اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية

قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #91  
قديم 22-09-2012, 10:26 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي كيف ستتعامل واشنطن مع الصحوة السلفية؟

كيف ستتعامل واشنطن مع الصحوة السلفية؟

دانيل بيمان وزاك جولد
عرض: محمد بسيوني عبد الحليم، باحث في العلوم السياسية.
كثيرًا ما كانت توصف العلاقة بين النظام المصري السابق والتيارات السلفية بأنها تعاقد غير معلن، أهم بنوده السماح لهذه التيارات بالعمل وفقا لمساحات محددة مقصورة على الجانب الدعوي والخيري، دون الدخول في الساحة السياسية، والمنافسة على مفاصل السلطة.

وبالتوازي مع هذا التوجه من النظام الحاكم، وبعد سنوات من العنف المتبادل بين الدولة وبعض الجماعات الإسلامية التي اصطلح البعض على تسميتها بالسلفية الجهادية؛ حاولت السلفية طرح نفسها كتيارٍ فكري يهدف إلى إعادة تقديم فكر السلف الصالح في فهمهم للإسلام، وفي نمط حياتهم، ومحاولة الإصلاح من خلال نشر هذا الفكر في الأطر المجتمعية القاعدية، وعبر عددٍ من الجمعيات مثل الجمعية الشرعية، وجماعة أنصار السنة المحمدية. وانطلاقا من هذه الرؤية تم التعامل بدرجة كبيرة من الحذر مع الواقع السياسي، وعمدت التيارات إلى الانكفاء على ذاتها؛ بل وفي بعض الأحيان إلى مهادنة النظام السلطوي، لا سيما وأنها أدركت أن الدخول في صدام معه لن يكون في صالحها.


ومع اندلاع ثورة 25 يناير 2011؛ شهدت الساحة السياسية أوضاعا مغايرة، أهمها بزوغ تيار الإسلام السياسي، وخروج التيارات السلفية من إطارها التقليدي، في حالة أشبه ما تكون بانتهاء القطيعة بين السلفية والمشاركة السياسية، وخاصة مع تأسيس عددٍ من الأحزاب السلفية، كحزب النور، والأصالة، وحصدها ما يقرب من ربع مقاعد مجلس الشعب عشية أول انتخابات بعد الثورة.

وفي هذا الصدد تأتي أهمية المقالة المعنونة بـ"الصحوة السلفية" لكل من "دانيال بيمان" و"زاك جولد" المنشورة بدورية "المصلحة القومية The National Interest" في عددها عن شهري يوليو - أغسطس. فالمقالة تأتي في سياق عام يسيطر على مراكز الفكر الغربية في أعقاب ثورات الربيع العربي التي طالت العديد من الدول العربية، وما صاحبها من تصاعد قوى الإسلام السياسي، مما دفع العديد من المحللين إلى البحث عن مقاربات جديدة للتعامل مع معطيات الواقع التي تتشكل في العالم العربي، وتداعيات هذه المعطيات على المصالح الأمريكية ومصالح حليفتها إسرائيل.


النظم الحاكمة والإسلاميون


بدت العلاقة بين النظم الحاكمة والإسلاميين خلال العقود الماضية علاقة معقدة، تراوحت بين التعايش والصدام، فإبان فترة الحكم الناصري تبنت الدولة النهج التصادمي والقمع تجاه الإسلاميين، ولم يكن هناك أي مجال للتعايش بينهم، ومع وصول الرئيس السادات إلى سدة الحكم دخلت العلاقة بين الطرفين منعطفا جديدا.

وتشير المقالة إلى أن هناك عدة متغيرات تداخلت في معادلة العلاقة بين نظام السادات والإسلاميين؛ إذ إن النفوذ السلفي تصاعد بصورة واضحة منذ سبعينيات القرن المنصرم مع عودة أعداد كبيرة من العاملين المصريين من الخليج، وبصورة أخص من المملكة السعودية، متأثرين بأفكارٍ سلفيةٍ من هذه الدول. كما أن تقديرات الرئيس السادات استقرت على أن التهديد الحقيقي له هو التيار الناصري المهيمن على الدولة آنذاك؛ ومن ثم سعى إلى التحالف مع الإسلاميين في مواجهة الناصريين، ولكن هذا التحالف لم يستمر، فقد عمد النظام إلى تقليص نشاط الإسلاميين على خلفية تزايد نبرة المعارضة لسياسة النظام بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل والتقارب الشديد مع الولايات المتحدة.

فالانتقال من التحالف إلى الصدام انتهى باغتيال الرئيس السادات من جانب بعض المحسوبين على تيار الراديكالية السلفية -بحسب المقالة- لتدخل العلاقة بين نظام مبارك والإسلاميين إلى سياق آخر؛ إذ إن النظام فرض رقابة شديدة على التيار الإسلامي، وسعى إلى التضييق على حركته.

وتضيف المقالة أن العلاقة بين نظام مبارك والتيارات السلفية كانت ذات ماهية مختلفة عن العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين، فقد ركزت التيارات السلفية على الجانب الدعوي والخيري، في محاولة منها لأسلمة المجتمع من القواعد، وفي المقابل رحب النظام بالنشاط السلفي طالما أنه في الإطار الدعوي ولم يتجاوزه إلى السياسي، بينما تعامل النظام بصورة أكثر تشددًا مع جماعة الإخوان الأكثر تسييسا.


السلفيون وثورة يناير


تنتقل المقالة إلى تحليل تفاعل التيارات السلفية مع ثورة الخامس والعشرين من يناير؛ حيث انقسمت التيارات السلفية في موقفها من الثورة والمطالبة بإسقاط النظام إلى ثلاثة اتجاهات. ففي بداية المظاهرات أدان العديد من قادة السلفية هذه الاحتجاجات ومطالبتها بإسقاط النظام، وفي المقابل ومع التعامل العنيف من جانب النظام مع المتظاهرين بدأ بعض القيادات السلفية يوجهون الانتقادات للنظام، فيما التزم فريق ثالث من السلفيين الصمت تجاه الأحداث برمتها.

فقد كشفت الثورة عن فرص وتحديات أمام التيارات السلفية؛ حيث سعت هذه التيارات إلى المشاركة في الحياة السياسية، والتفاعل إيجابيا مع الفرص التي أتاحتها الثورة، واندفعت نحو تشكيل أحزاب؛ بل إن قطاعا واسعا من القيادات السلفية اعتبرت أن الفرصة سانحة لإمكانية تطبيق مشروعهم الفكري من قمة هرم السلطة، بعد أن كانت رؤيتهم تستند بالأساس على أسلمة المجتمع من القواعد؛ ومن ثم شاركت الأحزاب السلفية في انتخابات مجلس الشعب على اعتبار أن الدخول للبرلمان سيساعدهم في الحفاظ على وضعية الإسلام في نظام الحكم المصري عبر المشاركة في وضع الدستور، فضلا عن السعي نحو تدعيم القوانين التي تستند للشريعة.

وهنا توضح المقالة أن التحديات الرئيسية التي أفرزتها أوضاع ما بعد الثورة تتمثل في مواقف التيارات السلفية من قضايا الديمقراطية، ووضع المعارضة غير الإسلامية، وحقوق الأقليات، والمرأة، وهي المواقف التي تبدو في كثير من الأحيان متناقضة وغير متسقة، ناهيك عن دخول الساحة السياسية بعض الأحزاب كحزب البناء والتنمية، الذراع السياسي للجماعة الإسلامية، بما يستدعي تاريخ الجماعة، وتورطها في عمليات إرهابية خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات، قبل شروعها في مراجعات فكرية لمنهجها تخلت بموجبها عن العنف؛ ليضفي المزيد من التعقيد على المشاركة السلفية في الحياة السياسية.


الولايات المتحدة والصحوة السلفية


منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 والعلاقة بين الولايات المتحدة وتيارات الإسلام السياسي أقل ما يمكن أن توصف به أنها علاقات عدائية، ومع وجود أنظمة حاكمة تحافظ على المصالح الأمريكية لم يكن هناك ما يدفع الإدارة الأمريكية للدخول في حوارات مع هذه الحركات.

وهذه الصورة النمطية تبدلت مع ثورات الربيع العربي، وتصدرت قوى الإسلام السياسي المشهد في عدد من الدول العربية وما صاحبه من مطالبات للإدارة الأمريكية بفتح قنوات للتواصل مع تيارات الإسلام السياسي.

فقد أثار الصعود السلفي في مصر العديد من التساؤلات من قبيل: ما هي المطالب المتبادلة لكلا الطرفين من السلفيين والإدارة الأمريكية؟ وما هي تداعيات هذا الصعود على المصالح الأمريكية بالمنطقة؟ وما أهم القضايا المطروحة على أجندة أي حوار مستقبلي بين الطرفين؟.. وهي التساؤلات التي تناولها بيمان وجولد عبر ثلاثة محاور رئيسية:

أولًا: الرؤية المتبادلة، فقطاع واسع من التيارات السلفية يرى السياسات الأمريكية بالمنطقة متحيزة بصورة كبيرة لإسرائيل، وموجهة بصورة عدائية للدول الإسلامية؛ إذ إن الحرب الأمريكية على الإرهاب لم ينتج عنها سوى قتل المدنيين المسلمين في العراق وأفغانستان، والانتهاكات الصارخة في معتقل جوانتانمو، وسجن أبو غريب. وفي المقابل ظلت الولايات المتحدة فترة طويلة تصنف العديد من التيارات السلفية على أنها حركات إرهابية متشددة.

وهذه الرؤية يمكن أن تكون لها انعكاسات واضحة على التعاون الأمني والاستخباراتي بين الإدارة الأمريكية والنظام المصري الجديد؛ إذ إن وجود التيارات السلفية في المشهد السياسي سيؤدي إلى تراجع ملف مكافحة الإرهاب، والشراكة المصرية الأمريكية في مواجهة تنظيم القاعدة.

كما أن المواقف والرؤى السلفية يمكن أن تفرز مناخا جديدا بالمنطقة يجعل مهاجمة الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الغربية الأخرى أكثر احتمالية؛ بل وتصطبغ هذه الهجمات بصبغة شرعية تضفي على مَن ينفذون هذه العمليات صفات بطولية.

وفي هذا السياق؛ تذكر المقالة أن التحدي الأكثر وضوحا ينبع من ظهور الجماعة الإسلامية على الساحة السياسية؛ إذ إن الإدارة الأمريكية تدرج الجماعة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية؛ وبالتالي فإن دخول الذراع السياسي للجماعة البرلمان وإمكانية مشاركتها في تشكيل الحكومات القادمة يعني أن منظمة إرهابية -وفقا للتصنيف الأمريكي- تشارك في الحكم، بما يمثله من معضلة حقيقية أمام الإدارة الأمريكية وكيفية التعامل مع هذه الحكومات.

ثانيًا: أمن إسرائيل؛ حيث إن نظام مبارك لعب دورًا رئيسيًّا في الحفاظ على أمن إسرائيل عبر سلسلة من الإجراءات والسياسات لضبط الحدود بين الطرفين، والتعاون الأمني والاستخباراتي، ولكن مع تقويض نظام مبارك أمست الصورة أكثر تعقيدا.

فتحليل موقف التيارات السلفية يستدعي مستويين؛ أولهما: مستوى المدركات؛ حيث تُعتبر إسرائيل تهديدا لأمن المنطقة، وليست قوة احتلال يتعين إيقاف أي محاولات لتطبيع العلاقات معها، فيما يستدعي المستوى الثاني: التصريحات المعلنة من قيادات سلفية والتي عبرت في الغالب عن احترامها لمعاهدة السلام مع إسرائيل.

وتضيف المقالة أن الصحوة السلفية ستكون لها تداعيات سلبية على الملفات العالقة مع إسرائيل؛ فمن ناحية قد يصبح النظام أكثر حساسية تجاه أي تعاون أمني مستقبلي مع إسرائيل، ومن ناحية أخرى فإن النظام قد يغض طرفه تجاه أي عمليات عدائية تجاه إسرائيل تتخذ من سيناء منطلقا لها، وعطفا على هذا ستجد حركة حماس في صعود التيار الإسلامي عنصرا داعما في أي مفاوضات مستقبلية، خصوصا وأن التيارات السلفية ستصبح أكثر معارضة لأي تنازلات تُقدم لإسرائيل.

ثالثًا: احتواء إيران، وهو ما سعت له الإدارة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة وساعدتها في ذلك النظم القائمة في المنطقة بما في ذلك نظام مبارك حتى بدا الإقليم في طور تشكل جديد عقب ثورات الربيع العربي.

وفي هذا الصدد فإن استجلاء الموقف السلفي من العلاقات مع إيران يستلزم الإشارة إلى ملاحظتين مركزيتين. أولهما: أن الأفكار السلفية التي ترى في إيران دولة مذهبية تطمح إلى نشر التشيع في الدول السنية يمكن أن تشكل كابحا لأي محاولات للانفتاح على إيران، وإقامة تحالف معها. ثانيهما: امتزاج المواقف السلفية من إيران والولايات المتحدة وإسرائيل سيقضي على أي محاولات لدخول النظام المصري -أو على أقل تقدير سيجعله باهظ الثمن- في تحالفٍ عسكري تقوده الولايات المتحدة وإسرائيل مستقبلا ضد إيران.

وتخلص المقالة إلى أن الإدارة الأمريكية لديها رؤية للدولة المصرية؛ فهي ترغب في نظام ديمقراطي ليبرالي يحافظ على حقوق الأقليات والمرأة، كما أن لها مصالح وقضايا شائكة لا تريد بأي حال من الأحوال أن يؤثر عليها الحضور السلفي المتعاظم، ولذا فمن الأجدى للإدارة الأمريكية الشروع في حوار وتفاعل مع التيارات السلفية بصورة تمكن الإدارة من التعبير عن رؤيتها ومصالحها، وفي المقابل تتعرف أكثر على رؤية هذه التيارات. فيتعين أن تدرك الولايات المتحدة أن الأوضاع في مصر أصبحت مغايرة، ولم يعد بالإمكان حصولها على كل ما تريد دون دفع المقابل.
رد مع اقتباس
  #92  
قديم 22-09-2012, 11:35 PM
الصورة الرمزية Ayman M.Ebrahim
Ayman M.Ebrahim Ayman M.Ebrahim غير متواجد حالياً
موجه اللغة الانجليزية
 
تاريخ التسجيل: May 2007
المشاركات: 3,974
معدل تقييم المستوى: 21
Ayman M.Ebrahim will become famous soon enough
افتراضي

لا اله الا الله
و حسبنا الله و نعم الوكيل فى بشار و زبانيته
رد مع اقتباس
  #93  
قديم 23-09-2012, 12:20 AM
darch_99 darch_99 غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 1,824
معدل تقييم المستوى: 17
darch_99 is just really nice
افتراضي شكرا لك

الشكر والتقدير للسيد / ايمن نور

صراحة مقال اضحكني ثم ابكاني

قرات المقطع الاول فضحكت ولكن ما ان اكملت المقال كله حتي هالني كمد وحزن والم وتخيلت هذا في نساء مصرنا في بناتنا وزوجاتنا واهلينا فاحسست بالغضب الشديد لكنه غضب مع عجز عن الفعل ادي الي بكاء اللهم عجل بنصرك علي هذا المجرم الذي شرد شعبا مسلما ابيا حرا اللهم نصرك الله وعدت

وجزاكم الله خيرا
__________________
#الإشـاعة يؤلفها #الحاقد وينشرها #الأحمق ويصدقها #الغبي حاول أن لا تكون من هؤلاء الثلاثة.
بالفيديو.. توثق أحداث الذكرى الثانية للثورة


رد مع اقتباس
  #94  
قديم 23-09-2012, 01:22 AM
الصورة الرمزية راغب السيد رويه
راغب السيد رويه راغب السيد رويه غير متواجد حالياً
معلم لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 9,278
معدل تقييم المستوى: 24
راغب السيد رويه is a jewel in the rough
افتراضي

لا حول ولا قوة إلا بالله


جزاك الله خيرا وبارك فيك
__________________
رد مع اقتباس
  #95  
قديم 24-09-2012, 06:08 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي السياسة الخارجية المصرية تجاه إسرائيل وفلسطين

السياسة الخارجية المصرية تجاه إسرائيل وفلسطين

خالد الجندي
ينتاب المسئولين الفلسطينيين والإسرائيليين حالةٌ من القلق منذ صعود القوى الإسلامية إلى سدة الحكم في مصر؛ فإسرائيل تدرك تمامًا مدى معاداة الإخوان لها، وباتت لا تستبعد أن يضرب الإخوان بمعاهدة السلام المبرمة مع مصر في عام 1979 عرض الحائط.

وكان سقوط مبارك وتولّي الإخوان الحكم في مصر مزعجًا بنفس القدر للمسئولين الفلسطينيين في رام الله؛ فهم يدركون مدى مؤازرة الإخوان لحركة حماس في غزة. ومن ثم يمكن القول إن انتخاب محمد مرسي ليكون أول رئيس مدني منذ تشكيل الجمهورية المصرية قبل ستين عاما لم يجلب سوى القلق لتل أبيب ورام الله.

وفي هذا الصدد؛ كتب خالد الجندي - وهو زميل زائر في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينجز - في دورية "عروض القاهرة للشئون الدولية The Cairo Review of Global Affairs" التي تصدرها الجامعة الأمريكية بالقاهرة دراسة تحت عنوان: "مصر وإسرائيل وفلسطين". وأشار الباحث في مقاله إلى أنه من غير المحتمل أن نرى في مصر في أي وقت قريب استمرارًا لسياسات مبارك، أو تحولًا جذريًّا في العلاقة بين مصر وإسرائيل والفلسطينيين، منوهًا إلى أن من المرجح أن تعتمد التغييرات الجذرية في موقف مصر الإقليمي على المدى الطويل على مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، بما في ذلك النجاح النسبي للإصلاحات السياسية والاقتصادية الجارية، واتجاهات العلاقة المصرية الأمريكية، والتطورات على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية، والديناميات الإقليمية الأخرى.

تداعيات السياسة الخارجية

كان الغيابُ الفعلي للشعارات المناهضة لإسرائيل والمعادية للولايات المتحدة في الانتفاضة المصرية في ميدان التحرير دليلًا على أن الثورة لا علاقة لها لا بإسرائيل ولا بالولايات المتحدة. ومع ذلك؛ لا يمكن فصل الانتفاضة المصرية والمرحلة الانتقالية تماما عن إسرائيل والولايات المتحدة، حتى لو كانت الثورات الشعبية لا تنم عن أية مخاوف تتعلق بالسياسة الخارجية. فالتغيرات المرتبطة بالتحول السياسي الجاري في مصر سيكون لها تأثير عميق على العلاقات بين مصر وكلا البلدين في السنوات القادمة.

ويُشير الباحث إلى أن الدعم للفلسطينيين والعداء تجاه إسرائيل متأصلان بعمق في الثقافة السياسية المصرية والوعي الوطني. فإلى جانب التعاطف مع محنة الفلسطينيين؛ غذّت التضحيات المصرية بالدم والمال في الماضي العداء تجاه إسرائيل؛ إذ أسفرت أربعة حروب مع إسرائيل في الماضي عن مقتل عشرات الآلاف من المصريين، وعن إهدار مليارات الدولارات. وحتى بعد مرور ثلاثة عقود من السلام الرسمي؛ لا يزال ينظر معظم المصريين إلى إسرائيل على أنها عدو وتهديد للأمن القومي، ليس للفلسطينيين فحسب؛ بل للعرب كافة.

ولم يبذل نظامُ مبارك شيئًا يُذكر لكبح تلك المشاعر العدائية، فهو لطالما حرص على إثارة الكراهية ضد إسرائيل كوسيلة لتعزيز شرعيته الداخلية. ورغم أن معظم أشكال التعبير السياسي كانت إما محظورة أو خاضعة لقيود مشددة تمامًا؛ كان نظام مبارك يتسامح عمومًا مع الأنشطة المعادية لإسرائيل والمؤيدة لفلسطين، طالما أن تلك الأنشطة لا تنتقد النظام نفسه. بيد أن هذا التوازن تعذّر تبريره إلى حدٍّ كبير مع مستهل القرن الحادي والعشرين، وظهور ما يسمى بـ"الحرب على الإرهاب".

وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001؛ جعل مبارك مصر بمثابة حجز الزاوية لاثنين من الركائز الأساسية للسياسة الأمريكية؛ وهما مكافحة الإرهاب وعملية السلام العربية الإسرائيلية. وبلغ التنسيق الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة مستويات غير مسبوقة عقب فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية في عام 2006. وفي ظل تعزيز مبارك مكانته عند الولايات المتحدة وإسرائيل؛ ظهرت تصورات بأن نظام مبارك يمثل امتدادًا للسياسة الأمريكية والإسرائيلية.

وقد أثار قمع إسرائيل لانتفاضة الأقصى التي اندلعت في سبتمبر 2000، والغزو الأمريكي للعراق في عام 2003؛ حفيظة المصريين وغيرهم من العرب. واستشرت مبادرات تضامنية مع فلسطين، ومبادرات مناهضة للتطبيع، وحملات مقاطعة لإسرائيل، ومظاهرات حاشدة ضد إسرائيل والولايات المتحدة في النصف الثاني من العقد ردًّا على حرب لبنان وحصار غزة والحرب الإسرائيلية على غزة (التي أُطلق عليها عملية الرصاص المصبوب). وعلى حد وصف الباحث؛ كانت هذه الأحداث ملهمة لجماعات مثل "حركة كفاية" و"حركة 6 إبريل". وعند مرحلة ما؛ أصبحت الأنشطة السياسية الفلسطينية حافزًا لحركة الاحتجاج التي أفضت في نهاية المطاف إلى اندلاع ثورة 25 يناير في عام 2011.

