عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 20-07-2012, 05:46 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,986
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

ثورات .. ‬لكن ‬فى ‬يد قوى ‬سكونية
‬د. ‬إبراهيم عرفات
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
الثورة التي ‬لا تخطىء لم تحدث بعد...‬فالثورات ليست أفعالاً ‬معصومة، ‬بل الطبيعي ‬أن ترتكب كل ثورة أخطاء. ‬والثورة التي ‬تمضي ‬بلا تعثر وتتقدم بلا عائق وفقاً ‬لخطة عمل واضحة من البداية أقرب إلى الخيال السياسي ‬وليس الحقيقة....‬فكل ثورة تعدل وتغير كلما تخبطت.
. ‬أما الثورة التي ‬تهب ثم تُسلم رايتها إلى مؤسسات وقوى سكونية فليست ثورة بالمرة. ‬فالثورة تغيير سريع ‬يسابق الزمن، ونافذ ‬يصل إلى الأعماق، ‬وشامل لا ‬يستثني ‬من أمامه شيئاً. ‬أما قوى السكون فتفكيرها بطيء لا ‬يأخذ الوقت في ‬اعتباره ، ‬وسطحي ‬يقف عند حدود الشكل، ‬وجزئي ‬يعتبر السير خطوة كأنه قطع للطريق بأكمله. ‬وبينما الثورة حالة جماهيرية تصل بالفعل السياسي ‬إلى أعلى درجات الحركة، ‬فإن قوى السكون ، ‬جماعات ومؤسسات، ‬تحاول أن تهبط بالفعل السياسي ‬إلى حالة من الجمود. ‬الثورة فعل ‬يتحدى السكون. ‬أما قوى السكون فتأبى أن تتجاوب مع التغيير الثوري. ‬

والعلاقة بين قوى الثورة وقوى السكون علاقة بين نقيضين، ‬لا ‬يمكن أن تنهض على الثقة والقبول، ‬وإنما تغلفها ظلال كثيفة من الرفض والريبة. ‬وأي ‬تعايش ‬ينشأ بين الاثنين لا ‬يكون عن تراض واختيار، ‬وإنما لدواعي ‬الحاجة والاضطرار. ‬تعايش تحتمه موازين القوى وأقدار اللحظة. ‬فقوى الثورة مهما اشتد عودها، ‬وقضت حتى على الجزء الغاطس من النظام القديم ستجد نفسها بعد ذلك أمام قوى ومؤسسات السكون التي ‬يبقي ‬الجزء الأكبر من جسدها مختبئاً ‬في ‬الأعماق، ‬وقد تضطر الثورة،- ‬بعد أن تكون قد أُنهكت -‬إلى القبول بها والتعامل معها. ‬ومؤسسات السكون بدورها لو عجزت عن منع الثورة أو فشلت في ‬إجهاضها فلن تجد أمامها بديلاً ‬غير السير في ‬اتجاه التيار وركوب موجة الثورة حتى لا تفقد الزمام تماماً ‬من ‬يديها. ‬ومع أنها قوى سكونية تكره نداء الثورة إلى التغيير، ‬إلا أنها لا تتردد في ‬تلبيته مع أنها تمقته، ‬بل ولا تتردد في ‬ترديده مع أنها تحاول أن ترده. ‬هي ‬قوى استاتيكية بطبعها متى حملتها مفاجأة الثورة على الحركة إلا وتتعهد بتنفيذ أهدافها. ‬أما على الأرض فتتعامل مع الثورة على وقع ما تراه، ‬لا ما تعهدت به. ‬

