إلى أي مدى يُحدث تويتر تحولات في المجتمعات الخليجية؟

[aymaan noor]

إلى أي مدى يُحدث تويتر تحولات في المجتمعات الخليجية؟

جين كينينمونت
كبير الباحثين في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، شاتام هاوس

عد قطاع الشباب في الممالك الخليجية من أكثر المستخدمين شغفًا بوسائل الإعلام الاجتماعية في العالم، غير أن دول الخليج تشتهر بتحقيقها للأرقام القياسية من حيث أطول مبنى في العالم أو أكبر مجمع تجاري أكثر من اشتهارها بالتطور الهائل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الذي شهدته.ويبدو أن التوجه نحو الاستخدام المتزايد للإنترنت والهاتف المحمول سيؤثر بشكل أكبر على مجتمعات الخليج،وهو ما سيجعل من تويتر تحديًا حديثًا ضد التحكم التقليدي للدول في وسائل الإعلام، وهو ما سبق وأن تغير بشكل كامل من خلال المحطات الفضائيات، إلا أنه يقدم كذلك للحكومات الفرص للتواصل مع مواطنيهم أو لمراقبتهم؛فهو يُسهّل التواصل والترابط عبر الحدود وبين كافة المجموعات الاجتماعية.
ومن الملاحظ أن تويتر كان له تأثير "متوازن" على الحوار السياسي والاجتماعي والديني في دول الخليج، حيث حصل القطاع الكبير من الشباب من مستخدمي تويتر على فرصة "الرد" على أو "مجادلة" من يكبرهم عمرا، مثل الوزراء أو رجال الدين أو كبار المديرين التنفيذيين، بشكل أسهل بكثير من المواجهات الشخصية. كما أنه يوفر مساحة جديدة من المجادلات والتعبئة السياسية، على الرغم من كونه مُوقِعًا للخلاف فيما يتعلق بالرقابة.

"مجتمعات" تويتر:

صرح الرئيس التنفيذي لتويتر "ديك كوستولو" في يوليو الماضي بأن المملكة العربية السعودية تمتلك مجتمعًا لتويتر يعد الأسرع نموًّا في العالم، وذلك استنادًا إلى الأرقام الهائلة من التغريدات لهذا البلد،وقال إن عدد التغريدات السعودية قد ازداد بنسبة أكثر من ثلاثين ضعفا، أي 3000 % خلال الشهر الماضي،كما كشفت دراسة قامت بها Semiocastفي يوليو من هذا العام أن الرياض احتلت المرتبة العاشرة في قائمة المدن الأكثر نشاطًا على تويتر، مما يعد أمرًا مدهشًا، حيث بدأت المدينة بالسماح للمواطن بتصفح الإنترنت منذ عام 1999 فقط. ولقد كشفت دراسة وسائل الإعلام العربية (ASMS) التي أعدها باحثون بكلية دبي للإدارة الحكومية في يوليو من عام 2012 أن #Bahrainهو الوسم (الهاشتاج) الحاصل على أكثر التغريدات في العالم العربي في فبراير ومارس من عام 2012، وتم ذكره 2.8 مليون مرة باللغة الإنجليزية و1.5 مليون مرة باللغة العربية.

وينتشر استخدام تويتر في الخليج بين القطاعات الشبابية بالمنطقة، حيث يفضل من هم دون سن الثلاثين استخدام تويتر، وهم يمثلون الأغلبية من سكان الخليج، ويرجع ذلك إلى مستويات الدخل المرتفعة بشكل نسبي التي سمحت بانتشار استخدام الهواتف الذكية، والتي سهلت الوصول إلى الإنترنت ذي النطاق العريض (البرودباند) خلال السنوات القليلة الماضية.ومؤخرًا في عام 2006، أتيح لنحو 1.5% فقط من السكان في المملكة العربية السعودية، أو ما يعادل 220000 شخصًا، وفقًا لهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات للدولة، الوصول إلى الإنترنت ذي النطاق العريض (برودباند).ولقد تم توفير البرودباند أساسًا بواسطة الشركة المحتكرة للاتصالات بالدولة، وهي شركة الاتصالات السعودية، والتي كانت ترفض طلبات العديد من الأسر للاشتراك بالإنترنت برودباند، وذلك بسبب عدم وجود الكم الكافي من كابلات الإنترنت.وخلال السنوات السبع الأخيرة تحرر سوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مما أدى إلى انخفاض الأسعار وزيادة الطلب،حيث حصل 43% من السكان على برودباند متنقل اعتبارًا من يونيو 2012، )المصدر: هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، المملكة العربية السعودية(.

