#1006
|
||||
|
||||
وصف البلغاء والحكماء للحسد قد أكثر الكتاب والبلغاء والحكماء من وصف الحسد والتحذير منه، وما ذاك إلا لشديد قبحه ودناءته؛ ومن ذلك:
قال بعض الحكماء: (ما أمحق للإيمان، ولا أهتك للستر، من الحسد، وذلك أنَّ الحاسد معاند لحكم الله، باغٍ على عباده، عاتٍ على ربه، يعتدُّ نعم الله نقمًا، ومزيده غيرًا، وعدل قضائه حيفًا ، للناس حال وله حال، ليس يهدأ ولا ينام جشعه، ولا ينفعه عيشه، محتقر لنعم الله عليه، متسخط ما جرت به أقداره، لا يبرد غليله ، ولا تؤمن غوائله ؛ إن سالمته وَتَرك ، وإن واصلته قطعك، وإن صرمته سبقك) . وسئل بعض الحكماء: أي أعدائك لا تحبُّ أن يعود لك صديقًا؟ قال: (الحاسد الذي لا يرده إلى مودتي إلا زوال نعمتي) . وقيل: (من صغر الهمة الحسد للصديق على النعمة) . وقيل: (ليس من الحسد سرور) . وقيل: (من علامات الحاسد أن يتملق إذا شهد، ويغتاب إذا غاب، ويشمت بالمصيبة إذا نزلت) . وقيل: (الحاسد إذا رأى نعمة بهت، وإذا رأى عثرة شمت) . وقيل: (الحاسد يعمى عن محاسن الصبح) . وقيل: (الناس حاسد ومحسود، ولكل نعمة حسود) |
#1007
|
||||
|
||||
ذم الحسد في واحة الشعر
أكثر الشعراء من ذكر الحسد والحساد، وأطنبوا في وصف ذلك الخلق الذميم والتندر بأصحابه، ومن ذلك: قال ابن المعتز: ما عابني إلا الحسو *** دُ وتلك من خيرِ المعايب وإذا فقدتُ الحاسديـ *** ن فقدتُ في الدنيا المطايب وقال محمود الوراق: أعطيت كلَّ الناسِ من نفسي الرضا *** إلا الحسودَ فإنَّه أعياني لا أنَّ لي ذنبًا لديه علمتُه *** إلَّا تظاهر نعمةِ الرحمنِ يطوي على حنقٍ حشاه لأن رأى *** عندي كمالَ غنى وفضلَ بيانِ ما إن أرى يرضيه إلا ذلَّتي *** وذهابُ أموالي وقطعُ لساني وقال الطغرائي: جاملْ عدوَّك ما استطعتَ فإنَّه *** بالرفقِ يطمع في صلاح الفاسدِ واحذرْ حسودَك ما استطعت فإنَّه *** إن نمت عنه فليس عنك براقدِ إنَّ الحسودَ وإن أراك توددًا *** منه أضرُّ من العدو الحاقدِ ولربما رضي العدوُّ إذا رأى *** منك الجميلَ فصار غير معاندِ ورضا الحسودِ زوالُ نعمتك التي *** أوتيتها من طارف أو تالدِ فاصبرْ على غيظِ الحسود فنارُه *** ترمي حشاه بالعذابِ الخالدِ تضفو على المحسودِ نعمةُ ربِّه *** ويذوبُ من كمدٍ فؤادُ الحاسدِ وقال المعافى بن زكريا النهرواني: ألا قلْ لمن كان لي حاسدًا *** أتدري على من أسأت الأدبْ أسأتَ على الله في فعلِه *** لأنَّك لم ترضَ لي ما وهبْ فأخزاك عنه بأن زادني *** وسدَّ عليك وجوهَ الطلبْ وقال الطائي: وإذا أراد الله نشرَ فضيلةٍ *** طُويت أتاح لها لسانَ حسودِ لولا اشتعالُ النارِ فيما جاورتْ *** ما كان يُعرفُ طيبُ عرفِ العودِ لولا التخوفُ للعواقبِ لم تزلْ *** للحاسدِ النعمى على المحسودِ وقال أبو الأسود: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيَه *** فالقومُ أعداءٌ له وخصومُ كضرائرِ الحسناءِ قلنَ لوجهِها *** حسدًا وبغيًا إنَّه لدميمُ والوجهُ يشرقُ في الظلامِ كأنَّه *** بدرٌ منيرٌ والنساءُ نجومُ وترَى اللبيبَ محسدًا لم يجترمْ *** شتمَ الرجالِ وعرضُه مشتومُ وكذاك مَن عظمتْ عليه نعمةٌ *** حسادُه سيفٌ عليه صرومُ فاتركْ محاورةَ السفيهِ فإنَّها *** ندمٌ وغبٌّ بعدَ ذاك وخيمُ وقال آخر: إن يحسدوني فإني غيرُ لائمِهم *** قبلي مِن الناسِ أهلِ الفضلِ قد حُسدوا فدامَ لي ولهم ما بي وما بهم *** ومات أكثرُنا غيظًا بما يجدُ أنا الذي يجدوني في صدورِهم *** لا أرتقي صدرًا منها ولا أردُ وقال أبو الحسن التهامي: إني لأرحمُ حاسديَّ لحرِّ ما *** ضمَّت صدورُهم من الأوغارِ نظروا صنيعَ الله بي فعيونُهم *** في جنةٍ وقلوبُهم في نارِ وقال آخر: كلُّ العداواتِ قد تُرجَى مودتُها *** إلا عداوةَ مَن عاداك مِن حسدِ وقال آخر: ما يُحسدُ المرء إلا مِن فضائلِه *** بالعلمِ والظرفِ أو بالبأسِ والجودِ وقال آخر: اصبرْ على حسدِ الحسو*** دِ فإنَّ صبرَك قاتلُه النارُ تأكلُ بعضَها *** إن لم تجدْ ما تأكلُه |
#1008
|
||||
|
||||
الحقد معنى الحقد لغةً واصطلاحًا معنى الحقد لغةً:
الحِقْدُ: الضِغْن، وهو إمساك العداوة في القلب، والتربص لفرصتها، والجمع أَحْقادٌ وحُقود وحقائد. وتقول: حَقَدَ عليه يَحْقِد حِقْدًا، وحَقِد عليه بالكسر حَقَدًا لغةً. وأَحْقَدَهُ غيره صيره حاقدًا. ورجل حَقود . معنى الحقد اصطلاحًا: هو إضمار الشر للجاني إذا لم يتمكن من الانتقام منه، فأخفى ذلك الاعتقاد إلى وقت إمكان الفرصة . وقال الجرجاني: الحقد هو (سوء الظنِّ في القلب على الخلائق لأجل العداوة) . |
#1009
|
||||
|
||||
الفرق بين الموجدة والحقد
ذكر ابن القيم فروقًا بين الموجدة والحقد فقال: (أن الوجد: الإحساس بالمؤلم، والعلم به، وتحرك النفس في رفعه؛ فهو كمال. وأما الحقد فهو إضمار الشرِّ، وتوقعه كلَّ وقت فيمن وجدت عليه، فلا يزايل القلب أثره. وفرق آخر: وهو أن الموجدة لما ينالك منه، والحقد لما يناله منك، فالموجدة وجد ما نالك من أذاه، والحقد توقع وجود ما يناله من المقابلة، فالموجدة سريعة الزوال، والحقد بطيء الزوال، والحقد يجيء مع ضيق القلب، واستيلاء ظلمة النفس، ودخانها عليه، بخلاف الموجدة فإنها تكون مع قوته، وصلابته، وقوة نوره، وإحساسه) . |
#1010
|
||||
|
||||
جزاك الله خيرا
جزاك الله خيرا
|
#1011
|
||||
|
||||
|
#1012
|
||||
|
||||
ذم الحقد في الكتاب والسنة أولًا: في القرآن الكريم - قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ [البقرة: 204-205] - وقال سبحانه: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ [الأعراف: 43]. - وقال عز وجل: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر: 47-48]. قال الطبري: (وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وَصَف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد وغِمْرٍوعداوة، كان من بعضهم في الدنيا على بعض، فجعلهم في الجنة إذا أدخلوها على سُرُر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضًا على شيء خصَّ الله به بعضهم، وفضله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة) . وقال القرطبي: (ذكر الله عز وجل فيما ينعم به على أهل الجنة؛ نزع الغل من صدورهم. والنزع: الاستخراج والغل: الحقد الكامن في الصدر. والجمع غلال) .