وهكذا تمضي ‬العلاقة بين المتناقضين. ‬الثورة تتحول إلى شوكة في ‬حلق مؤسسات السكون لأنها تحاول بناء واقع مختلف. ‬ومؤسسات السكون تتحول إلى عبء على الثورة لأنها تركب على أكتافها متظاهرة لها بالمناصرة بينما هي ‬تثقل عليها وتكاد تغرقها. ‬والتناقضات بين قوى الثورة وقوى السكون كثيرة: ‬من الاختلاف على أساليب وحدود تصفية الماضي، ‬إلى طبيعة وشكل المستقبل. ‬والتناقضات بطبيعتها تتصارع ولا تتعايش، ‬تتناحر ولا تتوافق. ‬تعايشها إن حدث فمؤقت وتوافقها إن تم فهدنة، ‬ولهذا ‬يهدد أي ‬ثورة أن لا ترى التناقض بينها وبين المؤسسات والقوى السكونية، ‬أو أن تضطرها صيرورة التحول من ثورة إلى دولة إلى وضع عهدة التغيير في ‬يد تلك المؤسسات التي ‬لن تتردد في ‬تبريد أو تحديد أو تجميد إن لم ‬يكن تبديد الثورة. ‬وشيء من هذا ‬يجري ‬حالياً ‬مع ما بات* ‬يسمى إعلامياً "‬بثورات الربيع العربي"‬، ‬وهي ‬تسمية في ‬حاجة إلى وقفة ناقدة. ‬

فالثورة لا تسعى فقط إلى التخلص من بقايا النظام القديم - ‬وهي ‬مهمة ليست سهلة - ‬وإنما تحاول أيضاً ‬أن تقهر قوى ومؤسسات السكون التي ‬تستمر حتى بعد سقوط النظام القديم بأكمله، ‬وهي ‬مهمة أشد صعوبة. ‬ولهذا السبب قد لا ‬يرقى ما حدث في ‬العالم العربي ‬حتى الآن، ‬برغم أهميته وخطورته، ‬إلى وصف الثورة. ‬وقد تبدو في ‬هذا الرأي ‬قسوة، ‬لكن فيه أيضاً ‬مصارحة، ‬كذلك فإن تعبير "‬الربيع" ‬لا ‬يبدو منسجماً ‬مع ما نبصره من مشاهد وما نسمعه من حكايات. ‬فليس هناك ورود تتفتح، ‬وإنما دماء تراق، ‬وليس هناك فراشات تطير، ‬وإنما أرواح تصعد إلى بارئها. ‬وليس هناك بشائر لنسيم سياسي ‬قادم، ‬وإنما زوابع وتلال من الغبار والأتربة. ‬ما تبثه الشاشات، ‬مشاهد للقتل والدمار والتشنج وليس للتمكين والتهليل والتهاني، ‬فكيف والوضع على هذا النحو ‬يستعمل تعبير "‬الربيع"؟ كيف؟

‬ما جرى لأكثر من عام أن هبات شعبية عظيمة انفجرت فأسقطت حكاماً، ‬لكنها لم تسقط بعد كل نظم حكمها القديمة، ‬كما لم تلتفت إلى مؤسسات وقوى السكون المنتشرة حولها، ‬والتي ‬بدأت تتلقفها بخبث وتحتضنها بذكاء إما لكي ‬تحبط تلك الثورات بالكليةً، ‬أو لتديرها بالمنطق الذي ‬تعرفه مؤسسات السكون، ‬وهو أن ‬يبقى التغيير دائماً،* ‬لو كان لا فكاك منه، ‬في ‬حده الأدنى. ‬فالقوى والمؤسسات السكونية لا تحب الحركة، ‬وإنما تفضل عليها الثبات، ‬ولا تميل إلى التغيير، ‬وإنما إلى الاستمرار. ‬ولو اضطرتها الظروف إلى الوجود في ‬أنواء الحركة - ‬وأخطرها بالطبع حالة الثورة، ‬فتسعى إلى أن تكون بطيئة ولو استطاعت فستجعلها تدور في ‬وضع محلك سر.

