اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > منتــدى مُـعـلـمـــي مـصــــــر > الجودة والإعتماد التربـوى

الجودة والإعتماد التربـوى كل ما يخص الجودة و الدراسات التربوية و كادر المعلم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #121  
قديم 17-08-2010, 11:06 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي


الحلقة العاشرة من سلسلة مهارات المربي: الجاذبية عند المربّي



  • كن مبدعاً،فالتفكير الابتكاري أحد سمات الشخصيّة الجذابة؛ وهو يعني عدم تقبّل الأوضاع الراهنة على ما هي عليه، بل محاولة إيجاد طرق جديدة، ومخارج مبتكرة للوصول إلى الهدف.
  • فكّر بإيجابية.. لن تكون أبداً مربّياً جذّاباً ومُلْهِماً للآخرين مادمت كثير الشكوى دائم التذمّر؛ فالذين يتمتّعون بالجاذبيّة الشخصيّة دائماً إيجابيون.
  • اظهر الحماس لما تريد فعله.. فالذين يتمتّعون بالجاذبية الشخصية يتّقدون حماساً تجاه العمل الذي يؤدونه؛ فالمعلم الذي يقول لتلاميذه في اليوم الأول من الدراسة: أنتم على وشك أن تتعلموا أهم مادة دراسية في حياتكم!.. لا شكّ أنه سيأسر قلوبهم طوال مدة الدراسة.
  • قد لا نطالبك بأن تكون خفيف الظّل، حاضر البديهة، جميل العشرة، ذلك أنّها صفات جِبِلّيَّة ليس من السهل الوصول إليها!.. ولكننا بالمقابل نطالبك بأن لا تكون ثقيل الظل، غليظ الطبع،من خلال تجنبك لبعض القضايا كالتطلّع والتكلّف والتنطّع، ومراعاتك آداب الكلام والتعامل، ونحوها مما يخرجك من دائرة الثّقلاء، حتى وإن لم ينقلك لدائرة الظرفاء.
  • لا تتوقع أنّك ستكون جذّاباً بمجرد أنك قررت ذلك.. إنّما أَهِّل نفسك من خلال خلفيّة ثقافيّة واجتماعيّة جيّدة، ومن خلال مهارات جيّدة على الحديث، من خلال رصيد جيّد من التجارب أو القصص، ومن خلال قدوة عمليّة صادقة.. وغير هذا وذاك مما هو بمثابة المغناطيس لقلوب الآخرين.
  • عندما تفقد جاذبيتك وتلجأ إلى استخدام نفوذك في التأثير على متربّيك، فإنّك تكون قد فقدت استحقاقك للتربية!.. فالمربّي الناجح هو من يجذب لا من يفرض!.
  • لا يحتاج المربّي الناجح أن يدعو الآخرين إلى تقدير كلامه، ذلك أنّ جاذبيته الشخصيّة قد قامت بالمهمّة قبله.
  • تقبّل الناس َعلى ما هم عليه دون أن يتكلّفوا لك حتى يحظوا بتقبّلك لهم، ورضاك عنهم، فالناس لا ينجذبون نحو من يتكلّفون من أجله.
  • ينفرُ الناس من الذين يكثرون الحديث حول أنفسهم, أولئك الذين يجعلون من أنفسهم محور الدنيا كلّها! ويجعلون من قصصهم وتجاربهم وحياتهم وِرْدَاً يردده المتربّون صباح مساء!.
  • إنّ الذي يتمتع بجاذبية في الغالب؛ هو ذلك الذي لا تشغله همومه الخاصّة عن هموم الآخرين.. بل هو الذي يجعل هموم الآخرين همّاً من همومه الخاصة.
  • قد نكون أرشدناك إلى بعض الوسائل الظاهرة والعمليّة في سبيل تحقيق شخصية جذابة، ولكننا في النهاية نتعدى ذلك كله لنقول: إنّ صدقك الظاهر في محبة الخير هو الجاذب الأكبر نحو استجابته لأهدافك.
رد مع اقتباس
  #122  
قديم 17-08-2010, 11:08 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

خيانة الرخاء...!


يغلب على بني آدم الآنية والانغماس في اللحظة الحاضرة والتفاعل مع الصورة القائمة ولو كانت قاتمة؛ لأن الإلف والعادة يغلبان الإنسان ويضعفان الشعور؛ وينسى بنو أبينا الشيخ الكبير آدم عليه السلام الغد والمستقبل وتباغت كل صورة أختها بالمسح والإزالة؛ وبسبب هذه الخلة ينخفض مستوى إنتاجية وفعالية الإنسان وينتقل من أسر لحظة أو حالة أو صورة إلى أسرٍ آخر دون أن يشعر بهذا القيد أبدا أو يفطن له أو يخطر له على بال؛ فيتبلد حسه وتنعدم ملاحظته فلا يقوى على التمييز والإدراك كما ينبغي؛ ويحدِث هذا التبلد تكيفاً غير منطقي يرى الإنسان بموجبه أن أوضاعه طبيعية مستقرة وغير قابلة للتغير أو التحول؛ فلا يفكر بالمراجعة والتجديد بل الشروع في التغيير.
وقد حثنا النبي _ صلى الله عليه وسلم _ على تجاوز أغلال الحاضر إلى التفكير بالمستقبل حين أمرنا قائلاً " اغتنم خمساً قبل خمس... " الحديث، كما أرشدنا _ عليه الصلاة والسلام _ إلى ضرورة الإمساك بزمام المبادرة حين قال: " بادروا بالأعمال سبعاً... " الحديث...، ولي مع هذين النصين الكريمين وقفات هي:
أولاً: من شروح هذين النصين الشريفين ما قاله القاري رحمه الله في مرقاة المفاتيح: " اغتنم من الاغتنام وهو أخذ الغنيمة خمساً أي من الأحوال الموجودة في الحال، قبل خمس أي من العوارض المتوقعة في الاستقبال، شبابك أي زمان قوّتك على العبادة، قبل هرمك بفتحتين أي قبل كبرك وضعفك عن الطاعة، وصحتك أي ولو في هرمك، قبل سقمك بفتحتين وبضم فسكون أي مرضك، وغناك أي قدرتك على العبادات المالية والخيرات والمبرات الأخروية في مطلق الأحوال ومن أعم الأموال، قبل فقرك أي فقدك إياه في الحياة أو الممات فإن المال في صدد الزوال، وفراغك قبل شغلك سبق بيان مبناه ومعناه وحياتك ولو في الكبر المقرون بالمرض والفقر الممكن فيه الإِتيان بذكر الله قبل موتك أي وقت إتيان أجلك وانقطاع عملك... " انتهى.
وقال الحكمي رحمه الله في معارج القبول: " يعني أن هذه الخمس أيام الشباب والصحة والغنى والفراغ والحياة هي أيام العمل والتأهب والاستعداد والاستكثار من الزاد فمن فاته العمل فيها لم يدركه عند مجيء أضدادها ولا ينفعه التمني للأعمال بعد التفريط منه والإهمال في زمن الفرصة والإمهال فإن بعد كل شباب هرما وبعد كل صحة سقما وبعد كل غنى فقرا وبعد كل فراغ شغلا وبعد كل حياة موتا.. " انتهى كلامه. وقال المباركفوري رحمه الله في تحفة الأحوذي: " قوله قال بادروا بالأعمال سبعا أي سابقوا وقوع الفتن بالاشتغال بالأعمال الصالحة واهتموا بها قبل حلولها.. " الخ.
ثانياً: تدلنا هذه النصوص الشريفة إلى أن التفكير بالمستقبل واستشرافه ومن ثم التخطيط له والاستعداد للتعامل معه مطلب شرعي وواجب معيشي ؛ وإهمال هذا الجانب يجعل مستقبل الإنسان مسرحاً لصدمات عنيفة قد يحار في التعامل معها بسبب ركونه إلى رغد العيش ورخائه؛ وكم لهذا الرخاء من خيانة وكم سبب الرغد من ترهل وجمود، كما ينبهنا الحديث الثاني إلى ضرورة أن تكون أفعالنا ابتدائية أو استباقية وألا تكون ردود أفعال نتحرك حسب ما تقتضيه تحركات الطرف المقابل؛ فلا مناص من أن نكون مختارين لاستجابتنا بمحض إرادتنا دون أن نقع تحت سيطرة و تحكم عن بعد من عدو أو خصم.
ثالثاً: أن من الرخاء ما يكون شدة قياساً لغيره؛ ومن الشدة ما تكون رخاءً قياساً على غيرها، وقد تختلف الموازين باختلاف الأزمان والأماكن والأحوال ولكل حالة لبوسها ووصفها الذي يقدره أهل الشأن من الأمناء الصادقين.
رابعاً:كم يعاني أهل الإسلام من خيانات الرخاء وهجمات الشدائد من غير عبرة تؤخذ أو فائدة تكتسب أو سياسة تتبع لجلب نفع أو دفع مضرة! فمن الرخاء أن تكون بلاد الإسلام عزيزة منيعة ثم تأتي سنون يصير منها المحتل والمهدد والمضطرب والمحصور والمقهور فلم نستفد من رخائنا ولم نتفاعل مع شدتنا بالحكمة والحزم الذي يتطلبه الموقف. ومن الرخاء أن تكون الشريعة مصانة والدين حمى مقدس والفضيلة حصن مكين ثم تذهب الهيبة من النفوس بتلعب السفلة وظهور الفسقة فيلغ كل جاهل ومتعالم في منهل الشريعة المطهرة ويصير الدين والمتدينون كلئاً مباحاً سائغاً لكل عيي وغاو وشيطان مريد، وينادى على الرذيلة بصوت جهير وراية مرفوعة؛ ويصبح حملة الشرع المطهر والذابين عنه من السابقين أو المعاصرين مادة سهلة التناول من الصحفيين والكتبة بغير تؤدة ولا تحقق أو استحياء. ومن الرخاء أن يكون للفتيا جهابذتها وأشياخها الكبار حتى إذا ما مضوا لربهم _ عليهم رحمة الله _ تصدى للتوقيع عن رب العالمين طلاب الدنيا والشهرة بفتاوى تصف الغرور والتدليس والبهتان ويضج من قبحها عامة المسلمين بله أهل العلم والمعرفة. ومن الشدة عقب الرخاء الاضطراب في مفهوم التدين ما بين الغلاة والجفاة حين يقصى أتباع الوسط والقسطاس المستقيم فينجم النفاق ويظهر الغلو وفيهما من الشناعات والمخازي مالا يخفى.
خامساً: ومن واجب أهل البصيرة من المسلمين الاتحاد في رابطة عالمية لدراسة تاريخ المسلمين ومراقبة حاضرهم واستشراف مستقبلهم لاستنباط السنن ومقارنة الأحداث ببعضها مستفيدين من حالات الرخاء والشدة ليصنعوا _ بعد فضل الله وتوفيقه _ رؤية مستقبلية طموحة يخرج بها أهل الدين الحق من التيه والهوان والتأخر إلى حيث مكانهم الذي أراده الله لهم حين يتبعون أمره ويسعون في مرضاته ويجتنبون نهيه ويبتعدون عن مساخطه فيكونوا سادة الدنيا وقادة البشرية وحماة الحق والفضيلة.
سادساً: أن على كل واحد من المسلمين واجب لا انفكاك من أدائه على الوجه الأكمل؛ ويشمل هذا الواجب العالم والحاكم والجندي والعامل والتاجر والرجل والمرأة والطفل وصاحب المهارة والحرفة وذا الفكر والأدب والثقافة؛ فيجب على كل فرد منهم أن يكون مشروع نهضة ورمز مقاومة وممانعة وديوان عزة وسجل كرامة ومجد ولن يمضي الواحد من هؤلاء إلى ربه راشداً مرضياً إلا بأداء ما استوجبه الله عليه؛ فالله الله في نفوسكم وفي أمة محمد صلى الله عليه وسلم وبلاد المسلمين.
وأخيراً؛فالتحدي يوجد الاستجابة؛ والحاجة أم الاختراع؛ غير أن التفوق يتحقق حين تكون التحديات غير مفاجئة ولا مباغتة؛ بل متوقعة ومستعد لها بالتصرفات الملائمة والحلول العملية بما يجعلها فرصة لمزيد من المكاسب لا مصدراً للشقاء والتعاسة، وكم من شدة كانت طريقاً للرخاء؛ وكم من رخاء كان سبباً للشدة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


أحمد بن عبد المحسن العساف.
رد مع اقتباس
  #123  
قديم 17-08-2010, 11:11 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

زادُ المُربي الإيماني


زادُ المُربي الإيماني
-قَالَ سعيدُ بنُ المُسَيَّب-رحمةُ اللهِ عليهِ-: ( مَا لقيتُ النَّاسَ منصرفين مِنْ صلاةٍ منذُ أربعينَ سنة )(1).
-وقَالَ أيضاً مَا دَخَلَ عليّ وقتُ صلاةٍ إلاّ وقد أخذتُ أهبتها، ولا دَخَلَ عليّ قضاء فرضٍ إلاّ وأنا إليه مشتاقٌ ).
-وقَالَ أيضاً: ( مَا فاتتني التكبيرةُ الأولى منذُ خمسينَ سنة، وما نظرتُ في قَفَا رجلٍ في الصلاةِ منذُ خمسينَ سنة ).
-وقَالَ بُرْدُ مولى ابنِ المُسَيَّب: ( مَا نُودي للصلاةِ منذُ أربعين سنة إلا وسعيد في المسجد)(2).
-وقَالَ رَبِيعةُ بنُ يزيد -رحمةُ اللهِ عليهِ-: ( مَا أذّن المؤذنُ لصلاةِ الظهر منذُ أربعين سنة إلا وأنا في المسجدِ، إلاّ أنْ أكونَ مريضاً أو مسافراً) (3).
-وقَالَ يحيى بنُ مَعِين -رحمةُ اللهِ عليهِ-: ( أقامَ يحيى بنُ سعيد(4) عشرين سنة يختم القران في كلِّ ليلةٍ(5)، ولم يفته الزوالُ في المسجد أربعين سنة، وما رؤى يطلب جماعة قط )(6).
قرأتُ هذه الأقوال ووقفتُ عند "خمسين سنة "، و"أربعين سنة"، و"عشرين سنة" متعجباً من هذه الهمّة والقوة في تربية النفس على الإيمان وأسبابه -في ضَوءِ هدي رسولِ الله  وصحابتِهِ الكرام!.
ثمَّ تأملتُ في حالي وحالِ كثيرٍ من أبناء هذا الزمان في هذه المسائل الإيمانية العظيمة فذهلتُ من النتيجة إذ لا يخلو يوم فضلاً عن أسبوع -دعْ الشهرَ والسّنة- من نَظَرٍ في قفا المصلين أو وجوههم.
إنّ هذا التأخر والتفويت نوعٌ من الضعف، ينبغي أنّ يقابل بالقوة والحزم والعزم قَالَ تعالى:
( خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة:63.
( خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا ) البقرة: 93.
( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ) الأعراف: 145.
( يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ) مريم:12.
وإذا حققنا هذه القوة على أنفسنا تحقق النصر الذي وعدنا الله إياه في كتابه الكريم.
أخي:
آمل أنْ تعاهدَ نفسَك مِنْ الآن على المحافظةِ على الصلاة كما حَافظَ عليها أولئكَ..فكنْ في المسجدِ مع الآذان أو قبله ولا تتأخرْ !.
وفقنا اللهُ وإيّاك للعلم النافع والعمل الصالح.
رد مع اقتباس
  #124  
قديم 17-08-2010, 11:14 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

