|
محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
بيعة الرضوان
بيعة الرضوان سبب البيعة ونصها: قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال حين بلغه أن عثمان قد قُتل : لا نبرح حتى نناجز القوم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة . فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة، فكان الناس يقولون : بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت ، وكان جابر بن عبد الله يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبايعنا على الموت ، ولكن بايعنا على أن لا نفر. من امتنع عن البيعة : فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها، إلا الجَدّ بن قيس ، أخو بني سلمة، فكان جابر بن عبد الله يقول : والله لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته . قد ضَبَأ[1] إليها، يستتر بها من الناس ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي ذُكر من أمر عثمان باطل . أول المبايعين : قال ابن هشام : فذكر وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشَّعْبى : أن أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان : أبو سِنان الأسَدي . مبايعته صلى الله عليه وسلم لعثمان : قال ابن هشام : وحدثني من أثق به عمن حدثه بإسناد له ، عن ابن أبي مُلَيْكَة عن ابن أبي عُمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع لعثمان ، فضرب بإحدى يديه على الأخرى . سهيل رسول قريش للصلح :أمر الهدنة: قال ابن إسحاق : قال الزهري : ثم بعثت قريش سُهَيْل بن عمرو، أخا بني عامر بن لُؤي ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا له : ائت محمداً فصالحه ، ولا يكن 283 في صلحه إلا أن يرجع عنا عامَه هذا، فوالله لا تَحَدَّثُ العربُ عنا أنه دخلها علينا عَنْوةً أبداً. فأتاه سُهَيل بن عمرو، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مُقبلا، قال : قد أراد القومُ الصلحَ حين بعثوا هذا الرجل . فلما انتهى سُهَيْل بن عَمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تكلم فأطال الكلام ، وتراجعا، ثم جرى بينهما الصلحُ . عمر يستنكر الصلح ويتوب بعد ذلك : فلما التأم الأمرُ ولم يبق إلا الكتابُ ، وثب عمرُ بن الخطاب ، فأتى أبا بكر فقال : يا أبا بكر أليسَ برسولِ الله ؟ قال : بلَى، قال : أولسنا بالمسلمين ؟ قال : بلَى، قال : أوليسُوا بالمشركين ؟ قال : بلَى، قال : فعلام نُعطي الدَّنِيَّةَ[2] في ديننا؟ قال أبو بكر: يا عمر، الزمْ غَرْزَه[3] ، فإني أشهد أنه رسول الله ، قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله ، ثم أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ألستَ برسول الله ؟ قال : بلى، قال : أولسنا بالمسلمين ؟ قال : بلَى، قال : أو ليسوا بالمشركين ؟ قال : بلى؛ قال : فعلام نعطي الدَّنِيَّةَ في ديننا؟ قال : أنا عبدُ الله ورسوله ، لن أخالف أمرَه ، ولن يضيِّعنى! قال : فكان عمر يقول : ما زلتُ أتصدق وأصوم وأصلى وأعتق ، من الذي صنعتُ يومئذ، مخافةَ كلامى الذي تكلمت به ، حتى رَجَوْت أن يكون خيراً. المفاوضة على شروط الصلح : قال : ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علىَّ بنَ أبي طالب رضوان الله عليه ، فقال ؛ اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال : فقال سُهيل : لا أعرف هذا، ولكن اكتب باسمك اللهمَّ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتب باسمك اللهم ، فكتبها، ثم قال : اكتب : 284 هذا! ما صالح عليه محمدٌ رسولُ الله سُهَيْلَ بنَ عَمرو، قال : فقال سهيل : لو شَهدتُ أنك رسولُ الله لم أقاتلْكَ ، ولكن اكتب اسمَك واسمَ أبيك ، قال : فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب : هذا ما صالح عليه