وكانت الولايات المتحدة تتوقع من مبارك أن يصعّد ضغوطه على القيادة الفلسطينية للمشاركة في المفاوضات، وأن يكف عن المصالحة مع حماس. وبإغلاق معبر رفح الذي كانت تمر عبره المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة؛ أضحى نظام مبارك متورطًا في الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع. وقد كان يُنظر إلى سلوكيات مبارك في المنطقة على أنها مجرد تنفيذ لأوامر الولايات المتحدة وإسرائيل؛ بل وكان القادة الإسرائيليون يعتبرونه بمثابة جائزة إستراتيجية. ومن ثم يرى الباحث أنه لم يكن ثمة شيء أكثر ضررا على مكانة مبارك من غزة وقضيتها.

إسرائيل وفلسطين ومصر الوليدة

واصلت المشاعر المؤيدة للفلسطينيين والمعادية لإسرائيل تحريك السياسة المصرية في أعقاب الانتفاضة؛ إذ وقع اقتحام للسفارة الإسرائيلية في القاهرة يوم 9 سبتمبر 2011 احتجاجًا على مقتل حرس الحدود المصرية الإسرائيلية إبان عملية إسرائيلية ضد المسلحين في سيناء. وأوحى ذلك الهجوم الذي دفع إسرائيل إلى إجلاء سفيرها وطاقم السفارة من مصر للإسرائيليين والأمريكيين والفلسطينيين على حد سواء بأن التغيير قادم لا محالة. ومن جهتها، أدانت جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب السياسية الأخرى الهجوم على السفارة، واصفين إياه بأنه عمل غير لائق بدولة متحضرة.

وبعد ذلك؛ صوت البرلمان المصري في مارس 2012 على طرد السفير الإسرائيلي من القاهرة، فيما ينم عن توافق نادر في الآراء حول السياسة المصرية، وعن عزم الطبقة السياسية في مصر على الوقوف ندا لإسرائيل. وقد أعلن البرلمانيون أن "مصر الثورية لن تكون شريكا أو حليفا للكيان الصهيوني، الذي نعتبره العدو رقم واحد لمصر والأمة العربية".

وعلى الرغم من اللهجة الصارمة النابعة من القاهرة؛ لم تتغير السياسة المصرية تجاه إسرائيل والفلسطينيين إلا قليلا منذ الإطاحة بمبارك في فبراير 2011؛ حيث إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة صرح بدعمه التزامات مصر الدولية -بما في ذلك معاهدة السلام مع إسرائيل- وكذلك فعلت الأحزاب السياسية المصرية، العلمانية منها والإسلامية. هذا وتواصل مصر دعم عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، ولا تزال داعما أساسيا للسلطة الفلسطينية التي مقرها رام الله.

وكانت التطورات الجديدة التي طرأت على مصر منذ الإطاحة بمبارك هي إبرام اتفاق مصالحة بين فتح وحماس في إبريل 2011، وتزايد الفراغ الأمني في سيناء. والأهم من ذلك؛ استمر التنسيق الأمني بين مصر وإسرائيل على مدى تحول مصر السياسي، على الرغم من ارتفاع حدة التوتر على جانبي الحدود. ومن ثم يمكن الزعم بأن التوجُّه العام للسياسة الخارجية لا يزال مشابها لذلك الذي كان موجودًا في عهد مبارك، وفقا لما يراه الجندي.

ولربما يكون التغيير الأكثر وضوحا في مصر الحديثة -من وجهة نظر الباحث- هو تصاعد أهمية الرأي العام، الذي يعتبر في الوقت الراهن بمثابة قوة في السياسة الداخلية. فقد كان صوت الرأي العام مسموعًا إلى حدٍّ كبير في الفترة الانتقالية؛ بل ومن المرجح أن يكون للمصريين العاديين تأثيرٌ أوضح على الساسة في الوقت الراهن.

احتمالات استمرار السياسة الخارجية القديمة

قد يُعيد الإسلاميون توجيه السياسة الخارجية في الوقت المناسب، بيد أن ثمة عدة أسباب وراء توقُّع استمرار السياسة الخارجية القديمة عن تغييرها في السنوات القليلة القادة، بغض النظر عمن يحمل مقاليد السلطة.

السبب الأول: هو انشغال المصريين بالقضايا الداخلية، ما يحول دون متابعتهم أجندة السياسة الخارجية في الوقت الراهن.

السبب الثاني: هو أن مصير البرلمان وصياغة الدستور لا يزال مجهولا إلى حد كبير.

السبب الثالث: هو أن من المرجح أن يستمر الصراع بين الإسلاميين والقوى الثورية لبعض الوقت. ومن المحتمل أن تستمر حالة عدم الاستقرار بسبب ترنُّح الاقتصاد المصري.

ومن ثم ستعجز مصر عن التفكير في السياسة الخارجية لبعض الوقت، وستفضل إعطاء الأولوية للقضايا الداخلية الملحّة، مثل الأمن والاقتصاد، وذلك وفقا لما يراه الجندي.

تعديل كامب ديفيد

من المرجح أن تركّز السياسة المصرية تجاه إسرائيل وفلسطين في السنوات المقبلة على ثلاث نقاط هي:

أولًا: ستحافظ مصر على معاهدة السلام مع إسرائيل، ولكن ستسعى إلى إدخال بعض التعديلات في نهاية المطاف؛ فهو شيء طالبت به معظم الأحزاب السياسية المصرية، العلمانية والإسلامية، بالفعل. ومن المرجح أن تكون التعديلات متعلقة بالوضع في سيناء، وخاصة لتفاقم المشاكل الأمنية هناك.

ثانيًا: من المرجح أن تركّز السياسة المصرية على تحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية بدلا من التركيز على عملية السلام. فمن المرجح أن نرى تركيزا أقل على المفاوضات مع إسرائيل، على أن نرى تركيزا أكبر على ردع العنف الإسرائيلي الفلسطيني وعلى تعزيز المصالحة الفلسطينية الداخلية.

ثالثًا: من المرجح أن تركّز مصر في السنوات القادمة على مواصلة التنسيق الأمني مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.

وفي النهاية؛ يُشير خالد الجندي إلى أن انفراج الأزمة القائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين يتطلب إرادة سياسية كبيرة واستقرارا في مصر، منوها إلى أن من المستبعد أن يتحقق أيٌّ من ذلك بحلول نهاية عام 2012 أو أوائل عام 2013.
رد مع اقتباس
  #96  
قديم 24-09-2012, 06:20 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي هل تعصف رياح الربيع العربي بالأردن؟

هل تعصف رياح الربيع العربي بالأردن؟

أحمد زكريا الباسوسي
يبدو أن رياح الربيع العربي تتصاعد في الأردن بعد سلسلة من الأزمات المتلاحقة في الأونة الأخيرة ، بما يفرض على الحكومة نهجا سياسيا مغايرا ، لاسيما مع اتساع وتيرة الاحتجاجات على الأوضاع السياسية والاقتصادية، والتي وصلت إلى حد المطالبة بإسقاط النظام في بعض التظاهرات، وتغيير نظام الحكم إلى الملكية الدستورية.

ومع تحقيق الثورات في البلدان العربية الأخرى نجاحات نسبية؛ شجع ذلك القوى السياسية الأردنية لا سيما الجبهة الوطنية للإصلاح وجماعة الإخوان المسلمين والأحزاب اليسارية على وضع مزيدٍ من الضغوط على النظام الأردني. التقرير التالي يرصد الأزمات في يواجهها النظام الأردني في الأونة الأخيرة، ومحاولة الحكومة امتصاص المد الثوري.

أولا: المطالبة بالملكية الدستورية

دأبت القوى السياسية الأردنية منذ اللحظات الأولى على دفع النظام لإقرار مبدأ الملكية الدستورية كأساس لنظام الحكم في المملكة. ولهذا قادت عدة أحزاب إسلامية ويسارية أردنية معركة تعبئة الشارع للمطالبة بالملكية الدستورية، يأتي في مقدمتها حزب جبهة العمل الإسلامي، وحزب النهضة الذي لا يزال تحت التأسيس. إذ ترى تلك الأحزاب أن الإصلاح الحقيقي لن يتحقق إلا من خلال البدء
بإصلاحات دستورية حقيقية تجعل الشعب مصدر السلطات، وهو ما لن يتحقق إلا بإقرار الملكية الدستورية كنظام لحكم المملكة.

وفي هذا السياق؛ تم تشكيل ما يسمى بـ"هيئة متابعة المبادرة الوطنية للملكية الدستورية" من القوى السياسية المختلفة الداعمة للمطلب، والتي سارعت بعرض مطالبها على الملك، والتي تلخصت حول الآتي:
- إعلان الملكية الدستورية صراحا ليكون نظام الحكم الرسمي في المملكة.
- أن يصبح مجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان منتخبا، ويمتلك كامل السلطات والصلاحيات بما فيها الموافقة على الالتزامات والتعهدات الدولية للمملكة الأردنية. وعليه تحمل كامل المسئوليات كمسئول أمام الشعب الذي قام بانتخابه.
- أن يتم تشكيل الحكومة عبر الأغلبية البرلمانية المنتخبة، على اعتبار أن كافة النظم المتقدمة لا يجوز أن يتولى السلطة التنفيذية فيها من ليست له صفة تمثيلية.
ولهذا؛ فقد نظمت الهيئةُ عدة اعتصامات ومظاهرات كان أبرزها تلك التي كانت أمام مجلس الأمة في العاصمة عمان، والكرك، وإربد، والتي نادت في مجملها بضرورة إعادة السلطة للشعب عبر تطبيق الملكية الدستورية.

وعلى صعيدٍ آخر؛ ترفض قوى حكومية وسياسية أخرى هذا المفهوم لعدة أسباب؛ أولها: أن المملكة منذ استقلالها تأسست على مبدأ الدستورية، وأنها مطبقة بالفعل بوجود برلمان يمتلك العديدَ من السلطات، وصلاحيات للملك كرئيس لدولة ملكية دستورية. ولهذا فقد وصفت تلك القوى هذا التوجهَ بأنه مُعادٍ للملك، وهو لا يعبر عن حقيقة حالة الشارع الأردني الذي يدعم الملك بشكل كبير وفقًا لرؤيتهم.

ثانيها: الوضع الاستثنائي للتركيبة السكانية الأردنية، إذ وصل عدد الأردنيين من أصل أردني ما يقرب من 2 مليون نسمة، بينما الأردنيون من أصل فلسطيني وصل إلى ما يربو من 3 ملايين نسمة؛ حيث نتج عن ذلك اختلال في التركيبة المجتمعية الأردنية، ومن ثم أصبح الأردنيون من أصل أردني أقلية. وبالتالي، فإن سيطرة الأغلبية على الحكم في البلاد من شأنه أن يزيد من سيطرة الأردنيين من الأصول الفلسطينية. وهو ما يرتبط عقائديا ويرسخ لفكرة إسرائيل وبعض القوى الأردنية المتحالفة معه حول توطين الفلسطينيين في الأردن بديلا عن وطنهم الأصلي. وبالتالي فإن مسالة الملكية الدستورية ستظل المطلب الرئيسي للقوى المعارضة في محاولة لتقليص سلطات الملك عبد الله في مواجهة اتساع نطاق البرلمان بغرفتيه النواب والأعيان.

ثانيا : إشكالية قانون الانتخابات

تفاقمت أزمةُ الصراع حول الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها قبل نهاية العام في الأردن إلى الحد الذي دفع الملك عبد الله إلى توجيه كلمة لجماعة الإخوان المسلمين التي تقود معارضة الانتخابات، مفادها أنهم ليس أمامهم إلا المشاركة في عملية الانتخابات، أو البقاء في الشارع إلى الأبد.فمجرد تصديق الملك عبد الله على قانون الانتخابات المعدل الذي صدر عن البرلمان الأردني، والذي تم بمقتضاه زيادة عدد المقاعد المخصصة للقائمة إلى 27 مقعدا بدلا من 17 مقعدا في النسخة الأولى من القانون، ذلك بالإضافة إلى 108 مقاعد للدوائر الفردية، و15 مقعدا للكوتة النسائية ليرتفع بذلك عدد المقاعد إلى 150 بدلا من 140 مقعدا؛ دفع قوى المعارضة الأردنية من بينها جماعة الإخوان المسلمين والجبهة الوطنية للإصلاح والحركات الشبابية والشعبية وحزب الوحدة اليساري إلى الاعتراض عليه، ووصل الأمر إلى حد إعلانها مقاطعة العملية الانتخابية برمتها، كمحاولة لثني النظام عن إجرائه هذه الخطوة، أو على أقل تقدير تعديل قانون الانتخابات.

ومع اشتداد الخلاف بين النظام والمعارضة، طرحت جماعة الإخوان المسلمين ثلاثة مقترحات كبديل عن الطرح الُمشار إليه في القانون؛ أولها: إجراء الانتخابات على أساس القائمة الوطنية الكاملة، بحيث يرشح كل حزب أو تكتل 120 نائبًا، ويقومُ الناخبُ بالتصويت مرة واحدة، ثانيها: إجراء الانتخابات بالنظام المختلط؛ إذ يسمح للناخب بالتصويت على قائمة وطنية مفتوحة يكون لها 50 % من مقاعد البرلمان، في حين يصوت الناخب داخل الدائرة الخاصة به، شرط أن يصوت بعدد المقاعد المخصصة لتلك الدائرة. وثالثها: إجراء الانتخابات على أساس التصويت بعدد المقاعد المخصصة للدائرة، ويتم إلغاء القائمة الوطنية.

لكن يبدو أن الأزمة ستظل مسيطرة على الأجواء لا سيما مع تمسك كل من الطرفيين بوجهة نظره، وفشل كافة محاولات الوساطة بين القصر الملكي وجماعة الإخوان المسلمين إلى الحد الذي وصفها العديد من المراقبين بأنها وصلت لطريق مسدود بعد أن وضع العاهل الإخوان بين خيارين فقط؛ إما المشاركة أو البقاء بالشارع. وجاء رد فعل الجماعة على لسان الرجل الثاني بها زكي بن أرشيد بأن الجماعة ستختار البقاء في الشارع أفضل.

ثالثا: أزمةٌ اقتصادية طاحنة

تُعتبر الأزمةُ الاقتصادية التي تضرب الأردن من أبرز عوامل الاحتقان التي تشعل الشارع الأردني؛ إذ تستغلها القوى السياسية لحشد الرأي العام ضد النظام؛ حيث تشير عدة مؤشرات إلى تدهور الوضع الاقتصادي، ويأتي في مقدمته ارتفاع العجز المالي للموازنة بنسبة غير مسبوقة وصلت إلى 9.3% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يوازي 2 مليار دينار، بزيادة تقدر بمليار دينار عما كان متوقعا. ذلك فضلا عن ارتفاع العجز في الدين العام بما يقرب حوالي 17.5 مليار دينار.

وفي محاولة لمواجهة تلك الأزمة؛ اتخذت الحكومة الأردنية قرارًا برفع أسعار المحروقات، لا سيما البنزين 90 بنسبة 7% والسولار بنسبة 10%، وهو الأمر الذي أدى لتأجيج الاحتجاجات في المملكة، فقد تم على إثره تنظيم عدة اعتصامات لعل أبرزها اعتصام أمام مبنى المحافظة في الكرك، ومسيرات حاشدة في كل من معان جنوب عمان والعقبة، منددين بالقرار الذي اعتبروه سلبيًّا إلى حدٍّ كبير. مما دفع الملك عبد الله إلى أمر رئيس الوزراء فايز الطروانه بتجميد القرار أو على أقل تقدير تأجيله، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي الرافض للقرار.

ولعل تأثيرات هذا القرار لم تكن لتؤثر بهذا الشكل البالغ إلا لكونها الحزمة الثانية من رفع الأسعار؛ فقد أعقبت تلك الزيادة بما يقرب من شهر زيادة أخرى بلغت 12,9% لأسعار البنزين منخفض الجودة، والذي يعتمد عليه غالبية السكان في الأردن.

تضع ارتفاع معدلات البطالة هي الأخرى ضغوطًا كبرى على النظام في الأردن؛ حيث تُظهر التقديرات ارتفاعَ معدلات البطالة إلى 12.1% خلال عام 2012 وفقا للتقديرات الحكومية، تلك النسبة التي يراها العديد من الاقتصاديين أقل من الواقع بكثير؛ إذ وصلت إلى 25% في التقديرات غير الرسمية. إذ يستحوذ على النصيب الأكبر منها أي قرابة الثلث من الشباب في الفئة العمرية من 15- 24 عاما، وما يربو من 11 % من الفئة العمرية من 25-39 عامًا.

تكمن الإشكالية الحقيقية في أزمة البطالة أنها قابلة للاشتعال والتحول السريع إلى أزمة سياسية؛ بما قد يعصف بالنظام، لما لها من تداعيات مباشرة على قدرة المواطن على توفير احتياجاته الأساسية للحياة الكريمة، أخذًا في الاعتبار أن البُعد الاقتصادي قد لعب دورًا كبيرًا كأحد العوامل الرئيسية للثورات في مختلف بلدان الربيع العربي.

رابعا: تدهور العلاقات مع السلفيين

على الرُّغم من أن العلاقات بين النظام الأردني والجماعات السلفية كانت جيدة إلى الحد الذي جعل العديد من المراقبين يصفون السلفيين بأنهم الابن المدلل للدولة؛ إلا أنها قد دخلت في مرحلة التوتر في الآونة الأخيرة، وذلك بسبب الخلاف حول قضيتين محوريتين:

القضية الأولى: حدوث اشتباكات متكررة بين السلطات الأمنية الأردنية وأتباع التيار السلفي، كان آخرها الاشتباكات بالحجارة والغازات المسيلة للدموع التي شهدتها مدينة معان بين ثلاثمائة من أنصار التيار وقوات الأمن إثر الاعتداء على مبنى المخابرات؛ حيث اعترض السلفيون على عدم قيام الحكومة الأردنية بواجبها في السعي للإفراج عن معتقلين أحدهما في السجون العراقية والثاني في السجون اليمنية. وهو ما استدعى تدخل كبار القيادات السلفية لاحتواء الموقف، والحد من تداعياته السلبية ليس فقط على الوضع الأمني في المملكة، وإنما تأثيراته السيئة على العلاقات بين الدولة وبين التيار السلفي بوجه عام.

القضية الثانية: الخلاف حول شرعية مشاركة أتباع التيار السلفي الأردني في الحرب في سوريا ضد نظام بشار الأسد، حيث ترفض الحكومة مشاركة السلفيين في سوريا استنادا إلى إمكانية قيام نظام الأسد بعمليات انتقامية داخل الحدود الأردنية للرد على ذلك. بينما بدأت بعض القوى السلفية في التأكيد على وجود مائة من أنصار التيار يقاتلون تحت قيادة تنظيم جبهة نصرة أهل الشام في سوريا. وهو الأمر الذي أثر على طبيعة العلاقة بين الطرفين.

ولعل هذا التدهور الذي أصاب العلاقات بين النظام والجماعات السلفية قد أصبح حجر عثرة في مواجهة النظام الذي بدأت مختلف القوى السياسية تنفض من حوله، وتتركه منفردًا في مواجهة رياح التغيير العاتية التي ضربت أواصر المملكة الأردنية منذ قرابة عام ونصف.

خامسا: تعديلات قانون الإعلام والنشر

انفجرت موجةٌ جديدة من الاعتصامات إثر تصديق الملك عبد الله على تعديلات قانون الإعلام والنشر التي أقرها مجلس الأعيان، والذي فتح مجال الرفض لفكرة تقييد حرية الإعلام وتداول المعلومات؛ حيث أقر القانونُ ضرورةَ التزام المواقع الإلكترونية بالتسجيل في دائرة المطبوعات والنشر والحصول على ترخيص، ويشترط أن يرأس تحرير كل موقع إخباري عضو في نقابة الصحفيين؛ حيث زعمت الحكومةُ أن الهدفَ من القانون هو تعزيز المسئولية المهنية، ورفع مستوى الأداء الإعلامي بالمواقع الإلكترونية الإخبارية.

ولم يُقنع هذا التفسير الإعلاميين الذين دخلوا في اعتصام مفتوح اعتراضًا على القانون؛ إذ فسروه على أنه قانون مقيد لحرية الإعلام والتعبير، وأنه يأتي في إطار سياسة تكميم الأفواه وحجب المعلومات عن الشعب، لا سيما في الظروف التي تمرُّ بها البلاد من عدم استقرار، خاصة وأن الإعلام الإلكتروني قد لعب دورا محوريًّا في نشر الموجات الثورية في بلدان الربيع العربي، وبالتالي فإن الحكومة تسعى للسيطرة عليه لكي تأمن شره.

ولا تكمن الإشكالية الحقيقية في القانون ذاته؛ وإنما في استعداء النظام الأردني لفئة الإعلاميين، في الوقت الذي يحتاج فيه النظام إلى كل من يدعمه في مواجهة القوى السياسية المتربصة به، والتي تسعى بشتى الطرق لإحراجه. ويبدو أن هذا القانون قد ساهم بشكل ملحوظ في زيادة مستوى الاعتراض على السياسات الحكومية من فئة مؤثرة إلى حد كبير، نظرا لقدرتها على تشكيل الرأي العام الشعبي وتوجيهه.

الخلاصة أن النظام الأردني يواجه أزمات صعبة ، فإما أن ينجح في احتواء أثرها، وإما أن ينزلق بلا رجعة. ولعل كلمة السر في مسألة الاحتواء تكمن في مدى قدرة النظام على احتواء مطالب المواطن العادي غير المسيس في الشارع الأردني عبر وضع حلول جذرية للأزمات الاقتصادية المتواترة التي تؤثر على حياته اليومية بشكل مباشر، ولعل ثمة ميل لدى النظام الأردني لاستيعاب حركة الشارع وعدم الدخول في صدام مباشر معها، وبدا ذلك في تجميد قرار رفع أسعار المحروقات.
رد مع اقتباس
  #97  
قديم 24-09-2012, 06:31 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي الطائفية في العراق

الطائفية في العراق
فنر الحداد
[فنر الحداد باحث في معهد الشرق الاوسط في جامعة سنغافورة و باحث زائر في جامعة لندن.]

