اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-01-2014, 02:33 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي وقفات في حياة الانسان


وقفات في حياتنا

ساعات .. لحظات .. وتبدأ الصرخات منك أيها الإنسان .. ضعيف عاجز , لا حول لك ولا قوة , لا تستطيع إطعام نفسك , لا تستطيع دفع الأذى عن نفسك .وتكبر أيها الإنسان وتنسى هذه اللحظات , لكنها حتماً ليست ملغية من حياتك .. محطة وقفت بها .. يجب أن لا تنسى .. فعد إليه في ذكرياتك وتذكرها

__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30-01-2014, 02:39 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

( الوقفة الأولى : ماذا كنت أيها الإنسان ؟؟)

قال تعالى : { " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً "} الإنسان (1)
هل أتى ؟ سؤال استفهام تقرير ورد في سورة الإنسان , ليسأل كل إنسان نفسه ويتذكر " لم يكن شيئاً مذكوراً " ثم أكرمه الله وخلقه وجعله شيئاً مذكوراً .
ما الشكر الذي يوازي هذه النعمة ؟؟؟
هذه وقفة مهمة يقفها الإنسان في أول محطة من محطات الحياة .. ويجب أن لا تنسى .
هل أدى شكر هذه النعمة ؟؟؟

( الوقفة الثانية :كلنا من آدم وآدم من تراب : )

قال الله تعالى : { " خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها .." }الزمر (6)
جميع الخلق خلقوا من نفس واحدة وهو آدم عليه السلام وزوجته حواء . مع اختلاف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم .
( إذن )ما الفرق بينك وبين بقية البشر ؟؟؟
سؤال لابد أن تجيب عليه كل نفس بتجرد تام من جميع الأهواء الدنيوية , لتدرك أنه لا فرق .
محطة يقف بها الإنسان ويجب أن لا تنسى حتى لا يتكبر ولا يتعالى على إخوانه من البشر .
إذ لا تفاضل بينهم إلا بالتقوى كما قال رسول البشرية صلى الله عليه وسلم .
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 30-01-2014 الساعة 03:06 AM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30-01-2014, 02:51 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

( الوقفة الثالثة : في ظلمات ثلاث )
قال الله تعالى : { " .. يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون "} الزمر (6)
يخلق الله الإنسان في بطن أمه خلقاً بعد خلق . نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم يخلق فيكون لحماً وعظماً وعصباً وعروقاً وينفخ فيه الروح فيصير خلقاً آخر .
كل ذلك يحدث في ظلمات ثلاث : ظلمة الرحم , والمشيمة , والبطن .
محطة يتوقف فيه الإنسان .. ليتأمل كل إنسان خلق في أحست تقويم , يخلق في ظلمات ثلاث . سبحان الله المبدع . وقال سبحانه : { " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة * فخلقنا المضغة عظاما , فكسونا العظام لحما , ثم أنشأناه خلقاً آخر , فتبارك الله أحسن الخالقين * ثم إنكم بعد ذلك لميتون * ثم إنكم يوم القيامة تبعثون " }.
فاستوعب سبحانه ذكر أحوال ابن آدم قبل كونه نطفة بل تراب وماء , إلى حين بعثه يوم القيامة .

( الوقفة الرابعة : إنسان ضعيف وعاجز لولا هذه النعمة !!!)

ساعات .. لحظات .. وتبدأ الصرخات منك أيها الإنسان .. ضعيف عاجز , لا حول لك ولا قوة , لا تستطيع إطعام نفسك , لا تستطيع دفع الأذى عن نفسك .
وتكبر أيها الإنسان وتنسى هذه اللحظات , لكنها حتماً ليست ملغية من حياتك .. محطة وقفت بها .. يجب أن لا تنسى .. فعد إليه في ذكرياتك وتذكرها .. تخيل نفسك في تلك الصورة ..
واستشعر في أعماق نفسك كم هو جميل أن من الله عليك بكثير من النعم .

يروى أن أحد الآباء طلب من ولده أن يأخذه إلى أحد الأماكن للنزهة , وطلب منه أن يحضر معه شيئاً من الفاكهة . فلما وصلا إلى المكان , صعد الأب -وهو شيخ كبير- وأخذ الفاكهة من ولده كأنه يأكل , ثم أسقطها , فقام الابن يجمعها , وجاء بها إلى أبيه فكرر الأب ذلك العمل , فغضب الابن وصرخ في وجه أبيه . فقال الأب : يا ولدي : لقد كنت تفعل ذلك وأنت صغير , وكنت أنزل مرات وكرات إلى هذا المكان بالذات وأصعد لكي أحضر لك الفاكهة وأنا أضحك لك وألاعبك , وأنت اليوم تصرخ في وجهي متأففاً غاضباً , فأنظر الفرق بين ما كنت أعمله لك وما تعمله أنت لي .
فانتبه أيها الإنسان .. عقوق الوالدين له عقوبة عاجلة في الدنيا غير آجلة ..
قي هذه المحطة التي يجب أن لا تنسى بر الوالدين يتزود منه بزادٍ يوصله إلى أعظم مبتغى وهو سعادة الدارين .

( الوقفة الخامسة : الحياة الطيبة ..)

{ قال ابن قيم الجوزية : }

قد جعل الله الحياة الطيبة لأهل معرفته ومحبته وعبادته . فقال تعالى : { " من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "} . سورة النحل آية 97
وقد فسرت ( (( الحياة الطيبة ))) بالقناعة والرضى والرزق الحسن وغير ذلك . والصواب : أنها حياة القلب ونعيمه وبهجته وسروره بالإيمان ومعرفة الله ومحبته والإنابة إليه والتوكل عليه . فإنه لا حياة أطيب من حياة صاحبها . ولا نعيم فوق نعيمه إلا نعيم الجنة كما كان بعض العارفين يقول : إنه لتمر بي أوقات أقول فيها : إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب . وقال غيره : إنه ليمر بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً .
وإذا كانت حياة القلب حياة طيبة تبعته حياة الجوارح . فإنه ملكها ولهذا جعل الله المعيشة الضنك لمن أعرض عن ذكره . وهي عكس الحياة الطيبة .
وهذه الحياة الطيبة تكون في الدور الثلاث أعنى : دار الدنيا , ودار البرزخ , ودار القرار .

والمعيشة الضنك أيضاً تكون في الدور الثلاث . فالأبرار في النعيم هنا وهناك , والفجار في الجحيم هنا وهناك . قال الله تعالى : { " اللذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير " }. سورة النحل آية 30 . وقال تعالى : { " وإن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه . يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله "} سورة هود آية 3 . فذكر الله سبحانه وتعالى ومحبته وطاعته والإقبال عليه : ضامن لأطيب الحياة في الدنيا والآخرة . والإعراض عنه والغفلة ومعصيته : كفيل بالحياة المنغصة والمعيشة الضنك في الدنيا والآخرة .
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 30-01-2014 الساعة 03:09 AM
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 30-01-2014, 07:38 AM
الصورة الرمزية mhz2000
mhz2000 mhz2000 غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 180
معدل تقييم المستوى: 15
mhz2000 is on a distinguished road
Icon114


__________________
أستغفر الله العلى العظيم من كل ذنب الذى لا إله إلا هو الحى القيوم وأتوب إليه
عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30-01-2014, 12:40 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mhz2000 مشاهدة المشاركة



جزاكم الله خيرا
__________________
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30-01-2014, 01:17 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

( الوقفة السادسة : أقسام الخلائق بالنسبة لقبول دعوته صلى الله عليه وسلم . )

{ قال ابن قيم الجوزية في رسالته زاد المهاجر إلى ربه :}

وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أقسام الخلائق بالنسبة إلى دعوته وما بعث به من الهدى في قوله صلى الله عليه وسلم : ( " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم : كمثل غيث أصاب أرضاً فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير . وكانت منها أجادب أمسكت الماء فسقى الناس وزرعوا , وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ . فذلك مثل من فقه في الدين فنفعه ما بعثني الله به , ومثل من ولم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به " ).
فشبه صلى الله عليه وسلم العلم الذي جاء به بالغيث لأن كلا منهما سبب الحياة , فالغيث سبب حياة الأبدان , والعلم سبب حياة القلوب . وشبه القلوب بالأودية كما في قوله تعالى : { ( أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها )} . الرعد آية 17 .

