#1
|
|||
|
|||
مزايا الآيات المكية
امتاز أسلوب القرآن المكي بمزايا منها: أ- قصر الآيات، والإيجاز الشديد، كثرة القسم بمشاهد الكون، تتخلل مقاطعها صيغ الإنشاء المختلفة من أمر ونهي واستفهام وتمنٍّ ورجاء، مما يضفي على الأسلوب طابع القوة والحرارة. ب- الألفاظ والكلمات في الآيات المكية منتقاة يسري جرْسها في الأحرف المهموسة تارة والمجهورة أخرى، والشديدة أحياناً والرخوة أحياناً حسب الموضوع المتحدث عنه، والفواصل الموزونة المقفاة تنساب أحياناً وتتموج أخرى وتقصف مرة وتدمر أخرى، والحكمة في هذا الأسلوب الشديد أن القرآن نزل يخاطب قوماً غافلين، تبلّد حسهم على موروثات الآباء والأجداد والتقاليد والعادات الجاهلية والتفاخر بها واطمأنوا إلى حياة الرغد والرفاه والبطر وبلهنية العيش، فهزّهم هذا الأسلوب هزاً عنيفاً لشد انتباهم إلى حقائق الكون وما يحيط بهم، وإثارة التساؤلات في أنفسهم حول الحكمة من وجودهم في الحياة ومآلهم بعد الموت، لإدراك واقعهم المنحرف المصادم للفطرة والعقل. جـ- تجسيم المعنويات وتشخيص الجوامد وعرضها في صور ومشاهد تتسم بالحركة والحوار وإضفاء الحياة على الأشياء الصامتة، كل ذلك يحيل المشاهد إلى لوحات تعبيرية خلابة تترك الأثر العظيم في النفس وتنمي ملكة التذوق والإحساس وتسمو بالمشاعر الإنسانية وتهذبها. أما الموضوعات الرئيسة التي عولجت في هذه المرحلة فهي قضايا العقيدة الأساسية وهي: 1- قضية الألوهية: من خلال إثارة حملة عنيفة على المعتقدات الموروثة في اتخاذ الآلهة التي لا تملك لنفسها ولا لعابديها ضراً أو نفعاً بل لا حقيقة لها: ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ﴾ [النجم: 23]. ولإزالة قدسية الأصنام من نفوسهم وصفها بأنها رجس تستقذر وتجتنب: ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 30]. وهي عاجزة عن كل مظاهر الحياة لأنفسهم أو لغيرهم فلا تطعم ولا تشفي ولا تجيب الدعاء: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 69 - 77]. بل إن هذه الآلهة المزعومة المقدسة في نظرهم عاجزة عن مقاومة أضعف المخلوقات وأحقرها: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾ [الحج: 73]. إنَّ هذه الأصنام التي تعبد من دون الله تعالى تعطل الطاقات العقلية لدى عابديها وتسف بالمشاعر الإنسانية لديه وتحط بها إلى دركات البهيمية، فهم كالأنعام بل هم أضل. ﴿ وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا * إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا * أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 41 - 44]. إن مصير هذه المعبودات المزيفة ومصير عابديها إلى النار. ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ * لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 98 - 100]. بهذه الأساليب العقلية والأساليب التهكمية والأساليب التهديدية أزال القرآن الكريم عن نفوس المؤمنين آثار الشرك والوثنية، والأصنام، وزعزع مكانتها في نفوس المشركين أنفسهم. وإلى جانب ذلك وفي الوقت نفسه، كانت الآيات تنزل لتبني عقيدة التوحيد الصافية المشرقة، وتَذْكر الله جلَّ جلاله بصفات الكمال وتنزهه عن صفات النقص، وتقيم الحجج العقلية من خلال الآيات الكونية ومن خلال المشاعر الإنسانية النبيلة ومن الفطرة السليمة المهتدية، تقيم من خلال كل ذلك الأدلة والبراهين على وحدانية الله عزَّ وجلّ. ﴿ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ * وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 95 - 103]. بمثل هذا العرض الشامل لصفات الجلال والجمال والكمال من خلال الاستعراض الكوني في السماوات والأرض وفي الجماد والنبات والحيوان والإنسان، ومن خلال بيان العلم المحيط بكل شيءٍ ومن خلال القدرة والتصرف في شؤون المخلوقات تبرز عقيدة التوحيد الفاعلة المؤثرة في تصحيح المفاهيم، المقومة للسلوك، المثيرة للعواطف والمشاعر النبيلة لدى الإنسان. ومن خلال المقارنة بين عجز آلهتهم المطلق وإثبات القدرة التي لا يعجزها شيء لله عزَّ وجلّ رسخ القرآن الكريم عقيدة التوحيد بالبراهين العقيدة المعتمدة على المحسوسات المشاهدة ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [النمل: 59 - 64]. وبمثل هذا التنويع في الأدلة والبراهين الدامغة أقام القرآن صرح عقيدة التوحيد النقية[1]. 