[غلاف كتاب فنر الحداد "الطائفية في العراق". الصورة من المؤلف]
- كيف تبلورت فكرة الكتاب وما الذي قادك نحو الموضوع؟

‪-‬ قبل الإجابة على هذا السؤال يجب النظر الى تطور الأحداث على مدى ستة عشر سنة، من 1991 ولغاية 2006 وما جرى خلالها. في الحقيقة كان البحث في بداية الأمر عن ذاكرة أحداث 1991: كيف لشعب أن يختلف هذا الإختلاف الجذري في الذاكرة بين التمجيد والتخوين؟ كيف لتمرد ضد نظام مستبد يفتقر لقاعدة شعبية (خاصة في آذار 91 بعد كوارث حرب الخليج) أن يولد انقساماً اجتماعياً بهذا العمق؟ وماذا كان أثر هذا الانقسام في الذاكرة على العلاقات الاجتماعية في ظل الحصار والتفتت الاجتماعي عامة في تلك الحقبة. عندما بدأت التطرق لهذه الاسئلة وجدت أن جوهر الموضوع هو الانقسام الطائفي والهوية الطائفية. أصبح البحث في ما يسمى "الطائفية"،وهو مصطلح مطاطي يكاد أن يخلو من أي معنى أو دقة علمية، أمراً ملحاً خاصة في عام 2006 والحرب الأهلية الطائفية مشتعلة في العراق.
باختصار، حاولت فهم الهوية الطائفية في العراق، وأهم من ذلك حاولت فهم ديناميكية العلاقات الطائفية، بمعنى آخر التفاعل الاجتماعي بين المكون السني والمكون الشيعي في المجتمع العراقي. اهتمامي ليس بالطائفية السياسية فحسب، وإنما بدور ومكان الهوية الطائفية في العلاقات الاجتماعية. من المشاكل العديدة التي ترافق الحديث عن الطائفية في العراق أن هذا الموضوع لا يزال يعاني من كونه نوعاً من التابو - خاصة في فترة ما قبل السقوط. الأمر الآخر والمنبثق من هذا الإشكال هو أن ندرة النقاش الجاد والمحايد في هذه الأمور خلق نوعاً من الجهل الذي جعل الكثيرين - ومنهم الباحثين - ينظرون إلى موضوع الطائفية من منظور المحصلة الصفرية: ففي غالب الاحيان إما ان نسمع الرأي الاختزالي الذي يكاد ينبثق عن وطنية عراقية أو تضامن مع الشعب العراقي والذي يشتهر بالمصطلح الاستهلاكي (كلنا إخوان) أو (إحنا ما عدنا شيعة وسنة)، خلاف ذلك الرأي نجد البعض الآخر، وخاصة في الغرب، يضخمون من شأن الهوية الطائفية في العراق تاريخياً واجتماعياً وسياسياً, بمعنى آخر يتصورون ويصورون كل ما هو عراقي على أنه طائفي. في ظل هذا الاستقطاب العاطفي في الآراء كان أملي بأن يكون كتابي خطوة نحو نقاش موضوعي بعيد عن التبسيطات المسيسة والعاطفية. موضوع الهوية الطائفية ليس موضوع صراع أزلي كما يروج دعاة التقسيم، و لا موضوع مؤامرات خارجية تمزق شعب متكاتفاً كما يؤمن بعض الوطنيين العراقيين والمتضامنين معهم، خاصة من اليسار.

- ماهي الأفكار والأطروحات الرئيسية التي يتضمنها الكتاب ؟

قبل الاجابة على هذا السؤال يجب أن نحذر من أن أي فكرة أو أطروحة عن أي هوية جامعة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار نقطتين أساسيتين. أولا: ما يقال عن الجماعة الفلانية مثلاً (الشيعة) أو (السنة) لا يمكن فعلاً أن يشمل جميع الشيعة ولا جميع السنة، وعلى المتابع أن يدرك دور المتغيرات العديدة المتعلقة بالهوية الطائفية (مثلا الطبقة، التحصيل الدراسي، درجة الايمان، المكان الجغرافي، من مكان الى آخر، وبين الريف والمدينة، البيئة السياسية, الوضع الاقتصادي. . . الخ). النقطة الثانية: هي أن الهوية (طائفية أم غيرها) ليست ثابتة لا من حيث المحتوى ولا من حيث الأهمية. لا يمكن الحديث بدقة أو عقلانية عن (شيعة) و (سنة) بشكل عابر للزمان والمكان، فأهمية هذه المسميات ومحتواها للفرد المنتمي إليهما في حالة تذبذب مستمر تجاوباً وبشكل يعكس السياق الاجتماعي والفكري في لحظة أو حقبة معينة. مثلاً، لا يمكن أن نمزج مضمون الهوية الشيعية العامة أو الوعي الجمعي السني أو حتى رسوخ الهوية الشيعية/السنية في المجتمع العراقي في ستينيات القرن الماضي مع الفترة الحالية. إن المزج بين الحقبتين يولد إشكالاً يتمثل في يتجاهل دور المحتوى السياسي المتغير في بروز هذه الهوية أو تلك. لذا نجد الكثير من العراقيين يصرون على عدم أهمية الهوية الطائفية في المجتمع العراقي بناء على ذكرياتهم من ستينيات أو سبعينيات القرن الماضي, ويتم هذا الإصرار بشكل مطلق وعابر للزمان والمكان والسياق ما يجعل من المستحيل فهم الهوية الطائفية من غير اللجوء إلى نظريات المؤامرة او صب اللوم على أيد خارجية. كذلك القطب المضاد والذي يصور الشيعة والسنة على أنهم في عداوة أزلية لا تسمح لأي حل غير إعادة رسم حدود العراق و المنطقة برمتها حيث لا يميزون بين فترة وأخرى مفترضين أن الهوية شيء ثابت وراسخ وما جرى بعد الـ2003 من تخندق واقتتال طائفي هو دليل على واقع العلاقات الطائفية الحقيقي الأبدي في العراق أو غيره!
حاولت في كتابي أن احلل المتغيرات المتعلقة بالهوية الطائفية لكي نفهم كيف تتقدم وتتراجع أهمية الهوية الطائفية بين فترة وأخرى. أو، بمعنى آخر، كيف لنا أن نفهم ما يبدو ظاهراً متناقضاً بين التزاوج والتعايش والحرب الاهلية؟ ومن هذه المتغيرات العوامل الاقتصادية والتأثيرات الخارجية ومنافسة الرموز ‪(‬symbols‪)‬ ومن خلالها النزاع حول تحديد الهوية الوطنية. وباعتقادي إن أكبر تعقيد في فهم الهوية الطائفية هو في علاقتها مع الهوية الوطنية حيث الرؤية الشائعة تصر على أن الهويتين، الطائفية والوطنية، متناقضتان وأن الهوية الطائفية تتسم بالتخلف والعداء والرجعية، وتدور في فلك مستقل عن الهوية الوطنية. وهذه النظرة تعزز المحصلة الصفرية التي تصر على أننا إما إخوان (وطنيون) او أعداء (طائفيون)! وهذا هو أحد أهم محاور الكتاب والذي يتلخص بعنوانه الفرعي: (رؤى مضادة للوحدة). النزاع الطائفي أو المنافسة الطائفية في العراق لا تجري على حساب الوطنية وإنما باسمها. المنافسة تتمحور حول الوطنية - وبمعنى أدق محتوى الوطنية - أكثر من الدين أو الخلافات الفقهية والفلسفية. ولذلك نجد أن هدف هذه النزاعات ليس تقسيم العراق ولا خلق دول (شيعية) و (سنية) كما يتوقع الكثير - (ومنهم نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن!). الهدف باختصار هو ترقية الرواية والرموز الخاصة بالطائفة إلى مستوى الرواية المركزية الوطنية، وبالتالي التأكيد على رؤية الجماعة - مثلا شيعية العراق وعراقية التشيع! لذلك فان الإشكال ليس في غياب الحس الوطني وإنما في تعدد الرؤى للوطنية الواحدة. في رأيي إن أسلم طريقة للتغلب على هذه النزعات هي من خلال إشاعة وطنية تتسم برمزية عابرة للطائفة. ومن خلال مثل هذه الوطنية يصبح من الممكن حصر رمزية الهوية الطائفية في المساحة الخاصة والمجال الديني. من مستلزمات هذه الفكرة أن تكون الدولة في نظر الشعب أقرب ما يمكن إلى الحياد الطائفي. ولكن للأسف فإن تاريخ العراق الحديث وحتى يومنا هذا يجعل من العراق نقيض الحياد الطائفي. والموضوع حقيقة لا يقتصر على السياسة بل يتعلق بتصورات الناس. مثال على ذلك: في الحقبة الصدامية عانى الشيعة، كما كل اطياف الشعب العراقي، ألوان الاستبداد والاضطهاد، ولكن كم من هذا الاضطهاد الذي عانى منه الشيعة كان مبنياً على الهوية الطائفية؟ هل كان العنصر الأساس في الحرمان والتمييز الهوية الطائفية أم الهوية المناطقية والعشائرية؟ وأيا كان السبب في ذلك فان الشيعة كانوا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم ضحية الاضطهاد الطائفي، وبالتالي فهم معرضون للمبالغة في دور هويتهم الطائفية في الصعوبات التي واجهوها. وهذه الظاهرة ليست ذاتية فحسب، بل هي تعبر الذات وتؤثر في مفاهيم الآخر والمراقبين عامة. ولذلك يصبح التمرد في الجنوب (تمرداً شيعياً) ولكن تمرد الدليم بعد حادثة بيت مظلوم يسمى (تمرداً عشائرياً). أما اليوم فقد تبدلت الادوار بالكامل حيث السنة هم من يشعرون الآن بأنهم ضحية الاضطهاد الطائفي، وبناء عليه يرون عنصراً طائفياً في تقصيرات وتعسف الدولة. و في الحالتين - الشيعة بالأمس والسنة اليوم - توجد هناك مبررات عديدة للشعور بالاضطهاد الطائفي، ولكن في الحالتين يأخذ هذا التعليل للاضطهاد والتمييز صبغة شمولية وهذه ظاهرة شائعة بين كثير من الجماعات المهمشة عالمياً. اليوم الوضع في العراق يشجع مثل هذه النظرة نتيجة الدور المحوري للهوية الطائفية في تأسيس العراق الجديد وبالتالي مزج المصلحة السياسية مع الهوية الفرعية وأيضا نتيجة تبني الدولة الصريح للهوية الشيعية التي تعزز شعور السنة بالتهميش.
لتوضيح هذه الامور يركز الكتاب على فترة الحصار و ولادة العراق الجديد حتى نهاية الحرب الأهلية عام 2008. وخاتمة الكتاب تذكر بما أتى ذكره في المقدمة: حيث لا يوجد شيء ثابت في الهوية، و العلاقات الطائفية هي أقرب إلى عملية أو ديناميكية مستمرة ومضطربة تستجيب للتغيرات في المناخ الإجتماعي والإقتصادي والسياسي.

- ماهي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والكتابة؟

- ثمة صعوبة في أي بحث يتعلق بالامور الحسية. فكيف لنا أن نقيس الانتماء أو المشاعر أو الهوية؟ لذلك أي حديث عن الهوية يجب أن يبدأ بالتاكيد على مطاطيتها. بخصوص الهوية الطائفية في العراق، وجدت أن الحساسيات والنرجسيات التي غالباً ما ترافق مواضيع الهوية مضاعفة نتيجة التسييس. وبينما هذا شئ طبيعي في العراق و العراقيين نتيجة مآسي السنين التسع الأخيرة والتي تتعلق بالهوية الطائفية، فإني وجدت نفسي أمام هذه التعقيدات ليس فقط في العراق، وإنما خارج العراق ومع غير العراقيين ايضاً. ومازلت إلى حد الآن أواجه اتهامات باني (طائفي) أو منحاز إلى هذه الطائفة أو تلك فقط لأني أبحث في موضوع الهوية الطائفية. مع العراقيين، ومع غيرهم من الذين يمكن وصفهم "الملكي أكثر من الملك" أجد أن الحديث عن انقسام طائفي بحد ذاته وبغض النظر عمّا إذا كان هذا الانقسام إيجابياً أو خبيثاً او متقلباً، يستفز البعض - ومن هناك تأتي الاتهامات بالطائفية أو حتى الاستشراق. برأيي أن هناك حساسية غير عقلانية مقابل أي حديث عن هويات فرعية عراقية وأعتقد بان هذا ناتج عن أمرين: أولاً: إرث النظام السابق الذي حارب التعبير عن الهويات الفرعية وبالتالي حولها إلى نوع من التابو, وثانياً: كردة فعل ضد بعض الأطراف، لا سيما الإدارة الأمريكية، التي ضخمت أهمية الهوية الطائفية وصورت العراقيين على أنهم شيعة وسنة فحسب. ورغم أني أؤكد على حماقة مثل هذا التبسيط لأي مجتمع، أرى في نفس الوقت أنه يتوجب علينا أن لا نرادف هذا التضخيم لمكان الهوية الطائفية في العراق بتبسيط قد يصل أحيانا إلى نفي وجود مسألة طائفية تستحق الدراسة والتحليل. في الحقيقة لا يوجد مجتمع في العالم متجانس كلياً، والبشر خبراء في التقسيم! فاذا تجانسنا مذهبياً، سنتعدد عرقياً، وإذا تجانسنا عرقياً، سنتعدد عشائرياً. . . إلخ. التعددية ليست مشكلة ولا تهديد بحد ذاتها، ماهية التعددية وكيف تنظم في الحياة العامة وما هي الانعكاسات السياسية للتعددية هي التي تحدد طبيعتها.

- كيف يتموضع هذا الكتاب في الحقل الفكري/ال*** الكتابي الخاص به وكيف سيتفاعل معه؟

- حاولت قدر الامكان أن أدخل قاعدة نظرية للحديث عن الهوية الطائفية. لا أعتقد أنه من الممكن معالجة هذا الموضوع فقط على أساس تاريخ العراق والتجربة الشخصية. لذلك اعتمدت على عدة نظريات من عدة فروع في العلوم الاجتماعية، منها الهوية، سيكولوجيا الجماعات، الوطنية، علوم سياسية وعلم الصراعات الإثنية. حاولت كذلك أن أقارب بين الحالة العراقية ودول أخرى واجهت صعوبات في التعامل مع التعددية فوجدت أن ديناميكيات نزاعات الجماعات من دولة إلى أخرى متشابهة رغم بعض الخصوصيات. بالنسبة إلى حقل دراسة العراق وتاريخه الاجتماعي أتمنى أن يكون الكتاب بداية نقاش موضوعي عن الهوية الطائفية بعيداً عن التخندق والنرجسيات الضيقة. كذلك بالنسبة إلى العلوم السياسية والهوية، آمل بأن أكون قد قدمت نظرة تحليلية وموضوعية للحالة العراقية قد يستفيد منها الباحث المختص بهذه الامور بغض النظر عن تركيزه الجغرافي.

- ماهو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الفكرية؟

- إن هذا الكتاب يمثل لي خطوة على طريق ربما يكون طويلاً في دراسة مشاكل الهوية والتعددية بالرغم من تركيزه على الحالة العراقية التي وجدتها تصلح لتكون مثالاً لحالات تعاني منها شعوب أخرى.

- من هو الجمهور المفترض للكتاب وما الذي تأمل أن يصل إليه القراء؟

- طبعاً المختصون هم أول جمهور مفترض ولكن أتمنى أن يصل الكتاب إلى جمهور أوسع لا سيما إن موضوع الهوية الطائفية لا يزال يشغل حديث الناس ويثير جدالات حادة واحياناً غير عقلانية. بودي طبعاً أن يصل الكتاب إلى العراقيين ولذلك أتمنى أن يترجم الكتاب إلى العربية في المستقبل.
إذا كان لي أن أوصل نقطة (ربما تكون يتيمة) إلى القارئ فهي أن الهوية الطائفية ليست ثابتة، لا من حيث الأهمية ولا البروز ولا المحتوى ،و بناء على ذلك لا يجوز التعميم ولا يجوز الكلام عن (الشيعة) و (السنة) كأنهم ظاهرة ثابتة عابرة الزمان والمكان.

- ماهي مشاريعك الأخرى/المستقبلية؟

- أعمل حالياً على كتابي الثاني والذي سيتطرق إلى موضوع انقسام الذاكرة في العراق، وهو موضوع متعلق بالهوية. والكتاب سيعالج أحداث 1991 وتغيرات الخطاب الرسمي تجاه تلك الأحداث. وأتوقع أن يكون الكتاب جاهزاً للنشر في 2015. قبل ذلك سأستمر بالعمل في حقل الذاكرة والهوية، بالتحديد أتوقع نشر بحث قريباً عن ذاكرة الحرب الأهلية وآخر عن إصلاح المناهج الدراسية.

منقول
رد مع اقتباس
  #98  
قديم 24-09-2012, 06:34 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي التعددية الثقافية الطائفية في العراق

فصل من الكتاب
التعددية الثقافية الطائفية في العراق

فنر الحداد
[فنر الحداد باحث في معهد الشرق الاوسط في جامعة سنغافورة و باحث زائر في جامعة لندن.]

