اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية

قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #76  
قديم 09-09-2012, 05:08 PM
الآمبراطور المصرى الآمبراطور المصرى غير متواجد حالياً
عضو ممتاز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2012
العمر: 34
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 13
الآمبراطور المصرى is on a distinguished road
افتراضي

http://www.thanwya.com/vb/showthread.php?t=462549
__________________
رد مع اقتباس
  #77  
قديم 10-09-2012, 10:31 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,982
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي تحولات العلاقات المصرية - الإماراتية من التأرجح إلى التعاون

تحولات العلاقات المصرية - الإماراتية من التأرجح إلى التعاون

محمد عز العرب
كشفت زيارةُ وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد إلى القاهرة، في السادس من سبتمبر الجاري؛ عن إمكانية التحول من التأرجح إلى التعاون في مسار العلاقات الإماراتية المصرية، لا سيما في مرحلة

ما بعد ثورة 25 يناير 2011، وأن الأزمات الإعلامية التي عرفتها علاقات البلدين على مدى الشهور القليلة الماضية قابلة للاحتواء، لا سيما وأنه لم تصدر تصريحات ولم تتخذ مواقف رسمية داعمة لتغريدات الفريق ضاحي خلفان قائد شرطة دبي المهاجمة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، غير أنه ساد التخوف الإماراتي من طبيعة العلاقة مع القاهرة مع وصول د. محمد مرسي إلى كرسي الرئاسة.

مؤشرات التحول

لا يحكم العلاقات بين الإمارات ومصر التوجهات الأيديولوجية، وإنما المصالح الوطنية، سواء في السياسة أو الأمن أو الاقتصاد، بما لا يجعلها "مباراة صفرية". لذا كانت زيارة الشيخ عبد الله بن زايد إلى القاهرة "عاكسة" وليست "منشئة" لتغير آخذ في الحدوث في طبيعة العلاقات المصرية الإماراتية؛ حيث سبق هذه الزيارة عدد من المؤشرات التي تصب في اتجاه تطوير العلاقات، على النحو التالي:

- إرسال إشارات طمأنة مصرية بعدم التدخل في الشئون الداخلية الإماراتية. وكان آخر هذه الإشارات حينما ألقى الرئيس محمد مرسي في افتتاح أعمال الدورة 138 لمجلس جامعة الدول العربية بالقاهرة في 5 سبتمبر الجاري كلمة قال فيها: "لن نقبل التدخل في شئون دولة عربية شقيقة أو المساس باستقرارها وسيادتها"، وهو ما يحمل رسالة محددة لدول الخليج، وبصفة خاصة الإمارات، بعدم التدخل في شئونها الداخلية، فضلا عن انتفاء التفكير بمنطق تصدير الثورة المصرية خارج حدودها الوطنية، سواء للإمارات أو لغيرها.

- توقف الخارجية المصرية عن التعقب الإعلامي لتصريحات خلفان؛ فقد أكد المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية المصرية الوزير المفوض عمرو رشدي في عدد من التصريحات لوسائل الإعلام على أن الوزارة لا تعلق إلا على المواقف أو التصريحات الصادرة عن شخصيات مسئولة، وهو ما يحمل إشارة ضمنية بعدم رغبة القاهرة في التضخيم من تصريحات ضاخي خلفان، حتى لا يُحدث تأزيما في مسار العلاقات بين البلدين.

- إرسال الإمارات مبعوثين رسميين للتهدئة مع مصر. فقد تسلم الرئيس مرسي رسالة خطية من الشيخ محمد بن راشد، رئيس وزراء الإمارات وحاكم دبي، في 1 أغسطس 2012، تضمنت مسألة محددة وهي "أن العلاقات المصرية الإماراتية شديدة العمق لا يؤثر فيها عارض"، قابلتها رسالة مصرية موازية مفادها "أن أمن الخليج العربي هو أمن مصر، وأن مصر لا تتدخل في الشئون الداخلية لأي دولة".

- إلقاء تصريحات إماراتية باعثة على التغيير إزاء مصر. حيث أعرب وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد في تصريحات بثتها وكالة أنباء الإمارات "وام" بتاريخ 4 يوليو 2012، عن "تفاؤله بأن فترة الرئيس مرسي ستشهد إنجازات ملموسة في العلاقات الثنائية ومحطات مهمة في مختلف المجالات.

- توقيع مذكرة تفاهم ثقافية بين الإمارات ومصر. بدأ مسار العلاقات الثنائية يمتد إلى الأداة الثقافية باعتبارها واحدة من المحددات الرئيسية لتقارب "نخاع الشعوب". ففي 4 يوليو الماضي، أبرمت مذكرة للتعاون الثقافي بين وكيل وزارة شئون الرئاسة الإماراتية لقطاع الشئون المحلية سعيد المقبالي والشيخ عبد التواب عبد الحكيم وكيل الأزهر، لتمويل ودعم المشروعات والبرامج التي ينفذها الأزهر بتكلفة إجمالية تبلغ 155 مليون درهم إماراتي. وبموجب المذكرة يتم تمويل إنشاء مكتبة جديدة للأزهر تليق بمكانته وما تحتويه مكتبته من نفائس المخطوطات والمطبوعات. كما تتضمن الاتفاقية تمويل مشروع سكن لطلاب الأزهر بما يتناسب واحتياجات النمو في أعداد الطلبة الدارسين في الأزهر.

- تعزيز الاستثمارات الإماراتية المباشرة في مصر. يبلغ حجم الاستثمارات الإماراتية في مصر، وفقا لأحد التقديرات، 5 مليارات دولار (18.4 مليار درهم)، ومن المتوقع زيادتها بعد استقرار الأوضاع الداخلية في مصر. وقد كشف أحدث تقرير صادر عن البنك المركزي المصري أن دولة الإمارات كانت على رأس الدول العربية التي ضخت استثمارات مباشرة في السوق المصري خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام 2012، حيث بلغت استثماراتها نحو 176.9 مليون دولار، في حين بلغت الاستثمارات السعودية خلال نفس الفترة 79.6 مليون دولار، وبلغت استثمارات الكويت 17.3 مليون دولار، وبلغت استثمارات قطر في مصر 13.2 مليون دولار، وهو ما يجعل الاستثمارات الإماراتية تتفوق على غيرها، فضلا عن قيام بعض رجال الأعمال من النخبة الجديدة مثل خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بزيارة للإمارات، في أغسطس الماضي، حيث التقى بالعديد من المستثمرين الإماراتيين. ومن ثم، لم يكن غريبا تطرق زيارة الشيخ عبد الله لإقامة المشروعات المشتركة وزيادة تدفق الاستثمارات الإماراتية إلى مصر.

أسباب التحول

هناك العديد من الأسباب التي تفسر هذا التحول في طبيعة العلاقات بين الإمارات ومصر، وهي:

أولها: تبديد التخوف من نقل التجربة الثورية إلى الإمارات. فقد انطلق هذا التخوف لدى الإمارات من وجود خبرات سابقة تشير إلى أن بعض الدول قد تمثل تهديدًا للآخرين بعملها على تصدير الأفكار والقيم الثورية المعادية للأسس والقواعد المبني عليها نظمها السياسية أو الاجتماعية، وهو ما يُعتبر تهديدًا جوهريًّا لأمنها واستقرارها.

ثانيها: ضمان دعم واحدة من أهم الأطراف الداعمة لتحقيق الأمن الخليجي؛ إذ إن التوترات المستمرة التي تشهدها منطقة الخليج تشير إلى أن "أمن الخليج" لا يزال يمثل مشكلة حادة، سواء لأطرافه الأساسية أو الدول المشاطئة له، أو القوى الدولية المرتبطة به، أو القواعد العسكرية المرابطة على أراضيه.

ثالثها: تجنب ترك مصر في عزلتها الخليجية بما يؤدي إلى الاتجاه لتقوية العلاقات بين مصر وبعض القوى الإقليمية المناوئة في الكثير من توجهاتها لدول الخليج، وفي مقدمتها إيران، لا سيما فيما يتعلق بمؤازرة مصر للرؤية الخليجية المعارضة للسلوكيات الإيرانية إزاء الأرض المحتلة (الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، وزرع خلايا التجسس في الكويت، وتحريك الشيعة في شرق السعودية، والتهديد باستقلال البحرين، كما أن ترك مصر بمفردها في ظل تعثر المرحلة الانتقالية قد يغري بعض الدول الخليجية وتحديدًا قطر بالمنافسة مع السعودية فقط على تطوير شبكة المصالح مع مصر، على نحو ما دعا البعض للحديث عن "قطرنة" السوق المصري.

تحديات التحول

هناك العديد من التحديات التي قد تعرقل التحول الحادث في العلاقات بين الإمارات ومصر، والتي تتعلق في أغلبها بالمجتمعات في البلدين، على نحو ما توضحه النقاط التالية:

- بروز أصوات متشددة داخل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، تحاول التدخل في الشئون الداخلية لدولة الإمارات، بين الحين والآخر، وخاصة فيما يتعلق بتوجيه انتقادات حادة لتعامل الأجهزة الأمنية مع أعضاء جمعية الإصلاح، لا سيما في ظل شعورها بأنها يقف وراءها "مراكز للقوى" في السلطة الحاكمة. يقابل ذلك أيضا أصوات متشددة داخل دولة الإمارات والتي تعتبر أن التغير الحادث في الساحة الداخلية سوف يمتد إلى العلاقات المصرية الخليجية ومنها الإمارات، وهو ما يتعين الحذر من الاقتراب منه تخوفا من امتدادات العدوى الثورية.

- تصاعد الحاجز النفسي بين شعبي مصر والإمارات، بعد اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011؛ حيث ساد توجهٌ لدى قطاعات من الرأي العام في العديد من الأقاليم المصرية بأن دول الخليج، حكومات وشعوبا، ومنها الإمارات؛ تساند نظام حسني مبارك، مع الأخذ في الاعتبار أن المجتمعات هي التي تصدر الثورات وليست الأنظمة مثلما كان الوضع في فترات سابقة، وهو ما يدفع بعض أنماط من العمالة المصرية لتنفيذ توجهاتها الثورية على الأرض الإماراتية.

- انفجار الأزمات الصغيرة التي تحدث بين الإمارات ومصر، والتي تترك تأثيرات سلبية على العلاقات الرسمية، وخاصة فيما يتعلق بحلقة الجاليات المصرية في الإمارات، والتي تتفاقم بمرور الوقت من خلال تأثيرات أجهزة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، على نحو ما تشير إليه "أزمة العمالة المصرية التي لم يتجدد عقودها" أو "ترحيل الدعاة المصريين من الإمارات". وفي هذا السياق، من المحتمل أن يضغط اتجاه متشدد داخل بعض الإمارات السبع لاعتماد الخيار الصدامي في اتجاه العلاقات مع مصر، وتتحول النظرة الإماراتية إلى حالة "الإخوان فوبيا"، وتتكرر الأزمات لأصغر الاسباب، على نحو يعيق علاقات مستقرة بين الإمارات ومصر.

سياسات تطوير التحول

لا يمكن للعلاقات بين الإمارات ومصر أن تسير في اتجاه المباراة الصفرية التي تتضمن فائزا وخاسرا؛ بل يفترض تبديل إطارها ليصبح تنافسيًّا تعاونيًّا لمصلحة الطرفين الإماراتي والمصري، وفي هذا السياق، يمكن تطوير العلاقات بين الإمارات ومصر، وفقا للمصالح التي تدر منافع للجانبين، على النحو التالي:

- تأسيس حوار إماراتي مصري حول القضايا المتعلقة بأمن الخليج، وهو ما برز مؤخرا في دعوة الشيخ خليفة بن زايد للرئيس محمد مرسي لزيارة الإمارات، لا سيما مع الحديث المتكرر للرئيس المصري عن أن "أمن الخليج خط أحمر"، بما يؤدي لضمان عدم اختلال موازين القوى لطرف إقليمي بعينه، وتحديدا إيران، بعد سعيها لامتلاك قدرات نووية، وتوسيع دورها وتدخلها في الشئون الداخلية لدول الخليج بصفة مستمرة. وفي هذا السياق، يمكن لدول الخليج دعوة الرئيس محمد مرسي لحضور القمة الخليجية المقبلة في ديسمبر 2012، لسماع الرؤية المصرية بشأن الحد من التهديدات التي تواجه أمن الخليج، في مرحلة ما بعد الثورات الشعبية.

- عقد جلسات حوارية غير رسمية مباشرة تجمع رموز جماعة الإخوان المسلمين في مصر مع بعض الشخصيات الإماراتية ذات الثقل السياسي، بما يخلص في النهاية إلى فك الارتباط الحركي وليس الفكري بين التنظيم الأم للإخوان المسلمين في مصر وفروعه بدول الخليج، وخاصة جمعية الإصلاح في الإمارات، الأمر الذي قد يفتح الباب لتغيير حقيقي في العلاقات الإماراتية المصرية.

- الحد من التصريحات الإعلامية التي يطلقها بصفة غير منتظمة الفريق ضاحي خلفان ضد الإخوان، لأنها تعكس توجه فصيل سياسي متشدد داخل الإمارات إزاء الدولة المصرية الجديدة، وليس تجاه جماعة الإخوان المسلمين، خاصة وأنها تعبر عن أفكار –حتى ولو كانت شخصية- لأحد ممثلي الحكومة الإماراتية، ولا شك أن إيقاف مثل هذه التصريحات يعالج بدرجة كبيرة التوتر الحادث في مسار العلاقات الثنائية.

وهنا، لا بد من توجيه التحذيرات السياسية بعدم الإدلاء بالأحاديث الصحفية أو المداخلات التلفزيونية من بعض رموز النظام السابق المقيمين في الإمارات، وبصفة خاصة الفريق أحمد شفيق المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية الماضية؛ لأنها تعطي انطباعًا لدى قطاع من الرأي العام المصري بأن دولة الإمارات ملجأ لفلول نظام مبارك، حيث سبق شفيق في اللجوء لأبو ظبي، نائب رئيس الجمهورية السابق اللواء عمر سليمان، وكذلك الحال بالنسبة لتواجد وزير التجارة والصناعة السابق رشيد محمد رشيد فيها لبعض الوقت، فضلا عن تناثر إشاعات صحفية حول طلب رئيس المخابرات العامة السابق اللواء مراد موافي من السلطات المصرية السماح له بالسفر إلى أبو ظبي لشغل منصب بارز في أحد الأجهزة السيادية، غير أنه تم النفي الرسمي لصحة هذا الخبر.

- الإسراع بإعادة تشكيل مجلس الأعمال المصري الإماراتي، بما يدعم التعاون بين قطاعات الأعمال في البلدين وتوسيع قاعدة الشركات الممثلة بالمجلس من الجانبين في مختلف القطاعات التجارية والصناعية والخدمية.

- تفعيل بروتوكولات التعاون الموقعة بين كل من اتحاد غرف التجارة والصناعة في الإمارات من جانب واتحاد الصناعات المصرية والاتحاد العام للغرف التجارية وجمعية رجال الأعمال المصريين من جانب أخر، بما يقلل المعوقات التي تواجه الشركات الإماراتية المستثمرة في مصر والشركات المصرية المستثمرة في الإمارات.

- اعتماد حزمة مساعدات مالية إماراتية لمصر، على شاكلة صندوق خليفة بن زايد لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في مصر، بهدف توفير فرص عمل لقطاع واسع من الشباب، وهو ما قد يتم تخصيصه للتعليم أو للصحة أو للإسكان وغيرها، بما يؤدي إلى تغيير الصورة الذهنية عن الإمارات إزاء "مصر الجديدة"، لاسيما وأن التصورات الإعلامية عادة ما تكون محملة بقدر من الخيال فيما يتعلق بسوء العلاقات المصرية الإماراتية في مرحلة ما بعد الثورة.

وفي هذا السياق؛ فإن إستراتيجية "الاشتباك المصلحي" هي الأكثر فعالية فيما يتعلق بالعلاقات الخليجية المصرية، عبر رسم مسارات جديدة للمصالح الوطنية في أبعادها المختلفة، وتقليص التهديدات التي تواجه هذه المصالح، بما يعود بالمنافع، ويقلل من التكاليف بالمفهوم الاقتصادي للجانبين.
رد مع اقتباس
  #78  
قديم 10-09-2012, 10:39 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,982
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي الأردن: بريق إخواني وعدائية سلفية

الأردن: بريق إخواني وعدائية سلفية

محمد الفضيلات
يشكل المسلمون 97 في المئة من عدد سكان الأردن البالغ عددهم، وفق أرجح الإحصائيات، ستة ملايين نسمة. يصفُ 90 في المئة منهم أنفسهم بـ "المتدينين" أو "المتديّنين إلى حدّ ما"، بحسب استطلاع أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية ضمن مشروع قياس الرأي العام العربي "الباروميتر العربي" للعام 2011.

يرى 52 في المئة من المستجيبين للاستطلاع أن الممارسات الدينية هي "ممارسات خاصة يجب تفريقها عن الحياة الاجتماعية والسياسية"، في مقابل معارضة 41 في المئة من المستجيبين للعبارة ذاتها. بعيداً عن لغة الأرقام، يُلتمس دور الدين كلاعب رئيسي في البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الأردني، ويتباين أثره وفقاً للتباين بين التيارات الإسلامية المتنافسة.

"الإخوان المسلمون"، تيار "عائلي" محكوم بنشأته"

لا يزيد عدد المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن على 15 ألف مبايع يتوزعون على35 شعبة منتشرة في جميع المحافظات الأردنية. رقمٌ يؤهل الجماعة لتكون التيار الديني الأكبر في البلاد. غير أن أثر التيار يمتد إلى أكبر من الرقم المعلن، إذ أحصي – بشكل غير رسمي - جمهور يزيد على المئة ألف من غير المنظمين، يستفيدون في غالبيتهم من الخدمات التي تقدمها الجماعة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، فيما يتفق آخرون معه سياسياً. تعود نشأة الجماعة في الأردن إلى عام 1945، حين اتصل المراقب الأول لها، السوري الأصل عبد اللطيف أبو قورة، بالمؤسس حسن البنا في مصر بمبادرة فردية.

وظهر الفلسطينيون في فترة التأسيس كواجهة للجماعة حيث احتلوا غالبية المناصب القيادية فيها، وكانوا كوادرها الأوائل. ما زاد من انتماء الفلسطينيين للجماعة كان مشاركتها في حرب فلسطين في العام 1948 بـ"سريّة أبو عبيدة عامر بن الجراح" التي كان قوامها 120 رجلاً بقيادة المراقب أبو قورة.

