|
الأدب العربي قسم يختص بنشر ما يكتبه كبار الشعراء والأدباء قديمًا وحديثًا |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
أماهُ لا تبكي عليّ
أماهُ لا تبكي عليّ
محمد نادر فرج رسالة’ الشَّهيدِ إلى أمه الصامدة حين وصلني الخبر، كانت هزَّةً عاطفيَّةً عنيفة، انتابتني مشاعر شتى، تهيج بي عواطف متباينة، لا أستطيع تمييز دوافعها، أو تحديد مواجعها. أهوَ الشَّوقِ إلى لثم جراحهِ النّاَزفة، أم الحسرة على أني لن ألقاه بعد الآن. تجيش بي رغبة إلى البكاء، لا أدري أهيَ من الغبطة على ما آل إليه، أم الحسرة على نفسي أني لم أدرك مُناه. كأني بأمه الصابرة قد وقع لها ما ألمَّ بي، ولعلها مشاعر تجيش بي أيضا إلى أمي الحبيبة، فإذا قلمي يطبعُ هذه الكلمات: لا تَبكِ يا أُماهُ واحتَسِبي *** ولْتَحبسي مَوَّارة الغَضَبِ ولْتَسألي الرَّحمنَ مَغفِرَةً *** بِأَكُفَّ أَطهَرُ من نَدى السُّحُبِ عَفواً وغُفراناً ويَقبلنَي *** ويُزيلَ يَومَ الرَّوعِ مِنْ رَهَبي هذي الأَكُفُّ أتوقُ ألثُمُها *** وأَضُمُّها بِجَوانحٍ الطَّربِ في دِفئِها ذُقتُ الحَنانَ وكمْ *** مَسَحتْ غُبارَ الوَهنِ والتَّعبِ ما زِلتُ أشعُرُ لِينَ مَلمَسِها *** في جَبهتي يَحنو كَلَمْسِ نَبي أماهُ قدْ أزفَ الرَّحيلُ فلا *** تأسَي فحسبُكِ أنني بَطَلُ فأنا صَنيعُكِ طاهراً نَضِراً *** أضفى البهاءُ عليهِ والأملُ غُصنٌ يَهيجُ على منابتِهِ *** نَفْحُ الهُدى زَهراً فَيَشتعِلُ كم ذا بَذَلتِ على رِعايَتِهِ *** جُهداً وها قَدْ أثمَرَ العَملُ يا دَوحَةَ الإيمانِ يَغمُرُها *** فَيضُ التُّقى في رَيِّهِ الهَطِلُ قدْ كُنتِ لي رَوضاً أطوفُ بهِ *** بَينَ الغُصونِ كأنني ثَمِلُ أفنانُه الفَيحاءُ زاهيَةً *** بالخَيرِ تَغمُرُنني فأكتمِلُ وأركِ قنديلَ الهَدى سَطَعَتْ *** أنوارُهُ فأضاءتْ السُّبُلُ أجني ثِمارَ الحُّبِّ نَضرَتُها *** رَيّانَةٌ فإذا أنا رَجُلُ أماهُ إن الخُلدَ مَوعِدُنا *** رَسَمَ الطَّريقَ لنا إليه أبي كم كانَ طَيفُكِ باعثاً شَجَناً *** في مهجَتي النَّشوى من الطَّرَبِ طيفٌ أفاضَ ظِلالَ أجنحةٍ *** وكأنَّها الأجفانُ للهُدُبِ ويَهلُّ منه النُّورُ مُبتَسِماً *** طُهراً يَفيضُ كَبارِقِ الشُّهُبِ طَيفٌ أرقُّ من العَبيرِ شَذاً *** وصَفاؤهُ أنقى منَ الذَّهبِ روحي إليكِ تَطيرُ ضارعَةً *** أماهُ فوقَ جَوانحِ السُّحُبِ وإلى رُبوعِ مَواطني الوَلهى *** بِرَحيقِ خَمرِ التّينِ والعِنَبِ وأريجِ زَهرِ الزَّيزفونِ وقدْ *** فاحتْ كَنَفحِ المجدِ في الكُتُبِ أماهُ هذا كانَ لي نَسَباً *** وبهِ أفاخرُ كلَّ مُنتسِبِ أماهُ فَيضُ هُداكِ عَلَّمني *** أن لا أعيشَ بهامشِ الدُّنيا هَمْلٌ على هونٍ تُدَغدِغُهُ *** أهواؤهُ ويَهيمُ بالرُّؤيا لكنَّني بَينَ الضُّلوعِ أرى *** نَفسي تُنازِعُني إلى ألعَليا تأبى الهوانَ وتَسْتَشيطُ إذا *** ما عايَنَتْ بينَ الوَرى بَغيا فَتَثورُ مُغضَبةُ الجَنانِ ولا *** تَرضى منَ الآلامِ بالرُّقيا فَتعيشُ شامخَةً بعِزَّتِها *** وتَهبُّ فهي بدينِها العُليا أو أن تَموتَ أبيَّةً وإذاً *** هيَ لَنْ تَموتَ وإنَّما تَحيا حُرَّاً وتَغلي بي دِماءُ أبي *** وأرى الشَّهادةَ لي هيَ المُنيا أماهُ إنَّ النَّجمَ صافَحني *** وحَنا يُقبِّلُ جُرحيَ الدَّامي ويَمُدُّ من بَينِ الغيومِ يَداً *** لِيَشُدَّني لِمقامِهِ السَّامي بَيضاءَ بَدَّدَ نورُها جَزَعي *** مُستأصِلاً حُزني وأوهامي فأنا أحَلِّقُ في العُلا قَمَرٌ *** أُضفي على الأكوانِ إلهامي طَيفٌ يجوبُ الكَونَ في رَهَفٍ *** وكأنَّهُ تَرجيعَ أنغامِ وأهيجُ كالنَّسماتِ في وَلَهٍ *** بينَ الجِنانِ ورَوضِها النَّامي كالصُّبحِ فاضَ بِسِحرِهِ وسَرى *** فَوقَ الرُّبا كَطُيوفِ أحلامِ أغشى جِنانَ الخُلدِ يَغمُرُني *** فيها الرِّضا وصَفاءُ أيّامي لا ظُلمَ بينَ النَّاسِ يؤرقُني *** أو بَغيَ سَعَّرَ فيَّ آلامي أماهُ لا تبكي عليَّ فقدْ *** جَفَّ النَّزيفُ بجُرحيَ الدَّامى |
العلامات المرجعية |
|
|