[غلاف كتاب فنر الحداد "الطائفية في العراق". الصورة من المؤلف]
ترجمة: رضا الطاهر


تشكل العلاقات الطائفية في العراق ميدان جدل مثير للنزاع والاستقطاب. فمنذ عام 2003 يغالي مؤيدو تقسيم العراق (والمتعصبون في كلا طرفي التقسيم الشيعي ـ السني) في التوترات بين السنة والشيعة العراقيين. وفي الطرف الآخر من الطيف يقلل الوطنيون والمدافعون عن وحدة العراق، داخل وخارج المؤسسة الأكاديمية، من أهمية الهوية الطائفية في العراق، ويصلون، في بعض الحالات، الى حد نكران وجودها قبل عام 2003. وربما نتيجة لذلك أصبح مصطلح الطائفية مصطلحاً مداناً وسلبياً على نحو يتعذر الغاؤه. وعندما يسألون العراقيون عن الطائفية في العراق فانهم غالباً ما ينتفضون وهم يردون بنكران دفاعي. وقد يكون هذا نتيجة سنوات من نكران وجود قضية طائفية في العراق علناً على الأقل. ومايزال التعامل مع الموضوع، باعتباره شيئاً محرماً من الأفضل تجنبه أو كشيء يجري التذمر بشأنه خلف أبواب مغلقة، سمة للنفسية العراقية. وفضلاً عن ذلك فان الأفكار التي يحملها مصطلح الطائفية قد تكون مرتبطة بالنتائج الكارثية للانفتاح المفاجيء وغير المسبوق الذي عومل به الموضوع في أعقاب حرب 2003 وتحديد الهوية الطائفية الصريح والمتحمس لأقسام كبيرة من سكان العراق في الفترة بين عام 2003 وعام 2009. وسيؤدي الى جدل مثمر بصورة أكبر اذا ما تخلينا عن مصطلح النزعة الطائفية لصالح العلاقات الطائفية. انه أكثر دقة، ذلك أنه يرغمنا على تصوير المسألة باعتبارها مسألة علاقات بين جماعات اجتماعية، وبالتالي تطبيق آلية متحركة بدلاً من آلية متصلة ساكنة. وعلاوة على ذلك فانه سيكون منطلقاً جيداً باتجاه تغيير تمس الحاجة اليه في مقاربتنا لموضوع النزعة الطائفية / العلاقات الطائفية في العراق. وفي دراسته للعلاقات بين الجماعات في حيدر آباد عبر سودهير كاكار عن أسفه لاعتماد المؤرخين وأخصائيي العلوم السياسية على "المعطيات التجريبية الموضوعية وليس الذاتية …". ولكن على الرغم من المخاطر المتأصلة فانه في الذاتي والتجريبي، على وجه الدقة، يتعين علينا أن نركز جهودنا، ذلك أن قضية العلاقات الطائفية مرتبطة، في الجوهر وعلى نحو وثيق، بادراكات المرء والآخر وبنية مركبات الأسطورة ـ الرمز المتنافسة التي غالباً ما تفصل عن الواقع التاريخي.
لقد عاش الشيعة والسنة في ما يعرف اليوم بالعراق لفترة زادت على ألف عام. وخلال أغلب تلك الفترة كانت الجماعات قادرة على أن تحيا بتعايش سلمي على الرغم من تفجر العنف بين حين وآخر. والحقيقة أنه يجري الجدل بأن أحداث النزاع الطائفي الخطير لم تحصل الا في أعوام 1508 و1623 و1801، وكانت نتيجة مباشرة لعوامل اقليمية وليس عراقية. غير أننا عندما نقول هذا ربما ينبغي التأكيد على أن التعايش ليس مرادفاً للتسامح. فقد فند المؤرخ الأسباني جوزيف بيريز فكرة التسامح والتعايش الديني في أسبانيا العصور الوسطى: "التسامح يشترط غياب التمييز ضد الأقليات واحترام وجهات نظر الآخرين. وفي ايبيريا القرن الثامن حتى القرن الخامس عشر لم يكن لمثل هذا التسامح وجود". وفضلاً عن ذلك لم يكن التسامح، كما هو معرف أعلاه، متوفر في معظم تاريخ العراق. ومع ذلك يتعين التأكيد على أن هذا لا يستدعي بالضرورة مظهر عنف. بل إن الدلالة تتمثل في أنه، بدون التسامح، يسهل تسييس واستغلال الانقسامات الطائفية كوسائل تعبئة عدوانية هجومية.
وفي العراق عاش الشيعة والسنة، على العموم، في سلام ولكن بدون تفكيك الحدود الطائفية. وعلى سبيل المثال فان الاندماج الاجتماعي والزواج المختلط بين السنة والشيعة، وهو ما يجري غالباً الثناء عليه باعتباره دليلاً على ضعف النزعة الطائفية في العراق، هو ظاهرة في القرنين العشرين والحادي والعشرين. وإذا ما اقتبسنا من تحليل كاكار للعلاقات بين الهندوس والمسلمين مرة أخرى، فقد كان السنة والشيعة في ما قبل القرن العشرين "أكثر من غرباء، ليسوا أعداء في الغالب، ولكنهم أقل من أصدقاء".
وفي الحقيقة فان بعض الأمثلة المستخدمة للتقليل من شأن الاختلافات الطائفية في العراق هي، في الواقع، مؤشر على هوة واسعة تفصل بين الاثنين. وغالباً ما يجري الاستشهاد بـ "التحالف" بين السنة والشيعة في الاعداد لثورة العشرين كدليل على النزعة الوطنية العراقية التي تتجاوز الاختلاف الطائفي. غير أنه بينما يمكن أن يكون هذا صحيحاً بالنسبة لأحداث أيار 1920، فان حقيقة أن الأحداث التي شكلت أساساً لتعليقات من المراقبين البريطانيين والعراقيين مؤشر على كونها شيئاً جديداً غير مألوف. وفي الواقع كانت نزعة وطنية عراقية متجاوزة للهوية المستندة الى الطائفة تولد وتستمر على الوجود في العراق. غير أنه اعتماداً على الظروف يمكن للنزعة الوطنية العراقية أن تتراجع ويجري تخطيها بأشكال أضيق معتمدة على الطائفة من تحديد هوية الجماعة كما كان جلياً في الكثير من عراق مابعد 2003. ويخطئ من يأخذ أحداث 1920 أساسا في تقييم التاريخ الأوسع للعلاقات الطائفية على انها مؤشر للوئام والاندماج بين الطائفتين، كذلك يخطئ من، على سبيل المثال، يأخذ التحذير الذي وجهه قسم من علماء السنة في بغداد الى السلطات العثمانية من تحول العشائر الجنوبية الى الاسلام الشيعي أ لرسم صورة للانقسام اليائس والعداوات الأبدية.
وربما أدت تجربة الدولة القومية العراقية الى مفاقمة مخاطر التوترات الطائفية. ويمكن أن تكون الحجة الأكثر بساطة متمثلة في أنه في عام 1921 أصبح العرب السنة والشيعة أصحاب حق أساسيين في العراق الجديد: وبالتالي فان توزيع الوظائف والموارد يمكن أن يؤثر، بل أثر بالفعل، على نظرات الناس الى أنفسهم والى الآخرين، وأضافت المعرفة السياسية والنضج السياسي حساً بالتأهيل بين الجماعتين، ساعد، في بعض الأحيان، على تعقيد العلاقات الطائفية في ظل غياب توزيع عادل لموارد الدولة. والأمثلة على حالات التفاوت الاقتصادي والسياسي (الفعلية أو المحسوسة) المرتبطة بالاختلاف الطائفي أمثلة وافرة: وعلى سبيل المثال أفاد القنصل العام البريطاني في تقرير له في شباط 1951 من البصرة بأن وجهاء السنة كانوا يتذمرون من أن الشيعة كانوا يعززون هيمنتهم على القطاعات الحيوية للدولة بينما السنة، كما تشكى أحد الوجهاء "منقسمون على نحو يبعث على اليأس ويتعين عليهم أن يراقبوا وثوب محدثي النعمة الشيعة الى المقدمة في جميع مجالات الادارة". وكان لمثل هذه المخاوف أن تبدو، بلا ريب، مضحكة بالنسبة للكثير من الشيعة الذين هم أنفسهم غالباً ما يتذمرون من كونهم محدودي التمثيل في ادارة الدولة. ويمكن رؤية هذا في ميثاق الشعب في آذار 1935: فهذه الوثيقة البالغة الأهمية، المقدمة الى الملك غازي، وقعت من جانب زعماء عشائريين ودينيين من الفرات الأوسط ومحامين شيعة في العاصمة، وطالبت بتمثيل أفضل للشيعة في الحكومة ودعت الى تمثيل التشريعات الشيعية في السلطة القضائية، اضافة الى الاصلاح الانتخابي والزراعي وحرية الصحافة. وعلاوة على ذلك فان "قضية النصولي" في عام 1927 تظهر كيف أنه من السهل اشعال المشاعر الطائفية عندما ينظر الى القصة التاريخية للطائفة باعتبارها تتعرض الى هجوم. وفي هذه الحالة نشر أنيس النصولي، وهو مدرس سوري يعمل في العراق، كتاباً اعتبر من جانب كثير من الشيعة هجوماً على آل بيت النبي.
ويمكن للأحداث التي وصفت أعلاه أن تستخدم لتأكيد الانقسام الطائفي في العراق وأهمية المشاعر الطائفية في تشكيل النفسية العراقية. غير أنه في جميع الأحداث التي ذكرت أعلاه، وأحداث أخرى غيرها لا تحصى، فان الثنائية الشيعية ـ السنية التبسيطية بعيدة عن أن تكون مقنعة. وعلى سبيل المثال فان ميثاق الشعب كان وثيقة مثيرة للخلاف بين شيعة الفرات الأوسط أنفسهم: فقد رفض جزء كبير من زعماء العشائر التوقيع على الوثيقة على أساس أنها تضع المصلحة الطائفية فوق المصلحة الوطنية. وإنهم، في الحقيقة، مضوا في توقيع وثيقة مضادة تدور حول ذلك الموضوع. كما أنه من الجدير بالذكر أن توقيع واحدة من الوثيقتين كان مرتبطاً، الى حد كبير، بعلاقة المرء بالحكومة القائمة وموقفه منها. أما بالنسبة لقضية النصولي فانه بينما استقطبت الرأي في أقسام من السكان العراقيين العرب، فان ايريك ديفيز استخدم هذا الحدث لتوضيح مخاطر اللجوء الى ثنائية شيعية ـ سنية أحادية البعد عبر لفت انتباهنا الى انقسام عام بين الوجهاء الذين عبأوا المواقف ضد النصولي والطلاب الذين أفلحوا في تجاوز الانقسام الطائفي وأعلنوا عن الدفاع عنه بغض النظر عن الطائفة. والشيء الذي يمكن استخلاصه من هذه الحالات هو، أولاً، أن المشاعر الطائفية موجودة، بالفعل، في العراق، ويمكن، في السياق المناسب، إثارتها بطريقة المجابهة. وهذا يتسم بامكانية التحول الى عنف، وهو ما لم يتحقق الا نادراً لحسن الحظ. ومن ناحية ثانية فان نجاح التعبئة الطائفية يعتمد على جملة عوامل منفصلة عن العلاقات الطائفية. وهذا ما وصفه المنظرون، أساساً، بالطبيعة المتعددة المستويات للنزاع الأهلي: تحت "الانقسام الرئيسي"، وفي هذه الحالة التوتر الشيعي ـ السني، هناك مجموعة من العوامل المحلية الثانوية التي تؤثر على علاقات المرء أو الجماعة مع الطرف الآخر. وأخيراً فان الاستخدام السياسي للهوية الطائفية نفذ دائماً في اطار عراقي. فلا التعددية الطائفية للعراق ولا العراق ككيان سياسي جرى تحديه. بل إن تقاسم السلطة والتنافس من أجل الهيمنة داخل العراق هو أصل المشكلة.
ومما يثير الدهشة أن يأتي أحد التوصيفات الدقيقة للعلاقات الطائفية في العراق من السفير البريطاني في العراق عام 1950 السير هنري ماك. فقد تحدث السير هنري بتفصيل عن الطبيعة المتغيرة للعلاقة بين السنة والشيعة، وما رآه كتوترات ناشئة ارتباطاً بتحديات الشيعة لهمينة السنة غير المشكوك فيها حتى ذلك الحين. وقد أثار هذا، بالمقابل، المخاوف بين النخب السنية "من امكانية التفوق عليهم من جانب الأغلبية" مما يسبب "رد فعل بالقوة المتزايدة". وما هو جلي من رسالة السير هنري هو أنه في عام 1950 كان تسييس الهوية الطائفية قد تصاعد. ولا ينبغي أن يفسر هذه باعتباره حقيقة أبدية، ولا يشكل بالضرورة جزءاً من اتجاه متصاعد. بل إنه يجب أن ينظر اليه باعتباره تصويراً للوضع في عام 1950 حتى على الرغم من أن أحداثاً سابقة ربما تكون قد أثرت على الآليات التي جرى وصفها في الرسالة. وعندما تكون الهوية الطائفية وثيقة الصلة سياسياً بالموضوع، أو عندما تتصاعد التوترات الطائفية لأي سبب كان، تبرز المخاوف من الآخر والآراء السلبية المقولبة التي كانت ساكنة منذ زمن بعيد. ومن هنا التكرار، عبر قرون، للاتهامات ذاتها وقضايا الخلاف ذاتها بين الشيعة والسنة. ومن أجل توضيح الأمر يقدم السير هنري مثالاً على المخاوف السنية التي يمكن أن نجدها بسهولة على الانترنت في الوقت الحالي أو في محادثات غير رسمية:
جرى توضيح لاعقلانية موقفهم (السنة) بصورة مناسبة من جانب وكيل وزارة الخارجية (العراقية) عندما أبلغ أحد موظفينا من أن الشيعي لا يمكن الثقة به اطلاقاً لأن دينه يسمح له بالمراوغة مع الحقيقة (وهي اشارة الى ممارسة التقية).

إن بروز مثل هذه المشاعر بعيد عن أن يكون ثابتا أو مستمراً، ولكنها تشكل جزءاً من ذخيرة الأساطير المضادة التي يمكن الاستناد اليها في أوقات التوتر الطائفي المتصاعد. وكمثال على ذالك، فقد جرى ابلاغي، في مقابلة مع دبلوماسي سني عراقي سابق من عهد صدام، بأن "المشكلة" مع الشيعة هي أنهم يجدون من السهل جداً أن يكذبوا بسبب مبدئهم المسمى التقية. غير أن هذا لم يمنع من أجريت معه المقابلة من اقامة صداقات وعقد وزواج مختلط مع عوائل شيعية. فاحدى بناته متزوجة من شيعي. ومن الناحية الجوهرية فان ما قاله الرجل هو أن لدى الشيعة نزوعاً للخداع، ومع ذلك فان هذا لم يمنعه من تزويج ابنته من شيعي. والافتراض الطبيعي الذي يمكن للمرء اتخاذه هو أن مثل هذه المشاعر والآراء المقولبة السلبية هي، في العادة، معلقة وغير ذات صلة بموضوع العلاقات الشيعية ـ السنية ما لم تثرها الأحداث أو الظروف أو المؤسسة الأكاديمية الميالة للبحث والتحقيق. وهذا هو السبب الذي يجعل الرأي العراقي بشأن موضوع العلاقات الطائفية يكشف أحياناً عن ميول شيزوفرينية تقريباً: فالكثير من العراقيين يمكن أن يؤكدوا، على نحو متصلب، عدم ارتباط الهوية الطائفية في العراق بالموضوع، ومع ذلك فانهم يشاركون في أكثر النزاعات هجومية في ما يتعلق بالآخر.
ويتعين تحديد استثناءات بالنسبة للمتطرفين الطائفيين الذين لابد أن يفترض المرء أنهم يشكلون أقلية عددية. فالتاريخ العراقي يبلغنا أنه "في العادة"، وبالنسبة للأغلبية الساحقة من العراقيين العرب، تعتبر أهمية الهوية الطائفية ثانوية مقابل الأشكال الأخرى من تحديد هوية الجماعات، على الأقل النزعة الوطنية العراقية. ومن سوء الحظ فانه عندما تشتد التوترات الطائفية، لأي سبب كان، يمكن للمتطرفين الطائفيين كسب اتباع، وإن كانوا في الغالب أتباعاً مؤقتين. ويقدم السير هنري خلاصة لطبيعة العلاقات الشيعية ـ السنية في العراق ماتزال صحيحة على الرغم من الاستثناءات مثل عام 1991 او عام 2006 " ... يبقى الصراع (بين الطائفتين) مخفياً جزئياً، وهو ما يشعر كلا الطرفين بسببه بالخجل على نحو غامض ويود الطرفان رؤية حل له بدون صدام سياسي سافر".
وقبل الانتقال الى عراق مابعد 2003، لابد من الاشارة الى نقطة أخرى هامة بخصوص العلاقات الطائفية في العراق وهي ذات صلة بالطبقة. وغالبا ما يصاغ خطابنا حول الآليات الشيعية ـ السنية في العراق من جانب عراقيين من فئات اجتماعية ـ اقتصادية وثقافية معينة. وقد جرى تجاهل تأثير الطبقة، بدلالاتها الثقافية وكذلك الاقتصادية، على العلاقات الطائفية، الى حد كبير. وبينما يعتبر صحيحاً وجود أحياء بغدادية قليلة مكونة حصراً من طائفة واحدة، يمكن القول أن المناطق المختلطة الى حد كبير هي المناطق التي تسود فيها الطبقة الوسطى. وليس بعيداً عن المنطق أن نفترض علاقة سلبية بين الحراك الاجتماعي ـ الاقتصادي وتحديد الهوية الطائفية. ومن المألوف أن نسمع نكراناً للنزعة الطائفية من جانب عراقيين في كل مناحي الحياة. غير أنه بعيداً عن هذا الاعلان الدوغماتي عن الوحدة الشاملة، فانه من السليم الافتراض بأن الأواصر التي تربط الشيعة والسنة أقل بكثير في مناطق الطبقة العاملة منها في مناطق الطبقة الوسطى. وبالتالي فان سكان مناطق بغدادية مثل مدينة الصدر أو الشعلة أو الفضل أقل تجانساً بكثير من سكان مناطق ميسورة مثل زيونة أو الجادرية أو اليرموك. وتضم الكرادة، التي غالباً ما توصف باعتبارها شيعية، مناطق عدة بعضها أكثر تجانساً من الأخرى حيث نجد علاقة اجتماعية ـ اقتصادية جلية بين الطبقة والتجانس الطائفي. وهذا ليس خاصاً بالعراق أو القرن العشرين: ففي تعليقه على العنف الطائفي في الولايات العربية للامبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر، يرى بروس ماسترز أن "... نخبة العرب المسلمين المدينية في ذلك الوقت ألقت باللوم على "الغرباء" ـ البدو، الأكراد، الفلاحين، والدروز ـ ذلك أنه لم يكن لرؤيتهم للعالم أن تعترف بأن مواطنيهم المدينيين الأفقر يمكن أن يرتكبوا مثل هذه الانتهاكات مهما كانت اثارة المسيحيين لهم كبيرة". والعجز نفسه عن ادراك العداء والعنف الطائفي جلي لدى كثير من العراقيين اليوم للأسباب نفسها. ففي صيف عام 2006، حيث استمر العنف الشيعي ـ السني في بغداد على التفاقم على نحو منفلت، قال دبلوماسي عراقي سابق (شيعي هذه المرة) بابتسامة تنم عن دراية: "لابد أن يبدأ الأمر في غرفة النوم !" والتنويعات على هذا الموضوع التي تؤكد شيوع الزواج المختلط كمتراس ضد الحرب الأهلية تنويعات مألوفة، ولكنها تضع قيمة أكبر بكثير لممارسة مقيدة الى حد كبير بالطبقة والجغرافيا. وفي كل الأحوال فقد فشل الزواج المختلط في سياقات أخرى كما هو الحال في البلقان.
وهناك لازمة أخرى شائعة تتمثل في أن العراقيين كانوا، في الماضي، لا يعرفون من هو شيعي ومن هو سني، وفي بعض الحالات لا تفهم مصطلحات الشيعي والسني الا على نحو هزيل. وربما كان هناك شيء من الحقيقة في ذكريات عراق ماقبل 1990. ومع ذلك فان إحدى الموضوعات الرئيسية لهذا البحث تتمثل في أن بروز الهوية الطائفية يتغير اعتمادا على الظروف. غير أن مثل هذه الذكريات لا تعكس تجاوزاً للاختلاف الطائفي بقدر ما تعكس قلة الارتباط بموضوع الهوية الطائفية في فترة معينة من تاريخ العراق. إن تجاهل طائفة الآخر ليس رمزا للانسجام الطائفي، وانما يلقي ضوءاً على حقيقة أن القضية عوملت كشيء محرم من الأفضل تجنبه. وفي دراسته العميقة للهوية العراقية جادل سليم مطر بأن الحاح الدولة العراقية والشعب العراقي على المبالغة في تأكيد هوية العراق الموحد على حساب فهم الاختلافات الطائفية كان له تأثير ضار على التلاحم الاجتماعي. وكان الفهم الذي عوملت به المسائل الطائفية يعني أن القضايا الطائفية كانت تطرح في اطار طائفة وليس في اطار حوار شامل، ومن باب المفارقة أن هذا أدى الى تقوية نزعة الجماعات بدلا من تعزيز الوحدة. وهكذا فان المعرفة المحدودة التي كانت لدى العراقيين لفهم بعضهم بعضاً جرى الحصول عليها الى حد كبير عبر الحكمة الموروثة وليس عبر البحث المعرفي. ونتيجة لذلك فان الشكوك بين الجماعات موروثة من جيل الى جيل مع قليل من الفعل المضاد لتأثيرها في صياغة آراء الآخر. وفضلاً عن ذلك أود أن أضيف بأن وعي المرء بطائفته وطائفة الآخر والأهمية المعلقة على الاختلافات بينهما مرتبطة، على نحو وثيق، بالقدرة على استيعاب الظلم الاجتماعي. في عراق ماقبل 2003 كان الشيعة أكثر احتمالاً في الحديث عن قضية طائفية بالمقارنة مع مواطنيهم السنة، لأن كثيراً منهم كانوا يعتقدون بأن هناك آصرة مباشرة بين هويتهم الطائفية واضطهاد الدولة (الفعلي أو المحسوس). فالسنة لم يصوروا النزعة السنية / الهوية السنية كبؤرة هجوم من جانب الدولة أو أي شخص آخرـ وفي ذلك السياق، وفي انعكاس لما كان جار في ذالك الزمان، جرى تصور ايران باعتبارها تهديدا للنزعة القومية العربية أكثر منها تهديداً للاسلام السني. وشعر الشيعة، في الجانب الاخر، بأن حريتهم في التعبير عن هويتهم الشيعية كانت تواجه قمع الدولة، وأنه كان يجري التمييز ضدهم لصالح العراقيين السنة. ومن هنا فان العراقيين الشيعة أكثر احتمالاً بكثير في التعبير عن "قضية طائفية" في عراق ماقبل 2003. ولا حاجة بنا الى القول إن الأدوار انقلبت منذ عام 2003، حيث بات الشيعة أكثر احتمالاً لنسيان ونكران التمييز الطائفي الذي ترعاه الدولة. واذا ما أخذنا بالحسبان أن الهوية الطائفية جرت تغذيتها عبر الاضطهاد والتمييز المحسوس بين الشيعة لفترة أطول بكثير مما بين السنة، فان هذا المنطق يفرض أن الهوية الطائفية الشيعية ربما مصاغة على نحو أكثر تماسكاً وتتسم بهيكل أغنى من الرموز والأساطير ـ وبكلمات أخرى فان الهوية الشيعية العراقية تتسم بمركب أسطورة ـ رمز أكثر قوة بكثير من نظيرتها السنية.

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 24-09-2012 الساعة 09:26 AM
رد مع اقتباس
  #99  
قديم 24-09-2012, 09:10 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي الدعوة السلفية بمصر و حزب النور في مواجهة النجاح

الدعوة السلفية بمصر و حزب النور في مواجهة النجاح
طارق عثمان
مقدمة
تعتبر القوى السلفية في مصر ، واحدة من أهم الحركات الاجتماعية الفاعلة ، في البيئة المابعد ثورية ، مجتمعيا عامة ( العمل الدعوي و العمل الخيري / الخدمي )، وسياسيا خاصة .

و تتشكل القوى السلفية ، من مروحة عريضة من الكيانات المنطلقة من الفكر السلفي كأيديولوجيا ، ولكن لا يجمعها كيان تنظيمي واحد ، تنتظم من خلاله ممارساتها المجتمعية و السياسية .

فثمة مفارقة تتمثل في عدم تشكل كيان سلفي واحد ،بالرغم من وحدة وصلابة المنطلق الفكري السلفي ، وذلك يرجع في جزء منه إلى طبيعة الفكر السلفي نفسه ، بينما الجزء الأكبر ، يرجع للشروط السوسيوتاريخية التي رافقت تشكل الظاهرة السلفية في مصر .

هذا وقد مثلت الثورة المصرية في 25 يناير 2011 ، تحديا كما مثلت فرصة للقوى السلفية ؛ أما عن الفرصة، فقد مكنتها من تحقيق درجة عالية من الحضور المجتمعي ؛ إذ انفتحت البيئة المابعد ثورية للسلفيين ، بعد حالة من الحظر الذي فرضه النظام السابق عليها ( وعلى باقي الحركات الإسلامية الفاعلة ضده أو قل التي لا تسانده صراحة ) ، فزاد حضورها الإعلامي بدرجة عالية ، و انفتحت على شرائح مجتمعية ، كانت منعزلة عنه فيما قبل الثورة ، وتوج هذا الحضور بالمشاركة السياسية ؛ إذ انخرطت القوى السلفية ، في المشهد السياسي بعمق ، وكونت عدة أحزاب سلفية ، خاضت أول انتخابات بعد الثورة ، لتحقق نجاحا مبهرا؛ إذ مثلت ثاني أكبر كتلة برلمانية ، بعد حزب " الحرية و العدالة " الذراع السياسي ، لجماعة الإخوان المسلمين . وذلك قبل حل مجلس الشعب ،بقرار من المحكمة الدستورية العليا في 2012
هذا النجاح الذي حققته القوى السلفية ، قد فرض عليها أيضا الكثير من التحديات ؛ و التي تدور في مجملها حول القدرة على التكيف ، مع البيئة الجديدة ، وتتوزع على مستويات فكرية ، و ممارسية. وتتعلق بالقدرة على بلورة خطاب ملائم لكل من الكيان السلفي نفسه ، و باقي مكونات المجتمع .

