اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > علوم القرآن الكريم

علوم القرآن الكريم هنا أن شاء الله كل حاجة عن القرآن الكريم من مسموع ومرئي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-07-2014, 02:27 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ..


تفسير قول الله تعالى

﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ..

صفات المنافقين وأحوالهم وأعمالهم


﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [البقرة: 9، 10].

الخداع: إنزال الغير عما هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه. من قولهم ضب خادع وخدع: إذا أمرّ الحارث - وهو صائد الضب - يده على باب جحره أوهمه إقباله عليه، ثم خرج من باب آخر، حتى قيل في المثل: أخدع من ضب. وذلك أن المنافق يظهر أنه متدين، حريص على الدين ليعصم دمه وماله، أو ليجني من وراء ذلك مغنماً أو ثناء الناس وتعظيمهم له، أو لغلبة العادة والتقاليد والعرف، هو مع كل ذلك لا يحس بوازع الدين في دخيلة نفسه، ولا يجد أثراً لخوف الله وخشيته في قلبه، لأن الدين الحقيقي لم يجد السبيل إلى قلبه ممهداً، فهو مصدود عن تقوى الله وعن دين الحق بما قام فيه من أمراض الهوى والشهوات والكبر والعصبية؛ والجهالة المزينة بثوب العلم الموروث عن الآباء والشيوخ الذين ألبسهم الشيطان في عينه ثوب العصمة عن الخطأ وبرأهم في نظره المغشي من أن يقولوا على الله بغير علم، أو يشرعوا من الدين ما لم يأذن به الله، أو يفتروا على الله الكذب؛ وأنه ومن عاصره لن يبلغوا مهما أوتوا من فضل الله درجتهم؛ ولن يصلوا مهما بذلوا من مجهود - إلى رتبتهم، لأنه توهم أن فضل الله قاصر على طواغيته؛ ورحمته خاصة بشيوخه ومقلديه؛ لن تنال بالهداية والعلم سواهم، ولن تفتح باب الفقه ومعرفة الحق إلا لهم ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾ [النساء: 61] أظلم قلبه من نور الله وحرم من روح تقوى الله، وانقطع عنه مدد هداية الله وتوفيقه، فقسا وتحجر وفسق عن أمر الله الحق ودينه القيم، ولكنه يحاول أن يظهر بثوب الورع ولباس التقوى، ويخاتل نفسه والناس بما يتوكأ عليه في خروجه وفسقه من قول فلان ورأي فلان، وحرم فلان، وأباح فلان؛ ظانًّا أن رأي فلان وقول فلان يغنيه من عذاب الله ويدفع عنه انتقام الله؛ ومتوهما بعمى بصيرته أن تحريم فلان وتحليل فلان من عند الله، لأنهم لا ينطقون إلا حقاً، ولا يقولون في الدين إلا صدقاً ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [الشورى: 21] ﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 28 - 30]. يقولون بألسنتهم "لا إله إلا الله" وليس في قلوبهم يقين ولا إيمان بأن الإلهية والعبادة ذلاً وخضوعاً وتعظيماً، وحباً ورغبة ورهبة، ودعاء واستغاثة وتوكلاً و***اً ونذرا لا تبتغي إلا لله، بل في قلوبهم آلاف الآلهة يعظمها ويخضع لها، ويذل أمام قبورها ومقاصيرها؛ وينذر لها من الأموال ما ضيعت به حقوق الله، ويدعوها في الشدائد والكروب بغاية الضراعة والرجاء ما لا يدعو به الله؛ ويطاف حول ما نصب على قبورها أكثر مما يطوف حول بيت الله، ويقيم لها الأعياد ويحج إليها من قاص البلاد ودانيها أكثر وأعظم مما يحتفل بمناسك الله وعيدي الفطر والأضحى اللذين شرعهما الله؛ ويرتكب من الفواحش والمنكرات في هذه الأعياد الشركية ما تضج له الأرض والسماء ولكنهم يقولون: إنها مغمورة في بحر كرامات هذا الإله فلانة أو فلان صاحب المولد. وسبحان الله وتعالى عما يقولون علوًّا كبيراً، وآمنت بالله وبرئت وكفرت بكل ما يعبدون ويعظمون ويدعون من دون الله من أولياء لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعاً ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. وإذا قلت لهم: هذا يهدم لا إله إلا الله، ذهبوا يتصايحون ويبكون هذا خارج على الدين، وهذا محارب للأولياء والصالحين؛ وهذا مخالف لما عليه الشيوخ والرؤساء؛ وهذا كافر وضال، وبئس ما يقولون.