كما تصل المعدلات في بعض دول الخليج الأخرى إلى أعلى من ذلك، فعلى سبيل المثال تمتلك الإمارات أعلى معدلات انتشار الهواتف المحمولة في العالم، بمعدل 1.6 هاتف لكل شخص حتى أغسطس 2012 (المصدر:هيئة تنظيم الاتصالات، الإمارات العربية المتحدة)،في حين يبلغ معدل انتشار البرودباند الرسمي 11.3% فقط، وفي عام 2011 كانت نسبة 44% من الهواتف المحمولة المستخدمة في الإمارات من الهواتف الذكية.

من ناحية أخرى، اعتاد الشباب الخليجي على أن يكون لهم السبق في تبني التكنولوجيا، وهيمنوا على المجال العربي في تويتر، حيث تنتمي كافة الدول التي تحتل المراكز الخمسة الأولى في استخدام تويتر في العالم العربي إلى مجلس التعاون الخليجي، وفي مارس 2012، أطلق 88% من تغريدات المنطقة العربية من الكويت والسعودية والإمارات والبحرين إلى جانب مصر، وذلك وفقًا لدراسة وسائل الإعلام العربية (ASMS).ورغم ذلك، لا يحظى تويتر إلا بمساحة تقل كثيرًا عن الفيسبوك في هذه الدول، فعلى سبيل المثال، يوجد 830291 حساب على تويتر بالمملكة العربية السعودية مقارنة بنحو 5.5 ملايين حساب على الفيسبوك.وفي حين أن الغالبية العظمى من المستخدمين يقضون أوقاتهم في التواصل الاجتماعي بدلا من استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية لأغراض سياسية، فإن كلا من تويتر والفيسبوك أصبحا بمثابة مساحات مهمة للاتصال والتواصل السياسي والتعبئة السياسية، والتي تعرف في بعض الأحيان باسم "الشوارع الافتراضية" في البلاد التي يُحظر فيها المظاهرات بالشوارع.

وتحوز الكويت أعلى معدل لاستخدام تويتر بشكل ملفت للانتباه، وذلك على الرغم من كونها أكثر دولة ذات حرية صحفية بالخليج، حيث يمتلك 12.8% من إجمالي السكان بالكويت وعددهم 2.8 مليون حسابات على تويتر.وتم استخدام تويتر بشكل كبير خلال الانتخابات البرلمانية في الكويت لشهر فبراير 2012، لمناقشة السياسات وسجلات التصويت لمختلف المرشحين، ولتوضيح التناقضات بين السياسات التي أقرها المرشحون وبين السجلات الفعلية.وفي انتخابات ديسيمبر، تم استخدامه أيضًا لمناقشة مقاطعة الانتخابات ولتنظيم الاحتجاجات وانتقاد المتظاهرين.

كما احتلت البحرين المركز التالي في استخدام تويتر، حيث إن 5.3% من السكان لديهم حسابات عليه، وكشفت دراسة حول الاتصالات عبر تويتر، والتي أجرتها مؤسسة Portland Communicationsفي نوفمبر 2012، أن مستخدمي تويتر في البحرين لديهم علاقات اتصال أكثر بكثير من أي دولة عربية أخرى ما عدا مصر.ولقد ساعد على ذلك أن العديد من المستخدمين لتويتر من البحرين يطلقون التغريدات بكل من اللغتين العربية والإنجليزية، كما قامت شركة تويتر بتطوير واجهة المستخدم العربية على مدار السنة الماضية، مما ساعد على الأرجح في انتشاره في بلاد تستخدم اللغة الإنجليزية بشكل أقل، وخاصة في السعودية.

ومن اللافت للانتباه أيضًا، انتشار استخدام تويتر بين رجال الدين، والمسئولين الحكوميين في دول الخليج، وليس بين الشباب فقط. حيث يعد *MohamedAlarefe(محمد العريفي) المغرد الأكثر شعبية في العالم العربي، وهو رجل دين سعودي، يبلغ عدد متابعيه 3.2 ملايين شخص، مما يدحض الأفكار النمطية التي تشير إلى تويتر بكونه مخصصًا بشكل كبير للشباب المقلد للغرب.كما يعد "الشيخ سلمان العودة" (*salman_alodah)أحد أكثر مغردي الخليج شعبية، وهو رجل دين سعودي مشهور ويرتبط اسمه بحركة الصحوة، ويبلغ عدد متابعيه 1.7 مليون شخص.