‬وبسبب طبيعتها الرجعية المحافظة،* ‬تعتبر قوى ومؤسسات السكون العدو الصامت للثورات*. ‬تدعي* ‬في* ‬العلن أنها مع الثورة بينما في* ‬العمل تحاول أن تلجمها،* ‬تزعم أنها تريد للثورة أن تنطلق بسرعة،* ‬لكن ليس بسرعة الحركة* ‬kinetic speed * ‬وإنما بسرعة الثبات.idle speed
والمؤسسات السكونية هي* ‬كل بنية اجتماعية أو ثقافية أو سياسية أو اقتصادية عتيقة وعميقة لا تحب الحركة والتغيير*. ‬تعتبر أن الحركة ضرراً،* ‬وأن التغيير شراً،* ‬وأن التجديد انحرافاً*. ‬قد تكون جهازاً* ‬حكومياً* ‬أو سفارة أجنبية أو نخبة رجال أعمال أو تياراً* ‬أيديولوجياً،* ‬وأية قوة أخرى تحاول أن تبقي* ‬على القديم برغم عيوبه وتسفه الجديد برغم أهميته*. ‬هم فاعلون سياسيون* ‬يدافعون عن حالة السكون إما لأنه سبق لبعضهم قبل الثورة أن استفادوا منها عندما استحوذوا في* ‬ظلها على الحيز العام وباتوا* ‬يحاولون ألا* ‬يفقدوه،* ‬أو لأن بعضهم الآخر دخل إلى هذا الحيز راكباً* ‬قطار الثورة ولا* ‬يريد أن* ‬يتركه وهو للتو قد دخل إليه*. ‬ومؤسسات السكون العربية متنوعة ونافذة*. ‬الجيش مثلاً* ‬مؤسسة سكونية،* ‬والقبيلة مؤسسة سكونية*. ‬والطائفة مؤسسة سكونية*. ‬والقوى الدينية مؤسسة سكونية*. ‬وقوى الجوار النافذة إلى جانب قوى العالم القافزة على المنطقة هي* ‬أيضاً* ‬مؤسسات سكونية*.


* ‬فلولا قوى السكون الإقليمية في* ‬الخليج مثلاً* ‬لما كانت ثورة البحرينيين قد أحبطت،* ‬بل ربما كانت قد حققت جزءاً* ‬من مراميها*. ‬ونفس قوى السكون الإقليمية هذه التي* ‬تدخلت في* ‬البحرين*()‬،* ‬مع أنها لا تحاول أن تغير من نفسها سياسياً،* ‬هي* ‬التي* ‬رعت المبادرة الخليجية في* ‬حالة اليمن،* ‬وهي* ‬لم تفعل ذلك حباً* ‬في* ‬ثوار اليمن،* ‬وإنما لأنها قدرت أن علي* ‬عبد الله صالح قد احترق سياسيا،ً* ‬وأنه لو بقى بدعم من دول مجلس التعاون على عكس إرادة اليمنيين فقد* ‬يتسبب في* ‬تحول اليمن إلى خنجر* ‬يضرب الخاصرة الخليجية بأكملها،* ‬ولهذا كانت المبادرة الخليجية لإعادة ترتيب المشهد اليمني* ‬بحسب ما ترى مؤسسات السكون في* ‬المنطقة وليس كما* ‬يطالب الثوار في* ‬اليمن*. ‬


* ‬ولولا قوى السكون القبلية والمناطقية في* ‬ليبيا لما كانت ثورة السابع عشر من فبراير2011،* ‬قد انحرفت عن مسارها بهذه السرعة وتلك الخطورة*. ‬فقد سارعت تلك القوى بمجرد أن دخلت إلى الحيز العام الذي* ‬حرمها القذافي* ‬منه لسنوات طويلة إلى التمرد على هدف الثورة المبدئي* ‬في* ‬بناء دولة ليبية ديمقراطية حديثة،* ‬فاهتمت بالقبيلة على حساب الوطن،* ‬وبالإقليم على حساب الدولة*. ‬وبدلاً* ‬من أن تتحول ليبيا من ثورة إلى دولة أعلنت واحدة من قوى السكون فيها عن مشروعها الخاص للمستقبل بتشكيل* "‬مجلس إقليم برقة الانتقالي*" ‬برئاسة الشيخ أحمد الزبير الشريف السنوسي،* ‬وهو موقف* ‬يدل على فكر ما زال* ‬يتشرنق في* ‬ذاكرة جمعية ضيقة للقبيلة والمنطقة،* ‬تحاول أن تنسلخ عن الدولة،* ‬مهددة ليبيا بالتمزق أو بحرب أهلية*. ‬