ويقولون بألسنتهم "محمد رسول الله" وليس في قلوبهم اليقين والإيمان بأن الطاعة والاتباع وحسن القدوة والاستسلام التام بلا حرج في الصدر ولا استدراك ولا "بم" ولا "كيف" لا ينبغي لأحد من البشر إلا لرسول الله سيد الأنبياء وخاتم المرسلين وإمام الأتقياء، وصفوة الأصفياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ بل قلوبهم محشوة بآلاف المتبوعين الذين يقدمون قولهم وعملهم ورأيهم وهواهم على هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكم تجيئهم من آية أو حديث صحيح فيقذفونهما: بهذا لم يأخذ به فلان، وهذا لم يصح عند فلان وهذا أوّله فلان، وهذا ترك العمل به فلان. وكم هدموا كتاب الله وآياته المحكمات والصحيح الثابت من سنن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى بكلام فلان الذي ليس له من ميزة إلا أنه ألَّف متنا أو شرحا أو حاشية مضى عليه خمسون أو مائة سنة وكتب على غلافها: تأليف العالم العلامة والحبر البحر الفهامة.. إلى آخر تلك الألقاب التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ والتي ما قالها عمر لأبي بكر، ولا قالها أحد من أولئك البررة الأخيار؛ ولا قالها الشافعي لمالك، ولا أحمد للشافعي ولا قالها المزني للشافعي؛ ولا قالها أبو يوسف ومحمد لأبي حنيفة. وهم والله أتقى قلوباً، وأبر أعمالاً، وأصدق قولاً وأهدى سبيلاً وأكثر علماً من أولئك العلامات الفهامات؛ ولكن هي الجهالة العمياء والعصبية الحمقاء تسوي التراب بالتبر وترفع الثرى إلى الثريا ﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الرعد: 33] وإذا قلت لهم: إن هذا يهدم "محمد رسول الله" صاحوا وتباكوا وقالوا: هذا مارق من الدين؛ هذا مدع الاجتهاد؛ هذا خامسي؛ هذا محقر للأئمة والعلماء؛ هذا ضال؛ هذا كافر ﴿ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴾ [الكهف: 5] ﴿ وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [النور: 47 - 52].

ضيعوا الصلاة واستخفوا بها أعظم استخفاف، لأن قلوبهم لم تذق طعم مناجاة الله في الصلاة، ولم تشرق عليها أنوار تجلي الله، ولم تستطعم طعم آيات الله والذكر والدعاء في الصلاة، فثقلت عليهم الصلاة ﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 45، 46] ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142] فذهبوا يحتالون في إضاعتها ويختلقون المعاذير الواهية لتركها؛ فمرة يحكمون لمضيعها الذي لا يفكر في كل عمره فيها، ويتلها عنها باللعب والفسوق ومجالس السوء بأنه مسلم؛ ومرة يقولون: إن الاشتغال بمتاع الدنيا لملء البطون وشهوة الفروج عذر في تركها وتخريب بيوت الله التي أمر أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وإجابة داعي الله الذي نادى المؤمنين ﴿ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9] وبين أنه ضمن لهم أرزاقهم وأطعامهم، وأنه الرزاق ذو القوة المتين، وزين لهم ذلك كله القول في الدين بالرأي والهوى، وما رأى فلان واستحسن فلان. وقد حكم الله ورسوله على مضيع الصلاة بأنه مشرك وكافر، ولاحظ له في الإسلام. قال تعالى ﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الروم: 31] ﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ ﴾ [المرسلات: 47، 48] ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ﴾ [المدثر: 42 - 44]. وقال صلى الله عليه وسلم "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله" رواه البخاري ومسلم عن بريدة. وقال "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة" رواه أحمد ومسلم عن جابر بن عبدالله. وقال "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" رواه أبو داود والنسائي والترمذي، وقال حسن صحيح.