مرونة المربي في عالم متغير


مرونة المربي في عالم متغير
لا تزال أسئلة التقدم والتخلف تلح على أذهان المهتمين بالشأن الاجتماعي العام ، إذ ينشط هؤلاء دائما لإيجاد مفتاح شفرة النهوض للوصول -بعد ذلك- إلى حل ممكن يتجاوز أزمة الضعف ، ودوار التخلف.
ومع الإيمان العميق بتشعبات شروط النهضة سواء تلك التي تتجه نحو الشرط الفكري أو الشرط البشري أو الشرط الزماني أو المكاني .. ؛ إلا أن هذا لا يمنع من التأكيد على بعض الشروط الجزئية النفسية المهمة التي تمنع من تصور وجود النهوض أصلا .
إن من أهم العوامل النفسية المانعة للتطور لدى مصلحي المجتمع هو افتقادهم للمرونة الكافية في التكيف النفسي السريع لمواكبة التطور المذهل للمجتمع ، مما يؤدي بهم لأن يكونوا معايشين للنصوص اللفظية التاريخية القبلية ، محجوبين عن الواقع العملي الآني .
ومن خلال الملاحظة يتبين أن فقدان هذا العامل أدى إلى نتائج غير مرضية حشر هؤلاء الإخوة المصلحين في زاوية حرجة من خارطة المجتمع ، فما إن تأتي نازلة اجتماعية أو ثقافية ... حتى تُعلَن -مباشرة- أحكام الرفض والتحذير والخوف والتوجس ، حتى إذا ما استطال الوقت واتخذ الوافد الجديد مكانه الواسع من المجتمع يبدأ أولئك الرافضون برحلة التراجع أسرابا أسرابا متنازلين عن آرائهم السابقة ومسايرين للواقع لا لسبب إلا لأنهم افتقدوا الرؤية والمرونة الكافية لمعايشة الوافد الجديد حين ظهر بصيغته الأولى .
ولست أتحدث هنا عن أمر محرم صار حلالا وإنما الأمر يتعلق بنوازل محايدة تمت مصادرتها في البداية لأن النفس لا تميل إليها، أو أن السلف لم يستخدموها ، أو لأنها غزو مبطن لا يعلم خفاياه إلا هم !!
إنه ليخالط المرء الأسى أن تستمر أوجه التشابه في الجمود بين المصلحين الاجتماعيين وبعض الحكام العرب ، إذ كلهم يجمد على أفكاره ويصدر الأحكام ، ثابتا على رؤاه لا يريم ، مؤمنا بعدم المساومة والثبات على المبدأ !! حتى إذا ما دارت عجلة التطور .. وانطلقت المجتمعات في التقدم .. وتغيرت السياسات المحيطة .. انتبه فإذا هو وحيد في الساحة يصارع الفراغ .. فيحفِّز -حينئذ- جواده للحاق بالركب .. ولكن هيهات .
إن عدم المرونة ، والجمود والتحجر ، والتحفز للرد ، والمبادرة نحو المصادرة ، كلها مؤشرات فكرية توحي بأن الرافض للتطور يفكر في موقعه الآني ، دون استخدام مسبار الفكر لاكتشاف ما ورائيات الواقع والتطلع نحو المستقبل .
أما حين نسمح للمرونة أن تكون دعامة التفكير الأساسية فإننا نستطيع أن نعيش الأزمنة منعتقين من المثبطات الحضارية ، ومتحللين من عقدة النوم على ذراع الماضي وأمجاد القرون الأولى حين كانت راية الموحدين تفرد جناحيها على مجمل العالم القديم .
واستناداً إلى الرؤية التي تقول إن الأفعال الحركية الماثلة هي انعكاس للتصورات النظرية الكامنة ؛ فإنني أرى أن مفتاح الحل هو في تعزيز اللياقة العلمية لقراءة المستقبل ، والتأسيس لغرس مفهوم المرونة الذهنية القابلة للتشكل حسب الحراك الزمني ومواضعات المجتمع ، بعيدا عن التوجس المريب ، والتشكك الحابس ، والمصادرة قبل المبادرة ، وبذلك نحتوي جزءا من المشكلة ولا يقع بيننا وبين المجتمع ما وقع للشاعر الصمة القشيري مع زوجته من وحشة حين لم تسايره في تفكيره ورؤاه ، فحل مشكلته معها بالبينونة الكبرى ؛ فولى عنها وهو يقول:
كلي التمر ..
حتى يُصرم النخل ...
واضفري خطامك ..
ما تدرين ما اليوم من أمس .
موقع المربي
رد مع اقتباس
  #125  
قديم 17-08-2010, 11:17 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

تحديد مسار الأجيال


تحديد مسار الأجيال
إن من أهم أسباب النجاحات التي تشهدها الصحوة المباركة وجود منابع ومحاضن تربوية تحرص على تربية الأجيال وصقل شخصياتهم ورسم مسار لحياتهم يصب في النهاية في خدمة أمتهم ودينهم، ولما كان لهذه المحاضن من أثر في توجيه حياة الشباب ورسم مسارها فأنه يحسن بنا أن نسلط الضوء على هذه العملية وكيف تتم، حتى نكشف عن ثغراتها ونتمكن من إيجاد الحلول لها.
إن المتأمل لشخصية من يتخرج من هذه المحاضن يلحظ أن لشخصية المربي المباشر أكبر الأثر في رسم معالم شخصيته وبلورة اهتماماته، حتى ولو لم تتناسب شخصية الشاب مع المجال الذي سيطر على حياة المربي وتفكيره، فنرى من نتاج ذلك توجه البعض لمجالات غير مناسبة لهم فيتسبب ذلك إما في قلة الإنتاجية أو عدم الارتياح ومن ثم الانقطاع أو التسبب والوقوع في بعض الأخطاء في بيئة عمل لا تتناسب معه.
والسبب في ذلك يرجع إلى أمور منها أن عملية رسم الشخصية قد تتم بدون عناية من المربي. ولنا هنا وقفة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم الذي اختلفت توجيهاته لأصحابه باختلاف قدراتهم فتجده ينهي أبا ذر عن الإمارة لأنه لا يصلح لها، ويوجه آخرين لطلب العلم كابن عباس الدعاء له بأن يفهمه الله التنزيل وأن يعلمه التأويل. وقد كان لهذا التوجيه النبوي الكريم أثرا واضحا في تكامل جهود أصحابه ونشاطاتهم ونفع كل واحد منهم في مجاله.
ولعل من لحلول التي تساعد في حل المشكلة أن تتم العملية التربوية تحت ضوء أهداف يراعى فيها التكامل، مما يجعل البرامج المطروحة بمجموعها تبني شخصية متكاملة يستطيع صاحبها أن يجد له جانبا يتخصص فيه ويكون ملائما له فيكون النجاح حليف العمل والعامل.
ومن الحلول أن نهتم بهذا الموضوع وندرس شخصية طلابنا ويتم توجيه الواحد منهم بما يناسبه، وقد يتم ذلك التوجيه بصورة غير مباشرة بشرط أن يكون الطالب مقتنعا بالمجال الذي يناسبه ويصلح له. ولا يعني بالطبع تخصيص الطالب وتوجيهه لأحد المجالات إغفال المجالات الأخرى بل نريد شخصية شاب يأخذ شيئا منكل شيء وقدرا أكبر من شيء.
ومما يعين على الحل أيضا أن يراعى التكامل في شخصية المربي أو شخصية المربين بمجموعهم وأن لا يبقى الطالب تحت عناية مرب واحد فقط بل ينتقل من واحد لآخر حتى لا تطبع شخصيته بطابع أحدهم مما يضيع عليه فرصة اختيار المجال الأنسب له.
ولابد أولا وآخرا من قناعة المربي بخطأ فكرة أن تقييم الطالب يكون جيدا إذا كان سائرا على خطى مربيه وإن لا فلا.
أسأل المولى أن يبارك في الجهود وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا إتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وصلى اله على نبينا محمد.
موقع المربي
رد مع اقتباس
  #126  
قديم 17-08-2010, 11:23 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

