اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > رمضان كريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-06-2018, 06:34 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New نماذج لخطبة عيد الفطر 1439هـ


حَالُنَا بعدَ رَمضانَ
(أول خطبة بعد رمضان)
*
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَعْبُودِ الْحَقِّ فِي كُلِّ زَمانٍ وَمَكَانٍ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى مِنَّتِهِ بِإِكْمَالِ عِدَّةِ رَمَضانَ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ، نَبِيُّ الشَّرِيعَةِ الدَّائِمَةِ، وَالرِّسَالَةِ الْخَاتِمَةِ، فَصَلَواتُ رَبِّي وَسلامُهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ؛ فَاتَّقُوا اللهَ الْعَلِيَّ حَقَّ تَقْوَاهُ وَرَاقِبُوهُ مُرَاقَبَةَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّه يَرَاهُ، وَتَزَوَّدُوا مِنْ دُنْيَاكُمْ لِآخِرَتِكُمْ عَمَلاً يَرْضَاهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّه لَا يَضُرُّ وَيَنْفَعُ وَيَصِلُ وَيَقْطَعُ وَيُفَرِّقُ وَيَجْمَعُ وَيُعْطِي وَيَمْنَعُ ويَخْفِضُ وَيَرْفَعُ إلَّا إيَّاهُ ﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 63].
*
الْحَمْدُ للهِ، الْحَمْدُ للهِ، الْحَمْدُ للهِ عَلَى جَزِيلِ إِنعَامِهِ، الحَمدُ للهِ تَعَالَى عَلَى نِعْمَةِ رَمَضانَ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَينَا فَصُمْنَا الشَّهْرَ كَامِلًا - نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا مَا عَمِلْنَا فِيه مِنَ الْخَيْرِ، وَيَعْفُوَ عَنَا الزَّللَ والخَللَ والشَّيْنَ، فَاللَّهُمَّ آمِين-.
*
يَقُولُ الْإمَامُ الْكَبِيرُ ابْنُ تَيمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: "فَالْقَلْبُ لَا يَصْلُحُ وَلَا يُفْلِحُ وَلَا يَلْتَذُّ وَلَا يُسَرُّ وَلَا يَطِيبُ وَلَا يَسْكُنُ وَلَا يَطْمَئِنُّ إلَّا بِعِبَادَةِ رَبِّهِ وَحُبِّهِ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ. وَلَوْ حَصَلَ لَهُ كُلُّ مَا يَلْتَذُّ بِهِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ لَمْ يَطْمَئِنَّ وَلَمْ يَسْكُنْ؛ إذْ فِيهِ فَقْرٌ ذَاتِيٌّ إلَى رَبِّهِ وَمِنْ حَيْثُ هُوَ مَعْبُودُهُ وَمَحْبُوبُهُ وَمَطْلُوبُهُ، وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُ الْفَرَحُ وَالسُّرُورُ وَاللَّذَّةُ وَالنِّعْمَةُ وَالسُّكُونُ وَالطُّمَأْنِينَةُ"؛ انتَهَى. وَصَدَقَ هَذَا الْإمَامُ؛ فَإِنَّه لَا سَبِيلَ إِلَى السَّعَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ إلاَّ فِي أَنْ يَجْمَعَ الْإِنْسانُ قَلْبَهُ عَلَى خَالِقِهِ وَيُعَلِّقَهُ بِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَنَاطَ رَاحَةَ الْقَلْبِ وَسَعَادَتَهُ بِإقْبالِ الْعَبْدِ عَلَيهِ، كَمَا أَنَاطَ الشَّقَاءَ وَالتَّعاسَةَ بِإعْرَاضِ الْعَبْدِ عَنْهُ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ [طه: 123، 124]، وَلَا تَكَادُ تَطِيبُ الْحَيَاةُ إلاَّ بِمِثْلِ هَذَا، وَلَا يُخَفِّفُ مِنْ كَدَرِ مُشْكِلَاتِهَا، وَلَا يَرْفَعُ مِنْ كَآبَةِ هُمُومِهَا، وَلَا تُعَالَجُ مَصَائِبُهَا وَأحْزَانُهَا إلاَّ بِذَلِكَ الْإيمَانِ، وَبِتَوَجُّهِ الْقَلْبِ إِلَى خَالِقِهِ وَصَانِعِهِ، وَاشْتِغَالِ الْجَوَارِحِ بِخِدْمَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، عِنْدَهَا تَكُونُ حَيَاةُ الإِنْسانِ تَسْرِي فِي مَسَارِهَا الصَّحِيحِ، فَتَطِيبُ الْحَيَاةُ وَتَصْفُو، وَيَذُوقُ الْمُؤْمِنُ الصَّادِقُ شَيئًا مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ الرُّوحِيِّ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا.
*
أَيُّهَا الإِخْوَةُ: كَعَادَتِهِ لَمْ يَدُمْ رَمَضانُ بَيْنَنَا طَوِيلًا، بَلِ ارْتَحَلَ عَنَّا سَرِيعًا، جَاءَ رَمَضانُ وَمَضَى، وَأَتَى الْعِيدُ وَسَيَنْقَضِي، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللهِ فِي خَلْقِهِ؛ لِكُلِّ شَيْءٍ إقْبالٌ وَإِدْبَارٌ، وَبِدَايَةٌ وَنِهَايَةٌ وَحَيَاةٌ وَمَوْتٌ.
*
إِنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ - أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ - دَليلُ الْعُبُودِيَّةِ الصَّادِقَةِ، سَواءٌ كَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فَرْضاً أَمْ نَفَلًا، وَهَذَا هُوَ هَدْيُ نَبِيِّنَا عَلَيهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلامُ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ - يَعْنِي: جَعَلَهُ ثَابِتًا غَيْرَ مَتْرُوكٍ -، وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ، أَوْ مَرِضَ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً. رواهُ مسلمٌ.
*
عِبَادَ اللَّهِ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ نَكُونَ بَعْدَ رَمَضانَ كَمَا كُنَّا فِي رَمَضانَ؛ فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ مَوْسِمٌ عَظِيمٌ لَا يَأْتِيَ بَعْدَه مِثْلَهُ إلّا رَمَضانُ الَّذِي بَعْدَه، لَا يَأْتِي شَهْرٌ فِيه خَيْرَاتٌ وَمَغْفِرَةٌ وَرحمةٌ وَعِتْقٌ كَمَا فِي هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي انْصَرَمَ، فَنَحْنُ لَا نَقُولُ كُونُوا كَمَا كُنْتُمْ فِي رَمَضانَ مِنَ الاِجْتِهَادِ؛ فَالنَّفْسُ لَا تُطِيقَ ذَلِكَ، لَكِنِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا مَنَاصَ مِنَ التَّأْكِيدِ عَلَيهِ "لَا للاِنْقِطاعِ عَنِ اللهِ"، نَعَمْ! الْحَبْلُ الَّذِي شَدَدْتَهُ فِي رَمَضانَ لا تَقْطَعْهُ بَعْدَهُ، الْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنْ ذَلِكَ.
