#106
|
||||
|
||||
المعضلات الثلاث أمام حكم حزب النهصة الإسلامي في تونس
ديمقراطية منقوصة: اهتم الباحثون المتخصصون في شئون الشرق الأوسط لسنوات طويلة بدراسة مسألة التوافق بين الديمقراطية والسياسات الإسلامية في العالم العربي. ورأى بعض المحللين أن السماح للحركات الإسلامية بالمشاركة في العملية السياسية سيجعلها أكثر لينًا، فبتلك المشاركة تكون الحركات الإسلامية مسئولة أمام ناخبيها في إطار التحول الديمقراطي الذي يحتاجه الشرق الأوسط العربي.المعضلات الثلاث أمام حكم حزب النهصة الإسلامي في تونس سارة فيووَر في حين رأى آخرون أن منح الحركات الإسلامية فرصة المشاركة في العملية السياسية سيجعلها تتخذ من صناديق الاقتراع وسيلة للوصول إلى السلطة، وبمجرد وصولهم سينقضون على الديمقراطية وآلياتها التي أوصلتهم إلى سدة الحكم. وفي هذا الصدد؛ أعدت "سارة فيووَر" دراسة نشرها مركز كراون لدراسات الشرق الأوسط التابع لجماعة برانديز في شهر سبتمبر الجاري تحت عنوان "الإسلام والديمقراطية في سياق التطبيق العملي: حكم النهضة في الأشهر التسعة المنصرمة". وتشير الدراسة إلى أن الربيع العربي تمخّض عنه وضعٌ لا تُشارك فيه الأحزاب الإسلامية في العملية السياسية فحسب؛ بل باتت فيه أيضًا هي الجهات الفاعلة المهيمنة. وتحلل في هذا السياق حكم حزب النهضة، وهو حزب إسلامي فاز بأغلبية الأصوات في الانتخابات البرلمانية في العام الماضي، فيما يتعلق بثلاثة مصادر رئيسية للضغط السياسي الذي يواجهه الحزب، ومصادر هذا الضغط أولا في العلمانيون التونسيون وممثلوهم في الحكومة وثانيا في السلفيون الذين يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد وأخيرا الاتجاهات الفكرية المتباينة داخل الحزب. انفراد الحكم الإسلامي في تونس في بعض الحالات؛ لم يكن الإسلاميون الذين صعدوا إلى سدة الحكم قادرين على ترجمة انتصاراتهم الانتخابية إلى حكمٍ فعال، وذلك لأنهم وجدوا أنفسهم مقيَّدين بالمؤسسات "غير الديمقراطية غالبًا" التي خلفتها الأنظمة السابقة. ومن أمثلة تلك المؤسسات النظام الملكي في المغرب، والمجلس العسكري الذي كان يحكم مصر حتى وقت قريب. أما في تونس؛ فاختلف الوضع كثيرًا؛ حيث تمتع حزبُ النهضة الإسلامي بحرية كبيرة في الإدارة إبان الانتقال السلمي من الحكم الاستبدادي إلى الديمقراطية. وفي حين أن من السابق لأوانه الجزم بأن ثورة الياسمين التونسية ستُرسي فعلًا ديمقراطية مزدهرة في تونس؛ تقدم الحالة التونسية فرصة لدراسة العلاقة بين الإسلام والديمقراطية على المستوى الفعلي عنه على المستوى النظري. ويُشير التقرير إلى أن حزب النهضة الإسلامي أبدى عند تعاطيه مع الضغوط الثلاثة المذكورة أعلاه التزامًا بالمكونات الرئيسية للديمقراطية؛ بما في ذلك الفصل بين السلطات، والمشاركة في الانتخابات، وتولِّي المناصب. غير أن للحزب سياسات أخرى من شأنها أن تحد من حرية التعبير عن الرأي في المسائل الدينية، وأن تقوّض القوانين الليبرالية في مجال حقوق المرأة، مما يشير إلى أن الحزب يصنع ديمقراطية في إطار مجتمعي يقيّد فيه الدين العديد من جوانب الحياة العامة، وإلى أن الدولة تفضّل إكساب المواطنين هوية عربية إسلامية دون الاكتراث بحقوقهم كأفراد. الربيع العربي التونسي على عكس نظائرها في مصر وليبيا واليمن؛ مهدت الانتفاضة التونسية انتقالًا سلميًّا إلى حدٍّ كبيرٍ بعيدًا عن التسلط. ففي أعقاب احتجاجات يناير 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي؛ مهدت سلسلة من الحكومات المؤقتة الطريقَ لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي (أو البرلمان)، والتي اعتُبرت أول انتخابات حرة ونزيهة منذ الاستقلال. وقد حصل حزبُ النهضة الإسلامي الذي كان محظورا إبان النظام السابق على 41% من الأصوات، وفاز بـ89 مقعدًا من أصل 217 مقعدا في البرلمان. وفي ديسمبر شكّل الحزب الإسلامي ائتلافًا مع اثنين من الأحزاب العلمانية، وهما: حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" اليساري الوسطي الذي فاز بـ29 مقعدا في البرلمان، و"التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" الذي فاز بـ20 مقعدا. ومنح هذا الائتلاف رئاسةَ الوزراء لحمادي جبالي، الأمين العام لحركة النهضة، وانتخب منصف المرزوقي، رئيس "حزب المؤتمر من أجل الجمهورية"، رئيسًا للجمهورية. كما رشح الائتلاف مصطفى بن جعفر، أمين عام حزب التكتل، لرئاسة المجلس الوطني التأسيسي. وقد صدر قانون مؤقت في ديسمبر 2011 يقسّم السلطة بين تلك الكيانات الثلاثة، ولا يزال يُعمل بهذا الدستور المصغّر لحين صياغة البرلمان دستورًا جديدًا. وإدراكا منه أنه سيعجز عن الانتهاء من صياغة الدستور الجديد قبل يوم 23 أكتوبر 2012 كما هو مقرر؛ أعلن المجلس الوطني التأسيسي مؤخرا أنه سيفرغ من صياغة الدستور بحلول فبراير 2013. وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية المستمرة والإحباط بشأن تباطؤ وتيرة التغيير؛ يتمتع حزب النهضة الإسلامي بالشرعية التامة لصياغة دستور جديد، ولقيادة تونس في المرحلة الانتقالية. وتري الدراسة تلك الشرعية هيّأت الظروف لحكم الحزب الإسلامي. مصادر الضغط يواجه حزب النهضة الإسلامي التونسي ضغوطًا يشكّلها العلمانيون، والسلفيون، والانقسامات الأيديولوجية الموجود داخل الحزب. أولا: العلمانيون كان حزب "التجمع الدستوري العلماني" يهيمن على الحياة السياسية في تونس في عهد بن علي، وكانت المعارضة السياسية محدودة للغاية آنذاك. غير أن الشعب ضاق ذرعا في عام 2011 من الفساد والبطالة، وشن على إثر ذلك احتجاجاتٍ ضد النظام السلطوي. ومن ثم شهدت تونس تناميًا في عدد الأحزاب العلمانية المسجَّلة، وفي عدد منظمات المجتمع المدني أيضًا. وعارض العلمانيون ونظراؤهم في المجتمع المدني إصلاحات حزب النهضة المقترحة في أربعة مجالات هي: الربط بين الدين والدولة في الدستور الجديد، وحرية التعبير، وحقوق المرأة، وشكل النظام السياسي هل هو نظام برلماني أم نظام رئاسي. الدين والدولة: بعد وقت قصير من تشكُّل المجلس الوطني التأسيسي في نوفمبر؛ أثارت مسألة اعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي لصياغة دستور تونس الجديد ردود فعل متباينة؛ حيث أيّد البعض الفكرة على اعتبار أن الشريعة الإسلامية هي هوية التونسيين، في حين رفضتها الأحزاب اليسارية لكون الدستور لجميع فئات الشعب. ولحسم ذلك الجدل الدائر حول هوية الدولة؛ صرحت حركة النهضة الإسلامية التي تقود الحكومة الائتلافية الحالية المؤقتة في تونس اليوم في السادس والعشرين من مارس المنصرم بأنها لن تطالب بأن يكون الإسلام مصدرًا أساسيًّا للتشريع في الدستور الجديد. وأوصت الهيئةُ التأسيسية للحركة بالاحتفاظ بالفصل الأول من دستور 1959 باعتباره محل إجماع جميع فئات المجتمع التونسي. وينص هذا الفصل من الدستور على أن "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها". حرية التعبير:قوّض تشتت الأحزاب العلمانية في تونس من قدرتها على الانقلاب ضد حزب النهضة الحاكم، الذي اتخذ قرارا مؤخرا بشأن تقييد حرية التعبير. ويُذكر أن فكرة تجريم ازدراء الأديان في تونس جاءت بعدما اندلعت أعمال شغب في 11 يونيو على خلفية ظهور رسوم مسيئة للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم). وأصدرت كتلة من نواب النهضة بيانًا رسميًّا يوم 12 يونيو يدعو إلى تجريم ازدراء الدين، كما اقترحت كتلة أخرى من نواب الحزب الإسلامي في الآونة الأخيرة مشروع قانون من شأنه أن يجرّم "الإهانة، والألفاظ النابية، والسخرية، والتمثيل" بالله والنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وأن يعاقب كل من ينتهك المقدسات بالسجن والغرامة. حقوق المرأة:فرض حزب النهضة الإسلامي بعض القيود على الحريات الشخصية للمرأة، مما أثار انتقادات لاذعة من الجماعات النسائية والعلمانية التونسية. فعلى الرغم من تعهُّد الحزب بالالتزام بقانون الأحوال الشخصية الذي يعترف بالرجال والنساء كمواطنين على قدم المساواة؛ اقترح أعضاء من الحزب وضع مواد دستورية تنتقص من وضع المرأة التونسية. وأعرب النشطاء عن غضبهم إزاء نص في مسودة الدستور يعتبر المرأة هي "المكمل للرجل"، مطالبين بسريان مفعول قانون 1956 الذي يمنح النساء المساواة الكاملة بالرجال. واتهمت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لجنة الحقوق والحريات التابعة للمجلس الوطني التأسيسي بضرب مكاسب المرأة التونسية، والإخلال بمبدأ المساواة بين ال***ين، عند تصويتها على الفصل الثامن والعشرين من الدستور. وأعربت الرابطة عن رفضها القاطع لصيغة هذا الفصل، الذي فيه "انتقاص من كرامة المرأة، ودورها في المجتمع". شكل النظام السياسي:ثمة خلاف بين حزب النهضة الإسلامي والأحزاب العلمانية حول النظام السياسي الذي ينبغي أن تعتمده البلاد، هل نظام برلماني أم رئاسي؟. حيث يفضل حزب النهضة الإسلامي النظام البرلماني، في حين تفضل معظم الأحزاب العلمانية النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي. وفي سياق ذلك؛ هددت بعض قيادات حزب النهضة في المجلس التأسيسي باللجوء إلى الاستفتاء الشعبي في حالة فشل التفاوض حول طبيعة النظام السياسي المقبل للبلاد. وجدير بالذكر أن النظام البرلماني المعدّل أو النظام الرئاسي المعدّل يمكّن من انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، في حين أن النظام البرلماني يمكِّن رئيس الحكومة من السيطرة على الحياة السياسية، ولا يسمح لرئيس الدولة إلا بسلطات محدودة. ويتيح هذا النظام البرلماني لأعضاء المجلس التأسيسي (البرلمان) بعد إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة إمكانية انتخاب رئيس الدولة من الحزب الحاصل على أغلبية الأصوات، مما ينبئ بسيطرة حركة النهضة على كل من السلطة التشريعية الممثلة في مؤسسة الرئاسة، والسلطة التنفيذية الممثلة في رئاسة الحكومة. ثانيا: السلفيون تشكّلت في تونس جماعاتٌ سلفية، منها ما لها ميول سياسية، وأخرى لها ميول اجتماعية. فحزب جبهة الإصلاح، وحزب التحرير، مصنَّفان ضمن الأحزاب ذات الميول السياسية، أما جماعةُ أنصار الشريعة فذات ميول اجتماعية، وترفض المشاركة في العملية السياسية. وكان حزب النهضة الذي يهيمن على الجمعية الوطنية التونسية قد أعلن في مارس الماضي تأييده للإبقاء على المادة الأولى في الدستور التونسي التي تنص على أن "تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها". وقد فُسّر الإبقاء على هذه المادة على أنه رفض لمطالب الإسلاميين بجعل الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع في الدستور الجديد، ومن ثم أطلق السلفيون احتجاجات تندد بذلك. ثالثًا: الانقسامات الأيديولوجية داخل حزب النهضة سعى حزبُ النهضة بعد الانتفاضة التونسية إلى تصوير نفسه كحزبٍ متماسك. ومقارنة مع نظرائه من الأحزاب العلمانية؛ أظهر حزب النهضة الإسلامي المزيدَ من الانضباط وحسن التنظيم. بيد أن الانقسامات بدأت تظهر داخل الحزب، بما يمكن أن يؤثر على قدرته على المضي قدما. فعلى سبيل المثال؛ ظهرت خلافات داخل الحزب حول قضايا تتعلق بالمشاركة السياسية والعلاقة بين القانون الديني والدنيوي. وعلى الرغم من كون المشاركة المفتوحة في الانتخابات وتولّي المناصب شرطين أساسيين لإرساء أي ديمقراطية؛ اقترحت حكومةُ الباجي قائد السبسي الانتقالية استثناء كبار أعضاء حزب التجمع الدستوري الديمقراطي من المشاركة في الانتخابات. بيد أنه عقب احتجاج المئات من نشطاء حزب التجمع على ذلك الاقتراح؛ نقّح السبسي اقتراحه مستبعدًا فقط أولئك الذين خدموا في الهيئات التنفيذية للحزب خلال السنوات العشر الأخيرة من حكم بن علي. ومن ثم بات هذا الاقتراح قانونًا. ديمقراطية غير ليبرالية أكد حزبُ النهضة الإسلامي مرارًا على التزامه بنظام ديمقراطي يقوم على مبادئ إسلامية، وعلى أن هذا النظام متوافق مع حماية الحريات الفردية الأساسية. وفيما يتعلق بالممارسات الديمقراطية مثل المشاركة الواسعة في الانتخابات وتولّي المناصب والفصل بين السلطات؛ أظهر الحزبُ بالفعل التزامًا قويًّا. بيد أن مساعي الحزب الإسلامي لتقييد حرية التعبير وحقوق المرأة تتنافى تماما مع زعم الحزب أن الديمقراطية الإسلامية تتلاءم مع نظام قائم على حماية الحقوق الفردية. ومن وجهة نظر فيووَر؛ يفضّل حزب النهضة بناء مجتمع تسترشد فيه الحياة العامة بالهوية الدينية، بدلا من حماية الحريات الفردية التي قد تتعارض مع تلك الهوية. ووفقًا للدراسة؛ أظهر حزبُ النهضة عدة مؤشرات هامة على حرصه على إرساء الديمقراطية؛ إلا أن تقويضه للحريات الفردية يُثير تساؤلات كثيرة. ودارت بالفعل مناقشات بين مراقبي السياسة العربية في العقود القليلة المنصرمة حول ما إذا كان الإسلاميون سينتهجون نهجًا ديمقراطيًّا بمعنى الكلمة إذا ما أُتيحت لهم فرصة للحكم. وأخيرًا؛ تُشير فيووَر في دراستها إلى أن حزب النهضة سيواصل صياغة الدستور الجديد، وسيباشر التحضير للانتخابات التشريعية في ربيع عام 2013، بيد أنه سيواجه في الوقت عينه ضغوطًا سياسية من المعارضة العلمانية، وتحديات اقتصادية من فقر وبطالة وتفاوت بين الأقاليم. ويتوقف نجاح الحزب في إعادة تحديد العلاقة بين الدين والدولة في تونس على الطريقة التي سيواجه بها تلك الضغوط. |
#107
|
||||
|
||||
الثقافة وطن ومقاومة