و بالتركيز على الداخل السلفي ، الذي يتشكل (كما أسلفنا) من كيانات سلفية متفرقة ، لا يجمعها تنظيم واحد ، و إنما تشترك في المنطلق الفكري السلفي ( مع بعض الخلاقات التفصيلية في حزمة من المسائل الشرعية ، ولكنها خلافات تظل داخل إطار الفكر السلفي ) ، نجد أن " الدعوة السلفية " هي الكيان السلفي الأكثر وضوحا وحضورا ، من بين باقي القوى السلفية ، قبل و بعد الثورة ، و إن كان هذا الحضور ، قد تُوج بتفوقها السياسي ، بعدما أسست حزب " النور " الذي يعتبر ثاني أكبر قوى سياسية ، بعد حزب " الحرية و العدالة" >

وفي خضم تطورات البيئة السياسية المصرية ، طفا على السطح بعض المؤشرات على وجود أزمة داخل حزب النور ؛ حيث قدم مسئولو الحزب ، بمحافظة الغربية استقالات جماعية ، وكذلك قدم أمين الحزب بالقاهرة استقالته ، في أغسطس 2012 ، تأتي هذه الاستقالات قبيل الانتخابات الداخلية للحزب ، وقبل الانتخابات البرلمانية الثانية ، المزمع إجراءها ،بعد الانتهاء من صياغة الدستور ، و الاستفتاء عليه ، في أواخر سبتمبر 2012 . والتي من المرجع أن تكون أكثر تعقيدا ، مقارنة بالانتخابات الأولى ، نظرا لعوامل كثيرة ، تتعلق بتغيرات تفاصيل المشهد السياسي ، وترتبط بممارسات القوى السياسية خلال الفترة المنصرمة . مما يشعر بوجود أزمة داخل حزب النور ، (والدعوة السلفية ) ، تمثل تحديا لها في الفترة المقبلة .
من هنا تأتي أهمية هذه الرؤية : إذ تحاول مقاربة هذه الظاهرة ، ببيان أسبابها ،و أثرها ومآلاتها على الحزب و الدعوة . محاولة أن تجيب عن السؤال المركب الآتي : ما هي المتغيرات التي دفعت إلى حصول هذه الظاهرة ، و ما مدى عمقها ، وحدود تأثيرها على الدعوة والحزب ؟ ويتفرع عن هذا السؤال الرئيس ، أسئلة فرعية لعل أهمها : ما هي الخصائص التي تتميز بها " الدعوة السلفية " عن غيرها من الكيانات السلفية ؟ و ما هي طبيعة العلاقة بين " الدعوة السلفية " و حزب " النور " ؟
وتنطلق المقالة من مقولة أساسية تمثل فرضية تحليلية ، يمكن صوغها كالآتي :
" بيئة مابعد الثورة أحدثت تغيرات مجتمعية عامة ، انعكست على داخل الحركات الإسلاموية ، لتحدث خلخلات فكرية ، وممارسية في بنيتها ، مما يتطلب السعي نحو التكيف مع هذه المتغيرات ، وبدون السعي نحو عملية التكيف هذه ، تحدث توترات في بنية هذه الحركات ، وظاهرة الانشقاقات ما هي إلا تمظهر لهذه التوترات "
أولا: الدعوة السلفية : سمات الخصوصية
في هذا القسم نبتغي توضيح أهم الخصائص التي تتسم بها الدعوة السلفية ، و تجعلها متميزة عن باقي الكيانات السلفية ،وتعطيها خصوصيتها كحركة مجتمعية سلفية ، وهذه الخصائص مرتبطة و متداخلة فيما بينها ، وأسهمت في بلورتها كحركة ، و أعطتها الكثير من الامتيازات ، كما تسبب بعضها في إصابتها ببعض السلبيات التي أثرت على فعلها المجتمعي ، لعل أهمها ما يلي :
1- سمة التنظيم :
الخصيصة الأبرز للدعوة السلفية ، تتمثل في كونها كيان منظم ، بدرجة عالية ، مقارنة بباقي القوى السلفية . ويرجع ذلك إلى تبني الدعوة السلفية لمبدأ العمل الجماعي التنظيمي ، منذ لحظة التأسيس ، مخالفة بذلك أغلب الكيانات السلفية . أثمرت هذه التنظيمية في بلورة كيان مجتمعي قوي، له أرضيته الصلبة بين المنتمين للفكر السلفي ، هذه التنظيمية هي من مكنت الدعوة السلفية من تحقيق حضور عالي ، في بيئة مابعد الثورة ، و مكنها أيضا من تأسيس حزب سياسي ، في وقت وجيز ، وبدرجة عالية (نسبيا ) من الكفاءة ، مقارنة بغيرها من الكيانات السلفية .
ولكن تنظيمية الدعوة السلفية ، تنظيمية ناقصة ؛ بمعنى أنها ليست تنظيما "صلبا "، كتنظيم جماعة "الإخوان المسلمين " ، له هيكلية شديدة الرسوخ ، ممتدة عبر المجتمع كله ، يتموضع فيها كل المنتمين للجماعة ، بطريقة محددة و واضحة ، تسمح للتنظيم أن يتحكم فيهم بدرجة عالية من الصرامة ، مما يضمن نوع من الوحدة الممارسية ، بين مكونات التنظيم ، كما يضمن الوحدة الفكرية بينها . هذا الشكل من التنظيم لا يتوفر في حالة الدعوة السلفية ؛ إذ يمثل تنظيما " لينا " ؛ حيث يتصف بالآتي :
- التنسيق و الترتيب لضبط العمل الدعوي ، يكون في أعلى درجاته بين الرموز و القيادات ، إذ يمثلون مركز الدعوة ، و مرجعيتها ، ومعهم طبقة عالية من التلاميذ القريبين منهم . ولكن هذا التنسيق و الترتيب ، يتضاءل كلما ابتعدنا ، عن هذا المركز الرمزي و القيادي ( المشايخ وطلابهم الكبار ) ، وكذلك المركز الجغرافي ( الإسكندرية ) .
- الارتباط بين رموز الدعوة ، والمنتمين لها ، ارتباط فكري في الأساس ، أكثر منه ارتباط تنظيمي ، بالمعنى الحرفي للتنظيم . وهذا الوضع يمثل ثغرة كبيرة ، داخل كيان الدعوة ؛ إذ حصول خلافات فكرية ، بين الرموز و الأتباع ، أمر وارد في ظل بيئة متغيره و متقلبة ، مما يضعف من تنظيمية كيان الدعوة ، ويهدده بالتفكك كلما زادت هذه الخلافات .
2- تبلور المرجعية :
ممارسة العمل الدعوي بطريقة منظمة ،على مدار فترات طويلة ، يثمر بفضل التراكمية ، تبلور لمرجعية الرموز الدعوية ؛ فمذ تأسست المدرسة السلفية في الجامعة و إلى الوقت الراهن ، ورموز الدعوة تمارس عملها التعليمي و التربوي ، بدرجة من التنسيق و الترتيب ، أثمر مع الوقت تشكيل مرجعية هذه الرموز ، داخل التيار السلفي عامة ، حيث تراكم نتاجها العلمي ، و خرجت من تحت أيديها طبقة من التلاميذ، مرتبطين بتلك الرموز .

فالدعوة السلفية من بين الكيانات السلفية ، التي يشار إلى رموزها ككتلة واحدة ، معروفة و محددة ، باسم شيوخ الدعوة السلفية ( محمد إسماعيل ، ياسر برهامي ، سعيد عبد العظيم ، و أحمد فريد ) مما أسهم في امتياز الدعوة السلفية ، عن غيرها من الكيانات السلفية ، ببلورة مرجعية خاصة بها ، تنعم بالتقدير داخل الدعوة السلفية خاصة ، وتمد للحركة السلفية عامة .

3- توازن الخطاب الدعوي :
امتاز الخطاب الدعوي للدعوة السلفية ،عن غيره من الخطابات الدعوية السلفية ، بكونه خطابا متوازنا ؛ وتتبدى هذه السمة في أكثر من مستوى ؛ فمن حيث المضمون يراعي الخطاب الجانب العلمي ( طلب العلم الشرعي ) ، مع الجانب التربوي ( التذكية ) .

كذلك يمتاز هذا الخطاب بكونه يتعرض للقضايا المجتمعية ، التي تشغل الرأي العام ، إذ تبدي رأيها في كل المجريات ، و تتفاعل مع قضايا الأمة بوجه عام .

أيضا امتاز هذا الخطاب بالتوازن في تناول النظام السابق بالنقد ؛ فلم يقف في أقصى اليمين المؤيد للنظام ، كحال التيار القوصي ، و لم يقف في أقصى اليسار المعارض للنظام السابق ، كحال جماعة الإخوان و التيار الحركي من السلفيين

4- المركزية الجغرافية :
تتسم الدعوة السلفية ، بكونها متركزة في محافظة الإسكندرية ، حيث المنشأ و التطور ، فكل رموز الدعوة يعيشون فيها ، حيث يلقون دروسهم العلمية ، و يتواصلون مع طلابهم .
وثمة سبب آخر غير كون الإسكندرية ، هي موطن النشأة ، والرموز ، تسبب في إنتاج هذه المركزية ؛ تمثل في تضييق النظام السابق على حركة الرموز الدعوية ، خارج الإسكندرية .
تسببت هذه المركزية في ، ضعف حضور الدعوة السلفية خارج محافظة الإسكندرية ( يتفاوت هذا الحضور من محافظة لأخرى ) ، وحتى هذا الحضور الضعيف ، لا يتسم بارتباط وثيق وقوي ، مع المركز في الإسكندرية ،بدرجة كافية لضبط التنظيم السلفي .
تناولنا أبرز الخصائص ، التي أسهمت في تشكل كيان الدعوة السلفية ، ومكنتها من بناء أرضية مجتمعية قوية ، ساعدها على الحضور بدرجة عالية ، في البيئة المابعد ثورية . وعليه ننتقل لدراسة علاقة الدعوة بحزب النور .
ثانيا : الدعوة و الحزب : طبيعة العلاقة
نبتغي في هذا القسم أن نرصد طبيعة العلاقة بين الدعوة السلفية ، وذراعها السياسي حزب النور ، من خلال المحاور التالية :
1- الدعوة السلفية و المتغيرات : مسار التفاعل
فيما قبل الثورة ، تبنت الدعوة السلفية ، موقفا رافضا للمشاركة السياسية ( كباقي القوى السلفية ) وذلك من منطلقين : الأول يتعلق بأبعاد عقدية ؛ حيث تعتبر رموز الدعوة أن الديمقراطية ، كفلسفة حكم ، تتعارض مع مبدأ حاكمية الشريعة .

أما الثاني فينصرف إلى كون الدعوة السلفية ، لم تكن ترى في المشاركة السياسية في ظل النظام السابق ، سبيلا ناجعا للإصلاح المجتمعي ، حيث أن هذه المشاركة ستدفعهم للتنازل عن الكثير من الثوابت التي لا يسوغ التنازل عنها ( قضايا المرأة ، و الأقباط كمثال ) ، وفي نفس الوقت لن تُحصِل منها أية مصالح سياسية ، أو دعوية ، حيث أن النظام السابق يقوم بتزوير الانتخابات ومن ثم كانت تعزف عن المشاركة السياسية .

عندما اندلعت ثورة 25 يناير 2011 ، لم تعلن الدعوة السلفية عن مشاركتها فيها في البداية ، و إنما تفاعلت معها بإصدار البيانات ، التي تدعوا لحفظ الدماء و الأمن ، و دعت شباب الدعوة ، إلى حماية المنشئات العامة . ولكنها لم تدع إلى النزول إلى الميادين ، و المشاركة الصريحة في الثورة .
ثم مع تطور الاحداث وبداية سقوط نظام مبارك ، لم يسع الدعوة ، غير تأييد الثورة ( كحال أغلب المجتمع ) ، إذ كان المجال العام مزاجه ثوري بامتياز .

و وجدت الدعوة نفسها ، في وسط بيئة مجتمعية جديدة ، تسمح لها أن تنخرط فيها بحرية ، و أمان ، فوسعت حضورها الدعوي ، منطلقة من المركز ( الإسكندرية ) إلى باقي محافظات مصر ، حيث عقدت مؤتمرات شعبية لرموزها ، في معظم محافظات مصر ، تعلق فيها على الأحداث ، وتبدي رأيها في تطورات المشهد السياسي و المجتمعي .

كان أمام الدعوة ، في ظل هذه التغيرات ، تحدي الجواب عن سؤال الممارسة السياسية ؛ هل ستشارك في العملية السياسية أم لا ؟ و لو قررت المشاركة هل ستكتفي بالوقوف خلف الإخوان المسلمين ، وحزبهم السياسي ، أم ستؤسس حزبا سياسيا ؟
كان جواب هذا السؤال ، أن قررت الدعوة ، الانخراط بعمق ، في العملية السياسية ، وأسست حزب " النور " وتبعها في ذلك القرار ، أغلب الكيانات السلفية الأخرى ، وكونت أحزاب سياسية ( الأصالة – البناء و التنمية -...) .
ولكن هذا القرار ، لم يكن مدعوما بتغطية تنظيرية كافية ، لتبرير عملية التحول الحاد هذه في الموقف من المشاركة السياسية ، مما أثار بعض التوترات بين المنتمين للمنهج السلفي عموما ، ولكن سرعة الأحداث ، وتطورات المشهد السياسي ، دفعت لتأجيل علاج هذه المشكلة ، في مقابل التفاعل مع التطورات ، التي فرضت الكثير من التحديات عليها.

2- الدعوة و الحزب : الأصل و الرافد
لفهم علاقة الدعوة بحزب النور ، يلزم فهم رؤيتها للعمل السياسي . ترى الدعوة السلفية ، أن مشروع الإصلاح المجتمعي الصحيح ، ينطلق من كون إصلاح الفرد ( ثم المجتمع ثم الأمة ) ، يكون بضبط اعتقاده و عبادته و ممارساته ، بالمنهج الشرعي ، هو أساس الإصلاح ، و أية مناهج إصلاحية ، لا تراعي هذا المنطلق ، تكون مناهج ناقصة . و عليه تكون الدعوة (بوصفها ممارسة رسالية وتربوية وتعليمية ، عبر الانخراط المجتمعي للدعاة / العلماء ، بين الناس بمختلف الآليات من دروس في المساجد ، وندوات ، و التوجيه عبر الوسائل الإعلامية المختلفة ) هي الأصل في الإصلاح . ومن ثم لابد أن تكون أية وسيلة إصلاحية ، تخدم هذا المنطلق و تتساوق معه .
و الممارسة السياسية (في نظر الدعوة) ، لا تخرج عن هذا السياق ؛ بمعنى أنها تمثل أداة من أدوات الإصلاح، فهي فرع / رافد من المنطلق الأساسي المتمثل في الدعوة . ومن ثم يجب أن تكون هذه الأداة خادمة للدعوة ، وتنعكس مخرجاتها إيجابيا على الدعوة ، و إلا تفقد مشروعيتها الإصلاحية ( هذا يفسر جزئيا الإعراض عن السياسية قبل الثورة ) .
رؤية الدعوة هذه للعملية السياسية ، تفسر طبيعة علاقتها بالحزب ؛ فالحزب جزء لا يتجزأ عن الدعوة السلفية ، و أداة من أدواتها الإصلاحية ، ومن ثم فطرح الانفصال بين الحزب و الدعوة ، طرح لا يمكن تحققه .
وقد تمظهرت هذه العلاقة في بنية الحزب ، و ممارساته المجتمعية كالآتي :
- تركيبة الحزب ، وبنيته الهيكلية ،وكوادره ، من داخل الدعوة السلفية . وهذا أمر لم يكن منه مفر ؛ فلولا الأرضية المجتمعية، التي وفرتها الدعوة للحزب ، ما كان له أن يتأسس أصلا .

و لم يكن هناك كوادر سياسية مجهزة خصيصا للعمل السياسي ، بعيدا عن العمل الدعوي ، إذ لم تكن المشاركة السياسية ، مطروحة قبل الثورة

- رموز الدعوة و مراجعها ، هم من روجوا وسوقوا للحزب ( بحضور مؤتمراته في كل المحافظات ) . و أعطته الشرعية بين المنتمين للدعوة السلفية ، كما شجعت من ليس لهم ارتباط تنظيمي بالدعوة السلفية من السلفيين عموما ، أن يشاركوا في الحزب .
- خطاب الحزب ( في مراحله الأولى ) كان دعويا، أكثر منه سياسيا ؛ إذ كان يركز على مسائل تخص هوية مصر الإسلامية ، و وضعية الشريعة الإسلامية في دستور مصر .
هذه هي علاقة الحزب بالدعوة السلفية ، الحزب جزء من الدعوة ، لا يمكنه أن يعيش بدونها ، فهي تمثل قاعدته المجتمعية ، وتعطيه المشروعية .

وعليه فأطروحات مثل الفصل أو التمييز بين الدعوي و السياسي ، في ممارسات الدعوة السلفية ، أطروحات من العسير التعاطي معها . ولكن متغيرات البيئة المجتمعية فيما بعد الثورة عامة ، و التي انعكست على داخل القوى السلفية خاصة ، قد تُجبر الدعوة على التعاطي مع هكذا أطروحات .

ثالثا : انشقاقات داخل الحزب : الأسباب و المآلات
نبتغي هنا أن نحلل المتغيرات ،التي أنتجت ظاهرة الانشقاقات داخل الحزب و مآلاتها .
1- في الأسباب :
كيف يمكن مقاربة هذه الظاهرة ؟ هل يمكن اعتبارها نتاج خلافات شخصية بينية ،كتلك المعرض لها أي حزب سياسي ؟

يبدو للباحث أن هذه المقاربة قاصرة عن التحليل ؛ إذ أن مادة هذه الخلافات تكون في الغالب ، الصراع على السلطة ، و الخلافات الفكرية ، تلك المادة متضائلة جدا في حالة حزب النور ؛ لكون حزب النور ، بوصفه حزب منطلق من المرجعية الإسلامية ، يضمن بدرجة عالية غياب هذه المادة ؛ فالمنخرطين فيه لم يتقصدوا من المشاركة السياسية ، محض الوصول إلى المناصب السياسية ، و إنما المشاركة السياسية وسيلة للإصلاح ، و صورة أخرى من صور الدعوة ( في صورتها الشاملة ) .

و أيضا المرجعية الإسلامية ،تقلل من احتمالات حدوث خلافات فكرية . ومن ثم فإن مادة نشوب النزاعات الشخصية البينية ، ضئيلة بدرجة كافية لعدم الاكتفاء علي هذه المقاربة ( السطحية ) في تحليل هذه الظاهرة ، قد تكون موجودة بدرجة ما ، ولكن لا تعطي التحليل الكامل ، ومن ثم ينبغي تقديم مقاربة أكثر عمقا ، تفسر هذه الظاهرة .

يجادل الباحث بأن المقاربة الأعمق لتفسير هذه الظاهرة ، لابد أن تأخذ في الاعتبار ، التغيرات السوسيولوجية التي أحدثتها الثورة على الحالة السلفية عموما ( و الدعوة السلفية محل الدراسة خاصة ) ؛ فوجود الدعوة السلفية ، في بيئة سياسية ، على هذه الدرجة من التشابك و التعقيد ( لكونها بيئة ثورية ) بهذا الحضور العميق ، بعد حالة من القطيعة ، مع المجال السياسي العام ، سينعكس على البنية الفكرية ، و الممارسية للمنخرطين منها في هذه البيئة . ويضاف إلى هذا الاعتبار ، الطبيعة التكوينية للدعوة السلفية ، هذين الاعتبارين يمثلان مركبا يفسر هذه الظاهرة بدرجة أكثر عمقا كالآتي :

1-الروح الثورية : النزوع الاستقلالي و أولوية السياسي
بالرغم أن كوادر الدعوة السلفية ، لم تشارك في الفعل الثوري في 25 يناير ( في المجمل ، ولا ينفي هذا وجود بعض المشاركات الفردية ) ، إلا أن المزاج الثوري الذي ساد الفضاء المجتمعي العام ، منذ الثورة و إلى الراهن ، قد انتقل إلى داخل التيار السلفي عامة ، و أحدث تغيرات في سلوكها ، لعل الآتي هو أهم تمظهراتها :
أ‌-النزعة الاستقلالية :
انخراط الرموز الدعوية ، في العمل السياسي ، و اشتباكها مع الأحداث ، قد نتج عنه ( وهذا طبيعي ) وقوعها في اتخاذ قرارات و مواقف سياسية ، يمكن اعتبارها " مثيرة للجدل سياسيا " . ترتب على ذلك نزع " هالة القداسة " عن هذه الرموز ، و التي اكتسبتها من العمل الدعوي . فبالنسبة للشباب السلفي ، المجال الدعوي يختلف تماما عن المجال السياسي ؛ فالرموز لهم التقدير ، و المرجعية في الشأن الدعوي و الشرعي ، بوصفهم علماء شرعيين ، ولهم خبرة دعوية انبنت عبر السنين الطويلة .

أما في المجال السياسي فالأمر مختلف ؛ فالرموز و المرجعيات لا تملك هذه الخبرة ،التي توفرت لهم في المجال الدعوي ، بل على العكس قد يكون الشباب ، أكثر انخراطا بالواقع وتفاعلا مع المشهد السياسي ، من الرموز الدعوية ، ومن ثم لا مبررات لتقديس آراء الرموز السياسية ، كما هو الحال في الآراء الدعوية .

