#1
|
||||
|
||||
الكفر وأقسامه
الكفر وأقسامه
علي محمد سلمان العبيدي الكفر: عدم الإيمان بالله ورسله، سواء مع تكذيب أو لا، بل شك وريب، أو إعراض أو حسد أو كِبْر، أو اتِّباع لبعض الأهواء التي تصُدُّ عن اتباع الكتاب والسنَّة. وهو نوعان: كفر أكبر يُخرِج صاحِبَه من الملة، وأقسامه: 1- كفر التكذيب. 2- كفر الإباء والاستكبار مع التصديق. 3- كفر الظن. 4- كفر الإعراض. 5- كفر النِّفاق. وكفر أصغر لا يُخرِج صاحبَه من الملة، وهو الكفر العملي، وهو الذُّنوب التي وردت تسميتُها في الكتاب والسنَّة كفرًا. 1- كفر التكذيب، والدليل: قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 68]، قال ابن جَرير الطَّبري: ومَن أظلم - أيها الناسُ - ممن اختَلَق على الله كذبًا، فقالوا إذا فعلوا فاحشة: وجدْنا عليها آباءنا، واللهُ أمرنا بها، والله لا يأمُرُ بالفحشاء، ﴿ أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ ﴾ يقول: أو كذَّب بما بعَث الله به رسولَه محمدًا صلى الله عليه وسلم من توحيدِه، والبراءة من الآلهة والأنداد لما جاءه هذا الحق من عند الله، ﴿ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 68]، والاستفهامُ هنا بمعنى التقريرِ؛ قاله البغوي. 2- كفر الإباء والاستكبار مع التصديق: الإباء في اللغة: الامتناع، والأبية: الكِبْر والعَظَمة، أبَى فلان يأبَى بالفتح؛ أي: امتنع، والإباء: أن تَعرِض على الرَّجُل الشيءَ، فيأبى قَبوله ترفُّعًا. والدليل قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34]. حدثنا محمد بن سنان، حدثنا فليح، حدثنا هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة أن رسولَ الله صلى الله عليه و سلم قال: ((كلُّ أمتي يدخلون الجنةَ إلا مَن أَبَى))، قالوا: يا رسول الله، ومَن يأبَى؟! قال: ((مَن أطاعني دخَل الجنة، ومَن عصاني فقد أبى))؛ رواه البخاري. قال العِيني: قوله: ((إلا مَن أبى))؛ أي: امتَنَع عن قَبول الدَّعوة، أو عنِ امتثال الأمر. 3- وكفر الظن: الظن في اللغة: ظن يظن ظنًّا، والظِّنة: التُّهمة، وفلان ظَنِين؛ أي: متَّهم. والدليل على كفر الظن قوله تعالى: ﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا ﴾ [الكهف: 35 - 38]، قال الحافظُ ابن كثير: يقول تعالى مُخبِرًا عما أجابه صاحبُه المؤمن، واعظًا له وزاجرًا عما هو فيه مِن الكفرِ بالله والاغترار: ﴿ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴾؟ وهذا إنكار وتعظيم لِما وقَع فيه من جحود ربِّه، الذي خلَقه وابتدأ خَلْقَ الإنسان من طينٍ، وهو آدم، ثم جعَل نسله من سلالة من ماء مهين؛ كما قال تعالى: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ [البقرة: 28]؛ أي: كيف تجحَدون ربَّكم، ودلالته عليكم ظاهرةٌ جلية، كل أحد يعلَمُها من نفسه؟ فإنه ما من أحد من المخلوقات إلا ويعلم أنه كان معدومًا ثم وُجِد، وليس وجودُه من نفسه ولا مستندًا إلى شيء من المخلوقات؛ لأنه بمثابته؛ فعُلِم إسنادُ إيجاده إلى خالقه، وهو الله، لا إله إلا هو، خالقُ كل شيء؛ ولذا قال: ﴿ لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي ﴾؛ أي: أنا لا أقول بمقالتِك، بل أعترف لله بالربوبيةِ والوَحْدانية، ﴿ وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا ﴾؛ أي: بل هو الله المعبود وحده لا شريك له؛ انتهى. قال البيضاوي: جعَل كُفره بالبعث كُفرًا بالله؛ لأنه منشأُ الشكِّ في كمال قدرة الله؛ ولذلك رتَّب الإنكارَ على خَلْقه إياه من التراب، فإن مَن قدَر على إبداء خلقِه منه، قدَر أن يُعِيده منه؛ انتهى. 