تداعيات الاشتباكات بمحيط "قصر الاتحادية" في مصر

[aymaan noor]

تداعيات الاشتباكات بمحيط "قصر الاتحادية" في مصر

محمد عبدالله يونس

شهدت الأوضاع السياسية في مصر استمرارًا لحالة الاستقطاب المشوب بالاحتقان، وتفجرًا لموجات ال*** السياسي والصدامات الدامية التي ما تلبث أن تهدأ حتى تكتسب زخمًا، وتتصاعد من جديد في ظل تأزم وجمود المواقف وتفاقم التصدعات التي باتت حكمًا للمشهد السياسي الراهن، ومن ثم جاءت مليونية الإنذار الأخير وما تبعها من صدامات دامية في محيط قصر الاتحادية، وفي محافظات الشرقية والسويس والإسماعيلية والإسكندرية، لتؤكد سيادة نهج التصعيد المتبادل في ظل التناقضات الحدية في مواقف الأطراف من مختلف القضايا الخلافية، وهو ما يثير تساؤلات حول أبعاد وتداعيات منطق المباراة الصفرية المسيطر على المشهد السياسي في مصر.

متوالية التصعيد:

تكشف سياقات وأحداث مليونية الإنذار الأخير وأحداث ال*** التي تبعتها عن اتساع نطاق التصدعات والتناقضات حول ترتيبات حسم ما تبقى من الاستحقاقات السياسية والدستورية الأكثر خلافية بما جعل الصدام العنيف بين الفرقاء السياسيين السمة الرئيسية للوضع السياسي الراهن بما يرتبط بجملة أبعاد أهمها ما يلي:
- تمكنت التيارات المدنية المتحالفة تحت مظلة الجبهة الوطنية للإنقاذ من حشد مناصريها في مليونية الإنذار الأخير في مسيرات حاشدة توجهت لقصر الاتحادية، وتخطت الحواجز الأمنية لتصل إلى سور القصر مباشرة، وذلك ردًّا على مليونية الشريعة والشرعية التي نظمتها التيارات الإسلامية يوم 2 ديسمبر في محيط ميدان نهضة مصر لدعم قرارات الرئيس مرسي.

- أدى قيام الجمعية التأسيسية للدستور بإنهاء المسودة النهائية للدستور وطرحها للاستفتاء إلى تأجيج الجدل المحتدم بين التيارات الإسلامية المؤيدة للرئيس مرسي والتيارات المدنية المعارضة التي صعَّدت من احتجاجاتها منذ إصدار الرئيس للإعلان الدستوري في 22 نوفمبر الماضي.

- وارتفع سقف مطالب المعارضة في ظل رفض الرئيس مرسي العدول عن قراراته، ورفض التيارات المدنية الحوار مع الرئيس قبل إلغاء الإعلان الدستوري وتأجيل الاستفتاء على الدستور، واتجهت بعض رموز التيارات المدنية للمطالبة بإعادة تشكيل حكومة توافقية، وهيئة مستشاري الرئيس، وفي هذا الصدد، منحت الجبهة الوطنية للإنقاذ التي تضم التيار الشعبي وحزب الدستور وحزب الأمة وحزب الوفد وحركة 6 إبريل مهلة 48 ساعة للرئيس لإلغاء الإعلان الدستوري، وتأجيل الاستفتاء على الدستور، قبل أن تدعو للعصيان المدني والإضراب العام.

- ويمثل إعلان جماعة الإخوان المسلمين النفير العام، وتجميع أنصارها بمحيط قصر الاتحادية، والاشتباك الدامي مع المعارضين، والبيان الرئاسي الذي ألقاه نائب الرئيس المستشار محمود مكي رفضًا صريحًا من جانب الرئيس والجماعة لتقديم أي تنازلات لتهدئة الموقف، وتصعيدًا في مواجهة المعارضة التي تتجه للتشكيك في شرعية الرئيس مرسي بعد سقوط ثلاثة ***ى ومئات المصابين في الاشتباكات في محيط القصر الرئاسي.

مساحات الاحتقان:

لا ينفصل المشهد السياسي المحتقن عن السياقات التصعيدية المسيطرة على المشهد السياسي والاستقطاب الثنائي بين التيارات الإسلامية ونظيرتها المدنية، ويرتبط هذا الانقسام بجملة محفزات أسهمت في تفجير الأوضاع:

1- الاستحقاقات الدستورية: حيث وصلت الخلافات بين الطرفين مداها بإنهاء الجمعية التأسيسية لمسودة الدستور، وقيام الرئيس بطرحها للاستفتاء رغم انسحاب غالبية ممثلي التيارات الليبرالية والاشتراكية وممثلي الكنيسة والنقابات العمالية والمحكمة الدستورية العليا من الجمعية التأسيسية، واحتدام الخلافات حول ما انطوت عليه مسودة الدستور من ترتيبات لنظام الحكم وعلاقة الدولة بالمجتمع ووضع المؤسسات القضائية.

2- الإعلان الدستوري: ترفض التيارات المعارضة الإعلان الدستوري الصادر في 22 نوفمبر الماضي الذي حصن قرارات الرئيس من الرقابة القضائية، ومنحه صلاحيات استثنائية، وتعتبره صيغةً أخرى من قوانين الطوارئ، وانتقاصًا من استقلال القضاء.

