#616
|
||||
|
||||
أنواع السر قال الراغب الأصفهاني: (السِّرُّ ضربان؛ أحدهما: ما يلقي الإنسان من حديث يستكتم، وذلك إمَّا لفظًا،كقولك لغيرك: اكتم ما أقول لك، وإمَّا حالًا، وهو أن يتحرى القائل حال انفراده فيما يورده، أو يخفض صوته، أو يخفيه عن مجالسيه، ولهذا قيل: إذا حدَّثك الإنسان بحديث فالتفت فهو أمانة. والثاني: أن يكون حديثًا في نفسك بما تستقبح إشاعته، أو شيئًا تريد فعله، وإلى الأول من ذلك أشار النَّبي بقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى منكم من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر اللَّه)) ، وإلى الثاني أشار من قال: ((من وهن الأمر إعلانه قبل إحكامه)) . وكتمان النوع الأول من الوفاء، ويختص بعامة الناس، والثاني من الحزم والاحتياط، وهو مختص بالملوك وأصحاب السياسات... والسبب في أنَّه يصعب كتمان السِّر هو: أن للإنسان قوتين، آخذة، ومعطية. وكلتاهما تتشوف إلى الفعل المختص بها، ولولا أنَّ اللَّه تعالى وكَل المعطية بإظهار ما عندها لما أتاك بالأخبار من لم تزوده، فصارت هذه القوَّة تتشوف إلى فعلها الخاص بها، فعلى الإنسان أن يمسكها ولا يطلقها إلى حيث ما يجب إطلاقها، ولا يخدعنَّك عن سرِّك قول من قال: وأكتم السِّر فيه ضربة العنق. وقول من ينشدك: ويكاتم الأسرار حتى كأنه***ليصونها عن أن تمر بباله فذلك قول من يستنزلك عما في قلبك، فإذا استفزع ما عندك لم يرْعَ فيه حقَّك، فقد قيل: الصبر على القبض على الجمر أيسر، من الصبر على كتمان السر. وما أصدق من أنبأ عن حقيقة حاله حيث قال له صديقه: أريد أن أفشي إليك سرًّا تحفظه عليَّ، فقال، لا أريد أن أوذي قلبي بنجواك، وأجعل صدري خزانة شكواك، فيقلقني ما أقلقك، ويؤرقني ما أرقك، فتبيت بإفشائه مستريحًا، ويبيت قلبي بحرِّه جريحًا) .
|
#617
|
||||
|
||||
صور كتمان السر لا شك أن الأصل في السِّر كتمانه وعدم إفشائه، ويستثنى من هذا الأصل بعض المجالس التي لا حرمة لأسرارها. 1- كتمان قضاء الحاجات: من يريد أن يقوم بعمل ما، عليه أن يكتمه وأن لا يحدث به كل أحد حتى يقوم بإكماله. قال الشاعر: وإن أردتَ نجاحًا في كل آونةٍ***فاكتم أمورك عن حاف ومنتعلِ 2- كتمان الأسرار الزوجية:
كتمان الأسرار الزوجية من الأمور (التي يجب حفظها وعدم إفشائها... فهو أولًا: حق المرأة في عدم إفشاء ما يكون منها لزوجها، وهو ثانيًا: حق الآداب الإسلامية العامة التي توصي بستر مثل هذه الأمور، فالمرء مستأمن عليها من جهتين، جهة الآداب الإسلامية، وجهة صاحب الحق الخاص) . فعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ من أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها)) . 3- كتمان أسرار الدولة: لا شك أن الدول تكون لها أسرارها التي لا ينبغي كشفها أو اطلاع أحد عليها، وخاصة الأسرار الحربية، وقد كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يكتم الأسرار، ومنها ما يتعلق بالأسرار الحربية والعسكرية، فكان من هديه إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها . وأرسل سرية بقيادة عبد الرحمن بن جحش ((وكتب له كتابًا، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه، فيمضي لما أمره به صلى الله عليه وسلم، ولا يستكره من أصحابه أحدًا فلما سار بهم يومين فتح الكتاب، فإذا فيه: إذا نظرت في كتابي فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، وترصد بها قريشًا، وتعلم لنا من أخبارهم. فلما نظر في الكتاب قال: سمعًا وطاعةً، وأخبر أصحابه بما في الكتاب وقال: قد نهاني أن أستكره أحدًا منكم، فمن كان منكم يريد الشهادة، ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف منهم أحد) . |