كما يستخدم وزراء الحكومات الخليجية هذه الخدمة بشكل متزايد كجزء من جهودهم في الحكومة الإلكترونية، ولتمكينهم من التواصل مع الناس الذين لا يكلفون أنفسهم عناء زيارة المواقع الإلكترونية للوزراء ولكنهم قد يتصفحون تويتر مرات عديدة في اليوم. ويعد رئيس وزراء الإمارات وحاكم دبي الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم" أول حاكم خليجي يستخدم تويتر في الخليج، ويبلغ عدد متابعيه 1.2 مليون شخص، وهو يقوم بنشر المعلومات حول سياسات الحكومة والإنجازات الوطنية وزياراته إلى الأماكن المختلفة من الدولة. كما كان وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد آل خليفة (*khalidalkhalifa)من الأوائل في استخدامه، بينما اشترك وزير الخارجية بالإمارات الشيخ "عبد الله بن زايد آل نهيان" بتويتر منذ عام واحد، وهو الذي يعد أصغر وزراء الخارجية في الخليج حيث يبلغ 40 عاما، ولقد حصل على حوالي نصف مليون من المتابعين منذ ذلك الحين.

وتتضمن قائمة العشرة الأوائل لأكثر المغردين المتواصلين في الخليج خمسة صحفيين وثلاثة نشطاء، من بينهم شخص معتقل، وآخر تم اعتقاله بشكل متكرر، وآخر في المنفى، وذلك بالإضافة إلى وزير وحاكم.ومن اللافت للانتباه، حصول حساب شخص سعودي مجهول الهوية، *mujtahid، (المجتهد) والذي كان يركز على التكهنات بخصوص عملية الخلافة للأسرة المالكة، على 811000 متابع، وهو عدد يفوق أغلب متابعي الوزراء في الخليج.

وإلى حدٍّ كبير، يتبع هؤلاء الوزراء ورجال الدين خطى الطلاب والناشطين السياسيين والشباب العاديين،حيث ينبغي عليهم التنافس معهم على مستوى ما يزال يتسم بالمساواة العادلة،وذلك لأن تويتر مجاني الاستخدام، ويعتمد عدد متابعي المستخدم أو عدد إعادات التغريدات بشكل أساسي على قول الشخص لشيء مثير للاهتمام.وقد تساعد شركات العلاقات العامة في خلق التغريدات أو حتى "شراء" عدد من المتابعين المصطنعين، ولكن غالبًا ما تكون هذه الجهود واضحة ومملة إلى حد كبير.

تويتر.. أداة التعبئة الأكثر تفضيلا:

يعتبر تويتر، على الصعيدين الخليجي والعالمي، أداة تسمح بإعادة التوزيع الأوسع نطاقًا للسلطة على المعلومات بعيدًا عن الحكومات وبشكل يقترب أكثر من الأفراد، خاصة وأن الشباب هم من يشكلون أغلبية المستخدمين. وحتى في حالة عدم استخدامه بشكل علني لأغراض سياسية، فإن إعادة التوزيع للمعرفة والمعلومات هذه لها تأثيرٌ قوي على العلاقات بين الدول والمجتمع وعلى العلاقات بين الأجيال المختلفة، وذلك مع عدم قدرة الحكومات على احتكار وسائل الإعلام، وإمكانية وصول الشباب إلى نطاق أوسع من مصادر المعلومات أكثر مما وصل إليه أجدادهم. وبالتأكيد فإن هذا التوزيع المتغير للمعرفة لا يتقدم في اتجاه واحد، فإن الحكومات على كلا الصعيدين الخليجي والعالمي تتطور في استخدام وسائل الإعلام للتواصل مع المواطنين الشباب ولرصد المعارضة.

وخلال الفترة السابقة على الثورات العربية، كان نشطاء الحركة الخضراء الإيرانية يحظون بريادة الاستخدام السياسي لتويتر في الشرق الأوسط أثناء الاحتجاجات الإيرانية في عام 2009، ولا يخفى أن طلب وزارة الخارجية الأمريكية تأجيل بعض الصيانة الروتينية على تويتر التي قد كانت يمكن أن تعطل الخدمة بشكل مؤقت أثناء تلك الاحتجاجات ساهم في تسهيل استخدام النشطاء لتويتر،غير أن السلطات الإيرانية قامت أيضًا بإيجاد الطرق لنشر معلومات زائفة على تويتر وتتبع نشطاء المعارضة من خلال المراقبة الإلكترونية. ولا تزال لعبة الملاحقة قائمة بين النشطاء والدول، مما يؤدي بالمعارضين السياسيين للبحث عن تقنيات حديثة والانتقال ما بين تطبيقات SkypeوViberأو Blackberry MessengerوWhatsAppلحماية خصوصياتهم.