( وكما أن الأرضين ثلاثة بالنسبة إلى قبول الغيث)
{ إحداها} .. أرض زكية قابلة للشرب والنبات , فإذا أصابها الغيث ارتوت , ومنه يثمر النبت من كل زوج بهيج .
فذلك مثل القلب الزكي الذكي , فهو يقبل العلم بذكائه , فيثمر فيه وجوه الحكم ودين الحق بذكائه , فهو قابل للعلم مثمر لموجبه وفقهه وأسرار معادنه .
{ والثانية }.. أرض صلبه قابلة لثبوت ما فيها وحفظه , فهذه تنفع الناس لورودها والسقي منها والازدراع .
وهو مثل القلب الحافظ للعلم الذي يحفظه كما سمعه فلا تصرف فيه ولا استنباط , بل للحفظ المجرد فهو يؤدي كما سمع وهو القسم الذي قال الني صلى الله عليه وسلم : ( " فرب حامل فقه إلى من هو أفقه , ورب حامل فقه غير فقيه ") .
( فالأول) : كمثل الغني التاجر الخبير بوجوه المكاسب والتجارات فهو يكسب بماله ما شاء .
( والثاني ): مثل الغني الذي لا خبرة له بوجوه الربح والمكسب ولكنه حافظ لما يحسن التصرف والتقلب فيه .
{ والأرض الثالثة} .. أرض قاع وهو المستوي الذي لا يقبل النبات ولا يمسك ماء فلو أصابها من المطر ما أصابها لم تنتفع منه بشيء .
فهذا مثل القلب الذي لا يقبل العلم والفقه والدراية وإنما هو بمنزلة الأرض البوار التي لا تنبت ولا تحفظ وهو مثل الفقير الذي لا مال له ولا يحسن أن يمسك مالا.
{ فالأول} : عالم مُعَلِّم , وداع إلى الله على بصيرة فهذا من ورثة الرسل .
{ والثاني} : حافظ مؤد لما سمعه فهذا يحمل لغيره ما يتجر به المحمول إليه ويستثمر .
{ والثالث} : لا هذا ولا هذا فهو الذي لم يقبل هدى ولم يرفع به رأساً .
فاستوعب هذا الحديث أقسام الخلق في الدعوة النبوية ومنازلهم منها قسمان : قسم سعيد وقسم شقي .


( الوقفة السابعة : أصحاب السنة تحيا بهم البلاد )
{ عن الفضيل بن عياض – رحمه الله - أنه قال :} " إن لله عباداً يحيي بهم البلاد , وهم أصحاب السنة " . وقال آخر : " من ألزم نفسه آداب السنة , غمر الله قلبه بنور المعرفة , ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب في أوامره , وأفعاله وأخلاقه , والتأدب بآدابه , قولاً وفعلاً ونيةً وعقداً " .
ومتى حافظ المسلم على السنة محافظته على الطعام والشراب الذي به قوام البدن , غمرته الفوائد الدينية والدنيوية . ( كما قال ابن قدامة – رحمه الله - ): " وفي إتباع السنة بركة موافقة الشرع , ورضى الرب سبحانه وتعالى , ورفع الدرجات , وراحة القلب , ودعة البدن , وترغيم الشيطان , وسلوك الصراط المستقيم ) .


( الوقفة الثامنة : أعظم الإضاعات .. إضاعة القلب والوقت : )

{ يقول ابن القيم في ( الفوائد ) :} " إن أعظم الإضاعات إضاعتان هما أصل كل إضاعة : إضاعة القلب , وإضاعة الوقت ..فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة , وإضاعة الوقت من طول الأمل , فاجتماع الفساد كله في إتباع الهوى وطول الأمل , والصلاح كله في إتباع الهدى والاستعداد للقائه ".
ويقول ابن الجوزي : " على الإنسان أن يعرف شرف زمانه وقيمة وقته , وأن لا يضيع منه شيئاً إلا يقربه , وليأخذ بالأفضل فالأفضل في الأقوال والأفعال , ولتكن نيته قائمة بلا فتور , كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم :( " نية المؤمن خير من عمله ")
__________________
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30-01-2014, 01:20 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

( الوقفة التاسعة : الفرق بين المتحدث بنعم الله والفخر بها .. )

أن المتحدث بالنعمة .. مخبر عن صفات وليها ومحض جوده وإحسانه , فهو مثنٍ عليه بإظهارها والتحدث بها شاكراً له , ناشراً لجميع ما أولاه مقصوده بذلك إظهار صفات الله ومدحه والثناء , وبعث النفس على الطلب منه دون غيره وعلى محبته ورجائه فيكون راغباً إلى الله بإظهار نعمه ونشرها والتحدث بها .
وأما الفخر بالنعم .. فهو أن يستطيل بها على الناس ويريهم أنه أعز منهم وأكبر , فيركب أعناقهم ويستعبد قلوبه ويستميلها إليه بالتعظيم والخدمة . { قال النعمان بن بشير }: " إن الشيطان مصالى وفخوخاً وإن من مصاليه وفخوخه البطش بنعم الله والكبر على عباد الله والفخر بعطية الله والهون في غير ذات الله " . من كتاب الروح لابن القيم .

( الوقفة العاشرة : الفرق بين الصبر والقسوة )
أن الصبر.. خلق كسبي يتخلق به العبد , وهو حبس النفس عن الجزع والهلع والتشكي , فيحبس النفس عن التسخط , واللسان عن الشكوى , والجوارح عما لا ينبغي فعله , وهو ثبات القلب على الإحكام القدرية والشرعية .
وأما القسوة .. فيبس في القلب يمنعه من الانفعال وغلظة تمنعه من التأثر بالنوازل , فلا يتأثر لغلظته وقساوته لا لصبره واحتماله .
وتحقيق هذا أن القلوب ثلاثة :
{ ( قلب قاسٍ )} غليظ بمنزلة اليد اليابسة . و{ ( قلب مائع )} رقيق جداً .
فالأول : لا ينفعل بمنزلة الحجر . والثاني : بمنزلة الماء . وكلاهما ناقص .
وأصح القلوب ( القلب الرقيق ) الصافي الصلب . فهو يرى الحق من الباطل بصفائه ويقبله . ويؤثره برقته , ويحفظه ويحارب عدوه بصلابته .
وفي الأثر " القلوب آنية الله في أرضه فأحبها إليه أرقها وأصلبها وأصفاها " وهذا القلب الزجاجي فإن الزجاجة جمعت الأوصاف الثلاثة .
وأبغض القلوب إلى الله القلب القاسي . قال تعالى : { ( فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله )} وقال تعالى : { ( ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة )} وقال تعالى : ({ ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم )} . فذكر القلبين المنحرفين عن الاعتدال , هذا بمرضه وهذا بقسوته , وجعل إلقاء الشيطان فتنة لأصحاب هذين القلبين , ورحمة لأصحاب القلب الثالث وهو القلب الصافي الذي ميز بين إلقاء الشيطان وإلقاء الملك بصفائه وقبل الحق بإخباته ورقته , وحارب النفوس المبطلة بصلابته وقوته . فقال تعالى عقيب ذلك :{ ( وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم )} . من كتاب الروح لابن القيم

قال العلماء : على أصحاب القلوب القاسية أن يعالجوها بثلاثة أمور :

{ الأول }: الإقلاع عما هي عليه .. بحضور مجالس العلم بالوعظ والتذكير والتخويف والترغيب وأخبار الصالحين .
{ الثاني} : ذكر الموت .. فيكثر من ذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات وميتم البنين والبنات .
{ الثالث} : مشاهدة المحتضرين .. فإن النظر إلى الميت ومشاهدة سكراته ونزعاته ما يقطع عن النفوس لذتها , ويطرد عن القلوب لذاتها .

( الوقفة الحادية عشر : أيها الإنسان من يشفيك إذا مرضت , ومن يغنيك إذا افتقرت ؟؟؟)

قال الله تعالى في سورة الشعراء آية 80 : { " وإذا مرضت فهو يشفين " }.
عجباً يا ابن آدم فنسمة هواء عابرة كفيلة بأن تنقلك من عالم الأصحاء إلى عالم المرضى . حينها ستجد نفسك تفقد حواسك تدريجياً ولو لوقت محدد .. فالزكام سينتشل حاسة الشم أولاً , ثم سيتأثر سمعك , وستقلب ناظريك يميناً وشمالاً كالمذهول .. رباه ما الذي أحالني إلى ذلك ؟
ستتمتم قائلاً : تباً لها من نسمة عابرة !!!
ستعيش يوماً أو ربما أكثر بين أكوام الأدوية , ونسيت أنها لن تغني عنك شيئاً , ولن تصل بك إلى مصاف الأصحاء إن لم يأذن المولى بذلك فهو الوحيد الذي يقدر أن يعيد لك عافيتك بعد أن سلبك إياها ..
وقال تعالى في سورة القصص آية 24 : { " رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير " }.
إلهي .. سأظل أنا ذلك الضعيف مهما بلغ بي الجبروت , ومن أنا سوى عبد يرجو رحمتك , ويبتغي تنفس رضاك , فمن لي سواك يا خالقي مهما أسبغت علي من نعمك . سأظل فقيراً .. فالفقر لك يا خالقي أصل العزة والافتخار .. فأنت المتفضل علي .. وكيف يحلو الفقر إن لم يكن إليك ؟!!
فأدم إلهي علي نعمة الفقر إلى رحمتك وعفوك ورضاك .. فالفقر لك شهد لن يتذوقه من لم يأنس بقربك .. فياليت قومي يعلمون ..