وقال ابن حزم: وقد جاء عن عمر وعبدالرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم: أن من ترك صلاة فرض واحد متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد، ولا نعلم لهؤلاء مخالفا. اهـ.

والمروي عن السلف جميعاً أن تارك الصلاة ي*** إن لم يتب ويبادر إلى إقامتها هذا وإنك لتجدهم يشنعون على من يدعو الناس إلى المحافظة على الصلاة ويشدد في التحذير من تركها، فيقولون إنه متغال ومتعنت ومشدد على الناس، ومتزمت ومضيق عليهم ما اتسعت به المذاهب، ومعسر عليهم ما سهلته العقول والآراء، وأنه مع هذا خارج على العلماء وضال مضل، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وهكذا شأن المنافقين في كل زمن وبلد؛ يحتالون جهدهم على التخلص من الشرائع والتملص من اتباع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقائد والعبادات والأموال والحدود والأحكام؛ مما زين لهم شياطينهم من الأوهام والخيالات، ثم يحرصون على التشنيع على المؤمنين المجاهدين في سبيل الله وتحقير أقوالهم وأعمالهم. وتنفير الناس عنهم، ونبذهم بالألقاب حسداً وبغياً.

ومهما حاولوا فالله مقيم حجته، ومتم كلمته، ولو كره المبطلون. وسيبقى الله تعالى لهذا الدين في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، ينفون عنه تحريف الغالين؛ وانتحال الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عقال الفتنة. فهم يقولون على الله وفي الله وفي صفات الله وأسمائه وفي كتاب الله بغير علم، ويخدعون الجهال من الناس بما يشبهون به عليهم من زخرف القول وغروره. ونعوذ بالله من الفتنة.

سبحان الله ماذا حرم المعرضون عن نصوص الوحي واقتباس العلم من مشكاته من كنوز الذخائر، وماذا فاتهم من حياة القلوب واستنارة البصائر، قنعوا بأقوال استنبطتها معلول الآراء فكرا، وتقطعوا أمرهم بينهم لأجلها زبرا، وأوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، فاتخذوا لأجل ذلك القرآن مهجورا، درست معالم القرآن في قلوبهم فليسوا يعرفونها، ودثرت معاهده عندهم فليسوا يعمرونها، وفسدت أمزجة عقولهم من كثرة ما أصيبت من أمراض، وانتكست قلوبهم من عظم ما أصابها من علل الأهواء والصد عن الكتاب والسنة والإعراض وقست قلوبهم وتحجرت لطول ما فتنت بالدنيا وحرمت من الغذاء النافع من حب الله وآياته، وحب الرسول وهدايته. والتبس عليهم الأمر فأصبحوا في ضلالهم يعمهون، وتقطعت بهم السبل فوقعوا في ظلمات الفساد وشقاء غضب الله يتخبطون. ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 11، 12].

