|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
هل ظُلم من ولد في بيئة كافرة!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد فيتساءل بعضهم عن مصير من ولدوا في بيئة كافرة، ولا عرفوا عن الإسلام شيئاً، وقد رأيت في ذلك أسئلة يصرح بعضهم بالشك فيها، ويقول: ما ذنبهم حتى يخلدوا في النار! بل رأيت من يثبت نحو هذا الهذيان تهمة على دين الإسلام! وجوابه بتصحيح المفهوم على طريقة أهل السنة أولاً: فالمحققون منهم لا يقولون بأن الكافرين الذين ولدوا في بيئة كافرة، ولم يعلموا عن الإسلام، في النار بإطلاق! بل هم عندهم أنواع: فمنهم من لم يعلم عن الإسلام شيئاً لانقطاع أسباب العلم عنه، كمن نشأ في أحراش بعيدة لم تخلص إليها الرسالة، فهذا لا يقال بأنه من أهل النار، بل هو من أهل الأعذار، حكمه حكم أهل الفترة على التحقيق، وإن كان في حكم الدنيا كافراً إذ لم يدخل في الإسلام، فلا يكفن ولا يغسل ولا يصلى عليه لو فرض العثور عليه ميتا قبل دعوته! وذلك لكونه ليس بمسلم وتلك حقوق المسلم، ومثل هذا لا يجوز أن يقاتل قبل أن يدعى إلى الإسلام، ولا نقول هو في الآخرة من أهل النار! بل نقول ما قاله الله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) [الإسراء: 15]، وأخبر أنه إنما يعذب من بعثت إليهم الرسل وعرضت عليهم الحجة: ( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نزلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) [ الملك]، وقال: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) [ الزمر: 71 ]، وقال تعالى: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) [فاطر: 37]، وقال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة: 19]، وقال: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء: 165]، فكل هذه الآيات وغيرها تدل على أن الله تعالى لا يعذب أحداً قبل عرض الحجة الرسالية عليه. وقد جاء من حديث الأسود بن سريع وأبي هريرة رضي الله عنهما بأسانيد جيدة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئًا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة. فأما الأصم فيقول: رب، قد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا! وأما الأحمق فيقول: رب، قد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر! وأما الهَرِمُ فيقول: رب، لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئًا! وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب، ما أتاني لك رسول! فيأخذ مواثيقهم ليُطِعنّه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردًا وسلامًا"، وفي بعض طرقه، قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا). أما إن كان عدم اهتداء الكافر إلى الإسلام، وجهله بتعاليمه، وتكذيبه به قد نشأ جراء استكباره أو إعراضه إيثاراً للعاجلة على ما جاءت به الرسل، وما بلغته الدعاة والنذر، المتوافرون القائمون بواجب الدعوة إلى الله سراً وجهراً، ليلاً ونهاراً، عبر كافة وسائل الاتصال والإعلام الممكنة! وهو مع ذلك مستكبر عن سماعهم أو معرض عن قولهم رغبة في الدنيا ومتعها، ورضا بها، واغترارا بحياته فيها، كما هو حال أكثر الكافرين اليوم، فلا عذر لمثل هذا، بل جهله بما يُعْرَض عليه جراء استكباره أو إعراضه ذنب آخر زيادة على الكفر، ولهذا توعد الله عز وجل في كتابه هذه الأصناف، وبين أن إعراضها الذي تسبب في جهلها لا ينفعها، كما في قوله: (وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [الأنعام]، (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الحجر]، وقال: (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) [الشعراء]، وقال: (كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا) [طه]، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124]، وقال: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) [السجدة: 22]. وفي سورة فصلت بين حال أكثر الناس مع كتاب الهداية؛ القرآن الكريم فقال تعالى: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ)، ثم بين بعد عاقبة هؤلاء المعرضين وضرب لهم مثلين فقال: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14) فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)، بل