#1
|
|||
|
|||
سورة النساء والاهتمام بالأيتام
سورة النساء والاهتمام بالأيتام الوصية السادسة: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ [الأنعام: 152] (2) ذلكم وصاكم به (الوصايا العشر ) قال الله تعالى: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا * وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 2 - 6]. سورة النساء مدنيَّة، وقد نزلت لتبين أحكامَ النساء، ومَن على شاكلتهم من الضعفاء، وهم الأيتام والصغار، ومَن لا يستطيعون التصرُّف ممن يحتاجون إلى وصيٍّ، وقد بدأها الله سبحانه وتعالى بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ففيها خطاب للمؤمنين بأحبِّ الأسماء إليهم، وفيها الأمرُ بتقوى الله، وتقوى الله تنجي من المهالك، وفيها التذكيرُ بأن الناس كلهم من أصل واحد، ومن نفس واحدة، لا فرقَ بينهم من حيث الأصلُ والنشأة؛ ((كلكم لآدَمَ، وآدمُ من تراب))؛ وذلك لكيلا يتعالى الإنسانُ على أخيه الإنسان، ثم إن تَكرارَ تقوى الله من أجل تعميق الإيمان والتواضع، ثم تأتي الوصية بالأرحام؛ حيث عطفها على لفظ الجلالة، ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ ﴾ [النساء: 1]، واتقوا ﴿ الْأَرْحَامَ ﴾ [النساء: 1]، وكل هذا مقدِّمة لِما سيكلَّف به الإنسان من الأمانة الكبيرة والمسؤولية العظيمة في الضعيفين (المرأة واليتيم)[1]، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 2] إلخ الآية؛ حيث أمر اللهُ الوصيَّ أو الولي بإعطاء المال لليتيم الذي كان تحت رعايته متى بلغ رُشده بعد البلوغِ، ونهاه عن تبديلِه وتغييره، وهذا ليس في المال النقدي، وإنما في الأنعام وما يمكن تبديلُه؛ كأن يكونَ عنده مثلاً عشرون من الغنم سمانًا، فيُعطيه عشرين هزالاً، ثم قال تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ ﴾ [النساء: 2]؛ أي: لا تضمُّوها إلى أموالكم، وتخلطوها مع أموالكم لتأكلوها، وقد سبق أن ذكرنا اهتمامَ الصحابة الذين يرعون أيتامًا لهذا النهي؛ فعمِلوا على فَرْز أموالهم عن أموال اليتيم، وطعامهم عن طعامه، ففسدت بعض أطعمة اليتيم، فنزلت الآيةُ الكريمة: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ [البقرة: 220]، فسمح لهم بالمخالطة لهذه الضرورة، وإنما كان المنعُ لدفع الطَّمَع بالمخالطة، فإذا عُدِم الطَّمعُ، وكانت المخالطة بلا غَبْن لليتيم ولمصلحته، فلا مانعَ منها. ثم قال تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ﴾ [النساء: 3] إلى آخرِ الآيةِ الثالثة؛ فهذه الآيةُ في اليتيمة التي يرعاها وصيٌّ من غير محارمها، ويصحُّ له أن يتزوجَ منها، فعليه أن ينكحَها بمَهرها، ولا يغمطها حقَّها، واليتيمة التي من هذا النوع هي التي تُستأمَر في زواجها؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((تُستأمَر اليتيمةُ في نفسِها، فإن سكَتَت فهو إذنُها، وإن أبَتْ فلا جوازَ عليها))[2]؛ لذلك فإن الله خيَّر الوليَّ على اليتيمة في الزواج من غيرها إن كان في نفسِه منها شيءٌ؛ لفقرٍ أو قلة جمال، أو يريد أن يبخَسَها حقَّها من المهر، خيَّره في تركها والزواج من غيرها؛ فعند