* ‬لكن أبرز قوى السكون التي* ‬تلقفت الثورات العربية وأمسكتها بقوة اثنتان*: ‬المؤسسة العسكرية والقوى الدينية*. ‬الأولى لتحمي* ‬مصالحها وملفاتها القديمة،* ‬والثانية لتحصد ثماراً* ‬فاقت ما زرعته من أجل الثورة*. ‬ففي* ‬مصر مثلا،ً* ‬ظلت المؤسسة العسكرية لثلاثين عاماً* ‬مؤسسة سكون،* ‬ثم قدمت نفسها مع ثورة* ‬يناير على أنها مؤسسة حركة،* ‬ولم* ‬يكن ذلك مقنعاً*. ‬فقد كانت لعقود بسبب المنافع وتشابك المصالح جزءاً* ‬لا* ‬يتجزأ من البنية العامة للنظام السابق،* ‬لكن بنيتها الذهنية لم تسوغ* ‬لها القبول بسيناريو التوريث الذي* ‬كان* ‬يعد له*. ‬ما كانت تنتظره فرصة أو لحظة مناسبة للتدخل لإيقاف هذا السيناريو وليس لإسقاط النظام،* ‬وهو ما أتاحته ثورة الخامس والعشرين من* ‬يناير*. ‬


* ‬لكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة تصرف منذ أن تولى السلطة كمؤسسة سكونية وليس ثورية،* ‬سواء فيما* ‬يخص تصفية النظام السابق أو وضع أسس النظام الجديد*. ‬فلأنه مؤسسة سكون لم* ‬يهتم المجلس بمعركة التطهير وكأن المصريين ليس لهم مشاكل حادة مع النظام القديم*. ‬فلم* ‬يهتم بتلك المعركة ليس فقط على مستوى الفعل،* ‬بل وحتى على مستوى الخطاب*. ‬فمن بين* ‬94 رسالة أصدرها المجلس العسكري* ‬خلال الفترة من فبراير إلى ديسمبر* ‬2011* ‬لم ترد إشارة إلى مطالبة الثورة بتطهير النظام القديم إلا ثلاث مرات في* ‬الرسائل* ‬31 و34* ‬و35 بنسبة* ‬3*.‬1٪ عن رسائله خلال تلك الفترة*. ‬ولأكثر من سنة اتضح أن معالجة الماضي* ‬وتطهير بقاياه تسير في* ‬أضيق الحدود على عكس ما تطالب به الثورة*. ‬وفيما* ‬يخص بناء النظام الجديد فإن أول قوى جرى تجاهلها هي* ‬التي* ‬قامت بالثورة*: ‬الشباب*.

‬فقد تعاطف المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع الثورة وتماشى باللسان مع أطروحاتها إلا أنه كمؤسسة سكونية أظهر في* ‬الفعل حرصاً* ‬كبيراً* ‬على تفريغ* ‬ميدان التحرير،* ‬ركيزة الثورة،* ‬من المتظاهرين بدعوى الحفاظ على الأمن والاستقرار راسماً* ‬بذلك في* ‬أذهان المصريين صورة سلبية عن ثوار الميدان تظهرهم وكأنهم المسئولين عن تعطيل المرافق العامة ووقف عجلة الإنتاج*. ‬


