اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > القسم الإدارى > أرشيف المنتدي

أرشيف المنتدي هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل

 
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-04-2013, 05:57 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الفرق بين الإيثَار والسَّخاء والجود
ذكر ابن قيِّم الجوزية فروقًا بين كلٍّ مِن الإيثار والسَّخاء والجود، مع أنَّها كلَّها أفعال بذلٍ وعطاء، قال ابن القيِّم في مدارج السالكين: (وهذا المنزل – أي الإيثَار-: هو منزل الجود والسَّخاء والإحْسَان، وسمِّي بمنزل الإيثَار؛ لأنَّه أعلى مراتبه، فإنَّ المراتب ثلاثة:
إحداها: أن لا ينقصه البذل ولا يصعب عليه، فهو منزلة السَّخاء.
الثَّانية: أن يعطي الأكثر ويبقي له شيئًا، أو يبقي مثل ما أعطى فهو الجود.
الثَّالثة: أن يؤثر غيره بالشَّيء مع حاجته إليه، وهي مرتبة الإيثَار) .
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 20-04-2013 الساعة 02:16 PM
  #2  
قديم 15-04-2013, 09:04 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

أولًا: في القرآن الكريم

يعتبر الإيثَار مِن محاسن الأخلاق الإسلاميَّة، فهو مرتبة عالية مِن مراتب البذل، ومنزلة عظيمة مِن منازل العطاء، لذا أثنى الله على أصحابه، ومدح المتحلِّين به، وبيَّن أنَّهم المفلحون في الدُّنْيا والآخرة.
- قال الله تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9].
قال الطَّبري: (يقول تعالى ذكره: وهو يصفُ الأنصار: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قبل المهاجرين، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ يقول: ويعطون المهاجرين أموالهم إيثَارًا لهم بِها على أنفسهم وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ يقول: ولو كان بهم حاجة وفاقة إلى ما آثَرُوا به مِن أموالهم على أنفسهم) .
وقال ابن كثير: (أي: يقدِّمون المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدؤون بالنَّاس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك) .
ويقول ابن تيمية: (وأمَّا الإيثَار مع الخصاصة فهو أكمل مِن مجرَّد التَّصدق مع المحبَّة، فإنَّه ليس كلُّ متصدِّق محبًّا مؤثرًا، ولا كلُّ متصدِّق يكون به خصاصة، بل قد يتصدَّق بما يحبُّ مع اكتفائه ببعضه مع محبَّة لا تبلغ به الخصاصة) .
- وقال الله تعالى: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ [آل عمران: 92].
(يعني: لن تنالوا وتدركوا البرَّ، الذي هو اسمٌ جامعٌ للخيرات، وهو الطَّريق الموصل إلى الجنَّة، حتى تنفقوا ممَّا تحبُّون، مِن أطيب أموالكم وأزكاها. فإنَّ النَّفقة مِن الطَّيب المحبوب للنُّفوس، مِن أكبر الأدلَّة على سماحة النَّفس، واتِّصافها بمكارم الأخلاق، ورحمتها ورقَّتها، ومِن أدلِّ الدَّلائل على محبَّة الله، وتقديم محبَّته على محبَّة الأموال، التي جبلت النُّفوس على قوَّة التَّعلُّق بها، فمَن آثر محبَّة الله على محبَّة نفسه، فقد بلغ الذِّروة العليا مِن الكمال، وكذلك مَن أنفق الطَّيبات، وأحسن إلى عباد الله، أحسن الله إليه ووفَّقه أعمالًا وأخلاقًا، لا تحصل بدون هذه الحالة) .
- وقال تبارك وتعالى:لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 177].
فبين الله تبارك وتعالى أنَّ مِن البرِّ بعد الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والأنبياء.. إطعام الطَّعام لمحتاجيه، وبذله لمريديه، مع حبِّه واشتهائه والرَّغبة فيه، وقد جاء به الله تعالى -أي: إطعام الطَّعام- بعد أركان الإيمان مباشرة، وفي ذلك دلالة على عظمته وعلو منزلته.
قال ابن مسعود في قوله (على حبِّه): هو أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل البقاء، وتخشى الفقر .
- وقال تعالى: عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا [الإنسان: 6-9].
وقد (اخْتُلِف في مرجع الضَّمير عَلَى حُبِّهِ ، هل هو راجع على الطَّعام أم على الله تعالى ؟ أي: ويطعمون الطَّعام على حُبِّ الطَّعام؛ لِقِلَّته عندهم وحاجتهم إليه، أم على حُبِّ الله رجاء ثواب الله؟
وقد رجَّح ابن كثير المعنى الأوَّل، وهو اختيار ابن جرير، وساق الشَّواهد على ذلك، كقوله: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ [البقرة:177]، وقوله: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92].
والواقع أنَّ الاستدلال الأوَّل فيه ما في هذه الآية، ولكن أقرب دليلًا وأصرح قوله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر: 9] ) .
- وقال الله تبارك وتعالى: وَجَزَاهُم صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا [الإنسان: 12-13].
(والمعنى: وجزاهم بصبرهم على الإيثار، وما يؤدِّي إليه مِن الجوع والعري بستانًا فيه مأكل هنيء وحريرًا فيه ملبس بهي) .
__________________
  #3  
قديم 15-04-2013, 09:09 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الأشعريِّين إذا أرملوا في الغزو، أو قلَّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثمَّ اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسَّويَّة، فهم منِّي، وأنا منهم)) .
يقول العيني: (فيه منقبة عظيمة للأشعريين من إيثارهم ومواساتهم بشهادة سيدنا رسول الله وأعظم ما شرفوا به كونه أضافهم إليه ....وفيه فضيلة الإيثَار والمواساة) .
وقال أبو العبَّاس القرطبي: (هذا الحديث يدلُّ على أنَّ الغالب على الأشعريِّين الإيثَار، والمواساة عند الحاجة... فثبت لهم بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنَّهم...كرماء مؤثرون) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طعام الاثنين كافي الثَّلاثة، وطعام الثَّلاثة كافي الأربع)) . وفي لفظ لمسلم: ((طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثَّمانية)) .
(قال المهَلَّب: والمراد بهذه الأحاديث الحضُّ على المكارمة في الأكل والمواساة والإيثَار على النَّفس، الذي مدح الله به أصحاب نبيَّه، فقال: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9]. ولا يُراد بها معنى التَّساوي في الأكل والتَّشاح؛ لأنَّ قوله عليه السَّلام: ((كافي الثَّلاثة)) دليل على الأثرة التي كانوا يمتدحون بها والتَّقنُّع بالكفاية، وقد همَّ عمر بن الخطَّاب في سنة مجاعة أن يجعل مع كل أهل بيت مثلهم، وقال: لن يهلك أحد عن نصف قوته) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((جاء رجل إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الصَّدقة أعظم أجرًا ؟ قال: أن تصدَّق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم ، قلتَ: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان)) .
قال ابن بطَّال: (فيه أنَّ أعمال البرِّ كلَّما صعبت كان أجرها أعظم، لأنَّ الصَّحيح الشَّحيح إذا خشي الفقر، وأمَّل الغنى صعبت عليه النَّفقة، وسوَّل له الشَّيطان طول العمر، وحلول الفقر به، فمَن تصدَّق في هذه الحال، فهو مؤثر لثواب الله على هوى نفسه، وأمَّا إذا تصدَّق عند خروج نفسه، فيخشى عليه الضِّرار بميراثه والجوار في فعله) .
- وعن جابر بن عبد الله حدَّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه أراد أن يغزو فقال: ((يا معشر المهاجرين والأنصار إنَّ مِن إخوانكم قومًا ليس لهم مال ولا عشيرة، فليضمَّ أحدكم إليه الرَّجلين أو الثَّلاثة، فما لأحدنا مِن ظهرٍ يحمله إلَّا عُقْبَةٌ كعُقْبَةِ. (يعني: أحدهم). فضممْتُ إليَّ اثنين أو ثلاثةً، قال: ما لي إلَّا عُقْبَةٌ كعُقْبَةِ أحدهم مِن جملي)) .
__________________
  #4  
قديم 15-04-2013, 09:11 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