النجباء والموهوبون


النجباء والموهوبون تعنى الأمم التي تحرص على بناء نهضتها ورفعة مكانتها بالموهوبين والنجباء، وهذه العناية والاهتمام لم تكن وليدة العصر الحاضر، ولا نتاج الدراسات الإنسانية المعاصرة؛ ففي قصة أصحاب الأخدود يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الكاهن قال للملك: "انظروا لي غلاما فهماً أو قال فطناً لقناً فأعلمه علمي هذا؛ فإني أخاف أن أموت فينقطع منكم هذا العلم ولا يكون فيكم من يعلمه، قال: فنظروا له على ما وصف فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن وأن يختلف إليه... "( رواه الترمذي (3340) وأصل الحديث في مسلم (3005)دون موضع الشاهد.). وقد برزت العناية بالموهوبين اليوم في الدراسات النفسية والتربوية، وظهرت مدارس ونظريات تفسر الموهبة والتفوق، وتطرح برامج لرعاية الموهوبين والاهتمام بهم؛ لما لهم من أثر في مجتمعاتهم . لذا كان لا غنى للأمة وهي تسعى اليوم لاستعادة مجدها عن الاعتناء بالنجباء والموهوبين، وكان حرياً بالغيورين من المصلحين أن يولوا هؤلاء ما يستحقون من عناية ورعاية. ومن هنا جاء تناول هذا الموضوع الذي لا يمثل دراسة علمية، بل هو لا يعدو أن يكون آراء وأفكاراً شخصية. التعريف بالنجباء والموهوبين وخصائصهم قال ابن الأثير:"النجيب: الفاضل من كل حيوان. وقد نجب ينجب نجابة إذا كان فاضلاً نفيساً في نوعه" ( النهاية في غريب الحديث والأثر (5/17). وقال في اللسان -نقلا عن ابن سيده - :" النجيب من الرجال الكريم الحسيب...وقد تكرر في الحديث ذكر النجيب من الإبل مفرداً ومجموعاً، وهو القوي منها الخفيف السريع" (لسان العرب (1/748). وقد شاع في العرف المعاصر إطلاق لفظ الموهوبين على النجباء، ويعرف المختصون الموهوب بتعريفات عدة، منها: أنه الذي يظهر تفوقاً مستمراً في أي ميدان من ميادين الحياة، وعرفت الجمعية الوطنية للدراسات التربوية في الولايات المتحدة الطفل الموهوب بأنه: ذلك الطفل الذي يظهر أداءً مرموقاً بصفة مستمرة في أي مجال من المجالات ذات الأهمية (انظر : الموهوبون: أساليب اكتشافهم وسبل رعايتهم في التعليم الأساسي الصادر عن مكتب التربية العربي،). ومن المقاييس الشهيرة للموهوبين مقياس رونزويللي ويتضمن المجالات الآتية: خصائص التعلم: كبناء الثروة اللفظية، نمو عادات القرار المستقلة، الإتقان السريع للمادة المتعلمة وتذكر المعلومات، استخلاص المباديء العامة. خصائص الدافعية: مثل المبادأة الذاتية، الإصرار على استكمال الواجبات والأعمال، والمعاناة من أجل الوصول إلى مستوى أفضل، الشعور بالملل عند أداء الأعمال الروتينية. الخصائص الابتكارية: كحب الاستطلاع الشديد لعدد متنوع من الأشياء، قدر أكبر من الأصالة في حل المشكلات والاستجابة للأفكار، درجة أقل من الاهتمام بالمسايرة. الخصائص القيادية: كالثقة بالنفس، والنجاح في العلاقات مع جماعات الرفاق، الاستعداد لتحمل المسؤوليات، سهولة التكيف مع المواقفالجديدة (الموهوبون، مصدر سابق (46). ومن خصائصهم العقلية التعليمية - التي توصلت إليها بعض الدراسات - أنهم أكثر قدرة من العاديين على القراءة السليمة والمحادثة الذكية، ويتميزون بالقدرة على التذكر ودقة الملاحظة، والقدرة على التفكير المنظم. ومن خصائصهم في سمات الشخصية أنهم لا يبالغون في أقوالهم، وتدل تصرفاتهم على النضج، ويتمتعون بالاتزان الانفعالي. وليس هذا ميدان دراسة متخصصة حول الموهوبين وما يتعلق بهم، إنما إشارات سريعة يمكن أن تخدمنا فيما نحن بصدده من الحديث عن النجباء. ماذا نعني بالنجباء؟ حين نتحدث عن النجباء في إطار اهتمامات جيل الصحوة، فلا بد أن تفرض علينا خصوصيتنا قدراً من الاختلاف في النظرة والمعايير، ولا يسوغ أن نستورد الدراسات الاجتماعية - التي هي أحد إفرازات وضع اجتماعي لا نتفق وإياه - دون تمحيص أو مراجعة. والعناية بالموهوبين قدر مشترك بين العقلاء، ومن ثم فلابد من نقاط اتفاق واسعة، لكننا قد نختلف مع هؤلاء في بعض السمات والخصائص المنطلقة من اختلاف النظرة للحياة الدنيا والآخرة، والنظرة لقيمة الإنسان وغاية خلقه. ومن ثم فقد لا نحفل كثيراً ببعض من تصنفهم الدراسات المعاصرة من الموهوبين، كمن يتميزون بالقدرات في الفن والرسوم والتمثيل ونحو ذلك، فهم - مع عدم اعتراضنا على مالا يخالف الشرع من أنشطتهم - لا يمكن أن يرقوا لمستوى القدوة والريادة في الأمة، فضلاً عن النابغين في أنشطة محرمة كالموسيقى والغناء وغير ذلك. ونشعر أيضاً أن عنايتنا بالموهوبين لا يسوغ أن تتناقض مع أصل التفاضل بالصلاح والديانة والتقوى. ومن رزقه الله الجمع بين العلم والفهم في مقاصد الشرع، وفق لسلوك الطريق الوسط والمنهج الأقوم في ذلك. وانطلاقاً من هذه المقدمة يمكن أن نقترح خصائص للنجباء الذين ينبغي أن يعنى بهم جيل الصحوة، ومن ذلك: 1- الذكاء المرتفع، والقدرة العقلية العالية. 2- الشخصية القيادية. 3- الشخصية المتميزة في الجد والبذل والإنتاجية والمثابرة. 4- الشخصية التي تملك المهارات الاجتماعية والقدرة على كسب قلوب الناس. 5- القدرة والمواهب الأدبية كالشعر والقصة وسائر فنون الأدب. حاجتنا إلى النجباء إن الحديث عن النجباء وما يتعلق بهم فرع عن الاقتناع التام بالحاجة إليهم، واعتبار كسبهم في صفوف الدعوة من الأولويات والمطالب الملحة، فهل هذا الأمر داخل ضمن نطاق اهتماماتنا الدعوية ؟ إن الأولى أن تكون هذه المراحل قد تجاوزها الدعاة إلى الله عز وجل وعادت أموراً بدهية مقررة، ولذا فسنشير إشارة عاجلة إلى مبررات الحاجة إليهم، ليدفعنا ذلك إلى الحرص على كسبهم في قطار المستجيبين للدعوة، ولندرك عمق الخسارة التي نجنيها، والمعاناة التي تعانيها الدعوة من جراء سقوط أمثال هذه العناصر. 1 - قدر مشترك عند العقلاء: لا اختلاف بين العقلاء في أن الناس معادن وقدرات متفاوتة، وتسمع في مجالس كثير من الناس الحديث عن فلان بأنه رجل مؤهل، والآخر يملك قدرة فائقة، والثالث ذكي سريع البديهة. ويتفق الناس جميعاً على أن الرجل الغبي البليد لا يمكن أن يتحول يوماً من الأيام إلى رجل ذكي عبقري، وأن الرجل الجبان ضعيف الشخصية لا يمكن أن يوصله التعليم والتدريب والتربية لأن يكون قائداً محنكاً، وقديماً قيل: والناس ألف منهم كواحد **** وواحد كالألف إن أمر عنى ولا يزال أصحاب الأعمال والتجار يحرصون على كسب عناصر معينة من الناس تملك القدرة والمواهب الفذة التي تؤهلها للقيام بأدوار مهمة في إدارة أعمالهم، ويمنحون رواتب مجزية لأمثال هذه العناصر. 2 - الناس معادن: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- يرفعه قال: "الناس معادن كمعادن الفضة والذهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " (رواه مسلم (2638) ورواه البخاري بنحوه.). فيقرر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث هذا المعنى فيبين أن الناس يتفاوتون كما تتفاوت معادن الذهب والفضة، وأن خيرهم في الإسلام، هو الذي كان خيرهم في الجاهلية، أي الذي كان من معدن نفيس. 3 - هديه صلى الله عليه وسلم: إننا حين نتأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته نجد أنه كان يولي هذا الجانب اعتباراً وعناية؛ فمن ذلك: 1 - حرصه على إيمان نفر من المشركين أكثر من غيرهم، وعنايته بدعوتهم وقد كان يقول:"اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب" (رواه أحمد (5363) 2/95 والترمذي (5681). وقد ظهر أثر ذلك واضحاً؛ فكل من يقرأ السيرة لا يمكن أن يخفى عليه كيف كان أثر إسلام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولهذا قال عبدالله ابن مسعود -رضي الله عنه-:"ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر" ( رواه البخاري (3863). 2 - عنايته صلى الله عليه وسلم بمن أسلم من أصحاب الطاقات الفاعلة والمواهب، ويصور لنا ذلك قول عمرو بن العاص -رضي الله عنه-:"ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد في حربه أحداً منذ أسلمنا" (رواه الطبراني والبيهقي.). 3 - توجيه أصحابه توجيهات خاصة دليل على أن هناك جوانب في النفس قد لا يمكن للمرء أن يتجاوزها لذا فقد قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر:" يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين على مال يتيم" (رواه مسلم (1826) ، وهي مقولة خاصة بأبي ذر -رضي الله عنه- دون غيره من أصحابه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم علم منه ما لم يعلمه من غيره، أما عامة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقد تولوا المسؤوليات والولايات. 4 - مكاتبته صلى الله عليه وسلم للملوك ودعوته إياهم، أليس هذا دليلا على أن من الناس من إذا اهتدى اهتدى بهدايته أمم؟ فلئن كان هذا يصدق على الملوك آنذاك، فهو يصدق أيضاً على قادة الفكر والرأي، وعلى من يملكون قدرة على إقناع الناس ومقارعة الحجة. 4 - هدي السلف: وقد أدرك أصحابه رضوان الله عليهم هذا الأمر فحرصوا عليه في دعوتهم؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال: إنه ممن قد علمتم، قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم، قال: وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني، فقال: ما تقولون في {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} ؟ حتى ختم السورة فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري أو لم يقل بعضهم شيئاً، فقال لي: يا ابن عباس، أكذاك تقول؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له {إذا جاء نصر الله والفتح} فتح مكة فذاك علامة أجلك {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم (رواه البخاري (4294). وهاهو مصعب بن عمير -رضي الله عنه- وقد أرسله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يأتيه سعد بن معاذ - رضي الله عنه - ليسلم فيقول له أسيد بن حضير: هذا رجل إن تبعك لم يتخلف من قومه أحد، وفعلاً كان لسعد البلاء المشهود في الإسلام، ومن بلائه - رضي الله عنه - موقفه في غزوة بدر، وحكمه في بني قريظة حتى اهتز له عرش الرحمن حين مات، كل ذلك مما يفسر لنا حرص أسيد -رضي الله عنه- على دعوة سعد وهدايته. ومن نماذج عناية السلف بالنجباء ما رواه الخطيب في الجامع بإسناده عن إسماعيل بن عياش قال: كان ابن أبي حسين المكي يدنيني، فقال له أصحاب الحديث: نراك تقدم هذا الغلام الشامي وتؤثره علينا؟ فقال إني أؤمله، فسألوه يوماً عن حديث حدث به عن شهر : إذا جمع الطعام أربعاً فقد كمل، فذكر ثلاثاً ونسي الرابعة، فسألني عن ذلك، فقال لي: كيف حدثتكم؟ فقلت: حدثتنا عن شهر أنه إذا جمع الطعام أربعاً فقد كمل: إذا كان أوله حلالاً، وسمي عليه الله حين يوضع، وكثرت عليه الأيدي، وحمد الله حين يرفع. فأقبل على القوم، فقال: كيف ترون؟ ( الجامع 1/312). 5 - تاريخ الإسلام خير شاهد: إن من يقرأ في السيرة النبوية يدرك تماماً أن هناك من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من كان في إسلامه خيرٌ كثيرٌ للأمة، وأثر يوازي آثار غيره، فهذا عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه-منذ أن أسلم لم يزل المسلمون في عزة ومنعة، وهذا خالد بن الوليد -رضي الله عنه-لم يمض على إسلامه أشهر معدودة حتى قاد المسلمين في غزوة مؤته وأنقذ المسلمين من مهلكة، وهو مع ذلك دون كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فضلاً وقد قال له صلى الله عليه وسلم:"لا تسبوا أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" (رواه البخاري (3673) ومسلم (2541)، بل إن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من لا يعرف، ومنهم من طبقت شهرته الآفاق. 6 - ضخامة الأدوار المناطة بالصحوة: إن الصحوة تتحمل مسؤولية ضخمة أمام الأمة في قيادتها والنهوض بها، مما يتطلب منها إعداد قيادات للأمة في مجالات شتى من مجالات الحياة، تسهم هذه القيادات في إقناع الأمة بالمشروع الإسلامي وتأهله للقيادة. والصحوة نفسها تفتقر إلى طاقات وقدرات توجهها وتضبط لها مسيرتها وتقودها في هذا الطريق الطويل. وتفتقر إلى طائفة ممن يحملون العلم الشرعي ويفقهونه حق الفقه، ليكونوا قيادة راشدة للأمة، ولتستغني بالطاقات التي تعيش همومها ومشكلاتها. إن هذه الأدوار وتلك لا يمكن أن يقوم بها فرد عادي، ومن ثم كانت الصحوة بحاجة إلى كسب النجباء الذين يملكون التأهيل لتولي المسؤوليات القيادية على مستوى الصحوة، وعلى مستوى الأمة أجمع. إن تلك الاعتبارات وغيرها تفرض على المربين المخلصين إعادة النظر في موقفهم من النجباء وعنايتهم بهم. أخطاؤنا تجاه النجباء 1 - الإهمال وذلك أننا قد لا نعيرهم الاهتمام اللائق بهم؛ إما في دعوتهم ابتداءً، أو في إعطائهم الجهد التربوي الذي يستحقونه بعد استقامتهم؛ فلا نفرق بين نجيب وغيره، والجهد المبذول له قد يساوي الجهد المبذول لضعاف العقول والشخصية. وترك أمثال هؤلاء يعيشون في أجواء لا تتناسب مع قدراتهم وإمكاناتهم يتسبب في انقطاعهم عن المسيرة، أو في بقائهم داخل الصف بعد أن تذبل قدراتهم وتموت ملكاتهم. كما أن كثيراً من المعلمين والمربين التقليدين لا يعطونهم الاهتمام اللائق، بل يتضايقون منهم "لأنهم لا يحبون الانقياد والتبعية، كما أنهم مندفعون ومن ذوي الأفكار الغريبة، وغير تقليدين، ويبحثون عن التغيير في المجالات التي تتطلب إظهار روح المغامرة، ويميلون إلى الفوضى وعدم النظام" (رعاية الموهوبين والمبدعين. رمضان القذافي ص (123). 2 - وهم الغرور: وهذا من أكثر الأخطاء التي يقع فيها بعض المربين؛ فإنه يملك حرصاً على طلابه، وحساسية مرهفة، فيقف عند الإشارة، والكلمة، والحركة، ويغرق في التحليلات، ويبالغ في التوقعات - والحرص ما لم يخرج عن حد الاعتدال مطلوب - ونتيجة لحرص المربي على طالبه، فإنه يرى أن العناية به والاهتمام به، بل وضعه في موضعه الطبعي يدعوه إلى التميز عن أقرانه مما يدخل العجب والغرور إلى نفسه، ويمكن هنا أن نسجل بعض الملحوظات: 1 - إن حرص المربي على طلبته ما لم يتجاوز حد الاعتدال أمرٌ مطلوب ولا شك، والعناية بإصلاح أعمال القلوب وتفقدها ومدافعة أمراض النفس مسلكٌ لا جدال فيه. 2 - لا شك أيضاً أن الغرور والعجب داء قاتل، - وسيأتي الحديث عنه إن شاء الله-. 3 - لا شك أن العناية بالطالب النجيب، ورعايته لا بد أن ينتج عنها تميزه على زملائه وأقرانه. ولكن: لماذا لا ننظر إلى المسألة إلا من جانب واحد هو الخوف عليه من الغرور؟ فلماذا ننسى أن من حقه التربية والعناية والرعاية ؟ ولماذا نغلب الخوف وحده دون الرجاء ؟ بل إن هناك خوفٌ آخر يجب أن نحكمه هنا، ألا وهو أن إهمال النجيب، وترك العناية به ورعايته مدعاة لأن نخسر طاقة كان يمكن أن تستثمر. ومن يتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لن يعدم الشواهد العديدة من اهتمامه صلى الله عليه وسلم وعنايته بذوي القدرات من أصحابه، وأن هذا الاعتبار لم يكن عائقاً عن الاهتمام بهم وإنزالهم المنـزلة اللائقة، ومن ذلك: 1 - ثناؤه صلى الله عليه وسلم على بعض أصحابه في مواقف عديدة بعبارات حفظت وسطرها علماء التراجم ضمن مناقبهم رضوان الله عليهم، ولا شك أن هذه العبارات تحمل من التزكية والثناء مالا تحمله أي عبارة من غيره صلى الله عليه وسلم، وأي عبارة ثناء وتقدير يسمعها من بعدهم لن تبلغ منـزلة ثناء صاحب الرسالة، أفلم يكن صلى الله عليه وسلم حريصاً على حماية أصحابه من العجب والغرور؟ 2 - تكليفه صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بل والشباب منهم بمهام لا يقوم بها إلا الأكابر، ومن ذلك: أ - تكليف زيد بن ثابت -رضي الله عنه- بكتابة الوحي وهو غلام. ب - تأميره أسامة بن زيد -رضي الله عنه- وهو دون العشرين من عمره على جيش يغزو الروم وفيه كبار أصحابه. ج - توليته عمرو بن سلمة -رضي الله عنه- على الصلاة بقومه (رواه أحمد 5/30 (20355). د - حين قدم عليه وفد ثقيف وكان فيهم عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- وهو أصغر الوفد سناً ولاَّه عليهم وأمره بإمامتهم، ووجهه قائلاً:"أم قومك، فمن أم قوماً فليخفف، فإن فيهم الكبير، وإن فيهم المريض، وإن فيهم الضعيف، وإن فيهم ذا الحاجة، وإذا صلى أحدكم وحده فليصل كيف شاء" ( الحديث في مسلم (468) وأصل القصة عند الطبراني كما في المجمع (9/371) وعند ابن سعد (6/47). هـ وولى عتاب بن أسيد -رضي الله عنه- أميراً على مكة وكان عمره حين استعمل نيفاً وعشرين سنة (الإصابة (4/356). 3 - إطلاع بعض الشباب من الصحابة على بعض الأمور المهمة التي لا يطلع عليها إلا الكبار، ومن ذلك: أ - تكليف زيد بن ثابت -رضي الله عنه- بتعلم السريانية وائتمانه على كل ما يكتبه صلى الله عليه وسلم لليهود وما يكتبونه له وهو لما يزال غلاماًبع د(رواه أحمد (5/186) والترمذي (2715) وأبو داود (3645). ب - اختياره صلى الله عليه وسلم دار الأرقم لتكون مكاناً لاجتماع المسلمين في مكة مع أنه شاب لم يبلغ العشرين بعد. ج - حين شاع الحديث في الإفك دعا النبي صلى الله عليه وسلم شابين من أصحابه فاستشارهما في قضية خاصة وحرجة ألا وهي فراق أهله، كما تحدثنا صاحبة الشأن -رضي الله عنها-:"...ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة ابن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله" (رواه مسلم (2770). والاستطراد في سرد الشواهد يطول، ولعل فيما أوردنا كفاية. 3 - وضعه في غير موضعه: وذلك بأن يوجه لمجالات وجوانب، ويكلف بأعمال يمكن أن يقوم بها من دونه، فهذا إهدار للطاقة النادرة ابتداءً، ومدعاة إلى شعوره بأن هذا العمل لا يليق بأمثاله، فيرى أنه لم يقدر قدره مما يؤدي إلى تسربه وإعراضه. وإنه لمن الإهدار للطاقة والقدرة، ومن التوجيه غير السليم أن يكلف مثل هذا الطالب بأعمال صحفية وفنية في الجمعية المدرسية تستهلك عليه وقته واهتماماته، في حين يقوم بها غيره ويتفرغ هو لأعمال فكرية وعلمية وقيادية تنمي المواهب الهامة التي تحتاجها الأمة. ومن وضعه دون موضعه أن يتولى تربيته طاقات غير مؤهلة تربوياً للقيام بأمثاله، فإن استمر في المشوار التربوي فسيكون دون ما هو عليه، فنخسر طاقته وقدرته، ولست أدري إلى متى ونحن نمارس الأوهام والمخادعة لأنفسنا، فيتخيل المربي أنه قادر على التعامل مع كافة المستويات وسائر الطبقات؟ ولم لا يتجرأ المربي فيفكر أنه دون هذا العمل، وأقل من أن يقوم بفلان، وأي ضير في ذلك أو نقص عليه؟ إنك حين تطلب من رجل أن يرفع حجراً لا يطيقه يبادرك بالاعتذار وأن هذا فوق إمكانه وطاقته، فما باله لا يملك الشجاعة على الاعتذار عن تحمل هذه الأعمال التي لا يطيقها؟ إن من تقدير النجيب حق قدره أن يوجه له أمثاله ممن يملكون القدرة التربوية، ويقتنع أنهم يملكون ما يقدمونه له. مشكلات النجباء لئن كانت هناك أخطاء نقع فيها في تربية النجباء، فهناك مشكلات تقع منهم أنفسهم، ومنها: 1 - الغرور والعجب: النجيب المتميز يحمل بذرة تعينه على الغرور؛ إذ هو يدرك تميزه على أقرانه في سرعة فهمه وإدراكه، وسبقه لهم في كثير من الأنشطة التي يشاركهم فيها، وحين يضاف إلى ذلك تعامل الناس معه وإعلاؤهم لشأنه وثناؤهم عليه يزيد ذلك من شعوره بالغرور والعجب. ولهذا رعى النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى؛ عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقال:"لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله عز وجل" ( رواه أحمد (24721). وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ويلك قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك" مراراً ثم قال:"من كان منكم مادحاً أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً، أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه" (رواه البخاري (2662) ومسلم (3000). قال ابن بطال :"حاصل النهي أن من أفرط في مدح آخر بما ليس فيه لم يأمن على الممدوح العجب لظنه أنه بتلك المنـزلة ، فربما ضيع العمل والازدياد من الخير اتكالاً على ما وصف به "( فتح الباري (10/585). وقال ابن حجر:"ولكن تبقى الآفة على الممدوح ، فإنه لا يأمن أن يحدث فيه المدح كبراً أو إعجاباً أو يكله على ما شهره به المادح فيفتر عن العمل ، لأن الذي يستمر في العمل غالبا هو الذي يعد نفسه مقصراً ، فإن سلم المدح من هذه الأمور لم يكن به بأس ، وربما كان مستحباً" ( فتح الباري (10/586). وعن معاوية -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إياكم والتمادح فإنه الذبح" (رواه ابن ماجه (3743). وحين يحل العجب والغرور قلب امريء فهذا يعني بداية العطب والهلاك، قال الغزالي:"والقلب بيت هو منـزل الملائكة ومهبط أثرهم، ومحل استقرارهم، والصفات الرديئة مثل: الغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب وأخواتها، كلاب نابحة، فأنى تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب" ( إحياء علوم الدين (1/49). 2- الإفراط في النقد: ومن المشكلات التي تكثر عند بعض النجباء والموهوبين الإفراط في النقد، ذلك أن القدرات التي يملكونها تؤهلهم أكثر من غيرهم لاكتشاف الأخطاء، ويتراكم تأثير ذلك حتى يصبح النقد سلوكاً مستقراً لدى أحدهم، فينتقد الأشخاص والبرامج والأعمال، وبعضهم من فرط نقده قلما يرى شيئاً أو أحداً يعجبه. والنقد بحد ذاته ليس صفة ذميمة، لكنه حين ينشأ لدى الشاب في وقت مبكر فقد يولد آثاراً غير محمودة، خاصة أن خبرة الشاب لا تزال تقصر عن مؤهلاته وقدراته. وينشأ عن ذلك أيضاً المثالية في النقد، نظراً للإفراط في التجريد لدى الشاب وقلة الخبرة. وقد ينشأ من الإفراط في النقد في هذه المرحلة المبكرة حرمان الشاب من الاستفادة من كثير من الأشخاص، أو البرامج والفرص المتاحة نظراً لأنها قد لا تروق له ولا تعجبه. 3 - احتقار الآخرين: وقد ينشأ من غرور الشاب وإعجابه بنفسه أن يحتقر الآخرين؛ ذلك أنه يرى أنه أسد منهم تفكيراً، وأكثر اطلاعاً، وأسرع فهما واستيعاباً، فيولد ذلك لديه احتقارهم واستصغار شأنهم. ويزيد من ذلك الشعور قدرته على النقد واكتشاف أخطاء الآخرين. 4 - الشذوذ وتتبع الغرائب: يدفع بعضَ النجباء شعورُهم بالتميز وتطلعهم للتفرد إلى الشذوذ في الآراء، وتتبع الغرائب، ويغذي ذلك شهوة خفية توحي إليهم أن ذلك أمارة على دقة فهمهم وسعة اطلاعهم، وأنهم يدركون ما لا يدركه الآخرون. وهذا المسلك إنما هو نتيجة للثقة المفرطة بالنفس والاعتداد بها، لذا فكثيرٌ ممن انحرفوا في ميدان الفكر وأتوا بالغرائب والشواذ هم من الأذكياء والنجباء. ومما يعوق أمثال هؤلاء عن الرجوع للحق والاستماع للمخالف، شعورهم بأن ذلك يعني اعترافهم بنقص قدرهم وتميز الآخرين عليهم. 5 - سرعة الملل والسأم: يتسم الموهوبون -كما سبق - بالشعور بالملل عند أداء الأعمال الروتينية، ويتطلعون كثيراً للتجديد والتطوير، وهي سمة إيجابية. لكنها تولد مشكلات لدى كثير من المربين تتمثل في مللهم وسأمهم من البرامج التي تقدم لهم، وقد لا يستطيع كثير من المربين الوفاء بمطالبهم وملاحقة تطلعاتهم، خاصة التقليدين منهم الذين لا يستوعبون التطوير والتجديد، وتمثل الأساليب التقليدية التي اعتادوها ثوابت لا يفكرون في تجاوزها. وقد ينتج عن هذه المشكلة انقطاع هؤلاء، أو جنوحهم إلى الكسل والعجز، أو إلى العبث والشغب. وصايا للاعتناء بالنجباء : أنتجت الدراسات المعاصرة برامج ووسائل للاعتناء بالموهوبين ورعايتهم، وثمة مدارس عدة تتفاوت فيما بينها في وسائل الرعاية والاهتمام. لكن لما كان هذا الحديث حديثاً خاصاً للمربي والمعلم الذي لا يملك التغيير في بنية التعليم وهيكليته رأيت الاقتصار على بعض المقترحات التي يمكن أن يطبقها المعلمون والآباء. وقبل ذلك أشير باختصار شديد إلى أهم وسائل رعاية الموهوبين في البرامج التعليمية: 1 - التجميع أو العزل وهو تجميع المتميزين من الطلاب في فصول خاصة بالمدرسة الواحدة جزءاً من اليوم الدراسي أو طوال اليوم، أو تجميعهم في مدارس خاصة. 2 - الإثراء ويقوم هذا الأسلوب على أساس إغناء المنهج في إطار الصفوف العادية، أو في مجموعات خاصة، ومن أساليب الإثراء المستخدمة: أ - أن تكون هناك مقررات إضافية، أو أجزاء من المقررات لا يلزم بها الطالب العادي. ب - إضافة أجزاء في كل وحدة أو موضوع في الكتاب الدراسي كقراءات إضافية أو بحوث أو نحو ذلك. ج - إعداد كتب إضافية تصحب الكتاب المدرسي. 3 - الإسراع ويتضمن القبول المبكر في المراحل التعليمية بالنسبة لعمر الطالب الزمني، أو السماح له بتخطي بعض الصفوف الدراسية، أو إنهاء دراسته في مدة أقل مما تتطلبه مرحلته الدراسية (انظر: الموهوبون 22-29 ، 61-63، 180-181.). وقد تكون الاستفادة المباشرة لبعض المربين من هذه الوسائل محدودة، وإن كنا ننتظر من المربين ألا يقفوا عند حدود ما يقدم لهم جاهزاً بل يسعوا لتوظيف خبرات الآخرين بالطريقة المناسبة، وحين يكون المربون غير قادرين على ذلك فهذا يعني الشك في تأهلهم وقدرتهم على التربية ابتداءً. لذا نقدم هذه الوصايا التي نأمل أن يستفيد منها المربون في الاعتناء بالنجباء والموهوبين: 1 - الحرص على التعرف عليهم واكتشافهم ابتداء، وإن كانت الاختبارات والمقاييس العلمية قد لا تتيسر في ذلك، إلا أنه يمكن أن تُستخدم الوسائل الآتية التي قد تعد مؤشرات قوية: أ - الملاحظة المباشرة، وتفتقر إلى خبرة المعلم وقدرته على التقويم. ب - تطوير طرق التدريس وأساليبه، والبعد عن الطريقة التي تعتمد على الإلقاء، والحرص قدر الإمكان على زيادة تفاعل الطلاب ومشاركتهم. مع ملاحظة أن المشاركة المطلوبة هنا ليست ما يفعله كثير من المعلمين من خلال طرح أسئلة في ثنايا الدرس عما سبق أن قدمه لهم، فهذه تقيس التذكر والاستدعاء، إنما ينبغي أن تكون المشاركة في التعرف على المشكلات، والوصول إلى النتائج، مع الاعتناء بالمستويات المتقدمة من التفكير. ج - تطوير أساليب التقويم لتقيس كافة مستويات التحصيل ولا تكون مقتصرة على التذكر والاستدعاء وحده. د - تطوير البرامج والأنشطة، والبعد عن الأساليب والأنماط التقليدية الجامدة. هـ - تنظيم المسابقات والمنافسات والبرامج المنوعة التي تسهم في اكتشاف الطاقات والخبرات، مع مراعاة أن تصاغ بطرق تخدم في التعرف على الموهوبين والنجباء، دون أن تكون مركزة على اكتشاف المعلومات والمهارات السابقة لدى الطلاب. و- الاستعانة بالنتائج الدراسية، مع الحذر من الاعتماد عليها وحدها، فهي تعد مؤشراً من المؤشرات. 2 - الحرص على إصلاحهم وهدايتهم، فهذه هي الركيزة الأولى للاستفادة منهم، وتوظيف قدراتهم في سبيل الخير ونصرة الحق. 3 - الاعتناء بتربيتهم وتوجيههم، والحرص على تحقيق النمو المتوازن لديهم، ويمكن الاستفادة بصورة أو أخرى من وسائل الرعاية التي أشرنا إليها قبل قليل، مع ضرورة التوازن وعدم المبالغة في إظهار الاهتمام الزائد؛ فينشأ عن ذلك نتائج عكسية. 4 - تطوير البرامج التربوية والارتقاء بها؛ بحيث تسهم في تقديم خبرات متنوعة، وتتعامل مع كافة مستويات التحصيل، وعدم التركيز على الجانب المعرفي وحده، كما هو الواقع في البرامج التربوية التي تقدم اليوم للناشئة(المؤلف بصدد إعداد كتاب يتناول الأهداف التربوية في مرحلة الشباب ووسائل تحقيقها، لعله أن يقدم بعض). 5 - مراجعة محتوى البرامج والأنشطة التربوية ووسائلها وأهدافها بحيث تراعي الفروق الفردية، وتضمينها قدراً أكبر من المرونة. 6 - الاعتناء باختيار من يولى تربية الموهوبين ورعايتهم، فليس كل المعلمين والمربين يجيدون التعامل مع الموهوبين ورعايتهم. 7 - علاج المشكلات المتولدة لديهم، كالعجب والاعتداد بالنفس، قبل أن تنمو وتستفحل فيصعب علاجها. لا بد من الاعتدال: إنه ومع ضرورة الاعتناء بالنجباء والموهوبين فلا بد من الاعتدال في ذلك، وأن يوضع الأمر في الإطار الطبيعي، بحيث لا يؤدي إلى: 1 - إهمال دعوة سائر الناس وتربيتهم، فدين الله تعالى جاء خطاباً للجميع، وليس ديناً خاصاً بالنخبة. 2 - الإعراض عمن أقبل من غير هؤلاء وإهماله؛ فقد أنكر الله تبارك وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم إعراضه عن ابن أم مكتوم حين جاء مقبلاً وانشغاله بصناديد قريش {عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جَاءهُ الأَعْمَى. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى. فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى. وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى. وَأَمَّا مَنْ جَاءكَ يَسْعَى. وَهُوَ يَخْشَى. فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى. كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ. فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ}. 3 - احتقار من سواهم والنظرة إليهم نظرة قاصرة، وقد يكون فيهم من هو أزكى وأفضل عند الله تعالى؛ قال صلى الله عليه وسلم : "رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" (رواه مسلم (2622) .وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم :"ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره. ألا أخبركم بأهل النار؟ كل جواظ زنيم متكبر". ( رواه البخاري (4918) ومسلم (2853). وأعـلى النبي صلى الله عليه وسلم منـزلة الضعفاء وشـأنـهم؛ فقد قال لسعـد بن أبي وقـاص - رضي الله عنه- حين رأى أن له فضلاً على من دونه: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟" ( رواه البخاري (2896) ، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: "أبغوني ضعفاءكم فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم" ( رواه أحمد (21224) وأبو داود (2594) والترمذي (1702) والنسائي(3179) . وقال صلى الله عليه وسلم : "طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع" (رواه البخاري (2887). بل والصحوة اليوم تحتاج لطائفة من الصالحين الصادقين الذين لا يأبه لهم الناس، ولو لم يتولوا مسؤوليات وأعباء، علها أن تنصر وتوفق بدعائهم وصدقهم مع الله تعالى. نسأل الله تعالى أن يجعلنا هداة مهتدين، وأن يحشرنا في زمرة عباده الصالحين، إنه سميع مجيب،،،
المصدر : كتاب مقالات في التربية للشيخ / محمد الدويش
رد مع اقتباس
  #127  
قديم 17-08-2010, 11:32 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