ولم تسلم الثورات العربية كذلك من* ‬يد القوى السكونية الدينية التي* ‬انحرف بعضها بمسار هذه الثورات من محاولة لبناء نظم سياسية عربية ديمقراطية مدنية حديثة إلى محاولة تمكين تصور أيديولوجي* ‬قد* ‬ينتهي* ‬بالمنطقة وفيها أكثر من دولة* ‬يحتكرها تيار ديني* ‬مغال في* ‬المحافظة والجمود*. ‬فالثورة التونسية مثلاً* ‬لم تشعلها حركة النهضة،* ‬لكنها جنت معظم ثمارها*. ‬كما أنها لم تعرف مشاركة من قبل السلفيين التونسيين،* ‬بل ولم* ‬يكن أحد* ‬يسمع بهم أصلاً*. ‬لكنهم قفزوا فجأة إلى صدر المشهد،* ‬وبلغت جرأة بعض منهم على الثورة أن قامت مجموعات سلفية مؤخراً* ‬في* ‬تصرف له دلالة رمزية كبيرة بإسقاط العلم الذي* ‬ضحى من أجله التونسيون ضد الاستعمار والاستبداد من فوق مبنى كلية الفنون والآداب في* ‬مدينة منوبة الواقعة في* ‬شمال تونس ليضعوا بدلاً* ‬منه علماً* ‬أسود قالوا إنه* ‬يرمز للخلافة الإسلامية*.‬


* ‬ولم تكن الصورة في* ‬مصر أفضل حالاً* ‬لأن القوى السكونية هي* ‬التي* ‬قطفت ثمار أول انتخابات برلمانية بعد الثورة فأصبحت تتحكم في* ‬لجان المجلس التشريعي،* ‬وتسير أعماله في* ‬ظل تهميش عددي* ‬ونوعي* ‬للقوى الثورية،* ‬بالذات من الشباب،* ‬الذين كان* ‬يفترض أن* ‬يشغلوا أغلبية مقاعده*. ‬وبسبب هيمنة قوى السكون على البرلمان المصري* ‬الجديد خرج واحد من أعضائه القلائل من ذوي* ‬الخبرات العلمية المتميزة في* ‬حقل الدراسات السياسية،* ‬وهو الدكتور وحيد عبد المجيد ليكتب في* ‬التاسع من مارس2012 في* ‬جريدة* "‬المصري* ‬اليوم*" ‬قائلاً*: "‬الأرجح أن من* ‬يراهنون الآن على مجلس الشعب ويقف الآلاف منهم على أبوابه كل* ‬يوم سيدركون خلال أسابيع أو أشهر قليلة حدود دور هذا المجلس*." ‬وهو كلام له أهميته لأنه* ‬يصدر عن محلل سياسي* ‬له باعه،* ‬وعضو برلماني* ‬له فعاليته*. ‬

كلام* ‬يشير إلى أن البرلمان الجديد بسبب الميول السكونية لأغلبية أعضائه لم* ‬يعد هو العنوان الصحيح الذي* ‬يمكن أن* ‬يلجأ إليه المصريون لتحقيق مطالب الثورة*. ‬ونتيجةً* ‬لهيمنة تلك القوى السكونية على البرلمان بمجلسيه،* ‬الشعب والشورى،* ‬باتت مؤسسة الرئاسة هي* ‬خط الحماية الأخير ضد قوى السكون*. ‬ولهذا واصل د*. ‬عبد المجيد تقييمه للمشهد المصري* ‬بالقول* "‬إن إيمان المرشح للرئاسة بالديمقراطية سيكون له أهمية أكبر في* ‬حالة مصر في* ‬السنوات المقبلة*".‬


* ‬ولم تعد النزعة السكونية لشاغلي* ‬معظم مقاعد المؤسسة التشريعية المصرية خافية*. ‬فتبني* ‬كثير منهم لمطالب الثورة لم* ‬يعد* ‬يظهر بوضوح على أجندة أعمالهم بقدر ما تظهر عليها قضايا أخرى تلبس لوناً* ‬أيديولوجياً* ‬إسلامياً* ‬لا* ‬يتفق عليه كثير من المصريين،* ‬ولم تخرج الثورة في* ‬الأصل من أجله،* ‬وهي* ‬طريقة عمل تتناسب مع الفكر السكوني*. ‬تستولي* ‬على مفاصل التغيير،* ‬ثم تشل حركتها،* ‬وهو أسلوب لن* ‬يقف عند حد الانتخابات التشريعية التي* ‬جرت،* ‬وإنما سيعبر عن نفسه من جديد في* ‬مواقف أخرى أقربها تشكيل اللجنة التأسيسية المنوط بها صياغة الدستور وعند كتابة الدستور نفسه،* ‬وهما معركتان لن تخوضهما القوى السكونية باسم الثورة،* ‬اللهم إلا تمحكاً،* ‬وإنما بثقل الأغلبية البرلمانية التي* ‬حازتها*. ‬