فوائد الإيثَار
للإيثَار فوائد عظيمة وثمار جليلة يجنيها أصحاب هذا الخُلُق العظيم منها:
1- دخولهم فيمن أثنى الله عليهم مِن أهل الإيثَار، وجعلهم مِن المفلحين.
2- الإيثَار طريق إلى محبَّة الله تبارك وتعالى.
3- تحقيق الكمال الإيماني، فالإيثَار دليلٌ عليه، وثمرة مِن ثماره.
4- ومِن أعظم الثِّمار والفوائد: أنَّ التَّحلِّي بخُلُق الإيثَار فيه اقتداءٌ بالحبيب محمَّد صلى الله عليه وسلم.
5- أنَّ المؤْثر يجني ثمار إيثاره في الدُّنْيا قبل الآخرة وذلك بمحبَّة النَّاس له وثناؤهم عليه، كما أنَّه يجني ثمار إيثاره بعد موته بحسن الأحدوثة وجمال الذِّكر، فيكون بذلك قد أضاف عمرًا إلى عمره.
6- الإيثَار يقود المرء إلى غيره مِن الأخلاق الحسنة والخِلال الحميدة كالرَّحمة وحبِّ الغير والسَّعي لنفع النَّاس، كما أنَّه يقوده إلى تَرك جملةٍ مِن الأخلاق السَّيِّئة والخِلال الذَّميمة كالبخل وحبِّ النَّفس والأَثَـــرَة والطَّمع وغير ذلك.
7- الإيثار جالبٌ للبركة في الطَّعام والمال والممتلكات.
8- وجود الإيثَار في المجتمع دليلٌ على وجود حس التَّعاون والتَّكافل والمودَّة، وفقده مِن المجتمع دليلٌ على خلوِّه مِن هذه الركائز المهمَّة في بناء مجتمعات مؤمنة قويَّة ومتكاتفة.
9- بالإيثَار تحصل الكفاية الاقتصاديَّة والمادِّيَّة في المجتمع، فطعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الثَّلاثة، والبيت الكبير الذي تستأثر به أسرة واحدة مع سعته يكفي أكثر مِن أسرة ليس لها بيوت تؤويها وهكذا.
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 20-04-2013 الساعة 02:17 PM
  #5  
قديم 15-04-2013, 09:14 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