مسلم عن عروةَ بن الزبير أنه سأل عائشةَ عن قول الله: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ﴾ [النساء: 3] قالت: يا بن أختي، هي اليتيمةُ تكون في حجر وليِّها، تشاركه في ماله، فيعجبه مالُها وجمالُها، فيريد أن يتزوجَها بغير أن يقسطَ في صَداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنُهِوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن، ويبلُغوا بهن أعلى سُنَّتهن من الصداق"[3]، وفي رواية ثانية عن عائشة قالت في قوله: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ﴾ [النساء: 3]، قالت: "أُنزِلت في الرجل تكون له اليتيمة، وهو وليُّها ووارثها، ولها مال وليس لها أحدٌ يخاصم دونها، فلا ينكحها لمالها، فيضر بها، ويُسيء صحبتها"، وفي رواية أخرى: "ويكرَه أن يُنكحها رجلاً فيشركه في ماله، فيعضلها"؛ أي: يمنَعها من الزواج. وأما قوله تعالى: ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ﴾ [النساء: 127]، قالت عائشة: "أنزلت في اليتيمة تكون عند الرجلِ، فتشركه في ماله، فيرغب عنها أن يتزوجها، ويكرَهُ أن يزوجَها غيرَه فيشركه في ماله، فيعضُلها فلا يتزوَّجها ولا يزوِّجها غيره"[4]. ثم قال الله تعالى في الآية السادسة بشأن اليتامى: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 6]، والابتلاء هنا يعني الامتحان، ومعناه أن يختبروهم في المحافظةِ على أموالهم على مرات عدة قبل بلوغهم، فإذا بلَغوا وأنسوا منهم رشدًا، فعليهم أن يدفَعوا أموالهم إليهم، وقد ورَد في الحديث الشريف عن علي قال: حفظتُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يُتْمَ بعد احتلام))؛ أي: إذا كبِر اليتيم وصار فتًى بعد سن الخامسة عشرة فلا يسمى يتيمًا؛ لأنه بلغ وصار في عِداد الرجال، فلا تبقى هذه الصفةُ ملازمة له، ثم قال تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا ﴾ [النساء: 6]؛ أي: لا تتعدَّوا في أكلها من غير حاجة وضرورة، فتبادروا قبل بلوغهم إلى التعدِّي، ثم قال تعالى: ﴿ وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 6]، وهنا ندَب الله الأغنياءَ إلى عدم الأكل من مال اليتيم مهما كان المأكول قليلاً، بل الأفضل أن يزيدَ له في المال وينميه؛ لأنه غنيٌّ ولا حاجةَ له في مال اليتيم، أما الولي الفقير فيجوز له أن يأكلَ بالمعروف من غير إسراف؛ وذلك لقاءَ رعايته لليتيم، وفي حديث عمرِو بن شعب عن أبيه عن جدِّه قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن عندي يتيمًا عنده مالٌ وليس لي مال، آكُلُ من ماله؟ قال: ((كُلْ بالمعروف غيرَ مسرفٍ ولا مبادِرٍ ولا متأثِّلٍ))[5]. والمبادرة: أي قبل البلوغ، وهنا تعني: المسارعة، والتأثُّل: أصل المال؛ أي: دون أن يؤثر على أصل المال، وفي هذا لما سأل رجل ابنَ عباس فقال: "إن لي يتيمًا وله إبل، أفأشرَب من لبن إبله؟ فقال له ابن عباس: إن كنتَ تبغي ضالةَ إبله، وتهنأ جرباها، وتليط حوضها، وتسقيها يوم وِرْدِها، فاشرَبْ غيرَ مضرٍّ بنسلٍ، ولا ناهك لحلبٍ"[6]. ومعنى تبغي ضالتَها: تنشُدُها وتبحث عنها، وتهنأ جرباها: أي تداويها وتدهنها بالقَطِران، وتليط حوضها: تطينه وتُصلِحه، ورغم هذه الشروطِ الواجب القيام بها تجاه إبل اليتيم، فإنه لم يسمح بأخذ شيءٍ من أصل الإبل، وإنما سمَح له بالشرب من حليبها بالمعروف، غير ناهكٍ لحلب. وعند البخاري في معنى ﴿ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 6]، قالت عائشة: أنزلت في والي اليتيم أن يصيبَ من ماله إذا كان محتاجًا بقدرِ ماله بالمعروف"، وعنده أيضًا: "أن عمرَ تصدق بمالٍ له على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقال له: ثَمْغٌ، وكان نخلاً، فقال عمر: يا رسول الله، إني استفدتُ مالاً، وهو عندي نفيسٌ، فأردتُ أن أتصدق به، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((تصدَّقْ بأصله، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن ينفق ثمره))، فتصدق به عمر، فصدقته تلك في سبيل الله، وفي الرِّقاب، والمساكين، والضيف، وابن السبيل، ولذي القربى، ولا جُناح على من وَلِيَه أن يأكل منه بالمعروف، أو يوكل صديقه غير متمولٍ به"[7]، وهذا نموذج للاستفادة مما يدر المال، لا من أصله؛ ليبقى أصله ثابتًا دون نقصان، فعلى وليِّ اليتيم أن يلتزمَ بهذا، بل عليه أكثر أن يعملَ لتنمية مال اليتيم إن كان مالاً نقديًّا، وإلا فإن الزكاةَ تأكُلُه إذا انتظر به حتى يكبَرَ اليتيم، ويبلغ الرشد؛ فعند الدارميِّ: "في مال اليتيم يعمل به الوصي، إذا أوصى إلى الرجل"، وعند الترمذيِّ مِن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم خطَب الناس فقال: ((ألا من وَلِيَ يتيمًا له مال، فليتَّجر فيه، ولا يترُكْه حتى تأكله الصدقة))[8]، وفي الموطأ عن مالك بن أنس بلغه أن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه قال: "اتَّجِروا في أموال اليتامى، لا تأكلها الصدقة"، وبلغه: أن عائشةَ رضي الله عنها: "كانت تعطي أموالَ اليتامى من يتَّجِر فيها"، وعن القاسم بن محمد قال: "كانت عائشةُ تَلِيني أنا وأخًا لي يتيمين في حجرها، فكانت تُخرِجُ من أموالنا الزكاة"[9]؛ ولهذا فإن وليَّ اليتيم مسؤولٌ عن ذلك، ويجب أن تتوفرَ فيه شروطٌ مناسبة لهذا؛ كالقوة، والأمانة، والتصرف الحسن؛ لكي يسيرَ بهذه الأمانة نحو شاطئ السلامةِ؛ فعن أبي ذرٍّ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا ذرٍّ، إني أراك ضعيفًا، وإني أحبُّ لك ما أحب لنفسي، فلا تأمَّرَنَّ على اثنين، ولا تَوَلَّيَنَّ مال يتيم))[10]؛ فالأمر هنا لأبي ذر خاصة، ولمن كان ضعيفًا مثله عامة؛ فالولاية على اليتيم تحتاج إلى صبرٍ ودقة في الحساب، وحرص على ماله؛ ليوصلَه إلى سن الرشد، ليدفع له ماله ناميًا، فإن فعل ذلك، فله ثواب كبير، وإن قصَّر وضعُف، كان عليه وِزْرٌ كبير، ولقد تهدَّد الله سبحانه وتعالى مَن يُتلِف مال اليتيم فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10]؛ فعند البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبعَ الموبِقات))، قالوا: يا رسول الله، وما هنَّ؟ قال: ((الشرك بالله، والسِّحر، و*** النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات))[11]، ولقد التزم الصحابةُ رضوان الله عليهم بالآية التي تطلب الإصلاحَ لليتيم، وتنشد الخير له؛ قال تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 220]، ومعنى ﴿ لَأَعْنَتَكُمْ ﴾: لأحرَجكم وضيَّق عليكم، وعند البخاري عن نافع قال: "ما ردَّ ابن عمر على أحدٍ وصيتَه، فكان يقبل بالولي مع تذكيره بالله وحقِّ اليتيم عليه، وكان ابن سيرين يقول: أحب الأشياء إليَّ في مال اليتيم أن يجتمع إليه نصحاؤُه وأولياؤه، فينظروا الذي هو خير له، وكان طاوسٌ إذا سُئِل عن شيء في أمر اليتيم من قِبَل الولي يقول: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ﴾ [البقرة: 220]، فالويلُ والثُّبور لِمن وَلِي مال اليتيم ثم ضيَّعه أو أكله، ثم قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 6]، وبعد تمام البلوغ والرُّشْد لليتيم، على الوليِّ أن يدفع إليه مالَه؛ لأنه صار أهلاً للتصرف به؛ وذلك بعد الاختبار الناجح واجتياز مرحلة السَّفه وتضييعِ المال، فإذا تم له البلوغُ مع الرشد، وهو غالبًا بعد سن الخامسة عشرة؛ لحديث ابن عمر في الصحيحين أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ردَّه في غزوة أُحد، وأجازه في الخندق؛ لأنه بلَغ الخامسة عشرة. وبعد وصول اليتيم للأهلية يرد له ماله، ويشهد عليه في ذلك؛ لكي تبرأَ ذمة الولي فلا يطالبه اليتيم بعد ذلك، والأفضل أن يكونَ ذلك مكتوبًا جامعًا للحساب من يوم ولايته إلى يوم تسليمه المال الذي كان في عهدته، ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 6]؛ أي: كفى بالله محاسبًا وشاهدًا ورقيبًا على الأولياء في حال نظرهم للأيتام، وحال تسليمهم الأموال لهم، هل هي كاملة موفورة أو منقوصة مبخوسة مدلَّس حسابها؟ الله عالم بذلك كله، سيجازي كلاًّ على عمله، إن أحسَن فله الحُسنى، وإن أساء فله الجزاء الأوفى؛ حيث لا يضيع عند الله مثقالُ ذرة. ففي الحديث: ((مَن قبض يتيمًا من بين المسلمين إلى طعامه وشرابه، أدخله الله الجنةَ ألبتة، إلا أن يعمل ذنبًا لا يُغفَر))[12]؛ فخدمة اليتيم ورعايتُه فيها ثواب كبير، وكذلك الحِفاظ على ماله إن كان له مال، فما أحرى الوليَّ أن يلتزم بقول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ [الأنعام: 152]، وقد استثنيت الأم من هذا إن كانت هي التي تربي أبناءها؛ فعند أبي داود عن عمارة بن عمير عن عمَّته أنها سألت عائشة قالت: "في حجري يتيم - تعني ابنها - أفآكُلُ من ماله؟ فقالت عائشة: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إن مِن أطيبِ ما أكل الرجل مِن كسبِه، وولده من كسبِه))"[13]. [1] الحديث: ((اللهم إني أُحرِّجُ حقَّ الضعيفين؛ اليتيم والمرأة)) رواه النَّسائي بإسنادٍ جيد عن عمرٍو الخزاعي. [2] رواه أبو داود، ص231، ج2. [3] صحيح مسلم، ص154، ج18. [4] رواه مسلم، ص156، ج18. [5] رواه أبو داود والنسائي، وهو حسن. [6] رواه مالك في الموطأ، وهو صحيح الإسناد. [7]البخاري ج3، ص193. [8] جامع الأصول 2715. [9] المصدر نفسه 2714، وكذلك الذي قبله. [10] المصدر نفسه 9262. [11] البخاري، ص195، ج3. [12] رواه الترمذي عن ابن عباس، ص214، ج3. [13] وهو حديثٌ صحيح.
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|