وقال السعدي: (وهذا من كرمه وإحسانه على أهل الجنة، أن الغل الذي كان موجودًا في قلوبهم، والتنافس الذي بينهم، أن الله يقلعه ويزيله حتى يكونوا إخوانًا متحابين، وأخلاء متصافين ... ويخلق الله لهم من الكرامة ما به يحصل لكل واحد منهم الغبطة والسرور، ويرى أنه لا فوق ما هو فيه من النعيم نعيم. فبهذا يأمنون من التحاسد والتباغض، لأنه قد فقدت أسبابه) . (ولما كانت الجنة دار سعادة ونعيم عام وشامل كان لا بد لأصحابها من أن يكونوا مبرئين من كل حقد وغل، ومن كل علة خلقية تسبب لهم آلامًا وأكدارًا، وقد وصف الله أهل دار النعيم يوم القيامة بأنهم مبرؤون من كلِّ غلٍّ، وما كان من غلٍّ في صدورهم في الدنيا، فإن الله ينزعه منها متى دخلوا الجنة) . |
#1013
|
||||
|
||||
ثانيًا: في السنة النبوية - عن جابر رضي الله عنه قال: ((تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فمن مستغفر فيغفر له، ومن تائب فيتاب عليه، ويرد أهل الضغائن بضغائنهم حتى يتوبوا)). قال المنذري: الضغائن: هي الأحقاد .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كنا جلوسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو، فقال: إني لاحيت أبي، فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت. قال: نعم. قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي، فلم يره يقوم من الليل شيئًا غير أنه إذا تعارَّ –تقلَّب على فراشه- ذكر الله عز وجل، وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر. قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث الليالي، وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله، لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردت أن آوي إليك، فأنظر ما عملك، فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًّا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك. وفي رواية البزار- سمى الرجل المبهم سعدًا- وقال في آخره: فقال سعد: ما هو إلا ما رأيت يا ابن أخي؛ إلا أني لم أبت ضاغنًا على مسلم. أو كلمة نحوها)) . - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: ((قيل يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان، قيل صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد)) . |
#1014
|
||||
|
||||
أقوال السلف والعلماء في الحقد - قال: عثمان رضي الله عنه: (ما أسرَّ أحد سريرة إلا أظهرها الله- عز وجل- على صفحات وجهه وفلتات لسانه) -
وقال زيد بن أسلم رضي الله عنه: (دخل على أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، أما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليمًا) . - وقال ابن حجر الهيتمي: (الحسد من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب) . - وقال أبو حاتم: (الحقد أصل الشرِّ، ومن أضمر الشر في قلبه أنبت له نباتًا مرًّا مذاقه، نماؤه الغيظ، وثمرته الندم) . و(كان يقال: الحقد داء دوي. ويقال: من كثر حقده، دوي قلبه. ويقال: الحقد مفتاح كلِّ شرٍّ. ويقال: حلَّ عقد الحقد، ينتظم لك عقد الود. ويقال: الحقود والحسود لا يسودان) . |
#1015
|
||||
|
||||
آثار الحقد إنَّ الحقد حمل ثقيل يتعب حامله، يحمله الجاهل في صدره فيشقي به نفسه، ويفسد به فكره، ويشغل به باله، ويقض به مضجعه، ويكثر به همه وغمه، إنه كحمل من أحمال الشوك الملتهب الحار، المحشو بصخور ثقيلة محمية تنفث السموم التي تلتهب منها الصدور، ويظل الجاهل الأحمق يحمل هذا الحمل الخبيث مهما حل أو ارتحل، حتى يشفي حقده بالانتقام ممن يحقد عليه
ومن آثاره: 1- أنه (يثمر الحسد، وهو أن يحملك الحقد على أن تتمنى زوال النعمة عنه؛ فتغتم بنعمة إن أصابها، وتسر بمصيبة إن نزلت به. 2- الشماتة بما أصابه من البلاء. 3- الهجران والمقاطعة. 4- الإعراض عنه استصغارًا له. 5- التكلم فيه بما لا يحل من كذب، وغيبة، وإفشاء سر، وهتك ستر، وغيره. 6- محاكاته استهزاء به، وسخرية منه. 7- إيذاؤه بالضرب وما يؤلم بدنه. 8- منعه من حقه من قضاء دين، أو صلة رحم، أو رد مظلمة) . 9- الحقد من مظاهر دنو الهمة، فهو لا يصدر من النبلاء، ولا يليق بالعقلاء. 10- الحقد ينبت سوء الظن، وتتبع العورات، والهمز واللمز، والغيبة والنَّمِيمَة. 11- ومن مضار الحقد أيضًا أنه يقتضي التشفي والانتقام. 12- جحد الحق وعدم اتباعه. |
#1016
|
||||
|
||||
حكم الحقد
ذكر العلماء أنَّ الحقد من الكبائر وأورد ابن حجر الهيتمي في كتابه (الزواجر) أن من الكبائر الغضب بالباطل والحقد والحسد، وذكر سبب جمعه لهذه الكبائر الثلاث بقوله: (لما كانت هذه الثلاثة بينها تلازم وترتب، إذ الحسد من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب كانت بمنزلة خصلة واحدة، وذم كل يستلزم ذم الآخر، لأن ذم الفرع وفرعه يستلزم ذم الأصل وأصله وبالعكس) . |
#1017
|
||||
|
||||
ما يباح من الحقد لا يجوز أن يحقد المسلم على أخيه المسلم، أما الحقد على اليهودي الذي ي*** المسلمين في فلسطين، والنصراني الحاقد، والشيوعي الملحد، والهندوسي الذين يحرق مساجد المسلمين وي***هم، فالحقد في حقهم محمود مطلوب، قال تعالى: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ [التوبة: 14-15].