: إيثار يتعلَّق القسم الأوَّل بالخالق
وهو أفضل أنواع الإيثَار وأعلاها منزلة، وأرفعها قدرًا، يقول ابن القيِّم: (والإيثَار المتعلِّق بالخالق أجلُّ مِن هذا -أي مِن الإيثَار المتعلِّق بالخلق- وأفضل، وهو إيثار رضاه على رضى غيره، وإيثار حبِّه على حبِّ غيره، وإيثار خوفه ورجائه على خوف غيره ورجائه، وإيثار الذُّل له والخضوع والاستكانة والضَّراعة والتملُّق على بذل ذلك لغيره، وكذلك إيثار الطلب منه والسُّؤال وإنزال الفاقات به على تعلُّق ذلك بغيره) .
ولهذا النَّوع مِن الإيثَار علامتان تدلان عليه، لا بدَّ أن تظهرا على مدَّعيه، وهما:
الأول: أن يفعل المرء كلَّ ما يحبُّه الله تعالى ويأمر به، وإن كان ما يحبُّه الله مكروهًا إلى نفسه، ثقيلًا عليه.
الثَّاني: أن يترك ما يكرهه الله تعالى وينهى عنه، وإن كان محبَّـــبًا إليه، تشتهيه نفسه، وترغِّب فيه.
يقول ابن القيِّم: (فبهذين الأمرين يصحُّ مقام الإيثَار) .
صعوبة هذا الإيثَار على النَّفس:
جُبِلت النَّفس على الرَّاحة والدَّعة والميل إلى الملاذ والمتع، كما جُبِلت على البعد عن كلِّ ما يشقُّ عليها أو ينغِّص متعتها أو يحدُّ مِن ملذَّاتها، ولـمَّا كان هذا النَّوع مِن الإيثَار يضادُّ ما جُبِلَت عليه النَّفس مِن الرَّاحة والدَّعة كان صعبًا عليها التَّلبُّس به، أو التَّخلُّق والتَّحلِّي بمعناه.
يقول ابن القيِّم مبيِّــنًا صعوبة هذا النَّوع مِن الإيثَار وثقله على النَّفس:
(ومؤنة هذا الإيثَار شديدة لغلبة الأغيار، وقوَّة داعي العادة والطَّبع، فالمحنة فيه عظيمة، والمؤنة فيه شديدة، والنَّفس عنه ضعيفة، ولا يتم فلاح العبد وسعادته إلَّا به، وإنَّه ليسيرٌ على مَن يسَّره الله عليه) .
وإن كان هذا النَّوع مِن الإيثَار شديدٌ على النَّفس صعب على الرُّوح إلَّا أنَّ ثمراته وما يجنيه الشَّخص منه تفوق ثمرات أيِّ نوع مِن الأعمال، فنهايته فوز محقَّق وفلاح محتوم، وملك لا يضاهيه ملك.
(فحقيق بالعبد أن يسمو إليه وإن صَعُب المرتقى، وأن يشمِّر إليه وإن عَظُمَت فيه المحنة، ويحمل فيه خطرًا يسيرًا لملْك عظيم وفوز كبير، فإنَّ ثمرة هذا في العاجل والآجل ليست تشبه ثمرة شيء مِن الأعمال، ويسيرٌ منه يرقِّي العبد ما لا يرقى غيره إليه في المدَد المتطاولة، وذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء) .
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 15-04-2013 الساعة 11:02 PM
  #6  
قديم 15-04-2013, 09:16 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

القسم الثَّاني: إيثار يتعلَّق بالخَلْق
وهذا هو النَّوع الثَّاني مِن أنواع الإيثَار مِن حيث تعلُّقه بالخَلْق.. وقد قسَّم ابن عثيمين هذا النَّوع مِن الإيثَار إلى ثلاثة أقسام:
(الأوَّل: ممنوع، والثَّاني: مكروه أو مباح، والثَّالث: مباح.
- القسم الأوَّل: وهو الممنوع: وهو أن تؤثر غيرك بما يجب عليك شرعًا، فإنَّه لا يجوز أن تقدم غيرك فيما يجب عليك شرعًا... فالإيثَار في الواجبات الشَّرعية حرام، ولا يحل لأنَّه يستلزم إسقاط الواجب عليك.
- القسم الثَّاني: وهو المكروه أو المباح: فهو الإيثَار في الأمور المستحبة، وقد كرهه بعض أهل العلم، وأباحه بعضهم، لكن تَــركُه أولى لا شكَّ إلَّا لمصلحة.
- القسم الثَّالث: وهو المباح: وهذا المباح قد يكون مستحبًّا، وذلك أن تؤثر غيرك في أمر غير تعبُّدي أي تؤثر غيرك، وتقدِّمه على نفسك في أمرٍ غير تعبُّدي) .
شروط هذا النَّوع مِن الإيثَار:
ذكر ابن القيِّم شروطًا للإيثَار المتعلِّق بالمخلوقين تنقله مِن حيِّز المنع أو الكراهة إلى حيِّز الإباحة ولعلَّنا نجملها فيما يلي:
1- أن لا يضيع على المؤْثِر وقته.
2- أن لا يتسبَّب في إفساد حاله.
3- أن لا يهضم له دينه.
4- ألَّا يكون سببًا في سدِّ طريق خير على المؤْثِر.
5- أن لا يمنع للمُؤْثر واردًا.
فإذا توفَّرت هذه الشُّروط كان الإيثَار إلى الخَلْق قد بلغ كماله، أمَّا إن وُجِد شيء مِن هذه الأشياء كان الإيثَار إلى النَّفس أَوْلَى مِن الإيثَار إلى الغير، فالإيثَار المحمود -كما قال ابن القيِّم هو: (الإيثَار بالدُّنْيا لا بالوقت والدِّين وما يعود بصلاح القلب) .
ثانيًا: أقسامه مِن حيث باعثه والدَّاعي إليه
- الأوَّل: قسم يكون الباعث إليه الفطرة والغريزة: كالذي يكون عند الآباء والأمَّهات وأصحاب العِشْق، وهذا كما يقول عبد الرَّحمن الميداني الباعث إليه فطري في النُّفوس ينتج عنه حبٌّ شديدٌ عارم، والحبُّ مِن أقوى البواعث الذَّاتية الدَّافعة إلى التَّضْحية بالنَّفس وكلُّ ما يتَّصل بها مِن مصالح وحاجات مِن أجل سلامة المحبوب أو تحقيق رضاه، أو جلب السَّعادة أو المسرَّة إليه .
تقول أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ((جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كلَّ واحدة منهما تمرة. ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقَّت التَّمرة، التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنَّ الله قد أوجب لها بها الجنَّة، أو أعتقها بها مِن النَّار)) . فهذا الإيثَار دافعه حبُّ الأم لابنتيها ورحمتها بهما.
- الثَّاني: وقسم يكون الدَّافع هو الإيمان، وحبَّ الخير للغير، على حساب النَّفس وملذَّاتها ومشتهياتها، وهو كما قال الميداني: (ليس إيثارًا انفعاليًّا عاطفيًّا مجردًا، ولكنَّه إيثار يعتمد على محاكمة منطقيَّة سليمة، ويعتمد على عاطفة إيمانيَّة عاقلة) .
__________________
  #7  
قديم 15-04-2013, 09:18 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