هذه الحالة نتج عنها نزعة استقلالية ، عند المنتمين للدعوة السلفية ، تمظهرت في صور عدة ؛ أهمها : الاعتراض على الكثير من مواقف الدعوة السياسية ، خلال الفترة الانتقالية . هذا المتغير ( النزوع الاستقلالي ) ، يمثل عاملا مفسرا أساسيا لظاهرة الانشقاقات في الحزب ؛ إذ أعطت هذه النزعة المنتمين للحزب ، دفعة نفسية ،تمكنهم من إعلان استقالتهم ،بكل جرأة و وضوح ، عندما توفرت لديهم ما يعتبروه مسوغا لها . وزرعت بداخلهم الرغبة في الحصول على درجة عالية من الحضور و التمثيل الشخصي .

ب‌- أولوية السياسي على الدعوي :
البيئة المابعد ثورية ، بيئة ذات مزاج سياسي بامتياز ؛ حيث تتفاعل كل شرائح المجتمع ، مع المشهد السياسي ، ومنها الشريحة السلفية ، والتي حققت نجاحا كبيرا ، في مستوى الحضور السياسي ؛ فهي بمثابة الفاعل السياسي الأهم ، بعد جماعة الإخوان المسلمين ، و منخرطة في أجهزة الدولة التشريعية ( تم حل مجلس الشعب ) و التنفيذية ( رفضت المشاركة في حكومة ، هشام قنديل ، ولكن رئيس حزب النور يشغل منصب مساعد رئيس الجمهورية " محمد مرسي" ) هذا التمثيل السياسي الكبير ، للدعوة السلفية ، وفي ظل عدم الفصل بين العمل الدعوي و العمل السياسي ، يجعل الأولوية للعمل السياسي ، على حساب العمل الدعوي ، بحكم الواقع . و يجعل الدعوة السلفية تُعرف بوصفها حركة سياسية أكثر من كونها حركة دعوية .
هذه الأولوية السياسية ،تجعل حسابات المشتغلين ، بالعمل السياسي داخل الدعوة ، سياسية أكثر منها دعوية ، وهنا تتسع الفرصة لاختلاف الآراء و المواقف السياسية .

ومع النزعة الاستقلالية ، يسهل على المنتمين للحزب أن ينشقوا عنه ، حال توفرت المسوغات لذلك .

هذان الانعكاسان للحالة الثورية العامة ، على الداخل السلفي ( الدعوة السلفية حالة الدراسة ) يمكنهما أن يفسرا جزئيا ظاهرة الانشقاقات داخل الحزب . ولكن كما أسلفنا ، أن مقاربتنا مركبة ، تأخذ في الاعتبار بالإضافة إلى هذا المتغير العام ، طبيعة الدعوة السلفية كتنظيم كالآتي :
1-2- طبيعة التنظيم و العلاقة بالحزب
السبب الثاني الذي يمكنه تفسير ظاهرة الانشقاقات ( بالإضافة لمتغير الروح الثوري ) ، يتمثل في طبيعة تنظيم الدعوة السلفية ، و علاقتها بحزب النور ، كما فصلناه سابقا ، في المحاور السابقة من المقالة ، وهنا نبين كيف أن طبيعة التنظيم و علاقته مع الحزب ، تسهم في تفسير ظاهرة الانشقاقات كالتالي :
أ‌- طبيعة التنظيم :
ثمة أوصاف لتنظيم الدعوة السلفية سوغت حصول هذه الانشقاقات ، لعل أهمها :
- مركزية التنظيم :
تمركز التنظيم الجغرافي ، و الرمزي ، في محافظة الإسكندرية ، يجعل من المناطق الهامشية ( ما سوى الإسكندرية ) ، و التي يضعف بها الارتباط بالمركز ، حيث الرموز و منشأ الدعوة ، أكثر عرضة للانشقاقات ؛ إذ تشعر مكونات الدعوة/ الحزب ، في مناطق الهامش ، أنها شبه منفصلة عن المركز ، و أن قيادات الحزب ( و الدعوة ) و مسئوليه الكبار من المركز وليس الهامش ، مما ينمي شعور التهميش عند هذه المكونات ، و مع توفر الخلافات ( أمر لا مفر من حصوله ) تقبل هذه المكونات على الانشقاق ، ويساعدها على ذلك النزعة الاستقلالية كما أسلفنا .
مما يزيد الأمر تعقيدا كون الدعوة السلفية و الحزب ، في محاولة الحفاظ على النجاحات التي حققتها ، تود أن تضمن ولاء و تبعية مسئولي الحزب/ الدعوة ، في مناطق الهامش لها ، ومن ثم تختار أشخاص بعينها ( على مقربة من الرموز المرجعية في الإسكندرية ) توليهم المسئولة ، وتهمش آخرين ، ذاك الذي يغذي دوافع الانشقاق .
- ليونة التنظيم
كون تنظيم الدعوة السلفية ، كما أسلفنا ليس بهذه الدرجة من الصلابة ، التي يجعل من التنظيم هيكلا محكما عبر المجتمع كله ، يُمكن المركز من التحكم في الهوامش بدرجة صارمة ، جعل من حصول هذه الانشقاقات ، أمر ممكن .
ب‌-العلاقة مع الحزب
غياب أية فواصل للتمييز بين الدعوة و الحزب ، جعل مشاكل كل منهما ينتقل للآخر ؛ فمن يتولى المسئولية الحزبية ، في منطقة ما ، هم من يتولى الدعوة فيها .

و هذا أمر لم يكن منه مفر ، لكون المسألة السياسية لم تكن مطروحة من الأساس ،قبل الثورة ، ومن ثم لم تتمكن الدعوة من بلورة كوادر سياسية تابعة لها ، تختص بالعمل السياسي ، دون الدعوي ( قارن بالوضع في جماعة الإخوان المسلمين ) . هذه العلاقة توفر بيئة خصبة لحصول مشاكل ، مع تعقد المشهد السياسي ، مما يساعد على حصول ظاهرة الانشقاقات .

2- في المآلات :
هل ننظر لظاهرة الاستقالات هذه ،على أنها حدث طبيعي ،في الممارسة السياسية الحزبية أخذ أكثر مما يستحق من اهتمام ؟ أم أنها بمثابة بداية لانهيار الحزب ؟ الحقيقة أن كلا النظرتين فيهما نوع مبالغة غير واقعية .

و الذي تجادل به هذه المقالة أن ظاهرة الانشقاقات هذه عبارة عن انعكاس لمتغيرات، أنتجتها البيئة الثورية و السياسية التي تعيش فيها الدعوة / الحزب ، ساعد عليها طبيعة البنية التنظيمية للدعوة السلفية ، وكذلك علاقتها بالحزب . وهي بمثابة إنذار سياسي للدعوة و الحزب على السواء ، يتطلب التفاعل معه و السعي بجدية لمعالجته .

أما عن مستقبل الظاهرة فبطريقة كلاسيكية ،يمكن سرد ثلاث مآلات لظاهرة الانشقاقات :
- أن يتم احتواء هذه الانشقاقات ، و عودة المستقيلين للحزب
- عجز الحزب عن احتواء هذه الاستقالات ، ومن ثم تؤثر على حضور الحزب في أماكن الاستقالات ، مما يضعف الحزب عامة .ولكن لا تمتد هذه الظاهرة لأماكن أخرى
- أن تتطور الانشقاقات ، لتمتد إلى مناطق الهامش كلها ( ما سوى الإسكندرية ) ، مما يهدد كيان الحزب برمته .
وما يعنينا هنا ليس تحديد الحجم الحقيقي لهذه الظاهرة ، ولا الجزم بمآل محدد ستصير إليه ، بقدر ما نريد أن نسوق أهم الخطوات ،اللازم خطوها من قِبل الدعوة و الحزب لعلاج الظاهرة ، بغض النظر عن حجمها و مآلها ،
ولعل أهمها ما يلي :
1- على الدعوة السلفية أن تعالج مكامن الخلل في طبيعتها التنظيمية ، و المتمثلة في : مركزية التنظيم و ليونته ؛ ويبدو أن سبيل معالجة هذا الخلل يتمثل في : تكوين هيكل تنظيمي صارم ( مثل جماعة الإخوان المسلمين ) إذ هو القادر على تجاوز هذا الخلل.
2- على الدعوة السلفية أن تسعى إلى الفصل بين الكيان الدعوي و الكيان السياسي ، المتمثل في الحزب ، على كل المستويات التنظيمية و الخطابية و القيادية ، وبدون هذا الفصل يُرجح أن تسوء الأمور ، وينبغي التنبيه أن محاولة علاج الأزمة بطريقة معاكسة لمبدإ الفصل هذا ؛ أي بمحاولة الدعوة السلفية أن تفرض سيطرتها على الحزب ، ظنا منها أن هذا سيزيد من درجة التماسك في كليهما ، هو خروج من الأزمة إلى أزمات أشد ،بله كونه يسهم في الحل !
3- على الدعوة السلفية أن تدرك حجم التغيرات، التي انعكست على المنتمين لها ( والسلفيين عامة ) ،بسبب الانخراط في العمل السياسي ، و أن بيئة ماقبل الثورة ، مختلفة تماما عن بيئة مابعد الثورة ، ومن ثم عليها أن تطور آليات تواصل وتفاعل مع المنتمين للدعوة ( خاصة الشباب ) ، تتلاءم مع حجم هذه التغيرات ، لحفظ كيان الدعوة و كيان الحزب .

خاتمة
حاولت هذه المقالة ، أن تقدم مقاربة تحليلية لظاهرة الاستقالات الجماعية ، من حزب النور .

فانشغلت في القسم الأول ببيان الخصائص التي تميز الدعوة السلفية ، عن غيرها من الكيانات السلفية الفاعلة مجتمعيا . وفي القسم الثاني حاولت أن ترصد طبيعة العلاقة بين الدعوة السلفية ، وحزب النور . بينما في القسم الأخير قدمت تحليلا لأسباب و مآلات الظاهرة . وثمة نتائج خلصت بها المقالة لعل أهمها ما يلي :

- تعتبر الدعوة السلفية ، الكيان الأكثر حضورا ، في بيئة مابعد الثورة ، من بين باقي الكيانات السلفية . يرجع ذلك إلى امتياز الدعوة السلفية ، بعدد من السمات التي أهلتها لذلك ، لعل أهمها : التنظيمية ، و تبلور المرجعية ، و اتزان الخطاب الدعوي .
- العلاقة التنظيمية بين الدعوة السلفية ، وحزب النور ، شديدة التداخل و الاشتباك ، مما أثمر بيئة خصبة لظهور كثير من التوترات ، داخل كل منهما من ناحية ، وبينهما من ناحية أخرى .
- البيئة الثورية ، التي تعيش فيه الدعوة السلفية ( والسلفيين عامة ) ، و الانخراط في مشهد سياسي بالغ التعقيد ، طوال الفترة الانتقالية ، أنتج الكثير من التغيرات الفكرية ، و الممارسية داخل الكيانات السلفية . لعل أهمها تنمية النزوع الاستقلالي عند المنتمين للتيار السلفي ، عن الرموز و المرجعيات الدعوية ، و إعطاء الاهتمام للعمل السياسي ، أكثر من الدعوي .
- ثمة سمات في تنظيمية كيان الدعوة السلفية ، ساعدت على تعرضها ، لظاهرة الاستقالات ، لعل أهمها ليونة التنظيم ، و مركزيته .
- ستمثل الانتخابات القادمة ، اختبارا شديد الحساسية ، للدعوة السلفية ، وحزب النور ؛ حيث ستزداد خريطة القوى السياسية المنطلقة من المرجعية الإسلامية عامة ، و السلفية خاصة ، تعقيدا ، مما سيؤثر على القاعدة المجتمعية ، التي بنت عليها الدعوة السلفية نجاحها ، في الانتخابات السابقة . أيضا الفترة السابقة وما تضمنته من أداء سياسي لحزب النور والدعوة السلفية ، ستكون محل تقييم و نقد ، من قبل المجتمع عامة و السلفيين خاصة ، مما سيؤثر في التفضيلات و الاختيارات السياسية للمجتمع و السلفيين .
- كان حزب النور ، في الفترة السابقة ، بمثابة المعبر الأكثر حضورا ، عن الفاعل السياسي السلفي ، ولكن في الفترة المقبلة لن يعود حزب النور ، وحده في المشهد ، و إنما سيزداد حضور الفواعل السياسية السلفية الموجودة أصلا و ستتشكل فواعل جديدة ( لعل أهمها سيكون حزب الشيخ حازم أبو إسماعيل ) . مما سيعدد من الاختيارات أمام القاعدة السلفية ، ولن يكون الاختيار محصورا في حزب النور .
- الانتخابات الداخلية للحزب المزمع إجراءها ، ستمثل تحد للدعوة و الحزب ، لتنظيم العلاقة بينهما ، هل ستسيطر الدعوة على الحزب ( المرجح حدوثه ) ، أم ستسعى في سبيل ترسيخ مبدأ الفصل بين التنظيم الدعوى والسياسي ، مما سينعكس على أداء الدعة والحزب ، في الفترة المقبلة .
- من المرجح ألا تمثل ظاهرة الاستقالات ،أزمة خطيرة على كيان الحزب و الدعوة في المدى القريب . ولكن خطورتها فيما تمثله من تمظهر لأزمات بنيوية في تركيبة وممارسة الحزب و الدعوة .
رد مع اقتباس
  #100  
قديم 24-09-2012, 09:41 AM
جمعه النفرى جمعه النفرى غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 7
معدل تقييم المستوى: 0
جمعه النفرى is on a distinguished road
افتراضي

أسأل الله عز وجل أن يمكن لدينه وهو ولى ذلك والقادر عليه
رد مع اقتباس
  #101  
قديم 24-09-2012, 10:04 AM
الاخ الكبير جدا الاخ الكبير جدا غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Sep 2012
العمر: 48
المشاركات: 35
معدل تقييم المستوى: 0
الاخ الكبير جدا is on a distinguished road
افتراضي

السلفين ما زالوا في مرحلة تصالح مع شريعتهم
ندعو الله ان يهديهم سبل فهم الاوليين
__________________
اخوانجي سابق بعدما علم من هموا و علمت انه لا حزبية في الاسلام
رد مع اقتباس
  #102  
قديم 24-09-2012, 02:41 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي الإساءة للإسلام: مناسبة جديدة للصدام بين الشرق والغرب

الإساءة للإسلام: مناسبة جديدة للصدام بين الشرق والغرب
معتز بالله عبد الفتاح
هل تكون مفاجأة لحضراتكم لو قلت لكم إن العالم فوجئ بأن هناك فيلماً مسيئاً للرسول وأنه استهجن ما يفعله بعض المسلمين أكثر من استهجانه للفيلم نفسه؟ وهل يكون من قبيل المفاجأة أيضاً أن العالم لم يكن يعلم بهذا الفيلم إلا بعد الاحتجاجات التى بدأت فى مصر وليبيا وتونس ومنها انتقلت إلى السودان واليمن وباكستان وبنجلاديش ثم إلى عدد من العواصم الأخرى غير الإسلامية على نحو جعلنا نقوم بدعاية مجانية لفيلم يسىء لنا. وأزعم أنه لو كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حياً لتعجب مما يفعله أتباعه به وبدينهم.

على سبيل المثال: صحيفة Japan Times كتبت تعليقاً يشير إلى أن العالم استيقظ فجأة ليس على جريمة سبّ النبى محمد، وإنما على الدعاية المجانية التى قام بها الكثير من المسلمين لمن يسبون النبى الذى يؤمنون برسالته.

وكلام الصحيفة دقيق، حيث إن الفيلم كان متاحاً على الإنترنت منذ يوليو الماضى، ولم يكن قد شاهده أكثر من تسعة آلاف مواطن حتى تحول بعد ثلاثة أيام من موجة الاحتجاجات إلى أن شاهده أكثر من ثلاثة عشر مليون شخص. بل إن صحيفة الصنداى تليغراف البريطانية أشارت إلى أن أغلب الناس لم تكن تعرف أن هناك فيلماً يحمل إساءة إلى النبى محمد والمسلمين إلا عندما عرضه أحد الدعاة المصريين فى برنامجه وطالب بالقصاص من صانعيه. وفى زعمى أن هذه هى الجريمة الكاملة: يصنع أحدهم سُمَّاً ويضعه فى زجاجة على باب المنزل، يأخذ طفل السم فيضعه فى الطعام ظناً منه أنه يحسن صنعاً، ليقتل كل من فى البيت.

وهو ما قالته الصحيفة اليابانية: «لم نكن لنلتفت لهذا الفيلم، لولا أنه ارتبط بهذا الكم من الاحتجاجات».

من الدين إلى السياسة

لكن هذا الفيلم فتح باباً لنقاش أوسع فى دوائر بيوت الخبرة ومراكز التفكير الغربية لتعقد ندوات على عجل لتسأل سؤالاً بالغ الأهمية: هل ساعدنا عدوَّنا فى الوصول إلى السلطة؟

بل إن صحيفة التايمز البريطانية سألت نفس السؤال بعد يومين من اغتيال السفير الأمريكى وثلاثة من مساعديه فى ليبيا: هل تحول «الربيع العربى» إلى «خريف عربى»؟ هل ساعدنا أعداءنا كى يصلوا إلى السلطة فى بلدان الربيع المتحول إلى خريف دامٍ فى بلدان العرب؟

وتشير مجلة فورين بوليسى الأمريكية إلى أن المنطقة تزداد يمينية؛ واليمينية فى الشرق الأوسط عادة ترتبط بالمزيد من الحَرْفية والتطرف فى تفسير النصوص الدينية وصولاً إلى استخدام العنف للدفاع عن هذه التفسيرات، بل ربما تكون مقدمة لتكوين نظم فاشية دينية من وجهة نظر المجلة. إن الخوف يتصاعد حين تربط هذه المراكز والصحف بين نتائج الانتخابات والخوف من أن تنقلب المعادلة: بدلاً من أن تكون الولايات المتحدة عدوة للشعوب وصديقة للحكومات مثلما كان فى السابق، ستتحول الولايات المتحدة إلى عدوة للشعوب وعدوة للحكومات أيضاً.

ولم تبعد صحيفة اللوموند الفرنسية عن نفس المنطق فى التناول لتوضح أن ردود الفعل العربية والباكستانية لم تكن بعيدة عن فتوى إيرانية جديدة ترفع جائزة قتل سلمان رشدى إلى 3.3 مليون دولار بعد الأحداث التى أطلقها الفيلم المسىء للإسلام بما يعنى أن العالم الإسلامى لا يفوّت فرصة لكى يرفع شعارات دينية فى مواجهة الغرب.

كل ما سبق هو رصد لما كان، والسؤال الآن هو كيف يمكن لنا العبور مما نحن فيه إلى واقع أفضل؟

أولاً، لا بد أن نتجنب مزالق «تفخيخ» العلاقات بين دولنا والعالم الخارجى. هم بحاجة إلينا ونحن بحاجة إليهم أيضاً، وهناك من لا يريد لهذا الاعتماد المتبادل أن يتم، وإنما أن تظل صورة العداء المتبادل هى السائدة بين الطرفين. وقد سبقت الإشارة إلى أن مقولة نُسبت إلى أحد قيادات جهاز المخابرات السوفيتى فى مطلع الخمسينات حين أشار: «غباء هتلر تمثل فى أنه أراد أن يحارب الجميع: الفرنسيين، الإنجليز، الأمريكان، الروس. قمة الذكاء أن نجعل أعداءنا يحاربون بعضهم بعضاً دون أن نحاربهم نحن». وقد التقطت أجهزة المخابرات الأمريكية هذه الإشارة وكتبت تقريراً مصغراً تحت عنوان: «تفخيخ علاقات الولايات المتحدة بحلفائها: ماذا يمكن أن نفعل؟»

وقُدم التقرير آنذاك للرئيس أيزنهاور الذى قام بتكليف مجموعة من الاستخبراتيين وأساتذة العلاقات الدولية للبحث فى كيفية مواجهة المؤامرات السوفيتية. وبعد عدة محاولات كان القرار أن يرتفع مستوى العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها كى تصبح علاقة «تحالف استراتيجى»، والسر فى هذا أن تكون عمليات التنسيق بين أجهزة صنع القرار من القوة والسرعة بحيث يصعب تفخيخها أو النيل منها.

إذن، فكرة التفخيخ جزء من العلاقات الدولية، وله طرقه التى يحسنها هؤلاء. والعلاقات العصية على التفخيخ يكون الحل معها بتوثيق العلاقات لتصبح «تحالفاً استراتيجياً» وهو ما يبدو أنه اهتز بشدة فى أعقاب هذه الاحتجاجات على فيلم وصفته هيلارى كلينتون أنها أو حكومتها حتى لم تكن تعلم بوجوده.

ثانياً، خسائر الغضب غير المنضبط عادة تكون كبيرة ولها تداعيات طويلة المدى؛ فمن المثير للتأمل أن أعمال الشغب التى تعرضت لها السفارة الأمريكية فى القاهرة حصلت عندما كان وفد تجارى أمريكى يعقد مؤتمراً صحفياً ختامياً فى مصر. وكان هدفه إقناع مديرى الشركات الأمريكية بأن مصر جاهزة للاستثمارات. هل ستأتى هذه الاستثمارات بنفس القدر وبنفس السرعة؟ أشك.

وبالمثل، فإن السفير الأمريكى كريستوفر سيفنز الذى لفظ أنفاسه الأخيرة فى مستشفى بنغازى كان ينوى زيارة المستشفى ذاته بعد أقل من اثنى عشر ساعة بهدف تشجيع شراكة بينه وبين المستشفيات الأمريكية.

ثالثاً، مثل هذه الأحداث الدامية والغضب غير المنضبط يخلق صورة ذهنية عصية على التغيير، فالصورة الذهنية الناصعة عن الثورة المصرية مثلاً بدأت تتراجع؛ حيث كان الافتراض أن الثورات التى شهدتها بلدان الربيع العربى كانت تسعى إلى تمكين الشعوب من السلطة لكن هذا السيناريو بات فى خطر بسبب وجود صورة أخرى وهى احتمال انزلاق تلك البلدان إلى «حكم الدهماء» فى غياب قيادة قوية.

