدعاة ، وظهروا بمظهر الصالحين التقاة ، وخلطوا القرآن مع السحر ؛ ليخدعوا الناس وليلبسوا عليهم دينهم ، فلا تغتر بقراءتهم للقرآن أو وعظهم ونهيهم عن الآثام ، هم العدو فاحذرهم ، قاتلهم الله . وهذه الرسالة ترسم الضوابط الشرعية للرقية الشرعية بيسر ووضوح ، ولا تشتت القارئ بين زحام النقول ، وإنما تربطه مع النبع الصافي ، والهدي الوافي ، مع كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه r . ولو أردت أن أورد النقول من كلام أهل العلم ؛ لأصبحت هذه الرسالة سِفْراً عظيماً يصعب على كثير من الناس قراءتها والاستفادة منها ، وفيما ذكرته كفاية .والله أعلم . وأسأل الله أن يجعل في هذه الرسالة الخير والبركة والأثر . آمين آمين !! |
#2
|
||||
|
||||
جزاكم الله خير الجزاء على هذا الموضوع
وطريقة عرضه بالفعل جيدة جعله الله في موزاين حسناتك ان شاء الله
__________________
أجمل شي في الحياة حينما تكتشف وجود أناس قلوبهم مثل اللؤلؤ المكنون في الرقة واللمعان .. والصفاء والنقاء .. قلوبهم تحمل الحب والعطاء .. اللهم احفظهم واكرمهم واجمعنا بهم تحت ظلك يوم لا ظل إلا ظلك .. اللهم ياارب لا تحرمنا من وجودهم فى حياتنا آمييييييييييين يا رب العالمين. |
#3
|
||||
|
||||
بجد موضوع رائع
جزاكي الله خيرا
__________________
متغيبة لفترة ... برجاء الدخول لزائري قسم * بوابة محافظات مصر *
|
العلامات المرجعية |
|
|