درجات الإيثَار:
ذَكَر أبو إسماعيل الهرويُّ في كتابه ((منازل السَّائرين)) أنَّ للإيثار ثلاث درجات:
- الدَّرجة الأولى: (أن تؤثر الخَلْق على نفسك فيما لا يَحْرُم عليك دينًا، ولا يقطع عليك طريقًا، ولا يفسد عليك وقتًا) .
قال ابن القيِّم في شرحه لهذه الدَّرجة: (يعني: أن تُقدِّمهم على نفسك في مصالحهم، مثل: أن تطعمهم وتجوع، وتكسوهم وتعرى، وتسقيهم وتظمأ، بحيث لا يؤدِّي ذلك إلى ارتكاب إتلافٍ لا يجوز في الدِّين) .
- الدَّرجة الثَّانية: (إيثار رضى الله تعالى على رضى غيره، وإن عَظُمَت فيه المحن وثَقُلَت به المؤن، وضَعُفَ عنه الطول والبدن) .
قال ابن القيِّم: (هو أن يريد ويفعل ما فيه مرضاته، ولو أغضب الخَلْق، وهي درجة الأنبياء وأعلاها للرُّسل عليهم صلوات الله وسلامه وأعلاها لأولي العزم منهم، وأعلاها لنبيِّنا صلى الله عليه وسلم) .
- الدَّرجة الثَّالثة: (إيثارُ إيثارِ الله تعالى: فإنَّ الخوض في الإيثَار دعوى في الملك، ثمَّ تَرْك شهود رؤيتك إيثار الله، ثمَّ غيبتك عن التَّرك) .
قال ابن القيِّم: (يعني بإيثار إيثار الله: أن تنسب إيثارك إلى الله دون نفسك، وأنَّه هو الذي تفرَّد بالإيثَار لا أنت، فكأنَّك سلمت الإيثَار إليه فإذا آثرت غيرك بشيء فإنَّ الذي آثره هو الحقُّ لا أنت، فهو المؤْثر حقيقة... وقوله: ثمَّ ترك شهود رؤيتك إيثار الله، يعني أنَّك إذا آثرت إيثار الله بتسليمك معنى الإيثَار إليه: بقيت عليك مِن نفسك بقيَّةٌ أخرى لابدَّ مِن الخروج عنها وهي: أن تُعْرِض عن شهودك رؤيتك أنَّك آثرت الحقَّ بإيثارك، وأنَّك نسبت الإيثَار إليه لا إليك... وقوله: ثمَّ غيبتك عن التَّرك. يريد: أنَّك إذا نزلت هذا الشُّهود وهذه الرُّؤية: بقيت عليك بقيَّةٌ أخرى وهي رؤيتك لهذا التَّرك المتضمِّنة لدعوى ملكك للتَّرك، وهي دعوى كاذبة؛ إذ ليس للعبد شيء مِن الأمر، ولا بيده فعل ولا ترك، وإنَّما الأمر كلُّه لله) .
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 20-04-2013 الساعة 02:18 PM
  #8  
قديم 15-04-2013, 09:29 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

