اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > علوم القرآن الكريم (مكتوب و مسموع و مرئي)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-11-2008, 09:19 AM
الصورة الرمزية أحمد حافظ جلال
أحمد حافظ جلال أحمد حافظ جلال غير متواجد حالياً
مدرس اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,646
معدل تقييم المستوى: 0
أحمد حافظ جلال is an unknown quantity at this point
Star حديث القرآن


حديث القرآن
الأول

إن حديث القرآن عن القرآن فيه بيان لهدايته ومقاصده ، ودعوة إلى حسن تدبره والعمل به ، وهو حق يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم .
ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى من سورة البقرة .
﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [ البقرة:1،2] وفي البدء بهـذه الأحرف " الم " إعلام للمخاطبين بأن هذا القرآن الكريم منتظم من جنس ما تنظمون منه كلامكم من الحروف المعهودة للناطقين بهذه اللغة لم يخرج عنها أو يزد عليها . ومن غير المستطاع لإنسٍ أو جنٍّ أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً .
وفي ذلك ما فيه من توجيه القلوب إليه وهي تري تَفَرُّدَهُ ، مع أن الحروف التي انتظم منها هى الأحرف التي يعرفها الناس وينطقون بها .
ولكن رفعة شأنه وبعد مكانته لا تجعل للخلق مطمعاً في الإتيان بمثله أو بسورة من مثله . ولذا جاءت الإشارة إليه بقوله ﴿ ذلك الكتاب ﴾ للدلالة على بعد المشار إليه . فإن ما في الإشارة من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان بعلو مكانته وكونه في الغاية القاصية من الفضل والشرف .
وكذلك القرآن المجيد بعيد في شرفه وعلو مكانته قريب في تبصرته وهدايته .
﴿ ذلك الكتاب ﴾ إشارة دالة على التعظيم .
والكتاب في الأصل مصدر . وقد يراد به المكتوب .
وأصل هذه المادة الدلالة على الجمع ومنه كتيبة الجيش . والكتاب عُرفاً ضم بعض حروف الهجاء إلى بعض . وتسمية القرآن بالكتاب هكذا بالتعريف فيه أيضاً تنويه بمكانته، وأنه الجدير بأن يُخَصَّ بإطلاق هذا الاسم عليه من بين الكتب المنزلة ؛ لأنه المهيمن الحافظ لمقاصدها وهدايتها، الشاهدُ المؤتمن على ما جاء فيها ، وبه ينقطع كل ادّعاءٍ على الكتب المنزلة قبـله، ويبطل كل باطل ينسـب زوراً إليها ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ﴾ ( سورة المائدة : 48 )
فلا سبيل مع هذا الكتاب لتَقَوُّل على الله أو ادعاء على رسله . ونور الحق الذي جاء به ساطعٌ يبطل كل باطل ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ ( سورة فصلت : 41 ، 42 ) وقد حفظه الله وأبقاه .
وفي حفظ الله له مخاطبة للخلق بكلمة الحق التي بعث بها الأنبياء جميعاً وجاء خاتَمُهم صلى الله عليه وسلم ليبلغها للناس أجمعين ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ ( سورة الأعراف : 158 )
فقد نُزِّل الكتاب المحفوظ بحفظ الله على النبي الأمي خاتم النبيين بلاغاً للعالمين فليس بعد هذا الكتاب كتاب ولا بعد الرسول المنزل عليه رسول . ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ﴾ ( سورة الفرقان : 1 )
﴿ ذلك الكتاب لا ريب فيه ﴾
فإن قيل قد وجد الريب من كثير من الناس في القرآن ، وقوله ﴿ لا ريب فيه ﴾ ينفي ذلك .
فالجواب أن المنفي كونه متعلَّقاً للريب ومَحلاًّ له . بمعنى أن معه من الأدلة ما لو تأمله المنصف المحق لم يَرْتَب فيه ، ولا اعتبار بريب يكون من مرتاب لم ينظر حق النظر ومعرض لم يرد أن يتدبر .
﴿ هدي للمتقين ﴾ أي رشاد وبيان . وتخصيص الهدى بالمتقين يدعونا إلى وقفة متأنية نرى فيها لماذا خصهم مع أن هداية القرآن عامة شاملة وقد جاءت الهداية مطلقة في قوله تعالى : ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ ﴾ [البقرة: الآية185] فلماذا خَصَّ وعَمَّ وأطلق وقيد ؟ لماذا خَصَّ في موضع وعَمَّ في آخر ؟
إن القرآن من حيث هو نور وهدى للناس أجمعين . ومن حيث الانتفاع به والفوز بهدايته لا يكون إلا لمن اتبعه وأخضع هواه لما جاء به ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ [ طه 123 – 127 ]
فتخصيص الهدى بالمتقين لما أنهم المقتبسون من أنواره المنتفعون بهدايته ، وإن كانت هدايته شاملة لكل ناظر من مؤمن أو كافر ولكن لا يظفر بنتائجه إلا من اتبعه واهتدى بهداه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه .
والآثار التي تترتب على التقوى في حياة الناس لا تخفى .
فإن من اتقى كف شرّه عن غيره وقدَّم خيره . وردّته تقواه عن ظلمه لنفسه في الإعراض عن الذكر أو الإساءة لغيره .
وأما في الآخرة فالدار دارهم ونعم دار المتقين ﴿ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ ﴾ ( سورة النحل : 30 ، 31 )
ومن رحمة الله بالخلق أن جعل للتقوى شرعة ومنهاجا .
ومنهاج المتقين قرآن وسنة . وأهل التقوى في جميع أحوالهم متبعون لا مبتدعون ، يخضعون أنفسهم للحق ولا يتبعون الأهواء . فإن اتباع الهوى جهل وضلال واتباع الهدى هدى ونور ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ * هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ ( سورة الجاثية : 18 ـ 20 )
إن موقف الناس من الحق الذي أنزل هو الذي يحدد مصائرهم .
والقرآن الكريم يبين الجزاء ويذكر النتائج ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾ (لأنفال: الآية42) فلا يدع الناس يتيهون دون تحديد للمعالم والصفات ، بل يبين صفات الناجين المفلحين ليتبع الناس سبيلهم، ويذكر صفات الهالكين الخاسرين ليجتنب الناس سبلهم ، ويفيض في ذلك إفاضة بالغة حتى لا تبقى لأحد من الناس حجة أو معذرة .
القرآن هدى للمتقين لأنهم المنتفعون بنوره . فمن هم المتقون الذين خصهم القرآن بهدايته وشملهم الرحمن برحمته ؟
نقرأ في القرآن المجيد تحديداً لصفاتهم وبيانا لأعمالهم .
وإذا تدبرنا آثار هذه الأعمال وتلك الصفات رأيناها أمنا لدنيا الناس وسلاما لحياتهم وتراحما فيما بينهم والراحمون يرحمهم الرحمن ، ومن لا يرحم لا يرحم .
﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) )الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) ﴾ ( سورة البقرة : 2 ـ4 )
هؤلاء هم الذين انتفعوا بهداية القرآن فعَلموا وعمِلوا وبَّروا وصدقوا وآمنوا برسل الله جميعا ولم يفرقوا وأيقنوا بلقاء الله فسارعوا إلى الخيرات وكفوا عن السيئات . أرأيت أخي المسلم أن هداية القرآن رحمة للناس في دنياهم وأخراهم .
فمن اهتدى بالقرآن استقام وأصلح وأفلح ، ومن أعرض عنه ضل وشقي وأفسد وندم على التفريط فيه يوم لا ينفع الندم . وفي القرآن إنذار لهؤلاء وبشرى لأولئك ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ [ سورة الإسراء : 9 ، 10 ]
__________________
تهانينا لقد تم تحميل السرطان بنجاح
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-11-2008, 09:20 AM
الصورة الرمزية أحمد حافظ جلال
أحمد حافظ جلال أحمد حافظ جلال غير متواجد حالياً
مدرس اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,646
معدل تقييم المستوى: 0
أحمد حافظ جلال is an unknown quantity at this point
افتراضي