أيها المعلمون : الطلاب طاقات مهدرة


بسم الله الرحمن الرحيم
يفيض كثير من الكتاب في هذه الآونة في الكتابة حول المسؤلية الملقاة على عاتق المعلم وما ينبغي عليه من آداب التعليم وهو موضوع مهم وجدير بالعناية ولكنني لن أتحدث عنه لأنني أعتقد أن غيري قد كفاني مؤنة الحديث عنه.
ولكن ثمة أمر يحتاج إلى طرق واهتمام لأهميته ولكثرة من يتغافل أو يتكاسل عنه وهو ما ينبغي على المعلم من تمكين هم الدعوة في قلبه واستغلاله للموارد المتاحة له قبل أن تنضب أو تشوبها شوائب البطالة أو تكتسحها أيدي السفالة.
نعم أيها المعلمون الأماجد لماذا لا نذكي في قلوبنا هم دعوة طلابنا إلى الاستقامة ؟ ألسنا نوجههم إلى ما فيه خيرهم ، لماذا يأخذ التلقين المجرد كل أوقاتنا ؟ مع أنه الوسيلة لا الغاية ، لماذا يخرج طلابنا من فصولهم كما دخلوا إليها ؟ لماذا لا نستغل هذا الصرح العلمي ليكون ميدانا لتخريج النشء المستقيم على دينه ؟ لماذا لا نوجه علمنا الذي نلقنه لطلابنا أيا كان ذلك العلم ليكون خادما لشرع الله ؟.
هذه التساؤلات هي التي ينبغي أن نهتم بها وأن نعد الإجابة عليها قبل أن نعد كشوف الدرجات ودفاتر التحضير.
أيها المعلمون إن دعوة طلابنا تكون عبر طريقين: أولهما أقوالنا ، وثانيهما:أفعالنا ابتسامتنا وتواضعنا وحسن تعاملنا ولين قولنا وتغاضينا عن الأخطاء وشرح صدورنا لهموم طلابنا،ولعمر الله إن هذا الطريق لهو أنجع الطريقين.
وثم طريق ثالث وهو تفعيل تلك الطاقة واستغلالها عبر خطة محكمة ونشاط متزن
إن إذكاء روح الإسلام في الطالب و مخاطبة وجدانه مع حسن التعامل معه كفيلان بأن يخرجا لنا جيلا يعتمد عليه ولست أحكي هذا القول لأستاذ مستوى دون آخر بل يتساوى في ذلك أستاذ المرحلة الإبتدائية وما بعدها.
وهاك يا رعاك الله بعض الطرق المجربة في استغلال طاقات الطلاب:
1ـ حثهم على حفظ شيء من القرآن أو السنة
2ـ حثهم على المراسلة ، ولي معها حديث آخر إن شاء الله.
3ـ حثهم على المشاركة في الشبكة العنكبوتية بطريقة معينة لاسيما طلاب الجامعات
4ـ وضع قائمة بالعمالة في الحي
5ـ جمع مجلات إسلامية وتوزيعها في المستوصفات وصالونات الحلاقة
6ـ جمع الأشرطة والكتيبات المفروغ من سماعها وقرآتها وتوزيعها
7ـ التعاون مع مكاتب الجاليات وتوزيع الكتب على المسلمين وغيرهم
8ـ جمع مبلغ زهيد كل شهر من الطلاب ـ كريال مثلا ـ وتكليفهم بشراء كتيبات أو أشرطة وتوزيعها
9ـ تكليفهم باختصار كتيب أو تدوين شريط
هذه جملة من الطرق علما أن لكل مستوى ما يناسبه ، ولا بأس بأن يرغب الأستاذ الطلاب بالدرجات سيما في بداية الأمر، مع أن الطلاب يتقبلون ويبذلون ولو بدون ذلك إذا تيسر لهم الأستاذ المربي .
ولعل الإخوة الكرام يشاركون في تدوين ما يرون من طرق استثمارية . والله أعلم
أخوكم
أبو عبيد
رد مع اقتباس
  #128  
قديم 17-08-2010, 11:36 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

وسائل الثبات في زمن التقلبات


وسائل الثبات في زمن التقلبات
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا،من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فإن الثبات على دين الله مطلب أساسي لكل مسلم صادق يريد سلوك الصراط المستقيم بعزيمة ورشد .
ومن هذا المنطلق احببت ان انقل مقتطفات وباختصار شديد من رسالة من الشيخ الفاضل / محمد صالح المنجد عن هذا الموضوع
وضع المجتمعات الحالية التي يعيش فيها المسلمون،وأنواع الفتن والمغريات التي بنارها يكتوون، وأصناف الشهوات والشبهات التي بسببها أضحى الدين غريباً ، فنال المتمسكون به مثلاً عجيباً ( القابض على دينه كالقابض على الجمر ) .
ومن وسائل الثبات:
أولاً : الإقبال على القرآن :
القرآن العظيم وسيلة الثبات الأولى ، وهو حبل الله المتين ، والنور المبين ، من تمسك به عصمه الله ، ومن اتبعه أنجاه الله ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم .
ثانياً : التزام شرع الله والعمل الصالح :
قال الله تعالى : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء } إبراهيم /27 .
قال قتادة : " أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ، وفي الآخرة في القبر " . وكذا روي عن غير واحد من السلف تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/421 . وقال سبحانه :{ ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً } النساء /66 . أي على الحق .
ثالثاً : تدبر قصص الأنبياء ودراستها للتأسي والعمل :
والدليل على ذلك قوله تعالى :{ وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} هود /120 .
فما نزلت تلك الآيات على عهد رسول الله  للتلهي والتفكه ، وإنما لغرض عظيم هو تثبيت فؤاد رسول الله  وأفئدة المؤمنين معه .
- فلو تأملت يا أخي قول الله عز وجل : { قالوا حرقوه وأنصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ، قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين }الأنبياء /68-70 قال ابن عباس: " كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار : حسبي الله ونعم الوكيل" الفتح 8/22
ألا تشعر بمعنى من معاني الثبات أمام الطغيان والعذاب يدخل نفسك وأنت تتأمل هذه القصة ؟
- لو تدبرت قول الله عز وجل في قصة موسى : { فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون ، قال كلا إن معي ربي سيهدين } الشعراء /61-62 .
ألا تحس بمعنى آخر من معاني الثبات عند ملاحقة الطالبين ، والثبات في لحظات الشدة وسط صرخات اليائسين وأنت تتدبر هذه القصة ؟ .
وغيرها كثير من قصص القرآن الكريم.
رابعاً : الدعاء :
من صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم :
{ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } ، { ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا } . ولما كانت ( قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء )رواه الإمام أحمد ومسلم عن ابن عمر مرفوعاً .
خامساً : ذكر الله :
وهو من أعظم أسباب التثبيت .
- تأمل في هذا الاقتران بين الأمرين في قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً } الأنفال /45 . فجعله من أعظم ما يعين على الثبات في الجهاد
سادساً : الحرص على أن يسلك المسلم طريقاً صحيحاً :
والطريق الوحيد الصحيح الذي يجب على كل مسلم سلوكه هو طريق أهل السنة والجماعة ، طريق الطائفة المنصورة والفرقة الناجية ، أهل العقيدة الصافية والمنهج السليم واتباع السنة والدليل ، والتميز عن أعداء الله ومفاصلة أهل الباطل ..
سابعاً : التربية :
التربية الإيمانية العلمية الواعية المتدرجة عامل أساسي من عوامل الثبات .
ثامناً : الثقة بالطريق :
لا شك أنه كلما ازدادت الثقة بالطريق الذي يسلكه المسلم ، كان ثباته عليه أكبر ..
تاسعاً : ممارسة الدعوة إلى الله عز وجل :
النفس إن لم تتحرك تأسن ، وإن لم تنطلق تتعفن ، ومن أعظم مجالات انطلاق النفس : الدعوة إلى الله ، فهي وظيفة الرسل ، ومخلصة النفس من العذاب ؛ فيها تتفجر الطاقات ، وتنجز المهمات ( فلذلك فادع ، واستقم كما أمرت ) . وليس يصح شيء يقال فيه " فلان لا يتقدم ولا يتأخر " فإن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية ، والإيمان يزيد وينقص .
عاشراً : الالتفاف حول العناصر المثبتة :
تلك العناصر التي من صفاتها ما أخبرنا به عليه الصلاة والسلام : ( إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر )حسن رواه ابن ماجة
البحث عن العلماء والصالحين والدعاة المؤمنين ، والالتفاف حولهم معين كبير على الثبات . وقد حدثت في التاريخ الإسلامي فتن ثبت الله فيها المسلمين برجال .
الحادي عشر : الثقة بنصر الله وأن المستقبل للإسلام :
نحتاج إلى الثبات كثيراً عند تأخر النصر ، حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها ، قال تعالى : { وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة }آل عمران /146-148 .
الثاني عشر : معرفة حقيقة الباطل وعدم الاغترار به :
في قول الله عز وجل:{لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد} آل عمران /196تسرية عن المؤمنين وتثبيت لهم.
وفي قوله عز وجل : { فأما الزبد فيذهب جفاء } الرعد /17 عبرة لأولي الألباب في عدم الخوف من الباطل والاستسلام له .
الثالث عشر : استجماع الأخلاق المعينة على الثبات :
وعلى رأسها الصبر ، ففي حديث الصحيحين : ( وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر )رواه البخاري في كتاب الزكاة - باب الاستعفاف عن المسألة ، ومسلم في كتاب الزكاة - باب فضل التعفف والصبر . وأشد الصبر عند الصدمة الأولى ، وإذا أصيب المرء بما لم يتوقع تحصل النكسة ويزول الثبات إذا عدم الصبر .
الرابع عشر : وصية الرجل الصالح :
عندما يتعرض المسلم لفتنة ويبتليه ربه ليمحصه ، يكون من عوامل الثبات أن يقيض الله له رجلاً صالحاً يعظه ويثبته ، فتكون كلمات ينفع الله بها ، ويسدد الخطى ، وتكون هذه الكلمات مشحونة بالتذكير بالله ، ولقائه ، وجنته ، وناره .
الخامس عشر : التأمل في نعيم الجنة وعذاب النار وتذكر الموت .
فالذي يعلم الأجر تهون عليه مشقة العمل ، وهو يسير ويعلم بأنه إذا لم يثبت فستفوته جنة عرضها السموات والأرض ، ثم إن النفس تحتاج إلى ما يرفعها من الطين الأرضي ويجذبها إلى العالم العلوي.
أسأل الله العلي العظيم لي ولكل قارئ الثبات في الحياة الدنيا والآخرة انه على ذلك قدير .
والحمد لله رب العالمين
رد مع اقتباس
  #129  
قديم 17-08-2010, 11:41 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