#618
|
||||
|
||||
نماذج من كتمان السِّر في حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم
- كان للكتمان أثر كبير في مباغتة النَّبي صلى الله عليه وسلم للعدو: (فبعد شهرين من غزوة أحد بلغ النَّبي صلى الله عليه وسلم أن طليحة وسلمة ابني خويلد يحرضان قومهما بني أسد بن خزيمة، لغزو المدينة المنورة ونهب أموال المسلمين فيها، وقرر النَّبي صلى الله عليه وسلم إرسال جيش من المسلمين، وأمرهم بالسير ليلًا والاستخفاء نهارًا، وسلوك طريق غير مطروقة حتى لا يطلع أحد على أخبارهم ونياتهم، فباغتوا بذلك بني أسد في وقت لا يتوقعونه) . - وفي غزوة (دومة الجندل) قاد النَّبي صلى الله عليه وسلم ألف راكب وراجل، من المهاجرين والأنصار، لمنع القبائل التي تقطن (دومة الجندل) من قطع الطرق ونهب القوافل، والقضاء على حشودها التي تزمع غزو المدينة المنورة. وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسلمين من المدينة المنورة يكمن بهم نهارًا ويسير ليلًا، وقد قطع المسلمون المسافة بين المدينة المنورة و(دومة الجندل) فلم يجد المسلمون أحدًا منهم... وعاد المسلمون من (دومة الجندل) بعد أن أقاموا فيها بضعة أيام. إن كتمان نيات المسلمين بالمسير ليلًا هو الذي جعلهم ينتصرون على أعدائهم . - وفي غزوة فتح مكة المكرمة بلغ النَّبي صلى الله عليه وسلم في تطبيق عامل الكتمان حد الرَّوعة، حتى ليمكن اعتبار هذه الغزوة مثالًا من أعظم أمثلة التاريخ العسكري في تطبيق الكتمان إلى أبعد الحدود. وأمر أهله أن يجهزوه، ولكنه لم يخبر أحدًا من المسلمين في الداخل أو الخارج بنياته، وأهدافه من حركته واتجاهها، بل أخفى نياته وأهدافه واتجاه حركته حتى عن أقرب المقربين إليه، ولما اقترب موعد الحركة صرَّح الرسول صلى الله عليه وسلم بأنَّه سائر إلى مكة المكرمة، ولكنه بث عيونه وأرصاده؛ ليحول دون وصول أخبار اتجاه حركته إلى قريش، وبعث حاطب بن أبي بلتعة رسالة أعطاها امرأة متوجهة إلى مكة المكرمة، أخبرهم في تلك الرسالة بنيات المسلمين في التوجه إلى فتح مكة المكرمة . فعن عبيد الله بن أبي رافع، قال: سمعت عليًّا رضي الله عنه، يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير، والمقداد بن الأسود، قال: ((انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة، ومعها كتاب فخذوه منها، فانطلقنا تعادي بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي من كتاب. فقلنا: لتخرجنَّ الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا حاطب ما هذا؟ قال: يا رسول الله، لا تعجل عليَّ إني كنت امرأً ملصقًا في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة، يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفرًا ولا ارتدادًا، ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد صدقكم. قال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: إنَّه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطَّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)) . |
#619
|
||||
|
||||
نماذج للصحابة في كتمان السِّرِّ