غير أنّ العام 1953، الذي شهد اندماج الجماعة في فلسطين مع الجماعة في الأردن، أرّخ لإضفاء صفة التيار "الفلسطيني" على جماعة الإخوان المسلمين. فالتنظيم في الأردن كان أقل عدداً وتنظيماً، لعجزه عن اختراق المجتمع المتمترس خلف القيم العشائرية، والأقل حداثة وانفتاحاَ من المجتمع الفلسطيني في حينها.

وبعد 67 عاماً على نشأة الجماعة التي تقلب عليها خمسة مراقبين، بينهم مراقب واحد من أصول فلسطينية، لا تزال هذه محكومة بنشأتها، فينظر إليها كممثل وقائد للأردنيين من أصول فلسطينية. وما يعزّز تلك النظرة، حضور الجماعة في التجمعات السكانية التي يقطنها الأردنيون من أصول فلسطينية، لا سيما في العاصمة عمّان ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي توصف بـ"الحدائق الخلفية للإخوان".

تخترق جماعة الإخوان المسلمين الطبقات الاجتماعية، فينتمي إليها الفقراء والمعدمون إلى جوار الأثرياء والبرجوازيين. في المجتمعات الفقيرة، يبدو أثر الجماعة أكثر وضوحاً، إذ ساهم ما تقدمه "جمعية المركز الإسلامي"، الجناح الخيري للجماعة، من المعونات والتبرعات العينية والنقدية، في اجتذاب المزيد من المنتمين للجماعة أو المناصرين لها. وتُلزم الجماعة أبناء الأسر المستفيدة من الخدمات، بالحضور إلى مؤسساتها التي يتلقون فيها "تربية إخوانية"، حيث يتم إعدادهم كمبايعين مفترضين مستقبلاً.

وبحسب برقية صادرة عن السفارة الأميركية في عمان بتاريخ 1 تشرين الاول /أكتوبر2009، سرّبها موقع ويكيليكس بتاريخ 30 آب/أغسطس 2011، فإنّ "جمعية المركز الإسلامي"، التي أنشئت عام 1963 واستولت عليها الحكومة الأردنية في 2006، تقوم برعاية أكثر من 20 ألف يتيم، وتدير 55 مدرسة، ولديها أكثر من 3500 موظف. وقدّرت الوثيقة موجودات المركز، وفقاًً لتصريحات شخصيات إسلامية، بأكثر من مليار ونصف المليار دولار.

ينخرط الإخوان المسلمون الأردنيون في العمل بمختلف مؤسسات الدولة، فيما توفر الجماعة لأعضائها ممن لا يجدون فرص عمل في الجهاز الحكومي، فرصاً في مؤسساتها التي تمنحهم أولوية التوظيف. لذلك، يكاد يصبح ممكناً الجزم بأنه ليس بين أعضاء الجماعة من هو عاطل عن العمل.تُعلي الجماعة في الأردن، كغيرها في أماكن أخرى لانتشارها، من أهمية التماسك الداخلي، فتجنح نحو العائلية من خلال التعارف والتزاوج بين أبناء الجماعة، فتكون أكثر ترابطاً ومناعة ضد الانشقاقات.

التيار السلفي: أكثر صخبا، أقل تأثيراً

لم يكن المجتمع الأردني على تماس مع الدعوة السلفية قبل ثمانينيات القرن الماضي، تاريخ استقرار الشيخ ناصر الدين الألباني في العاصمة عمّان، حيث أخذ التيار من خلاله زخماً وأصبح له العديد من الأتباع والمريدين، من دون وجود إحصائيات لأعدادهم التي تقل بكثير وفقاً لتقديرات غير رسمية، عن عدد الإخوان المسلمين.

تمحورت الدعوة السلفية في عهد الألباني الذي كان بمثابة الأب الروحي والمسيطر على التيار، حول "تصحيح عقائد الناس وتنقيتها" ممّا علق بها من"بدع"، ما دفعهم للاشتباك مباشرة مع الثقافة الدينية التي كانت سائدة في المجتمع، فخاضت هذه الدعوة معارك مع التيار الصوفي وجماعة الإخوان المسلمين.
لم يتبلور التيار السلفي في عهد الألباني الذي توفي في العام 1999 بشكل تنظيمي، ما سهّل انقسامه بعد وفاة الشيخ إلى تيارين متناحرين، هما السلفية المحافظة التي واصلت التمسك بأفكار الألباني، والسلفية الجهادية التي ينظّر لها أبو محمد المقدسي.

ومثلما شكّل الفلسطينيون أساساً لنشأة جماعة الإخوان المسلمين، فقد كانوا الأساس أيضاً في نشأة التيار السلفي. غير أن التيار السلفي تخلّص سريعاً من عقدة النشأة التي رافقت "الإخوان"، مثلما تخلّص من وصفه كتيار للأردنيين من أصول فلسطينية بما أنه أصبح محسوباً على الشرق أردنيين، خاصة بعد ظاهرة "الشرق أردني" أبو مصعب الزرقاوي الذي تتلمذ على يد أبي محمد المقدسي، وقتل في العراق في العام 2006 على يد القوات الأميركية، حيث كان يقود تنظيم "القاعدة".

يتوزع التيار السلفي في الأردن على ثلاثة أجيال. تشكَّل الأول الذي يؤرخ له بثمانينيات القرن الماضي من الهامشيين والفقراء، وتشكَّل الجيل الثاني الذي يؤرخ له بتسعينيات القرن الماضي داخل السجون، من ذوي السوابق الإجرامية المدنية التائبين، ما أضفى عليه صفة التشدد والعدوانية، قبل أن نصل إلى الجيل السلفي الثالث الذي بدأ بعد العام 2001 وضمّ فئات من المثقفين والأساتذة الجامعيين والأثرياء.
مع بروز التيار الجهادي وموقفه المتشدد إزاء الدولة، غاب السلفيون عن المؤسسات الرسمية، إذ يرفض أتباع هذا التيار العمل في الجهاز الحكومي في دولة يصفونها بـ "الكافرة"، بالتالي فغالباً ما يفضلون العمل في القطاع الخاص الذي يتناسب ومنطقهم العقائدي، أو إنشاء مشاريع خاصة بهم، فيما تستشري البطالة بينهم بشكل واضح من دون معرفة مصادر عيش العاطلين عن العمل.

يتمثّل التيار السلفي بعدد قليل من الجمعيات على غرار "جمعية الكتاب والسنة" التي تتلقى دعماً سخياً من السعودية، ويتمحور عملها في إيصال التبرعات للفقراء، من دون أن تتمكن حتى الآن من نشر الدعوة السلفية وسط الخلاف بين التيارات السلفية المتنافرة. ويحدّ من فاعليتها تضييق الدولة على أنشطتها.

يبدو أثر التيار السلفي بمختلف تسمياته جلياً في المجتمع الأردني، بما أن الصخب الذي يثيره حضور أتباعه الموصوفين بالصِداميين، لا سميا الجهاديين منهم، بات "ماركة مسجلة" باسمهم، حتى أنه يكفي خروجهم في اعتصام علني حتى تندلع مواجهات بينهم وبين عناصر الأمن، وهو ما يكفي لإثارة الخوف في قلوب المواطنين.

كما يترك تمسكهم المتشدد بإطالة اللحى، وارتداء الثوب القصير فوق كعبَي القدمين، والحديث باللغة الفصحى، وتحريم الأغاني والموسيقى والاختلاط بين ال***ين، نفوراً اجتماعياً يعززه الخوف منهم حتى لدى المتديّنين من المواطنين. خوفٌ يعبر عنه الأردنيون بسؤال غالباً ما يتكرر على ألسنتهم: "ماذا لو حكَمنا السلفيون".

تيارات خارج الصراع

الساحة الدينية في الأردن ليست حكراً على جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي، إذ تنضمّ إلى جوارهما الطرق الصوفية التي تتربع في المركز الثالث من حيث الانتشار، إضافة إلى "جماعة التبليغ والدعوة"، والتيار الشيعي وغيرهم. غير أنّ الإخوان والسلفيين يحتلون المساحة الأوسع في حوارات المجتمع الأردني، فيما تواصل الطرق الصوفية التي تلاقي انتشاراً بين أثرياء الأردن، نشاطها بصمت دون دخول معترك الاستحواذ على جمهور المسلمين، مثلها مثل "جماعة التبليغ والدعوة". ويفضّل أتباع التيار الشيعي الذين تقدِّر احصائيات غير رسمية عددهم بـ 3 آلاف، البقاء في الظل مع تنامي كراهية خطيرة ضدهم نتيجةً العوامل السياسية والإقليمية المعروفة.
رد مع اقتباس
  #79  
قديم 11-09-2012, 07:11 AM
أبو إسراء A أبو إسراء A غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 6,315
معدل تقييم المستوى: 22
أبو إسراء A is a jewel in the rough
افتراضي

ذكر نشأة السلفية فى الأردن فى الثمانينات يفتقد إلى التحقيق العلمى ، فالسلفية منهج قديم بقدم الإسلام نفسه ، و ظهورها كمدرسة كان فى القرن الثالث الهجرى بظهور مدرسة أهل الحديث و الأثر فى مواجهة مدرسة المعتزلة التى قدمت العقل على النقل ، و فى العصر الحديث تبلورت السلفية فى القرن الثامن عشر الميلادى على يد محمد إبن عبد الوهاب ، و قبلها فى القرن السابع الهجرى على يد ابن تيمية ، فهل كانت الشام بمنأى عن السلفية كل هذه القرون ؟ !

يقول الكاتب
:
(كما يترك تمسكهم المتشدد بإطالة اللحى، وارتداء الثوب القصير فوق كعبَي القدمين، والحديث باللغة الفصحى، وتحريم الأغاني والموسيقى والاختلاط بين ال***ين، نفوراً اجتماعياً يعززه الخوف منهم حتى لدى المتديّنين من المواطنين. خوفٌ يعبر عنه الأردنيون بسؤال غالباً ما يتكرر على ألسنتهم: "ماذا لو حكَمنا السلفيون".)
تجد تحامل من الكاتب على سلفيى الأردن فى هذا الكلام ، و هو تحامل فى غير محله فما ذكر لا يخرج عن كونه سنن عن النبى صلى الله عليه و سلم ، أو أمور محرمة تركها السلفيون .
__________________
المستمع للقرآن كالقارئ ، فلا تحرم نفسك أخى المسلم من سماع القرآن .


آخر تعديل بواسطة أبو إسراء A ، 11-09-2012 الساعة 07:13 AM
رد مع اقتباس
  #80  
قديم 11-09-2012, 08:52 AM
الصورة الرمزية راغب السيد رويه
راغب السيد رويه راغب السيد رويه غير متواجد حالياً
معلم لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 9,278
معدل تقييم المستوى: 24
راغب السيد رويه is a jewel in the rough
افتراضي

الساحة الدينية في الأردن ليست حكراً على جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي، إذ تنضمّ إلى جوارهما الطرق الصوفية التي تتربع في المركز الثالث من حيث الانتشار، إضافة إلى "جماعة التبليغ والدعوة"، والتيار الشيعي وغيرهم. غير أنّ الإخوان والسلفيين يحتلون المساحة الأوسع في حوارات المجتمع الأردني، فيما تواصل الطرق الصوفية التي تلاقي انتشاراً بين أثرياء الأردن، نشاطها بصمت دون دخول معترك الاستحواذ على جمهور المسلمين، مثلها مثل "جماعة التبليغ والدعوة". ويفضّل أتباع التيار الشيعي الذين تقدِّر احصائيات غير رسمية عددهم بـ 3 آلاف، البقاء في الظل مع تنامي كراهية خطيرة ضدهم نتيجةً العوامل السياسية والإقليمية المعروفة.



جزاك الله خيرا وبارك فيك
__________________
رد مع اقتباس
  #81  
قديم 11-09-2012, 03:00 PM
أبو إسراء A أبو إسراء A غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 6,315
معدل تقييم المستوى: 22
أبو إسراء A is a jewel in the rough
افتراضي

ص
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو لميس مشاهدة المشاركة
الساحة الدينية في الأردن ليست حكراً على جماعة الإخوان المسلمين والتيار السلفي، إذ تنضمّ إلى جوارهما الطرق الصوفية التي تتربع في المركز الثالث من حيث الانتشار، إضافة إلى "جماعة التبليغ والدعوة"، والتيار الشيعي وغيرهم. غير أنّ الإخوان والسلفيين يحتلون المساحة الأوسع في حوارات المجتمع الأردني، فيما تواصل الطرق الصوفية التي تلاقي انتشاراً بين أثرياء الأردن، نشاطها بصمت دون دخول معترك الاستحواذ على جمهور المسلمين، مثلها مثل "جماعة التبليغ والدعوة". ويفضّل أتباع التيار الشيعي الذين تقدِّر احصائيات غير رسمية عددهم بـ 3 آلاف، البقاء في الظل مع تنامي كراهية خطيرة ضدهم نتيجةً العوامل السياسية والإقليمية المعروفة.



جزاك الله خيرا وبارك فيك
الكاتب لبس بقصد أو بدون قصد بمقولة التيار الشيعى بالأردن ، فلا يعرف تيار شيعى بالأردن ، فهذه الدولة خالية من الشيعة ، و لكن يوجد قليل من المتشيعة ، و ليسوا تيارا ، فكلمة تيار مبالغة .


من المعروف أن عبد الله بن سباء اليهودي
هو اول من جاء بمذهب الشيعه وليس علي رضي الله عنه
.
__________________
المستمع للقرآن كالقارئ ، فلا تحرم نفسك أخى المسلم من سماع القرآن .

رد مع اقتباس
  #82  
قديم 16-09-2012, 12:14 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,982
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي انتفاضةُ رغيف الخبز أم صراعٌ على السّلطة؟

انتفاضةُ رغيف الخبز أم صراعٌ على السّلطة؟

هاني المصري
الذي يجري في الضفة الغربيّة، ومن يقف وراء الاحتجاجات الواسعة والشعارات الحادّة والاضرابات العامّة؟. هل بدأ الربيعُ الفلسطينيُّ في مواجهة الغلاء ومن أجل الرواتب، كما قال الرئيس أبو مازن، أم أنّ ما يجري مجرد ارتدادات طبيعيّة لزلزال الغلاء العالمي، أم أنّ الأمر صراعٌ على السلطة استغلّ الغلاء والضرائب والبطالة والفقر؟. هل ما يجري "بروفة" لانتفاضة قادمة ضد السلطة أو ضد الاحتلال؟. هل نسي ابن الضفة الاحتلال والعدوان والاستيطان ولم يعد يحركه سوى الهموم المعيشيّة؟.

حتى نستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة، لابد من ملاحظة الالتزام المطلق من السلطة بحريّة التعبير والمظهر الحضاري الذي سلكته الشرطة والأجهزة الأمنيّة إزاء الحراك الاقتصادي، حيث دافع الرئيس ورئيس حكومته عن حق الشعب الفلسطيني في التحرك ولم تعترض الشرطة وأجهزة الأمن ولم تحرك ساكنًا، حتى عندما قام بعض المتظاهرين بقطع الطرق وحرق الإطارات والاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة، وبالرغم من أن الشعارات المرفوعة والهتافات التي تتردد طالت بحدة غير مسبوقة برحيل الحكومة ورئيسها ووصفته بأشد الصفات.

ولوحظ أن أوساطًا فاعلة من "فتح" شاركت بفعاليّة، إن لم نقل إنها المحرك الرئيسي للأحداث، ما اعتبره البعض تجديدًا وإصلاحًا في "فتح"، فيما اعتبره البعض محاولة لركب الموجة لحصد الأصوات عشيّة الانتخابات المحليّة، فيما اعتبره آخرون "محاولة نضاليّة" لإلغائها نظرًا للصعوبات التي تواجهها "فتح" في تشكيل القوائم الانتخابيّة، خصوصًا في المدن الرئيسة، ووجود منافسة شديدة لـ"فتح" داخليّة وخارجيّة، وتشكيل عشرات القوائم الخارجة عن القرار المركزي بالرغم من تهديدات اللجنة المركزيّة بفصل كل من يرشح نفسه بشكل فردي.

بالرغم من البعد الاقتصادي المحرك للأحداث، وأن هناك الكثير مما يمكن عمله لتصحيح الخلل والأخطاء للسياسة الاقتصادية والاجتماعية للسلطة، وتخفيف حدة الأزمة عن الفئات الفقيرة والعاطلة عن العمل، إلا أنه لا يمكن تفسير ما يجري إلا بوصفه أحد تجليات الأزمة العامة التي تضرب بأطنابها كل المستويات والقضايا، وأحد أسبابها الخشية الفلسطينيّة بصورة عامة، وخشية الرئيس و"فتح" بصورة خاصة، من تداعيات الربيع العربي، وما رافقه من صعود للإسلام السياسي، خصوصًا في مصر، وما أدى إليه ذلك إلى المزيد من تهميش القضيّة الفلسطينيّة وتحفيز إسرائيل للإسراع في تطبيق المخططات التوسعيّة والاستيطانيّة والعنصريّة، وسط تأكد انهيار "عمليّة السلام"، وغياب أي أفق سياسي لإحيائها على المدى المنظور، وفي ظل الانقسام الفلسطيني المدمر، وانتقاله شيئًا فشيئًا إلى مناطق أخرى وإلى الضفة الغربيّة وقطاع غزة وداخل صفوف "فتح" و"حماس".

إن جذر الأزمة يعود إلى غياب أي رؤية أو خطة أو إستراتيجيّة لدى السلطة أو القيادة أو "حماس" بعد وقف المفاوضات، وانهيار "عمليّة السلام"، وتعليق المقاومة، بحيث أصبح الصراع على القيادة والتمثيل والسلطة يطغى على أي شيء آخر.

وما زاد الطين بلة أن السلطة تبدو مشلولة من دون شرعيّة ولا أفق سياسي، ولا تجد ما تقوله أو تفعله. فخطة بناء المؤسسات وإثبات الجدارة كطريق لإنهاء الاحتلال وصلت سقفها الزمني وفشلت، ولم تجددها السلطة أو الحكومة ولم تطرح خطة جديدة. وشعار تقليص الاعتماد على المساعدات الخارجيّة وصولًا إلى الاستغناء عنها كليًّا في العام 2013 تهاوى في ظل صرخات السلطة التي تتردد حاليًّا لاستدعاء المساعدات الخارجيّة لإنقاذها من الأزمة الاقتصاديّة والماليّة المتفاقمة. وخطة مقاطعة الاستيطان سحبت من التداول مع أنها أحرزت خطوات ملموسة. وغدت المقاومة الشعبيّة شعارًا أكثر ما هي خطة، وأصبحت عبارة عن مظاهرات محليّة في القدس وبعض مناطق (ج) تصطدم مع الاحتلال، ومظاهرات داخل المدن لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تؤثر على الاحتلال شيئًا.