فلذات الأكباد وحفظ كتاب الله


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:
فإن الله عز وجل أنعم علينا بنعم عظيمة وآلاء جسيمة؛ من أعظمها نعمة الأبناء الذين تقر بهم الأعين، وتهنأ بهم النفوس، وهم يتراوحون بين قول الله تعالى: { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [الكهف:46]، وبين قوله تعالى: { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } [الأنفال:28]، وبين قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } [الأنفال:27].
ومن فضل الله علينا أن يسر حفظ القرآن العظيم في مدارس تحفيظ القرآن النظامية، أو عبر حلقات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد للأبناء، وفي دور تحفيظ القرآن المسائية للنساء. وقد قامت الحُجة وتيسّرت السبل ليكون أبناؤنا وبناتنا من حملة كتاب الله عز وجل، فهنيئاً لك أيها الأب أن يكون فلذة كبدك غداً إماماً للمسجد الحرام أو للمسجد النبوي أو لمسجد من المساجد، فما خرج هؤلاء الأئمة إلا من هذه الحلق المباركة التي نفع الله بها.
قال خباب بن الأرت لرجل: ( تقرب إلى الله ما استطعت واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه ) [رواه الحاكم].
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ( من أحي القرآن فهو يحب الله ورسوله ) [رواه الطبراني].
قال الحافظ السيوطي: ( تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام به ينشأ على الفطرة ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكن الأهواء منها وسوادها بأكدار المعصية والضلال ).
وقال ابن تيمية رحمه الله: ( وأما طلب حفظ القرآن فهو مقدم على كثير مما تسميه الناس علماً وهو إما باطل أو قليل النفع ).
وحتى تكتمل فرحة الآباء بما لأبنائهم في طَرْقِ هذا الباب العظيم، فإن الله عز وجل تكفل ووعد لحفظة كتابه بثمرات كثيرة منها:
1 - الرفعة في الدنيا والآخرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين » [رواه مسلم]، فهنيئاً لك أن يكون ابنك أو ابنتك ممن يرفعهم هذا القرآن العظيم ويعلي شأنهم.
2 - إرادة الله عز وجل بأبنائك الخير لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » [رواه البخاري] وأعظم الفقه في الدين قراءة وحفظ كتاب الله عز وجل حيث هو مصدر التشريع الأول.
3 - أنهم من أهل الله وخاصته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « إن لله تعالى أهلين من الناس، أهل القرآن هم أهل الله وخاصته » [رواه أحمد والنسائي].
4 - أن إجلالهم من إجلال الله عز وجل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه » [رواه أبو داود].
5 - تقديمه في الإمامة للصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله تعالى » [رواه مسلم].
6 - تقديمه في القبر، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، ثم يقول صلى الله عليه وسلم: « أيهما أكثر أخذاً للقرآن ، فإن أشير إلى أحدهما قدّمه في اللحد » [رواه البخاري].
7 - أن أولادك ذكوراً وإناثاً في حرز من الشيطان وكيده، قال صلى الله عليه وسلم: « إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة » [رواه مسلم].
8 - أنهم في مأمن من فتنة الدجال ، قال صلى الله عليه وسلم: « من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال » [رواه مسلم].
9 - أما منازل ذريتك في الآخرة فهي أعظم المنازل وأرفعها، قال صلى الله عليه وسلم: « يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها » [رواه أبو داود والترمذي].
10 - يلبس حلة الكرامة قال صلى الله عليه وسلم: « يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يارب حَلِّه، فيُلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يارب زده، فيُلبس حُلة الكرامة، ثم يقول يارب أرضىََ عنه، فيرضى عنه، فيقال: اقرأ وارقَ ويزاد بكل آية حسنة » [رواه الترمذي].
11 - القرآن شفيع لمن تحب يوم الفزع الأكبر، قال صلى الله عليه وسلم: « اقرؤا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه » [رواه مسلم].
12 - يُلبس تاجاً من نور يوم القيامة: قال صلى الله عليه وسلم: « من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به ألبس يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس » [صحيح الحاكم].
13 - القرآن حجة يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: « يؤتى يوم القيامة بالقرآن، وأهله الذين يعملون به، تقدمهم سورة البقرة وآل عمران، تحاجان عن صاحبهما » [رواه مسلم].
14 - أن ابنك من خيار هذه الأمة وكفى بها منزلة قال صلى الله عليه وسلم: « خيركم من تعلم القرآن وعلمه » [رواه البخاري].
15 - بلوغ منزلة السفرة الكرام البررة قال صلى الله عليه وسلم: « الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة.. » [رواه مسلم].
16 - أن ابنك يعيش وينشأ في مجالس ذكر عظيمة قال صلى الله عليه وسلم: « وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده » [رواه مسلم].
17 - رجاء الثواب العظيم: قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } [فاطر:29].
18 - كثرة الثواب على قلة العمل ، قال صلى الله عليه وسلم: « من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ( ألم ) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف » [رواه الترمذي].
19 - أن ذريتك من المغبونين بهذا العمل العظيم، قال صلى الله عليه وسلم: « لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به أناء الليل وأناء النهار... » [متفق عليه].
20 - السلامة والنجاة من النار قال صلى الله عليه وسلم: « لو جُمع القرآن في إهاب ما أحرقه الله بالنار » [رواه البيهقي في الشُعب وحسّنه الألباني].
21 - سلامة قلبه من الخراب قال صلى الله عليه وسلم: « إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب » [رواه الترمذي].
22 - أن له بكل غدوة أجر حجة تامة لقوله صلى الله عليه وسلم : « من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلّم خيراً أو يُعلّمه، كان له كأجر حاج تاماً حجته » [رواه الطبراني وصححه الألباني].
23 - أن ابنك يتأدب بآداب حملة القرآن، قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وبورعه إذ الناس يخلطون، وبتواضعه إذ الناس يختالون، وبحزنه إذ الناس يفرحون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبصمته إذ الناس يخوضون ) فأنعم بها من محاسن الأخلاق ومكارمه. ويكفي ابنك وابنتك فخراً أنهم يحملون في صدورهم كلام رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، في زمن امتلأت فيه صدور الشباب والفتيات بما هو تافه محرم.
24 - أن ابنك من حملة راية هذا الدين. قال الفضيل بن عياض رحمه الله: ( حامل القرآن حامل راية الإسلام.. ).
أما أنت أيها الأب وأنتِ أيتها الأم فلكم من الأجر والمثوبة الشيء الكثير ومن ذلك:
1 - تلبس يوم القيامة حلتين. قال صلى الله عليه وسلم : « من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به، أُلبس يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل الشمس، ويُكسى والديه حُلتين لا يقوم بهما الدنيا، فيقولان، بم كسينا؛ فيقال بأخذ ولدكما القرآن » [صححه الحاكم ووافقه الذهبي].
2 - لكما أجر الدلالة على الخير صلى الله عليه وسلم : « الدال على الخير كفاعله » [رواه مسلم].
3 - استمرار ثواب غرس الإسلام في قلوبهم ومحبة هذا الدين وكتاب الله، قال صلى الله عليه وسلم : « من دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً.. » [رواه مسلم].
4 - اقامة معالم الإسلام وسننه في الأهل والجيران والمعارف، فإن الناس يتبعون بعضهم بعضاً، قال صلى الله عليه وسلم : « من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده.. » الحديث.
5 - تنشئة الابن على الخير والصلاح ليكون لكما ذخراً بعد موتكما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط الصلاح في الولد فقال صلى الله عليه وسلم : « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث » وذكر صلى الله عليه وسلم منها « أو ولد صالح يدعو له » [رواه مسلم].
6 - إبعاد الابن عن مواطن الفتن والشبه ووقايته من النار يقول الله جل وعلا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [التحريم:6].
7 - تقرُّ عينك وأنت تسمع وترى اهتمامات ابنك وابنتك وكلها منصبة في حفظ القرآن وكم حفظ، وإلى أي آية قرأ؟ وهم بهذا ينشأون في طرق الخير بعيداً عن الانحراف ودواعيه، وهذه نعمة عظيمة.
8 - الأجر العظيم الذي تناله من الله عز وجل على الصبر على حسن التربية والتنشئة قال تعالى: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [العنكبوت:69].
9 - براءة الذمة من عدم التفريط في التربية ، قال صلى الله عليه وسلم : « كلكم راع ومسئول عن رعيته... والرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته » [متفق عليه].
10 - نفع الأمة والإسهام في تقديم جيل صالح حافظ لكتاب الله ليكونوا صالحين مُصلحين.
وبعض الآباء يتعذر بأن ملَكَات ابنه ضعيفة، أو أن مواهبه قليلة، وهو ضعيف الحفظ، قليل الفهم، ولهذا الأب بعض النقاط التي توضح ما غاب من أمره ومنها:
1 - يكفي ابنك أن يحضر كل يوم حلق التحفيظ وهي مجالس ذكر عظيمة تغشاها الرحمة وتتنزل فيها الملائكة ويذكرهم الله عز وجل فيمن عنده.
2 - الملائكة تستغفر لابنك، والله عز وجل يُسهِّل له أمر هذا الطريق ، قال صلى الله عليه وسلم : « من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاء بما يطلب، وإن العالم ليستغفر له من في السموات والأرض حتى الحيتان في الماء.. » [رواه أحمد].
3 - ابنك ممن يحملون ميراث النبوة ، قال صلى الله عليه وسلم : « وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر » [رواه أحمد].
4 - إنه في عبادة عظيمة ، قال صلى الله عليه وسلم مخاطباً أبا ذر: « يا أبا ذر لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة.. » [رواه ابن ماجة بإسناد حسن].
5 - تعويدهم على ارتياد أماكن العبادة وربطهم بها، وحتى لا يكون بينهم وبين المساجد وحشة إذا كبروا وشبّوا، ولتكون قلوبهم منذ الصغر معلقة بالمساجد وأهلها.
6 - الصحبة الطيبة التي يجدونها في طلبة حِلَقِ التحفيظ فهم من صفوة الصغار الذين نراهم وهؤلاء هم زملاؤه وصحبته إذا كبر.
7 - إن هذا القرآن ميسر قراءته وحفظه للكبير والصغير قال تعالى: { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ } [القمر:40] وهناك رجال ونساء كبار في السن يحفظون القرآن الكريم كاملاً بالرغم من أنهم لا يعرفون القراءة والكتابة، إنما حفظوا عن طريق السماع.
8 - في بقائهم بعد صلاة العصر مثلاً حفظ لهم من المؤثرات الخارجية: كالشارع والشاشة والصحبة السيئة، وفي ذلك حفظٌ لأوقاتهم وعقولهم واستثمارها فيما ينفع.
9 - لا يشترط في التحاق ابنك لحلق التحفيظ أن يحفظ القرآن كاملاً، بل دعه يسير مع الركب ولا تحرمه أجر المشاركة ويكفي أن يحفظ ما تيسر ففي هذا فضل عظيم.
10 - بعض الآباء يتعذر بأن حفظ أولاده للقرآن الكريم يقلل من تحصيلهم العلمي، والتجربة أكبر برهان على عكس ذلك ولك أن تسأل عن الطلاب النابغين في إدارات التعليم لترى أنهم من حفظة كتاب الله عز وجل.
11 - فترة الطفولة والشباب فرصة ذهبية لحفظ القرآن بعيداً عن المشاغل وكثرة الأعمال مع ثبوت الحفظ في هذه السن. ومن قرأ القرآن في صغره حسنت لغته وتعرف على شواهد القرآن وبلاغته وسَلِمَ من اللحن.
12 - أن ابنك الذي يجد مشقة في القراءة والحفظ له أجر عظيم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «.. والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق له أجران » [رواه مسلم].
أيها الأب المبارك: إن فاتك أمر حفظك لكتاب الله عز وجل فلا تحرم أبناءك وبناتك من ذلك، واحرص على أن يكون لك سهم من سهام الخير بدعم هذه الحلق والمدارس المباركة بما تراه من طيِّب مالك فهم أحق وأولى بالدعم، وليكن لجماعات تحفيظ القرآن جزء من أوقافك فإنها من أكثر المصارف نفعاً وأعظمها أجراً، وأسهم بإسداء الرأي والتوجيه للرفع من مستوى الحلق، فإن ذلك من التعاون على البر والتقوى وفيه إعانة لهم على الاستمرار.
أيها الأب الموفق: أما وقد انشرح صدرك لهذا الأمر العظيم وسمت همتك للعلياء لا يفوتك الحرص على اختيار الحلق الجيدة حتى يستفيد أبناؤكم الفائدة المرجوة، وذلك عن طريق السؤال عن حسن تعامل القائمين على الحلق، ومدى انضباط الأبناء في الحضور والانصراف، ومعرفة وقت بدء الحلقة ونهايتها، ومقدار الحفظ والمراجعة، وابذل لهم الجوائز وكن خير مشجع ومساند لهم.
يا أمة محمد :
اجعلوا بيوتكم دوحات إيمانية ولتكن شجرة أسرتكم أوراقاً خضراء مورقة، فأنتم تحفظون كتاب الله عز وجل وأبناؤكم يسعون في حلقات التحفيظ، وأما أزواجكم وبناتكم فهن في رياض الجنة يتقلبن ويغدين إلى دور التحفيظ النسائية المسائية يحفظن كتاب الله عز وجل.. إنها أسر مباركة. فلا تحرموا أنفسكم من هذا الخير..
قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( إن هذا القرآن مأدبة الله فخذوا منه ما استطعتم، فإني لا أعلم شيئاً أصغر من بيت ليس فيه من كتاب الله شيء، وإن القلب الذي ليس فيه من كتاب الله شيء خرب كحجرات البيت الذي لا سكن له ) [رواه الدارمي].
قال تعالى: { وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً } [الفرقان:30] قال ابن كثير رحمه الله: ( فتركُ تصديقه من هجرانه، وترك تدبره وفهمه من هجرانه وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجه من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء من هجرانه.. ).
أصلح الله لنا الذرية وجعلهم ممن يحملون راية هذا الدين، وجعلنا ممن يستعمله في طاعته ومرضاته .
رد مع اقتباس
  #130  
قديم 17-08-2010, 11:52 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