ولا يزول حقد المسلم على الكافر إلا أن يسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والله، لينزلن ابن مريم حكمًا عادلًا، فليكسرن الصليب، ولي***ن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص، فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعونَّ إلى المال فلا يقبله أحد)) . (قال الأشرف: إنما تذهب الشحناء والتباغض والتحاسد يومئذ؛ لأن جميع الخلق يكونون يومئذ على ملة واحدة، وهي الإسلام، وأعلى أسباب التباغض وأكثرها هو اختلاف الأديان) . |
#1018
|
||||
|
||||
أسباب الحقد 1- المماراة والمنافسة:
قال الغزالي: (وأشدُّ الأسباب لإثارة نار الحقد بين الإخوان المماراة والمنافسة، فإنها عين التدابر والتقاطع، فإن التقاطع يقع أولًا بالآراء، ثم بالأقوال ثم بالأبدان). 2- كثرة المزاح: المزاح الذي يخرج عن حدِّه يغرس الحقد في القلوب، قال الأبشيهي: (المزاح يخرق الهيبة، ويذهب بماء الوجه، ويعقب الحقد، ويذهب بحلاوة الإيمان والود). 3- الخصومة: قال النووي: (والخصومة توغر الصدور، وتهيج الغضب، وإذا هاج الغضب حصل الحقد بينهما، حتى يفرح كل واحد بمساءة الآخر، ويحزن بمسرته، ويطلق اللسان في عرضه). 4- الكراهية الشديدة. 5- الرغبة في الانتقام، وإنزال السوء بمن يكرهه الحاقد . 6- إذا فات الشخص ما يتمناه لنفسه وحصل لغيره: فـ(المسلم يجب أن يكون أوسع فكرة، وأكرم عاطفة، فينظر إلى الأمور من خلال الصالح العام، لا من خلال شهواته الخاصة. وجمهور الحاقدين تغلي مراجل الحقد في أنفسهم، لأنهم ينظرون إلى الدنيا فيجدون ما يتمنونه لأنفسهم قد فاتهم، وامتلأت به أكف أخرى، وهذه هي الطامة التي لا تدع لهم قرارًا!! وقديمًا رأى إبليس أن الحظوة التي يتشهاها قد ذهبت إلى آدم، فآل ألا يترك أحدًا يستمتع بها بعد ما حرمها. قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف: 16-17]. هذا الغليان الشيطاني هو الذي يضطرم في نفوس الحاقدين ويفسد قلوبهم. وقد أهاب الإسلام بالناس أن يبتعدوا عن هذا المنكر، وأن يسلكوا في الحياة نهجًا أرقى وأهدأ) . |
#1019
|
||||
|
||||
وسائل علاج الحقد 1- الدعاء: المسلم يدعو الله أن يجعل قلبه طاهرًا نقيًّا من الحقد والغل قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر: 10]. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: ((رب أعني ولا تعن عليَّ، وانصرني ولا تنصر عليَّ، وامكر لي ولا تمكر عليَّ، واهدني ويسر الهدي لي، وانصرني على من بغى عليَّ، رب اجعلني لك شاكرًا، لك ذاكرًا، لك راهبًا، لك مطواعًا، إليك مخبتًا أو منيبًا، تقبل توبتي، واغسل حوبتي ، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي)) . والسخيمة هي الحقْدُ في النفسِ. 2- سلامة الصدر: وسلامة الصدر تكون بعدم الحقد والغل والبغضاء، فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((دبَّ إليكم داء الأُمم قبلكم:... البغضاء، والبغضاء هي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؛ أفشوا السلام بينكم)). 3- تقوية رابط الأخوة الإيمانية: إن الأخوة الإيمانية والغل لا يجتمعان في قلب واحد، إن عاطفة المؤمن نحو إخوانه المؤمنين تتدفق بالمحبة، فكيف يجد الغل إلى هذه العاطفة الكريمة سبيلًا؟! إنهما أمران لا يجتمعان. قال تعالى: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 8-9]. 