محمدُ بنُ عبد الله سُهيلَ بنَ عمرو، اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشرَ سنين يأمنُ فيهنَّ الناسُ ويكفُّ بعضُهم عن بعض -، على أنه من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليه ، وإن بيننا عَيْبَةً مكْفُوفة[4] ، وأنه لا إِسْلالَ ولا إغْلالَ[5] ، وأنه من أحبَّ أن يدخلَ في عَقدِ محمد وعَهده دخل فيه ، ومن أحبَّ أن يدخل في عَقدِ قريش وعهدِهم دخل فيه[6] من دخل في عهد المسلمين ومن دخل في عهد قريش : فتواثبت خُزاعةُ فقالوا: نحن في عقد محمد وعهده ، وتواثبت بنو بكر، فقالوا: نحن في عَقد قريش وعَهدهم ، وأنك ترجع عنا عامَك هذا، فلا تدخلْ علينا مكة، وأنه إذا كان عامٌ قابل ، خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك ، فأقمت بها ثلاثاً ، معك سلاح الراكب ، السيوف في القُرُبِ ، لا تدخلها بغيرها. أمر أبي جَنْدل بن سُهيَل : فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب هو وسُهيل بن عمرو، إذ جاء أبو جَنْدل بن سُهَيل بن عَمْرو يَرْسُفُ في الحديد[7] ، قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان أصحابُ 286 رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يَشُكُّونَ في الفتح ، لرُؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوا ما رَأوْا من الصلح والرجوع ، وما تحمَّل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه دخل على الناس من ذلك أمر عظيمٌ ، حتى كادوا يهلكون ، فلما رأى سُهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجْهَه ، وأخذ بتَلْبيبه ، ثم قال : يا محمدُ، قد لَجَّت[8] القضيةُ بينى وبينك قبل أن يأتيَك هذا، قال : صدقتَ ، فجعل ينتره بتلبيبه ، ويجره ليردَّه إلى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته : يا معشرَ المسلمين ، أأردُّ إلى المشركين يَفتنوني في دينى؟ فزاد ذلك الناسَ إلى ما بهم ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا جندل ، اصبر واحتسبْ ، فإن الله جاعلٌ لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صُلحا، وأعطيناهم على ذلك ، وأعطونا عهدَ الله ، وإنا لا نَغْدِر بهم ، قال : فوثب عمر بن الخطاب مع أبي جندل يمشى إلى جنبه ؛ ويقول : اصبرْ يا أبا جندل ، فإنما هم المشركون ، وإنما دمُ أحدِهم دمُ كلب قال : ويُدْنى قائمَ السيف منه . قال : يقول عمرُ: رجَوْت أن يأخذَ السيف فيضربَ به أباه ، فضنَّ الرجلُ بأبيه ، ونفذت القضيةُ. من شهدوا على الصلح : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتاب أشهد على الصلح رجالا من المسلمين ورجالا من المشركين : أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله ابن سُهيل بن عمرو، وسعد بن أبي وقاص ، ومحمود بن مَسْلَمة، ومِكْرَز بن حَفْص ، وهو يومئذ مشرك ، وعلَىّ بن أبي طالب وكتب ، وكان هو كاتب الصحيفة . الإِحلال من الإِحرام : قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطربا في الحِل ، وكان يصلى في الحرم ، فلما فرغ من الصلح قدم إلى هَدْيه فنحره ، ثم جلس فحلق رأسَه ، وكان الذي حلقه ، فيما بلغني، في ذلك اليوم خِرَاشُ بن أمية بن الفضل الخُزاعى، فلما رأى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نحر وحلق تواثبوا يَنْحَرون ويَحْلِقون . فضل المحلقين على المقصرين : قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد، عن ابن عباس ، قال : حلق رجال يوم الحديبية، وقصَّر آخرون . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله المحلِّقين قالوا: والمقصِّرين يا رسول الله ؟ قال : يرحمُ الله المحلِّقين ، قالوا: والمقصرين يا رسولَ الله ؟ قال : يرحم الله المحلِّقين ، قالوا: والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : والمقصِّرين ، فقالوا: يا رسول الله : فلم ظاهرت[9] الترحيم للمحلِّقين دون المقصرين ؟ قال : لم يشكّوا[10] . من هداياه صلى الله عليه وسلم : وقال عبد الله بن أبي نجيح : حدثني مجاهد، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي عام الحديبية في هداياه جَملاً لأبى جهل ، في رأسه بُرَةٌ[11] من فضة، يَغِيظُ بذلك المشركين . نزول سورة الفتح وذكر البيعة : قال الزهري في حديثه : ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجْهِه ذلك قافلاً، حتى إذا كان بين 288 مكة والمدينة، نزلت سورة الفتح : إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا* لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا{[الفتح: 1ـ2]. ثم كانت القصة فيه وفي أصحابه ، حتى انتهى من ذكر البيعة، فقال جل ثناؤه : } إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا{.[الفتح: 10] ذكر من تخلف من الأعراب : ثم ذكر من تخلف عنه من الأعراب ، ثم قال ، حين استفزَّهم للخروج معه فأبطئوا عليه : } سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنْ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا{ ثم القصة عن خبرهم ، حتى انتهى إلى قوله : } سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ الله قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ الله مِنْ قَبْلُ{.[الفتح: 15] . ثم القصة عن خبرهم وما عُرض عليهم من جهاد القوم أولي البأس الشديد. قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي نجيح ، عن عطاء بن . أبي رَباح ، عن ابن عباس ، قال : فارس . قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن الزهري أنه قال : أولوا البأس الشديد: حنيفة مع الكذاب . رضا الله عن أهل الشجرة : ثم قال تعالى: } لَقَدْ رَضِيَ الله عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا* وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا* وَعَدَكُمْ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا* وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا وَكَانَ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا{.[الفتح: 18ـ21] ما نزل في امتناعه صلى الله عليه وسلم عن القتال : ثم ذكر محبسه وكفّه إياه عن القتال ، بعد الظفر منه بهم ، يعنى النفر الذين أصاب منهم وكفهم عنه ، ثم قال تعالى : } وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا{[الفتح:24]. ثم قال تعالى : } هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ {[الفتح:25] قال ابن هشام : المعكوف : المحبوس ، قال أعشى بني قيس بن ثعلبة: # وكأنَّ السَّموطَ عَكَّفه السِّلــ ـك بعِطْفى جَيْدَاء أم غَزالِ[12] وهذا البيت في قصيدة له . قال ابن إسحاق : } وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ {المعَرَّة: الغُرم ، أي أن تصيبوا منهم مَعَرَّة بغير علم فتُخرجوا دِيتَه ، فأما إثم فلم يخشه عليهم . قال ابن هشام : بلغني عن مجاهد أنه قال : نزلت هذه الآية في الوليد بن الوليد بن المغيرة، وسَلَمة بن هشام ، وعَيَّاش بن أبي ربيعة، وأبي جَنْدَل بن سُهَيل ، وأشباههم . قال ابن إسحاق : ثم قال تبارك وتعالى: } إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ { يعنى سهيل بن عمرو حين حَمِىَ أن تُكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، وأن محمدا رسول الله ، ثم قال تعالى : } فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا { أي التوحيد، شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله . ثم قال تعالى : } لَقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ الله آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا {. أي لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رأى، أنه