قال الله تعالى مثبتاً جهل المشركين ذاماً لهم مع ذلك بسبب إعراضهم: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنبياء: 24]. ومختصر القول: إن الله تعالى حكم عدل لا يُعذِّب من لم تبلغه الحجة أو بلغته وكان عنده عذر معتبر يمنع فهمها، من نحو المجنون والصبي والشيخ الهرم. لكنه يعذب من بلغته وأعرض عنها وكذب بها استكباراً أو إيثاراً لدنياه وما هو فيه، فمثل هذا جمع إلى إثم التكذيب إثم الإعراض أو الإعراض والاستكبار، فلا يكون أهلاً للعذر. وإذا علم هذا فليعلم أيضاً أن أحكام الدنيا مبناها على الظاهر، وأما الأحكام الأخروية فإلى الله تعالى العليم بخبايا الأمور، وقد كلفنا العمل بعلمنا لا ما يعلم هو سبحانه. ولهذا اختلف أهل العلم في الشهادة على المعين من الكفار الذين لا يظهر عذر له بأنه من أهل النار، مع حكمهم على نوعهم بأنهم من أهلها، لاحتمال وجود عذر خفي في ذلك المعين مرد قبوله من عدمه إلى الله تعالى، وهذا هو المختار، المنصوص عليه في أشهر عقائد أهل السنة، قالوا: لا نجزم لأحد بجنة ولا نار، نص على هذا المعنى الطحاوي وابن قدامة وابن تيمية وغيرهم في نقلهم لعقائد السلف. فإذا علم ما تقدم زال الإشكال. وهذه هي الطريقة المرضية في جواب الإشكال وللناس طرائق أخرى منها أن الحجة قائمة ببعثة الرسل، وبما أقامه الله عز وجل في الكون من دلائل ربوبيته، وبراهين توحيده، بالإضافة إلى ما غرسه في العقول والفطر، فهو في مؤاخذته ليس بظالم سبحانه. ومنهم على خلاف ذلك يطلقون عذر من لم يفهم الحجة أو يعرف الإسلام ونحو ذلك مما يقوله كثير من المتأخرين، وينقلون فيه لأهل العلم أقولاً لم يحكموها تفهمها. لكنها مع ذلك أقوال قد يعذر من صار إليها ولم يشكك في الدين! ولا في رب العالمين! بخلاف من حمل مقررات الشرع بهواه على غير ما يراه عدلاً ومن ثم شكك في الدين! فهذا الدافع له في الحقيقة إلى اختيار القول تشكيكه في الدين، وليس القول المقرر بالأدلة الشرعية هو المشكك له في الدين! بمعنى إن هذه القضية موضوع السؤال ليست بمسوغ للتشكيك في الدين، لكنها قد تكون عذراً في تبني أحد الأقوال التي تقدم ذكرها –لمن قصر علمه وضعف اجتهاده- مع البقاء على عقد الدين وأصله مستقراً راسخاً في النفس لدلائله المتظاهرة المبسوطة في كتب كثيرة. والله هو الموفق وهو يهدي السبيل. إبراهيم الأزرق
__________________
|
#2
|
|||
|
|||
لماذا يُعاقَب من وُلِد في أسرة كافرة ومات على الكفر
نؤمن كمسلمين بالقضاء والقدر ، فإذا كان مكتوباً على الطفل أن يولد في أسرة كافرة ، فلماذا يعاقب بدخول النار إذا كبر ومات على ذلك ؟ الحمد لله : نعم أخانا المكرم ، نحن نؤمن بالقضاء والقدر ، لكن قبل ذلك وبعده ، نحن نؤمن بكمال الله تعالى وعدله ، وتنزهه عن ظلم عباده ، أدنى ما يكون ذلك الظلم ، قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (يونس:44) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة معلومة ، بل فوق ذلك نعلم أن الله تعالى رفيق يحب الرفق في الأمر كله ، رحمن ، رحيم ، ذو رحمة واسعة هي أوسع من غضبه وانتقامه ، كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ ) رواه البخاري (7554) ومن أجل ذلك يحب أن يمهل عباده ويحلم عليهم ، ويعذر إليهم ، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( .. لَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ ..) رواه البخاري (7416) فإذا استقر عندك هذا الأصل البيِّن المحكم المنير ، الذي لا يصح لأحد إيمانه إلا بالتمكن فيه ، فرُدّ إليه – رحمنا الله وإياك – كل غبش من ظلمةِ جهل ، أو شبهة هوى ، وسرعان ما تجد قلبك قد استراح ، وقد علمت أن الله تعالى أرحم بك وبسائر عباده من الوالدة بولدها ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تحلّب ثَدْيهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ قُلْنَا لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ) رواه البخاري (5999) ومسلم (2754) والله الرحمنُ الرحيم أرحم بهذا الذي تسألُ وتجادل عنه ، منك ومن نفسه ، فإما كان من أهل رحمة الله فستدركه إن شاء الله ، لا محالة . وإما كان من المحادين المعاندين فاشتغل بما ينفعك أنتَ وينجيك " ولا تكن للخائنين خصيماً " وأحذر أن تغفل عن ذلك الأصل طرفة عين ، ثم احذر أن تنظر في القدر قبل أن تُحكِمه ، واعلم أن باب القدر كالشمس ، متى آمنت به ، وسلمت ، على ما أتاك من خبر الله ووحيه ، استرحت ، واطمأنت نفسك ، كالذي يسير في وضح النهار . وأما إذا دققت وشققت ، وتعمقت وتنطعت ، فما يستفيد المحدِّق في قرص الشمس سوى تلف عينيه ؟! فإذا جئنا إلى ما سألت عنه ، حتى لا تظن أن ما قدمناه لك حيدةٌ عن الجواب ، فاعلم مما يَجِبُ أن الله سبحانه وتعالى قد هيأ لكل إنسان ما يمكنه من معرفة الخير والشر ، قال تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) (البلد:8) ، أي عينين يبصر بهما ، (وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ) (البلد:9) ، أي ولسانا ينطق به عما في ضميره وشَفَتَينِ يَسْتَعِين بهما على الكلام ، ( وهَدَيْنَاهُ النَّجدين ) البلد/10 ، قال ابن مسعود : الخير والشر، وقوله تعالى : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (الانسان:2-3) ، فقد بَيّن لله في الآيات السابقة أنه عز وجل وَهَبَ للإنسان الوسائل والآلات التي يُمْكِنُه معها معرفة طريق الخير والشر . ثم إنه سبحانه لم يجعل هذه الآلات حجة على عباده بمفردها ، بل فتح لهم باب العذر ، وأملى لهم في الحجة ، حتى يأتيهم نور الوحي من السماء ، قال تعالى : ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) النساء/165 ، وقال تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الإسراء/ 15 ومن أجل ذلك يوبخ الله تعالى الكفار به على ما أضاعوا من عذر الله وإمهاله ، وغفلوا عن رسله وبيناته : ( َيا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ * ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ) (الأنعام 130-131 ) أما هذا الذي قَلّد أباه على الكفر ، ومات عليه ، فقد قال ابن القيم رحمه الله : " َيُفَرّق بين مُقَلّدٍ تَمَكّن من العلم ومعرفة الحق ، ومُقَلّد لم يتمكن من ذلك بِوَجْهٍ ، والقسمان واقعان في الوجود فالمُتَمَكِّن المُعْرِض ، مفرطٌ تاركٌ للواجب عليه ، لأنه لا عذر له عند الله ، وأما العاجز عن السؤال والعلم ، الذي لا يتمكن من العلم بوجه ، فهم قسمان أيضا : أحدهما : مُرِيدٌ للهدى مُؤْثِر له ، مُحِب له ، غير قادر عليه ، ولا على طلبه ، لعدم من يُرْشِده ، فهذا حكمه حكم أرباب الفترات ومن لم يبلغه الدعوة . الثاني : معرض لا إِرَادة له ، ولا يحدث نفسه بغير ما هو عليه ، فالأول يقول : يا رب لو أعلم دينا خيرا مما أنا عليه لَدِنْتُ به وتركت ما أنا عليه ، والثاني راضٍ بما هو عليه ، لا يُؤْثِر غيره عليه ، ولا تَطْلُب نفسه سواه ، ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته ، وكلاهما عاجز ، فالأول كمن طلب الدين في الفترة ولم يَظْفَر به ، فعدل عنه بعد استفراغ الوسع في طلبه عَجْزاً وجهلاً ، والثاني كمن لم يطلبه ، بل مات على شركه " أهـ . طريق الهجرتين 678 . وإن كان لو طلبه لعجز عنه ، ففرق بين عجز الطالب وعجز المعرض ، فتأمل هذا الموضع ، والله يقضي بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله ، ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل ، فهذا مقطوع به في جملة الخلق ، وأما كون إنسا معين قد قامت عليه الحجة أم لا ، فذلك ما لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه ، وهذا في أحكام الثواب والعقاب ، وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر ، فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا ، لهم حكم أوليائهم " وهؤلاء الذين لم تبلغهم الدعوة ، ولم تقم عليهم حجة الله بالرسل ، أصح الأقوال فيهم أنهم يمتحنون في ***ات القيامة ، ويرسل إليهم هناك رسول ، فمن أطاعه دخل الجنة ، ومن عصاه دخل النار ، كما في مسند الإمام أحمد (18566) وغيره من حديث الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا وَرَجُلٌ أَحْمَقُ وَرَجُلٌ هَرَمٌ وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ قَالَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا ) وفي رواية : ( فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا يُسْحَبُ إِلَيْهَا) رواه أحمد والله الموفق منقول
__________________
|
#3
|
|||
|
|||
إن الله لا يظلم مثقال ذرة
|
العلامات المرجعية |
|
|