قال الشيخ ابن القيم رحمه الله تعالى:
لما كان القلب يوصف بالحياة وضدها، انقسمت القلوب، بحسب ذلك إلى ثلاثة أقسام: قلب صحيح، وقلب سقيم، وقلب ميت؛ فالقلب الصحيح: هو السليم الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله تعالى به كما قال ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89] وهو الذي سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره، فسلم من عبوديته لما سوى الله. وسلم من تحكيم غير رسول الله، وسلم من محبة غير الله مع تحكيمه: في خوفه ورجائه؛ والتوكل عليه والإنابة إليه، والذل له وإيثار مرضاته في كل حال، والتباعد من سخطه بكل طريق. وهذا هو حقيقة العبودية التي لا تصلح إلا لله وحده. فالقلب السليم: هو الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شركة بوجه ما؛ بل قد حصلت عبوديته لله إرادة ومحبة وتوكلا وإنابة وإخباتاً وخشية ورجاء؛ وخلص عمله لله؛ فإن أحب أحب في الله، وإن أبغض أبغض في الله، وأن أعطى أعطى لله وإن منع منع لله، ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد والتحكيم لكل من عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعقد معه عقدا محكما على الاقتداء، والائتمام به وحده دون كل أحد في الأقوال والأعمال: أقوال القلب، وهي العقائد، وأقوال اللسان، وهي الخبر عما في القلب، وأعمال القلب وهي الإرادة والمحبة والكراهة وتوابعها، وأعمال الجوارح، فيكون الحاكم عليه في ذلك كله: دقه، وجله: هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. فلا يتقدم بين يديه بعقيدة ولا قول ولا عمل. قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات: 1] أي لا تقولوا حتى يقول ولا تفعلوا حتى يأمر.

القلب الثاني: ضد هذا القلب. وهو الميت الذي لا حياة به، فهو لا يعرف ربه ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه، بل هو واقف مع شهواته ولذاته، ولو كان فيها سخط ربه وغضبه، فهو لا يبالي إذا فاز بشهواته وحظه رضي ربه أو سخط، فهو متعبد لغير الله: حبا وخوفا ورجاء وسخطا وتعظيما وذلا، إن أحب أحب لهواه، وإن أبغض أبغض لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منع لهواه، فهواه آثر عنده وأحب إليه من رضى مولاه؛ فالهوى إمامه؛ والشهوة قائده والجهل سائقه، والغفلة مركبه؛ فهو بالفكر في تحصيل أغراضه الدنيوية معمور وبسكرة الهوى وحب العاجلة مغمور؛ ينادى إلى الله والدار الآخرة من مكان بعيد؛ ولا يستجيب للناصح، ويتبع كل شيطان مريد؛ فمخالطة صاحب هذا القلب سقم، ومعاشرته سم ومجالسته هلاك.

القلب الثالث: قلب له حياة، وبه علة. فله مادتان، تمده هذه مرة، وهذه أخرى؛ وهو لما غلب عليه منهما. ففيه من محبة الله والإيمان به والتوكل عليه ما هو مادة حياته. وفيه من محبة الشهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها والحسد والكبر والعجب وحب العلو والفساد في الأرض بالرياسة ما هو مادة هلاكه وعطبه. وهو ممتحن بين داعيين: داع يدعوه إلى الله ورسوله والدار الآخرة، وداع يدعوه إلى العاجلة، وهو إنما يجيب أقربهما منه بابا، وأدناهما إليه جوابا - إلى أن قال:
قال حذيفة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا؛ فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء؛ حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسواد مربادًا كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، إلا ما اشرب من هواه؛ وقلب أبيض لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض" فشبه عرض الفتن على القلوب شيئا فشيئا كعرض عيدان الحصير، وهي طاقاتها، وقسم القلوب عند عرضها إلى قسمين: قلب أُشربها كما يشرب السفنج الماء. فنكتت فيه نكتة سوداء؛ ولا يزال يشرب كل فتنة تعرض عليه حتى يسود وينتكس، وهو معنى قوله "كالكوز مجخيا" أي مكبوباً منكوساً فإذا اسود وانتكس عرض له من هاتين الآفتين مرضان خطران متراميان إلى الهلاك؛ أحدهما اشتباه المعروف بالمنكر، فلا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، وربما استحكم عليه هذا المرض حتى يعتقد المعروف منكرا والمنكر معروفاً، والسنة بدعة والبدعة سنة، والحق باطلاً والباطل حقاً؛ والثاني تحكيمه هواه على ما جاء به الرسول، وانقياده للهوى واتباعه له. وقلب أبيض قد أشرق عليه نور الإيمان وأزهر فيه مصباحه، فإذا عرضت عليه الفتنة أنكرها وردها فازداد نوره وقوة إشراقه، والفتن التي تعرض على القلوب هي أسباب مرضها وهي فتن الشهوات وفتن الشبهات، فتن الغي والضلال وفتن المعاصي والبدع، وفتن الظلم والجهل؛ فالأولى توجب فساد القصد والإرادة؛ والثانية توجب فساد العلم والاعتقاد.