__________________
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30-01-2014, 01:22 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

( الوقفة الثانية عشر : الدعاء مع البلاء ثلاث ..)

{ قال ابن القيم – رحمه الله –} في كتابه / الجواب الكافي .
والدعاء من أنفع الأدوية , وهو عدو البلاء , يدافعه ويعالجه , ويمنع نزوله , ويرفعه , أو يخففه إذا نزل , وهو سلاح المؤمن , كما روى الحاكم في صحيحه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( " الدعاء سلاح المؤمن , وعماد الدين , ونور السموات والأرض ") .

وله مع البلاء ثلاث مقامات :
{ أحدها} : أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه .
{ الثاني} : أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء , فيصاب العبد ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفاً .
{ الثالث} : أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه .
وقد روى الحاكم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها , قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( " لا يغني حذر من قدر , والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل , وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة ") .
وفيه أيضاً من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( " الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل , فعليكم عباد الله بالدعاء ") .
وفيه أيضاً من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( " لا يرد القدر إلا الدعاء , ولا يزيد في العمر إلا البر , وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ") .
يا رب .. كيف أدعوك وأنا عاصٍ .. وكيف لا أدعوك وأنت كريم .


( الوقفة الثالثة عشر : الاستغفار .. أمان من العذاب )
يا أسفي على من يُستغفَر له فوق السماء وهو غافل عن الاستغفار لنفسه , والتوبة إلى الله ..
كيف لا ؟؟؟
وقد قال الله جلت عظمته :{ " الَّذِينَ يَحمِلُونَ العَرشَ وَمَنْ حَولَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمدِ رَبِهِمْ وَيُؤمِنُونَ بِهِ وَيَستَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيءٍ رَّحمَةً وَعِلماً فَاغْفِر لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلهُمْ جَنَّاتِ عَدنٍ التِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ أبَائِهِمْ وَأَزوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ أِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَومَئِذٍ فَقَدْ رَحِمتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ " }. غافر آية 7-9
وقال تعالى : { " وَالمَلآئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغفِرُونَ لِمَن فِي الأَرضِ أَلاَ إِنَّ اللهَ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ "} الشورى آية 5
{ (( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ))}

قال أبو موسى – رحمه الله – قد كان فيكم أمانان . قوله تعالى : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم . وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " الأنفال آية 33
أحسبه قال : أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى لسبيله , وأما الاستغفار فهو كائن بينكم إلى يوم القيامة . تاريخ بغداد _ للخطيب البغدادي .

__________________
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30-01-2014, 01:24 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

( الوقفة الرابعة عشر : من وصايا السلف : )

قال رجل لسفيان الثوري : أوصني ؟ قال : اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها وللآخرة بقدر بقائك فيها , والسلام .
وقال يحيى بن معاذ : لست آمركم بترك الدنيا , آمركم بترك الذنوب . ترك الدنيا فضيلة وترك الذنوب فريضة , وأنتم إلى إقامة الفريضة أحوج منكم إلى الحسنات والفضائل .
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله – في شرح المنتقى : إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هذا الدعاء .
( اللهم إني أسألك الثبات في الأمر , والعزيمة على الرشد , وأسألك حسن عبادتك , وشكر نعمتك , وأسألك قلباً سليماً , ولساناً صادقاً , وأسألك من خير ما تعلم , وأعوذ بك من شر ما تعلم , واستغفرك مما تعلم , وأنت علام الغيوب ) .

( الوقفة الخامسة عشر : وداعاً .. قرب الرحيل : )

بكى سفيان الثوري – رحمه الله – ليلة إلى الصباح , فلما أصبح قيل له :
أكل هذا خوفاً من الذنوب ؟
فأخذ تبنة من الأرض وقال : الذنوب أهون من هذه وإنما أبكي من سوء الخاتمة .
وهذا من أعظم الفقه : أن يخاف الرجل أن تخدعه ذنوبه عند الموت , فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنى . الجواب الكافي .. لأبن القيم الجوزية
من قصيدة للإمام أبي القاسم الزمخشري – رحمه الله- :
{ قرب الرحيل إلى ديار الآخرة ... فاجعل إلهي خير عمري أخره
وارحم مبيتي في القبور ووحدتي ... وارحم عظامي حين تبقى ناخره
فأنا المسكين الذي أيامه ... ولت بأوزار غدت متواتره
فلئن رحمت فأنت أكرم راحم ... فبحار جودك يا ألهي زاخره
}


__________________
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 30-01-2014, 01:33 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي



وقفة مع النفس

عَلَى بَابِ رَبِّي طَرَقْتُ خَفِيفًا --- وَإِذْ بَابُ رَبِّي مَلاَذٌ مُبَاحْ
فَتَحْتُ وَلَجْتُ وَفِي النُّوْرِ أَمْشِي --- وَعَيْنٌ تَرَانِي وَلَيْلٌ يُزَاحْ
فَخِلْتُ بِأَنِّي بَلَغْتُ مُرَادِي --- وَإِذْ بِظَلاَمٍ يُغَطِّي البَرَاحْ
فَذُو النُّونِ نُجِّيَ مِنْ جَوْفِ حُوْتٍ --- وَفِي الْجَوْفِ كَانَ ظَلاَمٌ صُرَاحْ
فَلَم يَطْعَمِ اللَّحْمَ وَالْعَظْمَ سُحْقًا --- كَمَا كَانَ يَفْعَلُ كُلَّ اصْطِبَاحْ
أَيَا مُنْقِذًا قَوْمَ نُوْحٍ بِفَيْضٍ --- وَفِي الْغَيْضِ كَانَ الْهُدَى وَالسَّمَاحْ
وَتُفْدِي الصَّبيَّ بِكَبْشٍ حَنِيذٍ --- فَسِكِّينُ يَأْبَى وَجِبْرِيلُ صَاحْ
بِكُلِّ الصِّفَاتِ دَعَوْتُكَ رَبِّي --- تُزِيحُ الظَّلاَمَ بِنُورِ الْفَلاَحْ
رَجَوْتُكَ رَبِّي بِأَلاَّ تَكِلْنِي --- بِلاَ رَدْعِ نَفْسٍ وَكَبْحِ جِمَاحْ
أَرَاهَا إِلَى السَّهْلِ تُدْنِي نَدَاهَا --- وَتَعْبَسُ لَوْ أَمْرُهَا يُسْتَبَاحْ
وَفِيهَا الطُّفُولَةُُ مِنْ غَيْرِ وَعْيٍ --- فَلاَ الطِّفْلُ بَاحَ، وَلاَ الطَّيْرُ نَاحْ
دَعَوْتُكَ يَا رَبِّ أَنِّي مَرِيضٌ --- بِدَاءٍ جَهُولٍ عَنِيدِ الرَّوَاحْ
وَلَيْتَ وَصَلْتُ لِضَوْءٍ يُعِينُ --- فَلاَ اللَّيْلُ وَلَّى، وَلاَّ الْفَجْرُ لاَحْ
وَأَنْتَ الطَّبِيبُ تُدَاوِي الْعَلِيلَ --- وَتَمْلِكُ بُرْءًا لِكُلِّ الْجِرَاحْ
وَأَنْتَ الْمُؤَدِّبُ فِي كُلِّ حَالٍ --- عَلَيْكَ اتِّكَالِي وَمِنْكَ الصَّلاَحْ






__________________
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 02-02-2014, 09:09 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وقفة مع النفس (1)

مصطفى مهدي
الحمد لله الذي خَلَق النفوس وسوَّاها، وألهمها فجورَها وتقواها، فأفلح مَن زكَّاها، وخاب مَن دسَّاها، والصَّلاة والسلام على مَن أرسله الله - تعالى - بالهُدى ودِين الحقِّ، فأذهب به أوضارَ النفوس، وأنار به ظلامَ العقول.

أمَّا بعد:
فإنَّ النفس البشريَّة شأنها شأن كلِّ مخلوق، عُرضة للأدران والأمراض والعلل، وكذلك صالحةٌ للضدِّ من ذلك باكتساب السُّلوك الحسن، والخلق القويم؛ لذلك ذَكَر الله - تعالى - أنَّ الفلاح لِمَن زكَّى نفسه بالإيمان والعمل الصَّالح، والخسارة لِمَن باعها، وبخسَها حقَّها، وخذَلَها بالسُّلوك الشائن، والطِّباع الحيوانيَّة، دون الترقِّي للخصال النبويَّة والملائكيَّة، فالنَّفس صالحة للضدَّيْن، والعبد ما بين بائعٍ نفسه، فمُعتِقُها أو موبقها.