والمؤسسات السكونية قد تعمل بمعزل عن بعضها لو تعارضت حساباتها،* ‬لكنها قد تعمل أحياناً* ‬بالتعاون مع بعضها لو اقتضت مصالحها*. ‬ويربط عادةً* ‬بينها عقد* ‬غير مكتوب تتفق فيه على لجم مستوى التحول الديمقراطي* ‬إلى الدرجة التي* ‬لا تهدد ثقافة السكون*. ‬وفي* ‬هذا الصدد لم* ‬يكن* ‬غريباً* ‬مثلاً* ‬ما جرى تداوله من تحليلات ربطت بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة في* ‬مصر والسياسة الأمريكية فيما* ‬يخص الإفراج عن المتهمين الأمريكيين في* ‬قضية التمويل الأجنبي* ‬لمؤسسات المجتمع المدني* ‬العاملة في* ‬مصر*. ‬فالسياسة الأمريكية في* ‬المنطقة سياسة سكونية تسعى لتأبيد نفس القواعد القديمة التي* ‬كانت تتبعها مع مصر حتى بعد أن سقط مبارك*. ‬والمجلس العسكري* ‬بدوره مؤسسة سكونية،* ‬لم تكن جهة قضائية أو تنفيذية تجرؤ على اتخاذ خطوة بهذا الحجم دون الرجوع إليه،* ‬وقد تصرف المجلس بطريقة تؤكد أنه لم* ‬يتخلص من عقلية المؤسسة السكونية التي* ‬كانت تحكم العلاقات المصرية الأمريكية طيلة الفترة الماضية،* ‬وكأنه لا وجود بالمرة للثورة*.‬


والشيء نفسه* ‬ينطبق على علاقة الإخوان المسلمين بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة،* ‬وتعد الأبرز في* ‬تحالف قوى السكون مع بعضها متى ما تسلمت إدارة الثورة*. ‬فالإخوان تسلموا سلطة التشريع،* ‬والمجلس العسكري* ‬يقبض بقوة على سلطة التنفيذ،* ‬ويقوم تقريباً* ‬بنفس ما كانت تقوم به السلطة التنفيذية في* ‬النظام القديم من تدخلات تتعدى كثيراً* ‬صلاحيات السلطات الأخرى*. ‬وقد بدأ التنسيق بين قوتي* ‬السكون منذ الأيام الأولى للثورة،* ‬ومازالت تجلياتها تتواصل*. ‬فالإخوان على عكس هوى القوى الثورية قبلوا في* ‬معمعة الثورة الدخول في* ‬حوار مع عمر سليمان،* ‬ومن بعده مع المجلس العسكري*. ‬ثم أنهم أيدوا مبدأ تعديل دستور* ‬1971 وليس إسقاطه كما كانت تطالب بذلك القوى الثورية،* ‬وكانوا أول من دعم الإعلان الدستوري* ‬الذي* ‬أصدره المجلس العسكري* ‬في* ‬30 مارس* ‬2011 برغم ما طرأ عليه من تعديلات لم* ‬يستفت عليها المصريون،* ‬كما كانوا في* ‬مقدمة من استجاب لمطالبة المجلس العسكري* ‬بعدم النزول في* ‬مليونيات،* ‬فضلاً* ‬عن أنهم بعد القبض على* ‬غرفتي* ‬البرلمان بات تركيزهم* ‬ينصب على الترويج لشرعية البرلمان وكأنهم بقصد أو* ‬غير قصد في* ‬اتفاق مع المجلس العسكري* ‬على أن شرعية الميدان لم* ‬يعد لها وجود إن لم* ‬يكن الميدان أصبح خارجاً* ‬على الشرعية،* ‬وأهم من كل هذه العلامات أن قوى السكون تغفر لبعضها ما تريد عند الحاجة،* ‬ولهذا فقد أغمض المجلس العسكري* ‬عينيه عن تأسيس حزب سياسي* ‬للإخوان المسلمين مع أن الجماعة الأم التي* ‬انبثق عنها الحزب ما زالت،* ‬وفق قوانين إشهار الجمعيات،* ‬محظورة*. ‬