وقد قسم الصحابة رضي الله عنهم القلوب إلى أربعة - كما صح عن حذيفة بن اليمان "القلوب أربعة: قلب أجرد فيه سراج يزهر، فذاك قلب المؤمن،؛ وقلب أغلف، فذاك قلب الكافر؛ وقلب منكوس، فذاك قلب المنافق، عرف ثم أنكر وأبصر ثم عمي وقلب يمده مادتان مادة إيمان ومادة نفاق وهو لما غلب عليه منهما" فقوله "قلب أجرد" أي متجرد مما سوى الله ورسوله، فقد تجرد وسلم مما سوى الحق و"فيه سراج يزهر" هو مصباح الإيمان والعلم، فأشار بتجرده إلى سلامته من شبهات الباطل وشهوات الغي؛ وبحصول السراج فيه إلى إشراقه واستنارته بنور العلم والإيمان وأشار بالقلب الأغلف إلى قلب الكافر؛ لأنه داخل في غلافه وغشائه، فلا يصل إليه نور العلم والإيمان؛ كما قال تعالى حاكياً عن اليهود ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ﴾ [البقرة: 88] وهو جمع أغلف وهو الداخل في غلافة؛ وهذه الغشاوة هي الأكنة التي ضربها الله على قلوبهم عقوبة لهم على رد الحق والتكبر عن قبوله؛ فهي أكنة على القلوب ووقر في الأسماع وعمى في الأبصار، وهي الحجاب المستور عن العيون في قوله تعالى ﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا * وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآَنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ﴾ [الإسراء: 45، 46] فإذا ذكر لهذه القلوب تجريد التوحيد وتجريد المتابعة ولى أصحابها على أدبارها نفورا.

وأشار بالقلب المنكوس وهو القلب المكبوب إلى قلب المنافق، كما قال تعالى ﴿ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا ﴾ [النساء: 88] أي نكسهم وردّاهم في الباطل الذي كانوا فيه بسبب كسبهم وأعمالهم الباطلة، وهذا شر القلوب وأخبثها فإنه يعتقد الباطل حقاً ويوالي أصحابه والحق باطلا ويعادي أهله. فالله المستعان.

وأشار بالقلب الذي له مادتان إلى القلب الذي لم يتمكن فيه الإيمان ولم يزهر فيه سراجه، حيث لم يتجرد للحق المحض الذي بعث الله به رسوله، بل فيه مادة منه ومادة من خلافه؛ فتارة يكون الكفر أقرب منه للإيمان وتارة يكون الإيمان أقرب منه للكفر والحكم للغالب وإليه يرجع.