ومن المعلوم أنَّ التَّزكية قبلَ التَّحلية، فمن أراد نقش الخُلُق الكريم، واكتِساب السلوك القويم، فما عليه إلاَّ تنقيح مناط نفسه، فيُهذِّبها عن غيِّها وبغيها، ويجعلها بيضاءَ نقيةً، قابلةً للتَّحلية بِجواهر الشِّيم الكريمة، وأكاليل الطِّباع الجميلة.

ومن الأحوال العارضة للنَّفس حال "الغِلّ"، فالنَّفس البشريَّة قد تتَّصف به في مواطنَ كثيرة، وأحوال مختلفة.

ولكن ما الغِلُّ؟ وما حقيقتُه وأسبابه؟ وما آثارُه السلوكيَّة على النَّفس التي تتَّصف به؟ وهل الغِلُّ كلُّه مذموم؟ وما موقف الشَّرع منْه؟ وكيف يُعالج؟

وهذا ما سنعْرِفه - بإذن الله تعالى - وعونِه وتوفيقه، من خلال العَرض التَّالي، فيُقال:
"الغلّ": نقَل أهل اللُّغة له معانيَ، فقال ابن فارس: "الغين واللام أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تَخلّل شيءٍ، وثباتِ شيء، كالشَّيء يُغْرَزُ، من ذلك قول العرب: غَلَلْت الشَّيء في الشَّيء، إذا أثبتَّه فيه، كأنَّه غَرزْته؛ قال امرؤ القيس:
وَعَيْنٌ لَهَا حَدْرَةٌ بَدْرَةٌ
إِلَى حَاجِبٍ غُلَّ فِيهِ الشُّفُرْ



ومن الباب: الغِلُّ، وهو الضِّغْن ينْغَلُّ في الصَّدر"[1].
وقال في القاموس:
"الغُلُّ والغُلَّةُ - بضمِّهما - والغَلَلُ محرَّكةً، وكأَميرٍ: العَطَشُ، أو شِدَّتُه، أو حَرارةُ الجَوْف، وقد غُلَّ بالضم، فهو غَليلٌ ومَغْلولٌ ومُغْتَلٌّ، وبعيرٌ غالٌّ وغلاَّن، وقد غَلَّ يَغَلُّ بفتحهما واغْتَلَّ، والغَليلُ: الحِقْدُ، كالغِلِّ بالكَسر، والضِّغْن، وقد غَلَّ صدْرُه يَغِلُّ"[2].

وقال في لسان العرب:
"الغِلُّ بالكَسر، والغَلِيلُ: الغِشُّ، والعَداوة والضِّغْنُ، والحقْد والحسد"[3].
فبالنَّظر في هذا النَّقل يمكن أن نقول: إنَّ "الغل" هو العداوة المتغلْغِلة في القلْب، والعداوة هي كراهيةٌ يُصاحبها رغبةٌ في الانتِقام من الشَّخص المكروه، إلى حدِّ إفنائه وإلغائه من الوجود[4].

وبالنَّظر في هذا التَّوصيف للغِلّ، يمكن أن يُقال: إنَّ هذا الإحساس القلبي لا يلزم أن يكون مذمومًا إذا ما تلبَّس المرء به؛ لأنَّ هذا الأثر لا بدَّ له من مؤثِّر، وسبب مهيّج له، وهذا السَّبب قد يكون سببًا صحيحًا مقبولاً، وقد يكون العكس.

وبالنَّظر في الموارد الشَّرعيَّة يمكن أن نُبرهنَ على ذلك، فأقول - إجمالاً -: إنَّ الشَّرع قد ذكر الغِلَّ في مواضعَ، وذكر أهل الجنَّة، وأنَّ الله - تعالى - قد نزعَ ما في قلوبِهم من غِلٍّ؛ قال - تعالى -: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا ﴾ [الأعراف: 43].

وذَكَر أهلَ الإيمان، وأنَّهم لا يحملون لإخوانهم من المؤمنين غلاًّ، بل يدْعون ربَّهم بألاَّ يكون في صدورِهم غلٌّ للَّذين آمنوا؛ ﴿ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

فقَصْرُهم تطهيرَ النَّفس من الغِلّ تجاهَ الذين آمنوا يُفيد بمفهومه أنَّه لا بأس بالغلِّ تجاه الَّذين كفروا، ولعلَّه موافق لمعنى الغلِّ في اللغة.

وأمَّا نزْع الغلّ من قلوب أهل الجنَّة كلّيَّةً بلا تفصيل، فإنَّ ذلك لأنَّ الجنَّة ليس فيها إلاَّ أهلُ الإيمان، فلا محلَّ للغِلِّ بالكلّيَّة، أو يُحمل الغِلّ الَّذي نُزع من أهل الجنَّة على الغِلِّ الَّذي كان لأهل الكفْر في الدُّنيا؛ لأنَّ الأصل ألاَّ يكون هناك غِلٌّ بين المؤمنين في حال سلامة النّفوس من العوارض والأمْراض.

ومن الألفاظ التي تُقارب معنى الغِلّ: الحقد والضغن:
والحقد - كما قال ابن منظور -:
"إمساك العداوة في القلْب والتربُّص لِفُرصَتِها، والحِقْدُ: الضِّغْنُ "[5].

وقال الشَّيخ حبنكة الميداني في كتابه "الأخلاق الإسلامية":
"والحقد هو العداوة الدفينة في القلْب، والعداوة هي كراهية يصاحبُها رغبة بالانتقام من الشخص المكروه إلى حدِّ إفنائه وإلغائِه من الوجود.

ومن مرادفات الحقد تقريبًا: كلمة الغِلّ، فالغِلُّ العداوة المتغلغلة في القلب، ومن مرادفاته: الضِّغن والشَّحناء، فهي جَميعها كلماتٌ تدور حولَ معنى واحد، أو معانٍ متقاربة، ترجع بوجه عام إلى معنى العداوة مع بعض فروق في الدّلالات".

حكم الغلّ:
لا يمكن قصْر الحُكم التَّكليفي للغِلّ في وجه واحد؛ وهذا بسبب أنَّ الغلَّ ليس كلُّه مذْمومًا؛ لأنَّ مردَّه إلى العداوة، والعداوة ليستْ كلّها مذْمومةً، بل مراتبُ ودرجاتٌ، وبالنَّظر في التَّفصيل المبنيّ على اختِلاف الأحوال يُمكن أن يقال:
إنَّ الغلَّ يعتريه الأحكام التكليفيَّة الخمسة، بل لا أُعَدُّ مبالِغًا إذا قلتُ: إنَّ الغلَّ، ونحوه من الأحاسيس القلبيَّة قد تعتبر نوعًا من الأحكام الوضْعية الخاصَّة الدَّقيقة، والَّتي عند إحساس المرْء بها يوجدُ حُكمٌ تكليفيٌّ، فهي إحساس معرِّف للحُكم كردِّ فعْل تجاه السَّبب الَّذي أثار الغِلَّ في القلْب.

مثال ذلك: رؤيةُ الكافر ي*** أبناءَ المسْلمين ونساءَهم وأطفالهم ظُلمًا وعدوانًا، سببٌ لإيجاد الغِلِّ في القلب، وهذه الحالة من الغليان القلْبي علمٌ مُرشد إلى حكمٍ تكليفيٍّ، وهو وجوب التحرُّك لصدِّ العدوان، وإنقاذ الإخوان، وستْر أعراض النِّسْوان، في شتَّى بقاع المسلمين والبلدان.

فالشُّعور بالعداوة تجاه فردٍ من الأفراد يَنمُّ عن حُكم مبني على تلك العداوة؛ فإمَّا التَّحريم من الانسياق خلفَ آثارها، وإمَّا الوجوب، فالغِلُّ قد يكون واجبًا، وقد يكون محرَّمًا، وهذا مناطُه الأدلَّة الشرعيَّة المانعة من العداوة، أو الحاثَّة عليها؛ للحِكَم البالغة، والغايات المحمودة المترتبة على ذلك.

فالغِلّ كالولاءِ والبراء، وكهجران العُصاةِ، ونحو ذلك من الأمور التي تختلف أحوالها.

ولكنْ في سوى هاتين الحالتين؛ فالأَوْلَى أن يجاهدَ المرء المسلمُ نفسَه في التحلِّي بالتخلِّي عن هذا الخُلق، وحمْل نفسه على ربوة المكارم والشِّيم، فيعتليها ويرتقيها، حتى تصبوَ لحاقه فلا تدانيه، وهكذا يكون الموحِّد الَّذي دِينُه الإسلام، وكتابُه القُرآن، ورسوله محمَّدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم.

أسباب الغلّ وآثاره:
فإذا كان الغلُّ من الأعمال القلبيَّة التي تستثير نارها العداوة، فالبحثُ حينئذٍ في الغِلِّ من وجهين: أسبابه، وآثاره السلوكيَّة.

