اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > الاقسام المميزة > مصر بين الماضى و الحاضر

مصر بين الماضى و الحاضر قسم يختص بالحضارة و التاريخ المصرى و الاسلامى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-05-2015, 08:05 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي السُّلطان نور الدِّين والقبر النَّبوي الشَّريف


السُّلطان نور الدِّين والقبر النَّبوي الشَّريف














تحقيق تاريخي [1]



إبراهيم عمر الزيبق





ثمة أحداثٌ في التاريخ ترتبط أهميتها بأسماء أبطالها، وتكون تعبيراً عما في ضمير الأمة من أشواقٍ أو هواجس، وإذا افتقد التاريخ أحياناً هذه الأحداث، فإن خيال الأمة يصطنعها اصطناعاً، ومع مرور الزمن يكتسب الحدث المتخيَّل قوة الواقع، بل يصير عند بعض الناس هو الواقع حقًّا.





من هذه الأحداث التي اتخذت هذا المنحى ما يُروى من أن نور الدين محمود بن زَنْكي[2] رأى فيما يرى النائم النبيَّ صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات في ليلة واحدة، وهو يقول له: يا محمود، أنقذني من هذين الشخصين الأشقرين. ويشير إلى شخصين تجاهه، فينتبه نورُ الدين من منامه، ويخبر وزيره بذلك، فيقول له الوزير: هذا أمرٌ حَدَثَ في مدينة النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليس له غيرك، فيتجهز نور الدين على عجل، ويخرج مع ألف راحلة وما يتبعها من خيل وغير ذلك، حتى يأتي المدينة، فيدخلها مع وزيره على غفلةٍ من أهلها، فيجلس في المسجد النبوي لا يدري ما يصنع، فيقول له الوزير: أتعرف الشخصين إذا رأيتهما؟ قال: نعم. فيطلب الناسَ عامة ليعطيهم الصدقة، ويفرِّق عليهم ذهباً كثيراً وفِضَّة، ويقول: لا يبقِين أحدٌ بالمدينة إلا جاء. فيجيء أهل المدينة كلُّهم، لم يتخلف عنهم إلا رجلان مجاوران من أهل الأندلس، نازلان في الناحية التي تلي قبلة حجرة النبي صلى الله عليه وسلم من خارج المسجد، فطلبهما نور الدين للصَّدَقَة، فامتنعا، وقالا: نحن في كفاية، ما نقبل شيئاً. فألحَّ في طلبهما، فجيء بهما، فلما وقعت عينه عليهما عرفهما، وقال للوزير: هما هذان، فسألهما عن حالهما وما جاء بهما؟ فقالا: جئنا من أجل مجاورة النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: اصدقاني الحديث، وتكرَّر السؤال حتى أفضى إلى معاقبتهما، فأقرَّا أنهما مع الفرنجة، وأنهما وصلا لكي ينقلا الجسد الشريف من الحجرة النبوية باتفاقٍ مع ملوكهم على ذلك، ووجدهما قد حفرا نَقْباً تحت الأرض باتجاه الحجرة الشريفة، وكانا يهيلان التراب المتخلف عن الحفر في بئر البيت الذي يقيمان فيه. فأمر في الحال بضرب أعناقهما، ثم أحرقا بالنار.





وحين هَمَّ بمغادرة المدينة عائداً إلى الشام، صاح به من كان نازلاً خارج السور من أهل المدينة، يستغيثون به، ويطلبون منه أن يبني لهم سوراً حول المدينة يحفظ أبناءهم، فأمر ببناء السور، فبني سنة (558هـ)، وكُتب اسم نور الدين على باب البقيع، رحمه الله.





هذه القصة ذاعت على كثير من الألسنة حتى غدت حقيقة مسلَّمة، تُذكر كلما ذُكرت مناقب نور الدين، والذي يقرؤها بإنعام نظرٍ وأناة يجدها مضطربة لا تتماسك أمام المنهج العلمي في تحليل الأخبار ونقدها، ولكن قبل أن نغوص في أعماقها دعونا نتساءل: كيف وصلت إلينا هذه القصة؟


إذا استعرضنا المصادر التي سأذكرها نراها تحيلنا في أغلبها على مصدر واحد استقت منه هذا الخبر، وأعني به "التعريف بما أَنْسَتِ الهجرة من معالم دار الهجرة" وهو كتابٌ ألفه أحد مؤذني المسجد النبوي هو محمد بن أحمد المَطَرِي، المتوفَّى سنة (741هـ)، وهذا يجعلنا نرجِّح أنه أول مصدر ذكر هذه القصة.