*
أَخِي الْحَبيبُ: لَا تَتْرُكِ الصِّيَامَ بِالْكُلِّيَّةِ، لَا تَتْرُكِ الْقِيَامَ بِالْكُلِّيَّةِ، لَا تَتْرُكْ خَتْمَ الْقُرْآنِ بِالْكُلِّيَّةِ، لَا تَتْرُكِ الدُّعَاءَ وَالذِّكرَ وَالصَّدقةَ وَالْعُمرَةَ.. اسْتَمِرُّوا - أيهَا الْمُبَارَكُونَ - عَلَى الْعَمَلِ وَلَوْ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا كَانَ فِي رَمَضانَ. وَهَذِهِ دَعْوَةٌ إِلَى أهَمِّيَّةِ الاِسْتِمْرارِ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَلَوْ كَانَ قَلِيلاً، فَقَلِيلٌ دَائِمٌ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مُنْقَطِعٍ، كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيه وَسَلَّمَ قَالَ: "أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا، وَإِنْ قَلَّ" متفقٌ عليهِ.
*
فَعَلَينَا - عِبَادَ اللَّهِ - أَنْ نَسْتَقِيمَ عَلَى هَذَا الدِّينِ فِي رَمَضانَ وَفِي غَيْرِ رَمَضانَ، وَقَبْلَ الْحَجِّ وَبَعْدَ الْحَجِّ، وَلْيَكُنْ مَا عَمِلْنَاهُ فِي رَمَضانَ دَافِعاً وَحافِزًا وَسَائِقاً لَنَا إِلَى الْخَيْرِ، وَأَنْ تَتَجَسَّدَ آثَارُ الصِّيَامِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ حَيَاةِ الْمُسْلِمِ، فَنَسْتَقِيمَ عَلَى طَاعَةِ رَبِّنَا فِي كُلِّ أَوْقَاتِنَا.
*
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: مِنْ عَلاَمَاتِ قَبُولِ الطَّاعَةِ: الْمُدَاوَمَةُ عَلَيهَا، فَلَيْسَ مِنَ الْمَعْقُولِ أَنْ تُدَاوِمَ عَلَى الطَّاعَةِ فِي رَمَضانَ وَتَنْقَطِعُ بَعْدَه؛ فَرَبُّ رَمَضانَ هُوَ رَبُّ كُلِّ الشُّهورِ.
*
وَمِنْ عَلاَمَاتِ قَبُولِ الطَّاعَةِ أيضاً: أَنْ يَتَغَيَّرَ سُلُوكُ الإِنْسانِ مِنْ سَيِّئٍ إِلَى حَسَنٍ، وَمِنْ حَسَنٍ إِلَى أَحْسَنَ، وَأَنْ تُتَرْجِمَ ذَلِكَ إلى علاَقَةٍ دَائِمَةٍ مَعَ اللهِ فِي سِرِّكَ وَجَهْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَنْ تُتَرْجَمَ الطَّاعَةُ وَالْعِبَادَةُ الَّتِي حَافَظْنَا عَلَيهَا فِي رَمَضانَ إِلَى سُلُوكٍ رَاقٍ وَمُعَامَلَةٍ طَيِّبَةٍ بَيْنَ النَّاسِ.
*
اجْعَلْ - أَخِي الْكَرِيمُ - مِنْ نَسَمَاتِ رَمَضانَ الْمُشْرِقَةِ مِفْتَاحَ خَيْرٍ لِسَائِرِ الْعَامِ، وَاسْتَقِمْ عَلَى طَاعَةِ رَبِّكَ، وَدَاوِمْ وَلَوْ عَلَى الْقَلِيلِ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَاسْأَلْهُ سبحانَه الثَّبَاتَ حَتَّى الْمَمَاتِ.
*
نَسْأَلُ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - الَّذِي شَرَحَ صُدُورَنَا لِلإِسْلامِ، وَحَبَّبَ إِلَينَا الْإيمَانَ أَنْ يُدِيمَ عَلَينَا هَذِهِ النِّعْمَةَ؛ حَتَّى نَلْقَاهُ وَهُوَ راضٍ عَنَّا.
*
كما نسأله سبحانه أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى دِينِهِ، وَأَلاَّ يُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا، وَأَنْ يُعِيذَنَا مِنْ أَسْبَابِ حُبُوطِ الْأَعْمَالِ، إِنَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. بَارَكَ اللهُ لِي ولَكُمْ...
*
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ، وَصَحَابَتِهِ الغُرِّ الْمَيَامِينَ، وَتَابِعِيهِمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:
اعْلَمُوا - عِبَادَ اللَّهِ - أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُعْطِي الدُّنْيا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لاَ يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إلَّا مَنْ يُحِبُّ. فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ فَتَحَ لَهُ بَابَ عَمَلٍ صَالِحٍ يَهْدِيهِ وَيُيَسِّرُهُ وَيُحَبِّبُهُ إِلَيهِ، ثُمَّ يَتَوَفَّاهُ عَلَيهِ، وَكُلُّ امْرِئٍ يُبْعَثُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيهِ.
*
فَالْزَمُوا مَا هَدَاكُمُ اللهُ لَهُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَاحْذَرُوا الرُّجُوعَ إِلَى الْمُنْكَرَاتِ وَالْقَبَائِحِ، فَلَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ مُنْتَهَىً مِنَ الْعِبَادَةِ دُونَ الْمَوْتِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]. وَكَانَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيسٍ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - كَثِيرَ الصِّيَامِ حَتَّى بَعدمَا كَبُرَ سِنُّهُ، وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَإِنَّ الصِّيَامَ يُضْعِفُكَ، فَقَالَ: إِنِّي أُعِدُّهُ لِسَفَرٍ طَوِيلٍ، انتهى مَا ذكَرَه الذهبيُّ.
*
والصَّبرُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ سُبْحَانَه أَهْوَنُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى عَذَابِهِ.
*
اللَّهُمَّ أَمِتْنَا عَلَى أَحْسَنِ الْأَعْمَالِ، وَابْعَثْنَا عَلَى خَيْرِ الْخِلاَلِ يا ذَا الْجَلاَلِ وَالْإكْرَامِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لاِغْتِنَامِ الْأَوْقَاتِ، وَعِمَارَتِهَا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَ الْخَطَايا وَالسَّيِّئَاتِ.
ثم صَلَّوْا وسَلمُوا علَى نَبيِّنَا محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلمَ.