فيُقال: إنَّ العداوة بين بني الإنسان من الأحوال الجبليَّة في الجُملة، ولها أسبابٌ كثيرة، ودوافعُ متعدِّدة ومتنوِّعة؛ فمنها المشْروع الَّذي لا يَقْبُح شرعًا ولا عقْلاً، ومنها الَّذي يَقبُح شرعًا وعقلاً.

فالمذْموم منها الَّذي لا يتعلَّق به صلاحٌ ديني وأُخروي، وإن كان يتعلَّق به صلاحٌ دنيوي، كالصِّراع على المال والجاه والسُّلطة؛ لإرواء النَّفس، وإرضاء شهوتِها في الجمْع والمنْع؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾ [المعارج: 19 - 21].

وقال - جلَّ وعلا -: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ * وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾ [العاديات: 6 - 8].

فالغِلُّ الذي يؤدِّي إلى الوقوع في المحرَّمات بالقتْل والسَّرقة، والغشِّ والخداع، والاعتِداء وسفْك الدماء، والاحتِلال، وسَلْب المقدَّرات والأقوات، والصدِّ عن سبيل الله - تعالى - ومحاربة شريعته، لا شكَّ في قُبحه عقلاً، ولا ريبَ في ذمِّه شرعًا.

فهذا نوعٌ مذموم من الغِلِّ والعداوة التي سببها بُغْضُ الخير في مختلف صُوره وكراهته، ولا ينبع إلاَّ من نفسٍ خَبُثت وانتكست، وهذا الغلُّ يظهر أثرُه في مسلك التدمير والتخريب، والصد والعدوان، وإلحاق الضرر بالآخرين.

والممدوح مِن الغلِّ ما كان مترتبًا عليه صلاحُ الدِّين والآخرة، ولو لم تصلُحْ به الدنيا، كعداوة الكفَّار والفسَّاق والمبتدعة، ومحاربتهم والتصدِّي لهم، ولو ترتَّب على ذلك فقدانُ المرء لحياته، ولكن بلا شكٍّ قد ربح الدِّين ونُصرتَه، وربح الآخرةَ ورِضا الله - تعالى - وجنَّتَه.

علاج الغل:
ليس كلُّ الغلِّ يَحتاج إلى علاج، ولكن المذْموم منْه هو الَّذي يجب على المرء أن يعتنيَ بتطْهير نفسه وتزكيتها منه، بل إنَّ تصوُّرَ القبائح التي يُثمرها الحقدُ لَكفيلٌ بردِّ النفس السوية عن تلك الخصلة، فالغزالي في "الإحياء" قد ذكر أنَّ: "الحقد يُثمر ثمانيةَ أمور:
الأول: الحسد، وهو أن يحملك الحقدُ على أن تتمنَّى زوالَ النِّعمة عنه، فتَغتمّ بنعمةٍ إن أصابها، وتُسرّ بمصيبة إن نزلت به، وهذا مِن فِعْل المنافقين.
الثاني: أن تَزيد على إضْمارِ الحسد في الباطن، فتشمت بما أصابه من البلاء.
الثالث: أن تهجرَه وتُصارمَه، وتنقطع عنه، وإنْ طلبك وأقبل عليك.
الرابع وهو دونَه: أن تُعرِض عنه استصغارًا له.
الخامس: أن تتكلَّم فيه بما لا يَحِلُّ مِن كذبٍ وغِيبة، وإفشاءِ سِرٍّ، وهتْك سِتْر، وغيره.
السادس: أن تحاكيَه استهزاءً به، وسخريةً منه.
السابع: إيذاؤه بالضَّرب، وما يؤلِم بدنَه.
الثامن: أن تمنعَه حقَّه من قضاء دَينٍ، أو صِلة رَحِم، أو ردِّ مَظلَمة، وكلّ ذلك حرام"[6].

فالغلُّ الذي يقع بين المسلمين، الأصلُ أن ينتفيَ؛ لِمَا عهد الله - سبحانه - به إلينا في ذلك الأمر من الأُخوَّة الإيمانيَّة؛ ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 11]، ولقول النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلم -: ((لا تَحاسدُوا، ولا تَناجشُوا، ولا تباغضُوا، ولا تَدابرُوا، ولا يَبعْ بعضُكم على بيْعِ بعض، وكُونوا عِبادَ اللَّه إخوانًا، المسلِمُ أخو المسلِم؛ لا يَظلمُه، ولا يَخذُلُه، ولا يَحقِرُه، التَّقوى ها هُنا - ويُشير إلى صدْرِه ثلاثَ مرَّات - بحسْبِ امرئٍ من الشَّرِّ أن يَحقِرَ أخاه المسلِمَ، كُلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ: دمُه ومالُه وعِرضُه))؛ رواه مسلم (2564).

وهذا الغلُّ النَّاظر في أسبابه يراها تحوم حولَ الدّنيا وحطامِها، وهذا مخالفٌ لقوله - تعالى -: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].

قال الإمام العلاَّمة ابن عاشور في تفسيره: "تقديم المجرورِ لإفادةِ الحصْر؛ أي: وفي ذلك الرَّحيق فليتنافس النَّاس، لا في رحيقِ الدّنيا الذي يتنافس فيه أهلُ البذَخ، ويجلبونه من أقاصي البلاد، وينفقون فيه الأموال"[7].

فلا مجالَ للتَّنافس المثير للغلِّ والحقد بين المسلمين، بل إنَّ المسلمَ لا يسعه إلاَّ التصدِّي لزحف هذا الإحساس بجيش عَرْمَرْمٍ من التحلِّي بالرِّضا بقضاء الله - تعالى - وقدره، واللُّجوء إلى الله - تعالى - في قضاء الحاجات، وإشباع الرَّغبات؛ قال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 32].

قال ابنُ جرير: "يعني بذلك - جلَّ ثناؤُه -: ولا تشْتهوا ما فضَّل الله به بعضَكم على بعض"[8].

وبأخذِ حظِّ النجاة من الزُّهد في حطام الدّنيا إلاَّ القوت والبلاغ؛ مصداقًا لقولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كُنْ في الدُّنيا كأنَّكَ غريبٌ، أو عابِرُ سَبيلٍ، [وعُدَّ نَفْسكَ في أَهْلِ القُبُور]))[9].

بالإضافة إلى تمرين النَّفس على حبِّ الخير للآخرين، وبذْله لهم؛ عملاً بقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يُؤمِنُ أحدُكم حتَّى يُحبَّ لأخِيه - أو قال: لجارِه - ما يُحبُّ لنَفْسِه))؛ رواه مسلم (45).

فخلاصة الحلِّ لأزمة الغلِّ بين المسلمين: هي امتثالُ أمر الله - تعالى - وأمر رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما ورد بشأن حقوق المسلمين، وما ورد في شأْن الحياة الدنيا، والتَّحذير منها والاغترار بها؛ كما بيَّن الله - تعالى - ذلك جليًّا بقوله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20].

وأمَّا الغلُّ تجاه الكافرين والمبتدعة، فيجب أن يبقى ويُفعَّل بشتى الصُّور القوليَّة والعمليَّة؛ غضبًا للحقِّ، ونصرةً له؛ قال الله - تعالى - عن إبراهيم - عليه السَّلام -: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ [الممتحنة: 4].

فالجهرُ بالعداوة تجاهَ الكفَّار لكُفْرهم بالله - تعالى - ورسوله وكتابه وشريعته، والجهرُ بالعداوة في وجه المبتدِع الكالح سُنَّةٌ نبويَّة قرآنيَّة، سَلفُنا فيها إبراهيم - عليه السلام - أقرَّها القرآن بالدَّعوة والحثِّ عليْها؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ فَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 53].

قال الإمام ابنُ جرير: "جاهِدْهم بهذا القرآن جهادًا كبيرًا، حتَّى ينقادوا للإقْرار بما فيه من فرائض الله، ويَدينوا به، ويُذعنوا للعمَل بجميعه طَوعًا وكَرْهًا"[10]، فهذا الجهاد بالحُجج والبراهين والبيان.

وقال - تعالى -: ﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 36]، وهذا جهادٌ لِمَن لم يرتدعْ إلاَّ بالسِّنان.

وهذان النَّوعان من العداوة تجاه الكفَّار والمبتدعة لا علاج لهما، ولا دواء لهما في قلْب كلِّ مؤمن إلاَّ إسلامُ الكفَّار، أو استِئصالُهم وشِرْكهم، ورجوع المبتدعة للسُّنَّة علمًا وعملاً، أو فضحهم، وهتْك أستارهم.