سيدخل مكة آمنا لا يخاف ؛ يقول : محلِّقين رءوسكم ، ومقصرين معه لا تخافون ، فعلم من ذلك ما لم تعلموا } فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا {[الفتح: 27] صلح الحديبية. فتح الفتوح: يقول الزهري : فما فُتح في الإسلام فتح قبلَه كان أعظمَ منه ، إنما كان القتال حيث التقى الناس ، فلما كانت الهدنةُ، ووُضعت الحرب ، وآمن الناسُ بعضَهم بعضاً، والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة، فلم يكلَّم أحد بالإسلام يَعْقل شيئا إلا دخل فيه ، ولقد دخل تَيْنك السنتين مثلُ من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر. قال ابن هشام : والدليل على قول الزهري أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية في ألفٍ وأربعمائة، في قول جابر بن عبد الله ، ثم خرج عامَ فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف . أمر المستضعفين بمكة بعد الصلح قصة أبي بصير: قال ابن إسحاق : فلما قَدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه أبو بَصِير عُتْبة[13] بن أسيد بن جارية، وكان ممن حُبس بمكة، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب فيه أزْهَرُ بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة، والأخنَس بن شَريق بن عَمرو بن وهب الثقفى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعثا رجلا من بني عامر بن لؤي ، ومعه مولى لهم ، فقَدِما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب الأزْهر والأخْنَس ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بَصِير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ، ولا يَصْلُحُ لنا في ديننا الغدرُ، وإن الله جاعلٌ لك ولمن معك من المستضعفين فَرَجا ومخْرجاً، فانطلقْ إلى قومِك ؛ قال : يا رسول الدّ، أتردُّنى إلى المشركين يفتنونني في ديني ؟ قال : يا أبا بصير، انطلقْ فإن الله تعالى سيجعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا. فانطلق معهما، حتى إذا كان بذي الحُليْفَة[14] ، جلس إلى جدار، وجلس معه صاحباه ، فقال أبو بَصير: أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر؟ فقال : نعم ؛ قال : أنظُر إليه ؟ قال : انظر، إن شئتَ . قال : فاستله أبو بصير، ثم علاه به حتى قتلَه ، وخرج المولى سريعا حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم طالعاً، قال : إن هذا الرجل قد رأى فزعاً؛ فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال وَيْحك ما لك ؟ قال : قَتَلَ صاحبُكم صاحبي . فوالله ما برح حتى طلع أبو بَصير متوشِّحاً بالسيف حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، وفَتْ ذمتُك ، وأدى الله عنك ، أسلمتني بيدِ.. القوم وقد امتنعتُ بدينى أن أفتن فيه ، أو يُعْبَثَ بي قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وَيْل امِّهِ مَحَشّ حرب[15] لو كان معه رجال[16] . ثم خرج أبو بصير حتى نزل العِيصَ ، من ناحية ذي المرْوة، على ساحل البحر، بطريق قريش التي كانوا يأخذون عليها إلى الشام ، وبلغ المسلمين الذين كانوا احتُبسوا بمكة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى بصير: " ويل امِّه مَحَش حرب لو كان معه رجال " فخرجوا إلى أبي بصير بالعيص ، فاجتمع إليه منهم قريب من سبعين رجلا، وكانوا قد ضيَّقوا على قريش لا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه ، ولا تَمرُّ بهم عير إلا اقتطعوها، حتى كتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسألُ بأرحامِها إلا أواهمْ ، فلا حاجةَ لهم بهم . فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدِموا عليه المدينة . قال ابن هشام . أبو بصير ثَقَفِي . قال ابن إسحاق : فلما بلغ سُهَيل بن عمرو قَتْل أبي بصير صاحبَهم العامري ، أسند ظهره إلى الكعبة، ثم قال : والله لا أؤخر ظهرى عن الكعبة حتى يُودَى هذا الرجل ؟ فقال أبو سفيان بن حرب : والله إن هذا لهو السفه ، والله لا يُودَى . فقال في ذلك موهب بن رياح أبو أنيْس ، حليف بني زهرة : شعر موهب بن رياح : قال ابن هشام : أبو أنيس أشْعَري . # أتاني عن سُهيلٍ ذَرْءُ قولٍ فأيقظني وما بيَ من رُقادِ[17] # فإن تكُنِ العِتابَ تُريدُ منى فعاتبْني فما بكَ من بعادِي # أتُوعدنى وعبد مناف حولي بمخْزوم ألَهفاً مَنْ تُعادِي # فإنْ تَغْمِزْ قناتى لا تجدْنــي ضعيفَ العُودِ في الكُرَبِ الشِّدادِ # أسَامِى الأكْرَمين أباً بقوْمـى إذا وَطِئ الضعيفُ بهم أرادِي[18] # هُمُ منعُوا الظَّواهِرَ غيرَ شَك إلى حيثُ البَواطِنُ فالعَوادي # بكُلِّ طِمِرَّةٍ وبِكُلِّ نَهْــــدٍ سَوَاهِمَ قد طُوِينَ من الطِّرادِ[19] # لهم بالخَيْفِ -قدعَلِمَتْ مَعَد- رِوَاقُ المجدِ رفع بالعمادِ[20] ابن الزبعرى يرد على موهب : فأجابه عبد الله بن الزبعرى؛ فقال : # وأمْسَى مَوْهَب كحمارِ سَوْءٍ أجازَ ببلدةٍ فيها يُنادِي # فإن العبدَ مثلَك لا يُنــاوي سُهَيْلاً ضَلَّ سَعْيُكَ مَنْ تُعادِي[21] # فاقْصرْ يابنَ قَيْنِ السُّوءِ عنه وعَدَّ عن المقالةِ في البلادِ # ولا تذكرْ عِتابَ أبي يزيـدٍ فهيْهات البحورُ من الثِّمادِ[22] أمر المهاجرات بعد الهدنة قال ابن إسحاق : وهاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمُّ كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعَيْط في تلك المدة، فخرج أخواها عُمارة والوليد ابنا عقبة، حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه أن يردها عليهما بالعهد الذي بينه وبين قريش في الحديبية، فلم يفعل . أبي الله ذلك . [1] ضبأ إليها: احتمى بها. [2] الدنية : الذل . [3] الزمْ غرزه : أي الزم أمره . [4] عيبة مكفوفة: أي صدور منطوية على ما فيها. لا تَبدي عداوة . [5] الإسلال : السرقة خفية . الإغلال : الخيانة. [6][6] وفى هذا الحديث من الفقه : مصالحة المشركين على غير مال يؤخذ منهم ، وذلك جائز إذا كان بالمسلمين ضعف ، وقد تقدم مصالحتهم على مال يعطونه في غزوة الخندق ، واختلف : هل يجوز صلحهم إلى اكثر من عشر سنين ؟ فقال بعضهم : يجوز ذلك إذا رآه الإمام ، وقالت طائفة : لا يتجاوز في صلحهم إلى أكثر من عشر سنين ، وحجتهم أن منع الصلح هو الأصل لدليل آية القتال ، وقد ورد التحديد بالعشر في حديث ابن إسحاق فحصلت الإباحة في هذا المقدار متحققة، وبقيت الزيادة على الأصل وهو الحظر، وفيه الصلح على أن يرد المسلم إلى دار الكفر، وهذا منسوخ عند أبي حنيفة بحديث سرية خالد حين وجهه النبي صلى الله عليه وسلم إلى خثعم ، وفيهم ناس مسلمون فاعتصموا بالسجود فقتلهم خالد فوداهم النبي صلى الله عليه وسلم نصف الدية، وقال أنا بريء من مسلم بين مشركين ، وقال فقهاء الحجاز: هو جائز، ولكن للخليفة الأكبر لا من دونه ، وفيه : نسخ السنة بالقرآن على أحد القولين ، فإن هذا العهد كان يقتض ألا يأتيه مسلم إلا رده ، فنسخ الله تعالى ذلك في النساء خاصة، فقال عز وجل : )فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ([الممتحنة: 10] هذا على رواية عقيل بن خالد عن الزهرى، فإنه قال في الحديث : أن لا يأتيه أحد، وأحد يتضمن الرجال والنساء، والأحسن أن يقال في مثل هذا تخصيص عموم لا نسخ ، على أن بعض حذاق الأصوليين قد قال في العموم . إذا عمل بمقتضاه في عصر النبي صلى الله عليه وسلم واعتقد فيه العموم ، ثم ورد التخصيص فهو نسخ ، وهو قول حسن ، وفى رواية أخرى أن لا يأتيه رجل . فهذا اللفظ لا يتناول النساء. وقالت طائفة : إنما استجاز النبي صلى الله عليه وسلم رد المسلمين إليهم في هذا الصلح لقوله عليه السلام : لا تدعوني قريش إلى خطة يعظمون فيها الحرم إلا أجبتهم