أحمد بن عبد الله الحزيمي
__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-06-2018, 06:34 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New

خطبة عيد الفطر 1439هـ
(الدِّين الغالب)
*
الحمد لله مسبغ نعمائه، وضامنِ الزيادة بشكر عطائه، وجاعل الفرج قرين بلائه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في صفاته وأسمائه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وأوليائه.
*
أما بعد، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً.

أيها المؤمنون والمؤمنات!
ليَهنكم تمام موسمكم، وما أودعتموه من صالح عملكم، وشهود عيدكم. ووهب الله لنا في عطاياه أجزل الثواب والنصيب، وجعل عملنا في الخير ديمة، ورزقنا القبول وحسن الختام.
*
عباد الله!
كان الناس قبل بزوغ شمس الإسلام في ظلام الجاهلية الدامس ومستنقعها الآسن؛ يأكل القويُّ الضعيف، وتُخفر الذمام، ويفشو فيهم الشرك والمنكر والرذيلة، أنهكهم تطاحن النعرات، وقسّمت مجتمعهم، وقزّمت عقولهم واهتماماتهم؛ يعيشون في هامش الحياة مؤخرين في ذيل الأمم؛ لا يُرقب فيهم عهد، ولا يُحسب لهم حساب. وبينا هم كانوا غارقين في سفحٍ هابطٍ من الضلال والبؤس إذ بعث الله فيهم نبياً منهم يعرفون نسبه وخُلقه؛ ليكون هو المنقذ؛ وليترقّوا في سلم هداه من سفح ﴿ ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ إلى سامق قمة ﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]، والتي لم تبلغها أمة غير أمته صلى الله عليه وسلم، وذلك خلال ثلاث وعشرين عاماً؛ انقلبت فيها بنور الهدى موازين تلك الأمة وقيمها؛ فانقلبت نظرةُ الأمم إليها وتعاملُها معها من ازدراء وتهميش إلى رعب وتحريش. إنها أعظم منّة ربانية سابغة عليها؛ ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]. حتى إذا ما أتمّ النبي صلى الله عليه وسلم البلاغ، وأُكمل الدين، وتمّت النعمة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وشهد له ربه والخلق بنجاح البلاغ وأداء الرسالة؛ ترحّل بعد أن أقام مجتمعاً ربانياً لم يُعرف له في تاريخ البشرية نظير، مجتمع مؤتَمن على نشر الدين والذود عن حياضه؛ فترامت أطراف رقعة الدولة الإسلامية بفتوح الكتاب المنير والسِنان الشهير حتى عمّت ما بين المحيطين، وغدت دولة الإسلام أعظم دولة عرفها التاريخ ديناً، وقيماً، وحضارةً، وشكيمةً، رغم ضراوة خصومة الأعداء الفجّار ومكرهم الكُبّار؛ إذ كان المؤمنون لازمين غرز النبوة، والآخرة غاية قصدهم. وبدأ النقص الغالب يدخل على الأمة بقدر ما تركت من دينها، وأخلدت إلى الأرض، حتى آل حالها إلى زراية يُرثى لها، أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: « يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها »، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: « بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن »، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: « حب الدنيا، وكراهية الموت » رواه أبو داود وصححه الألباني.
*
عباد الله!
ومع جثوم غاشية الضعف على واقع المسلمين، وإغراقهم من قبل أعدائهم بما يصدهم عن دينهم، إلا أن هؤلاء الأعداء يخشون - أيما خشية - يقظة القلوب بحياة الإيمان، وحنينَها للأوبة إلى عز دينها، واستعادة مجدها المفقود، بعد أن ذاقت مرارة هوان الترك والتفريط، وسئمت من ذل التسول على موائد اللئام لاستعادة شيء من حقوقها المسلوبة. فطفق أولئك الأعداء الأشرار على الحيلولة دون تمسك الأمة بدينها الحق؛ من خلال أساليب ماكرة تنقط خبثاً، تتفتق عن خبرات ومراكز أبحاث ودراسات، كان من أخطرها أسلوب تفريغ الدين من محتواه، والإبقاء على مسماه وبعض المظاهر التعبدية المحرفة، والفصل بين الإيمان والعمل الصالح، وزعزعة الثوابت، وتصدير أهل الزيغ والمنافقين عليمي اللسان، واستحداث الشعارات والمصطلحات العائمة وشيطنتها لمحاربة الإسلام؛ لعلمهم أن محاربة الدين مكاشفة سبب للفشل. فلهم في كل مرحلة شعار أو مصطلح يحارب الإسلام من خلاله حتى إذا استهلك استعيض بآخر. ولا عجب من كيد الكافرين؛ إذ قد أبان الله دافعه بقوله: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 109].
*
أيها المؤمنون والمؤمنات!
إن انتصار دين الإسلام حتميّ الاطراد في الحجة والبرهان وإن تخلّف السيف والسنان؛ ولذا فإن كيد الكافرين والمنافقين لا يزيد الإسلام إلا قوة ونصاعة وانتشاراً؛ إذ هو الدين الذي تكفل الله بحفظه وهيمنته؛ فهو القائل: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، ﴿ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الأنفال: 7، 8]، ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر " رواه أحمد وصححه ابن حبان. والتاريخ والواقع شاهدان على هذه الحقيقة؛ فأين من ناصب الإسلام العداء من الأشخاص والجماعات والدول السابقة؟! لقد فنوا واضمحلوا وبقي الإسلام - كما نزل - حياً شامخاً محفوظاً، وهو الأكثر تبعاً. بل غدا من إرهاص عودة أهله إليه شراسة المقاومة والكيد ضده؛ إذ قوة المقاومة دالة على قوة الأثر، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومن سنة الله: أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه، فيحق الحق بكلماته، ويقذف بالحق على الباطل، فيدمغه؛ فإذا هو زاهق ".
*
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أيها المؤمنون والمؤمنات!
إن اليقين بانتصار الدين وحفظِ الله له يسكب الطمأنينة في قلب المؤمن، ويمدّه بالطاقة المتجددة في نشره والذود عنه والاعتزاز به، ويجعله دائم الوصول بخالقه، محاسباً نفسه تجاه التفريط في جنب مولاه، منكسراً لربه، مفتقراً إليه في جميع شأنه، ويمده بزاد الصبر الذي لا تستنفده وساوس اليأس، وسوس الانهزامية، واستخفاف المستهزئين، وعجلة المتعجلين، ويغذيه ببلسم رحمةٍ تجاه الخلق، ويكون سبباً للتجرد ونسيان حظوظ النفس، ودافعاً للين في أيدي إخوانه الذين يشاركونه واجب البلاغ المبين للناس أجمعين في أي مجال من مجالات دعوة الخير وعطاءاته. وهؤلاء الشرفاء هم أجلّ أسباب حفظ الله للدين، فإن هم تخلوا عن ذلك الواجب، وركنوا للإخلاد إلى الأرض، وتفرقوا في إقامة الدين؛ جرت عليهم السنة الإلهية في الاستبدال التي لا تحابي أحداً؛ ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38].
*
أيها المؤمنات!
إنكن مرتكز أساس في حفظ الملة؛ لعظيم الأثر الذي تتركنه في نفوس الناشئة إن أجدتم تربيتها، فاستقامة العود باستقامة غرسه، ووراء كل أمّة طيّبة أم مربية، وزوجة صالحة، وداعية مباركة، وامرأة محتشمة واعية.