- روى البخاري عن عبد الله بن عمر، أنَّ عمر رضي الله عنه حين تأيمت بنته حفصة من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدرًا، توفي بالمدينة، قال عمر: ((فلقيت عثمان ابن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئًا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت عليَّ حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها)) . - وعن عائشة قالت: ((كنَّ أزواج النَّبي صلى الله عليه وسلم عنده لم يغادر منهن واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، فلما رآها رحَّب بها فقال: مرحبًا بابنتي. ثم أجلسها عن يمينه، أو عن شماله، ثم سارها فبكت بكاء شديدًا، فلما رأى جزعها سارها الثانية فضحكت. فقلت لها: خصَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين نسائه بالسرار، ثم أنت تبكين، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها، ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ما كنت أفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سرَّه. قالت: فلما تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت عزمت عليك بما لي عليك من الحقِّ لما حدثتني ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: أما الآن فنعم، أما حين سارني في المرة الأولى فأخبرني: أن جبريل كان يعارضه القرآن في كلِّ سنة مرة أو مرتين، وإنَّه عارضه الآن مرتين، وإني لا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإنه نعم السلف أنا لك. قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارني الثانية، فقال: يا فاطمة، أما ترضي أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة؟ قالت: فضحكت ضحكي الذي رأيت)) . - وعن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: ((أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم- وأنا ألعب مع الغلمان- قال: فسلم علينا، فبعثني إلى حاجة، فأبطأت على أمي، فلما جئت قالت: ما حبسك؟ قلت بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة. قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سرٌّ. قالت: لا تحدثنَّ بسرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا. قال أنس: والله لو حدثت به أحدًا لحدثتك يا ثابت)) . - وكان حذيفة بن اليمان صاحب سرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن علقمة قال: (قدمت الشام فصليت ركعتين ، ثم قلت : اللهم يسر لي جليسا صالحا ، فأتيت قوما فجلست إليهم ، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي ، قلت : من هذا ؟ قالوا : أبو الدرداء ، فقلت : إني دعوت الله أن ييسر لي جليسا صالحا ، فيسرك لي ، قال : ممن أنت ؟ قلت : من أهل الكوفة ، قال : أو ليس عندكم ابن أم عبد ، صاحب النعلين والوساد والمطهرة ، وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان - يعني على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم - أو ليس فيكم صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلمه أحد غيره؟ -يعني حذيفة ابن اليمان-) . |
#620
|
||||
|
||||
صفات أمين السرِّ
ذكر الماوردي بعض الصفات التي يلزم أن تتوفر في الشخص الذي يُؤتمن على السرِّ، فقال: 1- أن يكون ذا عقل صاد. 2- ودين حاجز. 3- ونصح مبذول. 4- وود موفور. 5- وكتومًا بالطبع. فإن هذه الأمور تمنع من الإذاعة، وتوجب حفظ الأمانة |
#621
|
||||
|
||||
حكم وأمثال في كتمان السر
- كن على حفظ سرك، أحرص منك على حقن دمك. - من وهن الأمور إعلانه قبل إحكامه. - لا تنكح خاطب سرك. - كلما كثر خزان الأسرار ازدادت ضياعًا. - قلوب العقلاء حصون الأسرار. - انفرد بسرك، ولا تودعه حازمًا فيزل، ولا جاهلًا فيخون. - وقيل: أصبرُ النَّاس مَن صبر على كتمان سرِّه، فلم يبده لصديقه. - الصَّبر على التهاب النار أهون من الصَّبر على كتمان السرِّ . - صدرك أوسع لسرِّك . - وكان يقال: الكاتم سرَّه بين إحدى فضيلتين: الظَّفر بحاجته، والسلامة من شرِّ إذاعته . |
