اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > علوم القرآن الكريم

علوم القرآن الكريم هنا أن شاء الله كل حاجة عن القرآن الكريم من مسموع ومرئي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #511  
قديم 04-08-2010, 05:42 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
Mnn


{ 33 - 35 }

{ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً
إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ *
أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ }

{ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ } مرض أو خوف من هلاك ونحوه.
{ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ } ونسوا ما كانوا به يشركون في تلك الحال لعلمهم
أنه لا يكشف الضر إلا اللّه.
{ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً } شفاهم من مرضهم وآمنهم من خوفهم،
{ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ } ينقضون تلك الإنابة التي صدرت منهم ويشركون به
من لا دفع عنهم ولا أغنى، ولا أفقر ولا أغنى، وكل هذا كفر بما آتاهم اللّه
ومَنَّ به عليهم حيث أنجاهم، وأنقذهم من الشدة وأزال عنهم المشقة، فهلا قابلوا
هذه النعمة الجليلة بالشكر والدوام على الإخلاص له في جميع الأحوال؟.
{ أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا } أي: حجة ظاهرة { فَهُوَ } أي: ذلك السلطان،
{ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ } ويقول لهم: اثبتوا على شرككم واستمروا
على شككم فإن ما أنتم عليه هو الحق وما دعتكم الرسل إليه باطل.

فهل ذلك السلطان موجود عندهم حتى يوجب لهم شدة التمسك بالشرك؟
أم البراهين العقلية والسمعية والكتب السماوية والرسل الكرام وسادات الأنام،
قد نهوا أشد النهي عن ذلك وحذروا من سلوك طرقه الموصلة إليه وحكموا
بفساد عقل ودين من ارتكبه؟.
فشرك هؤلاء بغير حجة ولا برهان وإنما هو أهواء النفوس، ونزغات الشيطان.
{ 36 - 37 }

{ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا
هُمْ يَقْنَطُونَ * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

يخبر تعالى عن طبيعة أكثر الناس في حالي الرخاء والشدة أنهم إذا أذاقهم
اللّه منه رحمة من صحة وغنى ونصر ونحو ذلك فرحوا بذلك فرح بطر،
لا فرح شكر وتبجح بنعمة اللّه.
{ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ } أي:: حال تسوؤهم وذلك { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } من
المعاصي. { إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } ييأسون من زوال ذلك الفقر والمرض ونحوه.
وهذا جهل منهم وعدم معرفة.
{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ } فالقنوط بعد ما علم أن
الخير والشر من اللّه والرزق سعته وضيقه من تقديره ضائع ليس له محل.
فلا تنظر أيها العاقل لمجرد الأسباب بل اجعل نظرك لمسببها ولهذا قال:
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } فهم الذين يعتبرون بسط اللّه لمن يشاء
وقبضه، ويعرفون بذلك حكمة اللّه ورحمته وجوده وجذب القلوب لسؤاله في
جميع مطالب الرزق.

__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب

آخر تعديل بواسطة عاشقة الموج ، 04-08-2010 الساعة 05:46 AM
رد مع اقتباس
  #512  
قديم 04-08-2010, 05:53 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
Mnn

{ 38 - 39 }

{ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ }

أي: فأعط القريب منك -على حسب قربه وحاجته- حقه الذي أوجبه الشارع أو حض عليه من النفقة الواجبة والصدقة والهدية والبر والسلام والإكرام والعفو عن زلته والمسامحة عن هفوته. وكذلك [ آت ] المسكين الذي أسكنه الفقر والحاجة ما تزيل به حاجته وتدفع به ضرورته من إطعامه وسقيه وكسوته.

{ وَابْنَ السَّبِيلِ } الغريب المنقطع به في غير بلده الذي في مظنة شدة الحاجة، لأنه لا مال معه ولا كسب قد دبر نفسه به [ في ] سفره، بخلاف الذي في بلده، فإنه وإن لم يكن له مال ولكن لا بد -في الغالب- أن يكون في حرفة أو صناعة ونحوها تسد حاجته، ولهذا جعل اللّه في الزكاة حصة للمسكين وابن السبيل. { ذَلِكَ } أي: إيتاء ذي القربى والمسكين وابن السبيل { خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ } بذلك العمل { وَجْه اللَّهِ } أي: خير غزير وثواب كثير لأنه من أفضل الأعمال الصالحة والنفع المتعدي الذي وافق محله المقرون به الإخلاص.
فإن لم يرد به وجه اللّه لم يكن خيرا لِلْمُعْطِي وإن كان خيرا ونفعا لِلْمُعْطي كما قال تعالى:

{ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ }

مفهومها أن هذه المثبتات خير لنفعها المتعدي ولكن من يفعل ذلك ابتغاء مرضاة اللّه فسوف نؤتيه أجرا عظيما. وقوله: { وَأُولَئِكَ } الذين عملوا هذه الأعمال وغيرها لوجه اللّه { هُمُ الْمُفْلِحُونَ } الفائزون بثواب اللّه الناجون من عقابه.
ولما ذكر العمل الذي يقصد به وجهه [ من النفقات ] ذكر العمل الذي يقصد به مقصد دنيوي فقال: { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُو فِي أَمْوَالِ النَّاسِ } أي: ما أعطيتم من أموالكم الزائدة عن حوائجكم وقصدكم بذلك أن يربو أي: يزيد في أموالكم بأن تعطوها لمن تطمعون أن يعاوضكم عنها بأكثر منها، فهذا العمل لا يربو أجره عند اللّه لكونه معدوم الشرط الذي هو الإخلاص. ومثل ذلك العمل الذي يراد به الزيادة في الجاه والرياء عند الناس فهذا كله لا يربو عند اللّه.

{ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ } أي: مال يطهركم من الأخلاق الرذيلة ويطهر أموالكم من البخل بها ويزيد في دفع حاجة الْمُعْطَى. { تُرِيدُونَ } بذلك { وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ } أي: المضاعف لهم الأجر الذين تربو نفقاتهم عند اللّه ويربيها اللّه لهم حتى تكون شيئا كثيرا.
ودل قوله: { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ } أن الصدقة مع اضطرار من يتعلق بالمنفق أو مع دَيْنٍ عليه لم يقضه ويقدم عليه الصدقة أن ذلك ليس بزكاة يؤجر عليه العبد ويرد تصرفه شرعا كما قال تعالى في الذي يمدح: { الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى } فليس مجرد إيتاء المال خيرا حتى يكون بهذه الصفة وهو: أن يكون على وجه يتزكى به المؤتي.

{ 40 }

{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ
مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }

يخبر تعالى أنه وحده المنفرد بخلقكم ورزقكم وإماتتكم وإحيائكم، وأنه ليس أحد من الشركاء التي يدعوهم المشركون من يشارك اللّه في شيء من هذه الأشياء.
فكيف يشركون بمن انفرد بهذه الأمور من ليس له تصرف فيها بوجه من الوجوه؟!
فسبحانه وتعالى وتقدس وتنزه وعلا عن شركهم، فلا يضره ذلك وإنما وبالهم عليهم.
{ 41 }
{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي
عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

أي: استعلن الفساد في البر والبحر أي: فساد معايشهم ونقصها وحلول الآفات بها، وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك، وذلك بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها.
هذه المذكورة { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا } أي: ليعلموا أنه المجازي على الأعمال فعجل لهم نموذجا من جزاء أعمالهم في الدنيا { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عن أعمالهم التي أثرت لهم من الفساد ما أثرت، فتصلح أحوالهم ويستقيم أمرهم. فسبحان من أنعم ببلائه وتفضل بعقوبته وإلا فلو أذاقهم جميع ما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة.
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #513  
قديم 04-08-2010, 05:56 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
Mnn

{ 42 }

{ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ }

والأمر بالسير في الأرض يدخل فيه السير بالأبدان والسير في القلوب للنظر والتأمل بعواقب المتقدمين.
{ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ } تجدون عاقبتهم شر العواقب ومآلهم شر مآل، عذاب استأصلهم وذم ولعن من خلق اللّه يتبعهم وخزي متواصل، فاحذروا أن تفعلوا فعالهم يُحْذَى بكم حذوهم فإن عدل اللّه وحكمته في كل زمان ومكان.

{ 43 - 45 }

{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ * مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ * لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }

أي: أقبل بقلبك وتوجه بوجهك واسع ببدنك لإقامة الدين القيم المستقيم، فنفذ أوامره ونواهيه بجد واجتهاد وقم بوظائفه الظاهرة والباطنة. وبادر زمانك وحياتك وشبابك، { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ } وهو يوم القيامة الذي إذا جاء لا يمكن رده ولا يرجأ العاملون أن يستأنفوا العمل بل فرغ من الأعمال لم يبق إلا جزاء العمال. { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } أي: يتفرقون عن ذلك اليوم ويصدرون أشتاتا متفاوتين لِيُرَوْا أعمالهم.
{ مَنْ كَفَرَ } منهم { فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ } ويعاقب هو بنفسه لا تزر وازرة وزر أخرى، { وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا } من الحقوق التي للّه أو التي للعباد الواجبة والمستحبة، { فَلِأَنْفُسِهِمْ } لا لغيرهم { يَمْهَدُونَ } أي: يهيئون ولأنفسهم يعمرون آخرتهم ويستعدون للفوز بمنازلها وغرفاتها، ومع ذلك جزاؤهم ليس مقصورا على أعمالهم بل يجزيهم اللّه من فضله الممدود وكرمه غير المحدود ما لا تبلغه أعمالهم. وذلك لأنه أحبهم وإذا أحب اللّه عبدا صب عليه الإحسان صبا، وأجزل له العطايا الفاخرة وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة.
وهذا بخلاف الكافرين فإن اللّه لما أبغضهم ومقتهم عاقبهم وعذبهم ولم يزدهم كما زاد من قبلهم فلهذا قال: { إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }

{ 46 }

{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

أي: ومن الأدلة الدالة على رحمته وبعثه الموتى وأنه الإله المعبود والملك المحمود، { أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ } أمام المطر { مُبَشِّرَاتٍ } بإثارتها للسحاب ثم جمعها فتبشر بذلك النفوس قبل نزوله.
{ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ } فينزل عليكم من رحمته مطرا تحيا به البلاد والعباد، وتذوقون من رحمته ما تعرفون أن رحمته هي المنقذة للعباد والجالبة لأرزاقهم، فتشتاقون إلى الإكثار من الأعمال الصالحة الفاتحة لخزائن الرحمة.
{ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ } في البحر { بِأَمْرِهِ } القدري { وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ } بالتصرف في معايشكم ومصالحكم.
{ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } من سخر لكم الأسباب وسير لكم الأمور. فهذا المقصود من النعم أن تقابل بشكر اللّه تعالى ليزيدكم اللّه منها ويبقيها عليكم.
وأما مقابلة النعم بالكفر والمعاصي فهذه حال من بدَّل نعمة اللّه كفرا ونعمته محنة وهو معرض لها للزوال والانتقال منه إلى غيره.
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #514  
قديم 04-08-2010, 06:04 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
Mnn

{ 47 }

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }

أي: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ } في الأمم السابقين { رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ } حين جحدوا توحيد اللّه وكذبوا بالحق فجاءتهم رسلهم يدعونهم إلى التوحيد والإخلاص والتصديق بالحق وبطلان ما هم عليه من الكفر والضلال، وجاءوهم بالبينات والأدلة على ذلك فلم يؤمنوا ولم يزولوا عن غيهم، { فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا } ونصرنا المؤمنين أتباع الرسل. { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } أي: أوجبنا ذلك على أنفسنا وجعلناه من

جملة الحقوق المتعينة ووعدناهم به فلا بد من وقوعه.
فأنتم أيها المكذبون لمحمد صلى اللّه عليه وسلم إن بقيتم على تكذيبكم حلَّت بكم العقوبة ونصرناه عليكم.

{ 48 - 50 }

{ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

يخبر تعالى عن كمال قدرته وتمام نعمته أنه { يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا } من الأرض، { فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ } أي: يمده ويوسعه { كَيْفَ يَشَاءُ } أي: على أي حالة أرادها من ذلك ثم { يَجْعَلُهُ } أي: ذلك السحاب الواسع { كِسَفًا } أي: سحابا ثخينا قد طبق بعضه فوق بعض.
{ فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ } أي: السحاب نقطا صغارا متفرقة، لا تنزل جميعا فتفسد ما أتت عليه.
{ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ } بذلك المطر { مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } يبشر بعضهم بعضا بنزوله وذلك لشدة حاجتهم وضرورتهم إليه فلهذا قال: { وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } أي: آيسين قانطين لتأخر وقت مجيئه، أي: فلما نزل في تلك الحال صار له موقع عظيم [عندهم] وفرح واستبشار.
{ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج كريم.
{ إِنَّ ذَلِكَ } الذي أحيا الأرض بعد موتها { لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فقدرته تعالى لا يتعاصى عليها شيء وإن تعاصى على قدر خلقه ودق عن أفهامهم وحارت فيه عقولهم.


{ 51 - 53 }

{ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ * فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ }

يخبر تعالى عن حالة الخلق وأنهم مع هذه النعم عليهم بإحياء الأرض بعد موتها ونشر رحمة اللّه تعالى لو أرسلنا على هذا النبات الناشئ عن المطر وعلى زروعهم ريحا مضرة متلفة أو منقصة، { فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا } قد تداعى إلى التلف { لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } فينسون النعم الماضية ويبادرون إلى الكفر.
وهؤلاء لا ينفع فيهم وعظ ولا زجر { فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ } وبالأولى { إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ } فإن الموانع قد توفرت فيهم عن الانقياد والسماع النافع كتوفر هذه الموانع المذكورة عن سماع الصوت الحسي.
{ وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ } لأنهم لا يقبلون الإبصار بسبب عماهم فليس منهم قابلية له.
{ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ } فهؤلاء الذين ينفع فيهم إسماع الهدى المؤمنون بآياتنا بقلوبهم المنقادون لأوامرنا المسلمون لنا، لأن معهم الداعي القوي لقبول النصائح والمواعظ وهو استعدادهم للإيمان بكل آية من آيات اللّه واستعدادهم لتنفيذ ما يقدرون عليه من أوامر اللّه ونواهيه.

{ 54 }

{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ }

يخبر تعالى عن سعة علمه وعظيم اقتداره وكمال حكمته، ابتدأ خلق الآدميين من ضعف وهو الأطوار الأول من خلقه من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى أن صار حيوانا في الأرحام إلى أن ولد، وهو في سن الطفولية وهو إذ ذاك في غاية الضعف وعدم القوة والقدرة. ثم ما زال اللّه يزيد في قوته شيئا فشيئا حتى بلغ سن الشباب واستوت قوته وكملت قواه الظاهرة والباطنة، ثم انتقل من هذا الطور ورجع إلى الضعف والشيبة والهرم.

{ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } بحسب حكمته. ومن حكمته أن يري العبد ضعفه وأن قوته محفوفة بضعفين وأنه ليس له من نفسه إلا النقص، ولولا تقوية اللّه له لما وصل إلى قوة وقدرة ولو استمرت قوته في الزيادة لطغى وبغى وعتا.
وليعلم العباد كمال قدرة اللّه التي لا تزال مستمرة يخلق بها الأشياء، ويدبر بها الأمور ولا يلحقها إعياء ولا ضعف ولا نقص بوجه من الوجوه.


__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #515  
قديم 04-08-2010, 06:05 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
Mnn

{ 55 - 57 } { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ }
يخبر تعالى عن يوم القيامة وسرعة مجيئه وأنه إذا قامت الساعة { يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ } باللّه أنهم { مَا لَبِثُوا } في الدنيا إلَا { سَاعَة } وذلك اعتذار منهم لعله ينفعهم العذر واستقصار لمدة الدنيا.
ولما كان قولهم كذبا لا حقيقة له قال تعالى: { كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ } أي: ما زالوا -وهم في الدنيا- يؤفكون عن الحقائق ويأتفكون الكذب، ففي الدنيا كذَّبوا الحق الذي جاءتهم به المرسلون، وفي الآخرة أنكروا الأمر المحسوس وهو اللبث الطويل في الدنيا، فهذا خلقهم القبيح والعبد يبعث على ما مات عليه.
{ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ } أي: مَنَّ اللّه عليهم بهما وصارا وصفا لهم العلم بالحق والإيمان المستلزم إيثار الحق، وإذا كانوا عالمين بالحق مؤثرين له لزم أن يكون قولهم مطابقا للواقع مناسبا لأحوالهم.
فلهذا قالوا الحق: { لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ } أي: في قضائه وقدره، الذي كتبه اللّه عليكم وفي حكمه { إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ } أي: عمرتم عُمْرًا يتذكر فيه المتذكر ويتدبر فيه المتدبر ويعتبر فيه المعتبر حتى صار البعث ووصلتم إلى هذه الحال.
{ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } فلذلك أنكرتموه في الدنيا وأنكرتم إقامتكم في الدنيا وقتا تتمكنون فيه من الإنابة والتوبة، فلم يزل الجهل شعاركم وآثاره من التكذيب والخسار دثاركم.
{ فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ } فإن كذبوا وزعموا أنهم ما قامت عليهم الحجة أو ما تمكنوا من الإيمان ظهر كذبهم بشهادة أهل العلم والإيمان، وشهادة جلودهم وأيديهم وأرجلهم، وإن طلبوا الإعذار وأنهم يردون ولا يعودون لما نُهوا عنه لم يُمَكَّنُوا فإنه فات وقت الإعذار فلا تقبل معذرتهم، { وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أي: يزال عتبهم والعتاب عنهم.

{ 58 - 60 } { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ * كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ }
أي: { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا } لأجل عنايتنا ورحمتنا ولطفنا وحسن تعليمنا { لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ } تتضح به الحقائق وتعرف به الأمور وتنقطع به الحجة. وهذا عام في الأمثال التي يضربها اللّه في تقريب الأمور المعقولة بالمحسوسة. وفي الإخبار بما سيكون وجلاء حقيقته [حتى] كأنه وقع.
ومنه في هذا الموضع ذكر اللّه تعالى ما يكون يوم القيامة وحالة المجرمين فيه وشدة أسفهم وأنه لا يقبل منهم عذر ولا عتاب.
ولكن أبى الظالمون الكافرون إلا معاندة الحق الواضح ولهذا قال: { وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ } أي: أي آية تدل على صحة ما جئت به { لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ } أي: قالوا للحق: إنه باطل. وهذا من كفرهم وجراءتهم وطَبْعِ اللّه على قلوبهم وجهلهم المفرط ولهذا قال: { كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } فلا يدخلها خير ولا تدرك الأشياء على حقيقتها بل ترى الحق باطلا والباطل حقا.
{ فَاصْبِرْ } على ما أمرت به وعلى دعوتهم إلى اللّه، ولو رأيت منهم إعراضا فلا يصدنك ذلك.
{ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } أي: لا شك فيه وهذا مما يعين على الصبر فإن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع بل سيجده كاملا هان عليه ما يلقاه من المكاره ويسر عليه كل عسير واستقل من عمله كل كثير.
{ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ } أي: قد ضعف إيمانهم وقل يقينهم فخفت لذلك أحلامهم وقل صبرهم، فإياك أن يستخفك هؤلاء فإنك إن لم تجعلهم منك على بال وتحذر منهم وإلا استخفوك وحملوك على عدم الثبات على الأوامر والنواهي، والنفس تساعدهم على هذا وتطلب التشبه والموافقة وهذا مما يدل على أن كل مؤمن موقن رزين العقل يسهل عليه الصبر، وكل ضعيف اليقين ضعيف [العقل] خفيفه.
فالأول بمنزلة اللب والآخر بمنزلة القشور فاللّه المستعان
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #516  
قديم 04-08-2010, 06:09 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
افتراضي