أما خطة التدويل، فتخطو فيها السلطة خطوة إلى الأمام وتعود اثنتين إلى الوراء، فبعد الخطاب التاريخي للرئيس في الأمم المتحدة، الذي كان من المفترض أن يكون البداية وليس النهاية، عدنا إلى نقطة الصفر وأضعنا عامًا كاملًا. وأخذنا نتحدث الآن عن التحضيرات والتشاور مع الدول والمنظمات الإقليميّة، وعن تحديد التوقيت المناسب لعرض مشروع القرار على التصويت للحصول على عضويّة مراقبة لدولة فلسطين من دون إستراتيجيّة متكاملة، ووسط الخشية من التهديدات الأميركيّة والإسرائيليّة بمعاقبة السلطة إذا أقدمت على هذه الخطوة، وبالرغم من أن المقدمات لا تشير إلى توجهنا فعلًا إلى مجابهة مع حكام واشنطن وتل أبيب، وإذا كنا كذلك، فلماذا لا نصارح الشعب بعدم قدرتنا على المجابهة، وما الذي أوصلنا إلى هذا المصير؟، أو لماذا لا نستعد للمواجهة ونحضر الشعب لها، هذا الشعب المستعد للتضحية إذا كان هناك هدف يستحق التضحية وليس من أجل سلطة تبدو فاقدة الاتجاه، وهي أحد الترتيبات التي أقامها الاحتلال لإعفائه من مسؤولياته؟.

السلطة إما أن ترحل أو تعيد النظر في شكلها ووظائفها والتزاماتها؛ لتصبح أداة في يد المنظمة والمشروع الوطني، فلا يكفي تقديم "كبش فداء" إذا كان رئيس الوزراء أو غيره. فالمطلوب تغيير نهج وسياسات وأشكال عمل وأشخاص وعودة إلى المقاومة.

إن خطاب السلطة وأوضاعها وتوتر الأوضاع الداخليّة بين "فتح" و"حماس" والأزمة الاقتصاديّة تجعل الشعب يخشى التدويل وأي مجابهة، لأنه يقف عاريًا من دون مقومات صمود ولا أسلحة، ويواجه أزمة اقتصاديّة وسياسيّة واجتماعيّة شاملة، فكيف إذا نفذت الإدارة الأميركيّة والحكومة الإسرائيليّة تهديداتهما إذا قدمت السلطة طلب الحصول على العضويّة المراقبة أو إذا فعّلت طلبها للحصول على العضويّة الكاملة.

الحصول على العضويّة المراقبة لوحده لا يعني شيئًا، خصوصًا أن المنظمة حصلت على العضويّة المراقبة منذ عشرات السنين، وإنما يجب أن يكون صدى لمعارك أخرى تجري أساسًا في فلسطين المحتلة، فالدولة لن تقام في نيويوك، وإنما في وديان وجبال وسهول فلسطين، وعندما يصبح الاحتلال مكلفًا جدًا لإسرائيل، وليس كما هو الآن "احتلال خمس نجوم".

ولا يكتمل تفسير ما يجري في الضفة من دون وضعه في سياق الصراع الجاري والمتزايد في الأشهر الأخيرة على السلطة في الضفة وعلى البرنامج الذي يجب اعتماده، بين الرئيس و"فتح" من جهة ورئيس حكومته من جهة أخرى، حيث يضيق أبو مازن ذرعًا أكثر وأكثر من سلام فيّاض، ويبدو أنه يريد التخلص منه ولكنه يخشى العواقب، لأن هذا ليس قرارًا اقتصاديًّا فقط.

كان يبدو أن الفرصة توفرت للتخلص من فيّاض بعد "إعلان الدوحة"، ولكنها ضاعت بانهياره، ويبدو الآن توافر فرصة أخرى، ولكنها معرضة للضياع وسط عناد فيّاض وتمسكه بمنصبه بالرغم من استعداده للاستقالة إذا كانت استقالته هي الحل، فكما قال إنه ليس عنوان الأزمة، وهو ليس موظفًا، وإنما مكلف بمهمة لم تنته، وإنه سيرحل إذا أقاله من عيّنه أو إذا وجد أن الشعب يريد رحيله، وهذا لن يظهر إلا بعد إجراء انتخابات يعبر فيها الشعب عن إرادته الحرة.

كأن لسان فيّاض يقول: إذا أردتم التخلص مني فليطلب الرئيس ذلك بصراحة، أو لتسحب "فتح" الغطاء عني. إن هذا الموقف الذي يتعرض له فيّاض منذ توليه رئاسة الحكومة في عهد الانقسام يسيء إليه ويصعب تفسيره.

فلقد ظهر فيّاض باعتباره العقبة الرئيسيّة أمام إنهاء الانقسام، بالرغم من أنه مجرد عقبة من ضمن قائمة طويلة من العقبات، وكان عليه أن يستقيل استقالة نافذة منذ فترة، على الأقل منذ توقيع اتفاق القاهرة؛ ليدلل على أنه ليس العقبة أمام الوحدة.

ويظهر الآن أكثر وأكثر بوصفه مفروضًا من الخارج، فإذا كان الرئيس لا يريده، وكذلك "فتح" و"حماس"، وليس لديه حزب سياسي قوي يدعمه، فعلى ماذا يستند فيّاض، ولماذا يعاند؟!

الاستغناء عن فيّاض لا يتطلب إطلاق ثورة اقتصاديّة أو توظيفها بعد اندلاعها، بل يمكن أن يقيله الرئيس أو يطلب منه الاستقالة، أو يبادر هو بالاستقالة، لأن الوضع الفلسطيني حرج جدًا، ولا يحتمل المزيد من الصراع على السلطة، ولا محاولة حل الأزمة العامة بحلول جزئية أو تقديم كبش فداء.

من حق فيّاض أن يطمح للعب دور سياسي مستقل ومختلف عن الرئيس و"فتح"، ولكنه لا يستطيع فعل ذلك من موقع منصبه كرئيس للحكومة التي تعتبر حكومة الرئيس وتحظى بشرعيّة ودعم من "فتح".

في كل الأحوال، أُحَذِّرُ من الانزلاق إلى الفوضى بفعل بعض الأطراف الفلسطينيّة أو بانفلات الأمور، وتدخل أطراف أخرى. فهناك فرق حاسم بين حرية التعبير والنضال المطلبي أو الثورة ضد الاحتلال وبين الفوضى، وجربنا واكتوينا بنار الفوضى والفلتان الأمني مرارًا وتكرارًا، وليس هناك داعٍ لتجربة جديدة تأكل الأخضر واليابس، لأن المعطيات المتلاحقة تشير إلى مخطط يرمي إلى إعادة صياغة السلطة لكي تقبل بالمعروض عليها، ولو ارتضى الأمر أن تبقى على حافّة الهاوية حتى تخضع، أو تغيير الرئيس وقياداتها، وإلا فلتذهب إلى الجحيم. هل نعي خطورة ما نواجهه ونستعد لمواجهته بشعب واحد ومؤسسة جامعة وقيادة واحدة ومشروع وطني شامل؟
رد مع اقتباس
  #83  
قديم 18-09-2012, 08:27 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,982
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي انتفاضة الدفاع عن الرسول بين لوع جماعة الإخوان ومقاومة الاستعمار

انتفاضة الدفاع عن الرسول بين لوع جماعة الإخوان ومقاومة الاستعمار

Mohamed Waked
لا يسع من يتابع تطورات الأحداث المترتبة على الفيلم المسيء للرسول في مصر والعالم العربي إلا أن يشعر بحسرة شديدة على ما آلت إليه أحوالنا، بعدما كشفته عبثية الأحداث من تدني مستوى الوعي المهيمن في البلاد ومحدودية قدرات القائمين على الأمور فيها. وقد استفاض الكثير من الزملاء في تحليل ردود الأفعال على هذا الحدث بالفعل. منهم من أشار إلى أن مجريات الانتفاضة التي أعقبت الفيلم ساهمت في نشر فيلم تافه يعيب في الرسول في كل أرجاء العالم تحت إدعاء مناهضته. فلا أظن أننا شاهدنا فيلماً راج بهذا الشكل في خلال العقد الأخير، بما في ذلك الأفلام الجيدة والمثيرة، فما بالنا بمقاطع فيديو شديدة البلاهة. ومن هنا فلابد وأن منتجي هذا الفيلم المفترض يشعرون بالإمتنان الشديد لانتفاضتنا الغاضبة بعدما أسهمت في نشر فيلمهم التافه على أوسع نطاق ممكن. فلولا انتفاضاتنا لما شاهد هذه المقاطع أكثر من عشرة أفراد، كانوا سيضحكون عليه في النهاية.

أما الآن فيعتبر الكثيرون من مواطني الدول غير الإسلامية من قاموا بإنتاج هذا الفيلم من أبطال حرية الرأي والتعبير الذين يناضلون ضد قوى الظلام. ومن هنا يتضح للأسف أن ردود الأفعال العربية هي التي تتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية والدينية على نشر فيلم أبله على هذا النطاق الواسع، وما اشتمل عليه من إساءة للرسول، وتمكين فيلم عبيط من إضفاء قدسية "الحريات" على مضمون تافه. كذلك تعرض عدد من الكتاب من قبلي إلى ما أنطوت عليه ردود الأفعال من أسواء دعاية ممكنة للإسلام والرسول، ساعدت في النهاية من زيادة النفور من الدين الإسلامي في العالم، وليس العكس كما ظن القائمون عليها.

كما ارتكزت معظم ردود الأفعال الغاضبة على بديهيات شديدة العنصرية تجيز معاداة دول وشعوب كاملة على أساس ما يقوله عشرة أفراد أو أكثر قليلاً. ولم يقتصر ذلك على إدانة المجتمع الأمريكي بأسره، وتحميله مسؤولية أفعال عشرة أشخاص سفهاء، وإنما تجاوزت ذلك إلى التعميم على كل ما هو أبيض أو غربي أو مسيحي. فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما لم تجد القوى الإسلامية في إيران مؤسسات أمريكية تتظاهر أمامها قامت بالتظاهر أمام سفارة سويسرا في طهران. في حين حاولت القوى الإسلامية في السودان حرق سفارتي بريطانيا وألمانيا احتجاجاً على فيلم مسيء للرسول يفترض أنه نشر في أمريكا. ونجحت بالفعل في إشعال النيران في السفاراتين. وناب مسيحيو مصر جانب من هذا التعميم بالطبع، وصل ذروته في قيام المتظاهرون الذين شاركو في مليونية التحرير أمس الأول بكتابة شعارات شديدة العنصرية والتدني على سور كنيسة الدوبارة، التي طالما ساعدت كل المتظاهرين وقدمت لهم العون في أثناء كل الاعتصامات، مسلمين ومسيحيين، ولذلك عرفت بإسم كنيسة الثورة.

دور الإخوان

وعلى الرغم من أهمية ما تقدم، يظل الدور الطفولي الذي لعبته جماعة الإخوان في هذه الملحمة هو أهم ما فيها. فقد لعبت الجماعة دوراً أساسياً في تأجيج مشاعر الغضب ودفعها نحو التظاهر أمام السفارة قبل أن تتراجع وتدين المتظاهرين، ثم تبرر اعتقالهم في وقت لاحق. وأدى تخبطها الشديد إلى إلحاق الضرر بها وبنا جميعاً. فلا يوجد شك أن الجماعة خسرت الكثير من جراء تخبطها وأخطائها ومن ورائها الدولة المصرية، حتى وإن ظنت أنها كسبت المعركة الطائفية المحلية. وعلى الرغم من تعدد مستويات الخطأ الذي ارتكبته الجماعة في حق نفسها، وتجلياته، إلى أن أحداً لم يتوقف عند تدعياته بالشكل الكافي.

فأول ما يلاحظ هنا أنه يحق طبعاً للجماعة من حيث المبدأ أن تدعو للغضب ضد فيلم يسيء للرسول. لكن جرت العادة أن الابتعاد عن التعميم العنصري يفيد القضية أكثر من التعميم العنصري الذي يوسع الحرب إلى نطاق حضاري أكبر من اللازم. وحتى لو قبلنا بالحق في التعميم في هذه الحالة من باب "فاض بنا الكيل،" تبقى إشكالية تقديم نفس الحق للجانب الآخر على طبق من ذهب. وهنا يبرز سؤال أساسي: كيف ستتعامل الجماعة مع التعميم المضاد ضد كل المسلمين الذي يجيده اليمين الغربي؟ هل طورت رؤية معينة للتعامل مع ذلك؟ وهل لديها خطط محددة؟ أم ستترك الأمر للظروف؟ وهل تريد هذه المواجهة أصلاً؟

وعلى نفس المنوال، طالبت قيادات الجماعة الغرب بتغيير قوانينه بما يمنع ازدراء الأديان، وفي هذا قبول بالتدخل في شؤون الآخرين ينتهي بضرورة قبول الجماعة هي الأخرى ببديهية فرض قييم ثقافية غربية على القوانين المصرية--فهل هي مستعدة لقبول ذلك؟ أم ستناضل من أجل قصر التدخل في شؤون الآخرين فيما يخص الدين وحده؟ وكيف ستفرض تحديد التدخل في نطاق ازدراء الأديان فقط؟ هل لديها كروت ضغط غير مهاجمة السفارات؟ وهل تعي شكل الخريطة العالمية أصلاً، التي لا تحصر الأديان في شيء أسمة الديانات السماوية؟ بمعنى، هل ستمنع إزدراء بوذا و"الأصنام" الهندوسية في مصر؟

مثل هذه التساؤلات تفرضها الاستحقاقات المنطقية لموقف الجماعة. لكن كالعادة تزول هذه الاستحقاقات في ميزان القوة--فهل ميزان القوة في صالح الجماعة؟ أم كان أجدى بها أن تتجاهل الفيلم وتتركه يموت تحت تفاهة مضمونه؟ الإجابة العقولة الوحيدة في هذه الظروف هي أن نهج التحدي الذي انتهجته الجماعة هو، بغض النظر عن المنطق واستحقاقاته، مقبول فقط من منطلق مقاومة الاستعمار، الذي لا يرهن الفعل المقاوم إلى منطق ميزان القوة. فمنطق المقاومة هو المنطق الوحيد الذي يفسر مهاجمة سفارات ألمانيا وبريطانيا في الخرطوم بشكل مقبول وشرعي تماماً، على أساس أن لهذه التحركات الغاضبة مشروعية واضحة منبثقة عن عداء هذه الدول لشعب السودان ودعمها لاستعماره والاستحواذ على ثرواته. لكن أي منطق آخر غير منطق المقاومة سيجر الجماعة نحو الاستحقاقات المنطقية سالفة الذكر، وهي استحقاقات ينظمها الواقع العالمي لصالح الجانب الأقوى طبعاً، الذي هو أمريكا.

هذا إذن هو مربط الفرس ويفرض علينا سؤالاً بديهياً: هل تنوي الجماعة مقاومة أمريكا؟ فإذا كانت تنوي ذلك يصبح ما فعلته مقبولاً تماماً ويجب مساندته دون أي قيد أو شرط، أما إذا كانت تلعب لعبة "لوع" مع أمريكا فتكون قد خسرت كثيراً ويجب علينا توخي الحذر مما تفعله. وللأسف تؤكد كل المؤشرات على أنها تلعب لعبة "لوع" سخيفة تظن أن خطابها المزدوج سيكون قادراً على التغطية عليها، كما سيتضح بعد قليل.

مقاومة أمريكا

لا يوجد دليل على عدم نية الجماعة مقاومة أمريكا أقوى من تزامن حملة الإخوان لمناهضة أمريكا المفترضة مع زيارة وفد أمريكي أمني للتفتيش على حدود مصر مع غزة والتأكد من هدم الأنفاق. وتضمن ذلك قيام الأمريكان بالإعلان عن تركيب أجهزة متطورة لرصد تحركات القوات المصرية في سيناءـ وبرر وزير الدفاع الأمريكي ذلك قائلاً، "نحن فقط نريد التأكد من اننا نعرف كيفية تمركز هذه القوات (المصرية) لكى نصبح أكثر كفاءة وفاعلية فى مكافحة الإرهابيين." وفي هذا السلوك المهين (الذي أسسه نظام مبارك) تجاوز شديد على السيادة المصرية، تلتزم به جماعة الإخوان لما عليها من استحقاقات منبثقة عن التدخل الأمريكي لضمان نقل السلطة كاملة إليها. وتبع زيارة وفد التفتيش الأمريكي تحركات قلقة في غزة للمطالبة بعدم هدم كل الأنفاق إلا بعد إيجاد بدائل لإيصال الغذاء لغزة، ما يكشف نجاعة مجهودات هدم الأنفاق التي تشرف عليها أمريكا (على الرغم من أن بعض القوى تظن أن ما يحدث بخصوص هدم الأنفاق هو فيلم غير حقيقي). كما تزامن التصعيد ضد أمريكا والاحتشاد أمام سفارتها من أجل نصرة الرسول مع تصريح حزب النور، شريك الإخوان في التصعيد الأخير، بوجوب احترام اتفاقية السلام مع اسرائيل وقبوله للحوار معها من حيث المبدأ.

وعليه، كانت قيادات الإخوان تصعد ضد أمريكا في نفس ذات الوقت التي كانت تقوم فيه بضمان مصالح أمريكا طبقا لترتيبات حسني مبارك الخاضعة. في حين كانت قيادات السلف تصعد ضد أمريكا في نفس الوقت الذي كانت تطلق فيه مبادرات حسن نوايا تجاه إسرائيل. وتزامنا جانبا السلوك المزدوج معاً على نحو دقيق وكاشف، حيث خرجت الدعوة بالتظاهر ضد سفارة أمريكا في نفس يوم الإعلان عن التفتيش والقبول بالحوار مع اسرائيل.