3- الصراع بين مؤسسات الدولة: تسبب الإعلان الدستوري في صدام بين السلطتين القضائية والتنفيذية في ظل قرارات الجمعية العمومية لنادي القضاة برفض الإعلان الدستوري، وتعليق العمل بالمحاكم، ومقاطعة الإشراف على الاستفتاء الدستوري لرفضهم تدخل الرئيس في شئون السلطة القضائية بعزل النائب العام السابق، وتحصين قراراته من الرقابة القضائية، بيد أن مجموعات داخل المؤسسة القضائية تميل للإشراف على الاستفتاء بما قد يؤدي لانقسامات في صفوف السلطة القضائية ذاتها.

4- الاصطفاف الثنائي: أدت قرارات الرئيس إلى تعزيز الانقسام الثنائي بين التيارات الإسلامية والمدنية، وانتفت الخلافات بين التيارات الثورية والمحافظة المعارضة للرئيس في مقابل التحالف التقليدي بين جماعة الإخوان المسلمين والتيارات السلفية بما عزز من الاستقطاب والاحتقان السياسي الذي يُغيِّم على المشهد السياسي المصري والذي بدت معالمه في تنظيم كل منهما لمليونيات متتابعة لاستعراض القدرة على حشد المؤيدين، والتي كادت أن تتطور إلى اشتباكات دامية في بعض الحالات لولا تغيير التيارات الإسلامية لأماكن احتشادها بعيدًا عن ميدان التحرير، وخاصة في مليونية الشريعة والشرعية بميدان نهضة مصر في 2 ديسمبر الجاري.

تداعيات صدامية:

عصفت موجةُ الصدامات العنيفة بالاستقرار النسبي الذي تحقق مؤخرًا عقب توقف الاشتباكات بين مؤيدي ومعارضي الرئيس في المحافظات وفي محيط ميدان التحرير؛ حيث تجددت الاشتباكات في محافظات الإسماعيلية والإسكندرية وبورسعيد والشرقية والمنوفية، وتصاعدت محاولات إحراق مقار جماعة الإخوان المسلمين في تلك المحافظات، فضلا عن موجة اشتباكات جديدة في محيط المقر الرئيسي للجماعة في المقطم.

- امتدت التداعيات إلى مؤسسة الرئاسة بتصاعد الانشقاقات داخلها بإعلان كل من د. سيف الدين عبد الفتاح ود. أيمن الصياد والإعلامي عمرو الليثي ود. محمد سيف الدولة والكاتبة الصحفية سكينة فؤاد أعضاء هيئة مستشاري الرئيس عدم تمكنهم من إقناع الرئيس بالعدول عن الإعلان الدستوري، وانتقادهم لآليات صنع القرار داخل مؤسسة الرئاسة.
- بينما شهدت المؤسسة القضائية مراجعةً لمواقف بعض الهيئات حيال الإشراف على الاستفتاء الدستوري، حيث أعلن ممثلون عن مستشاري قضايا الدولة الانضمام لعموم القضاة، والتراجع عن الإشراف على الاستفتاء، وهو ذات الموقف الذي أعلنه المستشار زغلول البلشي أمين عام لجنة الاستفتاء على الدستور، مطالبًا الرئيس مرسي بإلغاء الإعلان الدستوري، وتأجيل الاستفتاء حتى يتوافق المصريون.

- وعلى المستوى الاقتصادي، من المرجح أن تؤدي موجة ال*** الأخيرة لخسائر ضخمة، لا سيما في ظل ما سببته موجة ال*** التي تلت الإعلان الدستوري في 22 فبراير والتي قدرت بحوالي 37 مليار جنيه، ومن المتوقع أن يتلقى قطاع السياحة الخسائر الأكبر بين القطاعات الاقتصادية بعدما تراجعت معدلات الإشغالات السياحية في القاهرة والجيزة بنسبة 50% بسبب الاشتباكات العنيفة والتوترات السياسية، وقد يتسبب استمرار ال*** وعدم الاستقرار السياسي في حرمان مصر من 12 مليار دولار هي إجمالي حزم المساعدات والقروض التي تعهدت بها جهات مانحه أمريكية وأوروبية، وقد تصل التداعيات إلى مراجعة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي لموقفه حيال اتفاق إقراض مصر 4.8 مليارات دولار في ظل ضبابية المشهد السياسي.

وختامًا، يبدو التصعيد المسار الحاكم للأوضاع السياسية في مصر في ظل تصلب مواقف الأطراف، ورفض الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين تقديم أي تنازلات، واستمرار ترتيبات عرض الدستور على الاستفتاء الشعبي. ومن المرجح أن يستمر الطابع المتذبذب لموجات ال*** نتيجة التناحر السياسي الحاكم لمواقف مختلف الأطراف السياسية، وتهديد المعارضة بالعصيان المدني، واتساع نطاق الانقسام داخل مؤسسة القضاء موازيًا للتصدعات السياسية الأكثر احتدامًا.

[محمد محمود بدر]

وختامًا، يبدو التصعيد المسار الحاكم للأوضاع السياسية في مصر في ظل تصلب مواقف الأطراف، ورفض الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين تقديم أي تنازلات، واستمرار ترتيبات عرض الدستور على الاستفتاء الشعبي. ومن المرجح أن يستمر الطابع المتذبذب لموجات ال*** نتيجة التناحر السياسي الحاكم لمواقف مختلف الأطراف السياسية، وتهديد المعارضة بالعصيان المدني، واتساع نطاق الانقسام داخل مؤسسة القضاء موازيًا للتصدعات السياسية الأكثر احتدامًا.

جزاك الله خيرا على هذا التحليل المتوازن الذى طالما تعودناه منك

[ابونرمين]

وجزاكم الله خيرا