فالخُلاصة: أنَّ الإحساسَ القلبيَّ لا بدَّ أنَّ له ما يستثيره، ولا بدَّ أنَّ له آثارًا على السلوك، فلينظرِ المرءُ فيما يُثير الأحاسيس والأعمالَ القلبيَّة بداخله، وليراقبْ سلوكَه على إثرها، فإنْ كانت ممَّا يُرضي الله - تعالى - ورسولَه، فهنيئًا، وإن كانت ممَّا لا يُرضي الله - تعالى - ورسوله، فليبادرِ المرءُ باللُّجوء إلى الله - تعالى - وشريعته معالجًا نفسَه، ومهذِّبًا أحوالَه وأقواله، وأعماله الظَّاهرة والباطنة، التي تُرضي الله - تعالى - ورسولَه، وليصدُقِ المرء مع نفسه؛ ابتغاءَ مرْضات ربِّه، وليعملْ ليومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون، إلاَّ مَن أتى الله - تعالى - بقلْبٍ سليم.

[1] (4 /307).

[2] (1 /1343).

[3] (11 /499).

[4] "الأخلاق الإسلامية"؛ للشيخ عبدالرحمن حبنكة الميداني: (1 /785).

[5] "لسان العرب" (3 /154).

[6] (3 /245).

[7] "التحرير والتنوير" (30 /204).

[8] (8 /260).

[9] رواه البخاري (6053)، والزيادة عند الترمذي (2333)، وليست عند البخاري.

[10] (19 /281).







__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 02-02-2014 الساعة 09:44 PM
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 02-02-2014, 09:47 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وقفة مع النفس (2)

مصطفى مهدي


المعصية


إنَّ النَّفس البشريَّة خُلقت وجُبلتْ على قابليَّة التلبُّس بأحد النقيضين، ومُدَّت بالإرادة الحُرَّة، والاختيار للأفعال والمكتسبات، وهذا الَّذي أعْلنه الله - تعالى - في كتابِه عند التَّصريح بأنَّ مَن شاء فليدْخُل في الإيمان، ومَن شاء فليكفُر؛ فقال - سبحانه -: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: 27].

فلا إكراهَ لعبدٍ على فعْل مُكتسَب، عدا الأقْدار، وهي لا تكون إلاَّ بخيرٍ، والعبد فيها مخيَّر بين صبرٍ وشكر، ونقيضهما، والله - تعالى - بيَّن الحقَّ ورغَّب فيه، وأوْضح الباطل وحذَّر منْه.

ولَمَّا كان الأصل في الإنسان الجهْل؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: 78]، والأصل فيه الظّلم، وكُفران النِّعم؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم: 34].

لَمَّا اجتمع جهْل الإنسان بما يُصلحه وما يَضرُّه، وجهله بكيفيَّة ملازمة الصَّلاح والاستِقامة، وجهله بمآل الأمور على حقيقتِها، وإن كان يُدرك منها طرفًا بِخبرِ الصَّادق الَّذي لا ينطق عن الهوى، لكن ليس الخبر كالمعاينة إلاَّ لِمَن تفضَّل الله - تعالى - بالسَّداد والتوفيق الزَّائد، غير الواجب على الملِك - جلَّ وعلا.

فلمَّا اجتمع الجهل مع كوْن الإنسان ظالمًا لنفسه، بالبذْل في غير السَّبيل الصَّحيح، ووضْع الشَّيء غيرَ موضعِه، ممَّا جعله يستر النِّعَم الَّتي أنعم الله بها عليْه بهجر شكرها، واستعمالها على الوجه الذي لا يُرضي اللهَ - تعالى.

أضف إلى ذلك ما زُيِّن للنَّاس من حبِّ الشهوات بأنواعِها، وأنَّ الابتلاء لا يكون إلاَّ بالمحبوب المرْغوب للنفس - غالبًا - وإلاَّ فما المعنى أن تُحرم ممَّا لا تَميل نفسك إليه؟!

فلمَّا كان الأمر كذلك، مع ضعْفِ الإنسان، وتسلُّط نفسه عليه، وتسلُّط شياطين الإنس والجن، ورغبة النفس الأمَّارة في حظِّها، مع سهولة السَّير في إرْوائها، وضَعْف الوازع والرَّادع عن الاستِجابة لندائِها، فلمَّا اجتمعتْ هذه الألوان في صحيفة أعْمال الإنسان، رسمتْ لنا معصيتَه التي تصدر منه، وشكَّلت لنا أسبابها الخفيَّة والجلية، وبيَّنت مواطنَ الحاجة إلى التَّقويم، وصقل النفس بملازمة الدُّعاء بالثَّبات على الطَّريق المستقيم، واللّجوء إلى الله - تعالى - ليعصمَ مِن زلَل، ويمحو آثار صنيع مَن وقع في الزَّلل.

فإنَّ من آفات تلك النفس آفةً ملازمةً لا تنفكّ عنها؛ لِمَا كُتِب عليها من النَّقص والفقْر والجهْل والشَّهوة، والَّتي يترتَّب عليها الاختِبار، مع إحاطته بالتَّرغيب والتَّرهيب، والعفو والتوبة والاستغفار؛ دفعًا لشرِّ الجبريَّة، ومَن على ضربهم مِن الذين يلومون الأقدارَ، ويظنُّون السُّوء بالحكيم الغفَّار.

فهذه الآفة هي "المعصية"، ولا أقصد نوعًا معيَّنًا، ولكن المقصود جِنسُها، والإقدام عليْها.

أصل المعصية لغة:
المعصية مِن العِصيان، وهو خِلاف الطَّاعة؛ كما صرَّح بذلك في "القاموس"[1]، وقال ابن فارس: "العين والصَّاد أصلٌ، يدلُّ على شدَّة وصلابةٍ في شيء"[2]، ومدار العِصيان لغةً على الاشتداد والامتناع[3].

فكأنَّ المعصيةَ فعلةٌ تنمُّ عن امتناع صاحبِها عن الا-ستِسْلام لأمر الله - تعالى - واشتِداده في مقابلة الأمر والإذْعان، ولعلَّ هذا هو السرُّ خلفَ تسمية العبد عبدًا، والفعل الذي في مخالفة الأمر معْصية؛ لأنَّ العبد من التعبيد والتذليل، وفيه معنى الخضوع والإذعان والاستسلام، ومعنى المعصية فيه الامتناع والاشتداد والصعوبة في مواجهة ذلك الأمر.

والمعصية شرعًا:الامتناع من الطاعة، وقد وردتِ الأدلَّة المتواترة - القرآنيَّة والنبويَّة - في التَّحذير من العِصيان ومحادَّة أمر الله - تعالى - فمِن ذلك:
قوله - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء: 59]، وقال - سبحانه -: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [النور: 52].

وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ أمَّتي يَدخلون الجنَّةَ إلاَّ مَن أبى))، قالوا: يا رسولَ الله، ومَن يأبَى؟ قال: ((مَن أطاعني دخل الجنَّةَ، ومَن عصاني فقدْ أَبَى))؛ رواه مسلم (6851).
__________________
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 02-02-2014, 09:49 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

والمعصية تقع على أقسام:
أوَّلاً: من حيث توصيفُها الشرعي:
النّصوص الشرعيَّة دلَّت على أنَّ المعصية على نوعين:
1 - كبيرة.
2 - صغيرة.

كما في قوله - تعالى -: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا﴾ [النساء: 31]، ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾ [النجم: 32].

وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الصَّلواتُ الخَمْس، والجُمُعَةُ إلى الجُمُعَة، ورمَضانُ إلى رمَضان - مُكَفِّراتٌ ما بَيْنهُنَّ، إذا اجْتَنبَ الكَبائرَ))؛ رواه مسلم (233).

وأشار ابنُ حجر الهيتمي في "الزَّواجر" (1 /5) إلى اختلاف العلماء في تسْمية الذُّنوب صغائرَ وكبائر، مع اتِّفاقهم على أنَّ منها ما يقْدح في العدالة، ومنها ما لا يقدح فيها، وذَكَر أنَّ قول الجمهور انقسامُ المعاصي إلى صغائر وكبائر، وأشار إلى اختلاف العلماء في حدِّ كلٍّ منهما، وذكر الأقوال، والَّتي قد نظمها السيوطي في "الكوكب السَّاطع" بقوله:
وَفِي الكَبِيرَةِ اضْطِرَابٌ إِذْ تُحَدّْ --- فِقِيلَ ذَو تَوَعُّدٍ وَقِيلَ حَدّْ

وَقِيلَ مَا فِي جِنْسِهِ حَدٌّ وَمَا --- كِتَابُنَا بِنَصِّهِ قَدْ حَرَّمَا

وَقِيلَ لا حَدَّ لَهَا بَلْ أُخْفِيَتْ --- وَقِيلَ كُلٌّ وَالصِّغَارُ نُفِيَتْ

وَالمُرْتَضَى قَوْلُ إِمَامِ الحَرَمَيْنِ --- جَرِيمَةٌ تُؤْذِنُنَا بِغَيْرِ مَيْنِ

بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مَنْ أَتَاهُ --- بِالدِّينِ وَالرِّقَّةِ فِي تَقْوَاهُ



وزِدْ على ذلك ما نُقل عن ابن تيمية - وعليه متأخِّرو الحنابلة - مِن أنَّ الكبيرة هي ما فيه حدٌّ في الدنيا، أو وعيدٌ في الآخرة، أو غضَب، أو لعْنة، أو نفْي إيمان[4].