رابعاً، مثل هذه الأحداث تكون عادة اختباراً لمدى قدرة القيادات السياسية على حسن إدارة الأزمات والتفاعل مع المستجدات؛ فالصورة الذهنية التى تكوّنت عن الدكتور مرسى قبل أحداث الاحتجاج أمام السفارة الأمريكية والتى كانت تنقلها عدسات التليفزيونات الغربية على الهواء مباشرة مثل مباريات الكرة، هذه الصورة الذهنية تغيرت لحد ما مع الهجوم على السفارة الأمريكية بسبب ما وصفته دوائر غربية بأنه «رد فعل اتسم بالفتور» لأنه أدان الفيلم التحريضى قبل أن ينتقد العنف الذى تعرضت له السفارة الأمريكية فى القاهرة علماً بأن الشرطة كان من واجبها أن تحول دون وقوع العنف أصلاً، وأنه أدان الفيلم فقط خلال زيارة إلى بروكسل كان يهدف من ورائها إلى الحصول على قرض بقيمة مليار دولار أمريكى.

خامسا، لا بد من التفرقة بين الأسباب الأصيلة والأسباب المباشرة للغضب. إن دوامة الاحتجاجات العنيفة المناهضة للغرب بين العرب والمسلمين ليست نابعة فقط من الحملة الدعائية التى حاول الفيلم والرسوم الكاريكاتورية بثها ضد الإسلام وأهم رموزه. إن هذه الدوامة لها علاقة بعقود من الإمبريالية الغربية والدور السلبى الذى لعبته دول الغرب فى دعم حكومات مستبدة والاحتلال الإسرائيلى من ناحية، والمهارات التنظيمية لبعض القوى المتطرفة دينياً فى المنطقة. وعليه فإن المنطقة لم تزل مهددة بموجات من العنف ينبغى غلق الطريق عليها عبر العودة إلى أصول المشكلات وعلى رأسها الصراع العربى الإسرائيلى. ويبدو أن أوباما له رغبة حقيقية فى فتح هذا الملف حال فوزه بالانتخابات الجديدة بأن يرفع دعم بلاده لإسرائيل إذا لم تستجب لاستحقاقات السلام وحل الدولتين. وهو ما يقتضى منا أن نساعده فيه وأن نحثه عليه للتخلص من أصل الداء.

سادساً، المسلمون ليسوا بدعاً من شعوب الأرض، فبالعودة إلى عدد الأفلام التى أُنتجت عن الأنبياء والأديان الأخرى والتى لاقت رفضاً من أتباع هذه الديانات يتأكد أن السعى لإهانة الرموز الدينية ستستمر، ولكن علينا ألا نحولها إلى مناسبة لإثبات صحة الأكاذيب التى تقال عنا. ولنتذكر فيلم «الإغواء الأخير للمسيح The Last Temptation of Christ» و«حياة براين Life of Brian» وكلاهما يسخر من نبى المسيحية، وكذلك فيلم «مياه Water» وهو فيلم كندى يروى قصة أرامل هندوسيات وحظى بانتقادات واسعة من الهندوس لأنه ينتقد بعض التقاليد الهندوسية. وستستمر هذه النزعة لدى البعض ممن يرون أن دورهم تقديم صورة مغايرة عن الأديان التى يؤمن بها آخرون.

سابعاً، ليس كل ما ينتجه الغرب من أعمال درامية أو تعبيرية هو جزء من مؤامرات حكومية تقوم بها الدول ضد الأديان؛ هذه المجتمعات تحكم بدساتير تحض على حرية الرأى وحرية التعبير وحرية الانتقاد (حتى لو كان جائراً) تجاه الشخصيات العامة الأحياء منهم والأموات. والأنبياء والقيادات والزعامات كلها عند هؤلاء شخصيات عامة يمكن التقول عليها بما يشاء الفرد. وكلما كان رد فعلنا عنيفاً تجاه مثل هذه الأعمال، فهذا سيفتح شهيتهم للمزيد. لذا فإن الجهد الأساسى الذى ينبغى أن تقوم به الدول العربية والإسلامية هو تمرير معاهدة دولية تحترم الأديان ورموزها الأساسية وأن تطالب الدول المختلفة بالتوقيع ثم التصديق عليها.

هذه لن تكون آخر مواجهة بين الشرق والغرب بسبب محاولات البعض تفخيخ العلاقة بين الطرفين، ولكن من الحمق ألا نستفيد من أخطائنا.
رد مع اقتباس
  #103  
قديم 25-09-2012, 10:50 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي توصيات أمريكية لتطوير العلاقات بين واشنطن وأنقره

توصيات أمريكية لتطوير العلاقات بين واشنطن وأنقره
فريق عمل تابع لمجلس العلاقات الخارجية


عرض شيماء أحمد محمود، مترجمة متخصصة في الشئون السياسية والاقتصادية
تتمتع العلاقة الأمريكية مع تركيا بإمكانية تطويرها لتصبح شراكة دبلوماسية واقتصادية متينة، فالتغييرات الكبيرة التي شهدتها تركيا على مدى السنوات العشر المنصرمة تجعلها مؤهّلَة لتعاون أقوى مع الولايات المتحدة. وبالنظر إلى وضعها الاقتصادي؛ نجد أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في تركيا أهّلها لتكون ضمن أقوى عشرين اقتصادا في العالم، فضلا عن تطلع تركيا وسعيها الحثيث للانضمام إلى صفوف أقوى عشر اقتصاديات في العالم في غضون السنوات العشر المقبلة.

وتلعب تركيا أيضًا دورا أكبر على الساحة الدبلوماسية؛ حيث إنها تشارك بنشاط في المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، وتبحث لإيجاد دور أكبر للإسلام في الحياة السياسية، وتبعث بنداءات صارمة للأسد تطالبه فيها بالتنحي، فضلا عن دعمها المعارضة السورية، وتوفيرها ملاذاتٍ آمنة للاجئين السوريين. ومن ثمّ لم تصبح سياسة تركيا متوافقة مع سياسة الولايات المتحدة فحسب؛ بل مع سياسة المجتمع الأوروبي والدولي أيضا.

وفي هذا الصدد؛ أصدر مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، وهو من المؤسسات الفكرية الهامة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، تقريرا تحت عنوان: "العلاقة الأمريكية-التركية: شراكة جديدة مع تركيا"، شدّد فيه على ضرورة بذل جهود مضنية لتطوير العلاقة التركية-الأمريكية على النحو الذي يكفل تأسيس علاقات إستراتيجية بين البلدين. وأعدّ التقرير فريق عمل برئاسة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت، ومستشار الأمن القومي السابق ستيفن هادلي، والخبير في شئون السياسة العربية في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ستيفن كوك.

تطور العلاقات التركية-الأمريكية

على مدى ستة عقود؛ عملت أنقرة بشكل وثيق مع واشنطن؛ إذ قاتل الجنود الأتراك جنبًا إلى جنب مع الجنود الأمريكيين في كوريا في أوائل عام 1950، وكانت تركيا شريكا حيويا لحلف شمال الأطلسي (الناتو) إبان الحرب الباردة الطويلة.

بيد أنه توترت العلاقة التركية الأمريكية في عام 1960 إبان إدارة جونسون، وفي أوائل عام 1970 عندما حظرت الولايات المتحدة بيع الأسلحة الأمريكية لتركيا في أعقاب الغزو التركي لجزيرة قبرص، ذلك الغزو الذي شنته تركيا ردًّا على الانقلاب اليوناني الذي وضع القبارصة الأتراك الأقلية في خطر. وما صعّد حدة التوتر آنذاك بين الولايات المتحدة وتركيا هو سعي المجتمع الأمريكي والأرميني لإقناع الكونجرس الأمريكي والإدارات المتعاقبة باستصدار قانون يعترف بالمذابح التركية التي ارتُكبت ضد الأرمن في عام 1915.

وولّد الغزو الأمريكي للعراق أيضًا توترات بين واشنطن وأنقرة، نتيجة عجز الجمعية الوطنية الكبرى التركية عن تمرير تشريع يخوّل للقوات الأمريكية استخدام الأراضي التركية لفتح جبهة شمالية ضد صدام حسين، ونتيجة حالة عدم الاستقرار في العراق التي تزامنت مع مرحلة ما بعد الغزو مع استئناف حزب العمال الكردستاني هجماته ضد تركيا.

هذا وقد أُثيرت تساؤلات في أوساط صناع القرار الأمريكيين حول مدى التزام تركيا بالتحالف الغربي عندما أبرمت أنقرة مع البرازيل وإيران اتفاقًا بشأن تشغيل مفاعل الأبحاث الطبية في طهران، وعندما صوتت في وقت لاحق ضد فرض مجلس الأمن عقوبات على النظام الإيراني.

ورغم هذا التوتر الذي اعترى علاقة البلدين؛ لا تزال أنقرة ذات أهمية جيوستراتيجية لواشنطن. فعلى سبيل المثال؛ تحولت تركيا من كونها عاملا مزعزعا للاستقرار في العراق إلى كونها شريكًا هامًّا في عملية إعادة إعمار العراق وتنميته اقتصاديا وتأمين أراضيه. وعملت أنقرة وواشنطن بشكل تعاوني على احتواء الانتفاضات في العالم العربي، لا سيما في ليبيا وسوريا. هذا ووافقت تركيا على استضافة رادار إنذار مبكر لحلف شمال الأطلسي، ما تعتبره واشنطن عنصرا هاما للأمن الأوروبي.

ومن ثم يرى الفريق المعد للتقرير أن الولايات المتحدة وتركيا لديهما، إلى حد كبير، أهداف مشتركة تتعلق بمسائل ذات أهمية مشتركة، وعليه يحض الفريق الحكومتين الأمريكية والتركية على تعميق عملية التشاور بينهما، فهذا من شأنه أن يسهّل على الدولتين التعامل مع المشكلات والأزمات، وأن يخفف من حدة الخلافات بينهما.

العلاقات الاقتصادية.. الحلقة الأضعف

لا يزال الاستثمار والتجارة يمثلان حلقة ضعيفة في العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا؛ فقد بلغ حجم التجارة الثنائية 15 مليار دولار فقط في عام 2010، ولا تزال تلك التجارة الثنائية تعتمد بشكل مفرط على مبيعات الطائرات دون غيرها. ومن ثم بات الطرفان يوليان مزيدا من الاهتمام للعلاقة الاقتصادية. فإبان زيارة الرئيس أوباما لتركيا في عام 2009، تعهد هو والرئيس التركي عبد الله جول بتعزيز الدعامة الاقتصادية لعلاقتهما.

وفي إطار تعاونهما الاقتصادي والتجاري الإستراتيجي؛ شكّلت الولايات المتحدة وتركيا في أكتوبر 2010 لجنة اقتصادية ومجلس أعمال تركي-أمريكي. وفي ديسمبر 2011، عزز نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن مصالح واشنطن في العلاقات الاقتصادية مع تركيا عندما سافر إلى إسطنبول لحضور قمة ريادة الأعمال العالمية التي استضافتها تركيا.

ويُشير التقرير إلى أن تركيا تعتبر واحدة من الأسواق التي تتطلع الولايات المتحدة إلى مضاعفة صادراتها إليها بحلول عام 2015؛ فقطاع ريادة الأعمال النشط يجعل تركيا شريكا مثاليا لمبادرات ريادة الأعمال. ويحض الفريق المعد لهذا التقرير الولايات المتحدة وتركيا على استكشاف سبل جديدة لتعميق علاقتيهما الاقتصادية بشكل لا يفيدهما ماليًّا فحسب، بل بشكل يحصّن علاقتيهما في أوقات التوتر أيضا.

تحوُّل تركيا: الإصلاحات الأخيرة

شهدت تركيا على مدى العقد المنصرم تحولات جذرية، وبات اقتصادها في الوقت الراهن يحتل المركز السابع عشر بين أكبر عشرين اقتصادا في العالم؛ بل وتتطلع أيضًا لتجعل اقتصادها ضمن أكبر 10 اقتصاديات في العالم بحلول عام 2023. ويوضح التقرير فيما يلي الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أُجريت في تركيا:

أولًا: الإصلاحات السياسية

كان للإصلاحات التي أجرتها أنقرة للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي تأثير كبير على السياسة التركية. ففي عام 2003-2004 مرّرت الجمعية الوطنية الكبرى التركية ما لا يقل عن سبع حِزم إصلاح تشريعي شامل ومجموعة متنوعة من التعديلات الدستورية برعاية حكومتي حزب العدالة والتنمية. وطرأت تغييرات أيضًا على الاقتصاد، والقضاء، وحقوق الأقليات، والسياسة الخارجية، وحقوق الإنسان. وفي محاولة لتوسيع نطاق الحريات والحقوق الشخصية، وضعت تركيا قانون عقوبات جديد، وحظرت عقوبة الإعدام، ورفعت الحظر عن البث الإذاعي والتعليم باللغة الكردية.

ثانيًا: الإصلاحات الاجتماعية

وافق الرئيس التركي عبد الله جول في عام 2008 على إصلاح دستوري تاريخي يسمح للطالبات بارتداء الحجاب في الجامعات، رغم اعتراضات قوية من النخبة العلمانية التركية. وكان قرار إلغاء الحجاب في الجامعات التركية قد فُرض للمرة الأولى في أعقاب الانقلاب العسكري في عام 1980، غير أن تطبيق قانون الحظر تفاوت على مدى السنوات. وبات الأتراك أكثر حرية في التعبير عن معتقداتهم الدينية بطرق لم تكن متاحة لهم من قبل، ما يمثل تحسنا عاما في الحريات الشخصية والسياسية في تركيا.

ثالثًا: الإصلاحات الاقتصادية

ساهم النمو الاقتصادي القوي في تركيا على مدى العقد الماضي في تغيير المجتمع التركي تغييرًا جذريًّا، وفي توطيد الهيمنة السياسية لحزب العدالة والتنمية. وقد تحول الاقتصاد التركي إلى قصة نجاح أوروبية وعالمية؛ فقد نما الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010 إلى 736 مليار دولار، مقارنة بـ231 مليار دولار سجلها قبل ذلك العام.

واعتبارا من عام 2002 وحتى عام 2007؛ نما الاقتصاد التركي بمعدل تجاوز 6% سنويا. هذا وتضاعفت الصادرات التركية بأكثر من ثلاثة أضعاف، وتراجع معدل التضخم من ما بين 60% - 80% التي سجلها في عام 1990 إلى ما بين 6% - 10% في العقد الماضي.

وفي عام 2010؛ توسع الناتج المحلي الإجمالي في تركيا بنسبة 9%، مما أهّلها لتكون ضمن الاقتصاديات العشر الأسرع نموا في العالم. وعلاوة على ذلك، نما الاستثمار الأجنبي المباشر الذي بلغ 684 مليون دولار في عام 1990، إلى 9.1 مليار دولار في عام 2010.

تركيا والشرق الأوسط

يبدو أن القيادة التركية الإقليمية الناشئة ستضع أنقرة في موقف قوي للمساعدة في التأثير على المسار السياسي في بلدان مثل تونس ومصر وليبيا وسوريا، وغيرها من البلدان. ويرى معدو التقرير أن تركيا تعتبر نموذجا جيدا للدولة الإسلامية المتحضرة، لذا فهي في وضع جيد لتقدم درسا للعرب الذين يناضلون من أجل تحقيق أهدافهم الثورية.

وفيما يتعلق بالقضية السورية، تطالب تركيا الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي حقنا للدماء، وتشارك في الجهود الرامية إلى عزل النظام السوري السلطوي والضغط عليه من خلال عقوبات صارمة، وتدعم جهود مبعوث الأمم المتحدة الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.

ويشير التقرير الأمريكي إلى أن تركيا يمكن أن تكون محرّكا للنمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما وأنها تتمتع باقتصاد متين وقطاع مصرفي متطور. كما يمكن أن توفر تركيا الاستثمارات، والأدوات اللازمة لتطوير البنية التحتية، والمساعدة التقنية لكل من مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن، كلٌ من أجل إنعاش اقتصادهم الهش.

توصيات التقرير

يوصي فريق عمل مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في تقريرهم بما يلي:

أولًا: ينبغي أن تضع الولايات المتحدة في اعتبارها أنها تتعامل مع تركيا جديدة تماما، وأن العلاقات الثنائية بين واشنطن وأنقرة تشهد تغييرًا جوهريًّا.

ثانيًا: ينبغي أن تدرك الولايات المتحدة أن حزب العدالة والتنمية ذا التوجه الديني لا يتعارض مع الديمقراطية أو التقدم أو مع الليبرالية الاقتصادية.

ثالثًا: ينبغي أن تتعاون تركيا والولايات المتحدة على مساعدة البلدان العربية المضطربة، وعلى وضع حد لإراقة الدماء في سوريا، وعلى ردع إيران النووية، وعلى الحفاظ على التقدم الاقتصادي والسياسي في العراق، وعلى إرساء الاستقرار والأمن والسلام في باكستان وأفغانستان. كما يتعين عليهما العمل معا على تشكيل شرق أوسط أكثر ديمقراطية وازدهارا.

رابعًا: ينبغي أن تقدم الولايات المتحدة التمويل، والضمانات، والتأمين ضد المخاطر السياسية للشركات التركية التي تؤازر الشركات الأمريكية الراغبة في الاستثمار في الشرق الأوسط.

خامسًا: ينبغي أن تشارك الولايات المتحدة في الجهود الرامية إلى منح تركيا مقاعد في السلطة التنفيذية لصندوق النقد الدولي.

سادسًا: ينبغي أن يشجع المسئولون الأمريكيون حكام الولايات الأمريكية ورجال الأعمال على القيام ببعثات تجارية إلى تركيا من أجل تعزيز العلاقة التجارية بين البلدين.

سابعًا: يتعين على الولايات المتحدة وشركاء أنقرة الآخرين تقديم الدعم والمشورة لتركيا من أجل تنشيط برنامجها الإصلاحي السياسي.

ثامنًا: يجب أن يضع صناع القرار الأمريكيون في اعتبارهم أن العلاقة بين الأكراد والدولة التركية ربما هي القضية هي الأكثر حساسية التي تواجه تركيا، وأن أوباما أمامه فرصة لتلطيف الأجواء لا سيما وأن له علاقة طيبة بأردوغان وهيبة عند الأكراد.

تاسعًا: ينبغي أن تشجع واشنطن رئيس الوزراء أردوغان على إجراء محادثات مع حزب السلام والديمقراطية الذي يتمتع بأكثر من ثلاثين مقعدا في البرلمان، ويسيطر تقريبا على كافة البلديات الرئيسية في جنوب شرق البلاد. فالمحادثات بين الحكومة والحزب ستحظى بترحيب لأن العديد من الأكراد يعتبرون حزب السلام والديمقراطية متحدثا باسمهم وشريكا في الجهود الرامية إلى الاعتراف الرسمي بهم.

عاشرًا: ينبغي أن تعمل الولايات المتحدة مع القيادة الكردية في أربيل لمضاعفة جهودها الرامية إلى وضع حد للكفاح المسلح الذي يشنه حزب العمال الكردستاني ضد تركيا.
رد مع اقتباس
  #104  
قديم 25-09-2012, 10:57 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي الخروج من قواعد أوسلو

الخروج من قواعد أوسلو
بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس محمود عباس، وقال فيه: إنّ المصالحة تعني الانتخابات، وأنه لا حوار آخر مع "حماس" إلا إذا سمحت للجنة الانتخابات باستئناف تسجيل الناخبين في قطاع غزة، وبعد رد فعل "حماس" الشديد الذي وصف عباس بـ"رأس الفتنة"، وأنّ لا مصالحة من دون التخلص منه؛ بات واضحًا أكثر من أي وقت مضى أن المصالحة بعيدة المنال.

تأسيسًا على هذا الاستنتاج، لم يعد مُجديًا استمرار الجهود والمبادرات والتحركات الرامية إلى دعم وتطوير مسار المصالحة الوطنيّة، أو تركيز العمل على تطبيق الاتفاقات المبرمة، بل لا بد من البحث عن مسار جديد مختلف نوعيًّا.

بعد تأمل طويل وعميق؛ توصّلت إلى قناعة بأن جذر الفشل في تحقيق المصالحة يعود أولًا وأساسًا إلى البحث فيها بحد ذاتها بمعزل عن حل المأزق الشامل الذي تواجهه القضيّة الفلسطينيّة، وأداةُ تجسيدها الشعبُ الفلسطينيُ وحركتُه السياسيةُ بشقيها الوطنيّ والإسلاميّ.

إن مسار البحث عن المصالحة أخفق لأن الشغل الشاغل للأطراف المتنازعة وتلك الساعية لحل النزاع الداخلي تمحور على توزيع "كعكة السلطة"، واستبعاد المنظمة أو التعامل معها كمجرد ملف من ملفات خمسة يتم الاقتراب منه أحيانًا واستبعاده غالبًا.

لقد أصبح تشكيل الحكومة ولجنة الانتخابات واللجنة الأمنيّة، أي المحاصصة في السلطة، هو الأمر الذي يحتل الأولويّة، في حين أن ما يجب أن يحظى بالاهتمام هو وضع السلطة في النظام السياسي، ومكانتها، ووظائفها، وشكلها، والتزاماتها، ومدى الحاجة إلى استمرارها بالشكل الذي ولدت فيه بعد أن اتّضح أن مسار المفاوضات الثنائيّة واتفاق أوسلو وما ترتب عليه من ملاحقَ والتزاماتٍ، لا يقود إلى إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير، بل أدى إلى جعل الحل الانتقالي المؤقت، الذي كان من المفترض أن ينتهي باتفاق نهائي في أيار في العام 1999، حلًا مفتوحًا إلى أجل غير مسمى.