الثقافة وطن ومقاومة عرَّف قاموس وبستر المقاومة بأنها فعل المقاومة أو المعارضة أو القدرة على أي منهما، ولأن الفعل –أي فعل- إنساني لا يتأتى واقعاً دون مسير قيمية متخيلة له تحدد فضاءه المؤدى و نتائجه المرغوبة، ويمثل تمظهراً أداتياً للقيمة المحددة، وكذلك لأن التعريف القيمي للوجود الإنساني (فرداً أو/و جمعاً) ينتجه الإدراك الثقافي للذات، تغدو المقاومة فعلا ثقافياً بإمتياز.إدوارد سعيد وكما ذهب البعض من المنظرين –على غير قلة- إلى وصف السياسة "بأنها في جوهرها خطاب ثقافي، أي أنها مجموعة متكاملة من الرموز والمعاني التي نشترك في معرفتها جميعاً، يعاد تشكيلها وإعادة ترتيبها على الدوام فيما يعرف بالخطاب السياسي"، أي أن السياسة و المقاومة هما في النهاية بنيتين ثقافيتين متوازيتين لا تنفصلان -كما يدعي الخطاب النيوليبرالي المعولم-، ولا يمكن الإبقاء على أحداهما دون الأخرى، أو فرض أبجديات محددة من إحداهما. وهذا بالضبط ما يمكن من خلاله جعل المقاومة الثقافة قادرة على أن تكون خطاباً مضاداً، يقوم على تحويل المواجهة بين الواقع كما إصطنعه المستعمِر وقيام المستعمَر بدحض هذا الواقع و هدمه، وبالتالي فالمقاومة هي أحد أهم وسائل التغيير الثقافي و السياسي وإدراك الذات و الآخر و المحيط. وهو بالضبط ما يجعل المقاوم مثقفاً ويفرض على الثقافة أن تصبح مقاومة في مواضع مقابلة السلطة والقهر والظلم والإستعمار، عن طريق تفكيك البنية الخطابية التي تنتجها تلك الثقافة للتمكن من تخيل الآخر، ومن ثم في مراحل سيطرتها عليه، تفرض عليه أدوات تخيله وإدراكه لذاته وبالتالي ينتهي الأمر به مجرد مرآة للمستعمر، لا يملك تحديد ذاته و تعريفها من دونه. لا تنفصل المقاومة في إرث سعيد عن المثقف، بل تكاد تكون وجهه الأقدر على تحديد دوره إتجاه ذاته وعالمه ، ولنا في سعيد نفسه أعظم مثال، فهو الذي عاش بين فضائين متباينين في آن: (مثقف أكاديمي) و(منفي فلسطيني عن وطنه)، وكان لهذا البون بين الفضائين وإجتماعهما الحدي في تجربة سعيد العامل الأساس الذي شكل نص هويته ونص كتاباته. تلك النصوص التي لا يمكن تطبيق منطق زميله هومي بابا فيما أسماه "الثقافة الهجينة" ، أو "الفضاء الثالث" ، وهو ما لا ينطبق على مثقفنا إذ أنه لم ينفصل عن الفضائين البينيين معاً إنما دمجهما بما لا يخل بأي منهما معاً أو على حدة. إذ أن حالة الحوار بين هاذين الفضائين النظيرين والمتفارقين هي ما أكسبت هويته قوتها الدافعة وتأثيرها الفكري المنتج، لقد صاغ المنفى مفاهيم سعيد فيما يتعلق بالثقافة والفكر والأدب فكانت "نزعة الاحتفاء بعالم الحس" و"نزعة العالم الدنيوي" و"روح الهواية" هي ما يراه لزاماً فكرياً يمكنه من تحرير فكرة المكان الأدبي من قيد المنفى بالمنطق النصي في الخطاب، والتخلص من ثبوتية وعليائية الصلابة الأكاديمية: "المثقف يمثل رسالة فردية، طاقة لا تنضب، قدرة تلين لتشتبك بوصفها صوتاً ملتزماً واضح المعالم وجدير بالاعتراف به، مع عدد كبير من القضايا التي تتصل في نهاية الأمر بالتنوير و التحرر و الحرية". إن جل مايحتاجه المثقف ليمس القيمة الحرة في البنية الثقافية ويحررها –بحسب سعيد- نزعتان "نزعة الإحتفاء بعالم الحس" و"نزعة الإحتفاء بعالم الدنيا" ، وهي عناصر تجعل للنص كجزء من الخطاب مكانه في العالم المحسوس إذ يتمثله ويدركه الخطاب، يحس ويلمس ويوصف، ومنه ينطلق المثقف لتفكيك مناطق الحلول و التجاوز السلطوي فيه، ومن هنا كانت أهمية المقاومة الثقافية في التعامل مع الثقافة الرسمية كجزء من عوامل تشكيل الخطاب السياسي الرسمي، أي أن المثقف/المقاوم يجب أن يتحرك بين نبراسين: 1.الهواية، إذ تتيح له فضاءاً حراً لا هرمياً ، يبتعد به عن الصلابة. 2.الصدق في الإلتزام بالقضايا المتعلقة بتحرير القيم المطلقة، وبالتالي: "الحقيقة الأساسية لدي، فيما أعتقد، هي أن المثقف فرد وهب ملكة تمثيل أو تجسيد رسالة أو رؤية أو فلسفة أو رأي أو موقف (من شيء ما)، مع الإفصاح عن ذلك لجمهور ما. وهذا دور له تأثيره القوي، ولا يمكن أن يؤديه المرء مالم يتوفر لديه إحساس بأنه شخص من شأنه أن يقوم علناً بإثارة أسئلة محرجة، و التصدي لجمود الفكر التقليدي والفكر اليقيني الجازم القائم على التسليم من غير تمحيص...، ومالم يكن من الصعب على الحكومات تحييدهم بضمهم إليها... ، ومالم يكن مبرر وجوده هو تمثيل ما دأبت الثقافة السائدة على نسيانه أو حجبه عن الأنظار، سواء كان أشخاصاً أو قضايا. بقوم المثقف بهذا كله مستندا إلى أساس من الكليات و المباديء العالمية التي تصدق على البشر أجمع [ولا يمكن استحواذها باسم الحقيقة المطلقة: الكاتب“] وبالتالي فعلى المثقف أن يقوم ببناء وعي نقدي يرفض ويفكك ويعري ويحلل الخطاب السلطوي وتمثيلاته، ليس هذا فحسب بل يتغلب على صعوبة التداول، بجعل الفكرة ممكنة ومتاحة ومدركة "الشروط الواجب إستيفائها لتكون المعرفة ممكنة" عن طريق الطعن في "سيادة المنهج التقليدي الثابت"، ومن ثم كانت عبقرية قراءة سعيد للخطاب الإستعماري من منطلقه الثقافي والمعرفي، فيما عرف بالقراءة الطباقية، وهي قراءة مستوحاة من مفهوم يعود إلى موسيقى كنسية غربية ظهرت في القرون الوسطى عرفت باسم لاتيني يعني "النغمة مقابل النغمة" أو "النغمة ضد النغمة"، وصارت تعرف اليوم باسم الطباق الموسيقي أو "تصاحب الألحان المتقابلة"، إذ تأثر سعيد بعازف البيانو جلين جولد. بعبارات أخرى، الوعي بتراكبية النص تقودنا لقراءته قراءة طباقية، تفكك دواخل النص وما يتوارى خلفه، فندرك الألحان أو الأصوات والمعاني التي تصاحب اللحن/المعنى/الصوت الإستعماري السلطوي، ويمكن بها كشف متضادات العلاقة وتذرر و طمس أو حتى إستحواذ القيمة حينها. والقراءة الطباقية تنتج من جمع بين الفكرة الدالة المتكررة (الموتيف) والصفة الفارقة (الإختلاف)، وهما الأساس لأقامة علاقة طباقية بين السرد الاستعماري ومنظور ما بعد الاستعمار. وبهذا ينشأ سرد يحتوي على نقطة دفينة في مقابل كل نقطة معلقة (سائد/متنحي أو عليا/دنيا)، ونتمكن من النزول من سطح النص إلى أعماقه بحثا عن وجود الآخر الواقع تحت سلطة خطاب و تخيل الأاقوى، وبالتالي تفشي النزعة الإستبعادية النافية في الثقافة المعتمدة، بل وأكثر من ذلك يكشف و يستشرف مواضع مرآوية المستعمَر والمستعمر في أدب المابعد كولونيالي، والخلط التحرري القائم على استعارة منطق الأقوى لتعريف الذات. لذا فمن الضرورة أن يكتسب الوعي النقدي فاعلية ذاتية بانفصاله عن الثقافة السائدة وحلوله في موضع مناوئ مستقل يمكنه من الشروع في "اكتشاف وتعليل مغزى العبارات التي تتألف منها النصوص" تلك النصوص التي عادة ما تكون حجر الأساس في تخيل و إدراك الآخر. فمن معالم المثقف المقاوم لدى سعيد قدرته على الإطاحة بثبوتية وصلابه وتعالي الثقافة عن العالم الآني المحسوس، فالمفهوم السعيدي المحتفي بعالم الدنيا يطعن على السلطة المقيدة المعنية بالجزئي الصلب في الخطاب الأكاديمي ببنية الهيراركية المتعالية، ممهدا الطريق إلى فكرة الاحتفاء بعالم الحس (وفي أدبيات أخرى : القراءة العلمانية) حيث لا يكون النص الأدبي مجرد حلقة جديدة تحل في موقع محدد ومتعالي عن الواقع، إنما هو مرتبط بعالم المادة والأشياء بما يتضمنه من روابط ثقافية و سياسية و إجتماعية وسلطوية بين محتويات مصوصه. وبذلك يكشف سعيد عن علاقات النسب التي يكون فيها النص طرفاً، ويعري كذلك علاقات الإنتساب أو الممالأة التي يدخل النص نفسه فيها. وبهذا يتمكن المثقف من الرد النصوصي على نص السلطة الاستعمارية المعتمد حيث أن "الخنوع الذليل للسلطة في عالم اليوم هو واحد من أفدح الأخطار التي تحيق بالحياة الفكرية التي يراد لها أن تكون مفعمة بالنشاط ومراعية للمثل الأخلاقية العليا" وذلك عن طريق الوعي المجتمعي وعقل نقدي مقابل السلطة ومؤسساتها المعرفية و الخطابية وبالتالي السياسية. فالمثقف/المقاوم ينبغي أن يمثل "... التحرر و التنوير، ولكن ليس بوصفهما مفهومين تجريديين أو إلهين يتعين على البشر عبادتهما على الرغم من إنقطاع صلتهما بالحياة و البون الشاسع الذي يفصلهما عن البشر. أما تمثيلات المثقف – الأفكار التي يوم بتمثيلها وكيفية تقديمه هذه التمثيلات لجمهور ما- فإنها ترتبط بتجارب أو خبرات تقع على نحو مستمر في داخل مجتمع ما، ويجب أن تظل جزءاً لا يتجزأ من هذه الخبرات: خبرات الفقراء، المحرومين من حقوقهم، من لا صوت لهم، المحرومين من التمثيل ، من لا حول لهم ولا قوة". النص في نظر إدوارد سعيد منتج ثقافي له تفاصيله المكانية الملموسة و المحسوسة ، فهو ليس بناءاً خاملاً بل له تاريخه الإجتماعي و السياسي والثقافي أي أن له وجوده المادي "المتشابك مع ظروف وزمان ومكان ومجتمع" وهو ما ينتج عنه "قدر من الاتصال المباشر بين المؤلفين ووسيلة التواصل اللغوي حين يكون من موجودات العالم"، وعلى عكس ما ذهب إليه البنيوين و الواقعيون، يرى سعيد أن النص هو جزء من العالم الذي تشكل منه أو أستنبط منه. وعندما يتورط النص في علاقة ممالأة مع التاريخ والثقافة والمجتمع فإنه يتخلص حتماً من قيد ما يسمى بالأدب الأوروبي المعتمد ويرجع إلى نسيج ثقافته، وبالتالي فإن "إعادة إنشاء شبكات الممالأة تؤدي لإبراز الخيوط التي تربط النص بالمجتمع والمؤلف والثقافة أي تحويل النص إلى شيء محسوس"، وتعزيز مادية النص هو مفتاح باب قراءة الأدب الإنجليزي مثلاً بشكل طباقي للتيقن من مدى مشاركة تلك النصوص في تنفيذ مشروع سياسي متسع وكاسح، عن طريق إعمال الخيال الخطابي المدرك للآخر وعلاقة الذات منه ، وبالتالي قراءة هوياتية: هوية المجتمعات الخاضعة للإستعمار ، وهوية ثقافة الإمبراطورية الاستعمارية، وهو ما يمكن تطبيقه على الحالة الفلسطينية، وتمثلات الفلسطيني بعد أوسلو مثلاً. فالقراءة الطباقية مثلا تسلط الضوء على المساحات الفارغة في المكان الآخروي في الخطاب الإمبريالي فانتيجا لجين أوستن تصف إستغلال المساحات الواسعة من سطح الكرة الأرضية بإضفاء حضور على تلك الغيابات أو "الفضاءات النائية، التي قد يكون بعضها غير معروف"، وعلى هذا فتلك ليست مجرد إشارة إلى "روح المغامرة التجارية التي تدفع المرء لحيازة أراض وبسط سيطرته عليها فيما وراء البحار من أجل تحويلها إلى مصدر للثروة في الإقليم الذي جاء منه. كما أنها ليست واحدة من الإشارات الكثيرة التي تشهد على وجود حس تاريخي ينضج بسلوكيات قويمة وأخلاق كريمة بل يضم كذلك صراعات بين أفكار، ومنازعات مع فرنسا في عهد نابليون ومعرفة بتغيرات إقتصادية واجتماعية مزلزلة كانت تقع في حقبة ثورية من حقب تاريخ العالم". ومن النماذج الأخرى للقراءة الطباقية التي ذكرها سعيد في كتابه "الثقافة و الإمبريالية" ، أوبرا “عايدة” لفيردي والتي يكاد يكون فيها الإرتباط تاماً بين الأعراف الثقافية والأعراف السياسية ، فأوبرا “عايدة” تثير أسئلة مركبة عن "علاقتها باللحظة التاريخية والثقافية الغربية التي كتبت فيها" ، وأسئلة كذلك عن تفردها و"موضوعها وإطارها الزماني والمكاني وفخامتها ومؤثراتها البصرية والصوتية التي تلهب العواطف على نحو غريب، وموسيقاها المتطورة إلى حد الإفراط والوضع الأسري المقيد الذي تصوره، وإختلافها عن بقية نماذج فيردي"، فسعيد يطالب بقراءة أوبرا “عايدة” قراءة طباقية لأنها تجسد "سلطان النسخة الأوروبية من تاريخ مصر في لحظة من لحظات تاريخها في القرن العشرين، وهو تاريخ يجعل من القاهرة في السنوات 1869 إلى 1871 موقعاً ملائماً إلى حد غير إعتيادي" إذ أن القراءة الطباقية لتلك الأوبرا تمكننا من الكشف عن "بنية الإحالة و الاتجاهات العقلية في النص وشبكة علاقات المملأة والروابط والقرارات وعلاقات التعاون والتواطؤ، وكلها يمكن قراءتها بوصفها السبب في مجموعة من الملامح المفزعة التي جاء نص الأوبرا البصري والموسيقي متسماً بها" فقصة أوبرا “عايدة” التي تدور حول بطل مصري يقهر الإثيوبيين ولكنه يتهم بالخيانة ويحكم عليه بالإعدام، تستحضر في الذهن التنافس بين القوى الامبريالية في الشرق الأوسط. لقد شجعت بريطانيا تحركات الخديوي إسماعيل في شرق أفريقيا، إذ رأتها الوسيلة المناسبة لعرقلة المشروعين الإيطالي والفرنسي في الصومال وإثيوبيا. ولذا فمن وجهة نظر فرنسية نجد أن أوبرا عايدة "تصور الأخطار التي يمكن أن تترتب على نجاح الخطة المصرية في إثيوبيا"، لذا فهي تعري وتوضح مدى ممالأتها للخطاب الإستعماري و تجردها عن العالم الذي خلقها. ولنا في رواية ألبير كامو "الغريب" مثال آخر ، إذ يرى سعيد أنها "ترتبط من وجهة نظر تاريخية بعلاقة ممالأة أو تبعية للمشروع الإستعماري الفرنسي نفسه.. وكذلك معارضة استقلال الجزائر معارضة سافرة". إذ ينبغي النظر إلى الرواية "بوصفها عنصراً من العناصر التي تندرج في جغرافية الجزائر كما شكلتها فرنسا بطريقة منهجية منظمة". إن المقاومة عملية ذات شقين: 1.إسترداد الأرض المغتصبة . 2.المقاومة الأيديولوجية، والذي يتكون من "إصرار على رؤية تاريخ المجتمع كاملاً متسقاً غير منقوص ثم البحث عن نهج بديل في رؤية التاريخ البشري... يقوم على إزالة الحواجز بين الثقافات وأخيراً الدخول إلى الخطاب الأوروبي والغربي من أجل الاختلاط به، والعمل على إحداث تحولات فيه ودفعه إلى الاعتراف بالتاريخ المهمش أو المقموع أو المنسي". أي أن المقاومة الثقافية هي عمل مزدوج ، ليس تحرراً ذاتياً فقط، إنما هو أيضاً إدراك للهوية الذاتية، ومحددات القيمة فيها، وهنا لا بد لنا أن نشير لتأثر إدوارد سعيد بفرانز فانون إذ يقول: "إن الجهد الذي يبذله البشر من أجل اقتناص الذات والتدقيق في عناصرها ، وكذلك التوتر الدائم الذي تسببه لهم حريتهم، هما العاملان اللذان من خلالهما يتمكنون من خلق الظروف المثالية في عالم إنساني". ولعل تلك السطور تعري في ذاتنا العربية عموماً ، والفلسطينية خصوصاً الحاجة الملحة والضرورية والحيوية لنرى تمثلاتنا الثقافية الذاتية في خطابنا العربي و الفلسطيني، وإلى أي درجة وصلت من المرآوية الصهيونية باعتبارها علاقة (مستعمِر و مشتعمَر)، ينطبق عليها ما إنطبق على غيرها، وإلى أين ستذهب بنا تلك السياسيات الثقافية الغير مقاومة، إلى أي حد سردنا هو علاقة ممالأة فاضحة للإسرائيلي؟ |
#108
|
||||
|
||||
تأثير القضايا الخارجية على السباق الرئاسي الأمريكي
أزمة السفارات نموذجا فرضت الهجماتُ على السفارات الأمريكية في عدد من دول الربيع العربي -التي شهدت تنامي نفوذ الحركات الإسلامية بالشرق الأوسط- إثر عرض مقاطع من الفيلم المسيء إلى الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) نفسها على سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ورغم أن اهتمام المرشحين الجمهوري "ميت رومني" والديمقراطي "باراك أوباما" جاء عابرًا؛ نظرا لأولوية قضايا أخرىتأثير القضايا الخارجية على السباق الرئاسي الأمريكي د. محمد علاء عبد المنعم عضو هيئة التدريس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وأستاذ زائر بالجامعة الأمريكية بواشنطن. يتقدمها الوضع الاقتصادي والبطالة والدين العام؛ إلا أنها كانت مناسبة لطرح المرشحين لرؤيتهما فيما يتعلق بالتعامل مع المنطقة. كما مثلت الأحداثُ ساحة للجدل حول خبرة المرشحين في مجال السياسة الخارجية، وهيأت مساحة للنقاش حول مستقبل الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط والساحة الدولية بشكل عام. مكانة السياسة الخارجية في السباق الانتخابي وتتمثل أهمية مناقشة أحداث استهداف السفارات الأمريكية وتأثيرها على مجريات الانتخابات الأمريكية في ظل النقاش المحتدم بين المرشحين الديمقراطي والجمهوري؛ في أن قضايا السياسة الخارجية لم تكن بمعزل عن التأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، برغم الأولوية التي عادة ما تحظى بها القضايا الداخلية وخاصة الاقتصادية. وكان هذا جليا في أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران عام 1979؛ حيث حظيت بأولوية خاصة في السباق الرئاسي بين الرئيس الديمقراطي "جيمي كارتر" ومنافسه الجمهوري "رونالد ريجان"، حتى إن البعض جزم بأن حملة "ريجان" عقدت صفقة مع أطراف إيرانية لتأجيل الإفراج عن الرهائن حتى تنصيب الأخير، لينسب إليه الفضل في الإفراج عنهم. وجاء السباقُ الانتخابي بين الرئيس الجمهوري "جورج بوش" الأب و"بيل كلينتون" ليعيد الثقل للعامل الداخلي، وجاء شعار حملة بيل كلينتون "إنه الاقتصاد.. أيها الغبي" "It’s the economy, stupid" تأكيدا لهذا المعنى. واستمرت أولوية الوضع الداخلي في السباق الانتخابي في حملتي المرشح الجمهوري "جورج بوش" الابن والديمُقراطي "أل جور" عام 2000. غير أن الأمر تغير في انتخابات 2004 بين "بوش" الابن والمرشح الديمُقراطي "جون كيري"، وذلك في إطار احتدام تداعيات ما عُرف وقتها بالحرب على الإرهاب. وجاء تسجيل مُصور لأسامة بن لادن ليزيد مخاوف الأمريكيين من الإرهاب الدولي، وهو ما استغله الحزب الجمهوري في دعايته ضد الديمُقراطيين، الذين وصفوا منافسيهم من الحزب الديمقراطي بأنهم رفقاء على الإرهاب Soft on terror. وشهدت انتخاباتُ 2008 التي حقق فيها الرئيس "باراك أوباما" فوزًا مستحقًّا على منافسه الجمهوري "جون ماكين" تواجدًا قويًّا لقضايا السياسة الخارجية بالنظر للتداعيات الاقتصادية والسياسية لتواجد القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق، إضافة لقضايا ذات صلة بحقوق الإنسان، وخاصة سجن أبو غريب وجوانتانامو، وهي القضايا التي تم تناولها باعتبارها تهديدًا للقيم الأمريكية. وقد جاء الرئيس "باراك أوباما" للحكم بخطة طموحة للسياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ارتكزت على السعي للوصول لحل للقضية الفلسطينية، وإحداث حالةٍ من التفاهم والتواصل، وفتح دوائر للحوار مع شعوب الشرق الأوسط، بهدف تخفيف حدة الكراهية المتنامية ضد الولايات المتحدة. إلا أن هذا التوجه حصد من الفشل أكثر من النجاح في رأي الكثيرين. فالقضية الفلسطينية مُتعثرة، والعلاقات الأمريكية - الإسرائيلية شهدت توترات علنية، كما أن إيران ما تزال تواصل برنامجها النووي، مع استمرار عجز الولايات المتحدة عن