د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم
__________________
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-06-2018, 06:36 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New

الثبات على الطاعة بعد رمضان حتى الممات
خطبة عيد الفطر 1439هـ

الحمد لله الذي سهل للعباد طريق العبادة ويسر، وضاعف لهم الحسنات إلى سبعمائة ضعف أو أكثر، ووفَّاهم أجورهم من خزائن جوده التي لا تحصر، وجعل لهم أعيادًا إسلامية في كل سنة عيدين: عيدَ الفطر وعيدَ النحر بدلاً من أعياد الجاهلية والمنكر، وعيدُ الأسبوع يوم الجمعة، عيدٌ لا ينكر، فهي أعياد إسلامية تُجدد المحبةَ والإخاء وتذكِّر بالفزع الأكبر. وأشكره على نعمه التي لا تحصر.

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله خير من صلى وصام، اجتهد في عبادة ربه حتى تفطرت قدماه فكان عبدًا شكورًا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! الله أكبر! الله أكبر ولله الحمد!

الله أكبر ما صامت الأمة المحمدية شهر رمضان، مخبتين وصابرين، الله أكبر ما قرؤوا القرآن وباتوا لربهم سجدًا وقيامًا، الله أكبر ما توافد المسلمون على المساجد مصلين وذاكرين، يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ولفضله سائلين، وعلى نعمه شاكرين، الله أكبر ما ذكروا بصيامهم أحوال البائسين، وواسوا بزكاتهم الفقراء والمساكين، وخرجوا يوم العيد مسرورين ويهنئ بعضهم بعضًا بما ناله من عظيم الأجر والفضل الأكبر.

الله أكبر ما صام صائم وأفطر، الله أكبر ما تلى قارئ كتاب ربه فتدبر، الله أكبر ما بذل محسن فكشر، وابتلي مبتلى فصبر أما بعد:
حال كثير من الناس بعد رمضان:
أمة الإسلام: كل عام أنتم بخير وتقبل الله منا ومنكم الصيام وخالص الأعمال انقضى رمضان وانقضت أيامه ولياليه وفي أول فجر من شهر شوال زلت أقدام عن الصراط ونامت عن ذكر رب الأرض والسماوات ثم ازداد الأمر سوء في صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء...

أين المصلون؟ أين الذاكرون؟ أين التالون؟ أين ذهب هؤلاء؟
هل استطاع الشيطان في أول لحظة من انطلاقه أن ياسر هؤلاء جميعا؟!
لماذا زلت الأقدام بعد ثبوتها؟
هذا هو حال كثير من المسلمين خفّ زحام المساجد ولم يبق إلا عُمارها الذين شغفت قلوبهم بطاعة ربهم، الذين تعلقت قلوبهم ببيت ربهم، الذين تذوقوا حلاة الطاعة فمن ذاق عرف ومن عرف اغترف.

موانع الثبات على الطاعات:
فإن سألتم إخوة الإسلام: ما هي الموانع التي منعت هؤلاء من الثبات على الطاعة؟
الجواب بحول الملك الوهاب:
اعلم علمني الله وإياك: أن هناك أسباب عديدة تحول بينك وبين الثبات نذكر منها ما ذكره علماؤنا:
أولا: ضعف العزيمة: وذلك أن كثيرا من هؤلاء عزيمته ونيته وإرادته ضعيفة وذلك لأنه ما عقد النية في أول رمضان على المثابرة والثبات على الطاعة بعد رمضان والخواتيم ميراث السوابق فكثير من هؤلاء رمضاني الطاعة والعبادة فاذا مضى رمضان انقطعت عزيمته وفلت إرادته.

ثانيا: طول الأمل: اعلم أنه ما أساء أحد العمل إلا وتجده طويل الأمل، وما زلت قدم بعد ثبوتها إلا لطويل أملها والله تعالى أخبرنا عمن ساء عمله وخاب سعيه فقال محذرا من طول الأمل، ﴿ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16]، ويقول جل شأنه: ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر: 3] أي دعهم يعيشوا كالأنعام ولا يهتموا بغير الطعام والشهوات، وقوله: ﴿ وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ﴾ أي يشغلهم طول الأمل والعمر عن استقامة الحال على الإيمان، والأخذ بطاعة الله تعالى.

ثالثا: التوسع في المباحات من مأكل ومشرب ومركب كلها مقعدات للعبد عن الطاعة لذا أرشدنا من بيده الرشد إلى الاعتدال في المباحات فقال رب الأرض والسماوات ﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ﴾[طه: 81].

فأمر -سبحانه- بالأكل ونهى عن الطغيان فيه حتى لا تميل النفس إلى البطالة والكسل، وتتقاعس عن العمل وتطلب الراحة ويعجز المسلم عن حملها عليه، وهذا لا يعني تحريم ما أحل الله، فقد كان -صلى الله عليه وسلم - (يحب العسل والحلواء) (ويأكل اللحم ويقبل ما يقدم إليه إلا أن يعافه) فاستعمال المباح في التقوي على الطاعة طاعة، ولكن الآفة التوسع والاستكثار، فليكن تناول المباح بقدر.

سأل سائل الإمام ابن الجوزي رحمه الله قائلاً: "أيجوز أن أفسح لنفسي في مباح الملاهي"، فأجابه: «عند نفسك من الغفلة ما يكفيها»!!
كان بعض الصحابة و السلف يترفعون عن الدنيا وملذاتها ومن ذلك ما جاء عنهم:
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (أول بلاء حدث في هذه الأمة بعد نبيها الشبع، فإن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم، فضعفت قلوبهم وجمحت شهواتهم).

قال رجل لابن عمر رضي الله عنهم: ألا أجيئك بجوارش، قال: وأي شيء هو؟ قال: شيء يهضم الطعام إذا أكلته، قال: ما شبعت منذ أربعة أشهر، وليس ذاك أني لا أقدر عليه، ولكن أدركت أقواماً يجوعون أكثر مما يشبعون. [رواه الإمام أحمد].

رابعا: إلف المعصية:
وقد نبه السلف إلى هذه القضية فقد قال الضحاك: "ما نعلم أحدا حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب" ثم قرأ: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).

وسأل رجلٌ الحسنَ البصري قائلا: يا أبا سعيد إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري فما بالي لا أقوم؟ فقال: "ذنوبك قيدتك".

وقال الثوري: "حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته" قيل وما ذاك الذنب؟ قال: "رأيت رجلا يبكي فقلت هذا مرائي".

وهذا كرز بن وبرة يدخل على بعض الناس وهو يبكي فيقول له أتاك نعي بعض أهلك فيقول أشد؟ فقال وجع يؤلمك قال أشد قال وما ذاك؟ قال: "بابي مغلق وستري مسبل ولم أقرأ حزبي البارحة وما ذاك إلا لذنب أحدثته".
وقال سليمان الداران: "لا تفوت أحدا صلاة الجماعة إلا بذنب".