نحن إذن لسنا بصدد مشروع مقاومة حقيقي، ولا يوجد على ما يبدو أي مجال لذلك. بل نحن أمام مشروع "لوع" تظن الإخوان أنها تستطيع من خلاله الضغط على أمريكا من أجل تحقيق مكاسب تفاوضية تضمن لها استقلالية نسبية، ذلك من جانب، وتسترضي من جانب آخر المشاعر الإسلامية حتى لا تفقد جماهيريتها في ظل وجود جماعات إسلامية على أتم استعداد للمزايدة عليها في هذا المجال. وهكذا فرضت عليها خيارتها الجؤ إلى خطاب مزدوج فشل في النهاية في إرضاء طرفي المعادلة: الشعب المصري والأمريكان.

هنا تبرز نقطاتنا هامتان، الأولى أخلاقية والثانية استراتيجية. أولاً، هل يحق للجماعة أن تقود الناس إلى هذه المواجهات وما تخللها من سقوط ضحايا وإصابات وأضرار مادية في حين أنها "لم تكن تنتوي" المواجهة أصلاً؟ ألم يكن عليها أن تخبر الناس بحقيقة رهاناتها؟ وهل تستطيع السيطرة على ما دشنته من تحرك أو تلوم من صدقوها؟ وثانياً، كيف تضمن الجماعة اتباع هذا النهج المزدوج دون أن تخسر الجانبين؟

منهجية "اللوع" وحدودها

بشكل تفصيلي، شاركت الجماعة بشكل مباشر وحثيث مع حزب النور ورموز الدعوة السلفية في تأجيج ردود الأفعال الغاضبة على الفيلم المسيء. بل هم الذين بدأوا هذه الحملة. حيث سخرت قنوات هذه الفصائل التلفزيونية كل طاقتها لشحن العواطف ذات الصلة وحشدها إلى التظاهر لنصرة الرسول أمام سفارة الولايات المتحدة الأمريكية يوم الثلاثاء الماضي. وهكذا دشنت فعاليات غاضبة خرجت في النهاية تماماً عن سيطرتها وتوقعاتها بعد أن صدقتها الجماهير. بمعنى آخر، لم تفكر هذه الجهات في "صرف العفريت" قبل تحضيره.

كما شاركت في هذه الحملة قيادات كبرى بالجماعة بشكل مباشر، مثل خيرت الشاطر وعصام العريان ومحمد البلتاجي، وهي من قيادات المستوى الأول، وما يقولونه يمثل الجماعة. وعليه فما نتابعه الآن من دراما حزينة تخللها استشهاد مواطنين، وإصابة ثلاثمائة، واعتقال ثلاثمائة آخرين، أتت نتاج حسابات خاطئة تماماً من أعلى قيادات الإخوان، لا من تصرف عاطفي لكوادر وسطى أو قواعد الجماعة.

على سبيل المثال، أشاد خيرت الشاطر في البداية بالمظاهرات ضد أمريكا بشكل لا يتحمل تأويلاً مغايراً، ما أنطوى على دعوة للمتابع بضرورة المشاركة فيها. في حين صرح عصام العريان أن "مطالبنا اليوم محاسبة من وراء الفيلم واتخاذ اجراءات دولية قانونية لمنع اﻹساءة لكل اﻷديان والمقدسات، الدين ليس اقل من محرقة الهولوكست." وهذا يعني أنه عرف نفسه على أنه جزء من المظاهرات حينما استخدم لفظ "مطالبنا اليوم،" وفي الضمير المستخدم إدعاء واضح بملكية التظاهرات.

وعلى الرغم مما في ذلك من افتراضات من نوع المطالبة في التدخل في شؤون الدول الأخرى، وما يتبع ذلك من استحقاقات مضادة، إلا أنه في حد ذاته حق هؤلاء لو كانوا ينوون المقاومة كما قلت من قبل. إما إذا كان ما يفعلونه مجرد محاولة للضغط لا المقاومة فيضرها ما أنطوت عليه هذه التصريحات من مغالطات شديدة لا تليق بمقام قيادات على مستواهام.

على سبيل المثال لا الحصر، تنتشر بالمجتمعات الغربية الأفلام والمقالات التي تسخر من المسيحية بمعدل مئات أضعاف المقالات التي تسخر من الأديان الأخرى. وعليه فمبدأ معاملة الدين الإسلامي بالمثل (في هذه الحالة تحديداً) لا معنى له سوى الإكثار من السخرية من الإسلام. وكان أجدى بهم التركيز على التمييز ضد الملسمين واحتلال أراضيهم والنفاق الجاري بخصوص الإسلام في الدول الغربية، لا التطرق لمبدأ إزدراء الأديان من حيث المبدأ. كذلك تنطوي هذه المقولات على افتراض أنه يحق لدولة مثل مصر أن تفرض على دولة مثل أمريكا أن تشرع ما يلزم لمنع إزدراء الأديان كما يحدث في مصر، وهو افتراض غير واقعي بالمرة. وعلى نفس المنوال، إنطوت تصريحات العريان، وهو مستشار الرئيس للشؤون السياسية، عن جهل شديد بمؤسسة الهولوكوست. فأولاً، لا علاقة للقوانين الخاصة بالهولوكوست بالدين اليهودي. بل هي قوانين تجرم إنكار الهولوكوست على خلفية مآساة إبادة يهود أوروبا التاريخية. بمعنى آخر، هي قوانين نابعة من التجربة التاريخية للدول التي تعمل بها. وعليه فلا مجال للمقارنة بين الفيلم والهولوكوست أصلاً، والقيام بذلك يدعو للضحك. والأهم من ذلك هو أن هذه القوانين يعمل بها في عدد محدود جداً من الدول الأوروبية التي تورطت في محرقة اليهود، وليس من بينها أمريكا. وعليه فكأن العريان يطالب أمريكا بتطبيق شيء تطبقه بالفعل، استناداً لمقارنة غير منطقية. وبكل تأكيد سيصعب على الجمهور الأمريكي فهم ما يعنيه أصلاً. كذلك لا يوجد شك أن العريان نفسه لا يستطيع تطبيق مطلبه، حيث من غير الوارد أن يطبق قانون يمنع إنكار الهولوكوست في مصر، وعليه فماذا لو ردت أمريكا: "ماشي، نمنع ازدراء الرسول وتمنعوا التشكيك في الهولوكوست،" هل سيستطيع تطبيق ذلك؟

والأهم هو أن الجماعة اتفقت مع الأحزاب والمنظمات السلفية على التظاهر أمام السفارة الأمريكية يوم الثلاثاء الماضي، لكنها لم تشارك في المظاهرة وغابت رموزها عنها. هذا ما دفع نادر بكار إلى التصريح بأن الجماعة أخلفت وعدها لهم بعد ما وجد التيار السلفي نفسه وحيداً أمام السفارة ومعه فقط مجموعات صغيرة من أفراد الألتراس. وبدأ بعدها التيار السلفي فوراً في لوم الألتراس على اقتحام السفارة وحرق العلم الأمريكي والتنصل مما حدث. هكذا بدأت مشكلات الحديث المزدوج تتكشف.

ثم تعفف الرئيس مرسي عن إدانة اقتحام السفارة الأمريكية في القاهرة بشكل حاسم في أول الأمر، فعقد من علاقته مع أمريكا أكثر. فما كان من أوباما إلا أن رد عليه بعنف قائلاً، إن مصر ليست حليفة وليست عدوة. وهو أول تصريح أمريكي يضع مصر في مصاف "غير الحلفاء" منذ أربعة عقود. بمعنى آخر، أدى خطاب الإخوان المزدوج لرد فعل أمريكي مبني على تصديق أمريكا لجانب من جانبي خطاب الإخوان المزدوج، أو الجانب الذي يهم أمريكا.

وفي أعقاب تصريح أوباما قام الرئيس مرسي بالتنديد باقتحام السفارة بشكل حاسم وتلى ذلك تراجعات متسرعة من الجماعة بعدما تبين لهم خطورة اللعبة التي يلعبونها. حيث تراجعت الجماعة أولاً عن تأييد مليونية الجمعة في التحرير، على الرغم من أنها هي التي دعت لها، وحمل مانشيت جريدة الحرية العدالة يوم الخميس التأكيد على أن الجماعة ستتظاهر أمام المساجد الكبرى في حين أن قوى ثورية ستذهب إلى التحرير، على الرغم من أن معظم القوى الثورية لم تشارك في هذه التظاهرات أصلاً. فما كان من حزب النور إلا أن أصدر بياناً هو الآخر تراجع فيه عن مواقفه السابقة وطالب فيه المتظاهرين بالابتعاد عن السفارات على الرغم من أن نادر بكار كان من نجوم المظاهرة التي اقتحمت السفارة. وتوالت الفتاوى بحرمة التعرض للسفارات الأجنبية.

بعدها نشر الشاطر اعتذار ضمني في جريدة النيويوك تايمز، أهم جريدة أمريكية، باللغة الإنجليزية. وقام البلتاجي في نفس اليوم بالتنصل من التظاهرات قائلاً: "أحداث السفارة ينفق عليها نزلاء طره وينفذها النخانيخ،" وهو نوع من التنصل من الحدث ينطوي على تجريم القائمين به. وتابعه رئيس الوزراء بالتأكيد على تجريم المتظاهرين، مدعياً أن بعض المتظاهرين حصلوا على أموال لمهاجمة السفارة من جهات محرضة لا تريد لمصر الاستقرار، دون أن يفصح عنها. وفي ذلك تجريم مماثل للمتظاهرين يذكرنا بما كان يقال في حق الثوار في العهود السابقة على حكم الإخوان، وإعادة احياء لحدوتة "الطرف الثالث" الذي لا يعلن عنه أبداً. وأدى التنصل من هذه المظاهرات في النهاية إلى اقتراح خمسة مشروعات لقوانين تحد من حق التظاهر والإضراب، تبعه قيام الجمعية التأسيسية لوضع الدستور بإعادة النظر في المواد الخاصة بحق التظاهر. في حين بدأ بعض الكتاب الكبار، مثل فهمي هويدي، ينادون بضرورة مواجهة الصحف التي ابرزت العنصر الطائفي والإسلامي المتشدد في المظاهرات، مقترحين القيام بالرقابة على الصحف.

وهذا يعني أن الإخوان دفعوا في النهاية إلى شيء غير الذي بدأوا به تماما، بعد أن فرض عليهم ميزان القوة والاستحقاقات المنطقية لموقفهم الملاوع أن يواجهوا الشعب، لا أمريكا. ويبدو أن الإخوان لا يعون أنه لا يمكن لأحد أن يتحكم في مجريات التعبئة الشعبية والتسخين السياسي، "فدخول الحمام مش زي خروجه." ولا يفهمون أنه لا يمكن لهم أن يحتفظوا بخطاب مزدوج دون خسارة الجانبين، وهذا ما ظهر في رد فعل السفارة الأمريكية التي أكدت لهم أنها تتابع ما يقولونه بالعربي، من جانب، ومن جانب آخر في حجم الإصابات والاعتقالات التي واكبت الحدث. والأهم من ذلك هو أنه لا يحق للإخوان أن يدفعوا آخرين في مسار سيدينوه ويتبرأوا منه بعد يوم من اتخاذه لما في ذلك من عدم أمانة. ولن تجني الإخوان أي فائدة من جراء ذلك، فطريقة إدارتها للأمور أدت إلى فشلها في احتواء الجانبين فقط لا غير.

وفي النهاية، لا يحق للإخوان أن تلعب بخطاب مقاومة زائف لتبرير موقف مهادن من الاستعمار على الأرض. وما حدث يعني فقط أنها وضعت نفسها في موقف حرج سيتبعه تقديم المزيد من التنازلات للاستعمار، وليس العكس. ومن جانب آخر سيؤدي إلى قيامها بمواجهة القوى السياسية التي لن تمتثل لتقييد حقوق التظاهر والإضراب وحرية الرأي والتعبير--بعد أن أدى تخبط الجماعة لإجبارها على للتضييق على هذه الحقوق. فالخطاب المزدوج ليس خطاباً ذكياً وإنما يؤدي في النهاية إلى خسارة مزدوجة. ومن الأفضل للجماعة أن تحسم موقفها من مقاومة المشروع الأمريكي بشكل علني، حتى لا تخرج من أزمة محرجة لتدخل أزمة أكثر إحراجاً. وفي النهاية سندفع نحن ثمن هذا اللوع.

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 18-09-2012 الساعة 08:30 AM
رد مع اقتباس
  #84  
قديم 18-09-2012, 08:39 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,982
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي دلالات العنف ضد الدبلوماسيين في الشرق الأوسط

دلالات العنف ضد الدبلوماسيين في الشرق الأوسط

السفير د. عزمي خليفة
هل يسير التاريخ في اتجاهه للإمام؟ أم أنه يتحرك في شكل حلزوني ليكرر الأحداث كل فترة، حتى وإن كان يكررها تارة في شكل مأساة، وتارة أخرى في شكل ملهاة؟.هذا التساؤل شغل عددًا من المفكرين عبر التاريخ، ولكنه اكتسب بُعدًا خاصًّا مؤخرًا نتيجة ثورات الربيع العربي التي استدعت للذاكرة فكرةَ سلاسل الثورات في العالم، لاستجلاء القوانين الحاكمة لهذه السلاسل من الثورات

، ونتيجة عودة الإرهاب لاستهداف الدبلوماسيين والبعثات الدبلوماسية من خلال اغتيال القنصل الأمريكي في بنغازي بليبيا، ومن قبله اغتيال دبلوماسي جزائري في مالي التي أضحت معقلًا للقاعدة في المغرب العربي وشمال إفريقيا إلى جانب ليبيا والجزائر.

بدايةً، من المستبعد الأخذ بوجهة النظر التي ترى أن التاريخ يسير في شكل حلزوني لأن تكرار الأحداث -وإن تشابهت- لا يلغي تطور الخبرة الإنسانية في أسلوب التعامل معها، كما أنه لا يلغي أيضًا تطور الزمن نفسه، وما يطرأ عليه من تغييرات تكنولوجية وعلمية تغير من جوهر الحدث، فالمرء لا يمكنه الاستحمام في نهر واحد مرتين؛ وإلا فإننا نحكم على الحاضر والمستقبل بمرجعية الماضي، وهو ما ينطبق على الموجة الحالية من الاحتجاجات الجماهيرية والإرهاب الموجه إلى الدبلوماسيين والبعثات الأمريكية، فالعالم قد تغير عن الثمانينيات، والمعالجة أيضًا ستتغير عن ذي قبل.

أولًا: التاريخ وأحداث العنف ضد الدبلوماسيين:

رغم أن تركيز الاحتجاجات الجماهيرية والإرهاب ممثلا في القاعدة على البعثات الدبلوماسية الأمريكية في مجمل دول الشرق الأوسط ردًّا على الفيلم المسيء للرسول الكريم والذي أنتج وصور في الولايات المتحدة بمشاركة من بعض المسيحيين المصريين بالمهجر؛ إلا أن من المهم الإشارة إلى أمرين هامين:

الأول: أن العنف كظاهرة موجهة ضد الدبلوماسيين والبعثات الدبلوماسية ليس بظاهرة جديدة؛ فقد سبق وانتشرت الظاهرة في عصر الحرب الباردة؛ أي في نهاية عقد الستينيات وبداية السبعينيات من القرن العشرين، وقامت بها منظمات متطرفة في أيديولوجيتها اليمينية واليسارية على السواء، وإن اتفقت على مهاجمة دبلوماسيي وبعثات الغرب، احتجاجًا على سياسات بعض دوله، ومن هذه الأحداث اغتيال السفير الفرنسي ثم ملحق إداري للسفارة الفرنسية في بيروت عام 1982 في حادثتين منفصلتين، واغتيال مسئولين أتراك في لوس أنجلوس وبوسطن وجرح ثالث في أوتاوا، واغتيال الملحق العسكري الأمريكي في باريس عام 1982 بعد عدة أشهر من نجاة القائم بالأعمال الأمريكي من محاولة اغتياله.

هذه الموجة من الإرهاب شملت أيضًا عددًا من الدبلوماسيين المصريين مثل انفجار سيارة مفخخة أسفل منزل سكرتير ثاني السفارة ببيروت حمدي لوزا، وإصابة السفارة بصاروخ، والعنف الذي أصاب السفارة في أوغندا وأدى إلى نهب منازل بعض الدبلوماسيين المصريين، وأحداث العنف التي شملت بعض الدول الإفريقية وانعكست سلبًا من الناحية الأمنية على عددٍ من الدبلوماسيين المصريين والبعثات الدبلوماسية إلى درجة وفاة عدد من الدبلوماسيين المصريين مثل السفير صلاح الدين كمال في الصومال، والسكرتير ثاني أحمد نمير خليل في باكستان، وأخيرًا السفير إيهاب الشريف في العراق.
الثاني: أن الجديد في ظاهرة العنف الموجه ضد الدبلوماسيين والبعثات الدبلوماسية يتمثل في ازدياد عدد هذه الأحداث، وخطورة ما تؤدي إليه من تبعات ونتائج، مما يؤدي إلى تغييرات في طبيعة العمل الدبلوماسي تؤثر سلبًا على جوهر الوظيفة الدبلوماسية.

فمن ناحية تطور عدد الحوادث الإرهابية ضد الدبلوماسيين والبعثات الدبلوماسية، يمكن الاشارة إلى بعض المؤشرات التي تأتي في مقدمتها:

1- كان عدد هذه الأحداث عام 1970 قد وصل إلى 213 حادثا شمل دبلوماسيين من 31 دولة، ووصل عام 1980 إلى 409 حوادث ضد دبلوماسيين من 60 دولة.
2- زادت نسبة الأحداث الإرهابية الموجهة للدبلوماسيين من مجمل أحداث الإرهاب من 30٪ عام 1975 إلى 54٪ عام 1980.
3- ما بين الفترة 1968 إلى 1982 قتل 381 دبلوماسيا، وجرح 824 آخر في أحداث إرهابية حول العالم.
4- أن عدد الدول التي فقدت ضحايا دبلوماسيين وصل عام 1982 إلى 108 دول.

أما من ناحية تطور نوعية العمليات الاحتجاجية والإرهابية التي وجهت ضد الدبلوماسيين ومؤسساتهم فإنها تتطور بتطور التكنولوجيا والتقدم العلمي، ولذا فإن العمليات الحديثة تستند إلى قوةٍ تدميريةٍ ودقة تصويب أكبر، فعمليات 11 سبتمبر 2011 ما كان يمكنها النجاح بنفس الدرجة قبل ظهور الكمبيوتر وانتشاره وما طرحه من تطبيقات للاتصال السريع منخفض التكاليف، والبعيد عن الرقابة، وحادث احتجاز الرهائن الأمريكيين في طهران ما كان يمكن أن ينجح بنفس الدرجة لولا تطور الإرسال التلفزيوني عبر القارات، وهو ما أدى إلى زيادة عمليات اقتحام السفارات، واحتجاز رهائن بنسبة 50٪ خلال العامين التاليين.