الثاني
ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى من سورة البقرة ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(24) ﴾ [ سورة البقرة : 23 ، 24 ]
ولعلنا نستحضر ما ذكرناه من قبل من حديث القرآن عن القرآن في قوله تعالى : ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [ البقرة:1،2] وقلنا إن المنفي في قوله ﴿ لا رَيْبَ فِيهِ ﴾ كون القرآن متعلقاً للريب ومَحلاّ له . فالريب يتعلق بالنفوس لعللٍ فيها أو بشيء ما لأنه محل للشك والريب .
والقرآن الكريم ـ وقد نفي الريب عنه ـ ليس محلا للشك لأنه الحق . وللحق حجته وسلطانه، وللريب علله وأوهامه وظنونه، وهو مُدْحَضٌ بالحق زاهقٌ ذاهب . والكتاب الذي يخاطب العالمين بأنه إنذار من رب العالمين يضيف إلى إعجازه في ذاته إعجازاً في مخاطبة الجاحدين المعاندين ـ في كل زمان ومكان ـ أن يأتوا بسورة من مثله مع حرصهم على إزهاقه وإطفاء نوره بل وتدمير أهله .
وتراهم في كل زمان ـ مع بغيهم وتسلطهم على أهله ـ عاجزين صاغرين أمام بلاغته وعزته وسلطانه .
وتراه ينتصر على النفوس الباغية، وأهله مستضعفون .
وكثيراً ما رأينا القرآن في عزته يُخضِع الأعداء فيؤمنون به، وينفذون أمره ويقومون بحقه .
ومن تدبر تاريخ أمتنا الإسلامية عرف ما للقرآن من أثر وتأثير، وما له من حجة وهدى وسلطان . إن تاريخ هذه الأمة ـ بين مَدٍّ وجَزْرِ ـ يتصل به ولا ينفك عنه .
فهى في مدٍّ حين تقبل عليه وتستنير به وتعتصم به ولا تتفرق .
وهى في جَزْرٍ حين تُشْغَل عنه وتعرض عن ذكره . وهو في منعته وعزته يظل يذكر وينذر ويبشر ويهدي في كل شأن للتي هى أقوم . يظل يوجه نداءه إلى القلوب لتخشى وتخشع، وإلى من شُغِل عنه أن يئوب إليه وأن يتبع هداه حتى لا تتفرق بهم السبل أو ينتهي بهم الإعراض والبعد إلى الضلال وسوء المصير . وهذا التذكير من جانب القرآن يخاطب به من نزل فيهم . وتخاطب به الأجيال من بعدُ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها , وكأنه نزل لساعته ، وحمله جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم لوقته لا يختلف مع اختلاف الزمان ولا يتباين مع تباين الأجيال . ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً .
﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ ﴾ . يخاطب به كل معاند مكابر في أي زمان كما خوطب به الأولون من المكذبين الجاحدين، وهم جميعاً في العجز سواء، وهم جميعا مَدْعُوّون لاتباعه والاهتداء بهداه . ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) ﴾ واتقاء النار يكون بالاعتصام به، والاحتراز من جحوده والإعراض عنه . كأنه قيل: فإذا عجزتم عن الإتيان بمثله ـ كما هو واقع ومقرر ـ فاحترزوا من إنكار كونه منزلا من عند الله سبحانه فإن ذلك يدفعكم إلى الإعراض عنه والصد عن سبيله . ومن أعرض عنه أو كذب بآياته فالنار موعده .
والخطاب على هذا النحو خطاب عزيز واثق لا يهين، ولا يضعف، ولا يأتيه أو يقترب من ساحته باطل .
﴿ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) ﴾ [ سورة يونس : 37 ، 38 ]
ذاك حديث القرآن عن القرآن في بيان إعجازه، وتحدى المعاندين الجاحدين في كل زمان أو مكان أن يأتوا بسورة مثله . تراه في بيانه يصدع بالحق، وينطق بالصدق، ويعلن في عزة وثقة أنه تنزيل رب العالمين؛ ليعتصم الناس جميعاً به، ويهتدوا بهداه، ويجدوا أنفسهم في ساحته في أمن وتراحم وتعاون وتآزر وبر وسلام ﴿ فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) ﴾ ( سورة الواقعة : 75 ـ 80 )
__________________
تهانينا لقد تم تحميل السرطان بنجاح
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-11-2008, 09:21 AM
الصورة الرمزية أحمد حافظ جلال
أحمد حافظ جلال أحمد حافظ جلال غير متواجد حالياً
مدرس اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,646
معدل تقييم المستوى: 0
أحمد حافظ جلال is an unknown quantity at this point
Star

الثالث
ومن حديث القـرآن عن القـرآن ما تضمنه قولـه تعالى في سـورة البقرة ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) ﴾ [ سورة البقرة : 38 ـ 39 ]
والقرآن الكريم قد أنزله الله هدى للناس . وهو بهذا ليس بمعزل عن قوة تحقق وعده ووعيده . إنه الحق من ربك، وللحق نور ونار فمن أبى النور فالنار موعده. وذاك بيان وبلاغ من الله بذكر النتائج والعواقب لمن تبع هدى الله ومن جحد وأعرض ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) ﴾
إن في اتباع هدى الله أمن وأمان . أمن لا خوف معه ولا حزن ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ والخوف غم يلحق بالإنسان من توقع أمر في المستقبل . والحزن غم يلحقه من فوات أمر في الماضي . والمتبعون هدى الله مبشرون بذلك عندما يفزع الناس و يخافون . وذاك وعد الله لهم ـ ولن يخلف الله وعده ـ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) ) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) ﴾ [سورة فصلت : 30 ـ 32 ]
ذاك ما يكون لمن اتبع آيات الله فآمن واستقام، وأما من أعرض وكذب وكفر وأصر على كفره وجحوده ـ من بعد ما تبين له الهدى ـ فتلك عاقبته وذاك مصيره ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) ﴾.
وفي إسناد الآيات إلى نون العظمة في قوله ﴿ وكذبوا بآياتنا ﴾ دلالة لا تغيب على أن هدى الله ليس بمعزل عن قوة تحقق الوعد والوعيد، وأن المعرضين عن هدى الله مؤاخذون، وترى نون العظمة هذه في تنزيل الذكر وحفظه ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [ سورة الحجر : 9 ] وفي مؤاخذة المكذبين بآياته المعرضين عن ذكره ﴿ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (11) إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً (12) وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً (13) ﴾ [ سورة المزمل : 11 ـ13 ]
ومن عرف أن القوة لله جميعا، وأن الله شديد العذاب أيقن أن حديث القرآن عن وعد الله ووعيده لمن اتبع هدى الله ولمن كذب بآياته سيأتي تأويله وعندئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا .﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) ﴾ [ سورة الأعراف : 52 ، 53 ]
__________________
تهانينا لقد تم تحميل السرطان بنجاح
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 08-11-2008, 09:22 AM
الصورة الرمزية أحمد حافظ جلال
أحمد حافظ جلال أحمد حافظ جلال غير متواجد حالياً
مدرس اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,646
معدل تقييم المستوى: 0
أحمد حافظ جلال is an unknown quantity at this point
Star