ونتساءل: من أين أتى المطريُّ بهذه القصة، وبين وفاته ووفاة نور الدين مئة واثنتان وسبعون سنة، وأين المعاصرون لنور الدين من هذه القصة؟





نجد بادئ ذي بدء أَنَّ المَطَريَّ يصرِّح بمن سمع منه هذه القصة، فيقول: سمعتُها من الفقيه علم الدين يعقوب بن أبي بكر المحترق أبوه ليلة حريق المسجد، عمن حدَّثه من أكابر من أدرك.





ويعرِّفنا كذلك على راويها في موضع آخر من كتابه، فيقول: يعقوب بن أبي بكر بن أوحد، طالب علم من أولاد المجاورين بالمدينة، كان أبوه أبو بكر فَرَّاشاً من قوَّام المسجد الشريف، وهو الذي كان حريق المسجد الشريف على يديه، فاحترق وهو في حاصل المسجد ليلتئذٍ.





والحريق الذي يشير إليه المطري هو الذي وقع سنة (654هـ).





إذن هي قصة كانت شائعة في ذلك العصر، وقد حدَّث بها يعقوب عمن حدثه من أكابر من أدرك، وسمعها منه المطري فأثبتها في كتابه، وهذا إسناد مسلسل بالمجاهيل، ولذلك لم يجزم المطري بصحتها، فقال في أواخرها: هكذا حدَّثني عمن حدثه!.





ولكن من أتى بعد المطري أخذ القصة ورواها نافياً عنها أي ظل من الشك، بل زاد فيها بعض العبارات التي أكسبتها قوة اليقين، فالشك الذي لوَّح به المطري بقوله: هكذا حدثني عمن حدثه، تختفي عند من يأتي بعده، وقوله في إسنادها: عمن حدثه من أكابر من أدرك، تصبح عند بعضهم: عن مشايخ المدينة وعلمائها، بل إنهم - وقد ثبتت عندهم هذه القصة - يختلفون في تعيين الوزير الذي كان مع نور الدين: أهو جمال الدين الأصفهاني، أم الموفَّق القَيْسراني؟ بل يأخذ الأمر مداه حين يغيب التاريخ تماماً، لتصبح الواقعة ضرباً من كرامات نور الدين، ودليلاً على ولايته.





ويأتي جمال الدين الإسنوي، المتوفَّى سنة (772هـ)، فيسوقها دون إسناد - وينقلها عنه السمهودي - مضيفاً إلى القصة عناصر جديدة، فهو يجعل نور الدين بعد ***ه الرجلين يحفر خندقاً حول الحجرة الشريفة، ويملؤه بالرَّصاص المُذاب.





هكذا انشغل بهذه القصة كل من أتى بعد المطري من المؤرخين، كالزين المراغي في "تحقيق النصرة" ص 146-147، وابن قاضي شهبة في "الدر الثمين في سيرة نور الدين" ص 72-73، والسمهودي في "وفاء الوفا" 2/650-651، وابن العماد في "شذرات الذهب" 4/230-231، والبرزنجي في "نزهة الناظرين" ص 83-84.





مع أنه لم يذكرها كلُّ من أرَّخ لنور الدين ممن عاصره أو جاء بعده، فلم يذكرها الحافظ ابن عساكر مؤرِّخ دمشق، وهو الذي كان معجباً بنور الدين غاية الإعجاب، وإليه قدَّم تاريخه الكبير، وكذلك لم يذكرها العماد الكاتب وهو الذي لازم نور الدين ملازمة تامة، فقد كان كاتبه ورئيس ديوان الإنشاء عنده، وقد ألَّف كتاباً في أخباره سماه "البرق الشامي"، وكذلك لم يذكرها ابن منقذ في كتابه "الاعتبار" وهو الذي كان يتتبَّع فيما يكتب كل خبر طريف، وعاش بعد نور الدين نحو خمس عشرة سنة، بل لم يتناولها من أفرد لنور الدين كتاباً في سيرته، أو قسماً كبيراً من كتابه، كابن الأثير في كتابه "الباهر"، وهو الذي لا يخفي إعجابه بآل زَنْكي، وخاصة نور الدين، وكأبي شامة في كتابه "الروضتين"، وهو الحريص على تدوين كل منقبة له.





وهذا يعني أن القصة لم تكن معروفة في بلاد الشام - معقل نور الدين - حتى منتصف القرن السَّابع الهجري، أي في سنة (649هـ) وهي السنة التي فرغ فيها أبو شامة من تصنيف كتابه "الروضتين"، ولو كانت معروفة لربما ذكرها ونقدها، وإن كانت بدأت تشيع في تلك السنين نفسها في المدينة المنورة بين العامة، إذ إن يعقوب الذي سمع منه المطري ولد قبل سنة (654هـ) - وهي سنة وفاة والده كما سلف - وسمعها هو من أكابر من أدرك، يعني ممن عاش في منتصف القرن السَّابع.