إليها، وفى رد المسلم إلى مكة عمارة البيت ، وزيادة خير له في الصلاة بالمسجد الحرام والطواف بالبيت ، فكان هذا من تعظيم حرمات اللّه تعالى، فعلى هذا القول يكون مخصوصاً بمكة، وبالنبي صلى الله عليه وسلم ، ويكون غير جائز لمن بعده كما قال العراقيون . وانظر أيضا بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد من تحقيقنا ط - القاهرة - بيروت ، دار الجيل . [7] أبو جندل : هو العاصي بن سهيل ، وأما أخوه عبدالله بن سهيل : فكان قد فر يوم بدر إلى المسلمين ، فلحق بهم ، وشهد بدراً، والمشاهد كلها، وقتل يوم اليمامة شهيداً، وأما أبو جندل ، فاستشهد مع أبيه بالشام في خلافة عمر، وهو الذي شرب الخمر متأولا لقوله تبارك وتعالى :)لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا( [المائدة: 93] فجلده أبو عبيدة بأمر عمر وجلد صاحبه ، وهو ضرار، ثم إن أبا جندل أشفق من الذنب حتى قال : لقد هلكت ، فبلغ ذلك عمر رضى الله عنه ، فكتب إليه : إن الذي زين لك الخطيئة هو الذي حظر عليك التوبة: )حم* تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ()[غافر:1ـ3] الآيات . وكان شربها معه ضرار بن الخطاب ، وأبو الأزور، فلما أمر عمر أن يجلدوا، قالوا: دعنا نلي العدو، فإن قتلنا فذاك ، وإلا حددتمونا؟ فقتل أبو الأزور، وحد الآخرون . [8] لجت : تمت . [9] ظاهرت : قويت وأكدت . [10] وفى غير رواية ابن إسحاق من الصحيح أنه عليه السلام دخل على أم سلمة، وشكا إليها ما لقي من الناس حين أمرهم أن يحلقوا وينحروا، فلم يفعلوا لما بهم من الغيظ ، فقالت : يا رسول الله اخرج إليهم ، فلا تكلمهم ، حتى تحلق وتنحر، فإنهم إذا رأوك قد فعلت ذلك ، لم يخالفوك . ففعل صلى الله عليه وسلم ، وفعل الناس ، وكان الذي حلق رأس رسول الله صلى في ذلك اليوم خراش بن أمية الخزاعي وهو الذي كان بعثه رسول اللّه صلى يومئذ إلى مكة فعقروا جمله ، وأرادوا قتله ، فحينئذ بعث إليهم عثمان ابن عفان رضى الله عنه . وانظر فتح الباري - بتحقيقنا. [11] البرة: حلقة تجعل في أنف البعير ليذل بها وكانت في العادة من خشب أو شعر. [12] السموط : جمع سمط : وهو القلادة . [13] واختلف في اسمه ، فقيل : عبيد بن أسيد بن جارية، وقيل عتبة. [14] ميقات أهل المدينة . بينها وبين المدينة ستة أميال. [15] وفي الصحيح ويل أمه مسعر حرب ، يقال حششت النار، وأرثتها، وأذكيتها، وأثقلتها وسعرتها بمعنى واحد. [16][16] ومما يستدل به في حديث أبي بصير قتله الرجل الكافر، وهو في العهد. أكان ذلك حراماً أم مباحا له ، وظاهر الحديث رفع الحرج عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذمه بل مدحه وقال : ويل امه محش حرب . فإن قيل : كيف يكون ذلك جائزاً له ، وقد حقن الصلح الدماء؟ قلنا: إنما ذلك في حق أبي بصير على الخصوص لأنه دافع عن نفسه ودينه ، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، وإنما لم يطالبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية، لأن أولياء المقتول لم يطالبوه إما لأنهم كانوا أسلموا، وإما لأن الله شغلهم عن ذلك حتى انتكث العهد وجاء الفتح . [17] ذرء : طرف . [18] أرادي : أرامي . [19] الطمرة : الفرس السريعة . النهد: الغليظ . طوين : ضعفن . والراد: الهجوم . [20] الخيف : موضع في منى. الرواق : بيت كالخيمة يحمل على عمود طويل . [21] لا يناوي : لا يعادي . [22] الثماد: الماء القليل .
|
#2
|
||||
|
||||
__________________
قلب لايحتوي حُبَّ الجهاد ، قلبٌ فارغ .! فبالجهاد كنا أعزة .. حتى ولو كنا لانحمل سيوفا .. |
#3
|
||||
|
||||
جزاك الله خيرا
__________________
تحيــــاتي وتقــديري للجمــــيع <CENTER></CENTER><CENTER></CENTER> |
#4
|
||||
|
||||
جزاااااااااااك الله خيرااااااااااااا
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|