الرابع
ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى في مواجهة بني إسرائيل أولئك الذين واجهوا الدعوة الإسلامية في المدينة مواجهة نكرة وقاوموها مقاومة خفية وظاهرة ـ ﴿ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) ﴾ [ سورة البقرة : 41 ]
لقد كان المنتظر أن يكون اليهود في المدينة هم أول من يؤمن بالرسالة، ويؤمن للرسول صلى الله عليه وسلم، والقرآن يصدق ما جاء في التوراة ، وهم يتوقعون رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعندهم أوصافه في البشارات التي تتضمنها التوراة . وهم كانوا يستفتحون على العرب المشركين ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) ﴾
إن الله يأمرهم أن يؤمنوا بما أنزل من القرآن لأن الإيمان به إيمان بما معهم والكفر به كفر بما معهم من التوراة، بل بالكتب والرسل جميعا، وهم دعاة إلى دين واحد . وقد أخذ الله عليهم الميثاق أن يؤمن بعضهم ببعض، وأن ينصر بعضهم بعضا، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم :« لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي »
﴿ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ﴾ إن من الواجب أن يكونوا أول من آمن به لا أول من كفر .
لأنهم أهل النظر في معجزاته، والعلم بشأنه، وقد كانوا من قبل يستفتحون به على الذين كفروا ويبشرون ﴿ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً ﴾ أي لا تستبدلوا بآياتي التي في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم ثمنا قليلا والدنيا كلـها ثمن قليل .
لقد كان كعب بن الأشرف ورؤساء اليهود وعلماؤهم يصيبون المآكل من سفلتهم وجهالتهم، وكانوا يأخذون منهم في كل سنة شيئا معلوما من زرعهم وثمارهم ونقودهم ، فخافوا أنهم إن بينوا صفة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وتبعوه تفوتهم تلك الفوائد ، فغيروا نعته بالكتابة فكتبوا في التوراة بدل أوصافه أضدادها . وكانوا إذا سئلوا عن أوصافه كتموها ولم يذكروها . وقد أشار القرآن الكريم إلى التعبير بالكتابة بقوله ﴿ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً ﴾ وقوله ﴿ وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ ﴾ وأشار إلى الكتمان بقوله ﴿ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ . وقد جمعوا بين الفعلين التغيير والكتمان . وهم يعلمون أنهم ينكرون الحق ويؤثرون الباطل . وقد فصّل القرآن ذلك في مواطن كثيرة
هذا ما كان من رؤساء اليهود وعلمائهم و « لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود* » كما جاء فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ونحن حين نقرأ حديث القرآن عنهم، ونتدبر ما جاء في شأنهم نعرف حقيقتهم، وما يريدون، فما كان اليهود يجهلون بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أو يمتارون في معرفته ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة .
لقد تواترت الأخبار باقتراب زمانه ، وغدا الناس يرقبون مبعثه ، كما يرقب من أظلم عليه الطريق مطلع الفجر وانطواء الليل ليمضي إلى قصده ويصل إلى مأمنه على نور وبصيرة، ولا يلتبس الفجر على من كان ذا بصر و بصيرة ، ولا يختلط إشراق الشمس بظلام الليل، ولا يستوي الهدى والضلال ، كما لا تستوي الظلمات والنور .
إن القوم قد عرفوا ولكنهم جحدوا ، وهدوا ولكنهم استحبوا العمى على الهدى ، وجاءتهم الآيات البينات فضلوا وأضلوا من بعد ما جاءهم البينات .
ولكن لا يخلو زمان من أهل إنصاف و عدل ، فمن اليهود ناس عرفوا فلزموا وهدوا فأسلموا ، وحفظوا ما في التوراة فشهدوا بما علموا ، ووجدوا في الرسول صـلى الله عليه وسلم مصداق ما حفظـوا ﴿ أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ﴾ [ القصص : 54 ] .
ولقد تناقل الربانيون والأحبار والقسيسون والرهبان ما وجدوه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، وبُلِّغوه من أنبيائهم وكانوا عليه شهداء .
وظلت البشرى بمبعثه صلى الله عليه وسلم تنتقل من جيل إلى جيل ومن قبيل إلى قبيل، والنبأ العظيم يتردد بين الناس، والزمن يقترب حتى رأينا شابَّاً كسلمان الفارسي يدع ما هو فيه من رغد العيش، ويتنقل من دار إلى دار ، ومن حال إلى حال ، ويلاقي ما يلاقي طلبا للحق الذي دخل زمانه واقترب فجره، وهو يحفظ من الرهبان الذين انتقل بينهم، وعاش معهم، وكان في خدمتهم ، ويحفظ عنهم موطن هجرته صلى الله عليه وسلم وصفات خَلْقِه وخُلُقه، ويحدث حين أسلم بكل ما جرى معه .
فالأمر لم يكن خافيا ، وأكثر الناس عِلماً به هم علماء أهل الكتاب من الربانيين والأحبار والقسيسين والرهبان الذين كانوا يبشرون باقتراب زمانه ويستفتحون . فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه الكتاب أنكر علماؤهم ما عرفوا، وكتموا ما أنزل الله من البينات والهدى ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾
ذاك حديث القرآن عنهم، وفيه عبر وعظات لمن اتعظ واعتبر. وسيظل حديث القرآن عن القرآن، وبيان موقف الناس منه حجة على من كذب وأعرض، وهداية لمن اهتدى وصدّق . مخاطبا بذلك الأجيال كلها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة ﴾ .
__________________
تهانينا لقد تم تحميل السرطان بنجاح
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 08-11-2008, 08:58 PM
الصورة الرمزية الجويرية
الجويرية الجويرية غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 4,576
معدل تقييم المستوى: 21
الجويرية is on a distinguished road
افتراضي

ما شاء الله مجهود رائع
جزيتم الفردوس الاعلى من الجنة
__________________
ربى أرنى الحق حقا وأرزقنى اتباعه وأرنى الباطل باطلا وارزقنى اجتنابه
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 08-11-2008, 10:57 PM
الصورة الرمزية أحمد حافظ جلال
أحمد حافظ جلال أحمد حافظ جلال غير متواجد حالياً
مدرس اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,646
معدل تقييم المستوى: 0
أحمد حافظ جلال is an unknown quantity at this point
افتراضي