إيجاد حل للأزمة السورية، واستمرار حالة العداء الشعبي للسياسة الأمريكية في المنطقة، والتي جاءت الاعتداءات على السفارات الأمريكية في مصر وليبيا واليمن وغيرها من دول الشرق الأوسط شاهدًا عليها. وفي هذا الإطار؛ ذهبت بعض الأصوات للقول بأن الوقت قد حان لانسحاب الوجود الأمريكي من الإقليم، وخاصة مع سحب أغلب التواجد الأمريكي من العراق، والانخفاض المتوقع لأسعار البترول مع ظهور الغاز الصخري "Shale Gas". وعلى الجانب الآخر رفضت أصواتٌ هذا الطرح. وأوجدت أحداث السفارات حالة من النقاش الانتخابي والسياسي. رد متوازن من حملة أوباما: يمكن وصف رد فعل الإدارة الأمريكية على أحداث استهداف السفارات الأمريكية بأنه جاء متوازنًا إلى حدًّ كبير؛ حيث ركز أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون على الإشادة بضحايا الهجوم على السفارة الأمريكية في ليبيا، وتأكيد قدرة الولايات المتحدة على التصدي للإرهاب، والتشديد على التعاون مع السلطات الليبية لتحقيق تحول ديمُقراطي، ومعاقبة المسئولين عن الهجمات. كما لم يخلُ خطاب الإدارة من توضيح أن التعاون مع دول المنطقة يتطلب موقفًا حاسمًا من الأنظمة العربية الجديدة، وهو ما ظهر في لقاء تليفزيوني مع الرئيس أوباما في 13 سبتمبر أشار خلاله أن النظام المصري بعد انتخاب مرسي لا يُعد حليفًا، كما لا يُعد عدوًّا، وأن الأمر يتوقف على المواقف التي يتخذها النظام المصري. وقد جاء أول رد فعل على الأحداث من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، التي أدانتها بشدة، وأشارت إلى أنها اتصلت بالرئيس الليبي لتنسيق الجهود من أجل حماية الأمريكيين بليبيا، وأنه أدان الأحداث، وقدم تعازيه في الضحايا. وجاء بيان الرئيس الأمريكي أوباما ليدين الأحداث، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة ترفض ازدراء الأديان؛ إلا أن هذا لا يعد مبررًا لأي نوع من العنف. كما أشاد بالسفير الأمريكي في ليبيا "كريس ستيفنز" والذي لقي حتفه خلال الهجمات على السفارة الأمريكية. ويُعد هذا الموقف خروجًا عن بيان أصدرته السفارة الأمريكية بالقاهرة قبل الهجمات أدانت فيه ما أسمته بالمحاولات غير المسئولة من قبل البعض لجرح المشاعر الدينية للمسلمين. وهو البيان الذي سحبته الوزارة من موقع سفارتها بالقاهرة، وأكد الرئيس أوباما عقب الهجمات أنه لم تتم إجازته من قبل وزارة الخارجية. وعلى هذا فقد جاء الرد الرسمي لإدارة أوباما متسقًا مع ما هو معهود في ظل مثل هذه الظروف الطارئة، من التأكيد على القيم الأمريكية، وما قدمه الضحايا، والتأكيد على محاسبة المسئولين، ورفض تسييس القضية. ومن هنا كان رد الفعل العنيف على محاولات رومني لتسييس الأحداث، وهي المحاولة التي رفض المشاركة فيها عدد من أقطاب الحزب الجمهوري، وإن أيده فيها فريق من المحافظين الذي وجد فيها فرصة لنقد خط أوباما في مجال علاقاته الخارجية بدول الشرق الأوسط، ولطرح نظرتهم فيما يتعلق بالربيع العربي. محاولة رومني لتسييس الأحداث سارع المرشح الجمهوري "ميت رومني" لمحاولة تسييس الهجمات على السفارات الأمريكية، ومحاولة استغلالها في السباق الانتخابي، وهو خروج عن التقاليد الأمريكية في مثل هذه الظروف، التي تفرض الالتفاف حول الدولة rally around the flag، وهو ما لا يسمح بمهاجمة الإدارة التي تمثل وحدة الأمة الأمريكية، وقدرتها على مواجهة عدوها الخارجي. كما يُعد هذا الموقف خروجًا على خط حملة رومني نفسه، الذي ركز باستمرار على القضايا الاقتصادية. فقد سارع المرشح الجمهوري بعد أقل من 7 ساعات على الهجمات في ليبيا إلى انتقاد موقف إدارة الرئيس أوباما، ووصفه بأنه موقف مشين بما فيه من اعتذار عن القيم الأمريكية وحرية التعبير، مشيرًا إلى بيان السفارة الأمريكية بالقاهرة، والذي رفض فصله عن موقف الإدارة، مؤكدًا أن الرئيس أوباما ووزارة الخارجية مسئولان عن أي تصريح يخرج من أية سفارة أمريكية. وأشار "رومني" في أول مؤتمر صحفي تعقيبًا على الأحداث إلى أن الربيع العربي يمثل فرصة لأن يكون الشرق الأوسط منطقة سلام ورخاء؛ إلا أنه يحمل تهديدًا إذا نجحت قوى العنف والتطرف في السيطرة على الإقليم. وفي مقابل هذه الانتقادات؛ سارع الرئيس أوباما وفريقه إلى توجيه انتقادات لاذعة للمرشح الجمهوري، فوصفه الرئيس أوباما في مقابلة تليفزيونية إلى أن لديه ميلا "لإطلاق النار قبل التصويب has a tendency to shoot first and aim later" في إشارة لهجومه الذي بدا متسرعًا وسابقًا حتى لخروج تقارير وافية عن الأحداث في ليبيا. وانتقد المتحدث باسم حملة أوباما موقف رومني، وأعرب عن دهشته من استخدام المرشح الجمهوري لهذه الأحداث المأساوية لأغراض الدعاية الانتخابية. وقد أحجم عدد من قيادات الحزب الجمهوري عن مجاراة "رومني" في انتقاداته لأوباما؛ فقد رفض السيناتور الجمهوري، والمرشح السابق في انتخابات الرئاسة "جون ماكين"، التعقيبَ على موقف الإدارة. وأكد على ضرورة ألا تتخلى الولايات المتحدة عن ليبيا في هذه الظروف حتى لا تقع فريسة لقوى التطرف، وهو ما عبر عنه أيضًا في بيان رسمي طالب فيه مجلس الشيوخ برفض تقليص المساعدات الأمريكية لليبيا. وكانت بعضُ التصريحات من الجمهوريين أشد إيلامًا؛ فقد علق "ستيف لومباردو" المسئول السابق في حملة رومني عام 2008، قائلا إن حملة رومني كان ينبغي عليها أن تكون أكثر تفهمًا فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمات الخارجية. فهذه الأزمات في رأي لومباردو، تشهد التفاف الأمريكيين حول قيادتهم السياسية، على الأقل في المدى القصير. وهو ما لا يسمح بتوجيه انتقاد لموقف الإدارة. ولم يخلُ تصريح "بيجي نونان" التي شاركت في كتابة خطب الرئيس السابق ريجان، من قدر من السخرية؛ حيث قالت إن رومني فشل في إضافة قيمة لحملته منذ بدأ هجومه على موقف إدارة أوباما تجاه الأحداث التي وقعت منذ بضع ساعات. إلا أن هجوم رومني لم يُفقده تأييدَ عدد من الجمهوريين؛ فقد شبه ممثل الولايات المتحدة السابق لدى الأمم المتحدة "جون بولتون" وهو واحد من أنصار رومني، الأحداث بأزمة الرهائن الأمريكيين في إيران عام 1979، واتهم أوباما بالعجز عن فهم مدى خطورة هذه الهجمات. وكررت "سارة بالين" المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس وإحدى قيادات المحافظين، الهجوم التقليدي على سياسة أوباما الخارجية؛ حيث يصفه المحافظون بأنه يسعى دائما لتفادي الخلاف ويحاول باستمرار إرضاء أعداء الولايات المتحدة. وفي المحصلة الختامية؛ يبدو أن الجدل حول الهجمات على السفارات الأمريكية في طريقه للخفوت. ولكن قضايا السياسة الخارجية ستظل مطروحة، وخاصة مع سعي الجمهوريين لاتخاذ خط مميز عن خط أوباما، وهو ما سيظهر حين تبدأ المناظرات بين المرشحين. هل تحسم السياسة الخارجية الانتخابات؟ رغم أهمية قضايا السياسة الخارجية في مؤتمرات الحزبين الجمهوري والديمُقراطي، خاصة فيما يتعلق بالأمن القومي الأمريكي؛ إلا أن هذه القضايا لا تحظى باهتمام خاص لدى الناخب الأمريكي. وتشير استطلاعات الرأي، على سبيل المثال، إلى أن ثلثي الأمريكيين لا يرون مبررًا لتواجد القوات الأمريكية في أفغانستان. هذا بالإضافة إلى أن بعض الأصوات المحافظة ترى ضرورة تقليص الدور الخارجي للولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال؛ تبنى عدد من النواب المحافظين مشروع قانون يطالب الإدارة بتقديم تقرير عن الهجمات على السفارات الأمريكية في مصر وليبيا واليمن قبل التصديق على المعونات المقدمة لهذه الدول. وطالب النائب الجمهوري راند بول بتقليص المعونات الموجهة إلى مصر وليبيا وباكستان. لكن الاتجاه السائد يرى ضرورة استمرار الولايات المتحدة في دعم دول الربيع العربي، والتواجد في إقليم الشرق الأوسط للمحافظة على مصالحها، ومواجهة ما يعرف بقوى التطرف، وهو الاتجاه الذي تؤيده قوى من الجانبين الديمُقراطي والجمهوري. وقد بدا هذا التوجه في تصويت مجلس الشيوخ بأغلبية كبيرة (81-10) لصالح استمرار المعونات الموجهة لمصر وليبيا. وفي المقابل؛ تسعى حملة رومني لصياغة خط مميز لسياستها الخارجية، خاصة وأن استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم أوباما بفارق واضح في هذا المجال. وتدرك حملة رومني أن عليها العمل على هذا المحور إذا أرادت إحراز تقدم حقيقي في المنافسة الانتخابية، لا سيما وأن محاولة رومني لتسييس أزمة السفارات أساءت إليه باعتباره قليل الخبرة أكثر مما أفادت. وحتى الآن يبدو أن اقتراب الجمهوريين ينبني على السعي لنوع من إعادة إحياء لسياسات الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان، وذلك لدرء أي شبهة صلة بسياسات بوش الابن في المجال الخارجي، والتي كلفت الولايات المتحدة الكثير. وقد أطلق "تيم بولنتي" المرشح لمنصب وزير الخارجية إذا فاز رومني، مصطلح Reganesqueعلى هذا المنظور للسياسة الخارجية، والذي يعتمد، على حد وصفه، على "قوة المبادئ والقيم"، وهو توصيف غير واضح على أحسن تقدير. وسيبقى الشرق الأوسط مطروحًا على قائمة المنافسة الانتخابية، وخاصة فيما يتعلق بالأمن القومي الأمريكي. ورغم أنه لن يكون من أولويات الناخب الأمريكي، إلا أن حدثا عارضا قد يقلب الحسابات رأسا على عقب، لا سيما وأن الملف النووي الإيراني مهيأ للتطور، فإذا حدث مثلا أن أقدمت إسرائيل على عمل منفرد ضد إيران، فإن هذا سيؤدي بالضرورة إلى انقلاب في موازين الصراع الانتخابي الأمريكي. |
#109
|
||||
|
||||
من الدّولة الكاملة إلى الدّولة المراقبة إلى الانتظار المفتوح
من الدّولة الكاملة إلى الدّولة المراقبة إلى الانتظار المفتوح من المقرر أن يلقي الرئيس أبو مازن، يوم الخميس المقبل، خطابًا جديدًا أمام الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، سيشرح فيه الرواية الفلسطينيّة للصراع الجاري منذ أكثر من مائة عام. سيكون الخطاب هذا العام باهتًا، لأنه يأتي بعد إضاعة عام كامل من الانتظار واستمرار السعي لاستئناف المفاوضات العبثيّة، لأن الخطاب التاريخي، الذي ألقي في العام الماضي، بعث الأمل في نفوس الفلسطينيين، لكنّه جاء نهاية وليس كما كان مفترضًا أن يكون بداية لشق مسار جديد، بعيدًا عن نفق المفاوضات الثنائيّة العبثي المسدود.هاني المصرى لقد سبق خطاب العام الماضي استعدادات ضخمة، سياسيّة وجماهيريّة وإعلاميّة وقانونيّة، كان عنوانها "استحقاق أيلول"، وسط زخم من اعتراف الدول بالدولة الفلسطينيّة، بينما كان "كرسي الدولة" يطوف العالم كله؛ مؤكدًا على الحق الفلسطيني في تقرير المصير. أما في هذا العام، فستذهب القيادة الفلسطينيّة إلى الأمم المتحدة مترددة، قدمًا إلى الأمام والأخرى إلى الوراء، فهي تعاني من آثار الانقسام، والأزمة الاقتصادية، وفقدان الاتجاه، وآثار "الربيع العربي"، وحائرة بين إلغاء أوسلو، وحل السلطة، واستقالة الرئيس، والدولة الواحدة، وإجراء انتخابات عامة، والعودة إلى المفاوضات، وتتحدث عن التوجه إلى الأمم المتحدة، وكأن الأمر يطرح الآن للمرة الأولى، لذلك بدلًا من الذهاب وفي يدها مشروع قرار لعرضه للتصويت فورًا، تتحدث عن الشروع في صياغة مشروع القرار بعد الخطاب، وعرضه على الدول والكتل الإقليميّة والدوليّة خلال أسابيع؛ ليعرض بعد ذلك للتصويت عليه بعد الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة القادمة حتى لا تصطدم مع الرئيس الأميركي في آخر عهده. ليس مقبولًا على الإطلاق عدم صياغة مشروع القرار وتأجيل طلب التصويت عليه، بالرغم من مرور عام على السقف الزمني لاستحقاق أيلول، ومرور أعوام على بداية طرح مسألة التدويل التي ابتدأت في العام 2009، خصوصًا حين جاءت حكومة نتنياهو إلى سدة الحكم، واتضح للقاصي والداني، للمتفائل والمتشائم، عدم وجود أفق لحل سياسي مرضٍ أو عادل أو متوازن، على المدى المنظور على الأقل، هذا الموقف يمكن تفسيره، لأن البيت الفلسطيني منقسم على نفسه، وفي وضع سيء للغاية، ولم يتم استغلال الفترة الماضية للاستعداد لمواجهة التداعيات المحتملة لخطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، خصوصًا لجهة تنفيذ التهديدات الأميركية والإسرائيلية. على القيادة الفلسطينيّة حتى تستعيد مصداقيتها التي فقدتها، من خلال تجنب المواجهة في العام الماضي بعدم تفعيل الطلب الذي قدمته إلى مجلس الأمن للحصول على العضويّة الكاملة، بحجة عدم وجود الأصوات التسعة المطلوبة لعرضه للتصويت، ومن خلال عدم الانتقال فورًا إلى الجمعيّة العامة للحصول على العضويّة المراقبة، بالرغم من وجود مطالبة فلسطينيّة وعربيّة ودوليّة بذلك، سواء من دون تقديم الطلب إلى مجلس الأمن أو بالتزامن معه أو بعده؛ أن تفسر، أو أن تعترف بالخطأ الكبير الذي ارتكبته، وتتحمل المسؤوليّة عنه أمام شعبها والعالم كله. إذا لم تعترف القيادة بالخطأ، فالخشية من أن الأسباب التي أدت إلى إضاعة عام مضى في البحث عن نجاح الجهود المبذولة لاستئناف المفاوضات العقيمة، وهي تجنب المواجهة مع الإدارة الأميركيّة والحكومة الإسرائيليّة، وربما بعض الدول الأوروبيّة؛ لا تزال قائمة، ويمكن أن تؤدي إلى: إما إلى تأجيل المواجهة مرة أخرى، إلى ما بعد إعطاء فرصة جديدة للرئيس باراك أوباما، إذا فاز بفترة رئاسيّة ثانية، بحجة عدم الاصطدام معه في بداية فترته الثانية، وإضاعة فرصة بحجة أنه سيكون فيها متحررًا من الضغوط والقيود من إسرائيل ومجموعات الضغط المؤيدة لها أثناء فترة رئاسته الأولى. أو عدم الاصطدام بالرئيس الجديد ميت رومني في فترة رئاسته الأولى، إن فاز، خصوصًا بعد مضيه بعيدًا أثناء حملته الانتخابيّة في دعم إسرائيل، لدرجة إطلاقة تصريحاتٍ عنصريّةً ومعاديّةً للفلسطينيين. أو المضي قدمًا نحو التوصيت على مشروع القرار، مهما تكن نتيجة الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، دون تسليحه بمضمون إستراتيجي، حيث يبدو وكأنه محاولة لتحسين فرص استئناف المفاوضات. ويؤكد ذلك تصريحات الرئيس "أبو مازن" وصائب عريقات، وغيرهما، بأن حصول فلسطين على العضويّة المراقبة يساعد على السلام، ويفتح طريق العودة لاستئناف المفاوضات، التي ستكون مفاوضات بين دولة إسرائيل ودولة فلسطين الواقعة تحت الاحتلال. عن أي سلام يجري الحديث! وما الذي يدعو للعودة إلى مفاوضات أدت إلى كارثة، ويمكن أن تؤدي إلى كارثة أكبر، إذا استؤنفت من دون تغيير الظروف والمبادئ والمرجعيّة والإطار والأطراف التي تجري وتشارك فيها؟ وعن أي مواجهة يجري الحديث، والوضع الفلسطيني لا يسرّ صديقًا؟ إن التدويل إذا نُظِر إليه بوصفه مجرد محاولة فلسطينيّة جديدة لإثبات الجدارة، وحسن السلوك والنوايا، وإنجاح الجهود لاستئناف المفاوضات؛ فسيؤدي في النهاية إلى تقزيم القضيّة الفلسطينيّة، ويساعد على استكمال تهميشها تمهيدًا لتصفيتها. فالتدويل ضمن السياق المذكور، سيؤدي إلى صياغة مشرورع قرار ضعيف يحاول أرضاء أميركا والدول الأوروبيّة الكبرى، خصوصًا ألمانيا؛ للحصول على تأييدها أو تحييدها، وذلك من خلال التعهد بأنه الحد الأقصى، وإعادة إنتاج كل التنازلات التي حدثت سابقًا، وإيراد كل العبارات والمضامين التي حملتها "مسيرة السلام" منذ انطلاقها في مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991 وحتى الآن. يمكن أن نرى في مشروع القرار أحاديث عن حل قضيّة اللاجئين على أساس "معايير كلينتون"، أو "حل متفق عليه"، وإعادة إقرار "مبدأ تبادل الأراضي الذي يقسم الضفة الغربية والقدس الشرقية"، وعبارات من نوع "دولة فلسطينيّة مترابطة وقابلة للحياة *****ة السلاح"، و"تحافظ على أمن وسلامة إسرائيل وتنبذ الإرهاب"، و"تمتنع عن إقامة تحالفات معاديّة لإسرائيل"، و"تلتزم بأفضل العلاقات الطبيعيّة معها". إذا حصل ذلك، لا سمح الله، تكون الطّامة الكبرى، ويصبح بعدها عدم التوجه للأمم المتحدة أفضل من هكذا توجه. أهميّة التدويل أنه يجب أن ينطلق من قناعة عميقة باستحالة التوصل إلى إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينيّة مستقلة عاصمتها القدس، مع أو من دون حل القضيّة الفلسطينيّة حلًا عادلًا على أساس القرار 194؛ بالعودة إلى طريق المفاوضات الثنائيّة برعايّة انفراديّة أميركيّة، وفي ظل قيام اللجنة الرباعيّة بدور "شاهد الزور"، بعيدًا عن القانون الدولي وقرارت الأمم المتحدة، وعن الدور الفاعل للمؤسسة الدوليّة والأطراف المؤثرة والمعنيّة بما يجري في المنطقة. الحصول على العضويّة الكاملة مهم جدًا، والحصول على العضويّة المراقبة مهم أيضًا، ولكنه لن يغير الموقف للمفاوض الفلسطيني، لأن الأمر الحاسم هو ما يجري على الأرض، وهو يبعد حل الدولتين ولا يقرّب حل الدولة الواحدة. فالأرض الفلسطينيّة المحتلة عام 1967 كانت ولا تزال هي أرض محتلة وفقًا للشرعيّة الدوليّة، وهذا لم يؤد إلى تفاوض مثمر، أو إلى تغيير في الموقف الإسرائيلي. وكذلك، فإن منظمة التحرير حصلت على العضويّة المراقبة منذ العام 1974، ولم يغير هذا الأمرُ الواقعَ على الأرض. تأسيسًا على ما سبق، لا يمكن أن يؤدي التدويل إلى تغيير الموقف جذريًا، إلا إذا جاء ضمن تصور متكامل وإستراتيجيّة جديدة. إستراتيجيّة جديدة تكرس المكاسب السابقة ومكانة منظمة التحرير، وتؤمن بضرورة تغيير موازين القوى على الأرض، بحيث يصبح الاحتلال مكلفًا لإسرائيل ومن يدعمها؛ عندها يمكن إنهاء الاحتلال الذي من دون إنهائه لا يمكن إقامة دولة مستقلة حقًا، حتى لو بنينا مؤسسات دولة مثاليّة وحصلت على شهادة العالم كله بالجهوزيّة الفلسطينيّة لإقامة الدولة. يجب أن ترتكز الإستراتيجيّة التي تريد التغيير أساسًا إلى تدويل القضيّة الفلسطينيّة بمختلف أبعادها، وتجميع جميع الموارد والثروات وأوراق الضغط والقوة الفلسطينيّة والعربيّة والدوليّة، وهذا لا يكون إلى بإعادة القضيّة إلى جذورها، بوصفها قضيّة شعب شرّد، وواقع تحت الاحتلال، ويعاني بجميع أجزائه من كل أشكال الاستعمار والاضطهاد والعنصريّة. وهذا يقتضي إحياء القضيّة الفلسطينيّة والمشروع الوطني والمؤسسة الجامعة والقيادة الواحدة على أساس الحقوق الطبيعيّة والتاريخيّة والقانونيّة، وبما يضمن وحدة القضيّة والشعب والأرض، وهذا يتطلب أساسًا التركيز على خطاب الحقوق: حق تقرير المصير؛ وحق والعودة؛ وإنهاء الاحتلال؛ والحقوق المدنية والمعيشيّة لشعبنا داخل إسرائيل والشتات. إن مثل هذا التفكير الإستراتيجي أصبح متطلبًا وطنيًا، لا مناص منه بعد أن قضت إسرائيل على حل الدولة الفلسطينيّة على حدود 1967، وعلى اتفاق أوسلو الذي تنصلت منه، مع أنها تريد الإبقاء على الالتزامات الفلسطينيّة فيه. ليس مطلوبًا من الفلسطينيين الإعلان رسميًا عن إلغاء اتفاق أوسلو ردًا على ذلك؛ حتى لا يتحلموا المسؤوليّة عن جريمة ارتكبتها إسرائيل، ولكن عليهم إدراك أنه الجذر الأساسي لما وصلوا إليه، ومن دون تجاوزه عمليًا، خطوة خطوة وصولًا إلى التخلص منه نهائيًا؛ لا يوجد حل عادل أو متوازن أو مرضٍ، بل سيؤدي استمرار السياسة الانتظارية إلى المزيد من الضياع للفلسطينيين وقضيتهم، وصولًا إلى تصفيتها نهائيًا. |
#110
|
||||
|
||||
حدود ومآلات التغير في العلاقات المصرية الإسرائيلية
حدود ومآلات التغير في العلاقات المصرية الإسرائيلية محمد عبد الله يونس مدرس مساعد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة تشهد العلاقاتُ المصرية الإسرائيلية موجةً حادةً من الانحدار المضطرد قضت على الاستقرار النسبي لإحدى ركائز منظومة الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط. إذ يمكن اعتبار الهجوم الذي استهدف وحدة عسكرية إسرائيلية قبالة العلامة 46 الحدودية في 21 سبتمبر الجاري بمثابة مؤشر جوهري على التحولات الهيكلية في ثوابت العلاقات المصرية الإسرائيلية في ظل تصاعد وتيرة التوترات خلال الفترة الممتدة بداية من انهيار نظام مبارك وانتهاء بتصفية دور المجلس العسكري، وانفراد الرئيس مرسي بصلاحيات إدارة الدولة حتى انتهاء المرحلة الانتقالية، بما يُثير تساؤلات مهمة حول حدود ومآلات التغير الراهن في العلاقات المصرية الإسرائيلية. أزمات متصاعدة لم يكن الهجومُ على القوات الإسرائيلية الذي تبنته جماعة أنصار بيت المقدس، وأسفر عن مقتل ضابط إسرائيلي وثلاثة من منفذي الهجوم، تطورًا مفاجئًا في وتيرة الأوضاع الأمنية المتردية على الحدود المصرية الإسرائيلية؛ إذ يُعتبر أحد مظاهر انسحاب الدولة المصرية من الأطراف تحت وطأة أزمات الداخل المتصاعدة، بما أدى إلى تطور نوعي في قدرات التنظيمات المسلحة على الحدود المصرية الإسرائيلية كان أبرز مؤشراته: - الهجوم على مديرية أمن شمال سيناء ونقاط مراقبة أمنية في 16 سبتمبر باستخدام أسلحة ثقيلة نوعية، على الرغم من تأكيدات المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة استمرار العملية نسر، وتمكنها من قتل 33 من العناصر المسلحة، وتدمير 31 نفقًا حدوديًّا ردًّا على هجوم التنظيمات الإرهابية في 5 أغسطس على قوات حرس الحدود المصرية في رفح قرب معبر كرم أبو سالم، وراح ضحيته 16 مجندا من عناصر القوات المسلحة. - اقتحامُ عناصر مسلحة لمقر قوات حفظ السلام في طريق الجورة في شمال سيناء في 14 سبتمبر احتجاجًا على الفيلم المسيء للرسول، بما أسفر عن إصابة 3 جنود من كولومبيا، وإحراق عدة مركبات، والاستيلاء على معدات وأسلحة من الموقع. - تفجيرات خط الغاز الواصل لإسرائيل والأردن التي وصل عددها حوالي 15 تفجيرًا منذ بداية الثورة المصرية حتى 22 يوليو الماضي، وتكرار إطلاق الصواريخ من سيناء على أهداف داخل الحدود الإسرائيلية التي كان أبرزها في 17 يونيو و4 إبريل 2012. - يرتبط هذا التصاعد في التوترات الأمنية الحدودية باتساع الهوة الفاصلة بين مصر وإسرائيل لا سيما منذ تفجر الاحتجاجات الشعبية، واقتحام المتظاهرين للسفارة الإسرائيلية عقب قتل القوات الإسرائيلية لخمس مجندين من قوات حرس الحدود المصرية، ثم الأزمةُ الثانية في العلاقات بإعلان مصر إنهاء تصدير الغاز لإسرائيل في إبريل 2012 كأحد مؤشرات التراجع في مسار التطبيع المصري الإسرائيلي. مؤشرات التراجع: تشهدُ العلاقاتُ المصريةُ الإسرائيلية انفصالًا غير مسبوق بين استمرار التنسيق الأمني والعسكري الوثيق والتباعد السياسي والاقتصادي المتصاعد بين الدولتين لا سيما منذ انتهاء الدور السياسي للمجلس العسكري الذي كان يعتبر أحد عناصر التوازن في منظومة التفاعلات بين الدولتين، وفي هذا الإطار تكشف مؤشرات عديدة عن موجة جديدة من التراجع في العلاقات المصرية الإسرائيلية تشمل: - الضغوط الإسرائيلية على مصر لسحب الدبابات والأسلحة الثقيلة من المنطقة الحدودية، والالتزام بمقتضيات اتفاقية السلام، على الرغم من الدعم المبدئي الذي أبدته إسرائيل للعملية نسر للقضاء على التنظيمات المسلحة في سيناء، تعبيرًا عن المخاوف مما يصفه المحلل الإسرائيلي أليكس فيشمان "ضبابية مستقبل العلاقات بين الدولتين" في عهد الرئيس مرسي. - القلق الإسرائيلي المتصاعد من تراجع التنسيق السياسي مع مصر الذي عبر عنه بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي في 16 سبتمبر بتأكيده انقطاع الاتصالات السياسية مع مصر منذ تولي الرئيس مرسي لمنصبه، وأن الأخير "لا يرغب حتى في النطق بكلمة إسرائيل" تعبيرًا عن عدم قبول العلاقات على الرغم من التنسيق العسكري الوثيق. - اعتبار وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك "الإرهاب في سيناء الخطر الحقيقي على أمن إسرائيل" وهو ما انعكس في تسريبات إسرائيلية لدراسة عن القيام بعمليات عسكرية استباقية لتحييد التهديدات الإرهابية في سيناء، وتأكيدات الجنرال تسفي فوجل نشر كتيبة ****ال الإضافية على الحدود مع مصر، إضافة إلى التدابير الأمنية الأخرى التي شملت نشر كتيبة استطلاع موجهة على الحدود، إضافة إلى عمل وحدة "ريمون" لمكافحة الإرهاب، والتي تعمل في المنطقة الجبلية المعقدة، وإعادة وحدة المستعربين على الحدود، واستكمال الجدار الفاصل على الحدود، ونشر بطاريات صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية في يونيو الماضي. - نشر وزارة الدفاع الإسرائيلية للخطة "عوز" في 24 أغسطس التي تتحسب لاحتمالات مواجهة عسكرية مع مصر بتأهيل القوات على اعتبار مصر جبهة مواجهات عسكرية، والاستعداد لنشر زوارق الصواريخ الجديدة ساعر-5 في البحر الأحمر لاستهداف قناة السويس، وتطوير منظومات التسلح، وزيادة الإنفاق العسكري. - تراجع التطبيع الاقتصادي بقرار شركة الخطوط الجوية الإسرائيلية "العال" إيقاف رحلاتها من القاهرة لأول مرة منذ توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 بسبب تراجع حاد في معدل الانتقال بين الدولتين، بالإضافة إلى ما كشف عنه تقرير المكتب المركزي الإسرائيلي للإحصاء من تراجع الصادرات الإسرائيلية لمصر بنسبة 73% خلال شهر يوليو الماضي، كما انخفضت الواردات المصرية لإسرائيل خلال النصف الأول من العام الجاري بنسبة 70% بحيث لم تتجاوز 44.6 مليون دولار. - تصاعد وتيرة سياسة شد الأطراف الإسرائيلية لتطويق الدور المصري في إفريقيا، وهو ما يستدل عليه بجولة أفيجدور ليبرمان في دول منابع النيل في 2 سبتمبر الجاري، وخاصة إثيوبيا وكينيا وأوغندا لتعزيز التعاون في مجالات الزراعة والمياه، وتوقيع اتفاقية بين إسرائيل وجنوب السودان في يوليو الماضي للتعاون في مجال البنية التحية والري بمبادرة من وزير البنية التحتية الإسرائيلي عوزي لانداو. تفجر القضايا الخلافية: لم يقتصر التراجع في العلاقات على مؤشرات التوترات الآنية، وإنما تضمن إثارة مختلف القضايا الخلافية في العلاقات المصرية الإسرائيلية في الوقت ذاته، تعبيرًا عن مراجعة شاملة لركائز السلام المصري الإسرائيلي، بحيث امتدت إلى ما يلي: 1- مراجعةُ اتفاقية السلام: تصاعد السجال بين مستشار الرئيس مرسي محمد عصمت سيف الدولة الذي أكد ضرورة تعديل اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية لا سيما الملحق الأمني الذي يضع قيودًا على انتشار القوات المصرية في المنطقتين "ب" و"ج" من سيناء انطلاقًا من مقتضيات السيادة المصرية، وانفرادها بتحديد شئون أمنها، ووزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان الذي أكد عدم وجود أدنى احتمالية لتعديل اتفاقية كامب ديفيد، وإشارته "مشكلة مصر الأمنية في سيناء لا تعود إلى حجم قواتها؛ بل إلى عزيمتها على محاربة العناصر الإرهابية". وتأكد رد الفعل الإسرائيلي بتصريحات عاموس جلعاد، رئيس القسم الأمني والسياسي في وزارة الدفاع الإسرائيلية؛ بأن معاهدة السلام مع مصر لن يتم تعديلها إلا بالتوافق بين الطرفين. في المقابل دعا عضو الكنيست "روني بار أون" لبحث إمكانية تعديل الملحق الأمني لاتفاقية السلام مع مصر استغلالا لمكاسب التفاوض مع الحكومة الجديدة في مصر، واقتناص اعتراف جماعة الإخوان المسلمين بإسرائيل. 2- أمن الحدود: أدى تصاعد تهديدات الجماعات المسلحة في سيناء لإثارة الضغوط الإسرائيلية على مصر لاستعادة ضبط الحدود في إطار الالتزام باتفاقية السلام في ظل اتهامات إسرائيلية لمصر بتعمد تراخي الإجراءات الأمنية لاعتبارات سياسية في إطار العلاقات الوثيقة بين الإخوان المسلمين وحركة حماس والضغوط المصرية لإجبار إسرائيل لتعديل اتفاقية كامب ديفيد، بما أدى لتحويل سيناء لبؤرة تهديدات أمنية على حد تعبير إيهود باراك. وفي السياق ذاته؛ أثار طرح مصر مزايدة عالمية للبحث عن الغاز والبترول في المياه الإقليمية الاقتصادية مخاوف جديدة من احتكاكات مع أنشطة الاستكشاف الإسرائيلية في المناطق الحدودية بما يصعد الجدل حول ترسيم الحدود المائية بين الدولتين. 3- تعديل اتفاقية الكويز: استمرارًا لمراجعة العلاقات أكد حاتم صالح وزير الصناعة والتجارة المصري في 24 سبتمبر أن الحكومة المصرية أعادت التفاوض حول تخفيض المكون الإسرائيلي من 11% إلى 8% ضمن المنتجات في إطار اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز) وهو المطلب الذي لم يتحدد مصيره بعد انتظارًا للموقف الإسرائيلي والأمريكي. 4- التوازن العسكري: تصاعد القلق الإسرائيلي من واردات الأسلحة المصرية لا سيما استيراد مصر لغواصتين من طراز 209 من ألمانيا، وفشل حملة الضغوط الدبلوماسية على الحكومة الألمانية لعدم المصادقة على الصفقة تحت ذريعة الأوضاع التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط على الرغم من امتلاك إسرائيل غواصات من طراز دولفين الأكثر تطورا. في المقابل ضغطت مصر لفرض إجراءات السلامة النووية على المنشآت الإسرائيلية خلال مؤتمر الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 18 سبتمبر، وأعادت طرح مبادرتها لإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وتلازم ذلك مع مخاوف إسرائيلية عبر عنها شاؤول يشاي نائب رئيس مركز الأمن القومي الإسرائيلي السابق من اتجاه مصر لإحياء برنامج نووي عسكري اتساقًا مع المواقف المعلنة لقيادات وكوادر جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس مرسي. 5- القضية الفلسطينية: يمثل ربط الرئيس المصري بين استمرار اتفاقية كامب ديفيد وإقامة الدولة الفلسطينية في حديثه لصحيفة نيويورك تايمز يوم 23 سبتمبر تحولًا جديدًا في ثوابت السياسة الخارجية المصرية؛ إذ إن تأكيد مرسي على أن احترام اتفاقية السلام يتوقف على تطبيق نصوصها الخاصة بمنح الحكم الذاتي للشعب الفلسطيني يرتبط بالتغير في الموقف المصري حيال الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، وفك الحصار المفروض عليه في إطار العلاقات الصاعدة بين مصر وحركة حماس التي تعتبرها تهديدًا لأمنها. مستقبل غامض على الرغم من تأكيدات مصر وإسرائيل على حيوية استمرار اتفاقية السلام بين الدولتين؛ إلا أن التراجع المضطرد للعلاقات وتآكل ركائزها المستقرة يجعل السلام الهش بين مصر وإسرائيل رهنًا بمحددات عديدة، أهمها: 1- مدى التحولات السياسية في مصر والتوظيف الانتخابي لدعوات مراجعة العلاقات المصرية الإسرائيلية وتقليصها لأدنى المستويات في ظل تحكم الشارع في مواقف القوى السياسية قبيل انتخابات برلمانية فاصلة. 2- نطاق التحولات في السياسة الخارجية المصرية واحتمالات تغير مسار العلاقات مع الأطراف الإقليمية المعادية لإسرائيل، لا سيما إيران، والتوترات الآنية في العلاقات المصرية الأمريكية. 3- استعادة مصر السيطرة الأمنية في سيناء في إطار تصاعد التفاهمات بين الطرفين حول انتشار القوات المسلحة المصرية وفق قواعد جديدة تحقق التوازن بين مقتضيات الأمن للدولتين. 4- تغير توجهات الرأي العام في الدولتين لتبني مواقف أكثر إيجابية حيال اتفاقية السلام: حيث كشف استطلاع رأي للمعهد القومي الإسرائيلي في يونيو الماضي أن 42% من الجمهور الإسرائيلي يؤكدون أن اتفاقية السلام مع مصر ستتعرض لتفريغها من مضمونها، وفي المقابل كشف استطلاع مركز جالوب لاستطلاعات الرأي في 24 سبتمبر عن أن 42% من الجمهور المصري يرفض استمرار اتفاقية السلام مع إسرائيل في مقابل 48% يقبلون استمرار السلام دون تطبيع للعلاقات. 5- إمكانيةُ تجاوز الجمود في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية في ظل سياسة الاستيطان المتصاعدة، والمواقف الحدية لليمين الإسرائيلي المسيطرة على الائتلاف الحاكم في إسرائيل. وإجمالا فإن العلاقات المصرية الإسرائيلية لن تعود إلى سابق عهدها قبيل سقوط نظام مبارك، ومن المرجح أن تشهد مزيدًا من التراجع والجمود مع تصاعد مزيدٍ من القضايا الخلافية، واستمرار التعنت الإسرائيلي الذي يعوق تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بما يدفع الساسة للاستجابة لضغوط الرأي العام، وتقليص العلاقات لأدنى مستوياتها دون المساس بركائز السلام بين مصر وإسرائيل. |