ثم ازدادت شعبية تويتر من خلال الثورات العربية في أوائل عام 2011، حيث أصبح يتم استخدامه كواحد من أسرع الطرق في الحصول على آخر الأخبار، على الرغم من وجود عدد كبير من الشائعات غير المؤكدة، وكوسيلة لتنظيم التجمعات والتظاهرات أو الحملات.كما أنه يستخدم في الكوميديا والترفيه، مع وجود الوسوم التي تمكن المستخدمين من طمس البيانات الجادة التي يصرح بها المسئولون أو رجال الدين أو القادة السياسيون، وحتى في حالة الدول التي لم تشهد أية احتجاجات، مثل الإمارات، فلقد شهدت ارتفاعًا في شن الحملات على تويتر، مثل حملة UAEDressCode، والتي عرضت أفكار بعض مواطني الإمارات المحافظين على الوافدين من الغرب، مما يوضح مرة أخرى حقيقة أنه ليس الليبراليون المقلدون للغرب فقط هم من يستخدمون وسائل الإعلام الاجتماعية.

التداعيات "السلبية" لتويتر:

لقد لعب تويتر دورًا رئيسيًّا في السماح لأصحاب الميول المتشابهة في التواصل عبر الحدود الوطنية، وقد يساهم في التكوين المستمر للهوية "الخليجية". بيد أن هناك جانبًا مظلمًا في الأمر، حيث يمكن استخدام الوسيلة غير المنظمة بشكل كبير كمصدر للمعلومات الخاطئة التي يصدقها المستخدمون عديمو الخبرة في بعض الأحيان بلا تمييز، والدعاية وخطاب الكراهية.

فعلى سبيل المثال، قامت اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق منذ العام الماضي بانتقاد حساب على تويتر، بسبب نشره لخطاب الكراهية الطائفية، وتسريب معلومات أمنية حساسة، كان آخر ما تم تسريبه من خلال هذا الحساب هو قرار تجريد ال***ية من 31 ناشطًا سياسيًّا، وذلك قبل نشره من قبل وكالة الأنباء الرسمية.

إلى جانب ذلك، أصبح تويتر ساحة القتال الجديدة للرقابة على الحساسيات السياسية والدينية،ولا ينطبق ذلك على العالم العربي فحسب، بل وعلى مستوى العالم، حيث إن هناك اتجاهًا لتقييد وسائل الإعلام الاجتماعية وهو ما يثير التساؤلات، على سبيل المثال، حول كيفية التعامل مع الافتراءات على نطاق ضخم عندما يرددها ملايين الأشخاص، أو حول مكان تحديد الخطوط الفاصلة بين التهديدات والنكات، وهذا ما أثارته مؤخرًا قضية "مطار روبن هود" بالمملكة المتحدة.

كما أنه خلال السنة الجارية، في البحرين، حُكِم على أربعة شبان بتهمة "إهانة الملك" على تويتر؛ وفي الكويت، عوقب رجل بتهمة إهانة حكام الدول المجاورة بالإضافة إلى إهانة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ وفي الإمارات، تم القبض على رجل بتهمة إطلاق تغريدات لتعليقات سلبية حول الخدمات الأمنية؛ أما في السعودية، فحُكِم على شاب بتهمة الكفر بعد إطلاق تغريدات حول الرسول الكريم عليه السلام،وفي الحالة الأخيرة، علق البعض على تويتر للمطالبة بإعدامه، مشيرين إلى أن وسائل الإعلام الاجتماعية، هي أشبه بمجتمع مدني أوسع، ولا تعني بالضرورة القوة من أجل الحرية والتعددية.

لقد سمحت العملية الاقتصادية بتحرير الاتصالات وبطفرة في تقنيات وسائل الإعلام الاجتماعية، والتي تُحدث تأثيرًا في مجال المساواة في الحقوق والكفاءات على الجدل السياسي والديني والثقافي.وهذا مثال رئيسي حول الطرق التي قد يؤدي بها تغيير اقتصادي أو سكاني إلى تغييرات اجتماعية وسياسية داخل المجتمعات المتفاعلة وسريعة التطور في الخليج.

[محمد محمود بدر]

جزاكم الله خيرا

[راغب السيد رويه]

جزاك الله خيرا وبارك فيك