الخامس
ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى ـ بياناً لمن عاداه وكتم ما جاء من عند الله ـ ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [ سورة البقرة : 89 ]
﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ ﴾ أي جاء اليهودَ المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم كتاب من عند الله تعالى هو القرآن ﴿ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ ﴾ كذبوا وكانوا من قبل مجيئه يستفتحون بمن أنزل عليه ذلك الكتاب، فلما جاءهم ذلكم النبي الذي عرفوه ويجدونه مكتوباً عندهم في التوراة كفروا به وصدوا عنه . يستفتحون به قبل مجيئه وعند مجيئه يكفرون .
وذلك أنهم كانوا إذا حزبهم أمر ودهمهم عدو يقولون : اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد صفته في التوراة فكانوا ينصرون . وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين: قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عادٍ وإرم .
فلما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم تنكروا لما علموا، ونبذ فريق منهم كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ ( 101) ﴾ [ سورة البقرة : 101]
نبذوا كتابهم الذي كانوا قد قبلوه من قبل، وزعموا تمسكهم به ، نبذوا التوراة لموافقة القرآن لها كأنهم لا يعلمون أنه كتاب الله، ولا يداخلهم فيها شك فيما جاء فيه . ولكنه العناد والكفر والحسد من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق .
وهم بما علموا كانوا أولى الناس بالإيمان به، والدعوة إلى اتباعه ﴿ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [ سورة المائدة : 41 ]
ومنكر الحق في حاضر كمنكره في ماض لأن الحق من عند الله واحد لا اختلاف فيه، وبه أرسل الله المرسلين، وأمرهم أن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه .
فمن كذب واحداً منهم فقد كذب جميع الرسل، وحق عليه ما حقّ على المكذبين الضالين . إنهم جميعا دعاة إلى دين واحد أقاموه كما أمرهم الله ولم يتفرقوا فيه .
والفرقة بين الخلق في أمر الدين حملتها الأهواء، ولم تكن في رسالة الأنبياء .
وقد يعرف إنسان الحق ولا يستجيب له فحسب . وقد يعلم آخر أنه الحق ثم لا يكتفي بالإعراض عنه بل يعمل على تشكيك الناس فيه، وصدهم عنه، وحملهم على محاربته والكيد له . وعمل اليهود من هذا اللون المفرط المغالي في الكيد والصد والعداوة والإفساد وقد قال الله فيهم : ﴿ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْرا ﴾ [ سورة المائدة : 64 ] وقال مخاطبا أهل الكتاب من النصارى محذرا لهم من اتباع أهوائهم ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ(77) ﴾ [ سورة المائدة : 77 ]
إن وصف الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بأنه من عند الله، وأنه مصدق لما معهم فيه ما فيه من إدانة للقوم، وتسجيل لمواقفهم، ودعوة للأجيال من بعد أن تثوب، وأن تزن الأمور بميزان الحق لا بموازين الأهواء . وأن تعلم علم اليقين أن كل إنسان مؤاخذ عند الله بعمله . وأن الحق الذي أنزله الله وحفظه هداية للخلق وحجة عليهم . ولا أضر من إعراضٍ عن الحق من بعد علم به، واتباع للهوى من بعد ما تبين الهدى، وكتمان للحق من بعد عهد وميثاق .
إن الحق الذي جاء به موسى من عبادة الله وعدم الإشراك به هو الذي جاء به خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم وهو الحق من ربهم . فمن كفر بهذا كفر بذاك . ولا بقاء لادّعاء أنهم يؤمنون بما أنزل عليهم لأن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق مصدقا لما معهم . فالكفر بما جاء به كفر بما معهم وهم يعرفون ذلك ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ﴾
وسيظل نداء القرآن الكريم يبصر كل جيل، ويحذر من سوء العاقبة والمصير . والكل عائد إلى الله ومحاسب بين يديه، ومن رغب عن الحق حوسب عليه . ولا حجة بعد بيان ولا عذر بعد إعذار وإنذار ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) ﴾ [ سورة المائدة : 15 ، 16 ]
__________________
تهانينا لقد تم تحميل السرطان بنجاح
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 08-11-2008, 10:58 PM
الصورة الرمزية أحمد حافظ جلال
أحمد حافظ جلال أحمد حافظ جلال غير متواجد حالياً
مدرس اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,646
معدل تقييم المستوى: 0
أحمد حافظ جلال is an unknown quantity at this point
افتراضي

السادس
ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى في سورة البقرة ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) ﴾ [ سورة البقرة : 91]
والآية بما اشتملت عليه تبين أمرين : الأول : ما للقرآن من صفات، وأنه من عند الله، وهو الحق مصدقا لما معهم . الثاني : موقف اليهود المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم .
أما عن القرآن فإن القوم يوقنون أنه من عند الله وهو يتلى عليهم " مصدقا لما معهم " ، ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ﴾ ويعرفون الرسول صلى الله عليه وسلم بصفاته وأخلاقه كما يعرفون أبناءهم، وهم يجدونه مكتوبا فيما معهم . ومن أجل ذلك كانوا أولى الناس بتصديقه ومناصرته والدعوة إلى الإيمان به وفاء لكتابهم وتصديقا لنبيهم وتكريما لأنفسهم ﴿ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ ﴾ .
إن إعراض هؤلاء عن الحق، وجحودهم به لا يرجع إلى خفاء أدلته أو التباس في حقيقته، وحاشا أن تخفى دلائل الحق أو يلتبس نوره، ولكن إعراضهم يرجع إلى علل في نفوسهم لا عن جهل بحقيقته .
إن كفرهم بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم كان مبنيا على الحسد أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده . ﴿ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [ سورة البقرة :90 ]
وهذا الحسد لم يقف بهم عند النكران والجحود فحسب، وإنما دعاهم إلى محاولة رد المسلمين عن دينهم وتشكيكهم فيه ، كما أغراهم بالطغيان والبغي لما رأوا ثباتهم عليه وتمسكهم به ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقّ ﴾ [ سورة البقرة : 109 ]
﴿ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْرا ﴾
فلم يبق لهم وقد كفروا بالحق لما جاءهم ـ إيمان بحق . بل قادهم الهوى إلى جحود ما معهم، وساقهم أن يكتبوا بأيديهم ما يكتبون وينسبوا إلى الله ما يكتبون .
﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ﴾ ( سورة البقرة : 79 )
ونسوا أن الله الذي فضلهم من قبل وآتاهم الكتاب والحكم والنبوة ورزقهم من الطيبات قد أمرهم أن يكونوا أوفياء للعهد أمناء ، وألا يتنكروا لما فضلهم الله به ويرون عزهم في غير ما أعزهم الله به من شرف النبوة والكتاب ، فإن من اعتز بغير ما أعزه الله به أذله الله .
إن الوفاء لرسالة الأنبياء والقيام بحقها ـ كما أمر الله ـ أصل في تكريم الإنسان وإعزازه . والرسل جميعا ما جاءوا إلا بالحق . وبالحق تكون القيم ويعرف الفضل . والحق من عند الله فمن جحده فقد كفر بنعمه . ومن فرق بين من أرسلهم الله بدين واحد، وقال: نؤمن ببعض ونكفر ببعض لم يبق له إيمان بأحدٍ من رسل الله .
إن منشأ كل فُرقة وفساد في نكران الحق بعد بيانه، والإيمان ببعض الرسل دون بعض، والإيمان ببعض الكتب والكفر ببعض بدافع الأهواء لا بسندٍ من حجة أو برهان , فإن ذلك يفقد الإنسان العدل في شئونه كلها . ويبعده عن الإنصاف في القول والعمل . كما يفقد الاعتدال في مواجهة سراء الحياة وضرائها، ويوقعه في مرج واضطراب لا يسلم من عواقبه إلا بالعود إلى الحق، والفرار إليه وإخضاع الهوى له، وانشراح الصدر به .
وسيظل نداء القرآن لأهل الكتاب بل للناس جميعا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، سيظل ـ في عزته ـ يذكر ويبصر، ويدعو إلى الحق، ويهدي للتي هى أقوم، وهو يسوق العبر والعظات، ويدعو إلى كلمة سواء يقام بها العدل، وينصف الحق، ويشيع البر، ويُدفع الفساد والظلم والشر، وهذا نداؤه لأهل الكتاب بل للناس جميعا ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ ( سورة آل عمران : 64 )
﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ ( سورة الأعراف : 158 )
ذاك هو النداء الذي يبصر الناس بما جاء به الأنبياء . وبالاستجابة له يصان الأمن ويقام السلم وتحفظ الحياة . ويتحقق في الناس ما وصى به الأنبياء ( أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه )
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت:69)
__________________
تهانينا لقد تم تحميل السرطان بنجاح
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 08-11-2008, 10:59 PM
الصورة الرمزية أحمد حافظ جلال
أحمد حافظ جلال أحمد حافظ جلال غير متواجد حالياً
مدرس اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,646
معدل تقييم المستوى: 0
أحمد حافظ جلال is an unknown quantity at this point
افتراضي