#622
|
||||
|
||||
كتمان السِّرِّ في واحة الشعر : أنس بن أسيد: ولا تُفشِ سرَّك إلا إليك***فإنَّ لكلِّ نصيح نصيحًا فإني رأيتُ وُشاةَ الرجالِ***لا يتركون أديمًا صحيحًا وقال علي بن محمد البسامي: تبيحُ بسرِّك ضِيقًا به***وتبغي لسرِّك مَن يكتمُ وكتمانُك السِّرَّ ممن تخافُ***ومَن لا تخافنَّه أحزمُ إذا ذاع سرُّك من مخبَرٍ***فأنت وإن لمته ألومُ وقال آخر: إذا المرءُ أفشَى سرَّه بلسانه***ولام عليه غيره فهو أحمقُ إذا ضاق صدرُ المرءِ عن سرِّ نفسِه***فصدرُ الذي يُستودعُ السِّرَّ أضيقُ وقال عبد العزيز بن سليمان: إذا ضاق صدرُ المرءِ عن بعضِ سرِّه***فألقاه في صدري فصدري أضيقُ ومَن لامني في أن أُضيِّع سِرَّه***وضيَّعه قبلي فذو السِّر أخرقُ وقال الصلتان السعدي: وسرُّك ما كان عندَ امرئٍ***وسرُّ الثلاثةِ غيرُ الخفِي وقال آخر: فلا تنطق بسرِّك كلُّ سرّ***إذا ما جاوز الاثنين فاشي وقال بعض الشعراء: ولو قدرتُ على نسيانِ ما اشتملتْ***مني الضلوعُ على الأسرارِ والخبرِ لكنت أولَ من ينسى سرائرَه***إذا كنت مِن نشرِها يومًا على خطرِ وحكي أن عبد الله بن طاهر تذاكر الناس في مجلسه حفظ السِّرِّ فقال ابنه: ومستودعي سرًّا تضمنت سرَّه***فأودعته من مستقر الحشى قبرًا ولكنني أخفيه عنِّي كأنني***من الدهر يومًا ما أحطتُ به خبرًا وما السِّرُّ في قلبي كمَيْتٍ بحفرة***لأنِّي أرى المدفون ينتظر النشرا قال الشاعر: إنَّ الكريم الذي تبقَى مودَّتُه***ويحفظُ السرَّ إن صافى وإن صرما ليس الكريم الذي إن غاب صاحبُه***بثَّ الذي كان مِن أسرارِه علما وقال آخر: وكنت إذا استودعت سرًّا كتمته***كبَيْضِ أَنُوقٍ لا يُنال لها وكرُ
|
#623
|
||||
|
||||
كَظْم الغَيْظ معنى كَظْم الغَيْظ لغةً واصطلاحًا
معنى الكَظْم لغةً: أصل مادة كظم يَدُلُّ على معنًى واحد، وهو الإمساك، والجَمعُ للشَّيء. وأَصْل الكَظْم: حَبْسُ الشَّيء عن امتلائه، يقال: كَظَمْت القِرْبَة، إذا ملَأْتها. ويقال: كَظَمْت الْغَيْظ، أَكْظِمُه كَظْمًا، إِذا أمْسَكت على ما في نفسك منه . قال المناوي: (الكَظْم: الإمْسَاك على ما في النَّفس من صَفْحٍ أو غَيْظٍ) . معنى الغَيْظ لغةً: الغَيْظ: الغَضَب، وقيل: الغَيْظ غَضَبٌ كامنٌ للعاجز، وقيل: هو أشدُّ من الغَضَب، وقيل: هو سَوْرَته وأوَّله. وغِظْت فلانًا، أَغِيظُه غَيْظًا. وقد غَاظَه، فاغْتَاظ. وغَيَّظه، فتَغَيَّظ، وهو مَغِيظ . وقال الأصفهاني: (الغَيْظ: أشدُّ الغَضَب، وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من فَوَرَان دم قلبه) . معنى كَظْم الغَيْظ اصطلاحًا: كَظْم الغَيْظ: تجرُّعه، واحتمال سببه، والصَّبر عليه . ويقال: كَظَم غَيْظَه، أي: سكت عليه، ولم يُظْهِره بقولٍ أو فعلٍ، مع قُدْرته على إيقاعه بعدوِّه . وقال ابن عطيَّة: (كَظْم الغَيْظ: ردُّه في الجَوْف إذا كاد أن يخرج مِن كَثْرَته، فضبطه ومَنَعَه) . |
#624
|
||||
|
||||
الفرق بين الغَيْظ والغَضَب قال ابن عطيَّة: (الغَيْظ: أصل الغَضَب، وكثيرًا ما يتلازمان، ولذلك فسَّر بعض النَّاس الغَيْظ بالغَضَب، وليس تحرير الأمر كذلك، بل الغَيْظ: فعل النَّفس، لا يظهر على الجوارح. والغَضَبُ: حالٌ لها معه ظهورٌ في الجوارح، وفعلٌ ما ولا بدَّ، ولهذا جاز إسناد الغَضَب إلى الله تعالى، إذ هو عبارة عن أفعاله في المغضوب عليهم، ولا يُسْند إليه تعالى غيظٌ) .