صفات المربي


من صفات المربي من البدهيات المقررة لدى الناس أجمع أنه لابد لكل وظيفة وعمل يقوم به الإنسان من إعداد وتهيئة، فالبناء لا يمكن أن يقوم به إلا متخصص، والصيانة لأعمال المنـزل، أو السيارة لا يمكن أن تتم إلا على يد من يعرف هذا العمل ويدرك أصوله، فكيف ببناء الإنسان وإعداده؟ والتربية عملية مهمة وصعبة، إنها إعداد للإنسان وغرس للقيم والمعاني، وهي وسيلة لإزالة الرواسب السيئة التي ترسخت لدى الإنسان بفعل عوامل ومؤثرات شتى. إنها تعامل مع عالم الإنسان، العالم الغريب بأحواله ومشاعره وعواطفه وسائر أموره. إن من يتعامل مع غير الإنسان يتعامل مع آلة صماء، أو حتى كائن حي يمكن السيطرة عليه وترويضه، أما التعامل مع الإنسان فهو أمر عسير؛ إنه التعامل مع الند والقرين، فإذا كانت التربية كذلك فلا يمكن ولا يسوغ أن تتاح لكل إنسان، بل وليس حمل المفاهيم الصحيحة، والخلفية العلمية والقدرة على الحديث والحوار، ليس ذلك وحده كاف في أن يتأهل الشخص للتربية. ومن ثم يأتي الحديث عن صفات المربي وتحديد هذه الصفات لأمور عدة: فالأمر الأول: أن هذا يسهم في وضع ضوابط ومعايير يمكن أن يختار المربون على أساسها؛ فلا يتولى التربية إلا من يملك هذه الصفات ويتمثلها؛ فليست الأقدمية وطول الخبرة، ولا المؤهل العلمي وحده كافياً في تأهل الشخص للتربية. الأمر الثاني: أن تكون منطلقاً لتربية وتوجيه من يُعدُّون للتربية، بحيث يُسعى إلى تحقيق وتكوين هذه الصفات لديهم؛ فالمربون ليسوا هم الأفراد الذين يحفظون كماً من المعلومات أكثر من غيرهم، ولا أفراداً يجيدون الحديث أكثر من الآخرين، إنهم القادرون على أداء تلك المهمة العالية: مهمة بناء النفوس وإعدادها. الأمر الثالث: أن ذلك يقود المربين إلى مراجعة أنفسهم على ضوئها حتى يزداد عطاؤهم وترتفع قدرتهم ويعظم أثرهم ونتاجهم بإذن الله. الأمر الرابع: أن هناك مفاهيم واقتناعات غير صحيحة ترسخت اليوم عن العمل التربوي لدى طائفة من جيل الصحوة، ومنها: أ - اعتقاد أن كل الناس يجيدون التربية، وأن من استكمل مرحلة معينة في البناء التربوي وحصل قدراً من العلم الشرعي والمفاهيم فهو مؤهل لتربية غيره، ولو لم يكن يملك تلك الصفات الشخصية التي تؤهله لذلك. ب - اعتقاد أن الميدان التربوي هو وحده أفضل الميادين، وأنه ميدان الناجحين، وأن الفشل فيه دليل على ضعف تربية صاحبه أو ضعف قدراته . ومع الإيمان بأهمية هذا الميدان فليس هو الميدان الوحيد، وقد يفشل فيه من ينجح فيما سواه، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم تفاوت أصحابه وتباين قدراتهم، ومع ذلك لم يكن هذا مدعاة لانتقاص ما امتاز به فرد على آخر. عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" ( رواه أحمد (12493) 3/183 والترمذي (3790) وابن ماجه (154). وكتب عبدالله ‏القمري العابد إلى مالك يحضه على الانفراد والعمل فكتب إليه مالك رحمه الله: " إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، ‏وآخر فتح له في الصدقة‏ ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد . فنشر العلم أفضل أعمال البر ، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر". فلابد أن نملك الجرأة التي نواجه بها أنفسنا حين نرى أنها لا تصلح لهذا الميدان فننأى بها عنه، وأن نملك الجرأة التي تدفعنا لمصارحة من نراه غير مؤهل لذلك. ومع أهمية الحديث عن صفات المربي فإن السعي لاستجماعها يطول، ويدعو الكاتب للحديث عن بدهياتٍ وقتُ المربي أثمن من أن يقرأها، خاصة أن كثيراً من المخاطبين بهذا الخطاب على قدر من العلم والوعي، ومن ثم رأيت الاقتصار على بعض الصفات التي أحسب أن هناك من القراء من يحتاج للتنبيه عليها، لكونها لم تخطر بباله، أو أنها قد خطرت لكنها تحتاج للوقوف عند بعض جوانبها. لذا فهذه الصفات هي أهم الصفات التي يرى الكاتب أن المربي يحتاج إلى أن يُحَدَّث عنها، لا الصفات التي يجب أن يتحلى بها. 1 - العلم: والعلم الذي يحتاجه المربي يشمل جوانب عدة، منها: أ - العلم الشرعي: فالتربية في الإسلام إعداد للمرء للعبودية لله تبارك وتعالى، وذلك لا يُعرف إلا بالعلم الشرعي، والعلم الشرعي يعطي المرء الوسيلة للإقناع والحوار، ويعطيه القدرة على مراجعة المسائل الشرعية وبحثها، وهو يمنعه من الانزلاق أو الوقوع في وسائل يمنعها الشرع. والعلم الشرعي الذي يراد من المربي لا يعني بالضرورة أن يكون عالماً أو طالب علم مختص، لكن أن يملك القدرة على البحث والقراءة والإعداد للموضوعات الشرعية، وأن يملك قاعدة مناسبة من العلوم الشرعية، ويبقى بعد ذلك التطلع لمزيد من التحصيل لزيادة رصيده من العلم الشرعي. ب - الثقافة العامة المناسبة، وإدراكه لما يدور في عصره. ج - العلم بما يحتاج إليه من الدراسات الإنسانية، كطبيعة المرحلة التي يتعامل معها (أطفال، مراهقين، رجال....) ، وطبيعة الإنسان ودوافعه وغرائزه واستعداداته، واطلاعه على عدد من الدراسات التي تخص الفئة التي يتعامل معها. وهذا أيضاً لا يلزم منه أن يكون مختصاً بعلم النفس أو التربية، لكن أن يملك الأسس العامة، وأن يكون قادراً على فهم الدراسات والبحوث المتخصصة في هذا المجال. د - المعرفة بالشخص نفسه من حيث قدراته واستعداداته وإمكاناته، ويظهر هذا الأمر لمن يتأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته لأصحابه. فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" ( رواه الترمذي (3790) وابن ماجه (154) وأحمد (12493) 3/183) وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك؛ لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قبل نفسه "(رواه البخاري (6570). وأوصى صلى الله عليه وسلم صاحبه أبا ذر -رضي الله عنه- بوصية تنبيء عن معرفته به، فعن أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً وإني أحب لك ما أحب لنفسي؛ لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم" (رواه مسلم (1826). هـ - المعرفة بالبيئة التي يعيشها المتربي بصفة عامة؛ إذ هي تترك آثارها الواضحة على شخصيته، ومعرفة المربي بها تعينه على التفسير الصحيح لكثير من المواقف التي يراها.
رد مع اقتباس
  #131  
قديم 18-08-2010, 12:14 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

تابع
2- أن يكون أعلى من المتربي: فالتربية عطاء وإعطاء، وأداء وتلقٍّ، ومن ثم كان لابد أن يكون المربي أعلى ممن يربيه، وليس بالضرورة أعلى سناً - وإن كان عامل السن له أهميته- لكن أن يكون أعلى قدرات وخبرات وإمكانات. "وتلك حقيقة نفسية تعمل عملها في النفوس، فأنت لكي تتلقى لابد أن تقتنع أنك في موقف المتلقي، وإلا فلو أحسست أنك في الموقف الأعلى فما الذي يدفعك أن تتلقى من شخص بعينه من الناس؟" (منهج التربية الإسلامية (2/44). ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يملك أعلى صفات البشرية في كل جانب من الجوانب فهو من خير الناس نسباً ومنـزلة، وهو أوسعهم خلقاً فكان أحلم الناس، وأكرم الناس، وأشجع الناس. وهاهم أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ يسجلون هذه الشهادة: عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قِبَل الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت وهو يقول: "لن تراعوا لن تراعوا" وهو على فرس لأبي طلحة عري، ما عليه سرج، في عنقه سيف فقال: "لقد وجدته بحراً أو إنه لبحر" (رواه البخاري (6033) ومسلم (2307). وهو صلى الله عليه وسلم أتقاهم لله وأعبدهم له عز وجل، كما قال عن نفسه: "قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم" (رواه البخاري (7367). ولهذا يتفاوت الناس في مدى قدرتهم على التربية، فمعظم الآباء نظراً لفارق السن والخبرة يجيدون تربية أبنائهم، أو بمعنى أدق: يتجاوب معهم أبناؤهم في الصغر لشعورهم بأنهم أعلى، لكن كلما تقدم السن ازداد الأمر صعوبة، وقلَّ أولئك الذين يستجيب لهم أبناؤهم. ولهذا فمن الناس من تكون طاقته أن يربي أبناءه الصغار، ومنهم من يجيد تربية مجموعة محددة من الناس، ومنهم من تكون أكثر من ذلك، ومنهم من يربي مجتمعاً بأسره، أما الأمة كلها على امتداد الزمان والمكان فاختار الله لها المربي الأول صلى الله عليه وسلم.
رد مع اقتباس
  #132  
قديم 18-08-2010, 12:15 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

تابع
3 - أن يملك المربي ما يقدمه: "وينبغي أن يحس المتلقي ثانياً أن مربيه -بالإضافة إلى أنه أكبر شخصية منه - عنده ما يعطيه، فليس يكفي أن تكون شخصية المربي أكبر من شخصية المتلقي - وهي البديهية الأولى في عالم التربية - إنما ينبغي أن تكون عنده حصيلة يعطيها الآخرين في صورة تجربة واقعية" (منهج التربية الإسلامية (2/44) . وتتمثل هذه الحصيلة في جوانب عدة منها: أ ـ الرصيد العلمي الشرعي وهو أمر له أهميته وسبقت الإشارة إلى ذلك. ب ـ القدرة على الإجابة على التساؤلات الملحة التي يطرحها المتربون والمتلقون. ج ـ القدرة العقلية والخبرة العملية التي تعينه على مساعدة من يربيهم على تجاوز مشكلاتهم فيجيد التعامل معها، ويجيد طرح الرأي المناسب لحلها. وحين يفقد المربي هذا وذاك يشعر المتربون، أنه ليس ثمة ما يدعوهم للارتباط بفلان من الناس، وليس عنده ما يؤهله لأن يتولى تربيتهم. 4 - أن يملك القدرة على العطاء: "هناك شخصيات كبيرة لا تستطيع أن تعطي، ومن ثم لا تستطيع أن تربي، هو في ذاته شخصية فائقة التكوين، متفوق عقلياً أو روحياً أو نفسياً أو عصبياً أو أخلاقياً... ولكنه لسبب ما لا يستطيع أن يعطي التجربة الواقعية لأنه عزوف عن الناس، لأنه صاحب تجربة فكرية فقط بغير رصيد من التجربة الواقعة، لأنه رجل مثالي حالم، يحلم بالمثل ولا يمارس التطبيق الواقعي، أو لا يحسنه.... ومن الأمثلة المعهودة أن تجد أستاذاً جامعياً ممتازاً في علمه، ممتازاً في خلقه، ممتازاً في محاضرته...ومع ذلك فهو لا يستطيع أن يربي، ولا أن يُكوِّن جيلاً من التلاميذ بمعنى الحواريين والأتباع" (منهج التربية الإسلامية (2/44-45) . إنهم كثير أولئك الذين نراهم في المجالس والملتقيات يجيدون الحديث، ويجيدون التنظير والنقاش، وربما يملكون من الخبرة والعلم والمعرفة، لكن ذلك وحده لا يؤهلهم لأن يتولوا التربية، فقد لا يستطيعون العطاء، وكثيراً ما تأسرنا شخصيات أمثال هؤلاء، ونظن أنهم أفضل الطاقات المؤهلة للتربية دون النظر إلى الجوانب الأخرى. وكونه أيضاً قادراً على الإعطاء لا يكفي بل لابد من أمر آخر ألا وهو: 5 - أن يكون حسن العطاء: "فمجرد أن يكون لديه ما يعطيه ليس كافياً في شؤون التربية، إنما ينبغي أن يعطيه بطريقة حسنة كذلك، وإلا ضاع الأثر المطلوب أو انقلب إلى الضد حين يعطي المربي ما عنده بطريقة منفرة" (منهج التربية الإسلامية (2/45).‎ إن التربية ليست مجرد معلومات أو توجيهات تقال للناس، وليست مجرد أوامر أو نواهي، بل هي عطاء واسع يشمل جوانب النفس شتى، ويتعامل معها في أحوالها وأطوارها المختلفة والمتفاوتة. ومن ثم فالذي يتولى هذه المهمة لابد أن يملك القدرة على التعامل مع هذا الواقع، وبناء النفس في هذه الأطوار المتفاوتة. إن البائع الذي يسعى لترويج سلعته يدرك أن مجرد عرضها على الناس للبيع ليس كافياً في ترويجها، فهو يحتاج لحسن عرضها، ويحتاج للحديث عنها مع الناس بالطريقة التي تشعرهم بحاجتهم إليها، وإلى وسائل للدعاية والإعلان....إلخ. ويتحدث المختصون اليوم عن أساليب لتسويق الأفكار وترويجها، ووسائل للإقناع والتأثير على الناس. فكيف بالتربية التي هي فوق ذلك كله؟ ولقد تحدث من كتب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن طائفة من صفات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، ومنها أن يكون: رفيقاً فيما يأمر به وينهى عنه. وقد يشعر المربي أنه يكفيه إثبات حبه لمن يربيه، ووجود الحب أمر ضروري للتلقي لكن الحب وحده "لا يكفي، فقد تحب طفلك وتحب له الخير، ولكن طريقتك في تقديم الخير إليه تشككه في حبك له، وتوهمه أنك تكرهه "(منهج التربية الإسلامية (2/45). إن المربي الذي يملك حسن الإعطاء هو الذي يجيد استخدام الأسلوب الأمثل، وأن يحقق لكل مقام مقاله المناسب
رد مع اقتباس
  #133  
قديم 18-08-2010, 12:17 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