السابع
ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى في سورة البقرة ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ * وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ ﴾ ( سورة البقرة : 97 ـ 99 )
وسواء كان سبب نزول هذه الآيات مناظرة جرت بين اليهود ورسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر نبوته، أو بينهم وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن في الآيات بيانا لأمور يجب أن نتدبرها، وأن ندرك منها هداية القرآن ومقاصده، وأن نعتصم به في كل شأن . من ذلك موقف اليهود من رسل الله بعامة ومن الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم بخاصة . ومن المعلوم أن عداوة رسول من رسل الله هى عداوة لله وللرسل جميعا ـ ولا إيمان مع التفرقة بينهم أو تعمد الإساءة لأحد منهم ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً﴾ ( سورة النساء : 150 ، 151 )
وكذلك كان اليهود ولا يزالون يرون أنفسهم ولا يرون غيرهم، ويكفرون بما أنزل الله مصدقا لما معهم بغيا منهم وحسدا من عند أنفسهم .
لقد سمعوا أن جبريل ينزل بالوحي من عند الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فزعموا أن جبريل عدوهم لأنه ينزل بالهلاك والدمار والعذاب . وأن هذا هو الذي يمنعهم من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولو كان الذي ينزل إليه بالوحي هو ميكائيل لآمنوا . فميكائيل يتنزل بالرخاء والمطر، وهو ملك الرحمة ، وجبريل عندهم هو ملك العذاب ، هكذا يزعمون .
وهم يعلمون أن الله لم يبعث نبيا قط إلا وجبريل عليه السلام وليُّه . وجبريل عليه السلام لم يكن بشرا يعمل معهم أو ضدهم، ولم يكن يتنزل إلا بأمر ربه﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً ﴾ ( سورة مريم : 64 ) .
﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾
ولكن القوم ـ وهم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ـ ينكرون ما يعرفون، ولا يرون الفضل إلا لهم والنبوة إلا فيهم ، ولو كان ما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم . ذكر عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فيما روي عنه قال : كنت أشهد اليهود يوم مدارسهم، فأعجب من التوراة كيف تصدق القرآن ومن القرآن كيف يصدق التوراة ، فينما أنا عندهم ذات يوم قالوا : يا ابن الخطاب ما من أصحابك أحدٌ أحب إلينا منك . قلت : ولم ذلك ؟ قالوا : لأنك تغشانا وتأتينا . فقلت : إني آتيكم فأعجب من القرآن كيف يصدق التوراة ومن التوراة كيف تصدق الإنجيل . ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا ابن الخطاب ذاك صاحبكم فالحق به . قال : فقلت لهم عند ذلك: نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو وما استرعاكم من حقه وما استودعكم من كتاب هل تعلمون أنه رسول الله ؟ قال : فسكتوا . فقال لهم عالمهم وكبيرهم : إنه قد غلظ عليكم فأجيبوه .
قالوا : فأنت عالمنا وكبيرنا فأجبه أنت .
قال : أما إذ نشدتنا بما نشدتنا فإنا نعلم أنه رسول الله .
قلت: ويحكم إذاً هلكتم . قالوا : إنا لم نهلك . قلت : كيف ذلك وأنتم تعلمون أنه رسول الله ولا تتبعونه ولا تصدقونه ؟
قالوا : إن لنا عدوًّا من الملائكة وسلْمًا من الملائكة ، وإنه قرن بنبوته عدونا من الملائكة . قلت : ومن عدوكم ومن سلمكم ؟
قالوا : عدونا جبريل ، وسلمنا ميكائيل . قالوا: إن جبريل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا ، وإن ميكائيل ملك الرحمة والرأفة والتخفيف ونحو هذا . قال : قلت : وما منزلتهما عند ربهما ؟
قالوا : أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره . قال : فقلت فوالله الذي لا إله إلا هو إنهما والذي بينهما لعدو لمن عاداهما، وسلم لمن سالمهما/ وما يبنغي لجبرائيل أن يسالم عدو ميكائيل، وما ينبغي لميكائيل أن يسالم عدوَّ جبرائيل. قال : ثم قمت فاتبعت النبي صلى الله عليه وسلم فلحقته وهو خارج من خوخة لبني فلان .
فقال : يا ابن الخطاب ألا أقرئك آيات نزلن قبل , فقرأ علىّ ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ حتى قرأ الآيات : قال : قلت بأبي وأمي أنت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك وأنا أسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر . (*)
ذاك ما كان فلنتدبر ما أنزل من القرآن، ولنعرف مقاصده، ولنتبع هدايته . وفي حديث القرآن عن القرآن بيان لهدايته ومقاصده، ودعوة إلى حسن تدبره والاعتصام به، وهو حق يهدي إلى حق وإلى طريق مستقيم .
ومنه نعلم أن اليهود لا يكونون إلا حيث تهوى نفوسهم، لا حيث يأمر ربهم. هكذا كانوا مع الرسل ومع خاتمهم صلى الله عليه وسلم إلا من رحم الله منهم ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ﴾( سورة البقرة : 87 )
إن من اتخذ إلهه هواه يأتي بما يفضح ويُخجل ولا يستحي من قول أو فعل . إن النتيجة الحتمية لقول هؤلاء أنهم لا يؤمنون بأحدٍ من الرسل ، لأنهم جميعا قد جاءهم الروح الأمين بأمر من رب العالمين، فلم يبق لمن عاداه صلة بدين أو إيمانٌ برسول .
--------------------------------------------------------------------------------
(*) جامع البيان لابن جرير الطبري
__________________
تهانينا لقد تم تحميل السرطان بنجاح
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 08-11-2008, 11:00 PM
الصورة الرمزية أحمد حافظ جلال
أحمد حافظ جلال أحمد حافظ جلال غير متواجد حالياً
مدرس اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,646
معدل تقييم المستوى: 0
أحمد حافظ جلال is an unknown quantity at this point
افتراضي