2- اليوم الآخر والبعث بعد الموت: عرض القرآن الكريم في العهد المكي عقيدة البعث بعد الموت وما يسبقها من أحداث عظام تخل بالنظام الكوني بأسلوب مؤثر مفزع تقشعر له الأبدان ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ﴾ [التكوير: 1 - 14]. إن هذه الأحداث العظام التي تقضي على مقومات الحياة على هذه الكرة الأرضية تضع نهاية لهذه الحياة الدنيا على الأرض فما المصير بعد ذلك؟!!. ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴾ [الانفطار: 1 - 5]. إنه يوم البعث للحساب، فما الذي أحضرته النفس معها في هذا اليوم وما الذي قدّمته في حياتها الدنيا لمثل هذا الموقف، إنه يوم الحساب ووزن الأعمال ﴿ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾ [القارعة: 6 - 11]. ولما كان البعث بعد الموت لا يتكرر في حياة الناس، ولم يتقدم له مثيل في حياتهم فقد تنوعت الأساليب القرآنية لإقناع الناس بإمكان ذلك فمن هذه الأساليب: أ- التشبيه بإحياء النبات، فالدورة النباتية تتكرر أمام ناظر الإنسان كل عام، فالذي أحيا الأرض بعد موتها وبث فيها الزرع قادر على بعث الحياة في العظام، ﴿ وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ ﴾ [فاطر: 9]. ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 57]. ﴿ وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾ [الزخرف: 11]. ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فصلت: 39]. ب- الاستدلال العقلي عن طريق قياس الإعادة على الخلق أول مرة: فإنَّ إعادة الشيء على مثيل سابق أهون في عرف الناس وعاداتهم من الابتداء من غير مثيل، ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الروم: 27]. ﴿ وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا * يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 49 - 52]. ﴿ وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا * فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ﴾ [مريم: 66 - 68]. ﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ [يس: 79]. ج- الاستدلال بأنَّ القادر على الأكبر قادر على الأصغر. ﴿ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾ [يس: 81]. ﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [غافر: 57]. ﴿ وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الإسراء: 98 - 99]. د- قدرة الله التي لا يقف أمامها شيء فإذا تعلقت إرادته وأمره بشيء فليس إلا أن يقول له كن فيكون ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]. هـ- تنزيه الله عز وجل عن صفات النقص عامة ومنها تنزيهه عن العبث المترتب على القول بعدم البعث والجزاء. يقول جل ثناؤه: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 115 - 116]. وتنزيهه عن العجز عن الإعادة بعد الموت للحساب والجزاء: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ * فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ﴾ [الروم: 16 - 19]. و- سرد قصص إحياء الموتى على يد أفراد بقدرة الله تعالى مما يعطي نموذجاً على الإحياء الجماعي عندما يأذن الله بذلك: ﴿ وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ﴾ [الكهف: 19]. ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ﴾ [الكهف: 25]. وتستوفي الصورة آثارها في النفس وتؤدي دورها التربوي كاملاً بعرض القرآن الكريم صوراً لمصير المكذبين باليوم الآخر الذين خسروا ما أعدَّ الله لأهل الإيمان والتصديق بوعد الله في جنات النعيم، وخسروا عقولهم عندما ظنوا أنهم خلقوا عبثاً وأنهم لا يرجعون إلى الله، وخسروا أنفسهم وأهليهم عندما خلدوا في دار الشقاء ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]. ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ * وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام: 31 - 32]. ﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴾ [الزمر: 15 - 16]. 3- الإيمان بالنبوات والرسالات: لقد بيَّن القرآن المكي سنّة الله في الرسالات وإرسال الرسل بأسلوب إقناعي في غاية الإحكام ولم يترك شبهة من الشبهات التي أثارها المشركون إلا وفنّدها وبيّن الحق. أ- فالرسالات واحدة والهدف من إرسال الرسل واحد هو توحيد الله سبحانه وتعالى وترك عبادة الطواغيت. ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل: 36]. إن الرسالة ضرورية لمعرفة الإنسان الأمانة التي حملها. ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]. ولتحقق الحكمة التي خلق لأجلها الإنسان. ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58]. إن الإنسان لا يستطيع أن يتعبد الله حسب اجتهاده، كما لا يستطيع أن يتصور صفات الكمال بعقله لينسبها إلى الله تعالى، ولا يستطيع أن يحدد صفات النقص لينزه الله تعالى عنها. فالرسالة ضرورية لرسم المعالم في التوحيد والعبادة. ب- شمول الرسالات للأقوام والأمم كافة: إن رحمة الله بالعباد واسعة ولطفه بهم عظيم، فلم يترك أمة أو قوماً إلا وأرسل فيهم الرسل... ﴿ ... وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ [فاطر: 24]. ﴿ وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ ﴾ [الشعراء: 208]. ﴿ ... وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15]. جـ- إرسال الرسل من البشر: وذلك للقيام بمهمتهم خير قيام، ليكون أدعى لقبول القوم من الرسل المرسلين إليهم، فلو كانوا من غير *** البشر لما أمكن اللقاء والفهم والإدراك ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]. إنّ العقائد والأحكام والمزايا الخلقية تحتاج إلى نموذج عملي يتمثلها سلوكاً في حياته ليكون قدوة للناس في كل ذلك. فكون الرسل من البشر يحقق هذا الأنموذج المثالي للالتزام والتطبيق. ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾ [الفرقان: 20]. فسنَّة الله جلَّ جلاله في الرسالات أن يكون الرسول من *** المرسل إليهم: ﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا * قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 94 - 95]. د- إرسال الرسل من القوم وبلسانهم: يقول جلَّ شأنه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [إبراهيم: 4]. إن الإنسان مجبول على إثارة الشكوك في الغريب البعيد والاطمئنان إلى المخالط القريب، ولذلك كانت الجهود التي يبذلها الأنبياء والمرسلون وهم بين أقوامهم تجد فرصاً أكثر حظاً في النجاح، وذلك أن القوم عندما يخاطبون بلغاتهم على لسان من عرفوا نشأته وأمانته وفطنته واستقامة سلوكه وسلامة تفكيره، هذه المعرفة حول الرسول ونشأته تدخل الطمأنينة على قلوب الناس إن لم يتخذوا موقف الإعراض والمقاومة عناداً، فإن وجدت الطمأنينة حول شخص الرسول وأخذ التفكير حظه من تدبر الوحي الذي جاء به الرسول، اكتملت مقومات الاستجابة للدعوة في نفوس المدعوين، ولذلك أمر القرآن الكريم أن يطالب رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم أن يتفكروا في واقعه من جهة ويتفكروا في دعوته من جهة ثانية إذا كانوا يريدون الحق ويبحثون عنه. ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ [سبأ: 46]. ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [يونس: 15 - 17]. هـ- مهمة الرسل: البلاغ والبيان: والبلاغ بشقيه الرئيسين (الإنذار والبشارة). ﴿ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 188]. ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44]. ﴿ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ ﴾ [الحجر: 89]. ﴿ ... لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [القصص: 46]. و- عموم رسالة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾ [سبأ: 28]. ﴿ ... إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [الرعد: 7]. إن الإيمان بالرسل والرسالات من الأساسيات التي نزل القرآن المكي لترسيخها وتوضيحها ورد الشبهات حولها، وبيان سنن الله فيها وأن العاقبة لهم ﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 171 - 173]. ويشكل موضوع الرسالة والرسل ومعجزاتهم محاور كثيرة من السور المكية. 4- الدعوة إلى أمهات الأخلاق وأصول العبادات: دعا القرآن المكي - إلى جانب ترسيخ أصول العقيدة - دعا إلى الالتزام بأمهات الأخلاق والتخلي عن مرذولها. ونظرة القرآن الكريم إلى الأخلاق منسجمة مع الشخصية الإسلامية المتميزة في العقيدة، وما الأخلاق الفاضلة إلا ثمراتٍ للعقائد ونتائج للالتزام السلوكي بأحكام القرآن الكريم، لذا فإن الهدايات القرآنية في العقائد ترافقها الدعوة إلى التحلي بالأخلاق وذلك لأن المنهج القرآني في تربية الشخصية الإسلامية منهج متكامل، فالله الذي خلق الإنسان وأودع فيه الفطرة المستقيمة أودع فيه أيضاً العواطف والمشاعر والأشواق الروحية والحاجات العضوية، ووضع المنهج الأمثل الذي يحافظ على استقامة الفطرة وينمي فيها نوازع الخير ويحدّ من أهواء النفس والشهوات ويهذب الغرائز ويسمو بها ويوجهه إلى الكمالات الإنسانية. فيأتي الأمر الصريح بالأخذ بأمهات الأخلاق كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: 90 - 91]. وتأتي أحياناً آيات جمعت بين أصول العقيدة وأصول العبادات وأمهات الأخلاق في سياق واحد، لبيان أنها كلها من الهدايات التي أنزلها الله تعالى ولا فلاح بغيرها، كما نجدها في الوصايا العشر في سورة الأنعام، يقول جلَّ من قائل: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 151 - 153]. هذه هي الأسس والمبادئ الأربعة التي لم تخل منها سورة مكية وربما اشتملت السورة - وبخاصة السور الطويلة - على جانب أو أكثر من هذه القضايا. فإذا أراد الباحث أن يحدد محور سورة من السور المكية فلينظر أولاً إلى المساحة التي شغلتها هذه القضايا منفردة أو مجتمعة وهل يمكن تناول السورة من خلال أحد هذه المواضيع وجعله محوراً للسورة؟. إننا نجد كثيراً من السورة المكية ركزت على أصل من أصول العقيدة فمثلاً سورة الأنعام تناولت جانب التوحيد وإقامة الحجج والبراهين عليها وخاصة من خلال أدلة الخلق والإبداع في الكائنات، وسورة النحل تناولت قضية التوحيد من خلال أدلة العناية حيث ذكرت نعم الله تعالى على العباد ما ظهر منها وما بطن في مختلف مجالات الحياة. وسورة يونس وهود وإبراهيم تناولت جانب الرسالة والنبوة من خلال قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والمناقشات التي دارت بينهم وبين أقوامهم. للوصول إلى إثبات رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ونجد أن سورة يس وسورة (ق) والقيامة من السور التي أقامت الحجج والبراهين على ثبوت اليوم الآخر والبعث بعد الموت للحساب والجزاء. [1] اشتملت آيات سورة النمل على خمسة أنواع من الأدلة على توحيد الله تعالى: 1- دليل الخلق والإبداع الآية 60. 2- دليل العناية الآية 61. 3- دليل الفطرة الآية 62. 4- دليل إثبات صفات الكمال الآية 63. 5- دليل البرهان العقلي الآية 64. انظر كتابنا (مباحث في التفسير الموضوعي)، ص 162 وما بعدها. أ. د. مصطفى مسلم
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|