حقيقة مرض القلب:
قال الله تعالى عن المنافقين ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾ [البقرة: 10] الآية وقال تعالى ﴿ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾ [الحج: 53] وقال ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ [الأحزاب: 32] أمرهن ألا يلن في كلامهن كما تلين المرأة المعطية الليان في منطقها فيطمع الذي في قلبه مرض من الشهوة. وقال تعالى ﴿ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الأحزاب: 60] وقال ﴿ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا ﴾ [المدثر: 31] وقال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 57] فهو شفاء لما في الصدور من مرض الجهل والغي. فإن الجهل مرض شفاؤه العلم والهدى، والغي مرض شفاؤه الرشد. وقد نزه الله سبحانه نبيه عن هذين الداءين فقال ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ [النجم: 1 - 3] ووصف النبي صلى الله عليه وسلم خلفاءه بضدهما فقال "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" فجعل سبحانه كلامه موعظة للناس عامة، وهدى ورحمة لمن آمن به خاصة، وشفاء تاما لما في الصدور، فمن استشفى به صح وبرئ من مرضه، ومن لم يستشف به فهو كما قيل:
إذا بلَّ من داءٍ بهِ ظن أنهُ
نجا، وبهِ الداءُ الذي هوَ قاتلُهْ!



وقال تعالى ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82] والظاهر أن "من" ههنا للبيان ال***ي، فالقرآن جميعه شفاء ورحمة للمؤمنين. ولما كان مرض البدن خلاف صحته وصلاحه وهو خروجه عن اعتداله الطبيعي بفساد يعرض له يفسد به إدراكه وحركته الطبيعية، فإما أن يذهب إدراكه بالكلية، كالعمي والصمم والشلل، وإما أن ينقص إدراكه لضعف في آلات الإدراك مع استقامة إدراكه، وإما أن يدرك الأشياء على خلافه ما هي عليه كما يدرك الحلو مراً والخبيث طيبا والطيب خبيثا. أما فساد حركته الطبيعية فمثل أن تضعف قوته الهاضمة أو الماسكة، أو الدافعة؛ أو الجاذبة، فيحصل له من الألم بحسب خروجه عن الاعتدال ولكن مع ذلك لم يصل إلى حد الموت والهلاك؛ بل فيه نوع قوة على الإدراك والحركة. وسبب هذا الخروج عن الاعتدال إما فساد في الكمية أو في الكيفية.

فالأول: إما نقص في المادة فيحتاج إلى زيادتها، وإما زيادة فيها فيحتاج إلى نقصانها.

والثاني: إما بزيادة الحرارة أو البرودة، أو الرطوبة أو اليبوسة أو نقصانها عن القدر الطبيعي؛ فيداوى بمقتضى ذلك، ومدار الصحة على حفظ القوة، والحمية عن المؤذي؛ واستفراغ المواد الفاسدة ونظر الطبيب دائر على هذه الأصول الثلاثة، وقد تضمنها الكتاب العزيز وأرشد إليها من أنزله شفاء ورحمة.

إذا عرف هذا فالقلب يحتاج إلى ما يحفظ عليه قوته، وهو الإيمان وأوراد الطاعات. وإلى حميته عن المؤذي الضار. وذلك باجتناب الآثام والمعاصي وأنواع المخالفات. وإلى استفراغه من المادة الفاسدة التي تعرض له، وذلك بالتوبة النصوح واستغفار غفار الخطيئات.

ومرضه هو نوع فساد يحصل له يفسد به تصوره للحق وإرادته الحق النافع، أو بحب الباطل الضار، أو يجتمعان له، وهو الغالب، ولهذا يفسر المرض الذي يعرض له تارة بالشك والريب. كما قال مجاهد وقتادة. وتارة بشهوة الزنا كما فسر به قوله ﴿ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ [الأحزاب: 32] فالأول مرض الشبهة والثاني مرض الشهوة، والصحة تحفظ بالمثل وبالشبه، والمرض يدفع بالضد وبالخلاف، وهو يقوى بمثل سببه ويزول بضده. والصحة تحفظ بمثل سببها، وتضعف أو تزول بضده.

ولما كان البدن المريض يؤذيه ما لا يؤذي الصحيح من يسير الحر والبرد والحركة؛ ونحو ذلك، كان كذلك القلب إذا كان فيه مرض آذاه أدنى شيء من الشبهة أو الشهوة حيث لا يقدر على دفعهما إذا وردا عليه. والقلب الصحيح القوى يطرقه أضعاف ذلك وهو يدفعه بقوته وصحته.