ثانيًا: ملامح الموجة الجديدة من العنف ضد الدبلوماسيين

الموجة الحالية من الهجمات الإرهابية والاحتجاجات الجماهيرية بدأت في ظل أوضاع مختلفة عن تلك التي سادت في ظل الموجة السابقة والتي يمكن إجمال أهم ملامحها فيما يلي:

1- أن التحولات الدولية الحالية تتسم بالسرعة الفائقة التي تجعلها أقرب إلى السيولة، وهو ما جعل البعض يصف النظام الدولي بالأحادية القطبية، في حين وصفه البعض باللا قطبية، بينما وصفه آخرون بالتعدد القطبي، وإن كان التصور الأقرب هو النظام الشبكي القائم على اختلاف التحالفات باختلاف بنود الأجندة الدولية مع تبادل المصالح.كما أن هذه التحولات تتسم بالشمول والعمق والفجائية؛ فلم يتصور أحد عام 1990 انهيارَ الاتحاد السوفيتي، كما لم يتصور أحدٌ في مطلع عام 1989 اجتياح الجماهير لسور برلين في غضون أشهر، وهي تغييرات أدت إلى نتائج غاية في الأهمية.

2- أن التحولات الإقليمية في الشرق الأوسط لم تكن أقل أهمية عن مثيلاتها الدولية؛ فلم يتصور أحد أن رياح الربيع العربي ستهب من تونس نتيجة إهانة مواطن شاب على يد شرطية، كما لم يتصور أحد أن يسقط نظام مبارك في مصر خلال 18 يوما، وإن كانت الدلائل قد رجحت إحداث تغييرات هامة بالنظام باختفاء الشرطة يوم 28 يناير، وأكدت زواله بعد معركة الجمل في 2 فبراير عام 2011.
3- أن البيئة السياسية تغيرت تمامًا في الشرق الأوسط، فالتيارات الإسلامية -وعلى رأسها الإخوان، والتي كانت مطاردة من السلطة وقابعة في السجون- أضحت تتولى السلطة، وثبت خواء وضعف تنظيمات التيارات الليبرالية، وتأكد أن الحركات الشبابية تفتقد إلى القيادة والخبرة السياسية.

4- أن تغيير البيئة السياسية في الشرق الأوسط أدى إلى تغيير الخريطة الإستراتيجية التي تعكس جوهر التحالفات السياسية، وقد عكس هذا التغيير مؤشراتٍ عديدةً مثل التأرجح الخليجي تجاه مصر، وتوتر العلاقات المصرية الإماراتية نتيجة تصريحات قائد شرطة دبي ضاحي خلفان، والحذر السعودي في التعامل مع مصر، وزيارة الرئيس مرسي لإيران، وتأرجح القرار المصري بشأن زيارة الرئيس مرسي للولايات المتحدة.

5- الخلل الذي أصاب التنظيمات الجهادية الإسلامية التي انتشرت بالشرق الأوسط فور انطلاق نسمات الربيع العربي. فالقاعدة أصابها قدرٌ من الضعف نتيجة اغتيال زعيمها أسامة بن لادن؛ غير أنها سرعان ما عوضته بالأخذ بنظام اللا مركزية في التخطيط والتنفيذ والتجنيد والتمويل، وإنشاء خلايا عنقودية مغلقة على نفسها، وهو ما مكنها من إنشاء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في اليمن، مواجهٍ لتنظيم شرق إفريقيا في الصومال، وتنظيم القاعدة للمغرب العربي وشمال إفريقيا، وفتح جبهة جديدة في العراق وسوريا بمنطقة الشام.

في ظل هذه التغييرات الدولية والإقليمية؛ بدأت الموجة الجديدة من الاحتجاجات الجماهيرية وأعمال الإرهاب التي راح ضحيتها القنصل الأمريكي في بنغازي ردًّا على الفيلم المسيء للرسول الكريم، وهي سلوكيات جعلت العمل الدبلوماسي من الأعمال التي تتسم بالخطورة العالية، وخاصة في ظل تحوله من عمل مكتبي داخل الأبراج العاجية إلى العمل المجتمعي الثقافي المفتوح، وهو ما يطرح تساؤلًا حول الأسلوب الأمثل لمواجهة هذه المخاطر.

ثالثًا: مواجهة العنف ضد الدبلوماسيين في المستقبل

لقد تم الجمعُ بين عملين مختلفين هما الاحتجاجات الجماهيرية، وهو سلوك مشروع في ظل ضوابط قانونية الخروج عليها يعرض المحتج للمساءلة القانونية، وبين أعمال الإرهاب المدانة محليًّا ودوليًّا، والجامع بينهما هو التأثير السلبي على العمل الدبلوماسي؛ إلا أن من المهم للتعرف على الاتجاهات المستقبلية التي تحكم الإرهاب والاحتجاجات الجماهيرية أن نفصل بينهما.

فمن المؤكد أن الإرهاب في كل أشكاله مدانٌ، أما الاحتجاجات الجماهيرية ضد الدبلوماسيين ومؤسساتهم فإنها تخضع لنوعين من القوانين، هما القوانين المحلية التي تنظم التعبير عن الرأي والتظاهر، أما النوع الثاني من القوانين فهي القوانين الدولية التي تعارف عليها المجتمع الدولي لحماية الدبلوماسيين والبعثات الدبلوماسية، والتي لم تكن متكاملة خلال الموجة الأولى في السبعينيات والثمانينيات والتي يمكن حصرها جميعا فيما يلي:

1- اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 والتي تنص في مادتها الثانية والعشرين على حرمة مباني البعثة الدبلوماسية، ومن ثم عدم أحقية سلطات الدولة المضيفة دخول هذه المباني -في الأحوال العادية- إلا بإذن من رئيس البعثة، كما تلزم هذه المادة الدولة المضيفة بالعمل على حماية البعثة ضد أي اعتداء، أو ضرر، أو ما يحط من كرامتها، كما أن المادة 24 من نفس الاتفاقية تؤكد حرمة أرشيف ووثائق البعثة أينما كانت.

2- اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية عام 1963 التي تنص في مادتها الحادية والثلاثين على حرمة مباني البعثة القنصلية، وعدم أحقية سلطات الدولة المضيفة في دخول هذا المباني إلا بإذن من رئيس البعثة، كما نصت صراحة في الفقرة 3 من نفس المادة على إلزام الدولة المضيفة بحمايتها ضد أي اعتداء أو ضرر أو ما يعكر صفوها أو المس بكرامتها، وهو نص صريح ينطبق على المظاهرات، كما تنص المادة 33 من الاتفاقية على حماية أرشيف ومكتبات القنصلية.

3- اتفاقية منع الجرائم المرتكبة ضد الاشخاص المتمتعين بحماية دولية، بمن فيهم الموظفون الدبلوماسيون، والمعاقبة عليها لعام 1973 والتي تستند إلى مبدأ إما محاكمة أو تسليم الشخص الذي ارتكب خطأ جسيمًا ضد الدبلوماسيين أو ضد أشخاص يتمتعون بالحماية الدولية (مادة 7)، ويتعين على الدول تحديد الولاية على الجرائم المنصوص عليها في المادة الثانية، وتنص المادتان 4 و5 من الاتفاقية على تعاون الدول في مجال منع الجرائم وتبادل المعلومات.

4- في ضوء استمرار خرق اتفاقية فيينا عام 1961 وعام 1963 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 168/35 عام 1980 الخاص بإجراءات رصد للحوادث ضد السفارات والموظفين الدبلوماسيين، وهو ما استغلته الدول المختلفة لتحقيق هدفين؛ أولهما تسجيل الخروقات ضد بعثاتها الدبلوماسية وموظفيها الدبلوماسيين بالخارج، وثانيهما تقديم معلومات عن حوادث وقعت في أراضيها ضد البعثات الدبلوماسية الأجنبية وأعضائها، سواء أكانت هذا الأحداث قد تم تسجيلها أم لا من قبل الدولة المعنية ذاتها.

هذه الوثائق إذا ما تم استخدامها بأسلوب متكامل يمكن أن توقع أضرارًا بالغة على الدول التي تعجز عن حماية البعثات الدبلوماسية على أراضيها، وهو ما ينبغي التحسب له من ناحية، وهو ما يمكن أن يفسر -ولو جزئيًّا- تحرك بعض قطع الأسطول الأمريكي تجاه ليبيا في الآونة الأخيرة، وكذا تصريح الرئيس الأمريكي أوباما بأن مصر لم تعد دولة حليفة ولا عدوة، وتصريحه بضرورة التزام مصر بحماية البعثات الدبلوماسية الأمريكية والدبلوماسيين، وقرار إرسال مشاة البحرية الأمريكية لحماية مقر السفارة الأمريكية بالخرطوم، فكلها مؤشرات على تغيير الرؤية لمهاجمة الدبلوماسيين والبعثات الدبلوماسية، والاتجاه نحو معالجة الموضوع بأسلوب مختلف، وهو ما يفرض على الحكومة المصرية التزاما بضرورة حماية البعثة الأمريكية في كل من القاهرة والإسكندرية، فالأمر قد خرج من إطار المجاملات والمعاملة بالمثل إلى إطار قانوني أكثر إلزامًا، مما يتطلب وضع حدٍّ للتحركات التي يقوم بها بعض أنصار تيار الإسلام السياسي التي تعكس التلاعب بالمشاعر الدينية للمحتجين، خاصة وأن الإسلام لم يأمرنا برد الإساءة بإساءة مثلها، ويكفي ما قام به الرئيس مرسي من تكليف السفارة المصرية في واشنطن باتخاذ الإجراءات القانونية.

والخلاصة أننا أمام أزمة قد تتطور في اتجاه غير مأمون العواقب، وفقًا لإجراءات قانونية ارتضاها المجتمع الدولي، وما زالت الحكومة المصرية وحكومات دول الربيع العربي خاصة وباقي حكومات دول الشرق الأوسط عامة غير مدركة لجوهر التغييرات التي طرأت عليها، وما زالت مستمرة في خلط الدين بالسياسة، والذي يمكن أن يؤدي مستقبلا إلى عواقب هي في غنًى عنها في المرحلة الحالية التي تتسم بالهشاشة وضعف قبضة السلطة على مقدرات الدولة، وخاصة في المجال الأمني بمعناه المجتمعي.
رد مع اقتباس
  #85  
قديم 19-09-2012, 12:38 AM
الصورة الرمزية الاستاذ محمد سرور
الاستاذ محمد سرور الاستاذ محمد سرور غير متواجد حالياً
العبد الفقير الى الله
 
تاريخ التسجيل: May 2008
المشاركات: 3,915
معدل تقييم المستوى: 20
الاستاذ محمد سرور will become famous soon enough
افتراضي

هى مصر بقت كلها اخوان علشان يتم فرد موضوع كامل يتحدث عن دور الاخوان فى الموقف الراهن بخصوص الفيلم
كنت اتمنى من كاتب المقال ان يكون حياديا بعرض موقف جميع القوى السياسية من الفيلم
ام ان كاتب المقال واضع على عينه نظارة مكتوب عليها الاخوان المسلمون ولا يرى غيرهم
__________________
تمنيت أن أسجد لله سجدة لا أنهض بعدها أبدا" إلا لأرى ربى

اقتباس:
فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضّاً فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت)

صححه الالبانى

لو دخلتوا الجنة ومالقتونيش ...
إسألوا على واشفعولى عند ربى
رد مع اقتباس
  #86  
قديم 19-09-2012, 03:00 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,982
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي كيف تكافح واشنطن الجماعات المتطرفة؟

حرب الأفكار
كيف تكافح واشنطن الجماعات المتطرفة؟


دوجلاس فيث، وليام جالستون، أبرام شولسكي
عرض شيماء ميدان، مترجمة متخصصة في الشئون السياسية والاقتصادية
مع تصاعد الهجمات ضد السفارات الأمريكية من قبل قوى التيار الإسلامي في دول الربيع على الفيلم المسيء للرسول (صلى الله عليه وسلم)؛ عادت إلى الأذهان الأمريكية هجمات الحادي عشر من سبتمبر، التي كانت سببًا في اعتقاد الأمريكيين أن الإسلاميين المتطرفين يخوضون حربًا ضد الولايات المتحدة. فقد جرى تسخير الجيش، والاستخبارات، ومؤسسات تطبيق القانون، والوسائل المالية والدبلوماسية لغرض مكافحة هذا التطرف.

ورأى بعض كبار المسئولين الأمريكيين منذ البداية أن الحرب على الإرهاب يجب أن تتضمن جهودًا مضنية لمكافحة الأيديولوجية التي تشكّل حافزا لأعداء الولايات المتحدة الإسلاميين المتطرفين؛ بل ورأى بعض المسئولين أيضًا أن لا بد من شن حرب تستهدف الأفكار المتطرفة من أجل ردع الإرهاب، وعليه جرى تداول مصطلح "حرب الأفكار" في الأوساط الأمريكية.

ومع ذلك؛ لم تبذل إدارة بوش ولا إدارة أوباما أي جهود جادة من هذا القبيل. وأشار معلّقون من مختلف الأطياف السياسية إلى أن جهود الحكومة الأمريكية على مدى العقد الماضي لم تكن كافية لمواجهة الأيديولوجيات المعادية، وكان ذلك هو ما خلصت إليه دراسات أُجريت داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية. فالعمل العسكري وتطبيق القانون لا يكفيان وحدهما لمكافحة الإرهاب الجهادي، ولن تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق النصر إلا إذا حالت دون أن يصبح الناس أعداء إرهابيين لها.

وفي هذا الصدد؛ أعد كل من "دوجلاس فيث" الذي عمل مساعدا لوزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رمسفيلد ويشغل حاليا منصب مدير برامج الشرق الأوسط بمعهد هدسون، و"وليام جالستون" الخبير في السياسة والشئون الاجتماعية بمعهد بروكينجز، و"أبرام شولسكي" وهو زميل كبير بمعهد هدسون؛ دراسة نشرها معهد هدسون تحت عنوان: "تنظيم الحكومة الأمريكية لمكافحة التطرف القائم على العنف". وفي ضوء هذه القضية؛ استضاف معهد هدسون يوم الأربعاء الموافق 5 سبتمبر 2012 هؤلاء الخبراء ومعلِّقيْن سياسيَّين وهما جيمس جلاسمان، الذي شغل منصب نائب وزير الخارجية لشئون الدبلوماسية العامة إبان إدارة بوش، وويل مارشال، مدير معهد السياسات التقدمية، في حلقة نقاش حول رد فعل الحكومة الأمريكية على الحركات الإسلامية العنيفة.

ملخص الدراسة

يشير الخبراء في تقريرهم إلى أن الربيع العربي عزز الهواجس الأمريكية بشأن التطرف الإسلامي، وأن الانتخابات المصرية والتونسية تنذر بالكثير؛ فالأغلبية الإسلامية في مصر وتونس ستحدد على مدى السنوات القليلة المقبلة مصير ديمقراطية البلدين، ومدى تعارض سياستهما مع المبادئ والمصالح الأمريكية.

ومن ثم لن يكون بِيَد الولايات المتحدة سوى التشجيع على نوع من النقاش الإسلامي الداخلي المتبادل الذي قد يصعّد حدة الانقسامات بين المتشددين والقوى العازمة على تشكيل سلامها وتعدديتها وديمقراطيتها.

فثمة بعض الدلائل على أن الإخوان المسلمين في مصر قد يكونون أكثر ارتياحًا بشأن تشكيل ائتلاف حاكم مع الأحزاب الليبرالية عنه مع السلفيين، الذين فاجأت قاعدتهم الانتخابية القوية مراقبي المشهد المصري المخضرمين.

وفي تونس؛ عقب فوز الإسلاميين في الانتخابات الشعبية، قالت وزيرة الخارجية الأمريكية: "هناك البعض في تونس وفي أماكن أخرى ممن يتساءلون عما إذا كان من الممكن أن تنسجم الأحزاب الإسلامية مع الديمقراطية. حسنا، لدى تونس فرصة للإجابة على ذلك السؤال بالإيجاب، ولإثبات عدم وجود أي تعارض".

ومن وجهة نظر الخبراء، من مصلحة الولايات المتحدة أن تبذل كل ما في وسعها لتكون النتيجة إيجابية، على أن يكون ذلك من خلال "حرب الأفكار". فمواجهة الأيديولوجية المعادية من خلال حملة أفكار إستراتيجية ستؤتي ثمارها في مجال الأمن القومي، وفقا لما يراه الخبراء.

وتوضح الدراسة أن إضعاف الإسلامية المتطرفة وحمل المنظمات الإسلامية على نبذ التطرف سيعزز مكانة الولايات المتحدة في العالم، وسيحسن فرص تحقيق الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية هناك. وسيكون لتقصير الولايات المتحدة في هذا المجال عواقب وخيمة نظرًا لكون التطرف الإسلامي معضلة رئيسية للأمن القومي.

ووفقًا لإستراتيجية إدارة أوباما المتعلقة بالأمن القومي؛ يعتبر خطر أسلحة الدمار الشامل هو الخطر الأكبر الذي يواجهه الشعب الأمريكي، لا سيما الخطر الذي يشكله سعي المتطرفين لحيازة أسلحة نووية. ولا يعتبر الإرهاب النووي إلا جانبًا من جوانب خطر أكبر يشكله التطرف الإسلامي، ولا يزال الوصف التالي للتهديد المذكور في إستراتيجية إدارة بوش لمكافحة الإرهاب صحيحًا من وجهة نظر الخبراء:

"إن العدو الإرهابي الرئيسي الذي تواجهه الولايات المتحدة اليوم عبارة عن حركة عابرة للحدود تابعة لمنظمات متطرفة وشبكات وأفراد. والشيء المشترك بينهم هو استغلال الإسلام، واستخدام الإرهاب لأغراض أيديولوجية".

وكانت إدارة أوباما قد قالت: "إننا في حرب مع شبكة محددة هي تنظيم القاعدة، ومع الإرهابيين التابعين لها الذين يدعمون جهود مهاجمة الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا"، بيد أن هذا التعريف للعدو ليس دقيقا مثل تعريف إدارة بوش المذكورة سالفا، على حد قول الخبراء.

