عشرون فنّا بلا غيّا في قوله تعالى :
وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ ٱلْمَآءُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ} الآية 44 هود
فقد قال في باب الفوائد بعد إعرابه للآية :
"وفي هذه الآية من أفانين البلاغة وبدائع الفصاحة ما يذهل اللب, ويشده القول, وسنورد أهم الفنون التي تلفت النظر, وتستهوي الموهوب, ليحذو حذوها, وينسج على منوالها."
أول هذه الفنون :
المساواة :
قال :
"ونبدأ بالفن الذي يتناول الآية عموماً،وقد عرفوه بأن يكون اللفظ مساويا للمعنى لا يزيد عليه ولا ينقص عنه ،وهو من أعظم أبواب البلاغة ، بل هو البلاغة عينها،كما وصف بعض الوصاف بعض البلغاء فقال:كانت أوصافه قوالب لمعانيه،وكما قال العتابي (الألفاظ أجساد والمعاني أرواح)وهو ميزة كل لغة ، قال إميل فاكيه في وصف فيكتور هيغو ( هيغو من الخالدين لأن الذي يخلد هو جمال الأسلوب ) .وجمال الاسلوب :الملأمة بين اللفظ والمعنى،والآية التي نحن بصددها خير مثال لهذه المساواة ، فإنه سبحانه أراد اقتصاص هذه القصة بأوجز لفظ وأبلغه،فجاء بها مرتبة الألفاظ والجمل ،على حسب ما وقع في صور لا تفضل عن معانيها،ولا تقصر عنها .فإن قيل:لفظة ( القوم) زائدة تمنع الآية من أن توصف بالمساواة؛لأنها إذا طرحت استقل الكلام بدونها ،بحيث يقال : ( وقيل بعدا للظالمين)قلت:لا يستغني الكلام عنها،وذلك انه لما قال في أول القصة ( وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه)وقال بعد ذلك : ( ولا تخاطبني فى الذين ظلموا إنهم مغرقون ) جاءت لفظة القوم في آخر القصة،ووصفهم بالظلم ليرتد عجز الكلام على صدره."