وقال أبو هلال العسكري: (الفَرْق بين الغَيْظ والغَضَب: أنَّ الإنسان يجوز أن يغْتَاظ مِن نفسه، ولا يجوز أن يغضب عليها، وذلك أنَّ الغَضَب: إرادة الضَّرر للمغضوب عليه. ولا يجوز أن يريد الإنسان الضَّرر لنفسه. والغَيْظ يقرب من باب الغمِّ) . |
#625
|
||||
|
||||
أولًا: في القرآن الكريم
- قال الله تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران: 133-134]. قال ابن عاشور: (الكاظمين الغَيْظ، وكَظْم الغَيْظ: إمسَاكه، وإخفاؤه حتى لا يظهر عليه، وهو مأخوذ من كَظْم القِرْبة إذا مَلَأَها وأمسك فَمَها، قال المبرِّد: فهو تمثيلٌ للإمْسَاك مع الامتلاء، ولا شكَّ أنَّ أقوى القُوَى تأثيرًا على النَّفس القُوَّة الغَاضِبة، فتشتهي إظهار آثار الغَضَب، فإذا استطاع إمْسَاك مظاهرها، مع الامتلاء منها، دلَّ ذلك على عزيمةٍ راسخةٍ في النَّفس، وقهر الإرادة للشَّهوة، وهذا من أكبر قُوى الأخلاق الفاضلة) . قال الطِّيبي: (وإنَّما حُمِد الكَظْم؛ لأنَّه قَهْر للنَّفس الأمَّارة بالسُّوء، ولذلك مدحهم الله- تعالى- بقوله: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران: 134]، ومن نهى النَّفس عن هواه، فإنَّ الجنَّة مأواه، والحور العين جزاءه. قلت: وهذا الثَّناء الجميل، والجزاء الجزيل إذا ترتَّب على مجرَّد كَظْم الغَيْظ، فكيف إذا انضَمَّ العَفو إليه، أو زاد بالإحسان عليه) . - قال الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصِّلت: 34-35]. قال الزَّجَّاج: (وما يُلَقَّى هذه الفِعلة وهذه الحالة -وهي دفع السَّيئة بالحسنة- إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا على كَظْم الغَيْظ، واحتمال المكروه) . - وقال تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ [النَّحل: 126]. قال الطَّبري: (يقول -تعالى ذكره- للمؤمنين: وإن عاقبتم أيُّها المؤمنون مَنْ ظَلَمَكم واعتدى عليكم، فعاقبوه بمثل الذي نالكم به ظالمكم مِنْ العقوبة، ولئن صبرتم عن عقوبته، واحتسبتم عند الله ما نالكم به مِن الظُّلم، ووَكَلْتم أمره إليه، حتى يكون هو المتولِّي عقوبته، لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ يقول: للصَّبر عن عقوبته بذلك، خيرٌ لأهل الصَّبر احتسابًا، وابتغاء ثواب الله؛ لأنَّ الله يعوِّضه مِن الذي أراد أن يناله بانتقامه من ظالمه على ظُلْمه إيَّاه من لذَّة الانتصار، وهو من قولهلَهُوَ كِنَايَة عن الصَّبر، وحُسْن ذلك، وإن لم يكن ذَكَرَ قبل ذلك الصَّبرَ؛ لدلالة قوله: وَلَئِن صَبَرْتُمْ عليه) . |
#626
|
||||
|
||||
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة
- عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الشَّديد بالصُّرَعَة، إنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغَضَب)) . قال النَّوويُّ: (فيه كَظْم الغَيْظ، وإمْسَاك النَّفس عند الغَضَب عن الانتصار والمخاصمة والمنازعة) . قال المناوي: (... ((ليس الشَّديد بالصُّرَعَة)). بضمٍّ، فَفَتْح، مَن يَصْرَع النَّاس كثيرًا، أي: ليس القَوِيُّ من يقدر على صَرْع الأبطال مِن الرِّجال. ((إنَّما الشَّديد)). على الحقيقة. الذي يملك نفسه عند الغَضَب. أي: إنَّما القوىُّ -حقيقةً- الذي كَظَم غَيْظَه عند ثَوَرَان الغَضَب، وقاوَم نفسه، وغَلَب عليها، فحوَّل المعنى فيه من القُوَّة الظَّاهرة إلى الباطنة) . - عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من جَرْعَةٍ أعظم أجرًا عند الله، مِن جَرْعَةِ غَيْظٍ كظمها عبد ابتغاء وجه الله)) . والمعنى: (ما مِن جَرْعَةٍ أعظم أجرًا عند الله تعالى مِن جَرْعَة غَيْظٍ، كَظَمَها عبدٌ. مع القُدْرَة على التَّنفيذ، شبَّه جَرْع غَيْظِه وردَّه إلى باطنه بتجرُّع الماء، وهي أحبُّ جَرْعةٍ يتجرَّعها العبد، وأعظمها ثوابًا، وأرفعها درجةً لحَبْس نفسه عن التَّشَفِّي، ولا يحصل هذا العِظَم إلَّا عند القُدْرة على الانتقام، وبكفِّ غضبه لله تعالى، ابتغاء وجه الله تعالى) . - وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ كظم غيظًا، وهو يستطيع أن يُنفذه، دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق، حتى يخيِّره في أيِّ الحور شاء)) . (لأنَّه قهر النَّفس الأمَّارة بالسُّوء، والنَّفس مجبولة -في مثله- على الانتقام، والمجازاة بالإساءة. ولذا كان ذلك مِن آداب الأنبياء والمرسلين، ومِن ثمَّة خدَم أنسٌ المصطفى عشر سنين، فلم يَقُل له في شيء فعله: لِمَ فعلته؟ ولا في شيء تركه: لِمَ تركته؟ حتى يخيِّره في أي الحور شاء. فيختار ما شاء منهنَّ) . |
#627
|
||||
|
||||
أقوال السَّلف والعلماء في كَظْم الغَيْظ قال عمر بن الخطَّاب: (مَنْ خاف الله لم يَشْفِ غَيْظه، ومَنْ اتَّقى الله لم يصنع ما يريد، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون) .
- وقال ابن عبد البر: (مَن كَظَم غَيْظَه وردَّ غَضَبه، أخزى شيطانه، وسَلِمت مروءته ودينه) . قال الرَّاغب: (الكَظْم يدفع محذور النَّدم، كالماء يُطفئ حرَّ الضَّرم . كَظْمٌ يتردَّد في حلقي، أحبُّ إليَّ من نقص أجده في خُلُقي) . - وقيل: (اصبر على كَظْم الغَيْظ، فإنَّه يُورث الرَّاحة، ويؤمِّن السَّاحة) . - وقال علي رضي الله عنه: (دُمْ على كَظْم الغَيْظ تُحْمد عواقبك) . - وقال الغزالي: (كَظْم الغَيْظ عبارة عن التَّحلُّم، أي: تكلُّف الحِلْم، ولا يحتاج إلى كَظْم الغَيْظ إلَّا من هاج غَيْظه، ويحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة، ولكن إذا تعوَّد ذلك مدَّةً، صار ذلك اعتيادًا، فلا يهيج الغَيْظ، وإنْ هاج فلا يكون في كظمه تعبٌ، وهو الحِلْم الطَّبيعي، وهو دلالة كمال العقل واستيلائه، وانكسار قوَّة الغَضَب، وخضوعها للعقل) . |
#628
|
||||
|
||||
فوائد كَظْم الغَيْظ 1- اعتداد الجنَّة له بجعل صاحبه معدًّا ومهيئًا للجنَّة:
قال الله تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران: 133-134]. 2- عِظَم الأجر به وتوفيره: عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من جَرْعَةٍ أعظم أجرًا عند الله، من جَرْعَة غَيْظٍ كَظَمَها عبد ابتغاء وجه الله)). 3- خضوع العدو وتعظيمه للذي يكظم غيظه: عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [المؤمنون: 96]، قال: الصَّبر عند الغَضَب، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا عظَّمهم عدوُّهم، وخضع لهم. 4- دلالة قهر الغَضَب به على الشِّدة النَّافعة ففي الصَّحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الشَّديد بالصُّرَعَة، إنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغَضَب)). 5- التَّغلُّب على الشَّيطان: عن أنس، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم: مرَّ بقوم يَصْطَرِعون، فقال: ((ما هذا؟ فقالوا: يا رسول الله، فلانٌ الصَّريع، لا ينتدِب له أحدٌ إلَّا صَرَعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألَا أدلُّكم على من هو أشدُّ منه؟ رجلٌ ظلمه رجلٌ، فكَظَم غَيْظَه فغلبه، وغلب شيطانه، وغلب شيطان صاحبه)) . 6- يعين على ترك الغَضَب: قال ابن حجر: (استحضار ما جاء في كَظْم الغَيْظ من الفضل يعين على ترك الغَضَب) . 7- سببٌ في دفع الإساءة بالإحسان، والمكروه بالمعروف، والقهر باللُّطف: قال الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصِّلت: 34-35]. |
#629
|
||||
|
||||
الوسائل المعينة على كَظْم الغَيْظ 1- أن يعرف المرء الأجر المترتِّب على كَظْم الغَيْظ والعفو عن المخطئين، ويستشعر أنَّه بذلك يطلب الأجر والثَّواب من عند الله تبارك وتعالى. 2- إنَّ رحمة المخطئ والشَّفقة عليه داعيةٌ لكَظْم الغَيْظ، وإخماد نار الغَضَب، وهذا السَّبب قد بيَّنه القرآن الكريم، حيث قال الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران: 159]. 3- من الأسباب كذلك أن يربِّي المؤمن نفسه على سعة الصَّدر، فإنَّ سعة الصَّدر تحمل الإنسان على الصَّبر في حال الغَضَب، والعفو عند المقدرة، لذا قيل -قديمًا-: (أحسن المكارم؛ عفو المقْتدر، وجود المفْتقر) ، وقبل ذلك قول الله تبارك وتعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [الشُّورى: 43]. 4- كذلك فإنَّ شرف نفس المرء واتِّصافه بعلوِّ الهمَّة، من الأسباب المؤدِّية إلى كَظْم الغَيْظ، فهو يترفَّع عن التَّلفُّظ بما يُنزل نفسه، ويحطُّ من قدرها: لن يبلغ المجدَ أقوامٌ وإن كرموا***حتى يذِلُّوا وإن عزُّوا لأقوام ويُشْتموا فترى الألوان مشرقة***لا عفو ذُلٍّ ولكن عفو أحلام 5- ومن الأسباب كذلك: الحياء من التَّلبُّس بأخطاء المخطئ، ومقابلته فيما يفعل، قال بعض الحكماء: (احتمال السَّفيه خيرٌ من التَّحلِّي بصورته، والإغضاء عن الجاهل خيرٌ من مُشَاكلته) . قال الشَّاعر: سألزم نفسي الصَّفح عن كلِّ مذنبٍ***وإن كثرت منه إليَّ الجرائم فما النَّاس إلَّا واحد من ثلاثة***شريف ومَشْرُوف ومثلي مُقَاوِم فأمَّا الذي فوقي فأعرف فضله***وأتبع فيه الحقَّ والحقُّ قائم وأمَّا الذي دوني فإن قال صنت عن***إجابته نفسي وإن لام لائم وأمَّا الذي مثلي فإن زلَّ أو هفا***تفضَّلت إنَّ الفضل بالفخر لازم 6- ومن ذلك أيضًا: تعويد النَّفس وتدريبها على خُلُق الصَّبر، فهو خير معين في مواقف الغَضَب.