وقال آخر: "كم من زلة مَنعت قيام الليل، وكم من نظرة منعت قراءة سورة، وإن العبد ليأكل أكلة فيحرم بها قيام سنة، وكما أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فكذلك الفحشاء تنهى عن الصلاة وسائر الخيرات".

قال ابن القيم في الجواب الكافي: "ومنها - أي آثار المعصية -: حرمان الطاعة فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أن يصد عن طاعة تكون بدله, وتقطع طريق طاعة أخرى فيقطع عليه بالذنب طريق ثالثة ثم رابعة وهلم جرا, فيقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضة طويلة منعته من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان.

خامساً: الابتعاد عن الأجواء الإيمانية: النفس إن لم تشغلها بالحق والطاعة شغلتك بالمعصية، ومن أصول عقيدتنا أن الإيمان يزيد وينقص، فيضعف ويضمحل إذا تعرض العبد لأجواء ال*****ة والفجور والتبرج والسفور أو انشغل قلبه بالدنيا وأهلها.

لذا بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن ((أحب البقاع إلى الله المساجد وأبغض البقاع إلى الله الأسواق))، وما ذلك إلا لأن المساجد بيوت الطاعات، ومحل نزول الرحمات، وأساسها على التقوى، والأسواق محل الغش والخداع والربا والأيمان الكاذبة وخلف الوعد والإعراض عن ذكر الله وغير ذلك مما في معناه.

وحينما سأل قاتل المائة العالم: هل له من توبة؟ قال: نعم ومن يحول بينك وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، مما يدل على أن البيئة تؤثر في ثبات المسلم على الطاعة.

لذا حث الشرع على مرافقة الصالحين ليعتاد المسلم فعل الطاعات، وترك السيئات، قال -تعالى-: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].

وسائل الثبات على الطاعات:
أولا: صدق النية وقوة العزيمة
اعلم أن من أعظم وسائل الثبات على الطاعة ان تكون صادق النية قوة العزيمة عال الهمة ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 23، 24].

روى الخطيب بسنده عن أسد بن عمرو أن أبا حنيفة كان يصلي بالليل ويقرأ القرآن في كل ليلة، ويبكي حتى يرحمه جيرانه.
ومكث أربعين سنة يصلي الصبح بوضوء العشاء.. وكانت وفاته في رجب من هذه السنة -أعني سنة خمسين ومائة -.

ثانيا: الدعاء:
ومما يثبت المؤمن على الطاعة الدعاء فهو سلاح المؤمن وحصنه الذي يلجا إليه، قال -تعالى -: ﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 101].

ومن صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم على الطاعة: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].

وهذا من عصمه الله تعالى، فيكثر من الدعاء ويسأل رب الأرض والسماء عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).

أخرج مسلم من حديث عبدالله بن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن عز و جل كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.
وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يدعو: ((اللهم يسرني لليسرى وجنبني العسرى)).

ثالثا: قصر الأمل:
عن ابن عمر قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: « كن في الدنيا كالغريب، أو كعابر سبيل ». قال: وكان ابن عمر يقول: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لمرضك، وخذ من حياتك لموتك.

عن شداد بن أويس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه وهواها وتمنى على الله عز وجل».

وقال علي بن أبي طالب: [إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصدكم عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، ألا وإن الدنيا ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة ارتحلت مقبلة، ولكل واحدة منها بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل] رواه البخاري تعليقاً، ووصله ابن أبي شيبة في المصنف، ورواه ابن المبارك في الزهد.

ثمرات الثبات على الطاعة:
اعلموا بارك الله فيكم أن للطاعة والمثابرة عليها ثمرات يراها ويجنيها أهل الثبات في الدنيا والأخرة نذكر منها.
الثبات على الطاعة - ولا سِيَّما النوافل - سببٌ لمحبة الله:
يقول تعالى - كما في الحديث القدسي، الذي أخرجه البخاريُّ من حديث أبي هريرة -: ((وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه))، فالمداومة على النَّوافل من العبادات سببٌ لمحبة الله للعبد.

الثبات على الطاعة هو سُنَّة الحبيب محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم -:
ففي "صحيح مسلم" من حديث عائشة -رضي الله عنها - أن النبيَّ كان إذا عمل عملاً أثبته، وفي "الصَّحيحين" من حديثها أيضًا أنَّها قالت: "ما كان رسول الله يَزِيد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة".

الثبات على الطاعة سببٌ لِحُسن الخاتمة:
فإذا داومَ العبد على الطَّاعات، كان من أعظم الأسباب لتحقيق حُسْن الخاتمة، وقد جرَتْ سُنَّة الله في خلقه أنَّ من داوم على شيءٍ مات عليه، ومن مات على شيءٍ بُعِث عليه، وكما في الحديث الذي أخرجه مسلمٌ من حديث جابر - رضي الله عنه -: ((يُبعث كلُّ عبد على مات عليه)).


السيد مراد سلامة
__________________
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12-06-2018, 06:37 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New

فرحة العيد
خطبة عيد الفطر المبارك 1439هـ
بجامع الأميرة موضي السديري

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله ورحمته تفرح المخلوقات، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه وآلائه المتتابعات، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله رحمةً للعالمين، وقدوةً للسالكين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
*
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله حق التقوى فإنه جل وعلا أهل أن يتقى وأهل أن يغفر:*﴿ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ [المدثر: 56].

أيها المسلمون والمسلمات، إنكم في يومٍ تبسمت لكم فيه الدنيا، أرضُها وسماؤها، شمسُها وضياؤها، صمتم وقمتم شهر رمضان المبارك ثم جئتم اليوم تسألون الله الرضا والقبول وتحمدونه على الإنعام بالتوفيق للصيام والقيام، فـ "وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ". فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
*
عباد الله:
هذا يوم يفطر فيه المسلمون، هذا يوم يفرح به المؤمنون، هذا يومٌ تكبرون الله فيه على ما هداكم ولعلكم تشكرون. فبارك الله لكم عيدكم أيها المسلمون وأعاده الله على هذه الأمة المرحومة وهي في عز وتمكين ونصر وتأييد.
*
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
عباد الله: دينكم هذا لا يشبهه دين وشريعتكم ليس كمثلها شريعة: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا". وإنه لا نجاة لكم ولا فلاح إلا بتمسككم بكتاب ربكم وسنة نبيكم عليه الصلاة والسلام، ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103].