لله الحمد والمنة والثناء الحسن
تم

الانتهاء من تفسير سورة الروم

و نتابع بإذن المولى أسباب

نزول سورة لقمان

فما كان من التوفيق فمن الله و رسوله



و إن كان خطأ فمن النفس و الشيطان
  • هذا رابط للاستماع لمختلف القراءات لمختلف مشايخ المسلمين
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #517  
قديم 04-08-2010, 06:18 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
Mnn

31- تفسيرسورة لقمان عدد آياتها 34

وهي مكية

{ 1 - 5 }

{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }

يشير تعالى إشارة دالة على التعظيم إلى { آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ } أي: آياته محكمة، صدرت من حكيم خبير.
من إحكامها، أنها جاءت بأجل الألفاظ وأفصحها، وأبينها، الدالة على أجل المعاني وأحسنها. ومن إحكامها، أنها محفوظة من التغيير والتبديل، والزيادة والنقص، والتحريف. ومن إحكامها: أن جميع ما فيها من الأخبار السابقة واللاحقة، والأمور الغيبية كلها، مطابقة للواقع، مطابق لها الواقع، لم يخالفها كتاب من الكتب الإلهية، ولم يخبر بخلافها، نبي من الأنبياء، [ ولم يأت ولن يأتي علم محسوس ولا معقول صحيح، يناقض ما دلت عليه ]
ومن إحكامها: أنها ما أمرت بشيء، إلا وهو خالص المصلحة، أو راجحها، ولا نهت عن شيء، إلا وهو خالص المفسدة أو راجحها، وكثيرا ما يجمع بين الأمر بالشيء، مع ذكر [ حكمته ] فائدته، والنهي عن الشيء، مع ذكر مضرته.
ومن إحكامها: أنها جمعت بين الترغيب والترهيب، والوعظ البليغ، الذي تعتدل به النفوس الخيرة، وتحتكم، فتعمل بالحزم.
ومن إحكامها: أنك تجد آياته المتكررة، كالقصص، والأحكام ونحوها، قد اتفقت كلها وتواطأت، فليس فيها تناقض، ولا اختلاف. فكلما ازداد بها البصير تدبرا، وأعمل فيها العقل تفكرا، انبهر عقله، وذهل لبه من التوافق والتواطؤ، وجزم جزما لا يمترى فيه، أنه تنزيل من حكيم حميد.
ولكن - مع أنه حكيم - يدعو إلى كل خلق كريم، وينهى عن كل خلق لئيم، أكثر الناس محرومون الاهتداء به، معرضون عن الإيمان والعمل به، إلا من وفقه اللّه تعالى وعصمه، وهم المحسنون في عبادة ربهم والمحسنون إلى الخلق.
فإنه { هُدًى } لهم، يهديهم إلى الصراط المستقيم، ويحذرهم من طرق الجحيم، { وَرَحْمَة } لهم، تحصل لهم به السعادة في الدنيا والآخرة، والخير الكثير، والثواب الجزيل، والفرح والسرور، ويندفع عنهم الضلال والشقاء.
ثم وصف المحسنين بالعلم التام، وهو اليقين الموجب للعمل والخوف من عقاب اللّه، فيتركون معاصيه، ووصفهم بالعمل، وخص من العمل، عملين فاضلين: الصلاة المشتملة على الإخلاص، ومناجاة اللّه تعالى، والتعبد العام للقلب واللسان، والجوارح المعينة، على سائر الأعمال، والزكاة التي تزكي صاحبها من الصفات الرذيلة، وتنفع أخاه المسلم، وتسد حاجته، ويبين بها أن العبد يؤثر محبة اللّه على محبته للمال، فيخرجه محبوبه من المال، لما هو أحب إليه، وهو طلب مرضاة اللّه.
فـ { أُولَئِكَ } هم المحسنون الجامعون بين العلم التام، والعمل { عَلَى هُدًى } أي: عظيم كما يفيده التنكير، وذلك الهدى حاصل لهم، وواصل إليهم { مِنْ رَبِّهِمْ } الذي لم يزل يربيهم بالنعم; ويدفع عنهم النقم.
وهذا الهدى الذي أوصله إليهم، من تربيته الخاصة بأوليائه، وهو أفضل أنواع التربية. { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } الذين أدركوا رضا ربهم، وثوابه الدنيوي والأخروي، وسلموا من سخطه وعقابه، وذلك لسلوكهم طريق الفلاح، الذي لا طريق له غيرها.
ولما ذكر تعالى المهتدين بالقرآن، المقبلين عليه، ذكر من أعرض عنه، ولم يرفع به رأسا، وأنه عوقب على ذلك، بأن تعوض عنه كل باطل من القول، فترك أعلى الأقوال، وأحسن الحديث، واستبدل به أسفل قول وأقبحه، فلذلك قال:

{ 6 - 9 }

{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ * خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