وقد ظلت غير معروفة في بلاد الشام حتى زمن المطري نفسه، وهو منتصف القرن الثامن، إذ لم يشر إليها مؤرخ ذلك القرن الإمام الذهبي في كتابيه "سير أعلام النبلاء" و"تاريخ الإسلام"، وقد توفي بعد المطري بنحو سبع سنوات، وذلك سنة (748هـ)، بل لم يذكرها من تصدَّى لتاريخ المدينة، وهو ابن النجار المتوفى سنة (647هـ) في كتابه القيم "الدرة الثمينة في تاريخ المدينة".





هذا الإغفال لها من مؤرِّخين كبار يلقي بظلال من الشك على القصة، يزيده قوة أن نور الدين لم يزر المدينة في السنة التي ذكر المطري أن القصة وقعت فيها، وهي سنة (557هـ)، بل إن نور الدين لم يزر المدينة في أيٍّ من سني حكمه التي امتدَّت ما يقرب من ثلاثين عاماً، بل إنه لم يحجَّ أبداً، فقد شغله جهاد الفرنج عن الحج كما شغل صلاح الدين من بعده، وما ذكره الفاسي في "شفاء الغرام" 2/229 من أن نور الدين حجَّ في سنة (556هـ) فهو وهم منه، إذ إن الذي حج في تلك السنة هو قائد جيشه أسد الدين شيركوه، وقد خرج نور الدين إلى لقائه يوم رجوعه فيما ذكر أبو شامة في "الروضتين".





ثم إن في القصة اضطراباً في متنها ونكارة، لم أدر كيف لم يتنبَّه له من رواها، فهو يقول: إن نور الدين تجهز على عجلٍ، وخرج ومعه ألف راحلة، وما يتبعها من خيل وغير ذلك، وهو عددٌ غير قليل لا بد أن يُحدث عند دخوله المدينة جلبة واهتماماً، ومع ذلك يقول: إنه دخل المدينة على غفلة من أهلها!..





ويجلس في المسجد وكأنه عابر سبيل، وهو سلطان الشام وقتئذٍ، لا يدري به حتى أمير المدينة!..





ويطلب أهلَ المدينة كلهم للصدقة، وكأنهم كلهم يستحقونها، ويحرق الرجلين بعد ***هما، وهو عقابٌ منهيٌّ عنه شرعاً!





وكأن الإسنوي في روايته حاول أن يخفف من بعض اضطرابها فذكر أن نور الدين خرج في رواحل خفيفة، في عشرين نفراً، وجعل التراب المتخلف عن الحفر، بدل أن يلقى في بئر البيت، يُذْهب به، فَيُلْقى بين القبور في البقيع.





ونتساءل حقًّا: ما الباعث على شيوع هذه القصة مع اضطرابها؟


يذكر المطري أن هذه القصة هي وراء بناء سور المدينة، وقد رأى اسم نور الدين على أحد أبوابه. ومن ثَمَّ يمكن أن يُلتقط الباعث على تأليف هذه القصة. حقًّا أن نور الدين قد أكمل سور المدينة الذي بدأ بناءَهُ وزير الموصل جمال الدين الأصفهاني المتوفى سنة (559هـ)، وقد كتب اسم نور الدين على باب البقيع.. فربما أثارت كتابة اسمه فكرة مجيئه إلى المدينة، وهي فكرة لها ما يقويها من دليل مادي، ثم حدث بعد سنوات قليلة، وذلك سنة (578هـ) أن حاول الصليبيون الاستيلاء على المدينة المنورة، وقد أخفقت محاولتهم هذه بفضل يقظة صلاح الدين، وقد أشيع وقتها بين المسلمين أن الفرنجة كانوا يريدون نبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ونقل جسده الشريف إلى فلسطين، ودفنه هناك حتى لا يمكِّنوا المسلمين من زيارته إلا لقاء مالٍ يدفعونه لهم، فيما ذكر الرحالة ابن جبير في "رحلته" ص 60، والمقريزي في "خططه" 2/443 (طبعة دار التحرير)، فدمج الخيال الحدثين ليكشف عن هاجس أقلق بال المسلمين وقتئذٍ، وهو أن ما أخفق الصليبيون في تحقيقه في العلن سيحاولونه في الخفاء، فكانت هذه القصة، والله أعلم.






[1] مقالة نشرت في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد السابع والثمانون، الجزء الثاني، جمادى الآخرة 1433هـ/ نيسان 2012م.




[2] مَلَكَ الشَّام وديار الجزيرة ومصر، وكان من أعدل ملوك زمانه، توفي بدمشق سنة (569هـ-1174م)، ولأبي شامة كتابٌ في سيرته وسيرة صلاح الدين سماه "كتاب الروضتين في أخبار الدولتين" حققتُه، وصدر عن مؤسسة الرسالة في بيروت سنة 1418هـ/1997م










رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 06:12 AM.