يا من تريدون مرسي رئيسا ً.. إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء

[abomokhtar]

بقلم/ تراجي الجنزوري
لعل البعض يعجب ويستغرب بل ويستنكر.. ما علاقة هذا بذاك؟!
ولكنه معنى عظيم.. وفهم دقيق.. ربما لم يرد على ذهن كثير منا لتفسير تلك الآية.. ولكن يدركه من كان له بصيرة.
وهو:
على قدر إعلان فقرك بين يديه يكون تصدقه عليك.
على قدر تحققك بأوصافك.. يمددك بأوصافه.
على قدر إعلان ذلك يمدك بعزه.
على قدر إعلان عجزك يمدك بقدرته.
على قدر إعلان ضعفك يمدك بحوله وقوته.
ما أحوج الحركة الإسلامية أن تعي هذا الفهم وتلتزمه وتعمل به وتجعله واقعا ً ومشاهدا ً .
فكثير منا وخاصة أثناء فترة الانتخابات.. إذا قابلته تجده والعياذ بالله ثاني عطفه.. لاو عنقه.. مصعر خده.. شعاره: "أنا.. لي..عندي".. لهجة استعلاء.
ما هذا أيها الحبيب.. الاستعلاء يكون بالإيمان لا بالذات؟!!
يقول فضيلة الشيخ محمد حسان: ما معناه "إن الناس لا يخافون الشريعة الإسلامية.. ولا يرهبون الدين.. ولكن يخافون ممن يحمل هذا.. وذلك من سوء عرضه لبضاعته.. تجده متكبراً.. لهجته على الدوام لهجة استعلاء.. ثم وصى بقوله: تواضعوا..انكسروا".. وهذا والله واقع ومشاهد.
فيا من أردتم نصرا ً وعزا ً "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء"
اعلم أن عمود الانتصار لا يتنزل إلا على شمعدان الانكسار.
وهذا هو ديدن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على الدوام.. فقد جاءه جبريل مخيرا ً إياه بقول ربه: "إن الله يخيرك بأن تكون ملكا ً نبيا ً.. أو عبدا ً رسولا ً".. ثم همس في أذنه وقال له: "بل عبد رسول".. فاختار ذلك.
وانظر إليه أيها الحبيب يوم فتح مكة.. يوم الانتصار الأعظم.. كيف دخل مكة؟
دخلها مطأطئ رأسه.. متواضعا ً لربه.. يقول أهل السير بأن ذقنه كانت تلمس ظهر راحلته تواضعا وانكسارا لله.
الشيخ الشعراوي.. يوم أن ألقى محاضرته الشهيرة في الجزائر.. ويومها غلقت الطرق والشوارع من كثرة الوافدين.. وبعد أن انتهى.. أخبروه بأن هذا الاحتشاد لم يحدث من قبل.. لا مع رئيس فضلا عن وزير.. فاستأذن ربع الساعة.. فتأخر عنها كثيرا.. فذهبوا إليه مسرعين.. فوجدوه ينظف دورات المياه.. فسألوه عن ذلك.. فقال حتى لا تزهو نفسي وتفتخر.. فأين نحن من هذا؟!!
"إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء"
وكأني به (صلى الله عليه وسلم) يوم الطائف.. يوم أن آذوه وطردوه وأدموه.. وإذ به يعلن فقره وذله وعجزه لمولاه:
"اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي.. وقلة حيلتي.. وهواني على الناس.. أنت رب المستضعفين.. وأنت ربي.. إلى من تكلني.. إلى بعيد يتجهمني.. أم إلى عدو ملكته أمري.. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات.. وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة.. أن ينزل بي سخطك أو يحل علي غضبك.. لك العتبى حتى ترضى.. ولك العتبى إذا رضيت.. ولا حول ولا قوة إلا بالله".
على الفور.. "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء".. نزل جبريل ومعه ملك الجبال.. وقال: لو أمرتني أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت.. فرفض رسول الله وقال: "أريد أن يخرج الله من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله".
وكذلك يوم بدر.. يوم أن رفع اكف الضراعة إلى مولاه متذلل منكسرا:
"اللهم نصرك الذي وعدتني.. اللهم أنجز لي ما وعدتني.. ومن انكساره سقط رداؤه من على كتفه".. في هذه اللحظة " فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ".
وهذا أيها الحبة هو حال الرسل جميعا ً من لدن آدم عليه السلام حتى رسولنا.. صلوات الله وسلامه عليهم جميعا ً.
وقفة مع موسى عليه السلام.. "إني فقير"
كلمة يعلوها الانكسار والخضوع والعجز والتواضع والذلة "فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ" هذا هو حالي دائما.. إني فقير.. "فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا".
لا يكن الجبل أفقه منا
في الأثر أن الله أوحى إلى الجبال أني نازل على واحد منكم.. فتطاولت الجبال واشرأبت.. إلا جبل الطور.. تواضع وانخفض وقال: "هذا قدري".. وكما قلت لكم: "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء".. فكان نزول الله عليه.. وصار سيد الجبال.. وبه الله أقسم: " وَالطُّورِ* وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ".. "وَطُورِ سِينِينَ".
فيا من أردتم نصرا.. يا من أردتم عزاً.. يا من أردتم مرسي رئيساً.. ليكن شعارنا:

أنا الفقير إلى رب البريات أنا المسكين في مجموع حالاتي

أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي والخير إن يأتينا من عنده يأتي

لا أستطيع لنفسي جلب منفعة ولا عن النفس لي دفع المضرات

والفقر وصف ذاتي لازم أبدا كما أن الغنى وصف له ذاتي

وهذي الحال حال الخلق أجمعهم وكلهم عنده عبد له آتي

فلنحقق في أرضنا وواقعنا تلك العبودية.. حتى ننال نصر الله ومعيته وحوله وقوته.. ونمحو من دفاترنا وسجلاتنا ومن حياتنا لهجة الاستعلاء: "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء"

[أبو إسراء A]

جزاك الله خيرا