4- التواضع: لا شك أنَّ تواضع المسلم لأخيه المسلم يدفع بالأغلال والأحقاد، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد)) . وقال أبو حاتم: (التواضع يكسب السلامة، ويورث الألفة، ويرفع الحقد، ويذهب الصد) . 5- ملء القلب بالمحبة وإرادة الخير للآخرين. 6- اعتذار المرء لأخيه: قال أبو حاتم: (الاعتذار يذهب الهموم، ويجلي الأحزان، ويدفع الحقد، ويذهب الصدَّ... فلو لم يكن في اعتذار المرء إلى أخيه خصلة تحمد إلا نفي التعجب عن النفس في الحال، لكان الواجب على العاقل أن لا يفارقه الاعتذار عند كل زلة) . 7- تقديم الهدية: قال صلى الله عليه وسلم: ((تهادوا تحابوا)). (وذلك لأن الهدية خلق من أخلاق الإسلام دلت عليه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وحث عليه خلفاؤهم الأولياء، تؤلف القلوب، وتنفي سخائم الصدور) . 8- ترك الغضب الذي هو سبب للأحقاد:
الغضب يعتبر من الأسباب التي تؤدي إلى الحقد، فإذا اختلف شخص مع آخر في أمر ما غضب عليه، ثم الغضب يتحول إلى الحقد وإرادة الانتقام. وقد قال صلى الله عليه وسلم: للرجل الذي أمره أن يوصيه: ((لا تغضب فردد مرارًا، قال: لا تغضب)) . 9- الإخلاص والمناصحة ولزوم الجماعة: فعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ثلاث لا يغلُّ عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن الدعوة تحيط من ورائهم)) قال ابن تيمية: (ويغل: بالفتح هو المشهور ويقال: غلى صدره فغل إذا كان ذا غش وضغن وحقد). وقال ابن القيم: (أي: لايحمل الغل، ولا يبقى فيه مع هذه الثلاثة، فإنها تنفى الغل والغش، وهو فساد القلب وسخايمه، فالمخلص لله إخلاصه يمنع غل قلبه ويخرجه ويزيله جملة؛ لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه، فلم يبق فيه موضع للغل والغش). |
#1020
|
||||
|
||||
سلامة القلب من الأحقاد
القلب السليم سبب من أسباب النجاة يوم القيامة؛ قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 87-89]، والقلب السليم هو الذي سلم من الشرك والنفاق، ومن الغلِّ والحقد والحسد. ووصف الله عزَّ وجلَّ أهل الجنة بسلامة القلب فقال: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر: 47]، و(ليس أروح للمرء، ولا أطرد لهمومه، ولا أقرَّ لعينه من أن يعيش سليم القلب، مبرأ من وساوس الضغينة، وثوران الأحقاد، إذا رأى نعمة تنساق لأحد رضي بها، وأحس فضل الله فيها، وفقر عباده إليها، وذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم ما أصبح بي من نعمة، أو بأحد من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر)) . (وإذا رأى أذى يلحق أحدًا من خلق الله رثى له، ورجا الله أن يفرج كربه، ويغفر ذنبه... وبذلك يحيا المسلم ناصع الصفحة، راضيًا عن الله وعن الحياة، مستريح النفس من نزعات الحقد الأعمى، فإنَّ فساد القلب بالضغائن داء عياء، وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش، كما يتسرب السائل من الإناء المثلوم!..والإسلام يحارب الأحقاد وي*** جرثومتها في المهد، ويرتقي بالمجتمع المؤمن إلى مستوى رفيع من الصداقات المتبادلة، أو المعاملات العادلة، وقد اعتبر الإسلام من دلائل الصغار وخسة الطبيعة، أن يرسب الغل في أعماق النفس فلا يخرج منه، بل يظل يموج في جوانبها، كما يموج البركان المكتوم، وكثير من أولئك الذين يحتبس الغل في أفئدتهم، يتلمسون متنفسًا له في وجوه من يقع معهم، فلا يستريحون إلا إذا أرغوا وأزبدوا، وآذوا وأفسدوا) . |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
موسوعة, الاخلاق, الاسلامية, الشاملة |
|
|