الثامن
ومع حديث القرآن عن القرآن في قوله تعالى ﴿ قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين (97) ﴾
ومن قبل وقفنا معا عند هذه الآية , وعرفنا ما كان من اليهود من مفارقتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن وليَّه جبريل عليه السلام، وقولهم لو أن وليه سواه من الملائكة تابعناه وصدقناه .
وقلنا إن من اتخذ إلهه هواه يأتي بما يفضح ويخجل من قول أوفعل . واليهود الذين ناظرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يقولون إن جبريل عدوّنا وهو وليّك فلا نتبعك , يأتون بما يسجل عليهم الكفر والفسوق ويحرمهم من الهداية والتوفيق .
لقد حرموا الهداية والتوفيق بجحودهم الحق وكراهيتهم له .
والقرآن الكريم هدى وبشرى للمؤمنين , وهؤلاء بما قالوا وفعلوا لم يكونوا أمناء فيما اؤتمنوا عليه . ولا إيمان لمن لا أمانة له . ومن فقد الإيمان فلا بشرى له . ومن أضله الله على علم، وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله ؟
إن القرآن الكريم هدى وبشرى للقلوب التي تتفتح للحق وتستجيب له ، لا لمن ختم الله على قلبه وسمعه ، القرآن هدى للمتقين ، وهدى لقوم يؤمنون ، وهدى لقوم يوقنون ، وشفاء ورحمة للمؤمنين ، وبنو إسرائيل بما صنعوا لم يكونوا يؤمنون أو يتقون أو يوقنون .
وعلة العلل فيهم أن جحودهم ناشئ عن حقد وحسد لا عن جهل بما جاء من الحق . ولا شيء أضر بحياة الناس من جحود الحق والإساءة إلى أهله مع وضوح الآيات وتكرار البينات وتوافر أسباب اليقين من كتاب يصدق كتابا ، ورسول يصدق رسولاً . ﴿ ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون (99) أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريقا منهم بل أكثرهم لا يؤمنون (100) ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون (101) ﴾ ( سورة البقرة : 99 ـ101 )
إن جحود الحق مع بيانه إيثار للباطل ، ومن آثر الباطل دُمِّر به وزهق معه . فما بالك بمن صد عن الحق وعادى أهله .
والقرآن حق وله نوره وتلك بشراه ، وله ناره وذاك إنذاره ﴿ إن هذا القرآن يهدي للتي هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا (9) وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما (10) ﴾ ( سورة الإسراء : 9 ، 10 ) تلك بشراه لمن آمن واتبع، وذاك إنذاره لمن كذب وأعرض، وهو بهذا يكون هدى للناس أجمعين . ولا عذر لأحد من بعد ما تبين له الهدى ﴿ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا (115) ﴾ ( سورة النساء : 115 )
ذاك حديث القرآن عن القرآن في بيان حقيقته وآثاره . إنه من عند الله بلاغا للناس أجمعين ونذيرا للعالمين، يهدي للتي هى أقوم وينذر ويبشر . يبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم . وفي بشراه لهم حث للناس أن يتبعوا سبيلهم . وفي إنذاره تحذير للناس أن يتبعوا غير سبيل المؤمنين، ومن يتبع غير سبيل المؤمنين يوله الله ما تولى ويصله جهنم وساءت مصيرا .
وفي جميع ذلك لا ترى فيه إلا الحق ولا تسمع إلا الصدق، ولا تجد تناقضا بين الخبر والواقع، أو اختلافا بين ما يخبر عنه وما يدعو إليه ﴿ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ﴾ ﴿ وإنه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42) ﴾ ( سورة فصلت : 41 ، 42 )
__________________
تهانينا لقد تم تحميل السرطان بنجاح
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 08-11-2008, 11:02 PM
الصورة الرمزية أحمد حافظ جلال
أحمد حافظ جلال أحمد حافظ جلال غير متواجد حالياً
مدرس اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,646
معدل تقييم المستوى: 0
أحمد حافظ جلال is an unknown quantity at this point
افتراضي

التاسع
ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى في سورة البقرة من دعاء إبراهيم عليه السلام : ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ ( سورة البقرة : 129 )
وقد استجاب الله دعاء إبراهيم عليه السلام فبعث فيهم رسولاً منهم . بعثه برسالة عامة إلى العرب والناس أجمعين، وجعل معجزته هذا القرآن الذي تتلى آياته ولا تنقضي عجائبه، ولا يَخْلَق من كثرة الرد . وقد حفظه الله ليتلى على الناس في كل زمان ومكان؛ تُبلّغ به رسالته ويعرف هديه .
﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ﴾
والمراد القرآن، فهو آيات الله المنزلة على نبيه صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته المتحدى بأقصر سورة منه .
لقد استجاب الله دعاءَ إبراهيم وكانت الاستجابة هي بعثة هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، بعثة رسول من ذرية إبراهيم وإسماعيل يتلو عليهم آياته، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويطهرهم من الأرجاس والأدناس، فكانت الأمة الإسلامية بهذه الاستجابة هي الوارثة لإمامة إبراهيم الداعية إلى ما دعا إليه جميع المرسلين، وهم جميعا دعاة إلى دين واحد هو الإسلام الذي فطر الخلق عليه، وأرسل جميع الرسل دعاة إليه ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ ( سورة الأنبياء : 25 )
وهذا الكتاب الذي يتلى على الناس شاهد حق بما بعثوا به، وما دعوا إليه، وهو محفوظ بحفظ الله، عزيز بعزته، لا تهزم حجته، ولا يطفأ نوره، ولا تخفى دلالته، به أخرج الله الناس من الظلمات إلى النور، وعلّم الناس ما لم يكونوا يعلمون، وبه قد حفظت كلمة الحق، وعُرف ميزان العدل، وتحددت قيم الأشياء، وعلت قيمة الإنسان حين انتسب إليه وشرف به واستجاب لندائه, علت قيمة الإنسان وتعلو كلما أخذ نفسه بكلمة الحق التي جاء بها القرآن، فلم يخضع لنزعة جنس أو لون، ولم يستجب لدافع هوى أو إغراء منفعة . نعم .. تعلو قيمة الإنسان حين ينصر الحق ـ والحق من ربك ـ وبه يرفع الله أقواما ويضع آخرين . تعلو قيمة الإنسان حين ينصر الحق دون نظر لقريب أو بعيد أو عدو أو صديق، فيغدو بالحق صاحب رسالة، وإنسان مبدأ وعقيدة، ينصر المظلوم ولو كان من غير جنسه، ويأخذ على يد الظالم ولو كان من أهله وذوي قرابته، يقوم بالقسط ويأمر بالعدل ولو على نفسه .
وهذا ما تنطق به الآيات التي تتلى، والتي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتلاوتها ﴿ يتلو عليهم آياتك ﴾. ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) ﴾ ( سورة النمل : 91 ، 92 )
وسيظل القرآن الكريم يتلى وينذر، ويهدي للتي هى أقوم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وستكون العزة لمن آمن وعمل بمقتضاه، ولن يضل من استمسك به واهتدى بهداه . ومن رحمة الله بالخلق أن جعل لهم أسوة في رسول منهم يرون فيه القرآن قولا وعملا، ويشاهدونه في حياتهم بيانا وخلقا . ولا فصل بين بيان ومبين ، لا فصل بين قرآن وسنة ، فالأخذ بالسنة الصحيحة عمل بالقرآن، والعمل بالقرآن يقتضي حسن الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بين بقوله وفعله وإقراره ما نزل إليه من ربه .
وقد كان دعاء إبراهيم جامعاً إذ دعا ربّه فاستجاب له ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ فتلا الرسول الآيات، وعلّم الكتاب وبيّن وبصّر وربّى وطهّر . وقد كان خلقه القرآن يرضى برضاه ويسخط بسخطه .
__________________
تهانينا لقد تم تحميل السرطان بنجاح
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 08-11-2008, 11:03 PM
الصورة الرمزية أحمد حافظ جلال
أحمد حافظ جلال أحمد حافظ جلال غير متواجد حالياً
مدرس اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,646
معدل تقييم المستوى: 0
أحمد حافظ جلال is an unknown quantity at this point
افتراضي