ففي قضية الميجور "نضال حسن" مثلا، وهو طبيب قتل 13 شخصا بمن فيهم زملاؤه من الجنود في الجيش الأمريكي في فورت هود في نوفمبر 2009؛ لا يبدو أن ثمة دليلا يربط الجاني تنظيميًّا بالقاعدة. ومن ثم، يرى الخبراء أن ثمة حاجة إلى تعريف دقيق للتطرف الإسلامي، تعريف يصف الرؤى وليس مجرد التنظيمات التي ينبغي استهدافها ومكافحتها.

أهداف الدراسة

بالنظر إلى الطريقة التي واجهت بها الحكومة الأمريكية التحدي الإرهابي الإسلامي، والتي انطوت على مهاجمة الشبكات الإرهابية في الخارج، وتعزيز الإجراءات الأمنية في الداخل؛ يتجلّى أنه كان ثمة فشل عام في مواجهة مركز الجاذبية الأيديولوجي للتهديد الإرهابي. وتحدد الدراسة السُبل التي يمكن أن تعزز بها الولايات المتحدة جهودها لمعالجة هذا الفشل، وتغيير البيئة الأيديولوجية الموجودة في العالم الإسلامي، كما تطرح الدراسة نوع المنظمات الحكومية وغير الحكومية التي ينبغي تأسيسها للقيام بهذا المجهود.

وقد تناولت الدراسة النقاط الأساسية التالية:

أولًا: مشكلة الإرهاب ليست مشكلة "قاعدة" فحسب، ولا يمكن حلها بتركيز الجهود على منظمة واحدة وعناصرها، فجوهر المشكلة أيديولوجي أيضا.

ثانيًا: الأيديولوجية العدائية هي نسخة متطرفة أو راديكالية للإسلاموية. فالإسلاموية التي يشار لها أيضًا بالإسلام السياسي، هي أيديولوجية سياسية تؤكد قدرتها على حل المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية أكثر من تأكيدها على الجوانب الروحية للإسلام. ففي نُسخها المتطرفة والراديكالية، تبشّر الإسلاموية بكون الغرب معاديا لا محالة للإسلام، وينبغي محاربته.

ثالثًا: لا ينبغي أن تنطوي مكافحة التطرف الإسلامي على مجرد دبلوماسية عامة أو اتصالات إستراتيجية أكثر ما تنطوي على تشجيع على النقاش في أوساط المسلمين، والتأثير عليهم بطريقة تعزز تفسيرًا للإسلام لا يشرّع الإرهاب أو يُشير إليه ضمنًا؛ أي أن جوهر المسألة لا يتعلق بما يقوله المسئولون الأمريكيون للمسلمين، بل بما يقوله المسلمون في أوساطهم.

رابعًا: لا بد من وجود مكاتب وموظفين وترتيبات بيروقراطية تتيح للحكومة الأمريكية تطوير إستراتيجيات لمكافحة التطرف الإسلامي وأيديولوجيات معادية أخرى.

خامسًا: ستتطلب الإستراتيجية المطروحة تعاونا بين عدد من الإدارات والوكالات المختلفة، بما في ذلك البيت الأبيض ووزارة الدفاع ووكالات الاستخبارات. ولا بد أن يقود الرئيس تلك الجهات كافة.

توصيات الدراسة

توصي الدراسة الأمريكية بما يلي:

أولًا: إنشاء مركز جديد لأبحاث مكافحة الإرهاب.

ثانيًا: تعزيز قدرات وزارتي الدفاع والخارجية.

ثالثًا: إنشاء كيان جديد في "المكتب التنفيذي" للرئيس يركّز على مكافحة الأيديولوجيات العدائية. على أن يُسمى الكيان الجديد مثلا "لجنة مكافحة الأيديولوجية الإرهابية".

رابعًا: لعب المكتب البيضاوي دورا قياديا لكافة الجهات العاملة على مكافحة التطرف.

الأفكار المثارة بالحلقة النقاشية

وفي حلقة النقاش التي استضافها معهد هدسون؛ ألقى كل من دوجلاس فيث، ووليام جالستون، وأبرام شولسكي، وجيمس جلاسمان، وويل مارشال؛ كلمة حول تلك الدراسة. إذ قال فيث إنه لا بد من مواجهة الأيديولوجية العنيفة في العالم الإسلامي، جنبا إلى جنب مع الدفاع عن الوطن، وتعطيل الشبكات الإرهابية في الخارج. وأشار إلى أن الهدف من "الحرب على الأفكار المتطرفة" هو الحيلولة دون أن يصبح الناس أعداء للديمقراطية في المقام الأول.

ومن جهته؛ قال شولسكي إن النقاش يدور حول الإسلاموية المتطرفة وليس حول دين الإسلام في حد ذاته، مشيرًا إلى أن الإسلاموية عبارة عن نظام سياسي، لذا لا ضير في انتقاده. هذا ونوّه شولسكي إلى أن متغيرات الإسلاموية الحديثة تختلف في الواقع عن الفكر الإسلامي التقليدي والممارسات الإسلامية التقليدية، مؤكدًا أن الإسلاموية العنيفة تبدأ بـ"عداء أساسي إزاء الغرب". ومن وجهة نظر الخبير، سيدور السؤال الرئيسي في الأشهر القبلة حول ما إذا كانت الحكومات الجديدة التي نشأت في أعقاب الربيع العربي ستتبنى تلك الأيديولوجية المعادية للغرب.

من جانبه؛ قال جالستون في حلقة النقاش إن أحداث 11 سبتمبر تدل على أن "التاريخ الأيديولوجي لم ينته"، مشيرًا إلى أن الحكومة الأمريكية أخطأت في اعتقادها أن الحرب الباردة أنهت بدورها المعاداة الأيديولوجية للديمقراطية الغربية. ولفت إلى أن وكالة الإعلام الأمريكية التي كانت مسئولة في القرن العشرين عن تعقُّب ومواجهة التهديدات الأيديولوجية الخارجية حُلّت بعد وقت قصير من سقوط الاتحاد السوفيتي، ومن ثم ضاعت العديد من مهارات الوكالة. ومن ثم حض جالستون الولايات المتحدة على تعلّم هذه المهارات وتوظيفها لمحاربة الإسلاموية المتطرفة، مقترحًا فتح قسم في مجلس الأمن القومي متخصص في مكافحة الإرهاب، على أن يكون ذلك القسم مدعومًا من منظمة غير حكومية جديدة.

أما جلاسمان فاستهل كلمته بانتقاد الإدارة الأمريكية الحالية لاعتبارها "الحرب على الأفكار" بمثابة لعنة، وقال: "الفوز في الحرب على الإرهاب يتطلب الانتصار في حرب الأفكار.. والإدارة الأمريكية الحالية ترى أن العدو هو تنظيم القاعدة، ولا تدرك أن المشكلة الحقيقية كامنة في الأيديولوجية، وهي شيء ستعجز الطائرات بدون طيار عن استهدافه". هذا وأشار جلاسمان إلى أن التهديد يأتي من جماعات عابرة للحدود تستغل الإسلام، معربا عن تأييده لقول معدّي التقرير إنه يجب إعادة هيكلة الحكومة الأمريكية لمواجهة هذا الواقع.

ويرى جلاسمان أنه سيكون من الأفضل تشكيل إدارة جديدة داخل وزارة الخارجية، لا سيما وأن الدولة لديها ميزانية، وعندها استعداد للعمل. واستطرد قائلا: "لقد حان الوقت لشن هجوم مضاد".

وأخيرًا طرح مارشال -عندما جاء دوره في الحديث- الأسباب الكامنة وراء عدم اتخاذ الولايات المتحدة أي خطوة في الآونة الأخيرة لمواجهة الأيديولوجيات المتطرفة، مفندًا تلك الأسباب كما يلي:

أولًا: ليس للصراع قادة محددون، ومن ثم لا يوجد أشخاص معينة ينبغي استهدافها.

ثانيًا: عدم رغبة الولايات المتحدة في افتعال اشتباك مع 1.5 مليار مسلم.

ثالثًا: عدم وجود سوى عدد قليل من المتعصبين.

وأعرب مارشال عن قلقه من أن يضرب التطرف الإسلامي على وتر حساس في الصلب الإسلامي من خلال استغلال المظالم التاريخية ضد الغرب، والترويج لأهداف تروق للفقراء والضعفاء. وفي حين إشارته إلى أن ظاهرة التطرف لا علاقة لها بمعاداة الولايات المتحدة، لم ينفِ مارشال أنه غالبا ما يكون ثمة دافع كبير للانتقام من الولايات المتحدة والغرب. وعليه رأى أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تكف عن ارتداء لباس الضعف الذي تظهر به أحيانا، وعن الاعتذار عن سياستها في أماكن مثل إسرائيل.

هذا وأضاف مارشال قائلا إن إستراتيجية "حرب الأفكار" تتضمن تغيير الواقع الإقليمي الهش اقتصاديا، وتسليط الضوء على الهجمات الإرهابية الإسلامية ضد المسلمين للتأثير على الرأي العام، وإعادة كتابة قواعد الحرب لتوضيح أن الإرهاب وقتل الأبرياء أمر غير قانوني تحت أي ظرف من الظروف. وردا على عدة أسئلة طرحها الحضور إبان حلقة النقاش؛ أكد الخبراء كافة أن دين الإسلام ليس هو العدو.

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 19-09-2012 الساعة 03:08 PM
رد مع اقتباس
  #87  
قديم 19-09-2012, 03:18 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,982
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي الصراع السني-الشيعي بالمنطقة بعد الحكم بإعدام الهاشمي

حروب الهوية
الصراع السني-الشيعي بالمنطقة بعد الحكم بإعدام الهاشمي

إيمان رجب - باحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية
تشير التطورات التي تقع في منطقة المشرق إلى استعدادها للانجرار إلى صراعٍ سني-شيعي، تنطلق شرارته من العراق وسوريا، وتمتد تأثيراته إلى باقي إقليم الشرق الأوسط؛ حيث يُشير الحكم الغيابي الصادر بالإعدام ضد طارق الهاشمي

، نائب رئيس الوزراء العراقي، والذي هو أحد قيادات الحزب الإسلامي العراقي الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين؛ إلى إصرار حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي على تصعيد صراعها مع منافسيها السنة في العراق، في ضوء موقفهم من الصراع الدائر في سوريا.

كما تشير العديد من التحليلات الخاصة بالتداعيات المحتملة لسقوط نظام الأسد، إلى أن الصراع السني-الشيعي هو الخطر الرئيسي المترتب على ذلك، والذي لن يقتصر مداه على داخل سوريا؛ بل سيشمل منطقة المشرق على نحو يعيد رسم ميزان القوى فيها، كما سيمتد إلى إقليم الشرق الأوسط؛ حيث تشبه سوريا "عش الدبابير" hornet's nest، الذي يصعب السيطرة عليه بعد انفراط عقده.

وقد حذر من هذا الصراع "نصر فالي" الأكاديمي الأمريكي؛ حيث صور في أحد مقالاته مؤخرا الصراع في سوريا بأنه صراع بين الأغلبية السنية والأقلية العلوية الحاكمة. ورغم أن فالي من الأكاديميين الذين عادة ما يحللون الأوضاع في الشرق الأوسط من منظور الانقسام السني–الشيعي، على نحو قد يكون مبالغًا فيه؛ إلا أن تأكيده على هذا البعد من الصراع شاركه فيه هذه المرة "يوشكا فيشر" وزير الخارجية الألماني السابق، إلى جانب عدد من المفكرين والسياسيين الأمريكيين. كما تحولت هذه القضية إلى قضية رئيسية في العديد من المؤتمرات الدولية التي عقدت في الإقليم خلال الشهرين الماضيين، والتي ناقشت تداعيات سقوط الأسد على الصراع السني-الشعيي في الشرق الأوسط.

- العراق كان البداية:

ارتبط التحذير من الصراع السني-الشيعي طوال العقد الماضي بالعراق، والذي كان القاعدة التي انطلق منها هذا الصراع؛ إذ يعتبر العراق الترمومتر barometer الذي يتم من خلاله قياس حجم التوتر في الإقليم، فضلا عن نمط الصراعات السائد فيه، وكان أول من حذر منه الأردن، حين أطلق الملك عبد الله (ملك الأردن) تصريحه الشهير الخاص بالهلال الشيعي، وما تبعه من تحذير القيادات السعودية من نشر التشيع في المنطقة.

إذ كان سقوط نظام صدام حسين بمثابة الصمام الذي تم فكه، فظهرت صراعات طائفية لم يشهدها العراق من قبل، تحولت سريعًا إلى حرب طائفية بلغت أوجها خلال العامين 2005 و2006، ثم تراجعت شدتها ولكنها لا تزال موجودة حتى اليوم؛ حيث يعتبر هذا الصراع مسئولًا عن سقوط ما يتراوح بين 7-10 قتلى في العراق أسبوعيًّا. وطوال هذه الفترة كان للإقليم نصيبه منها، وخاصة دول الخليج التي تتشابه في تركيبتها الإثنية مع التركيبة العراقية، فعلى سبيل المثال؛ تفاقم الصراع بين السنة والشيعة في البحرين منذ 2003، وكانت تتم إدارته حتى اندلاع احتجاجات 14 فبراير 2011 من قبل النظام وقوى المعارضة بأدوات سلمية في أغلبها.

وقد أعادت قضية طارق الهاشمي المخاوفَ من انتقال الصراع بين السنة والشيعة في العراق إلى المنطقة، وخاصة بعد جولته التي شملت قطر والسعودية، واستقر بعدها في تركيا؛ حيث أعادت هذه القضية المخاوف من التقسيم "الناعم" للمنطقة بين فريقين، فريق القوى السنية الذي تقوده تركيا، ويضم دول الخليج، والقائمة العراقية، ومسعود بارزاني في العراق، وفريق القوى الشيعية الذي تقوده إيران ويضم سوريا والمالكي والقوى المتحالفة معه.

وقد أخذ البعدُ الإقليمي لهذا الصراع يتشكل مع انتقاد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان سياسات المالكي بعد الأزمة التي تفجرت بينه وحكومة إقليم كردستان حول عقود النفط؛ حيث رأى أن سياسات المالكي "تذكي التوترات الطائفية في العراق"، ورأى أنها تقوم على "الاستئثار بالسلطة، والاستبداد السياسي، والتمييز ضد شركائه السنة والأكراد في العملية السياسية". ثم انعكس هذا الموقف التركي في سلوك سياسي تمثل في استقبال أنقرة لطارق الهاشمي، أحد القيادات السنية في القائمة العراقية، ورفضها تسليمه للعراق. كما حاولت دولُ الخليج بدورها التأثيرَ على قضية الهاشمي من خلال طرح قطر أثناء القمة العربية التي عقدت في مارس الماضي مسألة تسوية القضية بعيدًا عن القضاء، ثم استقبالها والسعودية طارق الهاشمي بعد صدور مذكرة التوقيف ضده، مبررة ذلك بكونه يشغل منصب نائب الرئيس العراقي.

- سوريا هي العراق:

يرتبط الحديث عن سوريا كمؤجج للصراع الطائفي في المنطقة بأكثر من عامل، يتمثل العامل الأول في وجود أقلية علوية تسيطر على الحكم في سوريا، وأغلبية سنية وكردية بعيدة عن السلطة. فالصراع الدائر حاليًّا جوهره إعادة اقتسام هذه السلطة بينهم على نحو يضمن لكل هذه الطوائف نصيبا ما منها يمكنها من حماية وجودها كجماعة إثنية.
كما تشهد سوريا بدء تكتل الطوائف في مناطق جغرافية محددة، على نحو يسمح بتشكل الدولة العلوية على السواحل الشمالية الغربية، وربما الدولة الكردية، ويكون لكل منها استقلاله في إدارة شئونه وموارده، على شاكلة إقليم كردستان العراق، وهذا ما يسمى بالدول غير المكتملة السيادة states Phantom.

ويتعلق العامل الثاني، بأن عملية تعبئة العناصر المقاتلة في صفوف المعارضة السورية أصبحت تستند إلى منطق "الجهاد في سبيل الله"، وليس استنادًا للمطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية كما حدث في مصر وتونس على سبيل المثال، وهذا يفسر حملات الدعوة للجهاد في سوريا، والتي تديرها الجماعات السلفية في دول الخليج ودول الثورات العربية.
ومتابعة تفاصيل العمليات العسكرية في سوريا تُشير إلى أن إعادة توزيع السلطة لن تكون عملية قصيرة أو سهلة، وقد يترتب عليها إقرار الطائفية على النحو الذي أقر في العراق بعد احتلاله في 2003، ولكن هذه المرة بدون حل الجيش السوري النظامي؛ حيث تسعى واشنطن من خلال معهد USIP للتوصل لصيغة محددة تضمن توزيع السلطة بعد الأسد بطريقة سلمية، ولكن لم تتضح ملامحها بعد.

وما يدعم هذا التحليل، تعيين الأخضر الإبراهيمي خلفا لكوفي أنان، كمبعوث أممي وعربي إلى سوريا؛ حيث يشير تاريخه إلى أنه قدم نموذجين لتسوية الصراعات، النموذج اللبناني في 1989، والنموذج العراقي بعد الاحتلال في 2003، وفي كلا النموذجين كان هو رجل المحاصصة الطائفية التي ولدت حالةً من عدم الاستقرار المزمن الذي امتدت تداعياته إلى الإقليم. وكلا النموذجين يلقيان صدى في الحالة السورية، وخاصة في ضوء الحديث عن إقامة الدولة العلوية في سوريا، كمخرج لتسوية الصراع هناك.

- مصر طرف "جديد" في الصراع:

كانت مصر بدرجة كبيرة ليست طرفًا مباشرًا في هذا الصراع، مقارنة بالسعودية على سبيل المثال، فطوال عهد الرئيس السابق مبارك، ورغم مواقفها المتحفظة إزاء نفوذ إيران في العراق، وما صدر عن مبارك من تصريحات حينها خاصة بولاء الشيعة لإيران؛ إلا أنها تجنبت تحديد هوية مصر على أنها "سنية" في مواجهة إيران "الشيعية"، وكان يؤكد دوما على مستوى الخطاب السياسي على رفض مصر سياسات المحاور التي تصنف دول الإقليم استنادًا لانتمائها المذهبي، وحرِصَ على اعتماد المصالح والاعتبارات السياسية في تحديد سياسة مصر الخارجية.