هذا على الرغم من أن إسرائيل - وأقول إسرائيل، وليس حكومة نتنياهو أو حكومة بعينها، بل مجمل الحكومات الإسرائيليّة التي تعاقبت على الحكم منذ توقيع اتفاق أوسلو-؛ تجاوزت اتفاق أوسلو بالرغم من مزاياه الهائلة لها، لأنه باعتقادها أعطى الفلسطينيين أكثر مما يستحقونه، أو أكثر مما يستطيعون الحصول عليه استنادًا إلى قوتهم الذاتيّة ومصادر دعمهم العربيّة والدوليّة. لذا أخذت إسرائيل منذ اغتيال إسحاق رابين تعيد صياغة أوسلو بما يحقق مصالحها وأهدافها ودون مراعاة مصالح الفلسطينيين.

في هذا السياق، ارتدت إسرائيل عن أوسلو مع تمسكها بالالتزامات الفلسطينيّة فيه، وبدأت عمليّة أخرى، خصوصًا بعد فشل قمة كامب ديفيد في العام 2000، حيث استهدفت فيها تعميق الاحتلال، وتوسيع الاستيطان، واستمرار العدوان، والحصار، وبناء جدار الفصل العنصري، وتعميق فصل القدس عن بقيّة الأراضي المحتلة عام 1967، وفصل الضفة عن القطاع، والأراضي (ج) عن أراضي (أ) و(ب)، وفعلت كل ما يمكن فعله لقطع الطريق على قيام دولة فلسطينيّة، والسعي لبقاء السلطة كسلطة حكم ذاتي منقوص على الأرض، ووكيل أمني للاحتلال، وترتيب دائم من دون أفق للتحول إلى دولة حقيقية.

لذلك كله يكون الأمر الحاسم، الذي يستحق أن تكون له الأولويّة لدى الفلسطينيين، التخلص من الحل الانتقالي طويل الأمد متعدد المراحل، الذي يتم فيه ضياع الأرض والقضيّة والإنسان بالتدريج وخطوة خطوة، ومع نهاية مؤكدة وهي تصفية القضيّة الفلسطينيّة بوصفها قضيّة تحرر وطني، وتحولها إلى قضيّة إنسانيّة تتعلق بتقديم مساعدات أو بـ"حل النزاع" بين سلطة الحكم الذاتي وسلطة الاحتلال، من أجل توسيع صلاحياتها في الحكم الذاتي في إطار واضح وثابت من السيادة الإسرائيليّة على ما فوق الأرض، وتحتها، والحدود، والأجواء، والبحار.

إن فشل الجهود والمبادرات لتحقيق المصالحة يعود إلى التزامها بالحفاظ على الوضع الراهن المحكوم باتفاقات والتزامات مجحفة بالفلسطينيين.

إن هذا المنهج جعل إسرائيل هي المتحكمة بالمصالحة، فهي التي وضعت الشروط للاعتراف بـ"حماس" أو بأي حكومة تشارك فيها "حماس" أو تشارك في تشكيلها وإعطائها الشرعيّة من خلال منحها الثقة في المجلس التشريعي الذي تحظى فيه بالأغلبيّة.

هذه الشروط (شروط الرباعية الدولية) تتضمن: الاعتراف بإسرائيل، ونبذ العنف والإرهاب، والالتزام بتطبيق الاتفاقيات التي وقعتها المنظمة مع إسرائيل، خصوصًا فيما يتعلق بالتنسيق الأمني، وتطبيق اتفاقيّة باريس التي تتضمن تبعيّة الاقتصاد الفلسطيني بالكامل للاقتصاد الإسرائيلي.

على هذا الأساس، أصبح التركيز على أن يحظى أي اتفاق للمصالحة بموافقة المجتمع الدولي، أي الولايات المتحدة وإسرائيل.

وعلى هذا الأساس أيضًا تم التركيز على مسألة تشكيل الحكومة، وتغيرت من حكومة وحدة وطنيّة تشارك فيها الفصائل إلى حكومة مستقلين، ومن حكومة تحظى بثقة المجلس التشريعي إلى حكومة تحظى بثقة من الرئيس فقط؛ للتأكيد على أنها حكومته، وتتبنى برنامجه الذي يتضمن الموافقة على الشروط الإسرائيليّة.

وفي هذا السياق، نلاحظ أن التركيز على تشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات وتوحيد الأمن؛ جعل مسار المصالحة محكومًا عليه بالفشل، لأن هذه الملفات تتحكم بها إسرائيل تمامًا، ونجاحه يعني أن "حماس" وكل الأطراف الفلسطينيّة أصبحت في "بيت الطاعة" الإسرائيلي، وأعطت الشرعية لاتفاق أوسلو بالرغم من تجاوز إسرائيل له.

فإسرائيل تستطيع السماح بتشكيل الحكومة أو إجراء الانتخابات أو توحيد الأمن أو منع ذلك، بحيث توافق على كل هذه المسائل إذا جاءت في سياق عمليّة تفيد إسرائيل وتعمق احتلالها، وتمنعها إذا أدت إلى الإضرار بها أو لم تحقق مصالحها وأهدافها.

تأسيسًا على ما تقدم، فإن مفتاح الخلاص الوطني هو البحث عن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة وتحقيق المصالحة في سياق إحياء المشروع الوطني وإعادة تشكيل المنظمة على أساس تمثيلي على أساس الانتخابات ومشاركة سياسية حقيقية، بحيث تكون قولًا وفعلًا هي الممثل الشرعي والوحيد، وتقدم القيادة الواحدة التي تقوم بوضع طاقات الشعب الفلسطيني، وموارده، وكفاءاته، وخياراته، وقواه، وفعالياته، في مجرى واحد قادر على تحقيق قضيته الوطنيّة، من خلال إنهاء الاحتلال وإنجاز الحريّة والعودة والاستقلال، وضمان حقوق الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده.

إن ملف المنظمة هو الملف الذي يستحق أن يحظى بالأولويّة، لأنه يعني الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، ولأن الاتفاق عليه ممكن من دون فيتو إسرائيلي، ويفتح الطريق للاتفاق على الملفات الأخرى بسهولة. فالاحتلال لا يستطيع منع الاتفاق الفلسطيني على إحياء المشروع الوطني وأداة تجسيد منظمة التحرير، بينما استطاع منع تشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات إذا لم تلبِ الشروط الإسرائيليّة.

طبعًا، إن التركيز على ملف المنظمة سيغضب إسرائيل، ويمكن أن يترتب عليه إجراءات إسرائيليّة ضد المنظمة وقادتها وتحركاتهم، وهذا لا يغير من حقيقة أن استعادة المنظمة لدورها الفاعل هو المدخل الوحيد لإحياء القضيّة الفلسطينيّة مهما كان الثمن، والذي يجعل المصالحة ممكنة وتصب في صالح الفلسطينيين، وليس تقاسم حصص بين الفصائل وبعض الشخصيات الوطنيّة في إطار السلطة التي أصبح رئيسها يردد أنها أصبحت "بلا سلطة".

إن المصالحة، التي تعني إنهاء الانقسام، ممكنة فقط إذا جرت في سياق إحياء المشروع الوطني، وعندها يكون المواطن الفلسطيني مستعدًا لئن يخسر راتبه ويُضحي ويعاني من أجل قضيّته الوطنية ومستقبل أولاده ووطنه، أما الآن، فهو غير مستعد لئن يخسر راتبه وأمنه واستقراره مقابل مصالحة بين "فتح" و"حماس"، أي مقابل توزيع "كعكة السلطة"، فهذا أمر لا يستحق العناء.

إن الاستمرار في الاحتكام لقواعد اللعبة التي بدأت منذ توقيع اتفاق أوسلو لن يؤدي إلى تحرير الأرض أو الإنسان، ولا إلى الديمقراطيّة والتنمية، ولا إلى المصالحة، ولا إلى أي شيء آخر، وإنما في أحسن الأحوال سيؤدي إلى تحسين شروط حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال. لذا لا بد من الخروج من اللعبة كليًا والبحث عن مسار جديد قادر على تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني وأمانيه ومصالحه الفرديّة والعامة.

الخروج يمكن ألا يتم مرة واحدة، وليس من الضروري أن يكون بإلغاء اتفاق أوسلو رسميًّا، وإنما بتجاوزه عمليًا على أرض الواقع مثلما عملت إسرائيل، وهو ممكن وضروري لشق مسار جديد يربط الفلسطينيين بما يجري حولهم من متغيرات وثورات، وقادر على حماية القضيّة الفلسطينية وصولًا إلى انتصارها.
رد مع اقتباس
  #105  
قديم 26-09-2012, 02:47 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي إلى أين تتجه علاقات واشنطن والقاهرة بعد الفيلم المسيء للرسول؟

إلى أين تتجه علاقات واشنطن والقاهرة بعد الفيلم المسيء للرسول؟

رضوى عمار
تمر العلاقات المصرية – الأمريكية حالياً، بثان أزماتها بعد ثورة 25 يناير، بسبب الهجمات "الشعبية" على السفارة الأمريكية بالقاهرة، والتي جاءت كرد فعل على فيلم "براءة المسلمون" الذي أنتج في الولايات المتحدة، وتعتبر هذه ثاني أزمة في العلاقات بين البلدين حيث كانت الأولى تتعلق بوضعية منظمات المجتمع المدني الأمريكية العاملة في مصر،

ومنها: المعهد الوطني الديمقراطي والمعهد الجمهوري الدولي، اللذان يتبعان بصفة رسمية الحزبان الديمقراطي والجمهوري، وبيت الحريات، والمركز الدولي للصحفيين. لكنها تعتبر الأولى بعد فوز محمد مرسي، مرشح حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، في انتخابات الرئاسة المصرية.

علاقات مرتبكة:

يشير تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في رده على التعامل المصري مع الاحتجاجات أمام السفارة الأمريكية، في 12سبتمبر من أنه لا يمكن اعتبار الحكومة المصرية "حليف، كما أنها ليست عدو، هي حكومة جديدة تحاول البحث عن طريق"، إلى واقعية الإدارة الأمريكية في التعامل مع مصر حاليا، وإدراكها أن العلاقات معها خلال هذه الفترة لن تكون خالية من الأزمات أو التوترات.

منذ ثورة 25 يناير ، كان هناك تردد أمريكي حول كيفية التعامل مع مصر، التي ظلت طوال عهد الرئيس مبارك "حليف استراتيجي" لواشنطن في المنطقة، وقد كان تشكل نوع من التوافق داخل الإدارة الأمريكية على قبول نتائج التغيير الثوري في مصر أيا كانت، والتعامل معه كأمر واقع، بما في ذلك سيناريو سيطرة الأخوان المسلمين على الحكم في مصر. وطوال المرحلة السابقة على انتخابات الرئاسة المصرية، سعت واشنطن لبناء علاقات "بناءة" مع الأخوان في مصر، وكان لهذه الجهود أهميتها في علاج الأزمة الأولى التي نشبت مع واشنطن ، والتي عرفت إعلاميا بأزمة المنظمات الأمريكية.

حيث ثمنت واشنطن دور الأخوان المسلمين في احتواء أزمة المنظمات، حتى أن بعض أعضاء الكونجرس، ذكروا أن بيان حزب الحرية والعدالة الذي أبرز أهمية دور المنظمات غير الحكومية وإيجاد تشريعات تدعم هذا الدور في 20 فبراير 2012 لعب دور في هذا الصدد.

وقد أكدت هذه الأزمة أن الأخوان المسلمين، هم شريك آخر لواشنطن في مصر، الى جانب المجلس العسكري، وهو ما يبرر اتجاه واشنطن لتوفير الدعم المالي والاقتصادي لمصر، بعد انتخابات الرئاسة، ووعدها بخفض الديون المصرية، حيث:

- سمحت إدارة أوباما في مارس 2012 بتقديم 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية لمصر، رغم هواجس أعضاء بارزين في الكونجرس حول دور الجيش المصري في عملية التحول الديمقراطي.

- عملت واشنطن على إنهاء إجراءات تخفيف الديون المصرية بمقدار 1 مليار دولار، وأرسلت بعثة من الشركات الأمريكية عالية المستوى لدفع العلاقات التجارية.

- زيارة روبرت هرماتس وكيل وزارة الخارجية للنمو الاقتصادي لمصر للتفاوض على حزمة المساعدات، والذي قال أنها سوف تخفف عن مصر جزء من الضغط المالي المباشر دعماً لخطة الإصلاح الحكومية المصرية. وإعلانه عن الدعم الأمريكي لقرض الـ4.8 مليار دولار التي طلبها الرئيس محمد مرسي من البنك الدولي.

- اقتراح إدارة أوباما تمويلاً قدره 800 مليون دولار للسنة المالية 2013 التي تبدأ في أكتوبر الأول، لمساعدة دول أخرى شهدت ثورات رغم أن كثير من تلك الدول نددت بالولايات المتحدة.
ولكن دفعت أزمة الفيلم المسيء، تيارات داخل الإدارة الأمريكية لإعادة النظر في كيفية التعامل مع مصر، حتى أن بعضها طالب باتباع سياسة الإكراه Coercion diplomacy، التي اتبعها جونسون اتجاه مصر في أثناء حكم عبدالناصر منتصف الستينات، من خلال المطالبة بقطع المعونة الأمريكية عن مصر، ووقف المساعدات الاقتصادية لها. حيث:

- طالب السيناتور راند بول Rand Paul(R-KY) أن توقف واشنطن كل المساعدات الأجنبية إلى مصر وليبيا استجابة لأحداث في بنغازي والهجمات على السفارة الأمريكية في القاهرة.

- قدم في 13 سبتمبر الجاري ، مشروعين للكونجرس، الأول يقرر تقديم تقرير إلى الكونجرس بشأن الهجمات على السفارة الأمريكية في ليبيا ومصر واليمن، ليساعد أعضاء الكونجرس على تقرير الدول التي تستحق المساعدة الأجنبية، ويطالب الثاني بتعليق المساعدات لمصر وليبيا حتى يؤكد الرئيس للكونجرس أن الحكومتان قدموا الحماية الواجبة للسفارات والقنصليات الأمريكية.

وفي المقابل، تعاملت الخارجية الأمريكية بحذر، حيث صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، في 14 سبتمبر، خلال مراسم استقبال جثث الدبلوماسيين الأمريكيين الذين قتلوا في بنغازي بأنه "لم تبدل شعوب مصر وليبيا واليمن وتونس استبداد دكتاتور باستبداد الغوغاء" وأنه "يجب على الناس العقلاء والقادة العقلاء في هذه البلاد أن يفعلوا كل ما بوسعهم لاستعادة الأمن ومحاسبة المسئولين عن هذه الأعمال العنيفة". كما أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جورج ليتل أن وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا أجرى اتصالاً هاتفياً بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي في 14 سبتمبر، للتأكيد على أهمية ضمان سلامة وأمن البعثة الأمريكية، وقد أفاد بتأكيد السيسي التزام مصر بتأمين المنشآت الدبلوماسية الأمريكية والموظفين الأمريكيين.

استنفار "إخواني" :

كانت ردود فعل الحكومة المصرية على التصريحات الأمريكية، أكثر أهمية من ردها على الاحتجاجات أمام السفارة الأمريكية، في فهم أبعاد الحرص المصري على الاحتفاظ بالعلاقات مع واشنطن بدون مشاكل على الأقل خلال المرحلة الحالية. حيث كثفت القاهرة اتصالاتها بواشنطن في محاولة لاحتواء الأزمة، على مسارين، الأول رسمي على مستوى مؤسسات الدولة، والآخر غير رسمي على مستوى حزب الحرية والعدالة.

فعلى المستوى الرسمي، صرح الرئيس مرسي في 12 سبتمبر، بتكليفه السفارة المصرية في واشنطن باتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضد منتجي الفيلم المسيء للنبي محمد، كما أكد أيضاً على "حق التظاهر السلمي في حدود القانون"، وأن الدولة ستتصدى "بكل حزم لأي محاولة غير مسئولة، للخروج عن القانون." كما شدد ياسر علي المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية في 16 سبتمبر ، على أنه لا هوادة في حماية البعثات الدبلوماسية ولا تفريط ولن تتوان الدولة المصرية في ذلك.

كما أجرى وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو اتصالاً بوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في 15 سبتمبر أكد من خلاله رفض القاهرة الفيلم، وأنه يندرج ضمن أعمال إثارة الكراهية ضد الشعوب ، ويتنافى مع القوانين والأعراف الهادفة إلى تنمية علاقات السلام والتفاهم بين الشعوب والدول، وأكد أن السلطات المصرية مصرة على القيام بواجباتها "كاملة في حماية السفارات والبعثات الدبلوماسية الموجودة على الأراضي المصرية، وأنها لن تسمح بالاعتداء على الممتلكات الأجنبية في مصر في شكل عام".

إلى جانب ذلك، أكد رئيس الوزراء هشام قنديل في مقابلة أجرتها معه بي بي سي العربية، في 17 سبتمبر ، أن أعداد من المتظاهرين تلقوا أموالاً للاحتجاج أمام السفارة الأمريكية، وأن هناك تعقب لهؤلاء الأشخاص للوصول للفاعل الرئيس المحرك لهؤلاء المتظاهرين.

وعلى المستوى غير الرسمي، سعى حزب الحرية والعدالة وجماعة الأخوان المسلمين، للتأكيد على عدم مسئولية الإدارة الأمريكية عن الفيلم، وتأكيد مسئولية أقباط المهجر عنه، وهذا ما أكده بيان حزب الحرية والعدالة الصادر في 11 سبتمبر، حيث قدم محامي جماعة الإخوان المسلمين بلاغ إلى النائب العام في مصر ضد عدد من الأقباط المنتجين للفيلم المسيء للرسول (موريس صادق، عصمت زقلمة، مرقص عزيز، تيري جونز).

وتراجعت الجماعة عن دعوتها إلى تنظيم وقفات أمام مساجد الجمهورية في الجمعة التالية على الأحداث 14 سبتمبر والاقتصار على التواجد الرمزي في ميدان التحرير، كما اتجهت لمخاطبة الرأي العام الأمريكي من أجل تفسير ما جرى في مصر.

حيث أكد بيان الحزب في 13 سبتمبر، على أن التعبير السلمي ضد الفيلم المسيء للنبي حق بل واجب على الشعب المصري بمسلميه ومسيحيه، كما طالب بـ "إصدار اتفاقية دولية تجرم الإساءة للمقدسات والرموز والديانات السماوية واعتبار من يخالف ذلك يهدد الأمن والسلم الدوليين ويعرضه إلى عقوبات رادعة".

إلى جانب ذلك، صرح عصام العريان، القائم بأعمال رئيس حزب "الحرية والعدالة" ، خلال لقاء صحفي عقده في قاعة مؤتمرات الأزهر يوم 16 سبتمبر تلقيه اتصالاً من البيت الأبيض أشاد فيه بموقف الحزب في أحداث السفارة الأمريكية ووصفه بـ"الجيد والمحترم". وقال أن "البيت الأبيض ثمن دورنا كحزب في التعامل مع الحدث". وأكد حرص الحزب على توطيد العلاقة بالجانب الأمريكي وتفادي توتير العلاقات معه مع الوضع في الاعتبار الاحترام المتبادل والأسس المشتركة بيننا".

كما أرسل خيرت الشاطر، رسالة إلى الشعب الأمريكي نشرتها جريدة نيويورك تايمز الأمريكية في 13 سبتمبر بوصفه نائب المرشد، أعرب فيها عن تعازيه إلى الشعب الأمريكي، وأكد فيها عدم "تحمل الحكومة الأمريكية أو مواطنيها المسئولية عن أعمال فئة قليلة أساءت إلى القوانين التي تحمي حرية التعبير"، وأمل أن تكون " العلاقات التي سعى الأمريكيون والمصريون لبنائها خلال الشهرين الماضيين تستطيع أن تتجاوز هذه الأحداث".

حرص متبادل:

لا يزال هناك حرص أمريكي على الاحتفاظ بعلاقات قوية مع مصر، وهذا ما يفسره توضيح المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني، للتصريح الخاص بأوباما حول مصر، حيث ذكر أن كلمة "حليف هي مصطلح قانوني. والرئيس من الناحيتين الدبلوماسية والقانونية كان يتحدث بطريقة صحيحة، وهي أننا ليس لدينا معاهدة تحالف مع مصر".

كما يقابل التيارات التي تدعم باتجاه تبني دبلوماسية الإكراه، تيارات أخرى يبدو أنها لا تزال هي المؤثرة حتى الآن، والتي تفضل تبني دبلوماسية الترغيب Appeasement Diplomacy، وهذا ما تعبر عنه نانسي بيلوسي زعيمة الأقلية في الكونجرس، حيث اعتبرت أن النجاح الاقتصادي مهم لاستقرار الدولة وهو ما تبرز أهميته في استقرار الإقليم والعالم والسلام العالمي. ويرى هذا التيار أن القطع المفاجئ للتمويل قد يدفع حكومة مرسي الجديدة لقطع العلاقات مع الشركاء الغربيين لصالح قوى إقليمية أقل تسامحاً، وأن نجاح أو فشل مصر في التحول نحو الديمقراطية سيكون عامل محدد في مستقبل التغيير الذي تنشده الثورات العربية في الإقليم برمته.

ويقابل ذلك حرص جماعة الأخوان المسلمين في مصر على عدم توتر العلاقات الأمريكية مع مصر، خاصة وأن الدعم الذي تقدمه واشنطن للجماعة، وحرصها على نجاح تجربتها في الحكم في مصر، توفر لها قدر كبير من الشرعية الداخلية، فضلا عن الشرعية الإقليمية، فحتى الآن لم تتبن واشنطن موقفا رافضا لي من تحركات مرسي الخارجية، بما في ذلك مبادرته الخاصة بالرباعية الإقليمية حول سوريا.

ولكن هذا الحرص المتبادل، لا يعني ارتخاء العلاقات بين الجانبين، حيث من المتوقع أن تثور توترات وأزمات أخرى في الفترة المقبلة، وسيظل التحدي مرتبط بكيفية إدارتها.
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:46 PM.