7- ومن الأسباب أيضًا: أن يقطع المرء الملاحاة والجدل في مواقف الخصومة، وأن لا يتمادى في السُّباب والشَّتائم، فقد حُكي أنَّ رجلًا قال لضرار بن القعقاع: (والله لو قلت واحدة؛ لسمعت عشرًا! فقال له ضرار: والله لو قلت عشرًا؛ لم تسمع واحدة) . 8- أن يقدِّم المرء مصلحة الاجتماع والأُلفة على الانتقام للنَّفس؛ فإنَّ ذلك يحمِله على كَظم غَيْظه، والتَّنازل عن حقِّه، ولهذا أثنى النَّبي صلى الله عليه وسلم على الحسن رضي الله عنه بقوله: ((ابني هذا سيِّدٌ، ولعلَّ الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)) . 9- تذكير النَّفس بما في الانتقام من نفرة القلوب عن المتشفى به، ومن نسبته إلى الخفَّة والطَّيش، وأشدُّ من ذلك على الرؤساء: إعمال الحيلة عليهم في طلب الخلاص منهم متى عُرفوا بسرعة البطش ومعالجة الانتقام . |
#630
|
||||
|
||||
الوسائل المعينة على كَظْم الغَيْظ 1- أن يعرف المرء الأجر المترتِّب على كَظْم الغَيْظ والعفو عن المخطئين، ويستشعر أنَّه بذلك يطلب الأجر والثَّواب من عند الله تبارك وتعالى. 2- إنَّ رحمة المخطئ والشَّفقة عليه داعيةٌ لكَظْم الغَيْظ، وإخماد نار الغَضَب، وهذا السَّبب قد بيَّنه القرآن الكريم، حيث قال الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران: 159]. 3- من الأسباب كذلك أن يربِّي المؤمن نفسه على سعة الصَّدر، فإنَّ سعة الصَّدر تحمل الإنسان على الصَّبر في حال الغَضَب، والعفو عند المقدرة، لذا قيل -قديمًا-: (أحسن المكارم؛ عفو المقْتدر، وجود المفْتقر) ، وقبل ذلك قول الله تبارك وتعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [الشُّورى: 43]. 4- كذلك فإنَّ شرف نفس المرء واتِّصافه بعلوِّ الهمَّة، من الأسباب المؤدِّية إلى كَظْم الغَيْظ، فهو يترفَّع عن التَّلفُّظ بما يُنزل نفسه، ويحطُّ من قدرها: لن يبلغ المجدَ أقوامٌ وإن كرموا***حتى يذِلُّوا وإن عزُّوا لأقوام ويُشْتموا فترى الألوان مشرقة***لا عفو ذُلٍّ ولكن عفو أحلام 5- ومن الأسباب كذلك: الحياء من التَّلبُّس بأخطاء المخطئ، ومقابلته فيما يفعل، قال بعض الحكماء: (احتمال السَّفيه خيرٌ من التَّحلِّي بصورته، والإغضاء عن الجاهل خيرٌ من مُشَاكلته) . قال الشَّاعر: سألزم نفسي الصَّفح عن كلِّ مذنبٍ***وإن كثرت منه إليَّ الجرائم فما النَّاس إلَّا واحد من ثلاثة***شريف ومَشْرُوف ومثلي مُقَاوِم فأمَّا الذي فوقي فأعرف فضله***وأتبع فيه الحقَّ والحقُّ قائم وأمَّا الذي دوني فإن قال صنت عن***إجابته نفسي وإن لام لائم وأمَّا الذي مثلي فإن زلَّ أو هفا***تفضَّلت إنَّ الفضل بالفخر لازم 6- ومن ذلك أيضًا: تعويد النَّفس وتدريبها على خُلُق الصَّبر، فهو خير معين في مواقف الغَضَب.
7- ومن الأسباب أيضًا: أن يقطع المرء الملاحاة والجدل في مواقف الخصومة، وأن لا يتمادى في السُّباب والشَّتائم، فقد حُكي أنَّ رجلًا قال لضرار بن القعقاع: (والله لو قلت واحدة؛ لسمعت عشرًا! فقال له ضرار: والله لو قلت عشرًا؛ لم تسمع واحدة) . 8- أن يقدِّم المرء مصلحة الاجتماع والأُلفة على الانتقام للنَّفس؛ فإنَّ ذلك يحمِله على كَظم غَيْظه، والتَّنازل عن حقِّه، ولهذا أثنى النَّبي صلى الله عليه وسلم على الحسن رضي الله عنه بقوله: ((ابني هذا سيِّدٌ، ولعلَّ الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)) . 9- تذكير النَّفس بما في الانتقام من نفرة القلوب عن المتشفى به، ومن نسبته إلى الخفَّة والطَّيش، وأشدُّ من ذلك على الرؤساء: إعمال الحيلة عليهم في طلب الخلاص منهم متى عُرفوا بسرعة البطش ومعالجة الانتقام . |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
موسوعة, الاخلاق, الاسلامية, الشاملة |
|
|