بالإضافة إلى ما صرَّح به الشَّاطبي في "الموافقات" (2 /226) مِن أنَّ الكبيرة ما عاد على حفظِ الكلّيَّات بالضَّرر، وإبطال حفظها.

وقد ذكر ابن القَيِّم أنَّ ذلك الخلاف مِن خلاف التنوُّع، لا تضاد بينه[5].

وقال ابن حجَر الهيتمي (1 /9): "واعلمْ أنَّ كلَّ ما سبق مِن الحدود إنَّما قصدوا به التقريب فقط، وإلاَّ فهي ليستْ بحدود جامعة، وكيف يمكن ضبْط ما لا طمعَ في ضبطه؟! ثمَّ قال: وذهب آخرون إلى تعْريفها بالعدِّ من غير ضبْطِها بحدٍّ".

ثانيًا: من حيث وقوعُها من الخلق وعدمه:
فليس كلُّ الخَلق يعصون الله - تعالى - ولكن صدور المعصية محلُّه المكلَّفون بالأمْر والنهي مع الإرادة والاختيار، ومن المكلَّفِين مَن لا يعصي الله - تعالى - بسبب عصمة الله - تعالى - لهم، فهما قسمان:
1 - معصومون: وهم الأنبياء:
نقل السّيوطي في "شرح الكوكب الساطع"[6] الإجماعَ على العصمة من الكبائر، والقول بالعصمة من الصَّغائر في الأظهر؛ لكرامتهم على الله - تعالى - أن يصدُرَ منهم ذنبٌ، وللاختلاف في الصَّغائر وتعْيِينها، وللأمر باتباع أفعالهم مطلقًا، ولا يصحُّ أن يُؤمر باتباع أمر لعلَّه معصية؛ واختاره ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" (1 /13).

ونقل التفصيل السفاريني في "لوامع الأنوار"[7] حيث قال:
"قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رَوَّح الله رُوحَه -: الناس متَّفِقون على أنَّ الأنبياء معصومون فيما يُبلِّغونه عن الله، فلا يستقرُّ في ذلك خطأ باتفاق المسلمين؛ ولكن هل يَصدُر منهم ما يستدركه الله - تعالى - فينسخ ما يُلقي الشَّيطان، ويُحكِم الله آياتِه؟ هذا فيه قولان - قال -: والمأثور عن السَّلف يوافق القول بذلك، قال: وأمَّا العِصْمة في غير ما يتعلَّق بتبْليغ الرِّسالة، فللنَّاس فيه نزاع: هل هو ثابت بالعقل أو بالسَّمع؟ ومتنازعون في العِصمة من الكبائر والصَّغائر، أو من بعضها، أو هل العصمة إنَّما هي في الإقرار عليها لا في فِعلها؟ وقيل: لا يَجب القول في العِصمة إلاَّ بالتَّبليغ فقط، قال: وهل تَجب العِصمة من الكفر والذُّنوب قبل البَعثة أم لا؟ قال: والَّذي عليه الجمهور الموافق للآثارِ: إثباتُ العِصْمة من الإقْرار على الذّنوب مطلقًا - قال -: ووقوع الذَّنب إذا لم يقرَّ عليه لم يحصل منه تنفيرٌ ولا نقص، فإنَّ التوبة النصوح يُرفع بها صاحبُها أكثرَ ممَّا كان أوَّلاً، وكذلك التأسِّي بهم إنَّما هو فيما أُقرُّوا عليه بدليل النسخ، ونحوه"؛ انتهى.

وقال ابن حمدان في "نهاية المبتدئين": "وإنَّهم معصومون فيما يؤدُّون عن الله - تعالى - وليسوا معصومين في غير ذلك من الخطأ والنِّسيان والسهو والصغائر في الأشهر؛ لكن لا يُقرُّون على ذلك، وقال ابنُ عقيل في "الإرشاد": إنَّهم - عليهم الصلاة والسلام - لم يعصموا في الأفعال، بل في نفس الأداء، قال: ولا يجوز عليهم الكَذِب في الأقوال فيما يؤدُّونه عن الله - تعالى"؛ انتهى.

وقال الحافظ زَين الدِّين العراقي: "النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - معصومٌ من تعمُّد الذنب بعد النبوَّة بالإجماع، ولا يُعتدُّ بخلاف بعض الخوارج والحشويَّة الذين نُقل عنهم تجويزُ ذلك، ولا بقولِ من قال من الرَّوافض بجوازها تقيَّة، وإنَّما اختلفوا في جواز وقوع الصَّغيرة سهوًا، فمنعه الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني والقاضي عياض، واختاره تقي الدِّين السبكي، قال: وهو الَّذي نَدين الله به، وأجازَه كثيرٌ من المتكلِّمين، قال القاضي عياض: أجمع المسلمون على عِصمةِ الأنبياء من الفواحش والكبائر الموبقات، قال: وقد ذهب بعضُهم إلى عصمتهم من مواقعة المكروه قصدًا"؛ انتهى.

وقال العلاَّمة السَّعد التفتازاني: "وفي عصمتهم من سائر الذُّنوب تفصيل، وهو أنَّهم معصومون عن الكفر، قبل الوحْي وبعدَه بالإجماع، وكذا عن تعمُّد الكبائر عند الجمهور خلافًا للحشويَّة، وإنَّما الخلاف في أنَّ امتناعه بدليل السَّمع أو العقْل، وأمَّا سهوًا فجوَّزه الأكثرون، قال: وأمَّا الصَّغائر فتجوز عمدًا عند الجمهور خلافًا للجبائي وأتْباعه، وتجوز سهوًا بالاتّفاق، إلاَّ ما يدلُّ على الخِسَّة كسرقة لقمة والتَّطفيف بحبَّة، لكنَّ المحقِّقين شرطوا أن ينهوا عنه، فينتهوا منْه، هذا كلُّه بعد الوحي، قال: وأمَّا قبله فلا دليلَ على امتناع صدور الكبيرة، وذهب المعتزلة إلى امتِناعها؛ لأنَّها توجب النُّفرة المانعة من اتباعهم، فتفوت مصلحة البعثة، قال السَّعد: والحقُّ منْع ما يوجب النُّفْرة كعهْر الأُمَّهات، والفجور، والصَّغائر الدَّالَّة على الخسَّة، ومَنَع الشيعةُ صدور الصَّغيرة والكبيرة منهم قبلَ الوحي وبعدَه؛ ولكنَّهم جَوَّزوا إظهارَ الكفر تقيَّة"؛ انتهى.

2- غير معصومين: وهم سائر البشر.

ثالثًا: من حيث المحل:
1- معصية القلْب: من ذلك اعتقادُ الشَّريك والولد، وكاعتقاد ما يُنافي حقيقةَ التَّوحيد بمراتبه الثَّلاث، ومن ذلك الرِّياء والعُجْب والكِبر، والغِلّ المذْموم، والحقد والحسد، والخوف من غير الله - تعالى - والتوكُّل على غير الله - تعالى - ورجاء غير الله - سبحانه.
2- معصية اللِّسان: ومن ذلك النُّطق بالكُفر، والكذب والغيبة والنميمة، وإفشاء الأسرار، والجهر بالسُّوء من القَوْل.
3- معصية الجوارح: كالقتْل والسرقة، والزّنا وشرب الخمر، والسَّير في المعاصي، والتواجُد في أماكنها، والسَّعي في الصدِّ عن سبيل الله - تعالى.

رابعًا: من حيث ما يترتب عليها من آثار:
1 - مكفِّرة:
مِن الذُّنوب ما يكفر صاحبُها، كاعتقادِ الشَّريك والولد، واعتقاد القبوريِّين في الأموات بالخوف منهم، والطلب منهم، وصرْف مختلف العبادات التي لا تكون إلاَّ لله - تعالى - إليهم.

ولْيُعلمْ أنَّ التكفير إذا قُصد به المعيَّن لزم إقامةُ الحُجَّة، بتحقُّق الشروط، وانتفاء الموانع؛ كما هو مقرَّر عند أهل العلم من أهل السُّنة والجماعة.

2 - مفسِّقة:
الذُّنوب المفسِّقة هي الكبائر، والإصرار على الصَّغائر، والدَّليل على ذلك قولُ السفاريني[8]:
وَيَفْسُقُ المُذْنِبُ بِالكَبِيرَهْ
كَذَا إِذَا أَصَرَّ بِالصَّغِيرَهْ



وقد أشار الشَّيخ ابن عُثيمين - رحِمه الله - إلى نحو قوْل الإمام السَّفاريني، كما في شرحه للواسطيَّة[9]: وأمَّا ما سوى ذلك من الذُّنوب فلا يكفر به المرء، ولا يستحقُّ وسمَ الفِسق، بل هو عاصٍ بذنبه، ما لم يداومْ عليه، أو يستغفر منه.