نماذج مِن إيثار الصَّحابة رضوان الله عليهم
ضرب الصَّحابة أروع أمثلة الإيثَار وأجملها، ومَن يتأمَّل في قصص إيثارهم يحسب ذلك ضربًا مِن خيال، لولا أنَّه منقولٌ لنا عن طريق الأثبات، وبالأسانيد الصَّحيحة الصَّريحة.
وإليك بعضًا مِن النَّماذج التي تروي لنا صورًا رائعة مِن الإيثَار:
ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه ((أنَّ رجلًا أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلَّا الماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن يضمُّ- أو يضيف- هذا؟ فقال رجل مِن الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: ما عندنا إلَّا قوت صبياني. فقال: هيِّئي طعامك، وأصبحي سراجك ، ونوِّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء. فهيَّأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونوَّمت صبيانها، ثمَّ قامت كأنَّها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنَّهما يأكلان، فباتا طاويين ، فلمَّا أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ضحك الله اللَّيلة- أو عجب مِن فعالكما-، فأنزل الله: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9])) .
الأنصار... إيثار منقطع النَّظير:
أقبل المهاجرون إلى المدينة لا يملكون مِن أمر الدُّنْيا شيئًا، قد تركوا أموالهم وما يملكون خلف ظهورهم، وأقبلوا على ما عند الله عزَّ وجلَّ يرجون رحمته ويخافون عذابه، فاستقبلهم الأنصار الذين تبوَّؤوا الدَّار، وأكرموهم أيَّما إكرام، ولم يبخلوا عليهم بشيء مِن حطام الدُّنْيا... في صورة يعجز عن وصفها اللِّسان، ويضعف عن تعبيرها البيان:
- فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((لما قدم المهاجرون المدينة نزلوا على الأنصار في دورهم، فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا مثل قوم نزلنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أبذل في كثير منهم، لقد أشركونا في المهنأ وكفونا المؤنة، ولقد خشينا أن يكونوا ذهبوا بالأجر كلِّه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلَّا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم به عليهم)) .
- وهذا عبد الرَّحمن بن عوف ((لـمَّا قدم المدينة آخى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الرَّبيع الأنصاريِّ، وعند الأنصاريِّ امرأتان، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال له: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلُّوني على السُّوق...)) .
إيثار... حتى بالحياة:
وقد وصل الحال بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آثروا إخوانهم بحياتهم.. وهذا غاية الجود، ومنتهى البذل والعطاء.
- ففي غزوة اليرموك قال عكرمة بن أبي جهل: قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن وأفرُّ منكم اليوم؟! ثمَّ نادى: مَن يبايع على الموت؟ فبايعه عمُّه الحارث بن هشام، وضرار بن الأزور في أربعمائة مِن وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قدَّام فسطاط خالد حتى أُثْبِتُوا جميعًا جراحًا، وقُتِل منهم خلقٌ، منهم ضرار بن الأزور -رضي الله عنهم-... فلمَّا صرعوا مِن الجراح استسقوا ماء، فجيء إليهم بشربة ماء، فلمَّا قربت إلى أحدهم نظر إليه الآخر، فقال: ادفعها إليه. فلما دُفِعَت إليه نظر إليه الآخر، فقال: ادفعها إليه. فتدافعوها كلُّهم -مِن واحد إلى واحد- حتى ماتوا جميعًا ولم يشربها أحد منهم -رضي الله عنهم- أجمعين .
صورٌ مِن إيثار أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
- لما طُعِن أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب رضي الله عنهما قال لابنه عبد الله: (اذهب إلى أُمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فقل: يقرأ عمر ابن الخطَّاب عليك السَّلام، ثمَّ سلها أن أُدْفَن مع صاحبيَّ. قالت: كنت أريده لنفسي، فلأوثرنَّه اليوم على نفسي. فلمَّا أقبل، قال له: ما لديك؟ قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين. قال: ما كان شيء أهمَّ إليَّ من ذلك المضجع، فإذا قُبِضت فاحملوني، ثمَّ سلِّموا، ثمَّ قل: يستأذن عمر بن الخطَّاب، فإن أذنت لي فادفنوني، وإلَّا فردُّوني إلى مقابر المسلمين) .
- ودخل عليها مسكينٌ فسألها -وهي صائمة وليس في بيتها إلَّا رغيف- فقالت لمولاة لها: أعطيه إيَّاه. فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه؟ فقالت: أعطيه إيَّاه. قالت: ففعلتُ. قالت: فلمَّا أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يُهدِي لنا: شاة وكفنها. فدعتني عائشة فقالت: كلي مِن هذا، فهذا خيرٌ مِن قرصك) .
ابن عمر نموذج آخر مِن نماذج الإيثَار الفذَّة:
- مرض ابن عمر فاشتهى عنبًا -أول ما جاء العنب- فأرسلت صفيَّة -يعني امرأته- فاشترت عنقودًا بدرهم، فاتَّبع الرَّسول السَّائل، فلمَّا دخل به، قال السَّائل: السَّائل. فقال ابن عمر: أعطوه إيَّاه. فأعطوه إيَّاه. ثمَّ أرسلت بدرهم آخر، فاشترت عنقودًا، فاتَّبع الرَّسول السَّائلُ، فلمَّا دخل، قال السَّائل: السَّائل. فقال ابن عمر: أعطوه إيَّاه. فأعطوه إيَّاه. فأرسلت صفيَّة إلى السَّائل، فقالت: والله إن عُدتَ لا تصيبُ منه خيرًا أبدًا. ثمَّ أرسلت بدرهم آخر فاشترت به.
- واشتهى يومًا سمكةً، وكان قد نَقِهَ مِن مرضٍ فالتُمِسَت بالمدينة، فلم توجد حتى وُجِدَت بعد مُدَّةٍ، واشْتُرِيَت بِدرهم ونصفٍ، فشُوِيَت وجيء بها على رغيف، فقام سائلٌ بالباب، فقال ابن عمر للغلام لفَّها برغيفها، وادفعها إليه. فأبى الغلام، فردَّه وأمره بدفعها إليه، ثمَّ جاء به فوضعها بين يديه، وقال: كُلْ هنيئًا -يا أبا عبد الرَّحمن-، فقد أعطيته درهمًا وأخذتها. فقال: لفَّها وادفعها إليه، ولا تأخذ منه الدِّرهم .
عمر يختبر إيثار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- أخذ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أربعمائة دينار، فجعلها في صرَّة، ثمَّ قال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجرَّاح، ثمَّ تلكَّأ ساعة في البيت حتى تنظر ماذا يصنع بها. فذهب بها الغلام إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك. فقال: وصله الله ورحمه. ثمَّ قال: تعالي يا جارية، اذهبي بهذه السَّبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان. حتى أنفدها، فرجع الغلام إلى عمر، فأخبره فوجده قد أعدَّ مثلها لمعاذ بن جبل. وقال: اذهب بهذا إلى معاذ بن جبل، وتلكَّأ في البيت ساعة حتى تنظر ماذا يصنع. فذهب بها إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك. فقال: رحمه الله ووصله. وقال: يا جارية، اذهبي إلى بيت فلان بكذا وبيت فلان بكذا. فاطَّلعت امرأة معاذ فقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا. ولم يبق في الخرقة إلَّا ديناران فنحا بهما إليها. فرجع الغلام إلى عمر فأخبره، فسُرَّ بذلك عمر، وقال: إنَّهم إخوة بعضهم مِن بعض) .
أخي وعياله أحوج..
- قال ابن عمر رضي الله عنه: أهدي لرجل مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة، فقال: إنَّ أخي فلانًا وعياله أحوج إلى هذا منَّا. فبعث به إليهم، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى تداولها أهل سبعة أبيات حتى رجعت إلى الأوَّل، فنزلت: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر: 9] .
إيثار... حتى للحيوان:
- خرج عبد الله بن جعفر إلى ضيعة له، فنزل على نخيل قوم، وفيه غلام أسود يعمل فيه، إذ أتى الغلام بقوته فدخل الحائط كلبٌ ودنا مِن الغلام، فرمى إليه الغلام بقرصٍ فأكله، ثمَّ رمى إليه الثَّاني والثَّالث فأكله، وعبد الله ينظر إليه، فقال: يا غلام، كم قوتك كلَّ يوم؟ قال: ما رأيت. قال: فلِمَ آثرت به هذا الكلب؟! قال: ما هي بأرض كلاب، إنَّه جاء مِن مسافة بعيدة جائعًا، فكرهت أن أشبع وهو جائع. قال: فما أنت صانع اليوم؟! قال: أطوي يومي هذا. فقال عبد الله بن جعفر: أُلام على السَّخاء! إنَّ هذا الغلام لأسخى منِّي. فاشترى الحائط والغلام وما فيه مِن الآلات، فأعتق الغلام ووهبه منه .
__________________
  #9  
قديم 16-04-2013, 04:36 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