#111
|
||||
|
||||
تحديات الانتخابات الرئاسية الايرانية المقبلة
تحديات الانتخابات الرئاسية الايرانية المقبلة Mohammad Ali Kadivar يبدو أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران والمزمع عقدها في عام 2013 ستؤدي إلى تعميق الانقسامات في صفوف المعارضة الايرانية؛ بينما بدأت أطراف من المعارضة التداول حول المشاركة في الانتخابات، يرفض بعضها مبدأ المشاركة فيها ،على سبيل المثال قال سعيد حجاريان، وهو أحد المنظرين للمعارضين في الداخل إن الانتخابات هي "فرصة للتنظيم والعمل" وفي الوقت نفسه رأى الصحفي والناشط البارز مرتضى كاظميان أنها ستشمل منتسبي النظام فقط ولن تسمح السلطة لأي من القوى الديمقراطية المشاركة فيها. المناقشات حول الفرص والقيود المتعلقة بإنتخابات عام 2013 تعكس أيضا الإنقسام الكبير بين المعارضين حول الإستراتيجيات ومستقبل النظام السياسي والديمقراطي في البلد. في الواقع موضوع المشاركة أو المقاطعة هو معضلة مشتركة لغالبية المعارضين للأنظمة الاستبدادية التي تفرض إنتخابات غير حرة و غيرعادلة لإضفاء الشرعية على حكمها. كما تستخدم هذه الأنظمة أحياناً الانتخابات كأسلوب لتجزئة المعارضة والقضاء عليها وروسيا وماليزيا وغانا تشكل أمثلة لهذه الأنظمة التي يطلق عليها "الاستبدادية التنافسية". رافقت الانتخابات الرئاسية في إيران على مدى العقدين الماضيين ضغوطات على التحالفات القائمة كما شكلت فرصاً لإيجاد تحالفات جديدة بين القوى السياسية المنتمية للنظام وكذلك للمعارضين. إنشق في انتخابات عام 1997 "اليمين الجديد" الذي يمثله الرئيس السابق أكبر رفسنجاني ورجاله عن "اليمين التقليدي" وأقام تحالفاً مع اليسار منذ ذلك الوقت و دعم ترشيح محمد خاتمي في الانتخابات الرئاسية السابقة. وبعد فوز خاتمي الذي طرح خلال حملته الإنتخابية شعار المجتمع المدني وسيادة القانون والحرية وتلبية مطالب الشعب وخاصة طموح الطبقة الوسطى الناشئة وأعلن كذلك دعمه للشباب والنساء، بدأت مرحلة جديدة أطلق عليها "حركة الإصلاح". وتفكك هذا التحالف الكبير في عام 2005 كما أن الإصلاحيين قدموا ثلاثة مرشحين للانتخابات وشكلت الحركة الطلابية ركناً مهماً لدعم ترشيح خاتمي في عام 1997 .وتفكك التحالف آنذاك لأن المتشددين في النظام الإيراني قاموا بعمليات تصعيد وقمع طالت عدداً كبيراً من الاصلاحيين. أما في عام 2000 فقد دعت الفصائل المختلفة الإصلاحية الى وضع استراتيجيات مختلفة للتعامل مع المتشددين. ذكر العديد من المحللين والصحفيين الإصلاحيين أنه إذا كانت الفصائل الإصلاحية قد حافظت على تحالفها واتفقت على اثنين من المرشحين لكان قد تفوق مرشحوها على أحمدي نجاد مع فارق أقل من مليون صوت. وفي عام 2009 لم تكن الهوة حول المشاركة أو المقاطعة عميقة كما كانت في عام 2005 ، لأن السنوات الكارثية الأربع من رئاسة نجاد قد شكلت قناعات كافية لدى القوى السياسية المختلفة حول ضرورة وصول ممثل لهذه القوى إلى مبنى الرئاسة. وكان للمعارضة مرشحان لكنها لم تشكك في استراتيجية المشاركة في الانتخابات. أما فرص المنافسة وتعامل المتشددين المهيمنين على مفاصل الحكم فسيحددان أطر الانتخابات وأثرها على التحالفات الإصلاحية الأخيرة. إذ كما هو متوقع سيشجع مرشد الجمهورية الإسلامية ويسمح بمشاركة بعض الإصلاحيين السابقين مثل محمد رضا عارف، نائب الرئيس خاتمي 2001-2005 حيث لم يؤيد الحركة الخضراء ولكن رغم هذا يعمل حكام النظام على إيجاد تحديات كبيرة أمام الإصلاحيين ونشطاء الحركة الخضراء وهذه الإستراتيجية تؤدي من جانبها إلى إحداث انشقاق بين المعارضة و تعمل لبلورة الانقسامات السابقة في المعارضة و المتمثلة بالمقاطعة أو المشاركة كما حصل في الانتخابات الأخيرة. وبناء على ذلك يعمل قادة الإصلاحيين مثل الرئيس السابق محمد خاتمي على تقييم استراتيجية المتشددين في الانتخابات ، كما ذكر خاتمي في أحد لقاءاته العامة بأنه يجب أن نعمل لإيجاد مناخ سياسي مناسب من اجل اقامة انتخابات شعبية. الأخبار غيرالرسمية الواردة من المنتديات والإجتماعات للأعضاء الأصغر سناً وأكثر تطرفاً في المعارضة وخاصة أولئك الذين ينضوون تحت راية الحركة الخضراء تشير إلى أنهم ليسوا متحمسين للمشاركة في الانتخابات. ويدعو بعضهم كحد أدنى إلى الإفراج عن موسوي وكروبي قبل النظر في خوض الإنتخابات. ويرى بعضهم أن عميلة التزوير والإحتيال والقمع الذي تلى انتخابات 2009 لم تترك مجالاً للمشاركة في أي انتخابات حيث أن المشاركة ستضر بالحركة الشعبية. ووفقاً لذلك انتقد موقع "جرس" وهو أحد المواقع الرئيسية للحركة الخضراء، الدعوة للمشاركة في الانتخابات " الشكلية " في عام 2013 و وصف تلك الدعوات بأنها تتناقض مع طبيعة الحركة الخضراء التي تكافح لإقامة انتخابات حقيقية .هذا النقاش الداخلي يكشف أحد الاختلافات الاستراتيجية الكبيرة بين الإصلاحيين 1997-2005 و الحركة الخضراء التي ظهرت بعد إنتخابات 2009. رغم أن الإصلاحيين كانو متشائمين بالنسبة لحشد الجماهير وفضلوا العمل من خلال المؤسسات السياسية القائمة ، كانت الحركة الخضراء ترى بأن الحشد الجماهيري سيكون أفضل وسيلة لدفع التطلعات الديمقراطية للشعب الإيراني. القدرات المدهشة للحركة الخضراء في جلب مئات الآلاف من الناس إلى شوارع طهران طغت على الاستراتيجيات الإصلاحية السابقة وأدت إلى تهميشها لفترة من الزمن. ومع ذلك نجحت السلطة في قمع الحركة الخضراء كما مهد إنخفاض نشاطها منذ عام 2010 إلى إمكانية العودة إلى الاستراتيجيات الإصلاحية المهمشة التي تركز على العمل من خلال المؤسسة السياسة الحالية. يبدو أن القادة الإصلاحيين باتوا يدركون مدى أضرار الانقسام بين أطياف المعارضة، وعلى هذا الأساس رفض عبد الله نوري، وهو من أبرز قادة الاصلاحيين الفصل بين الحركة الإصلاحية والحركة الخضراء، واقترح تشكيل مؤسسة تمثل جميع الإتجاهات المختلفة داخل المخيم الإصلاحي. وكان نوري وزيراً للداخلية في حكومة خاتمي قبل إقالته من منصبه خلال استجوابه في البرلمان المحافظ آنذاك. وسجن في وقت لاحق بسبب الإنتقادات اللاذعة التي نشرها في صحيفته وهذه الخلفية السياسية لنوري تمكنه من استقطاب الأعضاء الراديكاليين في الحركة الخضراء. تشير النسبة العالية لمشاركة الناخبين في إنتخابات عام 2009، وبلغت نسبتها وفقاً للتقارير الرسمية إلى 85 ٪، تشير إلى تراكم المطالب التي لم تتحقق في المجتمع الإيراني وتتعلق معظمها بالحريات السياسية والاجتماعية و التطورالاقتصادي. أما القمع السياسي الذي أخذ منذ عام 2009 منحى تصاعدياً إلى جانب العقوبات الإقتصادية، وإرتفاع معدلات التضخم أدى إلى تراكم المطالب الشعبية، وفي المقابل تشكل هذه التوجهات تحدياً خطيراً للنظام، أما المعارضة فتحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى صياغة إستراتيجية وخطاب مناسب لتمثل مطالب المجتمع الإيراني والمشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها يشكلان جزءا أساسياً من هذه الاستراتيجية التي تناقشها في الأشهر المقبلة ومع ذلك تحتاج المعارضة لتنفيذ أي استراتيجية - سواء المقاطعة أو المشاركة – تحتاج أولاً الى الحفاظ على خطوط موحدة و متماسكة. |
#112
|
|||
|
|||
هذه التحديات لاترقى حتى الى السمع الايرانى ولا تمد للواقع الايرانى باى صله
لان المرشد هو الذى يبدل الاشكال كيفما يشاء وتبقى الشعارات الى اجل غير مسمى تغيير الاشكال والسياسه واحده
__________________
أنا مسلم قبل ان اعرفكم .وانا مسلم قبل ان تكونوا حزبا . وانا مسلم بعد زوالكم . ولم يزول اسلامى بدونكم
|
#113
|
|||
|
|||
السيد الفاضل ايمن نور
السيد الفاضل ايمن نور
هذا مقال جيد لوصف الحال بين مصر واسرائيل لكن وهذا هو المهم والذي لم يذكرة المقال ان السيد الرئيس مرسي واسرائيل (انا متعمد ذكر الرئيس في مواجهة اسرائيل ولم اقل مصر ولهذا سبب) كل منهم يفهم الاخر جيدا ولكن الجماعات الجهادية السلفية او التكفيرية ان صح التعبيير لا تفهم وليست لديها رؤية استراتيجية ولان الفهم نعمة كبيرة من الله كما قال تبارك وتعالي (ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما) وهؤلاء الجهاديون التكفيريون لايفهمون وعندهم نقص في العلم وهم لا يحكمون وايضا ليس لديهم حكمة في التعامل مع الامور والسؤال الذي يطرح نفسة بعد هذة الديباجة ما الذي يفهمه مرسي وتفهمة اسرائيل جيدا ولا يفهمه هؤلاء الجهاديون ؟ ان مرسي يسعي جاهدا الي توازن القوة بينه وبين اسرائيل وعلي الاقل الحفاظ علي الحد الادني من قوة الردع في الوقت المنظور ليس بسبب الخوف من قيام حرب في هذة الاونه ولكن لردع اسرائيل عن اتخاذ قرارات تمثل امر واقع (سياسة البلطجة) وعمل حساب لمصر ولسياستها عند اتخاذ اي قرار يضر بالامن القومي المصري وليصبح التصريح المصري في السياسة الدولية له قدره ويؤخذ ماخذ الجد وليس كأيام المخلوع علية من الله ما يستحق وعلي سبيل المثال مشاريع استخراج الغاز من البحر المتوسط او التغول في سيناء ولإثبات قدرة مصر العملية علي التصدي لاي عدوان يقع عليها مهما كان بسيطا كما كان يحدث ايام المخلوع , يبقي في الوقت المنظور تقوية قوة الردع المصرية اما علي المستوي الاستراتيجي فقوة الردع المصري في الوقت المنظور هي خطوة ليس الا تتبعها خطوات اخري في تقوية الجيش المصري ويمثل هذا تكتيكا استرتيجيا لخلق امر واقع جديد من خلال تفاهم وتفاعل العالم في هذة الاونه لظروف التسليح المصري لتحقيق الامن في المنطقة واستغلال ذلك في تقوية الجيش الي ابعد حد استعدادا لأي حرب قادمة طارئة وهي حتما ستقع والجهاديون لايفهمون انهم ذخر استراتيجي مهم سنحتاجهم يوما ما لكن هم بافعالهم تلك غير المسؤله يؤخرون التسليح والتدريب والتطوير بجهلهم وبغبائهم بل ويؤخرون نهضة مصر فيجميع المجالات بسبب الضغط العسكري عليهم واستفار قوة الدولة للقضاء عليهم وبالتالي تشتت القوة المصرية إن التزامهم بقرارات رئيسهم والتزامهم الهدوء يؤكد للعالم كله قدرة الرئيس المصري علي السيطرة وبالتالي الا طمئنان الي الاستثمار وجذب رؤوس الاموال الي مصر مما يسرع في نمو الاقتصاد وايضا يساهم ذلك في تقوية الجيش المصري في هدوء وصمت كل هذا يفهمة مرسي وتفهمه اسرائيل ولكن هؤلاء لا ينظرون الا تحت اقدامهم ويا ليتهم فهموا الشرع والشريعة علي مراد الله ولكنهم بغبائهم يضرون ولا ينفعون فدمائهم تضيع وقوتنا تتشتت والنتائج في صالح اعدائنا . هذا واسئل الله ان يبصرهم بنور الحق انه ولي ذلك ومولاه والقادر عليه وجزاك الله خيرا اخي ايمن
__________________
#الإشـاعة يؤلفها #الحاقد وينشرها #الأحمق ويصدقها #الغبي حاول أن لا تكون من هؤلاء الثلاثة.
بالفيديو.. توثق أحداث الذكرى الثانية للثورة |
#114
|
||||
|
||||
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم
|
#115
|
||||
|
||||
لماذا ترفض الصين التدخل العسكري في سوريا؟
لماذا ترفض الصين التدخل العسكري في سوريا؟ مع تصاعد الحديث داخل الأوساط الغربية والأمريكية عن التدخل العسكري في سوريا على غرار التحالف الدولي في ليبيا الذي أنهى الأزمة الإنسانية الليبية؛ بدأت الكتابات الغربية تولي أهمية لبحث مواقف الدول الكبرى من التدخل العسكري في سوريا.مايكل سواين وفي محاولة لدراسة الموقف الصيني من التدخل العسكري نشرت دورية مراقبة قيادة الصين China Leadership Monitorفي عددها عن شتاء 2012 دراسة لـ"مايكل سواين"، الخبير في شئون السياسة العسكرية والأمنية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي تحت عنوان "وجهة النظر الصينية بشأن النزاع السوري". ويسلط سواين في مقاله الضوء على موقف الصين من الاضطرابات السورية المستمرة، ومن فكرة التدخل العسكري الأجنبي. الموقف الصيني بين التعنّت والرضوخ لاحظ العديدُ من مراقبي السياسة الخارجية الصينية في السنوات الأخيرة تغيرًا طفيفًا في موقف بكين التقليدي تجاه التدخل الأجنبي في الشئون الداخلية للدول الأخرى. فعلى مدار التاريخ؛ أيدت جمهورية الصين الشعبية بقوة ما تعتبره "المبدأ الصيني المقدس لسيادة الدولة"، وهو مبدأ معاداة التدخل الخارجي التعسفي أو المفرط (ولا سيما التدخل العسكري). وقد تعزَّز موقفها ذلك بمعارضتها الشاملة المعلنة لاستخدام القوة في حسم القضايا السياسية الدولية، وبتشديدها على أن الضغوط القسرية الخارجية (مثل العقوبات) الرامية إلى تقويم سلوكيات الحكومات السلطوية لا تحقق النتائج المرجوَّة بقدر ما يحققه الحوار الخاص والحوافز الإيجابية في تلك الحالات. وبالإضافة إلى ذلك؛ قاومت القيادة الصينية التدخلات الأجنبية في الشئون الداخلية للدول ذات السيادة، لا سيما عندما تقودها الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، انطلاقًا من دوافع قلق من أن مثل هذا التدخل الرامي إلى تغيير النظام يمكن أن يشكّل سابقة قد تُستخدم يوما ما ضد بكين. لذا تتلافى بكين المشاركة في الجهود التي تبذلها الدول الأخرى والهيئات الدولية للتدخل عسكريًّا في الحروب الأهلية أو في حالات الاضطرابات الداخلية التي تشبّ في الدول الأخرى (ولا سيما في الدول النامية). ومع ذلك؛ وقع الموقف الصيني الحازم بشأن التدخل الأجنبي تحت ضغط في السنوات القليلة المنصرمة بسبب القلق الدولي المتصاعد حول عدد من الحوادث التي استخدمت فيها الحكومات الاستبدادية العنف ضد شعوبها؛ ومن تلك الحوادث الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا في عام 1994، وعمليات القتل الجماعي للمدنيين في منطقة دارفور السودانية في 2003-2004، وكذلك مجموعة واسعة من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والأمنية الأخرى التي امتدت عبر الحدود الوطنية. ومن وجهة نظر بعض المحللين؛ ساهمت مثل هذه التطورات في وضع قواعد تؤكد على حق المجتمع الدولي في التعدّي على استقلالية الدولة القومية لحماية أو تعزيز الاعتبارات الأخرى. وخير مثال على ذلك هو مبدأ "مسئولية الحماية" (Responsibility To Protect)الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2005 على خلفيات أحداث يوغوسلافيا السابقة، ورواندا، والصومال، وغيرها، وهذا المبدأ لا يعترف بحق السيادة. وإذا حظيت مثل هذه القواعد بدعم الدول النامية الرئيسية مثل الهند والبرازيل وإندونيسيا، يمكن أن تواجه بكين ضغوطًا شديدة لدعم سياسات التدخل الأجنبي العسكري. وفي الواقع، تعترف بكين في قرارة نفسها بأن الأزمات الإنسانية أو المشاكل الأخرى التي تحدث فيما تصفها بـ"المناطق المتداعية" يمكن أن تشكّل تهديدات سياسية ودبلوماسية واقتصادية خطيرة للدول الأخرى، بما في ذلك الصين. ونتيجة لذلك؛ أظهرت بكين مؤخرًا علامات قبول للتدخلات المعتمدة دوليًّا في بعض الحالات، وذلك لأسباب ترتبط بالوقاية من جرائم العنف الجماعي. وأحدث مثال على هذا التغير في الموقف الصيني هو دعم بكين لتدخل قوات حلف شمال الأطلسي عسكريًّا في ليبيا للحيلولة دون قتل "نظام القذافي الديكتاتوري" للمدنيين الأبرياء. وعلى النقيض من الحالة الليبية، استخدمت القيادة الصينية حق النقض (الفيتو) مرارا ضد قرارات مجلس الأمن الدولي المتخذة بحق سوريا، ولم تُعط أي مؤشر على قبول أي نوع من التدخل العسكري الأجنبي هناك. موقف الصين الرسمي رغم سعي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات على نظام بشار الأسد "السلطوي" من أجل إخراج سوريا من الظلمات إلى النور؛ نأت بكين بنفسها عن الجهود الرادعة للنظام السوري، وقررت اتخاذ موقف سلمي. فقد عارضت القيادة الصينية، جنبا إلى جنب مع القيادة