#1
|
|||
|
|||
الإنسان.. ما الإنسان؟
ذلك الجبار من الكرتون، إما الجامح رغم ضعفٍ، أم الغافل تجره أعماله وحمقه إلى حافة هاوية؟ في أزمة ينكشف، فلماذا لا يجعل حقيقة ما انكشف هي أصل نظره وتعامله؟ ما الإنسان؟ ذلك المولود الضعيف يبول على نفسه ويلهث يهتف باسم أمه، يشعر بالضياع لو ابتعدت خطواتها عنه أو ابتعدت يد والده عنه؟ ثم إذا بلغ خاطبه جبار السماوات والأرض؟ يا للهول.. يالله ما الإنسان؟ ذلك المخلوق الذي تحيطه عناية ربه فأوصل رحمته إليه عبر والديه وما ذرأ له في كل خطوةٍ ما تقوم به حياته وما يترفه، ثم ينشغل عن نداءٍ تتقطع له الأوصال في الحديث الضعيف عندما يقول له ربه: «من أعرض عني ناديته من قريب، ومن جاءني تلقيته من البعيد»(1).و قد ورد في الإسرائيليات يقول له: «ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب اليك من كل شيء» (2). هو ذلك المخلوق الذي يختار الله له الخيرة من الأمور والأصلح والأنفع، يمنعه ليعطيه، ويكسره ليرفعه.. هو ذلك العابر في الطريق لسنواتٍ تمر كلمح البصر؟ ما الإنسان؟ ذلك المعاند الجاحد المتكبر على ربه؟ هو ذلك المغرور؟ أم الراقص الصاخب يرفض كل يدٍ هادية تمتد إليه؟ بل ويفحش في الخصومة فيقول اقطعوا هذه اليد وا***وا صاحبها لئلا يذكرنا بضلالنا ولا يزعج لذّاتنا؟ أم ذلك الباحث عن الحقيقة الطالب قلبه ربه والقاصد لرضوانه باذل المال والأنفاس والأعمال، يقوده الشوق ويستحثه الحب، فخلع كل علقة وترك كل معوِّق وتخفف من كل حمل، وذهب للقاء الحبيب، ليقر في نهاية الرحلة؟ هو ذلك القابع بالأقصى يدافع وإن كلّت يده وفرغت عُدته؟ أم الباحث عن مظان الموت حيث الشهادة تحت ظل كل غبارٍ في سبيل الله يدافع عن أمةٍال كسيرة؟ فيغتسل بدمه من ذنوبه ويخفي ابتسامته تحت التراب؟ أم ذلك المُدلف بين جموع حجاج يتغطى بدمعه ويستخفي من ذنوبه؟ وينتظم بين الراكعين الساجدين فينتظم بتسبيحاته بين العُبّاد كأنه منهم؟! أم الأسير في ظلمةٍ وزحمةٍ ووحشةٍ لأنه اختار أن يبصر بين العميان ويشرف بين الأنجاس؟ المتمسك بالحقيقة والحق ولو كان يدفع ثمن صبره عليها كل لحظةٍ ويدفع الثمن معه والداه وزوجه وأبناؤه؟ أم حافظ الآيات باحث المعاني يبحث علم الرسول ليشعل سراجاً في الطريق؟ لا تعجب، إنه الإنسان....خليط من العجب تتجلى فيه حكمة الله، ما بين روحٍ في معراج السماء، وأخرى لا تكف عن الهويّ بلا قرار.. والله العاصم. ____________________ (1) الحديث رواه البيهقي في الشعب(4563) وابن عساكر في تاريخه (17/77) ، وضعفه الألباني في السلسلة الضعفية (2371)) (2)* ويقول له (ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب اليك من كل شيء)..**وهذا الحديث رغم شهرته ليس له أصل في كتب السنة النبوية فلم يذكره أحد من الذين صنفوا الفهارس الحديثية فيما أعلم ، وكذلك فإن الحديث لا يوجد في الكتب التي اعتنت بالأحاديث القدسية. وجدت أن شيخ الإسلام ابن تيمية ذكره بقوله [ وفي حديث إسرائيلي( يا ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب وتكلفت برزقك فلا تتعب فاطلبني تجدني؛ فإن وجدتني وجدت كل شيء؛ وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ) ] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 8/52 مدحت القصراوي
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|