نماذج مِن إيثار السَّلف رحمهم الله

وعلى نفس الطَّريق سار سلف الأمَّة وصالحوها يحذون مَن سبقهم مِن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حذو القذَّة بالقذَّة، ويتَّبعون آثارهم، وإليك أخي الكريم نماذج مِن إيثارهم رحمهم الله:
- عن أبي الحسن الأنطاكيِّ: أنَّه اجتمع عنده نيِّف وثلاثون رجلًا بقرية مِن قرى الرَّيِّ، ومعهم أرغفة معدودة لا تُشْبِع جميعهم، فكسروا الرُّغفان، وأطفئوا السِّراج، وجلسوا للطَّعام، فلمَّا رُفع فإذا الطَّعام بحاله، لم يأكل منه أحد شيئًا إيثارًا لصاحبه على نفسه.
- قال الهيثم بن جميل: جاء فضيل بن مرزوق- وكان مِن أئمة الهدى زهدًا وفضلًا- إلى الحسن بن حيي، فأخبره أن ليس عنده شيء، فقام الحسن فأخرج ستَّة دراهم، وأخبره أنَّه ليس عنده غيرها، فقال: سبحان الله أليس عندك غيرها وأنا آخذها، فأخذ ثلاثة وترك ثلاثة.
- ورُوِي أنَّ مسروقًا ادَّان دينًا ثقيلًا، وكان على أخيه خيثمة دين، قال: فذهب مسروق فقضى دين خيثمة، وهو لا يعلم، وذهب خيثمة فقضى دين مسروق وهو لا يعلم .
- وقال عبَّاس بن دهقان: ما خرج أحدٌ مِن الدُّنْيا كما دخلها إلَّا بشر ابن الحارث؛ فإنَّه أتاه رجل في مرضه، فشكا إليه الحاجة، فنزع قميصه وأعطاه إيَّاه، واستعار ثوبًا فمات فيه .
هذا غيضٌ مِن فيض، وما أغفلناه أكثر ممَّا ذكرناه، ويكفي مِن القلادة ما أحاط بالعنق.
__________________
  #10  
قديم 16-04-2013, 04:38 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

نماذج مِن إيثار العلماء المعاصرين
ابن باز.. بقيَّة مِن إيثار السَّلف:
يقول محمَّد بن موسى -وهو يتحدَّث عن الشَّيخ ابن باز: (والذي بيده ليس له ولو سُئل ما سُئل، فربَّما سُئل مالًا فأعطاه، وربَّما أتته الهديَّة في المجلس فسأله أحدُ الحاضرين إيَّاها فأعطاها إيَّاه، بل كثيرًا ما يبتدر مَن بجانبه بالهديَّة التي تُقَدَّم لسماحته، بل ربَّما سُئل عباءته التي يلبسها فأعطاها مَن سأله إيَّاها) .
يؤثرون له بعيونهم .. والجزاء مِن *** العمل:
كان الشَّيخ ابن باز قريبًا مِن النَّاس.. محببًّا إليهم.. ومِن أعجب قصص الإيثَار التي حصلت مع الشَّيخ قصتان:
أولاها: لرجل مسلم مِن بلجيكا وهو مغربيُّ الأصل، قدم على سماحة الشَّيخ، فلمَّا مَثُل أمام سماحته قال:
يا سماحة الشَّيخ أنا فلان مِن محبِّيك، وقد جئتك مهديًا لك إحدى عيني، ولقد سألت طبيبًا مختصًّا فقال لي: لا مانع. وسوف أذهب إلى المستشفى، وإلى الطَّبيب المختص لنزعها وإهدائها لك.
فقال له سماحة الشَّيخ: يا أخي بارك الله لك في عينيك، ونفعك بهما، نحن راضون بما كتب الله لنا.
- وفي عام 1418هـ جاء رجل مِن السُّودان، وأخذ يتجوَّل بين المكاتب في دار الإفتاء في الرِّياض، وهو يقول: لم أجد مَن يتجاوب معي ولا مَن يدخلني على سماحة الشَّيخ، قال الشَّيخ محمَّد بن موسى الموسى: فقلت له: وما تريد مِن سماحته؟ فقال: أنا أتيت إلى سماحته مهديًا إليه إحدى عينيَّ، أدخلوني على سماحته، فأخذت بيده وأدخلته عليه، فلمَّا رآه وسلم عليه، قال: يا سماحة الشَّيخ أنا مِن بلاد السُّودان، جئت إليك مهديًّا إحدى عينيَّ، فتفضَّل بقبولها وخذ إحداها. فشكر له سماحة الشَّيخ صنيعه ومحبَّته، وقال: بارك الله لك في عينيك، نحن راضون بما كتب الله لنا .
__________________
  #11  
قديم 16-04-2013, 04:40 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