فاللهم لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا وهديتنا وعلمتنا وأرسلت إلينا رسولاً وأنزلت علينا كتابنا وشرعت لنا ديننا وميزتنا بأعيادنا عن أعياد غيرنا فأعيادنا أعياد توحيد وسنة وأعياد غيرنا أعياد شرك وبدعة وشبهة وشهوة قال صلى الله عليه وسلم: "إن لكل قوما عيدا وهذا عيدنا"، "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً يوم الفطر ويوم الأضحى".
*
عباد الله: تذكروا عباد الله ما مَنّ الله عز وجل به عليكم من نعمة الأمن والإيمان والاجتماع على القرآن والسنة المطهرة حافظوا عليها ولا تبدلوا نعمة الله كفراً ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين واعلموا أن الله لا يغير ما يقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
*
احمدوا الله عباد الله أن جمع شملكم وأمن خوفكم وأمدكم بنعمته وقواكم، قال تعالى: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3، 4].
*
فالحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً على نعمه التي لا تحصى وآلائه التي تترى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34].
*
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
أيها المسلمون: تذكروا من تعيد معنا الأعوام الماضية، حال الموت دون آمالهم وحطم الأجل لهم الأماني.
كم كنت تعرف ممن صام في سلف
من بين أهلٍ وإخوانٍ وجيرانِ
أفناهم الموت واستبقاك بعدهمُ
حياً فما أقرب القاصي من الداني
ومعجبٍ بثياب العيد يقطعها
فأصبحت في غدٍ أثواب أكفانِ!
*
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله: تذكروا بفرحكم هذا من ليس للفرحة طريق لأفئدتهم، أقعدهم المرض وألزمهم الأسرة البيضاء !، تذكروا إخوانكم المسلمين الذين يعيشون في خوف ورعب، الأمن عندهم مفقود والخوف في أحيائهم وقراهم ممدود، لا فرق عندهم بين يوم العيد ويوم غيره، الخوف سيطر على قلوبهم، والشحوب والهلع ظهر على أجسامهم، استبدلوا السرور بدموع تتساقط من أعينهم!
تذكروهم وادعوا الله أن يكشف كربتهم ويزيل محنتهم، ويبدلهم من بعد خوفهم أمناً، وفقرهم غنى، وحزنهم فرحاً وسروراً.
*
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
معاشر المؤمنين والمؤمنات: فرحة العيد فرحة شرعية أذن الله بها:*﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58] فرحةٌ بما مَنَّ الله وأكرم من نعمة التوفيق للصيام والقيام والتمام، فرحةٌ تحمل أجزل العرفان لأهلِ الحمد ومستحقِهِ، وأسمى آيات الشكر لأهل الشكر ومستأهله، قال تعالى: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ وقال صلى الله عليه وسلم: ( للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه).
*
جمالُ العيد وبهاؤه، يجب أن يكون على ما يرضي الله تعالى وعلى ما أذن به شرعاً، وأن يكون فرحاً شرعياً مباحاً، لا كفرح بعض المسلمين - هداهم الله - يفرح في هذا اليوم فرحاً يجعله يقع في بعض المعاصي والآثام وقد يتلطخ بالحرام ويتزين للعيد بما نهاه الله عنه وحرَّمَه عليه.
*
فرحة العيد.. فرحةٌ مقتصدةٌ ليس فيها إسرافٌ ولا تبذير ولا أشر ولا بطر، قال تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، وقال سبحانه: ﴿ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26، 27] وقال عليه الصلاة والسلام: " كل واشرب والبس في غير إسراف ولا مَخِيْلَة ".
*
فرحةٌ ليس فيها تضيع للصلوات وإهمال لوقتها، فالصلاة كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾، فهي فريضة في الحلِ والسفرِ، والبدو والحضر، وعند العرب والعجم، لا يلغيها لاغٍ، ولا يصد عنها صاد، قال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].
*
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
جمالُ العيدِ وبهاؤه يجب أنْ لاَّ يشوه بامرأةٍ تتبرج أو شهوةٍ تتهيج أو فجورٍ يروج!
فرحةُ العيد - أيها الآباء - لا تعني ترك الحبل على الغارب للفتيان والفتيات ليكونوا عرضةً للذئاب البشرية التي تريد إفسادهم وإيقاعهم في فك الرذيلة ومحنة الجريمة وأتون المسكرات والمخدرات
*
إنه لمن العجب أن يُهمل بعض الأولياء والآباء ما جعله أمانةً في أعناقهم من نسائهم وأبنائهم بدعوى فرحةِ العيد وبهجته، فيتنازلُ الرجل عن قوامته على النساء، ويُخْلِي ولايته عن أولاده أيام العيد، ي*** شهامته ويدفن غيرته ويتغاضى عن عرضه لأجل ماذا! لأجل الفرحة! إنها ليست فرحةً بل هي ترحةٌ - أي والله - ومصيبةٌ أن يُفقد الحياء ويُسلبَ العفاف ويُتساهلَ في الحجاب ليتسلط الذئاب وتتحرك خفافيش الظلام.!
*
يا أيها الآباء يا أولياء النساء: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله سائل كل رجل عما استرعاه: أحفظ ذلك أم ضيعه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته)، ويقول: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت)، ويقول: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. والرجل راعٍ في بيته وهو مسؤول عن رعيته).
*
وإنني أتساءلُ - أيها الأحبة في الله – عن رجل يفرح بنعمة الله عليه أن أتم له شهره ووفقه لصيامه وقيامه وهو يفرح بمعصية الله ويُحدِثُ في العيد ما يغضب الله جل وعلا.
*
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
عباد الله.. هذا يوم مشهود من أيام المسلمين، يوم عيد وفرحة وسرور، يوم يغتاظ منه الكفار والمنافقون وأعداء الدين، إنه فرصة - عباد الله - لإزالة الضغائن والأحقاد من القلوب، فكونوا عباد الله إخواناً وعلى الحق أعوانًا، لا ظلم ولا عدوان، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقِره، ولا تباغضوا، ولا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تناجشوا، رحم الله عبداً سمحاً إذا باع وإذا اشترى، وإذا قضى وإذا اقتضى..
*
لقد جاء العيد السعيد لتصل من قطعك وتعفوا عمن ظلمك وتصطلح مع مَنْ هجرك قال تعالى: "فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ"، "وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزاً" رواه مسلم.
فيم التقاطع والإيمان يجمعنا *** قم نغسل القلب مما فيه من وضرِ