القدرة على القيادة: والتربية كما أنها إعطاء وتلقٍ، فهي تتضمن جوانب أخرى لها أهميتها، تتمثل في قيادة الناس وإدارتهم، وهي صفة لا يملكها كل الناس، فالناس يستطيعون اتخاذ قرارات إدارية، وقد يستطيع بعضهم إدارة عمل أو مؤسسة، لكن القيادة فوق ذلك كله. خاصة إذا علمنا أن التلقي والتربية يصعب فرضها على الناس فرضاً، فقد يستطيع العسكري أو السلطان أن يسوق الناس بعصاه، أما المربي فما لم يكن قائداً قادراً على القيادة والإقناع فلن يستطيع تربية الناس. 7 - القدرة على المتابعة: "فالتربية عملية مستمرة لا يكفي فيها توجيه عابر -مهما كان مخلصاً ومهما كان صواباً في ذاته- إنما يحتاج الأمر إلى المتابعة والتوجيه المستمر" (منهج التربية الإسلامية (2/46-47). "والشخص الذي لا يجد في نفسه الطاقة على المتابعة والتوجيه المستمر شخص لا يصلح للتربية، ولو كان فيه كل جميل من الخصال، وليس معنى التوجيه المستمر هو المحاسبة على كل هفوة! فذلك ينفر ولا يربي فالمربي الحكيم يتغاضى أحياناً أو كثيراً عن الهفوة وهو كاره لها، لأنه يدرك أن استمرار التنبيه ضار كالإلحاح فيه، وحكمة المربي وخبرته هي التي تدله على الوقت الذي يحسن فيه التغاضي، والوقت الذي يحسن فيه التوجيه، ولكن ينبغي التنبه دائماً من جانب المربي إلى سلوك من يربيه، سواء قرر تنبيهه في هذه المرة أو التغاضي عما يفعل؛ فالتغاضي شيء، والغفلة عن التنبيه شيء آخر أولهما قد يكون مطلوباً بين الحين والحين، أما الثاني فعيب في التربية خطير" (منهج التربية الإسلامية (2/47-4. 8 - القدرة على التقويم: التقويم لا يفارق التربية ولا تستغني عنه، بل هو لا يفارق أي عمل جاد مستمر، ويحتاج المربي للتقويم حتى: أ ـ يُقوِّم الأفراد ويحدد قدراتهم ليعطي كلشخص ما يناسبه. ب ـ يُقوِّم الأفراد بعد تلقيهم للتربية ليقيس مدى ما تلقوه وأثره عليهم. ج ـ ويُقوِّم الأعمال والبرامج والحلول. د ـ ويُقوِّم المشكلات ليضعها في إطارها وموقعها الصحيح دون مبالغة أو تهوين من شأنها. والتقويم الذي يحتاجه المربي هنا هو التقويم العلمي الموضوعي الذي ينطلق من أسس محددة موضوعية، لا الانطباع الشخصي لديه تجاه عمل أو فرد ما. ومن ثم يحتاج المربي إلى أن يتعرف على العوامل والعناصر الموضوعية التي يُقوِّم من خلالها ويعطي كل عامل نسبته ووزنه المناسب. ثم يحتاج ثانياً إلى أن يملك القدرة على التحقق من وجود هذه المعايير ودرجة ذلك. والخبرة والتجربة بالإضافة إلى المناقشات الجماعية مع الاطلاع والممارسة، كل ذلك مما يسهم في زيادة قدرة المربي على التقويم. 9 - القدرة على بناء العلاقات الإنسانية: التلقي فرع عن المحبة، وللعلاقة بين التلقي والمحبة من الاتصال قدر أكبر مما قد نتصور أحياناً، فمن لم يغرس المحبة له في نفوس الطلاب فكثير مما يقوله ستكون نهايته عندما يتلفظ به، ولن يأخذ طريقه نحو القلوب، فضلاً عن أن يتحول إلى رصيد عملي. وهب أن إنساناً بلغ الغاية في التأثير وقوة المنطق ورصانة الحجة، أتراه يكون أعلم، أو أفصح، أو أكثر تأثيراً من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ومع ذلك قال الله سبحانه في شأنه }فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ{ (آل عمران:159) . فالنبي صلى الله عليه وسلم مع ما آتاه الله سبحانه من وسائل التأثير، ومع شعور الناس أن الحق معه وحده، مأمور بأن يلين لأصحابه وإلا انفضوا عنه، فكيف بغيره ممن يحمل قائمة طويلة من صفات القصور والنقص؛ فهو حين لا يحظى بقبول تلامذته له سيرون فيه من القصور ما يبررون به رفضهم وإهمالهم لما يقول؛ بل تفسير نصحه وتوجيهه على غير وجهه. لذا يؤكد الأستاذ محمد قطب على هذا الارتباط فيقول:"والضمان لذلك هو الحب... فما لم يشعر المتلقي أن مربيه يحبه، ويحب له الخير، فلن يقبل على التلقي منه، ولو أيقن أن عنده الخير كله بل لو أيقن أنه لن يجد الخير إلا عنده؛ وأي خير يمكن أن يتم بغير حب" (منهج التربية الإسلامية ( 2 /45 ). ولأجل ذلك عني من كتب في أدب العالم والمتعلم من الأسبقين بالتأكيد على حسن الخلق وجميل الرعاية، فيوصي ابن جماعة المربي بذلك فيقول: "وينبغي أن يعتني بمصالح الطالب، ويعامله بما يعامل به أعز أولاده من الحنو والشفقة عليه، والإحسان إليه، والصبر على جفاء ربما وقع منه نقص لا يكاد يخلو الإنسان عنه، وسيء أدب في بعض الأحيان، ويبسط عذره بحسب الإمكان، ويوقفه مع ذلك على ما صدر منه بنصح وتلطف، لا بتعنيف وتعسف، قاصداً بذلك حسن تربيته، وتحسين خلقه، وإصلاح شأنه، فإن عرف ذلك لذكائه بالإشارة فلا حاجة لصريح العبارة، وإن لم يفهم إلا بصريحها أتى بها وراعى التدريج في التلطف" (تذكرة السامع والمتكلم ( 50 ). ويكرر الغزالي الوصية نفسها فيرى أن من آداب المعلم:"أن يزجر المتعلم عن سيء الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرح، وبطريق الرحمة لا بطريق التوبيخ" (إحياء علوم الدين ( 1/57 ). ويؤكد الإمام النووي هذا المعنى فيقول:"ويجريه مجرى ولده في الشفقة عليه، والصبر على جفائه وسوء أدبه، ويعذره في سوء أدب وجفوة تعرض منه في بعض الأحيان فإن الإنسان معرضٌ للنقائص" (المجموع شرح المهذب (1/30) . 10 - الاستقرار النفسي: حيث إن المربي يتعامل مع الناس، ومع الطبيعة الإنسانية المعقدة فلابد أن يملك قدراً من الاستقرار النفسي، فلا يكون متقلب المزاج سريع التغير مضطرباً، أو يعاني من حدة انفعالات أو سوء ظن وحساسية مفرطة، فضلاً عن كونه غير مصاب بمرض نفسي. إن المتربي بحاجة إلى أن يتعامل مع إنسان مستقر، بحاجة إلى أن يتعامل مع شخص يتوقع ويتنبأ بتصرفاته، أما حين لا يكون مربيه كذلك فلن يعيش هذا الفرد في جو مريح، وسوف يسيطر عليه الخوف والقلق. 11 - التوازن الاتصالي: إن التربية ليست عملاً من طرف واحد، وليست تعاملاً مع آلة صماء، ومما لا يقبل أن يحول المربي المتلقي إلى شخص مهمته أن يحسن الاستماع والاستقبال فحسب، بل لابد من قدر من التوازن الاتصالي فالتربية عملية اتصال من طرفين لا من طرف واحد. ومن ثم فلابد من العناية بحسن الخطاب والحوار مع المتربي، وحسن الإنصات والاستماع له، وكذلك كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم جامعاً بين الأمرين. عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد؟ -والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم- فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: يا ابن عبدالمطلب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"قد أجبتك" فقال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك، فقال: "سل عما بدا لك" فقال: أسألك بربك ورب من قبلك أالله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال: "اللهم نعم"، قال: أنشدك بالله أالله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ فقال : "اللهم نعم"، قال: أنشدك بالله أالله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ فقال : "اللهم نعم"، قال: أنشدك بالله أالله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"اللهم نعم"، فقال: الرجل آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام ابن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر (رواه البخاري (63). فانظر إلى عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالإنصات والاستماع لهذا الرجل، ومثل ذلك استماعه صلى الله عليه وسلم للشاب الذي جاء يستأذن بالزنا. وكما كان يعتني صلى الله عليه وسلم بالاستماع والإنصات، فقد كان يعتني بالخطاب والحديث، فكان حسن الحديث، تصفه عائشة -رضي الله عنها- بقولها : "لم يكن يسرد الحديث كسردكم" (رواه البخاري (356 وفي لفظ "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا، ولكنه كان يتكلم بكلام بينه فصل يحفظه من جلس إليه " (رواه الترمذي (3639) وانظر في الحديث حول التوازن الاتصالي علم النفس الدعوي (304-307). 12 - السمت والهدي الحسن: إن المربي قدوة بأعماله وسلوكه قبل أن يكون موجهاً للناس بقوله، والفعل والهدي يترك أثراً على النفس أعظم من أثر القول؛ وفي حديث جرير بن عبدالله البجلي -رضي الله عنه- ما يؤيد هذا المعنى، فعنه -رضي الله عنه- قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار قال فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف، عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى، ثم خطب فقال: "}يَأَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ{ إلى آخر الآية }إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْرَقِيبا ً{ والآية التي في الحشر }ا تّقُواْ اللّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مّا قَدّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا الله{ تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره حتى قال: "ولو بشق تمرة" قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" (رواه مسلم (1017). فالناس قد سمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته وتأكيده، لكنهم لما رأوا هذا الموقف من هذا الرجل تتابعوا في الإنفاق. ولهذا عني السلف بالتأكيد على جانب الهدي والسمت الحسن لدى المربي؛ روى الرامهرمزي بإسناده عن أبي العالية قال:"كنا إذا أتينا الرجل لنأخذ عنه نظرنا إلى صلاته، فإن أحسن الصلاة أخذنا عنه، وإن أساء الصلاة لم نأخذ عنه" ( المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للقاضي الحسن بن عبدالرحمن الرامهرمزي (409). وقال محمد بن سيرين: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم" ( رواه مسلم في مقدمة صحيحه. والخطيب في الكفاية 121. والرامهرمزي في المحدث الفاصل(437). وقال حماد بن زيد: دخلنا على أنس بن سيرين في مرضه فقال:"اتقوا الله يا معشر الشباب، وانظروا عمن تأخذون هذه الأحاديث فإنها دينكم" (رواه الخطيب في الكفاية (122). والرامهرمزي في المحدث الفاصل (440). وقال الإمام مالك رحمه الله:"إن هذا العلم هو لحمك ودمك، وعنه تسأل يوم القيامة فانظر عن من تأخذه" (رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل (444). وقال مجالد:" لا يؤخذ الدين إلا عن أهل الدين" (رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل (445). فما أحوج المربين اليوم إلى تحقيق السمت الحسن والهدي الصالح في نفوسهم. 13- الاعتدال والاتزان: سنة الله تبارك وتعالى في خلقه قائمة على الاعتدال والتوازن، وهي سنة مطردة لا يشذ عنها شيء؛ فالشمس والنجوم والأفلاك والأرض بما فيها قائمة على أساس ذلك، وحياة الإنسان الجسمية والعقلية قائمة على أساس هذا الاعتدال والتوازن. والغلو والشذوذ أمر ممقوت أياً كان مصدره، حتى لو كان دافعه الاستزادة من الخير والاجتهاد في العبادة، لذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم طائفة ممن شددوا على أنفسهم في العبادة بالاعتدال وإعطاء كل ذي حق حقه. وكما يبدو الغلو والتشدد في مواقف محددة، فهناك فئة من الناس يصبح الخروج عن الاعتدال سمتاً لهم وصفة ملازمة لتصرفاتهم وأحكامهم. ويبدو أثر تلك السمة في الأحكام التي يصدرها الشخص على الناس والجهود البشرية؛ فتدور بين الثناء والذم المبالغ فيهما، وفي المواقف التي يتخذها؛ فتتسم بالحسم والقطع في الأمور النسبية التي تحتمل الرأي الآخر. ومن آثار فقدان الاعتدال لدى المربي: أ - أن يغرس هذه الصفة لدى طلابه فيربيهم على الغلو والتطرف في التفكير والآراء والمواقف؛ إذ هم لا يسمعون إلا رأياً واحداً يمثل الحق المطلق في كل قضية صغيرة وكبيرة، وكل ما خالف هذا الرأي فهو باطل بكل حال، وما لم يتمثل الاعتدال لدى المربي في صورة واقعية فلن يبقى أثر لما يطرحه من جوانب معرفية ونظرية. ب - ويبدو ذلك أيضاً في تقويمه لأعماله وبرامجه، ولطلابه وتلامذته فيتسم بالتطرف والخروج عن الاعتدال. ج - عدم القدرة على التعامل المتزن مع تصرفات طلابه وتلامذته؛ فيقف منها موقف المتشنج، وتزداد مساحة ردة الفعل في تعامله مع أخطائهم، أو مع ما يصنفه على أنه أخطاء، ولو لم يرق لذلك.
رد مع اقتباس
  #134  
قديم 18-08-2010, 12:19 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

تابع
14- التفاؤل: إن الشعور بالنجاح وإمكانية تحقيق نتائج مرضية شرط لابد منه في أي عمل يعمله الإنسان؛ فالتاجر الذي يفقد الأمل في الربح يرى من العبث وإضاعة المال أن ينفق أمواله في التجارة، والكاتب الذي لا ينتظر رواجاً لفكرته وتحقيقاً لأهدافه من نشرها لن يسطر حرفاً...وهكذا سائر العاملين أياً كانت أهدافهم ومشاربهم. ولما كان الجهد التربوي جهداً مضنياً وشاقاً، ويحتاج لطول نفس وصبر، ونتائجه حين تقاس بالمعايير الكمية تبدو ضئيلة لأول وهلة، أصبح التفاؤل سمة مهمة في من يتصدون للقيام بهذا الجهد. ويزداد الاقتناع بأهمية هذه السمة حين ندرك أن نتائج التربية لا تبدو آثارها في الرقعة الزمنية المحدودة، وتحتاج إلى فترة قد لا يصل إلى مداها المتسرعون والمتشائمون. إن هناك فئة من الناس يسيطر عليهم التشاؤم، ويسبق هاجس الفشل قيامهم بأي جهد أو عمل، فالأولى بهؤلاء أن يسلكوا الميادين التي تبدو نتائجها سريعة ومغرية. إنهم حين يتصدون للتربية فلن تقنعهم النتائج والآثار التي يرونها على تلامذتهم لأنهم يتطلعون لما هو أكبر وأسرع من ذلك، وتسيطر عليهم النظرة للهفوات والأخطاء ليبرهنوا بها على فشل استجابة الناس، أو فشلهم هم في جهدهم وتربيتهم. كما تبدو تلك الآثار في تفكيرهم وحوارهم وأحكامهم، فيغرسون الروح المتشائمة لدى من يتلقون عنهم، ويفشلوا في إقناع من تحت أيديهم بقدرتهم على النمو وتجاوز الأخطاء. 15 - القدرة على النمو: قد يملك المربي قدرات ومعارف وخبرات جيدة، لكن هذا وحده لا يكفي؛ فلابد من أن يملك القدرة على النمو، وتبدو هذه الصفة ضرورية للمربي للأمور الآتية: الأول: أن الحياة متجددة متطورة، فالوعي السياسي الذي يملكه شخص ما يصبح بعد عام أو أعوام قليلة مجرد ذاكرة تاريخية، وقل مثل ذلك في سائر المجالات المتطورة، بل حتى ميدان العلم الشرعي تتجدد فيه أمور عدة، فثمة كتب تطبع حديثاً، وثمة مؤلفون جدد ومحققون ومؤسسات علمية، كل ذلك يحتاج إليه طالب العلم المربي، فضلاً عن المسائل والنوازل المستجدة، وما لم يكن متابعاً قادراً على النمو فسوف تضمر لديه هذه الجوانب. الثاني: أن تطور مجالات الحياة المتسارع -خاصة في هذا العصر- يترك آثاراً واضحة على المجتمع الذي ينشأ فيه، وما لم يدرك المربي ذلك ويعيه فإنه سيعيش مع جيل غير جيله، وسيضع مرآة أمام عينه مستوردة من الجيل السابق ينظر بها كل ما أمامه. وما نراه اليوم من إصرار بعض المربين على تكرار تلك الأساليب والبرامج التي عهدوها وتلقوها إنما يمثل صورة من صور التعامل مع الجيل الحاضر بعقلية الجيل السابق. الثالث: أن زاد المربي محدود لابد أن ينفد، ففي مبدأ الأمر يدرك المتربون على يديه أنه يملك رصيداً هائلاً لا يملكونه، وأنهم يلقون لديه الكثير، ثم ما يلبث هذا الشعور أن يتناقص تبعاً لما حصلوه منه، حتى يروا أنه لم يعد لديه شيء ذي بال يذكر، وأنهم قد استوعبوا كل ما لديه من خبرات. الرابع: أن المتربين ينمون ويتطورون، بل هم في موقف يشعرهم بأن المهمة الأساسة لهم هي التلقي، ولابد أن يكون لهم مصادر ذاتية أخرى غير ما يقدمه لهم من يربيهم، ومن ثم فهذا النمو ما لم يقابله نمو من المربي فإنه سيخل بمعادلة التفوق المفترضة، وسيجعل موقفه تجاههم أقل من ذي قبل. والمربي الناجح الورع، الذي يتقي الله في الأمانة التي حمله الله إياها، والذي يسعى لمصالح تلامذته أكثر من سعيه لبناء المجد الشخصي والهالة الزائفة حول نفسه؛ الذي يكون بهذه الصفة يكون واقعياً ويشخص المشكلة بوضوح، ويسمح لأمثال هؤلاء أن ينتقلوا إلى بديل أفضل. لكننا اليوم نرى فئاماً من الشباب يصبحون ضحية لطائفة من المربين أصحاب قدرات محدودة، ومع ذلك يتهمون الآخرين بالتمرد وعدم معرفة قدرهم، ويسعون لصنع هالة ضخمة لأنفسهم. الخامس: أن انشغال المربي بالمهمة التربوية يجعله يشعر بأن الدور الأساس له هو العطاء والتوجيه، وأن مرحلة النمو والتلقي والأخذ قد انتهت وتجاوزها، فما أن يقضي وقتاً في هذا الميدان حتى يرى أن الآخرين قد فاقوه وسبقوه. وكان السلف يؤكدون على من يتولى التعليم والتوجيه ألا يقف عند هذا الحد، فقد ذكر ابن جماعة من آداب المعلم : "ألا يستنكف عن أن يستفيد ما لا يعلمه ممن هو دونه، بل يكون حريصاً على الفائدة حيث كانت، والحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها، قال سعيد بن جبير: "لا يزال الرجل عالماً ما تعلم، فإذا ترك التعلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون" وأنشد بعض العرب: وليس العمى طول السؤال وإنما **** تمام العمى طول السكوت على الجهل وكان جماعة من السلف يستفيدون من طلبتهم ما ليس عندهم" ( تذكرة السامع والمتكلم (60). والقدرة على النمو صفة مهمة قد تكون فطرية في النفس، فمن الناس من تؤهله قدراته إلى مستوى معين يقف عنده ويصعب عليه تجاوزه، ومن هنا تأتي مسؤولية أولئك الذين يختارون المربين في مراعاة تحقق هذا الجانب لدى من يؤهلون لتولي التربية. ومع هذا الأمر الفطري تبقى هناك جوانب عدة تسهم في تحقق هذا النمو لدى المربي، ينبغي للمربين أن يسعوا لتحقيقها في أنفسهم، ومنها: 1- التحصيل الذاتي، من خلال القراءة والمطالعة، والتعامل مع أوعية المعلومات ومصادرها المختلفة، وينبغي أن يكون حازماً مع نفسه ويضع لها برنامجاً لا يخل به، وسيجد من أوقات الفراغ والإجازات، وتقليل الروابط الاجتماعية غير الضرورية، وإعادة تنظيم أوقاته مع طلابه، سيجد من ذلك كله ما يعينه على تحقيق هذا الجانب. 2- العناية بما يقدمه لطلابه من مشاركات ودروس، بحيث يعتني بالإعداد، ولا يقف إعداده على مجرد ما سوف يلقيه ويقدمه لهم، بل يجعل من إعداده لموضوع ما فرصة لاستيعاب أطرافه وما طرح وكتب فيه. 3- اللقاء مع المربين الأعلى منه قدرة، واستشارتهم والاستفادة من خبرتهم والحرص على السماع منهم. 4- اللقاء مع أقرانه بشكل مستمر ودائم؛ فهذا يسهم في تبادل الهموم والخبرات والتجارب، ويسهم في رفع مستوى تفكيره؛ ذلك أنه حين يعيش في أوساط من يربيهم وهم دونه سناً وخبرة، فلابد أن يتأثر باهتماماتهم وخبراتهم، فيسهم حديثه معهم وتلقيه لمشكلاتهم وتساؤلاتهم في حصر تفكيره وهمومه داخل هذه الدائرة، بل يشعر بالتفوق والأستاذية، لكنه حين يعيش مع أقرانه وطبقته فإن ذلك سوف يسهم في تحقيق التوازن لديه في هذا الجانب. الكمال عزيز: النقص من صفات البشر ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلها، وحين نسعى لاستجماع هذه الصفات في كل من يربي وبالقدر الأمثل فنحن نبحث عن عناصر نادرة لا يمكن أن تفي بجزء من متطلبات الجهد التربوي المنوط بالصحوة اليوم. لكنها منارات نسعى للتطلع إليها والاقتراب منها، متذكرين أن النقص والقصور سمة بشرية، وأن الكمال عزيز، وما لا يدرك كله لا يترك جله. ومتخذ القرار الحصيف الذي يجمع بين الواقعية وبين رعاية الأمانة والمسؤولية تجاه الجيل، لن يجهل أن هناك قدراً من الخلل في الصفات يغتفر ويسعى لعلاجه، ويكون احتماله خير من تعطيل الجهد والطاقات، وأن هناك قدراً لا يمكن اغتفاره. ونختم حديثنا بالوصية للمربين والعاملين للإسلام بأمر بالغ الأهمية، وبدونه يصبح كل ما يقومون به من عمل وما يبذلونه من جهد غير ذي بال، ألا وهو الإخلاص لله تبارك وتعالى وإرادة وجهه. ونحن ندرك أن عامة من يتصدون لتربية شباب الصحوة اليوم يدفعهم لذلك حسن النية والرغبة في تحصيل الثواب؛ إذ لانتائج دنيوية ترجى من وراء هذا العمل. لكن ما نؤكد عليه هو استحضار النية الخالصة، وتذكرها واستشعارها، فهذا بإذن الله علاوة على ما يحقق لصاحبه من الثواب ورضا الله عز وجل، فهو يزيد الهمة ويعلي الحماسة للعمل، ويعين صاحبه على احتمال ما يواجه من مشاق وعقبات. وفي النهاية يدرك المخلصون ثواب عملهم حين تسعر النار بأولئك الذين كانوا يبحثون عن عاجل حطام الدنيا ويبتغون رضا الناس بأعمالهم الصالحة. عن شفي الأصبحي أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو هريرة، قال: فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدث الناس، فلما سكت وخلا، قلت له: أنشدك بحق... وبحق.... (حُذفت من الراوي.) لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته فقال أبو هريرة: أفعل، لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته، ثم نشغ أبو هريرة نشغة فمكث قليلا ثم أفاق، فقال: لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى ثم أفاق فمسح وجهه فقال: لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى ثم أفاق ومسح وجهه فقال: أفعل لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه في هذا البيت ما معه أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة ثم مال خاراً على وجهه فأسندته علي طويلا ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ورجل يقتتل في سبيل الله ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يارب. قال: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار. فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت. ويقول الله: بل أردت أن يقـال إن فلانا قارئ فقد قيل ذاك. ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يارب. قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق. فيقول الله له: كذبت وتقول له الملائكة: كذبت. ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل ذاك. ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله له: في ماذا قتلت؟ فيقول: أمرتَ بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقـول الله تعـالى له: كـذبت، وتقول له الملائكة: كذبت ويقول الله: بل أردت أن يقال فلان جريء، فقد قيل ذاك. ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة و قال الوليد أبو عثمان فأخبرني عقبة ابن مسلم أن شفياً هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا قال أبو عثمان وحدثني العلاء بن أبي حكيم أنه كان سيافاً لمعاوية فدخل عليه رجل فأخبره بهذا عن أبي هريرة فقال معاوية: قد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس، ثم بكى معاوية بكاءً شديداً حتى ظننا أنه هالك، وقلنا قد جاءنا هذا الرجل بشرٍّ، ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه وقال: صدق الله ورسوله {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} ( رواه الترمذي (2382) وأصله عند مسلم (1905) بأخصر من هذا.) . نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من عباده المخلصين، العاملين له ابتغاء وجهه، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد،،،،
من كتاب / مقالات في التربية للشيخ محمد الدويش
رد مع اقتباس
  #135  
قديم 18-08-2010, 12:23 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