أقوالٌ وحكمٌ في الإيثَار

- (قال أحدهم: لا تُوَاكِلَنَّ جائعًا إلَّا بالإيثَار، ولا تُوَاكِلَنَّ غنيًّا إلَّا بالأدب، ولا تُوَاكِلَنَّ ضيفًا إلَّا بالنَّهمة والانبساط .
- وقال أبو سليمان الدَّارني: لو أنَّ الدُّنْيا كلَّها لي فجعلتها في فم أخ مِن إخواني لاستقللتها له.
- وقال أيضًا: إنِّي لألقم اللُّقمة أخًا مِن إخواني فأجد طعمها في حلقي .
- (قال أبو حفص: الإيثَار هو أن يقدِّم حظوظ الإخوان على حظوظه في أمر الدُّنْيا والآخرة.
- وقال بعضهم: الإيثَار لا يكون عن اختيار، إنَّما الإيثَار أن تقدِّم حقوق الخَلْق أجمع على حقِّك، ولا تميِّز في ذلك بين أخ وصاحب ذي معرفة.
- وقال يوسف بن الحسين: مَن رأى لنفسه ملكًا لا يصحُّ منها الإيثَار، لأنَّه يرى نفسه أحقَّ بالشَّيء برؤية ملكه، إنَّما الإيثَار ممَّن يرى الأشياء كلَّها للحقِّ؛ فمَن وصل إليه فهو أحقُّ به، فإذا وصل شيء مِن ذلك إليه يرى نفسه ويده فيه يد أمانة، يوصِّلها إلى صاحبها أو يؤدِّيها إليه) .
__________________
  #12  
قديم 16-04-2013, 04:47 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الإيثَار في واحة الشِّعر
قال الشَّاعر:


عجبتُ لبعضِ النَّاسِ يبذلُ ودَّه***ويمنعُ ما ضمَّت عليه الأصابعُ



إذا أنا أعطيتُ الخليلَ مودَّتي***فليس لمالي بعدَ ذلك مانعُ



وقال آخر:


وتركي مواساةَ الأخلَّاءِ بالذي***تنالُ يدي ظلمٌ لهم وعقوقُ



وإنِّي لأستحيي مِن الله أن أُرَى***بحال اتِّساعٍ والصَّديق مُضيقُ



وقال آخر:


مَن كان للخير منَّاعًا فليس له***عند الحقيقة إخوان وأخدان



وقال علي بن محمَّد التهامي:


أُسدٌ ولكن يؤثرون بزادِهم***والأُسد ليس تدينُ بالإيثَارِ



يتزيَّنُ النَّادي بحسنِ وجوهِهم***كتزيُّنِ الهالاتِ بالأقمارِ



وقال أحمد محرم:


المالُ للرَّجلِ الكريمِ ذرائعٌ***يبغي بهنَّ جلائلَ الأخطارِ



والنَّاسُ شتى في الخِلَالِ وخيرُهم***مَن كان ذا فضلٍ وذا إيثارِ



وقال حماد عجرد:


إنَّ الكريمَ ليُخفي عنك عُسرتَه***حتى يُخالَ غنيًّا وهو مجهودُ



وللبخيلِ على أموالِه عللٌ***زرقُ العيونِ عليها أوجهٌ سودُ




وقال حاتمٌ الطَّائي:


وإنِّي لأستحيي صحابي أن يروا***مكانَ يدي في جانبِ الزَّادِ أقرعا



أقصِّرُ كفي أن تنالَ أكفَّهم***إذا نحن أهوينا وحاجاتنا معا


__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 03-05-2013 الساعة 11:52 PM
  #13  
قديم 16-04-2013, 04:50 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