أي: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ } هو محروم مخذول { يَشْتَرِي } أي: يختار ويرغب رغبة من يبذل الثمن في الشيء. { لَهْوَ الْحَدِيثِ } أي: الأحاديث الملهية للقلوب، الصادَّة لها عن أجلِّ مطلوب. فدخل في هذا كل كلام محرم، وكل لغو، وباطل، وهذيان من الأقوال المرغبة في الكفر، والفسوق، والعصيان، ومن أقوال الرادين على الحق، المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق، ومن غيبة، ونميمة، وكذب، وشتم، وسب، ومن غناء ومزامير شيطان، ومن الماجريات الملهية، التي لا نفع فيها في دين ولا دنيا.
فهذا الصنف من الناس، يشتري لهو الحديث، عن هدي الحديث { لِيُضِلَّ } الناس { بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي: بعدما ضل بفعله، أضل غيره، لأن الإضلال، ناشئ عن الضلال.
وإضلاله في هذا الحديث; صده عن الحديث النافع، والعمل النافع، والحق المبين، والصراط المستقيم.
ولا يتم له هذا، حتى يقدح في الهدى والحق، ويتخذ آيات اللّه هزوا ويسخر بها، وبمن جاء بها، فإذا جمع بين مدح الباطل والترغيب فيه، والقدح في الحق، والاستهزاء به وبأهله، أضل من لا علم عنده وخدعه بما يوحيه إليه، من القول الذي لا يميزه ذلك الضال، ولا يعرف حقيقته.
{ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } بما ضلوا وأضلوا، واستهزءوا [بآيات اللّه] وكذبوا الحق الواضح.
ولهذا قال { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا } ليؤمن بها وينقاد لها، { وَلَّى مُسْتَكْبِرًا } أي: أدبر إدبار مستكبر عنها، رادٍّ لها، ولم تدخل قلبه ولا أثرت فيه، بل أدبر عنها { كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا } بل { كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا } أي: صمما لا تصل إليه الأصوات; فهذا لا حيلة في هدايته.
{ فَبَشِّرْهُ } بشارة تؤثر في قلبه الحزن والغم; وفي بشرته السوء والظلمة والغبرة. { بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } مؤلم لقلبه; ولبدنه; لا يقادر قدره; ولا يدرى بعظيم أمره، وهذه بشارة أهل الشر، فلا نِعْمَتِ البشارة.
وأما بشارة أهل الخير فقال: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } جمعوا بين عبادة الباطن بالإيمان، والظاهر بالإسلام، والعمل الصالح.
{ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ } بشارة لهم بما قدموه، وقرى لهم بما أسلفوه. { خَالِدِينَ فِيهَا } أي: في جنات النعيم، نعيم القلب والروح، والبدن.
{ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا } لا يمكن أن يخلف، ولا يغير، ولا يتبدل. { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } كامل العزة، كامل الحكمة، من عزته وحكمته، وفق من وفق، وخذل من خذل، بحسب ما اقتضاه علمه فيهم وحكمته.
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #518  
قديم 04-08-2010, 06:24 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
Mnn

{ 10 - 11 }

{ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }

يتلو تعالى على عباده، آثارا من آثار قدرته، وبدائع من بدائع حكمته، ونعما من آثار رحمته، فقال: { خَلْقِ السَّمَاوَاتِ } السبع على عظمها، وسعتها، وكثافتها، وارتفاعها الهائل.
{ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } أي: ليس لها عمد، ولو كان لها عمد لرئيت، وإنما استقرت واستمسكت، بقدرة اللّه تعالى.
{ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ } أي: جبالا عظيمة، ركزها في أرجائها وأنحائها، لئلا { تَمِيدَ بِكُمْ } فلولا الجبال الراسيات لمادت الأرض، ولما استقرت بساكنيها.
{ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ } أي: نشر في الأرض الواسعة، من جميع أصناف الدواب، التي هي مسخرة لبني آدم، ولمصالحهم، ومنافعهم. ولما بثها في الأرض، علم تعالى أنه لا بد لها من رزق تعيش به، فأنزل من السماء ماء مباركا، { فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } المنظر، نافع مبارك، فرتعت فيه الدواب المنبثة، وسكن إليه كل حيوان.
{ هَذَا } أي: خلق العالم العلوي والسفلي، من جماد، وحيوان، وسَوْقِ أرزاق الخلق إليهم
{ خَلق اللَّه } وحده لا شريك له، كل مقر بذلك حتى أنتم يا معشر المشركين.
{ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } أي: الذين جعلتموهم له شركاء، تدعونهم وتعبدونهم، يلزم على هذا، أن يكون لهم خلق كخلقه، ورزق كرزقه، فإن كان لهم شيء من ذلك فأرونيه، ليصح ما ادعيتم فيهم من استحقاق العبادة.
ومن المعلوم أنهم لا يقدرون أن يروه شيئا من الخلق لها، لأن جميع المذكورات، قد أقروا أنها خلق اللّه وحده، ولا ثَمَّ شيء يعلم غيرها، فثبت عجزهم عن إثبات شيء لها تستحق به أن تعبد.
ولكن عبادتهم إياها، عن غير علم وبصيرة، بل عن جهل وضلال، ولهذا قال:
{ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } أي: جَلِيٍّ واضح حيث عبدوا من لا يملك نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، وتركوا الإخلاص للخالق الرازق المالك لكل الأمور.
{ 12 - 19 }

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } إلى آخر القصة.