4- وكفر الإعراض: الإعراض في اللغة: الصدُّ، أعرَض: صدَّ بوجهه، والدليل قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ﴾ [الأحقاف: 3]؛ أي: لاهُونَ عما يراد بهم، وقد أُنزِل إليهم كتابٌ، وأرسل إليهم رسولٌ، وهم مُعرِضون عن ذلك كلِّه؛ أي: وسيعلَمون غِبَّ ذلك. 5- وكفر النفاق: والدليل قوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [المنافقون: 3]. أما الكفرُ الأصغر الذي لا يُخرِج صاحبَه من الملَّة، فهو الكفرُ العملي، وهو الذنوب التي وردت تسميتُها في الكتاب والسنَّة كفرًا. وهو الذنوب العملية التي وردت النصوصُ الشرعية بإطلاق الكفرِ عليها، ولم تصِلْ إلى حدِّ الأكبر، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((سِبابُ المسلم فسوقٌ، وقتاله كفرٌ))؛ أخرجه البخاري ومسلم عن ابن مسعود. وقوله: ((لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضُكم رقابَ بعض))؛ أخرجه البخاري ومسلم عن عبدِالله بن عمرَ. وقوله: ((إذا قال الرجل لأخيه: يا كافرُ، فقد باء بها أحدُهما))؛ أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر وأبي هريرة. وقوله: ((ثنتان في أمتي هما بهم كفرٌ: الطعنُ في النَّسَب، والنِّياحةُ على الميتِ))؛ أخرجه مسلم. وملخَّص الفروق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر: 1- أن الكفرَ الأكبر يُخرِج من الملة ويُحبِط الأعمال، والكفر الأصغر لا يُخرج من الملَّة ولا يُحبِط الأعمال، لكن ينقصها بحسَبه، ويعرِّض صاحِبَها للوعيد. 2- أن الكفر الأكبر يخلد صاحبه في النار، والكفر الأصغر إذا دخل صاحبه النار، فإنه لا يخلَّد فيها، وقد يتوب الله على صاحبه فلا يُدخِله النار أصلاً. 3- أن الكفر الأكبر يبيح الدم والمال، والكفر الأصغر لا يبيح الدم والمال. 4- أن الكفر الأكبر يوجب العداوةَ الخالصة بين صاحبه وبين المؤمنين، فلا يجوز للمؤمنين محبتُه وموالاته ولو كان أقربَ قريب، وأما الكفر الأصغر، فإنه لا يمنَع الموالاة مطلقًا، بل صاحبه يُحَبُّ ويُوالَى بقدرِ ما فيه من الإيمان، ويُبغَض ويُعادَى بقدر ما فيه من العصيان. كما في قوله تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ﴾ [النحل: 112]. قال ها هنا: ﴿ يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا ﴾؛ أي: هنيئًا سهلاً، ﴿ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ ﴾؛ أي: جَحَدت آلاءَ الله عليها، وأعظمُ ذلك بعثةُ محمد صلى الله عليه وسلم إليهم، كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴾ [إبراهيم: 28، 29]؛ ولهذا بدَّلهم الله بحالَيْهم الأوَّلينِ خلافَهما، فقال: ﴿ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ ﴾؛ أي: ألبَسها وأذاقها الجوعَ بعد أن كان يُجبى إليها ثمراتُ كلِّ شيء، ويأتيها رزقها رغَدًا مِن كل مكان؛ وذلك لَمَّا استعصَوْا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبَوْا إلا خلافه، فدعا عليهم بسبعٍ كسبعِ يوسف، فأصابتهم سَنةٌ أذهَبَتْ كلَّ شيء لهم، فأكلوا العِلْهِزَ، وهو: وَبَر البعير يجعل بدَمِه إذا نحروه. وقوله: ﴿ وَالْخَوْفِ ﴾؛ وذلك بأنهم بُدِّلوا بأمنهم خوفًا من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حين هاجَروا إلى المدينة، مِن سطوة سراياه وجيوشه، وجعلوا كل ما لهم في سفالٍ ودمار، حتى فتَحها الله عليهم؛ وذلك بسبب صنيعهم وبَغْيهم وتكذيبهم الرسولَ الذي بعثه الله فيهم منهم، وامتَنَّ به عليهم في قوله: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [آل عمران: 164]، وقال تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [الطلاق: 10، 11]، وقوله: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 151، 152]. وكما أنه انعَكَس على الكافرينَ حالُهم، فخافوا بعد الأمنِ، وجاعوا بعد الرَّغَد، بدَّل اللهُ المؤمنين من بعدِ خوفِهم أمنًا، ورزقَهم بعد العَيْلَة، وجعَلهم أمراءَ الناس وحكَّامهم، وسادتَهم وقادتَهم وأئمَّتَهم. كتاب: اتباع مناهج أهل السنن والآثار.. شرح سواطع الأنوار لمعرفة عقيدة سيد الأبرار |
العلامات المرجعية |
|
|