ويلاحظ تحول الموقف المصري من هذا الصراع بعد فوز الرئيس مرسي في انتخابات الرئاسة المصرية؛ حيث تحولت مصر إلى طرف مباشر في الصراع السني-الشيعي في المنطقة، وهذا ما يؤكده حديث الرئيس مرسي أثناء زيارته للسعودية في 12 يوليو 2012 عن أنه "إذا كانت السعودية هي الراعية لمشروع أهل السنة والجماعة، ذلك المشروع السني المعتدل، فإن مصر حامية لهذا المشروع، وما بين الراعي والحامي نسب وصهر"، وكذلك كلمته التي ألقاها في قمة عدم الانحياز في طهران في أغسطس 2012؛ حيث ضمن كلمته "الترضية" عن الخلفاء الراشدين، في سابقة من نوعها عند مقارنة هذا الخطاب بخطاباته السابقة، وفي إشارة إلى اختلافه مذهبيًّا مع إيران، التي بحكم انتمائها للمذهب الشيعي تدأب على سب الصحابة، وهو بذلك تفوق على قادة دول الخليج. وفي هذا الموقف، تغير واضح في موقف مصر، على نحو يؤشر إلى انجرارها إلى صراعات الهوية التي تعاني منها المنطقة.

وهذا التحول قد يكون مفهومًا بالنظر إلى طبيعة النخبة الجديدة الحاكمة في مصر؛ حيث ينتمي الرئيس مرسي إلى جماعة الإخوان المسلمين، المعروفة بمواقفها المعادية للشيعة، كما أن حزبه "الحرية والعدالة" قد تحالف أثناء الانتخابات البرلمانية التي عقدت في نوفمبر 2011 وأثناء انتخابات الرئاسة مع الأحزاب والقوى السلفية التي تتبنى موقفا متشددا تجاه الشيعة، وتجاه الدول التي تعبر عن مشروعهم السياسي مثل إيران، حتى إن حزب النور أكبر الأحزاب السلفية في مصر قد عارض زيارة الرئيس مرسي لإيران.

- الخطر يكمن في كيفية إدارة الصراع:

تعتبر منطقة الخليج والمشرق من المناطق التي وجد فيها الصراع بين السنة والشيعة منذ عقود، ولم تكن المسألة مرتبطة بوجوده من عدمه، وإنما بكيفية إدارته من قبل النُّظم الحاكمة. ويمكن التمييز بين ثلاثة أنماط لتعامل هذه النظم، مع الصراعات المذهبية والإثنية، وهي كالتالي:

- نمط الإقصاء الممنهج، ويقوم على تصوير الأقلية على أنها مصدر تهديد حقيقي للدولة، ولأمن النخبة الحاكمة، فيتم إقصاؤها من العملية السياسية، وهذا نجده قائمًا في حالة شيعة السعودية اليوم، وفي حالة السنة في العراق أثناء ولاية نوري المالكي.

- نمط الدمج الانتقائي الحذر، بحيث يتم دمج الأقلية في المناصب السياسية والعسكرية دون منحهم صلاحيات أو سلطات حقيقية، وهذا نجده في حالة البحرين حتى ما قبل احتجاجات فبراير 2011، وفي حالة السنة في سوريا.

- نمط الانفتاح الحذر، بحيث يتم الانفتاح على أبناء الأقلية، والتعامل معهم كمواطنين، مع وجود مناصب محددة لا يتولونها، وهذا ما يعبر عنه وضع الشيعة في حالة الكويت مثلا، وبدرجة ما وضع المسيحيين في سوريا.

وهذه الأنماط لم تعالج هذا الصراع، وإنما أطالت أمده، وجعلته قابلا للانفجار بمجرد تراجع شرعية صيغة تقاسم السلطة القائم عليها، وهذا الوضع ينطبق على سوريا؛ حيث إن النظام الحالي يقوم على تحالف العلويين مع شريحة من المسيحيين والدروز والسنة، وتغير صيغة الحكم ستعني عمليًّا الإضرار بمصالح هؤلاء جميعا، مما قد يفجر "حرب الكل ضد الكل".

- صراع يتخطى حدود سوريا:

إن الحديث عن امتداد "تأثيرات" الصراع السني–الشيعي في سوريا إلى الخليج ومصر ليس من قبيل المبالغة، ومرتبط بمجموعة من التطورات التي شهدها الإقليم خلال الفترة الماضية، والتي تشمل:

- مساندة السنة العراقيين للمعارضة السورية؛ حيث تُشير عدة تقارير إلى قيام القبائل السنية في الأنبار بتقديم الدعم اللوجستي للمقاتلين السوريين، بينما يساند ائتلاف رئيس الوزراء نوري المالكي، وغيره من القوى السياسية الشيعية نظام بشار الأسد.

- تزايد نشاط الجماعات السلفية في شمال لبنان، وتشير عدة تقارير إلى حصولها على دعم سعودي من أجل ممارسة الضغوط على حزب الله، من أجل التخلي عن دعم الأسد.

- تشكل ظاهرة "المهاجرون إلى سوريا" على غرار المهاجرون إلى العراق التي عرفتها المنطقة منذ ما يقرب من عقد؛ حيث سافر نواب من جمعية الأصالة البحرينية المعروفة بتوجهاتها السلفية-الوهابية إلى سوريا لمساندة الجيش السوري الحر، في الوقت الذي تندد فيه المعارضة البحرينية التي يغلب عليها المكون الشيعي بالتضييق على نظام الأسد، وكذلك سفر قيادات سلفية كويتية لدعم المقاتلين في سوريا، وانتقال عدد من المجاهدين المصريين إلى سوريا.

- تنظيم العديد من الجمعيات الخيرية السلفية والوهابية والإخوانية في البحرين والسعودية والكويت العديد من حملات التبرعات للشعب السوري وللمعارضة السورية، مع عزوف الشيعة في هذه الدول عن المشاركة في هذه الحملات، وذلك إلى جانب حملات الدعوة إلى الجهاد التي تبثها القنوات الدينية الممولة من السعودية مثل قناة "المجد" الفضائية.

- حرص السعودية وقطر بالتعاون مع تركيا على تقديم الدعم للمعارضة السورية المسلحة، والتي يغلب على تكوينها الطابع الإسلامي-السني من خلال قاعدة سرية في أضنة؛ حيث توجد القاعدة العسكرية الأمريكية إنجرليك بتركيا.
إن امتداد هذا الصراع إلى خارج الحدود السورية نتيجة انسياق دول المنطقة وراء خطابات دينية "متطرفة"، ودعمها نشاط الجماعات الدينية المتطرفة العابرة للحدود؛ يعني عمليا عودة سياسات وربما حروب الهوية إلى الواجهة، كمحرك للتفاعلات الإقليمية. فمن ناحية، تعتبر إيران هي المتضرر الرئيسي من سقوط الأسد؛ حيث يعتبر الأسد هو "مخلب" إيران في المشرق، وسقوطه سيفسح المجال لانتقال الصراع المكشوف بينها وتركيا في العراق، إلى ساحة جديدة، ستتنوع فيها أدوات إدارته، وسيكون أحدها الورقة الطائفية.

وتكشف إدارة تركيا لصراعها مع إيران في العراق أنها لن تتردد في استخدام هذه الورقة، فعلى سبيل المثال؛ انتقد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان سياسات المالكي بعد الأزمة التي تفجرت بينه وحكومة إقليم كردستان حول عقود النفط، كما سبقت الإشارة، وهذا يعني أن المشرق سيصبح مقسما مذهبيًّا، وسيتحول إلى المنطقة "الساخنة" التي تقود عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، على نحو يحاكي وضع البلقان في أوروبا خلال النصف الأول من القرن العشرين.

ومن ناحية ثانية؛ سيفجر الوضع في سوريا مشاكل داخلية في دول الخليج قد تعظم من أزمة الشرعية فيها، وخاصة البحرين والسعودية، فاستنادا لأحد السياسيين السنة في البحرين "سيتحدد بصورة كبيرة كيفية تعامل النظام مع المعارضة الشيعية، وحجم التنازلات التي يمكن أن يقدمها لهم، بما سينتهي إليه الوضع في سوريا؛ حيث إن إسقاط نظام الأسد سيكون بمثابة الضوء الأخضر للنظام البحريني للقضاء على المعارضة، بينما استمرار سيطرة العلويين على الحكم، ستعني ضرورة تقديم تنازلات للمعارضة الشيعية"، وهذا يستدعي تأثيرات صعود الشيعية في العراق بعد الاحتلال على وضع الشيعة في البحرين. ويمكن الحديث عن ذات التأثيرات في حالة السعودية.

ومن ناحية ثالثة؛ من المتوقع أن تصبح مصر والسعودية طرفا مباشرا في هذا الصراع، وستساند الأخيرة باقي دول الخليج، ويطرح احتمال عدم التنسيق بينها وتركيا، وربما مصر، فتح جبهة جديدة للصراع السني-السني.
ومن ناحية رابعة؛ ستكون هناك محاور وتحالفات "جديدة" قائمة على الانتماء المذهبي؛ حيث تقود إيران المحور الشيعي ووكلاؤها في المشرق من الفاعلين من غير الدول، وعدد من الدول المصطنعة phantom states، وتقود السعودية وربما مصر وتركيا المحور السني وباقي دول الخليج.

إن المشكلة التي ستواجهها دول الخليج، وتركيا وبدرجة ما مصر، مرتبطة بكيفية إدارتها هذا الصراع في حال تفاقم امتداده إلى الإقليم، وهل ستسعى إلى احتوائه، أم ستكون طرفا مباشرا فيه، وتكمن مخاطر الانخراط في هذا الصراع بأنه قد يعمل ضد مصالح هذه الدول، بما في ذلك المصالح الإستراتيجية، وهو أمر قد يحتاج إلى تقييم جدي من قبل هذه الدول، قبل الانسياق وراء أي خطابات دينية "متطرفة".

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 19-09-2012 الساعة 03:20 PM
رد مع اقتباس
  #88  
قديم 19-09-2012, 03:28 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,982
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي آليات الرئيس مرسي لمواجهة شبكات الدولة العميقة

إحلال نخبوي
آليات الرئيس مرسي لمواجهة شبكات الدولة العميقة


محمد عبد الله يونس - مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة
تكشف مراجعة قرارات الرئيس مرسي في الآونة الأخيرة عن نهج متصاعد لترسيخ أركان الجمهورية الثانية ومواجهة شبكات المصالح والتحالفات المؤسسية المحافظة التي تعترض إحداث تغيير جذري في معادلات السلطة

لا سيما منذ تصفية دور المجلس العسكري في إدارة المرحلة الانتقالية، وانفراد الرئيس مرسي بالصلاحيات التشريعية والتنفيذية، واستكماله بنيان مؤسسة الرئاسة، وتغيير قيادات الصحف القومية استغلالًا لاختصاصات مجلس الشورى، وفي هذا الإطار تُثار تساؤلات متعددة حول أبعاد وتداعيات عملية إعادة الهيكلة المؤسسية الممتدة.

وفي هذا الصدد فإن اهتمام الرئاسة بالسيطرة على مؤسسات الدولة عبر الإحلال النخبوي وتغيير القيادات تتواكب مع تكلس مؤسسات الدولة وانهيار أبنيتها وقدراتها على التغلغل والتوزيع والضبط القانوني في نموذج للتضخم المؤسسي المتصاعد، بما يثير مزيدًا من التساؤلات حول جدوى التركيز على تدوير النخب والقيادات المؤسسية كمدخل ملائم لتحقيق الاستحقاقات الثورية الأكثر إلحاحًا، ومدى جدواها كآلية للإصلاح المؤسسي مع بداية الجمهورية الثانية.

أولًا: مؤشرات إعادة هيكلة المؤسسات:

لم تنقطع عمليات إعادة هيكلة المؤسسات وتغيير قياداتها وكوادرها منذ تصفية دور المجلس العسكري وإنهاء الإعلان الدستوري المكمل في إطار تصفية ما يعرف بشبكات "الدولة العميقة" التي يعتبرها البعض عقبة أساسية تعرقل تنفيذ الاستحقاقات التي تعهد الرئيس بها خلال فترة المائة يوم الأولى من توليه السلطة، وفي هذا الصدد تضافرت مؤشرات متعددة تؤكد الاتجاه العام لمؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين لاستكمال عملية إحلال النخب، وتغيير القيادات في مختلف مؤسسات الدولة، ومن أهم تلك المؤشرات ما يلي:

1- الرقابة على الجهاز الإداري:

ويندرج في هذا الإطار إقالة الرئيس مرسي لرئيس هيئة الرقابة الإدارية محمد فريد التهامي، وإحالته إلى نيابة الأموال العامة للتحقيق معه في اتهامات بالتستر على فساد رموز النظام السابق، وتعيين محمد وهبي هيبة رئيسا، والسيد بدوي حمودة نائبًا لرئيس الهيئة، وأيضًا تعيين المستشار "هشام جنينة" رئيسًا للجهاز المركزي للمحاسبات بدرجة، وهو من رموز تيار استقلال القضاء، ويلقى قبولًا لدى مختلف القوى الثورية.

ولم تقتصر سياسة إحلال القيادات على الرقابة الإدارية والجهاز المركزي للمحاسبات فحسب؛ وإنما لوحظ أنها باتت نهجا عاما لوزارة قنديل في التعامل مع قيادات الصف الأول بالوزارات والهيئات الحكومية، وهو ما يستدل عليه بقرارات الإقالة أو النقل التي شملت عددًا من كبار القيادات بوزارات الطيران المدني والبترول والكهرباء والأوقاف في وتيرة متصاعدة منذ نهاية دور المجلس العسكري في إدارة الدولة.

2- إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية:

لم يكن إلغاء الإعلان الدستوري المكمل وإحالة المشير طنطاوي والفريق سامي عنان وعدد من قيادات المجلس العسكري للتقاعد سوى بداية عملية إحلال واسعة في صفوف قيادات المؤسسة العسكرية، والتي كان أحد مؤشراتها الهيكلية إجراء وزير الدفاع الفريق عبد الفتاح السياسي تغييرات واسعة في صفوف قيادات الجيش باستبعاد 70 من كبار القيادات، أغلبهم من المساعدين والمستشارين الذين عينهم المشير طنطاوي، إضافة إلى غالبية قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة وأبرزهم اللواء إسماعيل عتمان، واللواء محسن الفنجري، واللواء عادل عمارة، واللواء مختار الملا، فيما يمكن اعتباره استكمالًا للتغيرات الهيكلية التي تشهدها المؤسسة العسكرية منذ إقالة المشير طنطاوي والفريق سامي عنان وقيادات المجلس العسكري.

3- تغيير قيادات الإدارة المحلية:

ويتمثل هذا المؤشر في حركة المحافظين الأخيرة التي شملت تغيير 10 محافظين من بينهم أربعة محافظين على الأقل من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، أبرزهم سعد الحسيني محافظا لكفر الشيخ، ومحمد علي بشر محافظا للمنوفية، ومصطفى عيسى كامل محافظًا للمنيا، بالإضافة إلى ثلاث محافظين من العسكريين المتقاعدين في شمال سيناء والسويس والبحر الأحمر، فيما يعتبر أحد مؤشرات إعادة الهيكلة في مؤسسات الحكم المحلي وثيقة الصلة بتقديم الخدمات للمواطنين بما يفترض أن ينعكس على وتيرة تطبيق برنامج الرئيس، ومستوى الرضا العام.

4- مراجعة دور المؤسسة القضائية:

على الرغم من قرار وزير العدل المستشار أحمد مكي نقل تبعية التفتيش القضائي من وزارة العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء لتعزيز استقلالية المؤسسة القضائية عن السلطة التنفيذية؛ فإن دور وزير العدل لا يزال محوريًّا في إدارة أركان المؤسسة القضائية، لا سيما في ظل عمليات إعادة الهيكلة والمراجعات السياسية التي طالت مؤسسات عديدة في الدولة المصرية، أهمها المؤسسة العسكرية والصحافة القومية.

وفي هذا الصدد جاء تجدد الجدل حول السماح بسفر المتهمين الأمريكيين في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني بمثابة مدخل جديد لمراجعة دور المؤسسة القضائية، وإعادة النظر في آليات تدخل السلطة التنفيذية في اختصاص السلطة القضائية تعزيزًا لاستقلاليتها من جانب، وتعزيزا لقوة تيار استقلال القضاء في مواجهة التيارات المحافظة داخل المؤسسة، أو ربما إيذانًا بموجة جديدة من تغيير القيادات تطال المؤسسة القضائية.

ثانيًا: لماذا الإحلال النخبوي؟

لا تنفصل عمليات إعادة الهيكلة وتغيير القيادات التي تشمل مؤسسات الدولة المصرية عن تمكن مؤسسة الرئاسة من فرض سيطرتها على مفاصل الدولة، والاستحواذ على الصلاحيات التشريعية والتنفيذية والرقابية التي تكفل إدارة المرحلة الانتقالية حتى تمام صياغة الدستور الجديد، والاستفتاء عليه، تمهيدًا لتنظيم الانتخابات التشريعية وما يرتبط بتلك المرحلة من تنفيذ البرنامج الانتخابي للرئيس بأبعاده المختلفة.

وتستند عمليات الإحلال النخبوي واسعة النطاق ومراجعة ممارسات القيادات في أحد أبعادها للشرعية الثورية واستحقاقات ثورة 25 يناير التي اتفقت مختلف القوى السياسية التي أفرزتها الثورة على عدم تمكن المجلس العسكري وحكومتي عصام شرف وكمال الجنزوري من استيفائها بصورة كاملة، وهو ما أتاح لمؤسسة الرئاسة تحجيم رءوس شبكات المصالح المنتمية للنظام السابق في مؤسسات الدولة، وخاصة بعد أن أضحت في غاية الضعف بتصفية دور المجلس العسكري.

ويتمثل السبب الثالث لموجة استبدال القيادات المتصاعدة في سعي الرئاسة لاستعادة الاستقرار عبر ترتيبات تدريجية تسعى لاجتذاب التأييد الشعبي والرضاء العام وهو ما يبدو في الدور الطاغي لمؤسسة الرئاسة في إدارة عمليات استبدال القيادات في مقابل تراجعٍ نسبي لدور مجلس الوزراء؛ حيث صدرت حركة المحافظين الأخيرة من مؤسسة الرئاسة بمشاركة محدودة من مجلس الوزراء، وتم تغيير رئيس هيئة الرقابة الإدارية بقرار رئاسي أيضا بما يعكس تشكل نمط للعلاقات بين الطرفين يستلهم تجارب النظم الرئاسية التي يتراجع في إطارها دور مجلس الوزراء في مقابل دور مركزي لمؤسسة الرئاسة.