طرق تدريس القرآن الكريم للكبار وغير المتعلمين


طرائق تدريس القرآن للكبار وغير المتعلمين

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلم أصحابه الأدعية الضرورية والآيات القرآنية تعليماً عملياً والصحابي لا يقرأ ولا يكتب، فكان يردد ها الصحابي أمام الرسول حتى يحفظها، وفي ذلك ورد حديث فيه تعليم كلمات تقال قبل النوم: عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أتيت لمضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: " اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت " فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به " قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغت: آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت " ورسولك " قال لا ونبيك الذي أرسلت ).
أما تعليم القرآن: فقد أشار إليه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن .... الحديث )
والشاهد قول جابر: " كما يعلمنا السورة من القرآن " فدل على أن لتعليم القرآن أسلوباً نبوياً خاصاً.

** الطرق العملية لتحفيظ الكبار.
الطريقة الأولى: طريقة العرض للطلاب الكبار الذين يعرفون القراءة والكتابة.
بالنسبة للطلاب الذين يعرفون القراءة من المصحف تستخدم معهم طريقة العرض من المعلم وذلك كما يلي:
1 - تحديد المقدار الذي يستطيع الطالب حفظه في جلسة واحدة ، مراعياً في تحديده لهذا المقدار ما يلي:
أ- تناسبه مع قدرة الطالب.
ب- نشاطه وهمته ودرجة إقباله.
ج- وقته وانشغاله لا سيما إن كان مسؤولاً أو صاحب أسرة.
د- زمن الحلقة ومدى سهولة الآيات.
2 - يقرأ المدرس ذلك المقدار أمام الطالب والطالب يردد خلفه مع المتابعة في المصحف، ويمكن أن يدع المدرس الطالب يقرأ عليه المقطع من المصحف وهو يستمع إليه، ويصوب خطأه ويُقوّم أداءه.
3 - في حالة تبين المدرس صعوبة الكلمات على الطالب، وعجزه عن قراءتها من المصحف فإنه يقوم بتلقينه إياها؛ حتى يتمكن الطالب من قراءتها بشكل جيد.
4 - بعد التأكد من صحة قراءة الطالب يُوجَّه الطالب إلى تنفيذ الخطوات الآتية:
أ- قراءة المقدار المحدد للحفظ من المصحف عدة مرات حتى يتمكن من إجادتها.
ب- إذا كانت الآية طويلة كآية الدَّين قسمها إلى مقاطع وحفظها مقطعاً مقطعاً مع الربط بينها.
ج- يحفظ آيات المقطع آية آية ويقوم بربط الآية الثانية بالأولى والثالثة بالأولى والثانية ... وهكذا.
د- أن يرفع صوته بتوسط أثناء الحفظ ؛ لكي يتم استخدام حاسة السمع والبصر والنطق في عملية الحفظ.
* تلاوة الآيات في بداية الحفظ بترتيل وتمهل ، ثم يسترسل في القراءة ليسهل الحفظ والربط.
* أن يُسمِّع على نفسه ما حفظ بعد إتمام حفظه عدة مرات.
* أن يقوم بقراءة المقدار المحفوظ من المصحف بتركيز بعد تسميعه على نفسه للتأكد من سلامة الحفظ.
5 - بعد إجادة الحفظ وإتقانه يقوم المدرس بالتسميع للطالب و يمكن تكليف أحد إخوانه بالتسميع له.
6 - ثم بعد ذلك يقوم بربط أول السورة بآخرها، أو أول الصفحة بآخرها؛ حتى يتم إتقان الحفظ.

الطريقة الثانية: طريقة التلقين للطلاب الذين لا يعرفون القراءة من المصحف.
أولاً: تعريف التلقين.
اللقن: هو الفهم، تلقنه أي فهمه، لقن أي فهم، لقنني فلان كلاماً أي فهمني منه ما لم أكن أفهم و اللقن هو سرعة الفهم، التلقين هو سرعة التفهيم.

ثانياً: أهمية التلقين.
لما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم أرسل الله إليه سيدنا جبريل عليه السلام فلقنه أول خمس آيات من سورة العلق. وهذه تعتبر الطريقة المثلى في تعليم القرآن الكريم خاصة وهي الطريقة الأجدر لإعداد الطالب الجيد مع الرغم أنها أكثر استغراقاً للوقت فمن لقن لم يلحن، قال الله تعالى: { وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم } أي تُلقّن وتُفهّم وتأخُذ وتحفظ، قال ابن الجزري: " لا شك أن هذه الأمة كما هم متعبدون بفهم معاني القرآن الكريم وإقامة حدوده متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم
"، والتلقين يكون بإحدى طريقتين:

1 - التلقين الفردي:
وهو التلقين لطالب واحد أي يقرأ المعلم الآية ويرددها الطالب بعده، وهذه الطريقة هي الأصلح للطالب بلا شك فإن كان لدى المعلم عدد قليل من الطلاب فالأصلح لهم أن يقرئ المعلم كلا منهم على انفراد حتى يتم الضبط والإتقان.
2 - التلقين الجماعي:
وهي قيام المعلم بتلقين مجموعة من الطلاب بأن يقرأ لهم الآية ثم يرددها الطلاب خلفه حتى يضبطونها وهكذا حتى يتم الحفظ والإتقان.

ثالثاً: ضوابط تنفيذ طريقة التلقين.
1 - أن يكون عدد الطلاب قليلاً.
2 - أن يقرأ المعلم قراءة نموذجية متأنية موجهاً إياهم إلى دقة الاستماع، وحسن الترديد.
3 - أن تكون المقاطع المقروءة قصيرة نسبياً حتى يتم تلافي انقطاع نفس الطلاب أثناء القراءة.
4 - إلزام جميع الطلاب بإمرار أيديهم على الكلمات المقروءة وملاحظة ذلك باستمرار.
5 - الوقوف على رؤوس الآي، والالتزام بعلامات الوقف وضبط الحركات والسكنات.
6 - أن يكون صوت الطلاب في الترديد معتدلاً ومنظماً حتى لا يتعبهم وليتمكنوا من النطق بالتجويد.
7 - المتابعة الدقيقة من المعلم لأفواه الطلاب عند الترديد.
8 - تكرير الكلمات الصعبة حتى يتم ضبطها.
9 - التأكد من سلامة النطق لكل طالب على حدة بعد الانتهاء من التلقين.
10 - يستمر المعلم في الترديد ولا يقتصر على مرة أو مرتين، حتى يتم الإتقان.
11 - يعاود المعلم قراءة سطر سطر، ثم سطرين ثم ثلاثة وهكذا.
12 - بعد الانتهاء من القراءة الترديدية يبدأ المعلم بالاستماع إلى بعض الطلاب.
ملحوظة: يمكن استخدام مرسم والتأشير على الكلمات الصعبة لكل طالب في مصحفه.

رابعاً: أهداف هذه الطريقة .
1 - تخليص ألسنة الطلاب من عيوب النطق ومنع سريان اللهجة العامية على ألفاظ القرآن الكريم.
2 - تعريف الطلاب باصطلاحات الضبط كعلامات المد، والوقف، ورؤوس الأحزاب والأرباع والأجزاء.
3 - تمكين ضعاف القراءة من إتقان القراءة من المصحف، وخاصة الكلمات التي يجدون صعوبة في نطقها.
4 - تعويد الطلاب على تدبر الآيات من خلال الوقف على بعض الآيات المؤثرة ولفت أنظار الطلاب إليها.
5 - تعريف الطلاب بأحكام التجويد الأساسية وكيفية تطبيقها عند المرور على أمثلة منها أثناء القراءة.

الطريقة الثالثة: طريقة الحفظ على مدار اليوم ( طريقة عملية مُجربة ): وهي طريقة الخمس آيات.
إن أول ما نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن خمس آيات من سورة العلق ولذلك أقترح بأن يكون الدرس خمس آيات في بداية الأمر هذا بالنسبة للسور الطويلة، وأما إذا كانت بداية الحفظ من جزء النبأ، فتكون سورة قصيرة كل يوم، ولكن بعض الناس يقول الوقت ضيق ولا أستطيع الحفظ فقد اقترحت على بعض الطلاب هذه الطريقة وهي طريقة حفظ آية واحدة في كل صلاة من الصلوات الخمس.
هل حفظ آية واحدة قبل أو بعد كل صلاة من الصلوات الخمس تشغل الطالب عن قضاء مصالحه؟ كلا ... فإذا حفظ الطالب آية واحدة في كل صلاة يكون مجموع ما يحفظ في اليوم خمس آيات وذلك بعد تصحيح نطقها على المعلم، ثم يقرأ الآيات الخمس التي حفظها في الركعة الأولى بعد الفاتحة من راتبة العشاء ويكررها في الركعة الثانية. وهكذا كل يوم، فيكون مجموع ما يحفظ في 7 أيام بدون أي كُلفة ولا مشقة 35 آية، ثم يأتي يوم الجمعة ويذهب إلى المسجد مبكراً لينال أجر التبكير إلى الجمعة ويراجع ما حفظه خلال الأسبوع وهو 35 آية، وهكذا ... فتحفظ في الثلاثين يوماً بعون الله 150 آية.
بذلك حفظ سورة البقرة كاملة في شهرين تقريباً، حيث أنها 286 آية. وسورة آل عمران مثلاً 200 آية سوف يحفظها في أربعين يوماً تقريباً، وسورة النساء في 35 يوماً. هذا إن التزم الطالب بحفظ آية واحدة في كل صلاة بشرط ألا يترك اليوم يمر بدون حفظ الآيات الخمس.
وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل. والمهم الاستمرار والمواظبة، وهذه الطريقة نجحت ولله الحمد وآتت ثمارها بحلقة الكبار ( متعلمين وغير متعلمين ) بمسجد السديس بالحوية وقد وصل بعض الطلاب إلى حفظ 26 جزءاً ولله الحمد، وأقوم الآن بتطبيقها في دورة الحفظ الكامل لغير المتفرغين ومقرها الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في الطائف يومي السبت والثلاثاء - بعد المغرب - وإن كان من الصعب الالتقاء بالمعلم يومياً يمكن تصحيح خمس عشرة آية كل ثلاثة أيام. أو ما يعادل ربع الحزب.
ملاحظة : لا شك أن هذه الطريقة لا تصلح لجميع الطلاب، فبعض الطلاب يستطيع أن يحفظ الآيات الخمس دفعة واحدة، وللطالب الاختيار حسب وقته وظروفه.

الطريقة الرابعة: اتباع هدي السلف في تدريس القرآن.
كان لمدارسة القرآن الكريم عند الصحابة والسلف الصالح أهمية خاصة ومن التطبيقات التربوية على قيامهم بهذه المهمة، مهمة تعليم القرآن ما ذكره مسلم بن مشكم إذ يقول: قال لي أبو الدرداء - رضي الله عنه -: اعدد من في مجلسنا قال: فجاء ألف وست مائة ونيفاً فكانوا يقرؤون ويتسابقون عشرة عشرة، فإذا صلى الصبح انفتل وقرأ جزءا فيحدثون به ، ويسمعوا ألفاظه، وكان ابن عامر مقدماً فيهم.
فهذا مؤسس الحلقات القرآنية أبو الدرداء رضي الله عنه قسم طلابه عشرة عشرة ، ولكل عشرة منهم ملقن، وكان يطوف عليهم قائماً فإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبي الدرداء وقرأ عليه.
وهذا ابن الأخرم رحمه الله كانت له حلقة عظيمة بجامع دمشق، يقرأ عليه الطلبة من بعد الفجر إلى الظهر، وقد قال محمد بن على السلمي: قمت ليلة لأخذ النوبة على ابن الأخرم، فوجدت قد سبقني إلى حلقته ثلاثون قارئاً وقال: لم تدركني النوبة إلا بعد العصر.
كان العلامة شمس الدين الشيخ محمد بن الجزري لما قدم القاهرة وازدحمت عليه الخلق لم يتسع وقته لقراءة الجميع، فكان يقرأ عليهم الآية ثم يعيدونها عليه دفعة واحدة، فلم يكتفِ بقراءته. وقد كان الشيخ السخاوي يقرأ عليه اثنان وثلاثة في أماكن مختلفة ويرد على كل منهم ( أي يصحح خطأهم إذا أخطأوا ).

وطرق تعليم القرآن عند هؤلاء الأعلام من السلف كانت بإحدى ثلاث:
1 - أن يقرأ المعلم ويردد خلفه المتعلم بعد السماع ليصحح له الشيخ إذا أخطأ.
2 - أن يسمع المتعلم من الشيخ إلا إذا شك المتعلم بقدرته على أداء جملة فيستوقف الشيخ ليقرأها عليه.
3 - أن يقرأ المتعلم ويسمع له الشيخ ثم يصحح له إذا أخطأ ، ثم ينطلق يحفظ ما قرأ ، ثم يسمع للشيخ.
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 06:15 PM.