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
أيتها الأخوات المسلمات، أذكركن بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن خطب الرجال في مثل هذا اليوم الأغر مشى متوكئاً على بلال رضي الله عنه وخطب النساء وكان من خطبته أن تلا عليهن آية المبايعة وهي قوله تعالى:*﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الممتحنة: 12] فلما فرغ من الآية قال: " أنتن على ذلك "، فقالت امرأة: نعم فقال: " ما قولي لامرأة واحدة قولي لمائة امرأة " ثم أمرهن بالصدقة فقال: " تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم "، فقالت امرأة: لم يا رسول الله، فقال: " لأنكن تكثرن الشكاية وتكفرن العشير " فجعلن يلقين من قروطهن وخواتيمهن وقلائدهن في ثوب بلال صدقة لله تعالى. متفق عليه.
*
ألا فاتقين الله أيتها الأخوات المؤمنات، وكن خير خلف لخير سلف من نساء المؤمنين، واحذرن من التبرج والسفور والاختلاط والتقصير في أداء الأمانة؛ فإن مسؤوليتكن عظيمة، وتأثيركن في البيت أعظم، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
*
فالله الله يا مسلمة في طاعة الزوج وحسن التبعل له، الله الله في رعاية البيت المسلم وحسن تربية الأولاد قال عليه الصلاة والسلام: (والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها) متفق عليه.
*
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد،
معاشر المسلمين: إن من صفة المؤمنين أنهم يعملون الأعمال الصالحة ويخافون ألا تقبل منهم كما قال تعالى:*﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60] قالت عائشة يا رسول الله! هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله؟ فقال: (لا يا بنت الصديق ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عز وجل).
*
فتابعوا - عباد الله - العمل الصالح بعد رمضان، وإن من متابعة الإحسان بعد رمضان صيام الست من شوال بعد يوم العيد متتابعة أو متفرقة في أول الشهر أو وسطه أو آخره فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من صام رمضان ثم اتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر ".
*
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد،
اللهم تقبل منا مضى من الصيام والقيام واكتب صيامنا في عداد الصائمين وقيامنا في عداد القائمين.
اللهم اعد علينا رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة، ربَّنا لا تُزغْ قلوبنا بعدَ إذْ هديتنا، وهبْ لنا مِنْ لدنكَ رحمة، إنكَ أنتَ الوهاب، اللهمَّ يا مُقلِّبَ القلوب ثبِّتْ قلوبنا على دينكَ، اللهمَّ يا مصرِّفَ القلوب والأبصارِ صرفْ قلوبنا على طاعتكَ، اللهمَّ اجعلنا ممن طال عمرُه وحَسُن عمله، اللهمَّ إنَّا نسألك الثباتَ والاستقامةَ في رمضان، وبعدَ رمضان. اللهم اجعل عيدنا سعيدا وعملنا صالحاً رشيداً.
*
اللهمَّ انصرِ الإسلامَ والمسلمين، واحْمِ حَوزةَ الدِّين، وانصرْ عبادك المجاهدين.
اللهمَّ آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأمن حدونا وأنصر جنودنا المرابطين.
*
اللهمَّ صلِّ على محمد، وعلى آل محمَّد، كما صليتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، في العالمين، إنَّك حميد مجيد، وبارِكْ على محمَّد، وعلى آل محمد، كما باركتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، في العالمين، إنَّك حميد مجيد.

الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
__________________
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12-06-2018, 06:42 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New

خطبة العيد 1439هـ
﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ﴾

الحَمدُ للهِ واللهُ أكبرُ.. اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
الحمدُ للهِ الَّذِي بِنِعمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا...
*
أمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ - عبادَ اللهِ - وسَارعُوا إِلى رَبِّكُمْ فإنَّ الزَّمانَ بِكُم يَتسَارَعُ، ومِن نِهايَتِكُم يَتقَارَبُ، ومَا مَرَّ يَومٌ إلاَّ ونَحنُ للموتِ أَقرَبُ وإِلى الْقَبرِ أَعْجَلُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].

اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

أيهَا المسلِمونَ.. بالأَمسِ كُنَّا نَستَقبِلُ هِلالاً واليومَ نَستَقبِلُ آخَرَ، وهكَذا وهكَذَا، يومٌ يُسَلِّمُنَا لِيومٍ وَعامٌ يَجُرُّ بِنَا إِلى عَامٍ، وتِلكَ هِيَ أَيامٌ مَا إِنْ تَنقَضِي حتَّى تَنقَضِي أَعمَارُنَا، وصَدَقَ اللهُ حِينَ قَالَ: ﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَاوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 97].. أيُّ غَفلَةٍ أَشَدُّ مِن أَنَّ بَعضَ النَّاسِ لا يَعتَبِرونَ بمُرورِ الأَعوامِ والسِّنِين، أيُّ غَفلةٍ أَشدُّ مِن هَذَا الَّذِي لا يَعتَبِرُ بشَيْبِهِ ولا بانحِنَاءِ ظَهرِهِ؟! أي غَفلةٍ أَشدُّ مِن أَقوامٍ أَقبَلُوا علَى دُنيَاهُمْ وشَهَواتِهِمْ ونَسُوا رَبَّهُم وآخِرَتَهُمْ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يونس: 7، 8].

إِنَّ فِئَةً مِنَ النَّاسِ مَاتَتْ قُلُوبُهُمْ؛ فَتَرَاهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الطَّاعَاتِ لِيَعُودُوا إِلَى مَعَاصِيهِمْ، فَبَعْدَ انْتِهاءِ شَهْرِ رَمَضانَ سَنَجِدُ الْمَسَاجِدَ فَارِغَةً - إلاَّ مِن عُمَّارِهَا السَّابقِينَ -، وَالْأَوْقَاتَ مُهْدَرَةً وَالْأَعْمَارَ مُضَيَّعَةً، إِنَّه مَوْتُ الْقُلُوبِ وَعَمَى الأَبْصارِ وَصَمَمُ الْآذَانِ، وَمِنْ ثَمَّ الْخُسْرانُ وَوُلُوجُ النِّيَرانِ، قَالَ رَبُّكُمْ: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].

﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ﴾ هُو إِنذَارٌ لا يَنفَعُ مَع مَنِ اسْتحَبَّ الحياةَ الدنيَا على الآخرةِ، لأنَّ حُبَّهَا سَيُعمِيهِمْ عَن الحَقِّ، لأنَّ حُبَّهَا سَيُنْسِيهِمْ رَبَّهُم ونَبيَّهُم ودِينَهُم، ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [النحل: 107 - 109].

فمَاذَا بَقِيَ لهَؤلاءِ المُعرِضِينَ عَن رَبِّهِم مِن آدَمِيَّتِهِمْ؟! وَأَيُّ شَيْءٍ يَحْمِلُونَ مِنْ مَعَانِي الْإِنْسانِيَّةِ وخَصَائِصِهَا؟! حِينَمَا يَرَوْنَ الآياتِ فَلَا يَتَفَكَّرُونَ، وَيُبْصِرُونَ الْعِبَرَ فَلَا يَعْتَبِرُونَ، وَتَمَرُّ بِهِمُ الْأَحْدَاثُ فَلَا يَعُونَ، وَتَرِدُ الْمَوَاعِظُ عَلَى سَمْعِهِمْ فَلَا يَنْتَفِعُونَ وَلَا يَعْقِلُونَ.

﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ﴾ لاَ تَنْفَعُ إلَّا أَصْحَابَ الْقُلُوبِ الْحَيَّةِ، وَالنُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ، وَثَمَّةَ أَقْوَامٌ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهَا إلاَّ إِذَا عَايَنُوا مَا وُعِدُوا بِهِ مِنَ الْمَوْتِ أَوَّلاً، ثُمَّ مِنَ الْعَذَابِ ثَانِيًا، حِينَهَا يَقُولُونَ: ﴿ يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 97].