العاشر
ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى في سورة البقرة : ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ ( سورة البقرة : 185 )
حديث عن الزمان الذي أنزل فيه وعن هدايته ومقاصده .
وفي الحديث عن الزمن تشريف لشهر رمضان وتعظيم، إذ اختص من بين الشهور بإنزال القرآن فيه ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ .
والشهر فيه قولان لأهل اللغة أشهرهما أنه اسم لمدة الزمان الذي يكون مبدؤها الهلال ظاهراً إلى أن يستتر، وسمي بذلك لشهرته في حاجة الناس إليه في العبادات والمعاملات وغيرها . الثاني : اسم للهلال نفسه .
ورمضان علم لهذا الشهر المخصوص، وقد قيل في تسميته برمضان لأنه وافق مجيئه في الرمضاء وهى شدة الحر فسمى به، وقيل لأنه يَرْمَضُ الذنوب أي يحرقها ويمحوها، وأما القرآن فهو في الأصل مصدر قرأت ثم صار علما لما بين الدفتين . وقد نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا، وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة القدر منه، كما قال الله عز وجل ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ﴾ ( سورة الدخان :3 ) وقال : ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ ( سورة القدر : 1 )
ثم نزل بعده مفرقا بحسب الوقائع على رسول الله صلى الله عليه وسلم . هكذا روى من غير وجه عن ابن عباس رضي الله عنهما .
وقوله ﴿هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾
حديث عن هداية القرآن وما يحققه في حياة الناس . لقد أنزله الله هدي لقلوب العباد ممن آمن به وصدقه وأحسن اتباعه .
﴿هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ ﴾ أي دلائل واضحات، وحججا جلية لمن فهمها وتدبرها، دالة على صحة ما جاء به من الهدى المنافي للضلال، والرشد المخالف للغي، ومفرقا بين الحق والباطل والحلال والحرام .
وما من شأن من شؤون الخلق إلا وللقرآن فيه إرشاد وبيان وتبصرة وذكرى . ويخطئ من يظن أن هداية القرآن عرضٌ يأبونها، أو يعرضون عنها، فيُتركون دون حساب وجزاء .
يخطئ من يظن أن القرآن ـ وهو الحق من ربهم ـ يُعرض عنه مَن يعرض، فلا يؤاخذ بذنب أو يحاسب على إعراض وترك . إنه الهدى والحق . وللهدى والحق نور ونار، فمن أبى النور فالنار موعده .
إن الكارهين للحق مأخذون به، والمعرضون عنه ماكثون في ناره ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ {74} لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ {75} وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ {76} وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ {77} لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ {78} ﴾ ( سورة الزخرف 74 ـ 78 )
إن القرآن الكريم ـ وهو يهدي في كل شأن للتي هى أقوم ـ به تتحدد مصائر الناس، وتتميز صفوفهم، فمن اتبع هداه اهتدى ونجا، ومن أعرض عنه ضل وخسر . وسيظل يدعو الناس إلى اتباعه ما بقيت الحياة، ثم هو ـ يوم القيامة ـ شافع شاهد، تسأل كل آية فيه عن فريضتها . ومن تدبر عرف النتائج، ومن استبصر أدرك العواقب ، ومن أبى النور والهداية في يومه ندم على ما فرط في غده ، كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه « أخاف أن يقال لي يوم القيامة علمتَ أم جهلت َ ؟ فأقول علمتُ . فلا تبقى آية في كتاب الله آمرة أو زاجرة إلا وتسألني فريضتها . تسألني الآمرة هل ائتمرت ؟ وتسألني الزاجرة هل ازدجرت ؟ فأعوذ بالله من علم لا ينفع ومن دعاء لا يسمع » .
اللهم ارحمنا بالقرآن واجعله لنا إماما ونورا وهدى ورحمة واجعله لنا حجة يا رب العالمين .
الحادي عشر
ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى : ﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ ( سورة البقرة : 252 )
والإشارة في قوله ﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ ﴾ إلى قصة أولئك الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم، وقصة طالوت وجالوت وما وقع فيها من عبر وعظات، وبيان سنة الله في دفعه النّاس بعضهم ببعض، ونصر من يستحق النصر وإن قل عدده، وخذلان من يستحق الخذلان وإن كثر جنده، وكل ذلك بإذن الله وفضله ﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) ﴾ ( سورة البقرة : 250 ـ 252 )