الروسية، كافة العقوبات الأمريكية والأوروبية الصارمة المفروضة ضد نظام بشار الأسد، وانتقدت المساعي التي تمهّد للتدخل العسكري في سوريا. وفي الوقت نفسه؛ حثت كل من بكين وموسكو المجتمع الدولي مرارًا على تشكيل جبهة موحدة تدعو كافة الأطراف إلى معالجة المشاكل عن طريق الحوار، ودعمتا جهود جامعة الدول العربية للتوصل إلى حل سياسي سلمي. هذا وأعربت بكين عن دعمها لقراري مجلس الأمن رقم 2042 و2043 اللذين يُلزمان الحكومة السورية بوقف استخدام الأسلحة الثقيلة في الأماكن السكنية بكافة أشكالها، ولخطة التسوية السياسية التي قدمها كوفي عنان، المبعوث الخاص السابق للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سوريا. ويُذكر أن الصين أوضحت موقفها بشأن الاضطرابات السورية من خلال مصادر تتألف أساسا من تصريحات لمسئولين كبار في الشئون الخارجية، وسفراء جمهورية الصين الشعبية لدى الأمم المتحدة، جنبا إلى جنب مع مختلف المتحدثين باسم وزارة الخارجية الصينية. وبررت الصين موقفها بالقول إنها تحرص على الالتزام بالقواعد الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية، بما في ذلك مبادئ المساواة في السيادة وعدم التدخل في الشئون الداخلية للآخرين، حفاظا على مصالح كافة البلدان (الصغيرة والمتوسطة الحجم على وجه الخصوص). وقد أكدت مصادر موثوقة مرارًا وتكرارًا أن الصين تسعى دائمًا إلى التوصل إلى حل عادل وسلمي ومناسب للأزمة، وأنها تفضّل استخدام وسائل سياسية وليست عسكرية، فهي ترى أن استخدام القوة لحل المشاكل الدولية يعقّد الأمور أكثر، ويعرقل الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسوية سياسية، ويؤجج الاضطرابات. وتعليقًا على الإجراءات القسرية التي تُتخذ ضد النظام السوري، قال مسئولون صينيون في محافل عديدة إن مثل هذه الإجراءات تنتهك القواعد الأساسية المتعلقة بالسيادة، وتقوّض جهود الوساطة الحالية التي تهدف إلى التوصل إلى حلٍّ سياسي. وعلاوة على المذكور أعلاه؛ ترى الصين أنه لا ينبغي تطبيق قاعدة "مسئولية الحماية" إلا في الحالات الاستثنائية التي ترى الأمم المتحدة أنها تهدد السلم والاستقرار الدولي، أي في الحالات التي تنطوي على الجرائم الدولية الأربع: الإبادة الجماعية، جرائم الحرب، التطهير العرقي، الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية. وجهات النظر الصينية غير الرسمية بشكل عام، تتفق تحليلات المراقبين الصينيين، بما في ذلك الصحفيون والأكاديميون في المقام الأول، مع موقف بكين الرسمي المذكور أعلاه. بيد أن العديد من هذه المصادر "غير الرسمية" تقدم المزيد من التفاصيل بشأن موقف الصين إزاء الأزمة السورية وأسباب معارضتها لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية. ولربما الأهم من ذلك هو أن هذه المصادر غير الرسمية توجّه انتقادات صريحة للسلوك الغربي عن تلك المصادر الرسمية. فتُشير المصادر الصينية غير الرسمية إلى أن بكين تتخذ موقفًا حياديًّا في القضية السورية نظرًا لعدم وجود هذا النوع من المصالح الإنسانية والاقتصادية المباشرة التي كانت موجودة في الحالة الليبية، لافتة إلى أن الصراع الليبي كان ينطوي على قتل جماعي، في حين أن الصراع السوري لا ينطوي إلا على حرب أهلية وجمود سياسي. وفي انتقاداتها الموجهة للغرب؛ تُشير تلك المصادر إلى أن الجهود المبذولة للإطاحة بالأسد بالقوة من شأنها أن تؤجج الصراع وتشِيع الفوضى، لا سيما في ظل ضعف الجيش، ووجود انقسامات عرقية. هذا واتهم بعض المحللين الغرب باستخدامه "التدخل الإنساني" كذريعة للإطاحة بالحكومات التي يعتبرها بمثابة تهديد لمصالحه الوطنية. وبالمثل، يرى بعض المراقبين أن الولايات المتحدة تسعى إلى إسقاط الحكومة السورية من أجل القضاء على حليف إيران الوحيد في المنطقة، ما من شأنه أن يصعّد الضغط على طهران. وبناء على المذكور أعلاه، يتجلّى أنه ليس شرطًا أن يكون كافة المواطنين الصينيين مؤيدين أو معارضين لموقف بلدهم من القضية السورية. استنتاجات بالنظر إلى موقف الصين الحيادي إزاء القضية السورية؛ خلص الخبير سواين إلى ما يلي: أولًا: ترى الصينُ في مسألة التدخل في شئون الدول بابًا لو انفتح على سوريا فقد لا يستثنيها يومًا. ثانيًا: تحترم الصين استقلالية الدول وسيادتها، وتفضل عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، حفاظًا على مصالح كافة الدول. ثالثًا: تؤمن بكين بأن التدخل العسكري غير مسموح به إلا في الحالات الاستثنائية التي تنطوي على قتل جماعي مثلا. رابعًا: ترى الصين أن القوى الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، ترغب في الإطاحة بحكومات ذات سيادة لتحقيق أهداف جغرافية وإستراتيجية. خامسًا: لا تؤمن بكين بفعالية الإجراءات القسرية في الحالة السورية؛ لما سيكون له من عواقب وخيمة. فذلك من شأنه، من وجهة نظرها، أن يعيق الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسويات سلمية للمشاكل السياسية، وأن يؤجج الصراع هناك. |
#116
|
||||
|
||||
احتمالات نجاح الإبراهيمي في التوصل لتسوية الأزمة السورية
احتمالات نجاح الإبراهيمي في التوصل لتسوية الأزمة السورية تطرح الثورة السورية نموذجًا مغايرًا في سياق ثورات الربيع العربي، فبعيدًا عن الأُطُر التقليدية التي حكمت الثورات المصرية والتونسية والليبية، بل وحتى اليمنية؛ غدت سوريا ساحةً لصراع ممتد شهد تداخل أطراف عدة جعلت خريطة الأزمة تبدو أكثر تشابكًا؛ إذ إن ثنائية الفرص والتحديات أصبحت العنوان الأبرز للثورة السورية، فهناك أطراف إقليمية رأت في الثورةمحمد بسيوني عبد الحليم فرصة سانحة لإعادة ترسيم وتشكيل حدود دورها في المنطقة، وأصبح هذا الأمرُ هو محركها الجوهري في التعامل مع الثورة، وبالتوازي مع هذا أفرزت الثورة تحديات أفقدت عدة أطراف توازنها، خصوصا وأنها تدرك أن تلك الثورة من شأنها أن تُرسي أوضاعًا إستراتيجية جديدة تهدد مصالح ظلت راسخة في المنطقة لعقود طويلة. وانتقلت كافةُ هذه المعطيات إلى داخل منظمة الأمم المتحدة لتفضي في النهاية إلى انقسامات واضحة داخل مجلس الأمن، ومن ثم سعت المنظمة الدولية إلى البحث عن بديلٍ عبر تعيين الأخضر الإبراهيمي -خلفا لكوفي عنان- كمبعوث دولي مشترك في محاولة لطرح مقاربة سياسية للصراع، بما يفرض عددًا من التساؤلات تتلخص في احتمالات نجاح الإبراهيمي في التوصل إلى تسوية. الأمم المتحدة وسوريا.. البحث عن بديل خلال العقودِ الأخيرة أصبح خطابُ البراجماتية هو المهيمن على سياسات الدول، وهو الأمر الذي انعكست تجلياته على الأمم المتحدة، فعندما تأسست هذه المنظمة عقب الحرب العالمية الثانية كانت بمثابة تعبير عن توازنات القوى آنذاك، وكان الهدف الأسمى من تأسيسها -وفقًا لميثاقها- الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ومواجهة انتهاكات حقوق الإنسان، وقد طُرح مفهوم التدخل الدولي كآلية لتحقيق هذه الأهداف، ولكن سرعان ما تبددت هذه الفكرة؛ إذ إن اعتبارات المصلحة للدول الخمس صاحبة حق الفيتو في مجلس الأمن باتت هي العنصر الحاكم في التدخل الدولي في الأزمات، وليس الاعتبارات الإنسانية. وتجددت هذه الإشكالية إبان التعاطي مع الأزمة السورية، فقد بدت الانقسامات واضحةً داخل مجلس الأمن مع الاعتراض الروسي والصيني على أي قرار يتبنى الخيار العسكري لتسوية الأزمة، وبالتالي أصبح الخيار البديل المطروح يتمثل في حلول سياسية عبر مبعوث دولي؛ حيث قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 فبراير 2012 تعيين مبعوث خاص مشترك بين الأمم المتحدة والجامعة العربية، وفي 23 من الشهر ذاته تم اختيار كوفي عنان لهذه المهمة، وسعى مجلس الأمن إلى دعم مهمة المبعوث الدولي عبر استصدار القرار رقم 2042 في إبريل الماضي، والقاضي بإنشاء بعثة مراقبة تابعة للأمم المتحدة لرصد وقف أعمال العنف المسلح من جانب كافة الأطراف داخل سوريا. وفي هذا الصدد؛ انطوى تعامل الأمم المتحدة مع الأزمة على دلالتين رئيسيتين، أولاهما التباطؤ في التعامل مع الأوضاع فيما كان الصراع يتطور بوتيرة متسارعة جاوزت فكرة الحل السياسي، وبالتالي كانت المحصلة النهائية فشل مهمة المبعوث الدولي كوفي عنان، وتقديم استقالته، وإنهاء مهمة بعثة المراقبة. وتعكس الدلالة الثانية محاولة استدعاء النموذج اليمني وتطبيقه على الحالة السورية، وهو الأمر الذي لا يدعمه واقع الثورة السورية؛ إذ إن الصراع في اليمن لم يكن ممتدا، كما أن التركيبة القبلية والانشقاقات في صفوف النظام وعدم توافر غطاء إقليمي أو دولي داعم لعلي عبد الله صالح ساهم في التوصل إلى صيغة سياسية يتنحى بموجبها عبد الله صالح، ويتم إنهاء الأزمة، بيد أن هذه المعطيات المفضية إلى الصيغة ذاتها غير واردة حاليًّا في الحالة السورية. المبعوث الدولي.. مهمة شبه مستحيلة عندما ذكر الأخضر الإبراهيمي في أعقاب توليه مهمته كمبعوث دولي أن المساعي الدبلوماسية لإنهاء الصراع في سوريا شبه مستحيلة، كان يلقي الضوء على الأبعاد الرئيسية في الأزمة؛ إذ إن إطالة أمد الصراع أفضى إلى إدخال عدة متغيرات في المعادلة، بحيث باتت معها المساعي السياسية بلا طائل فعلي. وعطفًا على ما سبق، تُصبح مهمة الإبراهيمي مجرد محطة من محطات الصراع دون التعويل عليها كثيرا في إيجاد مخرج حقيقي في المدى القريب، لا سيما وأن ثمة عوامل تدفع نحو ترجيح هذا السيناريو تتمثل في الآتي: أولًا: قبول أطراف الصراع بالحلول السياسية عبر آلية التفاوض مرهون بإدراك متبادل أن استمرار الصراع يعني خسائر لكلا الطرفين، وعدم إمكانية الاستمرار في المسار العسكري، وهو أمر غير مطروح في الحالة السورية على أقل تقدير في الوقت الراهن، فنظام الأسد مستمر في عملياته العسكرية، ويحاول إضفاء صبغة الإرهاب على قوى المعارضة كآلية لتبرير عملياته العسكرية، بل لم يسعَ النظام حتى إلى تقديم بادرة للمجتمع الدولي تعكس قبوله بالحل السياسي، ففي حين كان يلتقي الأسد بالمبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي في دمشق يوم 15 من الشهر الجاري كانت العمليات العسكرية للجيش النظامي مستمرة لتُسقط المزيد من الضحايا. ثانيًا: طولُ أمد الصراع والآثار المترتبة عليه، من مقتل أكثر من عشرين ألف سوري واعتقال واختفاء الآلاف فضلا عن تحويل أكثر من مليون وخمسمائة ألف مواطن إلى لاجئين في مدن سوريا بالإضافة إلى ما يزيد عن 200 ألف لاجئ بدول الجوار؛ جعل الخيار العسكري هو الخيار الأنسب للمعارضة السورية، فهي ترى أن النظام السوري فاقد للشرعية، وأن قبول الحلول السياسية مشروط بخروج الأسد من المشهد، وهو ما يرفضه النظام فضلا عن ضمانات سيسعى أركان النظام للحصول عليها في أي تسوية سياسية قد لا تقبلها المعارضة. ثالثًا: تماهي الحدود بين أزمات الإقليم والأزمة السورية ليضفي المزيد من التعقيد، فمحور إيران-حزب الله لديه مصالح وقضايا عالقة مع الغرب، ويستخدم الطرفان الصراع في سوريا والدعم للنظام كغطاء لهذه القضايا، وكورقة ضغط، ومن ثمَّ فإن طرح حل سياسي للأزمة السورية يتعين أن يكون ضمن منظومة حلول تشمل الملف النووي الإيراني، والعلاقة الغربية مع حزب الله، وملف الصراع العربي الإسرائيلي، أو بصورة أدق كسر العزلة الغربية المفروضة على إيران وحزب الله، خصوصا وأن إيران على استعداد لدعم الأسد إلى ما لا نهاية؛ فقد صرح القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري مؤخرا "أن عناصر من فيلق القدس التابع للحرس الثوري موجودون في سوريا ولبنان كمستشارين، وأن إيران قد تتدخل عسكريًّا في حال تعرض سوريا لهجوم". وعلى الجانب الآخر؛ سعى معسكر تركيا وقطر والسعودية إلى تقديم الدعم للمعارضة، وتسليحها، بصورة كرست من عسكرة الصراع، وجعل القبول بالحلول السياسية في أدنى الحدود، وبين هذا وذاك يطمح كل طرف إلى تحقيق مصالحه بما يفرض على الإبراهيمي التعاطي مع استحقاقات عدة ومتباينة في آن واحد قد لا يكون في استطاعته الاستجابة لها، لا سيما وأنه لن يحظى بالدعم الغربي المطلوب. رابعًا: استمرارُ الدعم الروسي الصيني لنظام الأسد يعني استمرار الانقسام الدولي، وهو ما ينسحب بالتبعية على مجلس الأمن، فموسكو تقدم غطاءً دوليا للنظام السوري، وتتبنى وجهته في التعامل مع الصراع، وبالتالي تفرض على أي تسوية سياسية شروطا مسبقة تمثل عنصرا ضاغطا على المبعوث الدولي. خامسًا: تبني الإدارة الأمريكية نهجا انتقائيًّا في التعامل مع الثورات العربية، وهنا تبدو الحالتان الليبية والسورية متناقضتين، فالإدارة الأمريكية ضغطت من أجل إنهاء حكم القذافي عسكريًّا عبر غطاء من مجلس الأمن وحلف الناتو؛ حيث كانت حسابات المصلحة هي العنصر الحاكم، بينما تطرح الحالة السورية نموذجًا مختلفًا؛ إذ إن واشنطن سعت في البداية إلى التفاعل مع الصراع على أنه أزمة محدودة سيستطيع النظام التعامل معها، ومع امتداد الصراع بدأت تحاول الضغط على نظام الأسد، ولكنها محاولات بدت في كثير من الأحيان على استحياء، خصوصًا وأنها لا تريد إسقاط الأسد بصورة تخلف فراغا هائلا داخل سوريا يؤدي إلى أوضاع كارثية تمتد آثارها إلى دول المنطقة وفي مقدمتها حليفتها إسرائيل. فالمُنطلقات الأمريكية تفرض على مهمة الإبراهيمي عدة تحديات، أبرزها أن الإدارة الأمريكية لم تكن من البداية مرحبة بفكرة المبعوث الدولي وقدرته على تسوية الصراع، يُضاف إلى ذلك قرب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية بصورة قد تقيد التحركات الأمريكية ومعها تحركات الإبراهيمي. خلاصةُ القول: إن مهمة الإبراهيمي يكتنفها الكثير من الغموض، فخطة العمل التي سيتعامل بها مع أطراف الصراع غير واضحة المعالم، فضلا عن تداخل أطراف خارجية بصورة تجعل مهمة الإبراهيمي مجرد حل مطروح الهدف من ورائه إتاحة المزيد من الوقت أمام الدول الغربية لطرح بديل عن نظام الأسد. |
#117
|
||||
|
||||
دستور الثورة..الوصاية مستمرة