خامسًا: من حيث الخلوص من تبعاتها:
1- ما تُكفِّره الأعمال الصالحة:
قال الإمام ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم والحكم": "اختلف النَّاس في مسألتَين، إحداهما: هل تكفِّر الأعمالُ الصالحة الكبائرَ والصغائرَ، أم لا تُكفِّر سِوى الصغائر؟ فمنهم مَن قال: لا تُكفِّر سوى الصغائر....- فذكر الخلاف بأدلَّته، ثمَّ قال -: والصَّحيح قول الجمهور: إنَّ الكبائر لا تُكفَّر بدون التَّوبة؛ لأنَّ التوبة فرضٌ على العباد، وقد قال - عزَّ وجلَّ -: ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: 11]، وقد فسَّرتِ الصَّحابة - كعمر، وعلي، وابن مسعود - التَّوبةَ بالنَّدم، ومنهم مَن فسَّرها بالعزْم على ألاَّ يعود، وقد رُوي ذلك مرفوعًا من وجه فيه ضعفٌ؛ لكن لا يُعلم مخالفٌ من الصحابة في هذا، وكذلك التَّابعون، ومَن بعدهم؛ كعُمر بن عبدالعزيز، والحسن، وغيرهما، وأمَّا النصوص الكثيرة المتضمِّنةِ مغفرةَ الذُّنوب، وتكفير السيِّئات للمتَّقين؛ كقوله - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الأنفال: 29]، وقوله - تعالى -: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التغابن: 9]، وقوله: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾ [الطلاق: 5] - فإنَّه لم يُبيِّن في هذه الآياتِ خِصالَ التقوى، ولا العمل الصَّالح، ومن جُملةِ ذلك التَّوبة النصوح، فمَن لم يتب فهو ظالم، غير متقٍّ، وقد بيَّن في سورة آل عمران خصالَ التَّقوى التي يَغفر لأهلها، ويُدخِلهم الجنَّة، فذكر منها الاستِغفارَ، وعدم الإصرار، فلم يضمن تكفيرَ السيئات ومغفرةَ الذّنوب إلاَّ لِمَن كانت هذه الصّفة له، والله أعلم"[10].

2 - ما لا يكفّره إلاَّ التَّوبة:
وهي الكبائر مِن الذُّنوب؛ كما مرَّ في عبارة الحافظ ابن رجب.

3 - ما يُشترط فيه ردُّ الحقوق والإبراء منها:
كالغصْب والسَّرِقة، وجحْد العرايا والأمانات، وأكْل الأموال بالباطل.

خامسًا: أسباب الذنوب:
وليعلم المرءُ أنَّ أصول الذّنوب قد ترجع إلى ثلاثةِ أصولٍ كبرى، يتفرَّع عنها باقي الأنواع والمراتب من الذّنوب والمعاصي؛ وهذه الأصول هي:
1- الجهل بالله - تعالى - وأسمائه وصفاته، ومُقْتضى ذلك فراغُ القلب وخُلوّه من استشْعار تلك المعاني الدَّافعة إلى العمل لإرضاء الله - تعالى - والتلذُّذ بالتعبُّد له وحدَه، وصرْف كلِّ ما منَّ الله - سبحانه - به على العبد إليه - تعالى - والقيام بمراسم العبوديَّة على أكملِ وأفضل وجهٍ ممكنٍ من الخضوع والاستسلام.
2- الجهْل بحقيقة الدنيا، وغرور متاعِها وزواله، وكَوْن الدُّنيا دارَ ممرٍّ، لا دار مقرٍّ، وكون النَّاس لا يُقدِّمون ولا يؤخِّرون، ولا يَملكون موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، ولا ضرًّا ولا نفعًا لأنفسهم، فضلاً عن غيرهم من الخَلق، وكون الناس محلاًّ لظهور آثار التعبُّد لله - تعالى - لا التعلُّق بهم عن التعبُّد لله - تعالى - سواء كان هذا التعلُّق بظنِّ جلْبِهم للنَّفع أو دفعهم للضّرّ.
3- الجهل بحقيقة الدَّار الآخرة، وما أعدَّ الله - تعالى - فيها من نِعمٍ ومنح، وبركات وخيرات، حِسيَّة ومعنويَّة لعباده المؤمنين، مع الخلود الدَّائم، وازديادِ الرِّضوان من الله - تعالى.

فإذا اجتمعتْ بصورة كلّيَّة أو جزئيَّة في قلب عبدٍ من العباد، وقع في المعاصي، والنَّاس في ذلك متفاوِتون بسبب الإيمان، والأحوال والأزمان، والبقاع والمثيرات والأغراض، والمصالح والمنافع والمضار، واللَّذة والألم، وغير ذلك من الأفراد الَّتي في مجموعها تُشكِّل لحظةَ السُّقوط في المعصية.

سادسًا: آثار الذنوب:
ويمكن - في الجملة - إرجاعُ آثار الذُّنوب إلى قسمين:
الأول: آثار عاجلة:
وهذه تظهر فيما بين العَبدِ وربِّه، وفيما بين العبد والنَّاس، وفيما بين العبد ونفسِه.

الثانية: الآثار الآجلة:
وهذه تظهر للعبد في القبر والحشر، والحساب والدار الآخرة، وفي مآله، ما لم يتداركْه الربُّ - تعالى - برحمته وفضله، لا بعدله.

وأذكر طرفًا من آثار الذنوب، التي أشار إليه العلاَّمة ابن القيم في "الداء والدواء"؛ لتكونَ حافزًا على هجْر الذَّنب، وإلقاء النفس بين يدي الله - تعالى - خوفًا وطمعًا، رغبةً ورهبةً، لعلَّ الله - تعالى - أن يعصمنا ويتداركَنا برحمته في الدنيا والآخرة، فقد ذكر رحمه الله - تعالى - من آثار الذنوب:
1- حرمان العلم.
2- حرمان الرزق، وتعسير أموره عليه.
3- وهن القلب والبدن.
4- حرمان الطاعة.
5- تقصير العمر.
6- المعصية تجرّ إلى معصية بعدها.
7- ضعف القلب عن الطاعة إلى المعصية.
8- انسلاخ استقباح المعاصي من القلب، فتصير عادة.
9- هوان العبد على ربِّه، وسقوطه من عينه.
10- تأثُّر الناس والدواب بشؤم معاصيه.
11- إرث الذُّل.
12- الطَّبْع على القلب.
13- الدُّخول فيمَن لعنه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
14- حرمان دعوة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - والملائكة.
15- تغيُّر الكون من خسف وزلازل، وكل مظاهر الخلل والإفساد في الأرض، وخروجها عن طبيعتها.
16- الخروج من الإحسان.
17- الحرمان مِن رفقة المؤمنين، وأهل الصلاح.
18- المعصية تُجرِّئُ على الإنسان أعداءَه.
19- عمى القلب والبصيرة، والخذلان في الأقوال والأعمال.
20- اندراج العبد في جُند الشيطان، وتكثير سواد حزبه.

وليعلم المرء أنَّ الله - تعالى - يغفر الذنب، ويقبل التَّوب، ما لم تَطْلُعِ الشمس من مغربِها، وما لم تبلغ الرُّوحُ الحلقومَ، ويبدل السيِّئاتِ حسناتٍ؛ بعينها، أو بالإعانة على كسبها، والله - تعالى - غفور رحيم، لا يُعْجِزه ذنبٌ، بل يغفر الشِّرك فما دون ذلك من كبائِر وصغائر لِمَن تاب، وقد يسْمو التَّائب - بفضْل الله ومنِّه وكرمه - حتَّى يرتقيَ إلى منازل المقرَّبين من رُفقاء النبيِّين والصدِّيقين والشُّهداء والصَّالحين، وحَسُن أولئك رفيقًا.

[1] (1 /1692).

[2] (4 /37).

[3] انظر شواهد ذلك "لسان العرب" (15 /63).


[4] "الكوكب المنير"؛ لابن النجَّار (2 /397).

[5] "مدارج السالكين" (1 /230).
[6] (2 /439).

[7] (2 /304).

[8] (1 /364).

[9] (1 /364).

[10] (ص210).
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 02-02-2014 الساعة 09:52 PM
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 03-02-2014, 08:14 AM
سجىوسمى سجىوسمى غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2014
المشاركات: 49
معدل تقييم المستوى: 0
سجىوسمى is on a distinguished road
افتراضي

الحمد لله رب العالمين
مشكووووور اخى الكريم
جعلها الله فى ميزان حسناتك
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 03-02-2014, 06:34 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سجىوسمى مشاهدة المشاركة
الحمد لله رب العالمين
مشكووووور اخى الكريم
جعلها الله فى ميزان حسناتك
ربنا يرضى عنك
ويبارك فيك
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:35 PM.