ثالثًا: إحلال القيادات كمدخل للإصلاح المؤسسي:

يبدو استبدال القيادات كمدخل لحسم الصراع السياسي، وتفكيك شبكات المصالح، وضبط ممارسات القيادة أكثر منه آلية للإصلاح الإداري والمؤسسي؛ إذ إن التكلس والوهن قد أصاب مؤسسات الدولة المصرية لا سيما الجهاز الإداري كنتاج عقود من السلطوية السياسية التي مارسها النظام السابق لدمج مؤسسات الدولة لدعم بقاء النظام. وبانهيار آخر أركان النظام بدأت تلك المؤسسات في التفكك تحت وطأة المطالب المتصاعدة لأعضائها، وتردي أدائها لوظائفها المختلفة.

ولذا فإن الإصلاح المؤسسي يبدأ من مراجعة أوضاع المؤسسات وممارساتها، والإجراءات الحاكمة لعملها، والارتقاء بقدرات كوادرها على أداء الوظائف، وجودة ما تؤديه للمواطنين وللدولة من وظائف وخدمات تحقيقا لرضاء عام حقيقي يدعم أداء الدولة، ومن الضروري التركيز على معالجة قدرات مؤسسات الدولة على التغلغل، والوصول إلى كافة أرجاء الإقليم، لا سيما بسط السيطرة الأمنية على الأطراف الحدودية، وقدرتها على استخراج وتجميع الموارد المالية من مختلف الموارد بكفاءة، وأخيرًا قدرة مؤسسات الدولة على توزيع المنافع على المواطنين بصورة تحقق حدًّا أدنى من العدالة الاجتماعية.

ويرتبط ذلك بتدعيم إجراءات الرئيس لاستبدال القيادات، والتصدي للفساد بضبط منظومة تفاعلات المؤسسات السياسية بمؤسسات الدولة لا سيما الجهاز الإداري والمؤسسة القضائية، وتحقيق التوازن بين استقلالية وحياد مؤسسات الدولة من جانب، وتوجيهها لتحقيق الرضاء العام الأكثر حيوية بالنسبة للرئاسة في هذه المرحلة.
رد مع اقتباس
  #89  
قديم 22-09-2012, 10:04 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,982
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي "من المآسي المضاعفة للنزوح:فتيات سوريات للزواج "بثمن بخس

"من المآسي المضاعفة للنزوح:فتيات سوريات للزواج "بثمن بخس
"إعلان .. إعلان: فتيات سوريات للزواج. للاتصال على الارقام التالية: (...)"، نصٌ ترويجي عُلِّق على جدران الطرقات والاعمدة، بعد أيام قليلة من وصول اللاجئات السوريات الى محافظات الاردن الشمالية هرباً من الاضطرابات التي تجتاح بلادهن. اختفى الاعلان سريعاً، غير ان الحديث عن توفر لاجئات سوريات للزواج غدا "طبقاً رئيسياً" على موائد الاردنيين. الزواج من السوريات يبدأ بحض فقير لا يملك القدرة المالية على الارتباط، ويمتد ليصبح تفاخر عازب بقدرته على الزواج من أربع لاجئات دفعة واحدة، فيما يرى فيه المتزوجون وسيلة مناسبة لاستفزاز زوجاتهن، عبر تهديدهن بجلب "ضرة" سورية.

ما عليكَ سوى الذهاب الى المفرق (68 كيلومتراً شمال شرق عمّان)، او الرمثا (95 كيلومتراً شمال عمّان)، حتى تحصل على زوجة سورية بكلفة تبدأ بمئة دينار (140 دولارا) ولا تزيد على الخمسمائة دينار (703 دولارات). عبارة تتكرر على ألسنة الأردنيين، في وقت يبلغ متوسط تكاليف الزواج في بلدهم خمسة عشر ألف دينار (21 ألف دولار). الدافعُ المعلن للزواج من اللاجئات هو "الستر على نساء المسلمين" بزواج شرعي ينتشلهن من الفقر والعوز ومرارة الحياة في مخيمات اللجوء. غير ان الدوافع التي كانت حافزاً لأول حادثة زواج من لاجئة سورية، لم تمنح الزواج، الذي تم بوساطة جمعية إغاثة، فرصة الصمود لأكثر من شهرين، لتتضح اسباب اخرى حفزت عليه، من أهمها الثمن البخس الذي تكلَّفه الزوج، والمتعة التي وفرتها اللاجئة العشرينية للعريس الخمسيني، الذي تزوجها سراً وتنازل عنها عند افتضاح أمره. واقعة دفعت بجمعيات الاغاثة لإغلاق أبوابها أمام طالبي الزواج، وهم كثر. ولقطع الطريق على الراغبين بـ"الزواج سراً" من اللاجئات، عممت وزارة الداخلية الأردنية على كافة المحاكم الشرعية، التي أبلغت بدورها جميع الأذنة الشرعيين بأن "أي عقد زواج خارج المحاكم الشرعية سيعتبر غير نافذ قانونياً ويتحمل الزوج المسؤولية القانونية في ذلك".
الصخب الاجتماعي لا ينعكس على الأرقام الرسمية التي تبقى متواضعة، حيث توثِّق لما دون مائتي حالة زواج لأردنيين من لاجئات سوريا منذ شباط/ فبراير 2011. في وقت زاد عدد اللاجئين السوريين في الاردن على أكثر من 100 الف لاجئ حتى مطلع أيلول/ سبتمبر 2012، غالبيتهم من النساء.

ناشطون سوريون انتفضوا على الغمز واللمز الذي تتعرض له اللاجئات وأطلقوا حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان "لاجئات لا سبايا". ترفض الحملة تحويل السوريات اللاتي انتفضن لأجل كرامتهن الى بضاعة رخيصة في سوق النخاسة تحت مسميات الزواج والستر. وهي رصدت عدداً محدوداً من حالات الزواج، لكنها عجزت عن التواصل مع اللاجئات المتزوجات او أسرهن، حسب صفحتها على الفيسبوك. القائمون على الحملة وجهوا رسالة لتوعيه اهالي اللاجئات من مخاطر الزواج المغلف بعناوين دينية وشرعية واجتماعية. ورسالة ثانية لشباب الدول التي لجأت اليها السوريات ممن يعتقدن أن الزواج منهن طريقة للمساعدة، دعتهم فيها لتجريم وتعييب هذا النوع من الزواج. بل أكثر من ذلك، طالبتهم بوصم كل من يقبل على الزواج من اللاجئات بخيانة الدين والقيم الانسانية.

ظاهرة الزواج من اللاجئات السوريات في الأردن جرت محاصرتها وفضح دوافعها، وهي ليست اكثر إقلاقاً من ظاهرة الاستغلال ال***ي للاجئات تحولن للعمل في المنازل. وهذه تغلف بالسرية التامة ويطبق عليها الصمت، ولا يعرف عنها إلا ما تكرره الشائعات. يا للبؤس! فبعد فقدان المنزل والأمان في الوطن، ها النساء، صغيرات وكبيرات، يتحملن فعلا عبء الحروب بشكل مضاعف.


[عن ملحق "السفير العربي" لجريدة "السفير" اللبنانية]
رد مع اقتباس
  #90  
قديم 22-09-2012, 10:17 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,982
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي هل تورطت " أنصار الشريعة" بقتل السفير الأمريكي في ليبيا؟

هل تورطت " أنصار الشريعة" بقتل السفير الأمريكي في ليبيا؟

ماري فيتزجيرالد
عرض شيماء أحمد محمود، مترجمة في الشئون السياسية والاقتصادية

في وقتٍ لا يزال فيه الغموض يلف ملابسات مقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز في الهجوم الذي طال القنصلية الأمريكية في بنغازي احتجاجًا على الفيلم المسيء للرسول محمد، صلى الله عليه وسلم؛ أُلقيت مسئولية الهجوم على كتيبة أنصار الشريعة، وهي ميليشيا صغيرة من المتشددين تتخذ من بنغازي مقرًّا لها، وتشكلت في مطلع هذا العام بقوام 250 عنصرًا.

وفي هذا المضمار؛ أجرت "ماري فيتزجيرالد" مراسلة قسم الشئون الخارجية في صحيفة "آيريش تايمز" الأيرلندية؛ حوارًا هاتفيًّا مع قائد كتيبة "أنصار الشريعة" محمد الزهاوي، وقائد اللجنة الدينية في الكتيبة الشيخ ناصر الطرشاني. وقد نشر موقع مجلةُ "فورين بوليسي" في الثامن عشر من سبتمبر 2012 التقريرَ الذي أعدته المجلة حول هذه المقابلة تحت عنوان "أنصار الشريعة: لم نكن نحن". وعلى حد قول الصحفية؛ أُجريت المقابلة الهاتفية قبل ساعات من لقاء الزهاوي والطرشاني مع رئيس أركان القوات المسلحة الليبية يوسف منقوش في ليلة السابع عشر من سبتمبر الجاري.

اتهامات لأنصار الشريعة.. والجماعة تنفي

في أعقاب الهجوم الذي أودى بحياة السفير الأمريكي وثلاثة أمريكيين آخرين في الأسبوع الماضي؛ برزت دلائل حول تورُّط كتيبة "أنصار الشريعة" في هذا الاعتداء؛ إذ أقرّ شهود عيان برؤية رايات الكتيبة أثناء الهجوم وأُناس مدججين بالسلاح يدخلون ويخرجون بحذر من مقر الكتيبة. وقال مسئولون ليبيون عديدون، بمن فيهم رئيس المؤتمر الوطني الليبي محمد مقريف: إن المهاجمين كان من ضمنهم رجال مدججون بالسلاح ينتمون إلى فئة من "أنصار الشريعة" كانت على اتصال بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. وقد ألقى البعضُ اللومَ على الكتيبة لتنفيذها سلسلة من الهجمات الأخرى، بما ذلك تدنيس قبور الجنود البريطانيين في ليبيا، وتدمير الأضرحة الصوفية في المنطقة. وفي هذا الإطار، يشكو مسئولون أمنيون من أن كتيبة "أنصار الشريعة" رفضت الجهودَ المبذولة لدمج مقاتليها مع القوات الحكومية في ليبيا الوليدة.

في الجانب المقابل ، فإن الزهاوي والطرشاني ينفيان أي علاقة لأنصار الشريع مع تنظيم القاعدة، ويؤكدان أن الجماعة ما هي إلا كتيبة تأسست في وقت سابق من هذا العام وتضم 250 رجلا.
وقال الزهاوي: "قاتَلَت عناصرنا على الخطوط الأمامية إبان الحرب الليبية لإسقاط القذافي ، وكانت تلك العناصر في ذلك الوقت تابعة لكتائب متفرقة.. غير أن مجموعة منّا قررت العمل معًا لإنشاء كتيبة منفصلة تحت اسم "أنصار الشريعة"، وذلك بهدف دعم الشريعة الإسلامية بوصفها المرجع الرئيسي في ليبيا".

ونفى الزهاوي والطرشاني تورُّط أي من أعضاء الكتيبة في الهجوم على القنصلية الأمريكية، وأشارا إلى أنه لم يكن أحد منهم ضمن الـ50 شخصا الذين أعلن المسئولون الليبيون اعتقالهم. وبرر القياديان الهجوم بأنه "رد" على الفيلم المسيء للرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، غير أنهما أعربا عن عدم تأييدهما لهذا التصرف. فقال الطرشاني: "لا نحبّذ شيئًا من هذا القبيل كحل للمشكلة، هذا خطأ، وقتل السفير لم يكن متعمَّدا لأنه توفي نتيجة اختناق. ويبدو أن الناس لم يكونوا على علم بوجوده في الداخل".

ورأى الزهاوي والطرشاني أن الاتهام الموجّه ضد "أنصار الشريعة" له دوافع سياسية، فقال الطرشاني: "نطلب ممن يتهمون عناصرنا بالضلوع في الهجوم أن يتقدّموا بأدلة دامغة تثبت ذلك.. وأولئك الذين يتهموننا أو يلقون اللوم علينا هم من خصومنا من العلمانيين الذين لا يرغبون في رؤية بصمة أنصار الشريعة في بنغازي".

وردًّا على سؤال حول روايات لشهود عيان بشأن حمل المهاجمين راية إسلامية سوداء؛ قال الطرشاني إن تلك الرايات لا تخص الكتيبة وحدها، وإن ثمة العديد من الكتائب التي تستخدمها أيضًا، "ومن ثم لا يعد ذلك دليلًا". ونفى عضوا الكتيبة معرفتهم الجهة المسئولة عن تنفيذ الهجوم، ولكنهما أشارا بأصابع الاتهام إلى بقايا نظام العقيد الراحل معمر القذافي. فقال الزهاوي: "لا يمكننا استبعاد ضلوع الموالين للقذافي في ذلك، فكل شيء ممكن في هذه الحالة".

استقلالية أنصار شريعة بنغازي

وفقًا للزهاوي والطرشاني، ليست كتيبة بنغازي هي الكتيبة الوحيدة التي تحمل اسم "أنصار الشريعة"، فثمة كتيبة أخرى تحمل هذا الاسم في درنة، وهي مدينة تبعد 156 ميلا شرق بنغازي، ولهذه الكتيبة تاريخ طويل من المعارضة الإسلامية للقذافي. ومع ذلك، نفى القياديان وجود أي تواصل بين كتيبتهم وكتيبة درنة، أو أي رموز أخرى تحمل نفس الاسم.

وردًّا على سؤال حول ما إذا كانت لكتيبة "أنصار الشريعة" علاقة بأبي سفيان بن قمو، وهو معتقل سابق في جوانتنامو قاد جماعة من المقاتلين إبان الثورة الليبية في العام الماضي؛ أجاب الطرشاني قائلا: "لا إطلاقا، هو من جماعة "أنصار شريعة" أخرى. نحن نشترك في الاسم ولكن ليس في العمل".

شجب الزهاوي والطرشاني الرأيَ القائل بأن كتيبة "أنصار الشريعة" لا تحظى بقبولٍ حسنٍ عند معظم الناس في بنغازي. بيد أن الصحفية شككت في هذا الادعاء، قائلة للقيادييَّن: إنه تواترت أنباء حول قيام عناصر من الكتيبة في شهر يونيو 2012 بقيادة شاحنات صغيرة محمّلة بأسلحة ثقيلة على طول الواجهة البحرية للمدينة بهدف الدعوة إلى التنفيذ الفوري لأحكام الشريعة، وعليه خرج السكان المحليون في مظاهرة مناهضة لعناصر الكتيبة، ورشقوهم بالحجارة.

أثناء حديث الصحفية معهما؛ حاول الزهاوي والطرشاني مواجهة الاعتقادات القائلة بأن "أنصار الشريعة" عبارة عن ميليشيات مسلحة ذات ميول غريبة بالنسبة للمجتمع الليبي. فقال الزهاوي: "نحن نساهم في الحفاظ على أمن بنغازي"، مشيرًا إلى أن رجاله عملوا على حراسة مستشفى الجلاء، وهي أكبر مستشفيات المدينة. وأكد الزهاوي أن طبيبًا من أطباء مستشفى الجلاء أشاد له بجهود عناصر الكتيبة في تأمين المنشأة، وقال له إن تلك العناصر أكثر انضباطًا وموثوقية من تلك المكلّفة بمهمات التأمين.

وفي إشارة إلى جهود كتيبة "أنصار الشريعة" الأخرى، قال الطرشاني إن الكتيبة فتحت عيادة طبية تقدم العلاج المجاني للفقراء، وأنشأت مركزًا لإعادة تأهيل مدمني المخدرات. وفي هذا الصدد؛ أضاف الطرشاني قائلا: "نحن نحاول أن نضعهم على الطريق المستقيم حتى يتمكنوا من عيش حياة طبيعية داخل المجتمع".

موقف غامض إزاء الحكومة الليبية الجديدة

ترى الصحفية ماري فيتزجيرالد أن ثمة دلائل تشير إلى أن أنصار الشريعة ما زالوا لا يميلون للحكومة الليبية الجديدة. فعندما سألت الصحفية القياديين عما إذا كانا معترفين حقا بالحكومة الليبية الجديدة المنتخبة ديمقراطيًّا، فكّر الزهاوي والطرشاني مليًّا ، ثم قالا إنها سيُبديان رأيهما النهائي بعد الانتهاء من صياغة الدستور الجديد، مضيفان: "لا يعني ذلك أننا لا نعترف بالحكومة، ولكنها لا تزال حكومة مؤقتة من وجهة نظرنا لأننا لم ننته من صياغة الدستور بعد".

وعندما سألته الصحفية عن رأيه في ما إذا صدر دستورٌ لا يتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية إلى حدٍّ ما، قال الزهاوي: "كل العلامات تشير إلى أن الدستور الجديد سيكون إسلاميا بمعنى الكلمة، وكلنا لا نرغب في إعلان وجهة نظرنا مقدّما"، مضيفا: "فلننتظر صياغة الدستور الجديد وبعدها سنتحدث"،ومن ثم وصفت الصحفية إجابات القياديين في هذا الصدد بـ"الغامضة".

تشير المراسلة في تقريرها إلى أن الزهاوي والطرشاني واثقان من أن القيادة الليبية لن تتحرك ضدهما، ناقلة عن الطرشاني قوله: "نحن نستبعد احتمال مهاجمة قوات الأمن الليبية لنا لأن مسئولي الأمن المحليين يعرفون جيدا أننا أبرياء، وأن لا علاقة لنا بالهجوم الذي شُنّ ضد القنصلية الأمريكية". غير أن الطرشاني لا يستبعد تمامًا احتمال شن القيادة الأمريكية هجومًا مضادًّا، حسبما جاء في التقرير.

وفي نهاية المقابلة؛ وجّه الزهاوي رسالة إلى الولايات المتحدة قائلا: "لسنا سعداء بما حدث للقنصلية والسفير.. وفي الوقت نفسه نطلب من الحكومة الأمريكية أن تنظر في أسباب حدوث ذلك. فهناك أشخاص في الولايات المتحدة يحاولون تخويف المسلمين، والإساءة إلى دينهم".

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 22-09-2012 الساعة 10:20 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:52 PM.