دستور الثورة..الوصاية مستمرة القراءة الأولية لمسودة باب الحقوق والحريات فى الدستور الجديد تظهر أن القيود الثلاثة المفروضة على حريات الأفراد والجماعات المشكلة لقوام هذه الأمة والتي نشأت فى خضم عملية بناء الدولة الحديثة عبر زمنيّ الاستعمار والتحرر الوطني مازالت حاضرة فى ذهن كتّاب دستور الثورة. نعني بهذه القيود أشكال ثلاثة رئيسية من الوصاية: الوصاية على الحق فى التنظيم والحركة المستقلة للجمهور العام وما يتطلبه ويقتضيه من حريات، الوصاية على ضمير الأفراد ومايستتبع ذلك من تقييد لحريات الاعتقاد والعبادة وأخيراً الوصاية على الجسد والسلوكيات العاطفية وال***ية، وخصوصاً جسد المرأة المُعتقل بشكل حصري داخل مجال الأسرة البرجوازية والمُنظَّم بقوانين تعتمد على تفسيرات متشددة للتراث الإسلامي. تكشف هذه المسودة والحال كذلك عن انفصال شبه تام مابين روح هذه الثورة وقيمها، والتي سعت إلى إعادة تأسيس للدولة الحديثة وجماعتها الوطنية على أسس مختلفة جذرياً عن سابقتها، وبين الطبقة السياسية الجديدة -وخصوصاً جناحها الإسلامي- والتي مازالت مخلصة للموروث من ركائز هذه الدولة. بعبارة أخرى، ينبع الالتباس فى موقف غالبية الفصائل الإسلامية، أو الإخوان على وجه التحديد، بخصوص الحريات الخاصة والعامة من إخلاصهم لمشروع الدولة الوطنية الحديثة وثوابته وليس العكس. ومن ثم فالنضال ضد ميل التيار الإسلامى للتضييق على الحريات فى الدستور الجديد يجب أن يبدأ بنقد ما استقر داخل مؤسسات الدولة المصرية الحديثة ووعى نخبها القانونية والسياسية من خطابات. الدولة الحديثة وقيودها الثلاثة: نشأت الدولة الحديثة منذ البداية متشككة في الحركة المنظمة لعموم المصريين رابطة إياها بميل فطري للشغب والتخريب. هذا التشكك في قدرة "العوام" على الحركة المنظمة لطالما كان حاضراً عبر عصور ماقبل الدولة الحديثة، فقد وسم علاقة الأرستقراطيات العسكرية التي تعاقبت على حكم المصريين منذ الفتح الإسلامي وما قبله والتي لم تر فى سكان هذا البلد- وبالتناغم مع حقائق هذا العصر- الأهلية اللازمة للعب أي دور محوري فى ممارسة شئون الحكم. كذلك شكّل هذا التشكك عصب النظرية الإسلامية السنية التقليدية في الشرعية والسيادة بشكل عام والتي اشتهرت بكراهة الخروج على الحاكم وإقرار الأمر الواقع- أي سلطة ما عُرف بأمراء التغلب- على أي محاولة لاستدعاء العوام إلى الشأن السياسى مقرنةً هذه المحاولات "بالفتنة". عاد هذا التشكك ليلعب أدواراً مختلفة في دعم مشروع التحديث الرأسمالي الذى قادته أرستقراطيات عسكرية ومدنية من نوع آخر ارتأت لنفسها مهمة تمدين المصريين وتحويلهم لمواطنين كاملي الأهلية منتظمين في علاقة مجردة مع الدولة على النمط المعروف في المجتمعات الرأسمالية الأوروبية. استتبعت مهمة التحديث تلك أنماطاً من الوصاية على الأشكال المختلفة من الإجتماع الأهلي لضمان استنبات علاقات الملكية والسوق الرأسمالي ومؤسسات الحكم الحديثة وتحصينها ضد أي شكل من أشكال التمرد المنظم، بل والتعالي الممنهج على تلك الهبّات باعتبارها تعبيرات مختلفة عن ميول غريزية لرفض التحديث والتقدم. وبالتالي لم تر تلك النخب أي إمكانية لمشاركة شعبية واسعة فى مشروع التحديث إذ يستحيل على تلك الجمهرة إدراك جوهر هذا التحديث ابتداءاً. ومن ثم فالمشاركة فى الشأن العام وفقاً لهذه الرؤية يجب أن تمر عبر عملية من التعليم والتمدين تعيد انتاج التمييز بين النخب الجديدة المتعلمة وعموم السكان. باختصار، ولدت النخب الجديدة متشربة بوعي يمكن وصفه "بالاستعماري" فى علاقتها بالجمهور المشكل للأمة المتخيلة. وفى ارتباط وثيق بمشروع الدولة الحديثة ذاك تَشكَّل مشروع الإصلاح الإسلامي -على يد نخبة أزهرية معروفة ولاحقاً على يد نخبة قانونية جديدة يُعتبر الأستاذ السنهوري أبرز أعلامها بالطبع- ليقدم نظرية فى السيادة والشرعية تحل محل النظريات الموروثة من عصور ما قبل الدولة الوطنية الحديثة وليلعب أدوراً مساعدة في الضبط الإجتماعي وصناعة الهوية الوطنية الجديدة. أوكلت النظرية السنية التقليدية للحاكم الفرد، أو أمراء التغلب كما سبق الذكر، مهمة التشريع فى المسائل التى صمتت عنها الأحكام الشرعية الصريحة توظيفاً لمفهوم "التعذير" على أن يلتزم فى ذلك باجتهاد العلماء والقضاة. ولكن مع تعقُّد مهمات الحكم وتنوع تبعاتها وتشكل شبكة متداخلة من المصالح فى حاجة لتمثيل دخلت نظرية "السياسة الشرعية" تلك في أزمة حقيقية مع منتصف القرن التاسع عشر. تمثل إسهام هذا المشروع الإصلاحي فى فتح الطريق لتحل الأمة محل الحاكم الفرد فى التشريع أي تتحول لمصدر السلطة والتى تُمارس فى هذه المساحة التي تركتها الشريعة ومن ثم تأسس تناظر بين مهمة التشريع ومهمة الإجتهاد الفقهية. تمارس الأمة هذه السلطة عبر مجموعة من الترتيبات المؤسسية الديمقراطية كالفصل بين السلطات وتوازنها وما يرتبط بها من حقوق مدنية وسياسية كحق الانتخاب والمساواة أمام القانون وتأسيس الأحزاب إلى جانب الحق المقيد فى التنظيم. ويتم تسكين الأقباط داخل هذا التصور عبر توظيف متطور لفكرة "الذمة" يتحول بمقتضاه الأقباط لطائفة أولى بالرعاية أو كطائفة في علاقة تحالف وثيق واستراتيجى مع الأغلبية المسلمة على أرضية العداء للاستعمار الغربي. يدشن هذا التصور مهمة أيديولوجية للدولة الحديثة تتمثل فى نشر وحماية هذه الطبعة الإصلاحية من الإسلام وإلا انهارت نظرية الشرعية التي تتأسس عليها الدولة نفسها سواء لصالح نظريات إسلامية مغرقة فى تطرفها تنفى وجود هذه الأمة المصرية الجديدة نفسها أو لصالح تصورات مغرقة فى علمانيتها لا تعترف بهذا المفهوم المحافظ للوطنية. وفى هذا السياق تحول الأزهر تدريجياً منذ أول قانون منظم لأعماله عام 1910، و مروراً بتعديلات 1927، لأحد مؤسسات الدولة المنوط بها تعريف هذه الطبعة من الإسلام وصونها وكذلك فرض تصوراً واحداً مهيمناً داخل حقل الممارسات الدينية. وفي سياق مماثل، نشأت الكنيسة القبطية كمؤسسة عامة منوط بها تعريف حدود الإيمان المسيحي وأمور الأحوال الشخصية فى ضوء التصور الطائفي الذى حكم علاقة الدولة بالأقباط. وفى هذا السياق أيضاً وُلدت ممارسات الرقابة على الضمير وحريات الاعتقاد وأشكال التعبير والإبداع المختلفة بوصفها ضمانة لوحدة الأمة واستقرارها. وأخيراً، حاول هذا المشروع التحديثي مد ولايته على الأجساد المشكلة لقوام هذه الأمة وضبطها. اقتضى ذلك فى الممارسة العملية التدخل لضبط جسد المرأة وسلوكها فى المجال العام- خصوصاً تلك المنتمية للطبقات الأدنى- ومحاولة تطويعها للعب أدوار محددة سلفاً داخل مشروع التحديث ذاك. فالانتماء لـ"جسد" هذه الأمة والتمتع بما يتيحه هذا الانتماء من حقوق لم يكن ليتم بشكل تلقائي ولكنه يقتضي عملية تمدين كما سبق الذكر. ولمّا كان مفهوم الأمة نفسه معرفاً فى علاقة وثيقة مع الإسلام، فكانت صفة المدنية تلك تقتضى التشرب بفهم معين للإسلام قدمه مشروع الإصلاح الإسلامى يلهم السلوك اليومي وترتكز عليه الدولة فى ممارسة مهماتها. أي أن صناعة الفرد بالمعنى الحديث للكلمة –محور الممارسات الديمقراطية نفسها- اقتضت صناعة طبعة من الإسلام تلائم هذا الفهم للتحضر. فتم توظيف التصورات الأرثوذكسية مثلاً المناهضة لممارسات التصوف والبدع كالموالد فى سياق حرب الدولة الحديثة مع الخرافة أو انشغالها بمسائل الصحة العامة وجرى الاعتماد على ذات الفهم الأرثوذكسي لمواجهة كثير من الممارسات العرفية كالثأر أو الممارسات القَبَلية الحاكمة للمواريث في مناطق مختلفة كالصعيد مثلاً والتي تخالف الفهم الثابت للشريعة فى هذا الصدد وذلك بهدف دعم حكم القانون وسلطة الدولة المركزية. هذا بخلاف الدور الذى أوكل للإسلام، والدين بشكل عام، فى دعم مفهوم محافظ للأخلاق والآداب العامة استخدم فى سياق عملية تمدين السكان. يتجلى هذا النزوع المحافظ بخصوص الجسد والسلوك العام فى كتابات النخب المعنية بمسألة "تحرير المرأة"، كقاسم أمين مثلاً، والتى عكست تململاً من التفسيرات المتشددة للإسلام أو الممارسات العرفية فيما بتعلق بوضعية المرأة ولكنها كذلك عكست تأففاً من السلوك المنقلت لنساء الطبقات الأدنى فى شوارع القاهرة والذى يستوجب تدخلاً لتنظيمه فى إطار مشروع الإسلام الإصلاحي. ومن هنا ظهرت الأسرة "كخلية" للمجتمع المنشود تنتظم على نمط الأسرة البرجوازية وتستفيد بدورها من الإسلام المُحدَّث الذي سبق وشرعن للدولة الحديثة نفسها. هنا انتزعت المرأة بعضاً من الحريات والحقوق، ولكن نطاق هذه الحريات ظل مرتهناً بتفسير المؤسسة الدينية الرسمية المحافظة. ثم امتدت الوصاية على أشكال السلوك ال***ي المختلفة خصوصاً فى مجال الحياة الخاصة للعوام والتي تهدد تماسك وعفة هذه الأسرة الجديدة. عن "النظام العام": ما نريد التشديد عليه أن نظرية الشرعية الجديدة، بنت مشروع الإصلاح الإسلامي، قد وُلدت فى ارتباط وثيق بتصور محافظ عن الأخلاق العامة وتشكك أصيل فى قدرة المصريين على الفعل الجماعي المنظم، وأن كلٍ من هذه العناصر الثلاثة يعتمد فى وجوده على الآخر. فى هذا السياق، قدَّم مفهوم "النظام العام" المستعار من الأدبيات القانونية الفرنسية فى ذاك الوقت التعبير القانوني عن هذه العلاقة الدقيقة بين تلك العناصر الثلاثة. فبخلاف عدد من الأدورا التى لعبها هذا المفهوم فى صياغة التصور القانوني عن الجماعة الوطنية الجديدة، أصبح كذلك من المنوط به تحديد ما يشبه قائمة بالأفعال وأوجه السلوك المخلة بتماسك عناصر هذه العلاقة الدقيقة، وهي القائمة التى امتدت لتشمل طيف واسع جداً من الممارسات يبدأ بتشكيل جماعات متطرفة بالمخالفة للقانون مروراً بالتبشير يديانات غير سماوية أو معتقدات فاسدة ولا ينتهي بأشكال من السلوك ال***ي المخل بالآداب العامة. عبّر هذا الفهم للنظام العام عن نفسه في عدد من النصوص الدستورية والتشريعية بدايةً بإعلان حالة الطوارئ مع فرض الأحكام العرفية خلال فترة الحرب العالمية الأولى وما تلاها إلى جانب أشكال مختلفة من تجريم الإجتماعات بعدد من نصوص قانون العقوبات وكذلك تجريم حزمة من أشكال الاحتجاج الجماعي وعلى رأسها الحق فى الإضراب. إقرار الحق فى التنظيم فى مرحلة لاحقة مع كتابة أول دستور مصري ظل مرتهناً بمجموعة من الشروط تضمن "تحضُّر" المحتجين أنفسهم، أي صورة من الاحتجاج *****ة المخالب. على سبيل المثال، رهنت المواد 15 و20 من دستور 23- أيقونة الفقهاء الدستوريين المصريين- حريات إصدار الصحف والإجتماع بما أطلقت عليه "ضرورات الحفاظ على النظام الإجتماعي". قدمت هذه المواد الحجة اللازمة لقمع الحركة النقابية الوليدة وحلّ الحزب الشيوعي المصري فى عام 1924. كذلك شهد دستور 23 نفسه تقييداً لحرية ممارسة الشعائر الدينية "باعتبارات النظام العام والعادات المرعية فى الديار المصرية" (مادة 13). ثم شهدت السنوات التالية أولى المواجهات مع كافة المعتقدات التى تم اعتبارها من قبل الأزهر أو الكنيسة خارجة علن الفهم العام المستقر للإسلام أو المسيحية كالبهائية- والتى بدأت معاناتها مع النظام القانوني المصري منذ منتصف العشرينيات تقريباً- أو جماعة شهود يهوه المسيحية مثلاً والتى لم تحظ قط باعتراف الكنيسة القبطية. كذلك ظهرت القوانين المتعاقبة التي أسست للرقابة على أشكال الإبداع المختلفة لتقر جميعها بحظر ما تراه هى إجتراءاً على الرموز أو المعتقدات الدينية، فظهرت مبكراً ممارسات الرقابة على المبدعين أو المفكرين بدءاً من لائحة الرقابة على "التياترات"، أي المسارح، فى عام 1911 ومروراً بحزمة من القوانين التي مازالت مقيدة لحرية الإبداع حتى اليوم. كذلك عرف قانون العقوبات تجريماً لما سمى "بالفجور" و "التحريض على الفسق" فى سياق الحرب على الدعارة، والتي قادتها وجوه معروفة من نساء الطبقات الأرستقراطية بالتحالف مع بعض رجال الدين للحفاظ على نظام العائلة بل والصحة العامة للمواطنين. هذا بخلاف التوسع فى تطبيق هذه المواد لمواجهة أشكال مختلفة من العلاقات والسلوك كالمثلية ال***ية أو العلاقات العاطفية التي لا تنتظم فى إطار الأسرة النووية. وهكذا تبدو الثنائيات التى يجري تداولها فى الجدل العام بشأن الدستور باعتبارها من قبيل البديهيات غير مؤسسة على سند تاريخي يعتد به. أحد أشهر تلك الثنائيات تتمثل فيما تلح عليه القوى اللييرالية وبعض القوى اليسارية من تمييز بين الدولة الحديثة العلمانية والمشروع الإسلامي الذى يشكل نكوصاً عليها - أو المقابلة ما بين إسلام الأزهر المعتدل أو إسلام الدولة التحديثية وإسلام الحركات الإسلامية السياسية- وهو تمييز لا يستقيم أخذاً فى الاعتبار أن الدولة الحديثة كانت هي من قامت برعاية طبعة محافظة من الفكر الإسلامي معادية لحرية العقيدة وهذه الطبعة قدمت بدورها الجذر الأيديولوجي لفكر الإسلام السياسي فى مرحلة لاحقة. كذلك تتجاهل الثنائية التى يروج لها قسم آخر من مثقفى اليسار ما بين الحريات الشخصية بوصفها شأناً برجوازياً خالصاً وبين الحريات العامة كحرية التنظيم بوصفها مطلباً شعبياً حقيقة أن هذه "البرجوازية" نفسها كانت من ضمن القوى التي قادت حملة تقييد الحريات الشخصية في سياق إخضاع الطبقات الأدنى لسطوة الدولة الحديثة وتصورها عن الأخلاق العامة. صفقة يوليو: استمرت أنماط الوصاية الثلاثة تلك حاضرة على الصعيدين الدستوري والتشريعي حتى ثورة يوليو والتى زادت عليها مزيداً من القيود الاستثنائية في مقابل رشوتها الإجتماعية الموسعة، وهي الرشوة التي شملت بالإضافة للحقوق الإقتصادية والإجتماعية مزيداً من الحقوق الشخصية للمرأة من داخل نفس الإطار العام لمشروع الإصلاح الإسلامي. فأبقت الثورة على القيود على الحق فى التنظيم بل وزادت عليها عدداً من المحاذير على الحريات النقابية. وهي المحاذير التى أفضت عملياً إلى مصادرة استقلال النقابات العمالية وحظر تعدديتها مع تأسيس الإتحاد العام لعمال مصر عام 1957. كذلك أبقى نظام يوليو على ما هو متعارف عليه من قيود على حرية الاعتقاد بل ووظف الهواجس المتعلقة بالخطر الصيهوني والمواجهة مع الاستعمار لفرض مزيد من القيود كما هو الحال مع حل المحافل البهائية 1960 تحت دعوى وجود علاقة ما بين الطائفة البهائية التي دفن مؤسسها فى مدينة عكا والدولة العبرية! وأبقى نظام يوليو على أسس العلاقة الطائفية مع الكنيسة، بل وأفضى التضييق على كافة أشكال التنظيم- والتي شكلت حاضنة معقولة للاندماج الوطني- إلى تضخم دور الكنيسة فى حياة الأقباط وتحولها لمؤسسة إجتماعية شاملة لكافة أوجه الحياة مع بداية السبعينيات. ثم كانت المحصلة الطبييعية لهذا الميل هو النص على الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسى للتشريع في سياق مزايدة النظام على الحركات الإسلامية. إلا أن الثورة أسست كذلك للخروج على نظرية الشرعية الدستورية السابق الإشارة إليها عن طريق ماهو معروف من إجراءات دستورية وتشريعية كادت أن تصادر المجال السياسي لصالح دولة بوليسية موازية كالإعلان شبه الدائم لحالة الطوارئ وإلغاء الأحزاب السياسية والتوسع في دور أجهزة الأمن السياسى والمؤسسات القضائية الاستثنائية وتقليص صلاحيات المؤسسات التشريعية. هذه الإجراءات على وجه التحديد دون غيرها هي التي أثارت حفيظة النخبة القضائية والقانونية الأمينة على ميراث الدولة التحديثية. أي أن نظام يوليو قد خرج على إجماع النخبة التحديثية فيما يتعلق بمسألة الشرعية والحريات السياسية والمدنية ولكنه لم يمس الإجماع الخاص بالقيود الثلاثة السابق ذكرها. نجح النضال الحقوقى والسياسى على مدى العقدين الماضيين من خلال تفاعله مع النخبة القضائية فى انتزاع بعض المكاسب المتعلقة بالحقوق السياسية والمدنية على النحو الذي يستعيد قدراً من حيوية المجتمع التي صادرتها ثورة يوليو. إلا أن هذا النضال نفسه قد اصطدم بأسس إجماع هذه النخبة القضائية أي تلك الشروط الثلاثة. فشهد العقد الماضي مثلاً إعادة التأكيد من قبل مجلس الدولة على القيود الورادة على حرية الاعتقاد في أكثر من موضع خصوصاً فيما يتعلق بحريات أتباع الديانات غير السماوية أو بحرية التحول الديني. كذلك شهدت محاولات رفع وصاية الدولة التحديثية عن الجسد الأنثوي مقاومة عنيفة من داخل أروقة الدولة ومؤسساتها القضائية. على سبيل المثال صوّت مجلس الدولة نفسه عام 2010 بالإجماع تقريباً على رفض تعيين المرأة قاضية بين صفوفه وأبدت تلك النخب تحفظاً وتململاً فى مواجهة كافة الإصلاحات التشريعية التي تضمن قدراً من الحرية للمرأة فيما يتعلق بجسدها أو حركتها داخل المجال الخاص كما هو الحال مع تعديلات قوانين الأحوال الشخصية كقانون الخلع عام 2002 أو قانون الطفل عام 2008. وأخيراً كان القيد على الحق فى التنظيم أكثر تلك القيود قابلية للمنازعة تحت وطأة النضالات المتصاعدة لقطاعات واسعة من المصريين وفى القلب منهم الطبقة العاملة الحضرية. ولكن ظل الاعتراف من قبل المشرع والقضاء خجولاً ومقتصراً على الحق في استقلالية العمل النقابي مع الاستمرار في أشكال مختلفة من تجريم الإضراب. دستور الثورة؟ ومع سعى التيار الإسلامي لوراثة هذه الدولة الحديثة، والذي يشكل هذا التيار نفسه أحد إفرازاتها وتعبيراتها كما ألمحنا، كان من الطبيعي أن يعيد انتاج قيودها الثلاثة مضافاً إليها قيوداً تتعلق باعتبارات ضمان استمرار سيطرته السياسية والانتخابية. في هذا السياق، ظهر باب الحقوق والحريات العامة معبراً عن هذه المعادلة الجديدة. فعلى صعيد الحق في التنظيم، أقرت المادة 33 من المسودة بالحق في الإضراب وكفلت المادتين 18 و19 للمواطنين حق تكوين الجمعيات والأحزاب والنقابات بمجرد الإخطار، ولكنها رهنت ممارسة هذا الحق بما أسمته "احترام السيادة الوطنية"! الإشارة لما يسمى "باحترام السيادة الوطنية" تمثل بدعة على التراث الدستوري المصري ولم يرد ذكر أي شيء مشابه في الدساتير السابقة. من البديهي أن تحترم هذه المنظمات السيادة الوطنية ولكن من يحدد مقتضيات هذا الاحترام وطبيعة الأفعال التي تشكل إخلالاً به؟ ألا يمكن حل مجالس إدارة هذه المنظمات النقابية مثلاً إذا ما قادت حملة دولية ضد ممارسات الحكومة المصرية وإخلالها بالمعايير الدولية للعمل المحددة بمواثيق منظمة العمل الدولية؟ ألم يسوق نظام مبارك نفسه هذه الحجة ضد عدد من منظمات المجتمع المدني النشطة في حقل الدفاع عن الحقوق الإقتصادية والإجتماعية وانتهى الأمر لإغلاق دار الخدمات النقابية و العمالية عام 2007 عقب مشاركتها في إحدى جلسات استماع منظمة العمل الدولية بجنيف؟ (هذا بخلاف الحجة الجاهزة التى استخدمتها كافة الأنظمة المتعاقبة على حكم هذا البلد فى مطاردة منظمات المجتمع المدني وهي "تلقى تمويلاً أجنبياً"). ألا تفتح عبارة "السيادة الوطنية" تلك الباب لمطاردة هذه الهيئات فى المحاكم خصوصاً أن المادة تمنح القضاء حق حلّ مجالس إدارة هذه المنظمات بل وحلّ تلك المنظمات نفسها؟ وتبعاً للتقاليد الدستورية والتشريعية المصرية، امتد التقييد إلى أوجه النشاط المرتبطة بالحق فى التنظيم والإجتماع كحرية تداول المعلومات أو تأسيس الصحف. فتتيح المادة 20 حرية الحصول على المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق أياً كان مصدرها ومكانها، وتلزم الدولة "بتمكين مواطنيها من التمتع بهذا الحق دون معوقات وبما لا يتعارض مع الأمن القومى للبلاد أو ينتهك حرمة الحياة الخاصة". مرة أخرى من يحدد معنى "الأمن القومي" هنا؟ كم من مواقع الإنترنت قد تُحجب ابتداءاً تحت نفس الدعوى؟ بل إن قطع خدمة الانترنت كما حدث في الأيام الأولى للثورة قد يصبح إجراءاً مُحصَّن دستورياً. مرة أخرى قانون تنظيم الإتصالات هو المعنى بتحديد هذه المعلومات التي ينبغي حجبها وكيفية هذا الحجب على سبيل الحصر وليس باستخدام صياغات فضفاضة. وكذلك أبقت المادة العاشرة المنظمة لحرية الصحافة على عقوبات كإغلاق الصحف وسحب رخصتها القانونية على الرغم من إلغاء نظام مبارك نفسه لهذه العقوبات في عام 2006. فقد نصت المادة 10 من المسودة على أن "حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام مكفولة والرقابة على ما تنشره محظورة، ولا يكون إنذارها ولا وقفها ولا إلغاؤها إلا بحكم قضائي، ويجوز الاستثناء في حالة إعلان الحرب أن تفرض عليها رقابة محددة". اشتراط الحكم القضائي هنا لا يغير من الأمر شيء إذ أن العقوبة يجب أن تقتصر على الصحفي أو المسؤول التحريري أو الإداري دون إغلاق الصحيفة. هذا بخلاف المماطلة غير المفهومة أيضاً فى النص بشكل صريح على حظر عقوبة الحبس في جرائم النشر، وهو الحظر الذي ورد فى المادة 12 من أحد مسودات باب الحريات العامة واختفى بشكل غامض فى المسودة الأخيرة! وعلى صعيد حرية الضمير والاعتقاد، أعادت المادة الثامنة التأكيد على القيود الموروثة عبر القرن الماضي. فجاءت المادة الثامنة لتحيي تقليداً بائساً كان قد اختفى من دستور 71 وهو تقييد حرية ممارسة الشعائر الدينية "باعتبارات النظام العام"، بل ولتذهب خطوة إضافية وتقصر حرية إقامة دور العبادة على أتباع الديانات السماوية فقط فى صياغة تفرّغ حرية الاعتقاد من مضمونها بل وتطلق يد الأجهزة الأمنية فى مطاردة الناس والتفتيش في حياتهم الخاصة بحجة التأكد من عدم تحويل البيوت مثلاً لدور عبادة لأديان غير سماوية كما حدث أكثر من مرة مع أتباع البهائية أو الأحمدية أو الطائفة الشيعية. وأخيراً أعادت المادة 36 تأسيس الموقف التقليدي من المرأة والمجال الخاص بالمجمل إذ ألزمت الدولة "باتخاذ كافة التدابير لترسيخ مبدأ مساواة المرأة مع الرجل فى مجالات الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وسائر المجالات الأخرى بما لا يخل بأحكام الشريعة الإسلامية. وتضمن الدولة "التوفيق بين واجباتها- أي المرأة- نحو الأسرة وعملها في المجتمع". هذه المادة منقولة حرفياً من دستور 71- وزادت عليها أحكام الشريعة الإسلامية- وتتضمن نفس أوجه القصور والتناقض، إذ ما الداعي للنص على أحكام الشريعة مرة أخرى هنا طالما أن المادة الثانية موجودة؟ والأهم، ماهو مبرر افتراض التعارض بين حقوق المرأة وواجباتها نحو الأسرة؟ كم تشريع قد يُجهض ابتداءاً بسبب هذه المادة الغريبة؟ وكم تشريع انتزع للمرأة بعضاً من حقوقها سيصبح عُرضة للطعن بعدم الدستورية؟ هكذا يولد "دستور الثورة" فى عزلة شبه كاملة عن قيم هذه الثورة وروحها. وهذا الانفصال بين المجال السياسي الجديد وبين ما يموج به هذا البلد من نضالات تستهدف أشكال الوصاية الثلاثة تلك على وجه التحديد – بغض النظر عن هوية رعاتها السياسيين- لا يمكن أن يضمن الحد الأدنى من الاحترام لهذا الدستور والذى سيبقى منتجاً غريباً مفروض على الناس حتى ولو تمت تمريره وفقاً "لإرادة شعبية". آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 02-10-2012 الساعة 11:19 AM |
#118
|
|||
|
|||
شكرا لك
شكرا لك سيدي الفاضل علي هذا المقال واسمح لي ان اعلق علي بعض الاستنتاجات
اقتباس:
نفاق وكذب وما الحالة السورية الان تختلف كثيرا عن الحالة الليبية انذاك بل واسوء اقتباس:
اما لو كان التدخل العسكري عريي واسلامي خالص فهي لن تمانع في ذلك لان حجة النفوذ الغربي سوف تنطفي وهي لن تخسر دول عربية واسلامية كثيرة بسبب هذا الموقف
__________________
#الإشـاعة يؤلفها #الحاقد وينشرها #الأحمق ويصدقها #الغبي حاول أن لا تكون من هؤلاء الثلاثة.
بالفيديو.. توثق أحداث الذكرى الثانية للثورة |
#119
|
||||
|
||||
هل كان الربيع العربي جديراً بذلك كله؟: غطرسة السلطة التي تذهب بالعقل
هل كان الربيع العربي جديراً بذلك كله؟: غطرسة السلطة التي تذهب بالعقل إنها البداية فحسبBassam Haddad كنا على وشك ركوب الطائرة من واشنطن إلى إسطنبول، عندما ظهرت هذه الصورة على الشاشة عند البوابة: عنوان على قناة سي إن إن: "هل كان الربيع العربي جديرا بذلك العناء كله ؟" اعتاد المرء، عموماً، أن يرى ويسمع تعليقات "خاصة" حول المنطقة في وسائل الإعلام الرئيسية. ولكن، بين الفينة والأخرى، يطل برأسه علينا أمر شديد الإثارة، يبعث فينا الدهشة. ولعل هذا العنوان واحد من تلك التقارير، التي باتت تعبّر عن المزاج الغالب لما تقدمه ليس فقط الـ سي إن إن، ولكن معظم القنوات الرئيسية الأخرى، بعد ردود الفعل العنيفة على الفيلم المسئ لنبي الإسلام. لا شك أن الفيلم كان مهيناً وبائساً، وأن ردود الأفعال العنيفة والقتل الذي نتج عنها كانت مثيرة للغضب وتبعث على الأسى أيضاً (بغض النظر عن شرح الدوافع.) هذه مسائل يتفق عليها معظم المراقبين الواعين والموضوعيين. ولكن، فجأة، يطل علينا هذا العنوان العبقري المرتَجَل، غير المتبصر والبربري عرضاً: "هل كان الربيع العربي جديرا بذلك العناء كله؟" ثمة أسباب لا تُحصى تجعل من هذا الأمر موضوعاً إشكالياً. وعلى الرغم من وجود ستة أو سبعة آلاف سبب وجيه، قد يترتب علينا التوقف عندها، إلا أن الرحلة تسمح برصد عدد قليل فقط من ردود الفعل، مخافة أن يضيع على المرء المزيد من العناوين الهمجية. وإليكم بعض ردود الأفعال المحتملة توخياً للدقة. هل أنتم جادون حقا؟ القشة الأولى والأخيرة بعد ما يقرب من مائة ألف قتيل منذ كانون الثاني/ يناير 2011 عندما بدأت الانتفاضات، وبعد عقود من القمع الوحشي، الذي كان مدعوماً بإصرار وممولاً بشكل جزئي من القوى الغربية (وتحديداً الولايات المتحدة)، نتساءل عن قيمة تحطيم هكذا أغلال، وكأن الأمر لا يعدو أن يكون استثمارا سيئاً في سوق أسهم الفيسبوك. "ألم يكن علينا أن نحافظ على دعم هذه الدكتاتوريات المحببة." السلطة هي جوهر القضية لكن الكثير يعتبر ذلك مجرد كلام أكاديمي. فالمهم هنا هو من "ذا" الذي يستطيع فعلياً إنتاج هذه الأفكار، ويكون بوسعه فعلياً أن يبادر إلى القيام بشيء حيالها. إن غطرسة القوة التي تتولد منها مثل هذه الأفكار والكلمات هي الحدث الأساسي. وعرضاً نقول، إن المقدرة على نبذ التاريخ وتحديد المسؤولية والعقلانية، لصالح عاطفة غير ناضجة وضيق أفق فكري وفقدان للذاكرة التاريخية وقصر نظر من الناحية الأخلاقية، لا يمكن أن يتأتى إلا عن سلطة غاشمة. ولا يمكن أن تتم المطالبة بالتغيير إلا من هذا المصدر بالذات، وكأن تلك السلطة هي من استهلت الانتفاضات العربية (فيما الحقيقة، أن الانتفاضات العربية قامت ضد عملاء أمريكا، رغم قوة أمريكا، باستثناء سوريا، التي تثبت القاعدة). طلب السوق وقد تجلّى لي السياق الطبيعي للنقطة السالفة، عندما أدركت أنه فقط في صالة انتظار في المطار، كان ثمة مئات من الركاب ينظرون إلى الشاشة (أو أنهم استطاعوا أن يلمحوهاعرضاً)، وليس من المستبعد أن تؤثر تلك العبارة بخفتها عليهم. والمعروف أنه إذا كانت الـ سي إن إن ووسائل الإعلام الرئيسية تجيد شيئاً على الإطلاق، فإنما تجيد فهم مشاهديها وطلب السوق. دراسة سلوك الحيوان ومن جانب آخر، ثمة جانب لا ينبغي التغاضي عنه، وهو أن البعض يستمتعون بالفرجة في هذه القضية. فـ"الربيع" العربي (وهي بالمناسبة تسمية خاطئة لأسباب لا يتسع المقام لذكرها هنا) هو مشهدي بحد ذاته. لكنه ليس أي مشهد: إنه مشهد نقوم فيه "نحن"، الديمقراطيين والعالم "المتطوّر"، بمراقبة "الآخرين" وهم يحاولون اللحاق بنا، على الرغم من جهودنا الكثيرة لدعم طواغيتهم. وحتى الأسبوع الفائت، كانت الفرجة متعاطفة، بل أبوية ورعوية. لكن بعد الأحداث الأخيرة، تحولت هذه الفرجة وما تلاها من ردود الأفعال اللاحقة حيال العنف الذي أدى إلى مقتل سفير الولايات المتحدة في ليبيا، إلى شيء آخر، حيث أعادت صياغة كامل المشهد وفقاً لذاكرتنا الصوريّة المتخمة، وأسلوبنا المعتاد في ملاحظة الأمور والذي ننطلق فيه من المركز نحو الأطراف: مشهد من الذهول والمكائد التي يمكنها، تحت ظروف معينة، أن تتحول بسرعة إلى شيء مرتبط بالهمجية. هل كان الأمر حقيقة يستحق إطلاق هذه الكائنات من أقفاصها؟ انظر في النهاية ماذا يفعلون. الآن فقط بتنا ندرك بأن قتال المرء في سبيل كرامته قد لا يستحق العناء، بسبب ما قامت به ثلة من المتعصبين. ثقوب سوداء ضخمة تذكرنا هذه الأساليب كيف – بكبسة زر – يتم النظر إلى البشر في هذه المنطقة كأناس بلا أهمية، وكيف يبدو التاريخ غير ذي شأن بالنسبة لمن بيدهم القوة في بعض الأماكن. فمن جهة، يتم اختصار الانتفاضات العربية إلى مجرد مسار لتحقيق الديمقراطية. فتغدو الديمقراطية هي الحدث، وتكون الشعوب ثانوية. فإن لاءمت هذه العملية مصالحنا، كانت جيدة، وإلا فإنها ليست بفكرة صالحة تماماً، بغض النظر عن عشرات ملايين الأشخاص الذين سيتأثرون بذلك. أي أن مصير الشعب بأكمله معلق في كفتي ميزان. ولكن لنستدرك ههنا أننا نتحدث عن مستوى الرؤى والادعاءات التي ليس لها دائماً نتائج سيئة، لحسن الحظ. لكنهم لا يتوانون لحظة عن تأليف مجلدات من الكلام حول كيفية النظر إلى المنطقة وشعوبها، وعن كيفية دراستها والاستيلاء عليها. علينا أيضاً أن نلاحظ كيف يتم تقييم التاريخ، بكل ما يحمله من مسؤوليات، عبر التغطية الصحافية للمنطقة ولآخر الأحداث التي تشهدها. يقتصر هذا الحدث على إلقاء الضوء على هذا الإغفال، ولكنه لا يخلقه. ومن الواضح أن مسؤولية السياسة الخارجية للولايات المتحدة في إدامة وتمويل العنف في المنطقة، ليست وحيدة، بل يضاف إليها مسؤولية الإعلام الذي يدعم السلطة بدل أن يضبطها. لحسن الحظ أن أندرسون كوبر قد ضُرب* في القاهرة، لتكتشف قناة سي إن إن أن عليها الوقوف مع الشعب المصري ضد الديكتاتور في مصر، الذي تلقى الدعم من إدارة الولايات المتحدة لفترة تقارب الأربعة عقود، الأمر الذي غطته قناة سي إن إن إعلامياً وكأنه حدث في سويسرا. (بالطبع كنت أمزح حين قلت "لحسن الحظ"). والآن إلى الجد هل تستحق حركة الحقوق المدنية فعلاً كل هذا العناء؟ هل تستحق حركة حقوق المرأة فعلاً كل هذا العناء؟ هل يستحق إنهاء العبودية فعلاً كل هذا العناء؟ الربيع العربي باعتباره برنامجاً تلفزيونياً إذا كان تفكيك الحكم الاستبدادي وكل ما يرتبط به لا يستحق كل هذا العناء، فما الذي علينا فعله؟ إن قسوة اختيار هكذا بدائل هي أكثر ملائمة لتقرير ما إذا كان الانتقال من AT&T إلى فيرايزون يستحق العناء. إذا كانت بعض النتائج بشعة، هل نكف عن إتمام العملية كلها؟ هل نحن، ببساطة، نتابع برنامجاً تلفزيونياً بعنوان: "الربيع العربي"؟ فإذا ما فسُد البرنامج بسبب تعرض الممثل المفضل لدينا للخطر، فإننا نغير القناة... وننتظر إلى أن تحين المرة التالية التي يجب أن نتنافس فيها مع المنطقة التي تشتمل على مصدر الطاقة الأهم وشركائنا الأعلى قيمةً والأكثر ديكتاتورية وعنصرية. برنامج آخر، أزمة أخرى، نقطة سوداء أخرى يتم تشكيلها، فذلك كله ينتظرك على مسرح قريب منك. قيمة حياة عربية إذاً، كل ما حدث طيلة الأشهر العشرين الماضية كان جيداً، ولكن تحول فجأة بعد الأحداث التي شهدها الأسبوع الماضي ليغدو موضع شك وتساؤل. لا شك أن القتل الذي تم في هذا الأسبوع بشع وأحمق (ناهيك عن أنه غبي وقصير النظر)، لكن، ماذا لو كان أولئك القتلى مسؤولين عرب؟ هل كان ذلك سيستدعي أسئلة من أحد؟ القيمة المعطاة لحياة العرب، سواء في الحربين على العراق، والعقوبات الخانقة عليه، أو في حربي إسرائيل على لبنان وغزة، متدنية بما لا يقاس، إن لم تكن بلا قيمة تماماً. التضخيم يمكن أن نتصور أن الأمور قد تغدو من السوء بمكان يجعل المرء يتأمل الفكرة "هل يستحق الأمر ذلك كله فعلاً؟" أولاً، لا تشكل أحداث الأسبوع الماضي مثل هذا التدهور، بل هي بعيدة عن ذلك. ثانياً، بكل الأحوال، لعل موت عشرات الآلاف بعد هجوم الناتو، مقارنة بعدد قليل قبل التدخل، هو جوهر المسألة، لكن من كانوا يموتون حينها، هم بالطبع الأشخاص الذين لا ينبغي أن يموتوا، كما أن الناتو امتلك الأسلحة الأقوى في المشهد كله. لذلك، لا ترقى هكذا معايير إلى مستوى الحدث. لكن فجأة، لم يعد التقرير خاصاً بليبيا، أو بالغوغاء التي نهبت وحرقت، بل تعداه إلى جملة الانتفاضات، أي إلى ما يسمى بالربيع العربي. لمَ نهيئ للتفكير بالمغامرة بالعودة إلى ما كان عليه الوضع سابقاً في بضعة بلدان؟ لـ"ننسف الأمر برمته". فالأمر سيان، على كل حال، ولا أهمية لظروف الحالات الفردية ومسارها (باستثناء سوريا، ربما، لأن الأسد، من وجهة النظر الأمريكية، "يجب أن يرحل" ولأسباب تتعدى الحكم الاستبدادي). الطبيعة الظاهرية غير المؤذية لليبرالية وأخيراً، فإنه ليس من الصحيح القول إننا لا نستطيع أن نتساءل فيما إذا كان كل ذلك يستحق العناء، كما أسلفنا. فكما هو معلوم، فإن الكثيرين ممن فقدوا أطرافهم وأحباءهم في ليبيا وسورية قد طرحوا هذا التساؤل، وكذلك فعل الذين يرون، ربما، بأن بلدهم يتداعى. إذاً، فالأمر يعتمد على من يفكر فيها، وماذا يملك من معلومات، وما التجارب التي مر بها، وعلى أية أسس يعتمد في تفكيره، وأين/كيف ينبغي عليه طرحها. أما أن تفعل ذلك، بشكل عابر، على قناة سي إن إن، آخذاً بعين الاعتبار كل ما تم أخذه هنا بعين الاعتبار، فإن ذلك ضرب من الوحشية الليبرالية التي لم تؤذ حياة شخص واحد، بل طالت بلداناً بأكملها بالأذى، دون أن تكون هذه اللبرالية قد أهينت أو هوجمت أو حت هُدِّدت (والعراق هنا المقصود هنا). لكن قرار شن تلك الحرب تم اتخاذه داخلياً، وتم التصويت عليه في غرفة مكيفة، من قبل أشخاص أنيقين، ويتحدثون عن القيم الليبرالية، ولا يأبهون، ربما، إذا ما قام أحدهم بإهانة نبيهم أو إلههم. ... . |
#120
|
||||
|
||||
اقتباس:
جزاك الله خيرا و بارك الله فيك
|
العلامات المرجعية |
|
|