* ‬هذا هو ما تفعله المؤسسات السكونية مع الثورات*. ‬لا تقف في* ‬وجهها إذا كانت لا تستطيع،* ‬لكنها تتسلم رايتها متى استطاعت محاولةً* ‬بذلك أن تحافظ على ما أمكنها من الوضع القديم أو تحفظ لنفسها ما استحوذت عليه من حيز عام في* ‬ظل الوضع الجديد*. ‬وإذا ما اضطرت قوى السكون إلى الخوض في* ‬غمار عملية التغيير فليكن ذلك عبر عملية إصلاح بطيئة وطويلة وليس بحرق المراحل وزيادة السرعة،* ‬ولكل هذا فالقوى والمؤسسات السكونية ليست أفضل من* ‬يقود التغيير،* ‬لكنها كثيراً* ‬ما تستطيع أن تتسلم رايته لو كانت الثورات بلا قيادة وتنظيم واضحين*. ‬وبعض قوى السكون العربية،* ‬وهي* ‬تشارك الآن في* ‬إدارة المرحلة الانتقالية في* ‬بلدانها تقاوم التغيير الثوري* ‬المطلوب منها لأنها لا تزال وفية للتقاليد السياسية القديمة التي* ‬هبت الثورات العربية عليها،* ‬والبعض الآخر* ‬يبدأ في* ‬الحركة مع الثورة،* ‬لكنه* ‬ينفصل عنها حينما* ‬يجد أن سرعة التغيير المطلوبة منه لا تناسب فكره السكوني*.


ولا شك في* ‬أن الثورات العربية لا* ‬يزال أمامها أشغال شاقة وهي* ‬تتطلع لإنجاز مهمة التحول الديمقراطي* ‬الصعبة*. ‬فكما أن عليها أن تطهر أوطانها من بقايا النظام القديم،* ‬عليها أيضاً* ‬مواجهة القوى السكونية العتيقة التي* ‬قد تمثلها البنى القبلية أو الطائفية أو المؤسسة العسكرية أو علاقة تبعية خارجية،* ‬وكلها بنى ذكية قدَّرت عند لحظة الانفجار الشعبي* ‬أن الأسلم لها أن تسير مع الثورات لا ضدها حتى تهدأ فتبدأ أفاعيل الفكر السكوني* ‬في* ‬محاصرتها لتبردها أو تشتتها أو تنهكها*. ‬ويستطيع المرء أن* ‬يفهم بسبب تلك القوى السكونية القوية والنافذة لماذا* ‬أن عمر الاستبداد في* ‬المنطقة العربية قرون بينما عمر الديمقراطية فيها بضع دقائق،* ‬وهذا ليس مدعاة لليأس،* ‬وإنما إشارة إلى أن التصدي* ‬لقوى السكون لن* ‬يكتمل من ثورة واحدة وإنما سيحتاج إلى موجات من المجاهدة الديمقراطية*. ‬فحتى لو وقعت بعض الثورات العربية في* ‬يد قوى سكونية ستبقى محاولات التحول الديمقراطي* ‬تتكرر لسبب بسيط،* ‬وهو أن الديمقراطية هي* ‬التطور الطبيعي* ‬للإنسان*. ‬

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 20-07-2012 الساعة 06:04 AM
رد مع اقتباس