البِرِّ
معنى البِرِّ لغةً

معنى البِرِّ لغةً:
البِرُّ: الصِّدق والطَّاعة والخير والفضل، وبَرَّ يَبـَــرُّ، إذا صَلَحَ. وبَرَّ في يمينه يَبَرُّ، إذا صدَّقه ولم يحنث. وبَرَّ رحمه يَبَرُّ، إذا وصله. ويقال: فلان يَبَرُّ ربَّه ويتبرَّره، أي: يطيعه. ورجل بَرٌّ بذي قرابته، وبارٌّ: من قوم بررة وأبرار، والمصدر: البِرُّ، والبَـرُّ: الصَّادق أو التقي وهو خلاف الفاجر، والبِرُّ: ضدُّ العقوق. وبَرِرْتُ والدي بالكسر، أَبَـــرُّهُ برًّا، وقد بَرَّ والده يَبَرُّه ويَبِرُّه بِرًّا... وهو بَـرٌّ به وبارٌّ.. وجمع البَرِّ الأبرار، وجمع البَارِّ البَرَرَةُ .
معنى البِرِّ اصطلاحًا:
قال المناوي: (البِرُّ بالكسر أي: التوسُّع في فعل الخير، والفعل المرضِي، الذي هو في تزكية النَّفس... يقال: بَرَّ العبدُ ربَّه. أي: توسَّع في طاعته... وبِرُّ الوالد: التَّوسع في الإحسان إليه، وتحرِّي محابِّه، وتوقِّي مكارهِه، والرِّفقُ به، وضدُّه: العقوق. ويستعمل البِرُّ في الصِّدق؛ لكونه بعض الخير المتوسَّع فيه) .
قال القاضي المهدي: (والبِرُّ: هو الصِلة، وإسداء المعروف، والمبالغة في الإحسان) .
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 20-04-2013 الساعة 02:20 PM
  #14  
قديم 16-04-2013, 04:53 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الفرق بين البِرِّ وبعض الصفات

- الفرق بين البِرِّ والخير:
(أنَّ البِرَّ مضَمَّن بجعل عاجل قد قُصِد وجه النفع به، فأمَّا الخير فمطلق، حتَّى لو وقع عن سهو لم يخرج عن استحقاق الصِّفة به. ونقيض الخير: الشَّر، ونقيض البِرِّ: العقوق) .
- الفرق بين البِرِّ والصلة:
(أنَّ البِرَّ سعة الفضل المقصود إليه، والبِرُّ أيضًا يكون بلين الكلام، وبَرَّ والده إذا لقيه بجميل القول والفعل. قال الرَّاجز:


بُنَيَّ إنَّ البرَّ شيء هيِّن***وجهٌ طليق وكلامٌ ليِّن



والصِّلة: البِرُّ المتأصِّل. وأصل الصِّلة: وصلة على فعله، وهي للنَّوع والهيئة، يقال: بارٌّ وصولٌ، أي: يصل برَّه فلا يقطعه. وتواصل القوم: تعاملوا بوصول بِرِّ كل واحد منهم إلى صاحبه. وواصله: عامله بوصول البِرِّ. وفي القرآن: وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ [القصص: 51]، أي: كثَّــرْنا وصول بعضه ببعض بالحكم الدَّالة على الرَّشد) .
- الفرق بين الصَّدقة والبِرِّ:
(الفرق بين البر وَالصَّدَقَة أنَّك تصَّدَّق على الفقير لسدِّ خلَّته، وتبرُّ ذا الحقِّ لاجتلاب مودَّته، ومن ثمَّ قيل: بِرُّ الوالدين. ويجوز أن يقال: البِرُّ هو: النَّفع الجليل. ومنه قيل: البِرُّ لسعته محلًّا له نفعة. ويجوز أن يقال: البِرُّ سعة النَّفع. وقيل: البِرُّ الشَّفقة) .
- الفرق بين القُرْبَان والبِرِّ:
قال أبو هلال: (إنَّ القُرْبَان: البِرُّ الذي يتقرَّب به إلى الله، وأصله المصدر، مثل الكفران والشُّكران) .
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 20-04-2013 الساعة 02:21 PM
  #15  
قديم 16-04-2013, 04:55 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 177].
قال الزَّمخشريُّ: (البِرُّ اسم للخير ولكلِّ فعل مُرْضِى، أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ الخطاب لأهل الكتاب؛ لأنَّ اليهود تصلِّى قِبل المغرب إلى بيت المقدس، والنَّصارى قِبل المشرق. وذلك أنَّهم أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حوَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، وزعم كلُّ واحد من الفريقين أنَّ البِرَّ التوجُّه إلى قبلته، فردَّ عليهم. وقيل: ليس البِرَّ فيما أنتم عليه، فإنَّه منسوخ خارج من البِرِّ، ولكنَّ البِرَّ ما نبيِّنه. وقيل: كثر خوض المسلمين وأهل الكتاب في أمر القبلة، فقيل: ليس البِرَّ العظيم الذي يجب أن تذهلوا بشأنه عن سائر صنوف البِرِّ: أمر القبلة، ولكنَّ البِرَّ الذي يجب الاهتمام به وصرف الهمَّة: بِرُّ من آمن، وقام بهذه الأعمال) .
- قال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة: 2].
(قوله جلَّ ذكره: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى ، البِرُّ: فعل ما أُمِرْت به، والتَّقوى: ترك ما زُجرت عنه. ويقال: البِرُّ: إيثار حقِّه سبحانه، والتَّقوى: ترك حظِّك. ويقال: البِرُّ: موافقة الشَّرع، والتَّقوى: مخالفة النَّفس. ويقال: المعاونة على البِرِّ بحسن النَّصيحة، وجميل الإشارة للمؤمنين. والمعاونة على التَّقوى بالقبض على أيدي الخطَّائين بما يقتضيه الحال من جميل الوعظ، وبليغ الزَّجر، وتمام المنع على ما يقتضيه شرط العلم. والمعاونة على الإثم والعدوان بأن تعمل شيئًا مما يُقتدى بك لا يرضاه الدِّين، فيكون قولك الذي تفعله، ويُقتدى بك (فيه) سنَّة تظهرها، و(عليك) نبُوُّ وِزْرها. وكذلك المعاونة على البِرِّ والتَّقوى، أي الاتصاف بجميل الخصال على الوجه الذي يُقتدى بك فيه) .
__________________
 

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
موسوعة, الاخلاق, الاسلامية, الشاملة


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:49 AM.