وَيا لَيْتَ شِعْرِي!! بِمَاذَا يَنفَعُهُمُ الاِعْتِرافُ بِظُلْمِهِمْ حِينَئذٍ؟! وَأَيُّ شَيْءٍ يُغْنِي عَنْهُمُ التَّذَكُّرُ وَقَدْ نَسُوا اللهَ فأَنسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ؟! إِنَّه لَا جَزَاءَ لِأُولَئِكَ إلَّا مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِمْ ﴿ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾ [الأعراف: 51].

﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ﴾ لَقدْ أَصبَحَ كَثيرٌ مِن النَّاسِ يَلهَثُ وَراءَ شَهوَتِهِ، ويَسهَرُ علَى مَعصِيَتِهِ، وبِسبَبِ ذَلكَ قَلَّتِ البَرَكةُ ونُزِعَتْ مِن بَينِنَا الرَّحمةُ، وهَذَا مِصدَاقُ مَا قَالَهُ رَسولُكُم صلَّى الله عليه وسلم: "لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ" رواهُ ابنُ مَاجَه.. نسألُ اللهَ العفوَ والعَافيةَ.
*
اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

أيهَا الإِخوةُ...إنَّ اليومَ يَومُ فَرَحٍ، فَرَحٍ بطَاعَةِ اللهِ، فَرحٍ بالقُربِ مِنْهُ، فَرَحٍ بِمَا أَنْعَمَ عليْنَا مِنَ الفَضْلِ، وأَسْبَغَ علينَا مِنَ النِّعَمِ، فالعِيدُ لِمَنْ أطَاعَ رَبَّهُ، واسْتَكْثَرَ مِنَ الحَسَنَاتِ، ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].

اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.

عبادَ اللهِ.. ولَمَّا كُنَّا مَأمُورِينَ بفِعلِ مَا أَمرَ اللهُ وتَرْكِ مَا عَنهُ نَهَى وزَجَرَ؛ فإنَّ اللهَ أمَرَنَا بتَوحِيدِهِ وإفْرَادِهِ بالعِبَادَةِ والرُّبُوبِيَّةِ ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلاَّ إِيَّاهُ ﴾ [الإسراء: 23]، أَمَرَنَا بعِبَادَتِهِ فِي الشِّدَّةِ والرَّخَاءِ، والعُسْرِ واليُسْرِ، والْمَنْشَطِ والْمَكْرَهِ.

وأَمرَنَا رَبُّنَا ببِرِّ الوَالِدَيْنِ وصِلَةِ الأَرْحَامِ، ووَصْلِ اليتَامَى والمسَاكِينِ والجِيرَانِ وابنِ السَّبِيلِ ومَن تَحتَ أَيدِينَا.

وأَمرَنَا رَبُّنَا بأَن نَأمُرَ بالمعرُوفِ ونَنهَى عَنِ المُنْكَرِ فقالَ سُبحانَه ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].
وأَمرَنَا ربُّنَا بإقَامةِ الصَّلاةِ فِي أوقَاتِهَا، وإِخرَاجِ الزَّكَاةِ عِندَ وُجُوبِهَا، وصِيَامِ رَمضَانَ، وحَجِّ البَيتِ.

وبِرَحْمَتِهِ تعَالى نَهَى عَنِ الشِّركِ والْمَعَاصِي والذُّنُوبِ، نَهَى عنْ شُربِ الْخَمرِ، وسَمَاعِ الْمُحَرَّمِ والنَّظَرِ إلَيهِ.. نَهَى عنِ العُقُوقِ والقَطِيعَةِ، والإِيذَاءِ والظُّلْمِ، نَهَى عَنْ أَكْلِ أَموَالِ النَّاسِ بالبَاطِلِ وأكْلِ مَالِ اليَتيمِ، نَهَى عَن ظُلْمِ النِّسَاءِ وأَكلِ حُقُوقِهِنَّ أوْ مِيرَاثِهِنَّ، نَهَى عَنِ التَّجَبُّرِ علَى البَنِينَ والبَنَاتِ، وهَجْرِ الإِخْوَةِ والأَخَوَاتِ، والتَّكَبُّرِ علَى الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ عِبَادِ اللهِ، نَهَى عنْ كُلِّ مَا يُؤْذِي الْمُسلِمَ في سَمعِهِ أو بصَرِهِ أو عَافِيَتِهِ، نَهَى عنِ الضَّرَرِ والضِّرَارِ، والْمَيسِرِ والقِمَارِ، والْمَشْيِ إِلى الْحَرَامِ أوِ الإِعَانَةِ عَلَيْهِ.
وحَذَّرَ مِنَ الغِيبَةِ والنَّمِيمَةِ والإفسَادِ بينَ النَّاسِ، فسُبحَانَه مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ، ومُشَرِّعٍ عَلِيمٍ، وخَالِقٍ حَكِيمٍ.
اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ، اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.
*
الخطبة الثانية
الْحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى أشْرَفِ المرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أجْمعينَ..
أَمَّا بَعْدُ:
يَا نِسَاءَ المُسلِمِينَ.. اتَّقِينَ اللهَ... وأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ، وعَليكُنَّ بالأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكَرِ على قَدرِ المُستطَاعِ؛ ولَو أَن تَأْمُرْنَ مَن وَلاَّكُنَّ اللهُ عَليهِنَّ مِنَ البَنَاتِ والأَخَوَاتِ والأَهلِ.. تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الاسْتِغْفَارَ، وَاتَّقِينَ بِذَلِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، وإيَّاكنَّ والتَّبرُّجَ والسُّفُورَ؛ فواللهِ إنَّ أَكثرَ أَهلِ النَّارِ مِنَ النِّسَاءِ، كمَا قَالَ الحَبِيبُ عَليهِ الصلاةُ والسلامُ: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ" مُتفقٌ عَلَيهِ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الْحَمْدُ.. اللهُ أَكبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبحَانَ اللهِ بُكرَةً وَأَصِيلاً.

تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنكُمُ الصِّيَامَ وَالقِيَامَ، وَبَارَكَ لنَا ولكُم فِي الطَّاعَاتِ والصَّالِحَاتِ، وَأَجَابَ الدُّعَاءَ وَحَقَّقَ الرَّجَاءَ.
اللَّهمَّ اغْفِرْ لِآبَائِنا وَأُمَّهاتِنَا، اللّهُمَّ وَفِّقْ مَنْ شَيَّدَ هذا المسجدَ وبنَاهُ، اللهمَّ تَقَبَّلْ مِنهُ يا ذَا الْجَلاَلِ والإِكْرَامِ.
اللهمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وتَرضَى، وانْصُرْ جُنُودَنَا فِي الحَدِّ الجَنُوبِيِّ يَا ربِّ العَالَمِينَ..
اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكبرُ اللهُ أَكبرُ وَللهِ الحَمدُ.. اللهُ أَكبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبحَانَ اللهِ بُكرَةً وَأَصِيلاً.

د. سعود بن غندور الميموني
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 05:34 PM.