﴿ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ﴾ أي باليقين الثابت الذي لا يعتريه شك ﴿ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ بحيث تخبر بهذا القصص من غير أن تعرفه بقراءة كتب ولا استماع أخبار، فدّل ذلك على رسالتك ﴿ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ أي بشهادة إخبارك عن الأمم من غير مطالعة كتاب أو اجتماع يخبرك بذلك .
ولا أدل على رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا القرآن الحكيم : ﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ ( العنكبوت : 48 ) والمناسبة بين قوله ﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ﴾ وقوله ﴿ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ بينة واضحة . فإن الآيات دالة على صدقه، وأنه مرسل من ربه.
ومثله ما جاء في قوله تعالى : ﴿ يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(4) ﴾ ( سورة يس : 1ـ4 )
فإن المقسم به ﴿ وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ﴾ دليل على صدق المقسم عليه، كافٍ في الدلالة على نبوته، وأنه مرسل من ربه ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ ( العنكبوت : 51 ) ووصف القرآن بالحكيم في القسم على رسالة مَنْ أُرسِل ليعلِّم الناس الكتاب والحكمة فيه اتساق بين المقسم به والمقسم عليه .
إن هذا الكتاب الذي نزل بالحق يشهد بنفسه على نفسه بأنه خطاب رب العالمين للناس أجمعين، ويتحدى الجن والإنس أن يأتوا بمثله أو بسورة منه، ويقطع بأنهم لن يأتوا بمثله وإن اجتمعوا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا؛ لأنه من عند الله الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت . وما كان من عند الله فهو الحق بلا شك أو امتراء . ﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾
وهذه الحقيقة تحدد لطالب الحق مصدر المعرفة والتمسك بما هو حق، وبالحق يعرف الباطل لأنه ضده، وبه لا بغيره يكون الإصلاح ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ﴾ ( المؤمنون : 71 )
والناس مأمورون بأن يصلحوا في الأرض ولا يفسدوا، منهيون عن الإفساد في الأرض بعد إصلاحها . فلا بد من منهج وشرعة تُتّبع، يكون مصدرها الحق لا الهوى، والله هو الحق وقوله الحق، وقد أنزل الكتاب بالحق .
فإذا أراد الناس صلاحا لدنياهم وفلاحا في أخراهم فلا سبيل لذلك إلا باتباع ما نزل من الحق
﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ﴾ .
وهذا ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعمل به، وأن يبلغه الناس ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ ( سورة الجاثية : 18 )
﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) ﴾ ( سورة الشورى : 15 )
وسيظل القرآن الكريم في ثباته وعزته ـ وهو الحق ـ يدعو إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يطفأ نوره ولا يتوقف مده . وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم وعن الكتاب المنزل عليه في آية واحدة بلا تفرقة تبصرة وذكرى للمؤمنين ﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) ﴾
الثاني عشر
ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى في سورة آل عمران : ﴿ ; الم (1) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ (5) )هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 6) ﴾ ( سورة آل عمران : 1ـ 6 )
آيات فيها بيان عمن نزل الكتاب، ومن نزل عليه، وعن وصف هذا الكتاب، وما يهدي إليه . فالمنزِّل هو الله لا إله إلا هو الحي القيوم، ولكل صفة من هذه الصفات دلالتها في الأخذ بما جاء في هذا الكتاب، والاعتصام به، وحسن اتباعه، ولها دلالتها كذلك في الجزاء، جزاء من صدق وآمن، ومن كذب وأعرض
﴿ ; لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) ﴾ النجم 31 والله لا يخفى عليه شئ من أمر هؤلاء وأولئك ﴿ ; إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ﴾ وفي قوله ﴿ ; نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ﴾ بيان للمنزَّل عليه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي هذا القول ما فيه من إشادة بالكتاب، وأنه الجدير بهذا الوصف دون سواه، ومن تكريم لمَنْ نزّل عليه بتوجيه الخطاب إليه
﴿ ; نَزَّلَ عَلَيْكَ ﴾ ، ومن بيان لمكانة المنزل، وحقيقته، وأنه منزل بالحق، فهو حق في ذاته وفيما يدعو إليه ، فليس للباطل إليه سبيل، فهو مصون بحفظ الله في الأرض وفي السماء ﴿ ; قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾( سورة النحل : 102) ﴿ ; وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ﴾ ( الإسراء : 105)
﴿ ; نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾ بيان لحقيقة هذا الكتاب، ومن نزله، ومن نزل عليه.
وقد سُبق بقوله ﴿ ; اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ ولا شئ أدعى للتمسك بالكتاب المنزل من معرفة هذه الحقيقة ﴿ ; اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾ . إنها تحقق في نفس المتدبر المهابة والخشية، وحسن الإقبال عليه والاعتصام به . ومن عرف أن كتابا يأتيه من عظيم له شأن، أحسن استقباله وعمل بمقتضاه ـ ولله المثل الأعلى ـ والكتاب ـ الذي يُدعى الناس جميعا إلى الاستمساك به، وحسن اتباعه، وعدم الإعراض عنه ـ من الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، والرسول رسوله . وفي الكتاب دلالة على هذه الحقيقة لا تخفى . وفي الرسول كذلك وهو الأسوة والقدوة في بيان هذه الحقيقة . والله شاهد له وكفى بالله شهيدا . وأقوى الدلالات ما يجده الإنسان في نفسه وهو يتلو كتاب ربه، يجد هذه الخاصية الفريدة التي لا توجد إلا في هذا الكتاب ﴿ ; اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) ﴾ ( الزمر 23 ) . خصوصية دالة على أنه من الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم . وجدير به وتلك نسبته أن يكون كذلك في تأثيره، وفيما يخبر به أو يدعو إليه .
﴿ ; اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾ إن حديث القرآن عن القرآن في هذا المقام بما اشتمل عليه يدعو إلى عبادة الله، وعدم الإشراك به، وحسن التوكل عليه .
فإن هذا الكتاب منزل من الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، فهو المتفرد بصفة الألوهية، وهو الحي الذي يتوكل عليه، ولا يتوكل على غيره . فإن الإنس والجن يموتون والله حي لا يموت ﴿ ; وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ﴾ وهو القيوم الذي تقوم به كلّ حياة، وبه يقوم كلّ وجود، فلا قيام لحياة في هذا الكون ولا وجود له إلا به سبحانه . إن هذه الصفات وهى تذكر في الحديث عن القرآن تهيئ النفس لاستقبال ما يتلى، وتثير الخشية، وتدعو إلى صدق الإخلاص وحسن التقبل . لأن الذي نزل القرآن يستحق أن يُعْبَدَ، وأن يطاع ويتقى ، وهو أحق أن يُخشى . ومنهج عبادته وتقواه ما نُزِّل في هذا الكتاب على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد كان خلقه القرآن، فمن رام صلاحاً وفلاحاً في عاجله وآجله فعليه أن يتبع هذا المنهج في صدق وإخلاص واقتداء وحسن اتباع ﴿ ; وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)﴾ ( سورة الأنعام : 153 )
الكاتب: د / محمد الراوي
__________________
تهانينا لقد تم تحميل السرطان بنجاح
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 08-11-2008, 11:13 PM
الصورة الرمزية أحمد حافظ جلال
أحمد حافظ جلال أحمد حافظ جلال غير متواجد حالياً
مدرس اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,646
معدل تقييم المستوى: 0
أحمد حافظ جلال is an unknown quantity at this point
افتراضي

أنهي بحمد الله وشكره على ما وفّقني إليه و أعانني عليه من جمع هذه الصفحات وإعدادها لكي تكون في متناول المسلمين في أنحاء العالم راجيا أن تجدوا فيها ما يفيدكم في أمور الدين و أهدي هذه الصفحات لوالدي وعمي حسن داعيا الله تعالي أن يغفر لهما وللمسلمين جميعاً وأسأله أن يتقبل مني هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ويجعله في ميزان الحسنات يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
__________________
تهانينا لقد تم تحميل السرطان بنجاح
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 10-11-2008, 09:42 PM
osho6a1 osho6a1 غير متواجد حالياً
طالب جامعى ( كلية تجارة الاسكندرية )
 
تاريخ التسجيل: Dec 2007
المشاركات: 1,010
معدل تقييم المستوى: 18
osho6a1 is on a distinguished road
افتراضي

يا نهااااااااااااار كل دا توبيك ما شاء الله عليك بجد توبيك تحفة
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 04-12-2008, 01:25 PM
الصورة الرمزية أبوسفيان السلفى
أبوسفيان السلفى أبوسفيان السلفى غير متواجد حالياً
عضو مجتهد
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
المشاركات: 72
معدل تقييم المستوى: 17
أبوسفيان السلفى is on a distinguished road
افتراضي

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 04-12-2008, 05:12 PM
الصورة الرمزية أحمد حافظ جلال
أحمد حافظ جلال أحمد حافظ جلال غير متواجد حالياً
مدرس اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,646
معدل تقييم المستوى: 0
أحمد حافظ جلال is an unknown quantity at this point
افتراضي

بارك الله فيك أبا سفيان
__________________
تهانينا لقد تم تحميل السرطان بنجاح
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 01:05 PM.