وبالجملة فإذا حصل للمريض مثل سبب مرضه زاد مرضه وضعفت قوته، وترامى إلى التلف ما لم يتدارك ذلك بأن يحصل له ما يقوى قوته ويزيل مرضه.

ومرض القلب نوعان: نوع لا يتألم به صاحبه في الحال. وهو النوع المتقدم ذكره، كمرض الجهل ومرض الشبهات والشكوك ومرض الشهوات. وهذا النوع هو أعظم النوعين ألما، ولكن لفساد القلب لا يحس بالألم، ولأن سكرة الجهل والهوى تحول بينه وبين إدراك الألم؛ وإلا فألمه حاضر فيه حاصل له؛ وهو متوارٍ عنه باشتغاله بضده، وهذا أخطر المرضين وأصعبهما، وعلاجه إلى الرسل وأتباعهم، فهم أطباء هذا المرض والنوع الثاني مرض مؤلم له في الحال كالهم والغم والحزن والغيظ، وهذا المرض قد يزول بأدوية طبيعية مثل إزالة أسبابه أو المداواة بضد تلك الأسباب ويدفع موجبها مع قيامها، وهذا كما أن القلب يتألم بما يتألم منه البدن؛ ويشفى بما يشفى به البدن، فأمراض القلب التي تزول بالأدوية الطبيعية من *** أمراض البدن، وقد لا توجب وحدها شقاؤه وعذابه بعد الموت، وأما أمراضه التي لا تزول إلا بالأدوية الإيمانية النبوية فهي التي توجب له الشقاء والعذاب الدائم إن لم يتداركها بأدويتها المضادة لها فإذا استعمل تلك الأدوية حصل الشفاء، فالهم والغم والحزن أمراض القلب وشفاؤها بأضدادها من الفرح والسرور؛ فإن كان ذلك بحق اشتفى القلب وصح وبرئ من مرضه وإن كان بباطل توارى واستتر ولم يزل، وأعقب أمراضاً هي أصعب وأخطر؛ وكذلك الجهل مرض يؤلم القلب، فمن الناس من يداويه بعلوم لا تنفع ويعتقد أنه قد صح من مرضه بتلك العلوم، وهي في الحقيقة إنما تزيده مرضاً إلى مرضه، لكن القلب اشتغل بها عن إدراك الألم الكامن فيه بسبب جهله بالعلوم النافعة التي هي شرط في صحته وبرئه. قال النبي صلى الله عليه وسلم في الذين أفتوا بالجهل فهلك المستفتي بفتواهم "***وه ***هم الله. ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال" فجعل الجهل مرضا وشفاءه سؤال أهل العلم. وكذلك الشاك في الشيء المرتاب فيه يتألم قلبه حتى يحصل له العلم واليقين. ولما كان ذلك يوجب له حرارة، قيل لمن حصل له اليقين: ثلج صدره وحصل له برد اليقين. وكذلك يضيق بالجهل والضلال عن الطريق صدره؛ وينشرح بالهدى والعلم. قال تعالى ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الأنعام: 125].

انتهى ما أردته من إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان للشيخ ابن القيم - رحمه الله - ببعض اختصار.

ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل القرآن العظيم شفاء قلوبنا، وجلاء همنا، وذهاب حزننا وغمنا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 23-07-2014, 09:32 PM
الصورة الرمزية عزتى في دينى
عزتى في دينى عزتى في دينى غير متواجد حالياً
مشرفة سابقة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 1,571
معدل تقييم المستوى: 12
عزتى في دينى will become famous soon enough
افتراضي

جزاكم الله خير الجزاء
__________________

^-^بخِمارى انا ملكه ^-^

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 11:07 AM.