يخبر تعالى عن امتنانه على عبده الفاضل لقمان، بالحكمة، وهي العلم [بالحق] على وجهه وحكمته، فهي العلم بالأحكام، ومعرفة ما فيها من الأسرار والإحكام، فقد يكون الإنسان عالما، ولا يكون حكيما.
وأما الحكمة، فهي مستلزمة للعلم، بل وللعمل، ولهذا فسرت الحكمة بالعلم النافع، والعمل الصالح.
ولما أعطاه اللّه هذه المنة العظيمة، أمره أن يشكره على ما أعطاه، ليبارك له فيه، وليزيده من فضله، وأخبره أن شكر الشاكرين، يعود نفعه عليهم، وأن من كفر فلم يشكر اللّه، عاد وبال ذلك عليه. والله غني [عنه] حميد فيما يقدره ويقضيه، على من خالف أمره، فغناه تعالى، من لوازم ذاته، وكونه حميدا في صفات كماله، حميدا في جميل صنعه، من لوازم ذاته، وكل واحد من الوصفين، صفة كمال، واجتماع أحدهما إلى الآخر، زيادة كمال إلى كمال.
واختلف المفسرون، هل كان لقمان نبيا، أو عبدا صالحا؟ واللّه تعالى لم يذكر عنه إلا أنه آتاه الحكمة، وذكر بعض ما يدل على حكمته في وعظه لابنه، فذكر أصول الحكمة وقواعدها الكبار فقال: { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ }
أو قال له قولا به يعظه بالأمر، والنهي، المقرون بالترغيب والترهيب، فأمره بالإخلاص، ونهاه عن الشرك، وبيَّن له السبب في ذلك فقال: { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } ووجه كونه عظيما، أنه لا أفظع وأبشع ممن سَوَّى المخلوق من تراب، بمالك الرقاب، وسوَّى الذي لا يملك من الأمر شيئا، بمن له الأمر كله، وسوَّى الناقص الفقير من جميع الوجوه، بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه، وسوَّى من لم ينعم بمثقال ذرة [من النعم] بالذي ما بالخلق من نعمة في دينهم، ودنياهم وأخراهم، وقلوبهم، وأبدانهم، إلا منه، ولا يصرف السوء إلا هو، فهل أعظم من هذا الظلم شيء؟؟!
وهل أعظم ظلما ممن خلقه اللّه لعبادته وتوحيده، فذهب بنفسه الشريفة، [فجعلها في أخس المراتب] جعلها عابدة لمن لا يسوى شيئا، فظلم نفسه ظلما كبيرا.
ولما أمر بالقيام بحقه، بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد، أمر بالقيام بحق الوالدين فقال: { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ } أي: عهدنا إليه، وجعلناه وصية عنده، سنسأله عن القيام بها، وهل حفظها أم لا؟ فوصيناه { بِوَالِدَيْهِ } وقلنا له: { اشْكُرْ لِي } بالقيام بعبوديتي، وأداء حقوقي، وأن لا تستعين بنعمي على معصيتي. { وَلِوَالِدَيْكَ } بالإحسان إليهما بالقول اللين، والكلام اللطيف، والفعل الجميل، والتواضع لهما، [وإكرامهما] وإجلالهما، والقيام بمئونتهما واجتناب الإساءة إليهما من كل وجه، بالقول والفعل.
فوصيناه بهذه الوصية، وأخبرناه أن { إِلَيَّ الْمَصِيرُ } أي: سترجع أيها الإنسان إلى من وصاك، وكلفك بهذه الحقوق، فيسألك: هل قمت بها، فيثيبك الثواب الجزيل؟ أم ضيعتها، فيعاقبك العقاب الوبيل؟.
ثم ذكر السبب الموجب لبر الوالدين في الأم، فقال: { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ } أي: مشقة على مشقة، فلا تزال تلاقي المشاق، من حين يكون نطفة، من الوحم، والمرض، والضعف، والثقل، وتغير الحال، ثم وجع الولادة، ذلك الوجع الشديد.
ثم { فِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } وهو ملازم لحضانة أمه وكفالتها ورضاعها، أفما يحسن بمن تحمل على ولده هذه الشدائد، مع شدة الحب، أن يؤكد على ولده، ويوصي إليه بتمام الإحسان إليه؟
{ وَإِنْ جَاهَدَاكَ } أي: اجتهد والداك { عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا } ولا تظن أن هذا داخل في الإحسان إليهما، لأن حق اللّه، مقدم على حق كل أحد، و "لا طاعة لمخلوق، في معصية الخالق"
ولم يقل: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فعقهما" بل قال: { فَلَا تُطِعْهُمَا } أي: بالشرك، وأما برهما، فاستمر عليه، ولهذا قال: { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } أي: صحبة إحسان إليهما بالمعروف، وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي، فلا تتبعهما.
{ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } وهم المؤمنون باللّه، وملائكته وكتبه، ورسله، المستسلمون لربهم، المنيبون إليه.
واتباع سبيلهم، أن يسلك مسلكهم في الإنابة إلى اللّه، التي هي انجذاب دواعي القلب وإراداته إلى اللّه، ثم يتبعها سعي البدن، فيما يرضي اللّه، ويقرب منه.
{ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } الطائع والعاصي، والمنيب، وغيره { فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فلا يخفى على اللّه من أعمالهم خافية.
{ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ } التي هي أصغر الأشياء وأحقرها، { فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ } أي في وسطها { أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ } في أي جهة من جهاتهما { يَأْتِ بِهَا اللَّهُ } لسعة علمه، وتمام خبرته وكمال قدرته، ولهذا قال: { إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } أي: لطف في علمه وخبرته، حتى اطلع على البواطن والأسرار، وخفايا القفار والبحار.
والمقصود من هذا، الحث على مراقبة اللّه، والعمل بطاعته، مهما أمكن، والترهيب من عمل القبيح، قَلَّ أو كَثُرَ.
{ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ } حثه عليها، وخصها لأنها أكبر العبادات البدنية، { وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ } وذلك يستلزم العلم بالمعروف ليأمر به، والعلم بالمنكر لينهى عنه.
والأمر بما لا يتم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر إلا به، من الرفق، والصبر، وقد صرح به في قوله: { وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ } ومن كونه فاعلا لما يأمر به، كافًّا لما ينهى عنه، فتضمن هذا، تكميل نفسه بفعل الخير وترك الشر، وتكميل غيره بذلك، بأمره ونهيه.
ولما علم أنه لا بد أن يبتلى إذا أمر ونهى وأن في الأمر والنهي مشقة على النفوس، أمره بالصبر على ذلك فقال: { وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ } الذي وعظ به لقمان ابنه { مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } أي: من الأمور التي يعزم عليها، ويهتم بها، ولا يوفق لها إلا أهل العزائم.
{ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } أي: لا تُمِلْهُ وتعبس بوجهك الناس، تكبُّرًا عليهم، وتعاظما.
{ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا } أي: بطرا، فخرا بالنعم، ناسيا المنعم، معجبا بنفسك. { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ } في نفسه وهيئته وتعاظمه { فَخُور } بقوله.
{ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ } أي: امش متواضعا مستكينا، لا مَشْيَ البطر والتكبر، ولا مشي التماوت.
{ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ } أدبا مع الناس ومع اللّه، { إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ } أي أفظعها وأبشعها { لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة، لما اختص بذلك الحمار، الذي قد علمت خسته وبلادته.
وهذه الوصايا، التي وصى بها لقمان لابنه، تجمع أمهات الحكم، وتستلزم ما لم يذكر منها، وكل وصية يقرن بها ما يدعو إلى فعلها، إن كانت أمرا، وإلى تركها إن كانت نهيا.
وهذا يدل على ما ذكرنا في تفسير الحكمة، أنها العلم بالأحكام، وحِكَمِها ومناسباتها، فأمره بأصل الدين، وهو التوحيد، ونهاه عن الشرك، وبيَّن له الموجب لتركه، وأمره ببر الوالدين، وبين له السبب الموجب لبرهما، وأمره بشكره وشكرهما، ثم احترز بأن محل برهما وامتثال أوامرهما، ما لم يأمرا بمعصية، ومع ذلك فلا يعقهما، بل يحسن إليهما، وإن كان لا يطيعهما إذا جاهداه على الشرك. وأمره بمراقبة اللّه، وخوَّفه القدوم عليه، وأنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير والشر، إلا أتى بها.
ونهاه عن التكبر، وأمره بالتواضع، ونهاه عن البطر والأشر، والمرح، وأمره بالسكون في الحركات والأصوات، ونهاه عن ضد ذلك.
وأمره بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة، وبالصبر اللذين يسهل بهما كل أمر، كما قال تعالى: فحقيق بمن أوصى بهذه الوصايا، أن يكون مخصوصا بالحكمة، مشهورا بها. ولهذا من منة اللّه عليه وعلى سائر عباده، أن قص عليهم من حكمته، ما يكون لهم به أسوة حسنة.
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #519  
قديم 04-08-2010, 06:39 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
Mnn

{ 20 - 21 }

{ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ }

يمتن تعالى على عباده بنعمه، ويدعوهم إلى شكرها ورؤيتها; وعدم الغفلة عنها فقال: { أَلَمْ تَرَوْا } أي: تشاهدوا وتبصروا بأبصاركم وقلوبكم، { أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ } من الشمس والقمر والنجوم، كلها مسخرات لنفع العباد.
{ وَمَا فِي الْأَرْضِ } من الحيوانات والأشجار والزروع، والأنهار والمعادن ونحوها كما قال تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا }
{ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ } أي: عمّكم وغمركم نعمه الظاهرة والباطنة التي نعلم بها; والتي تخفى علينا، نعم الدنيا، ونعم الدين، حصول المنافع، ودفع المضار، فوظيفتكم أن تقوموا بشكر هذه النعم; بمحبة المنعم والخضوع له; وصرفها في الاستعانة على طاعته، وأن لا يستعان بشيء منها على معصيته.
{ و } لكن مع توالي هذه النعم; { مِنَ النَّاسِ مَنْ } لم يشكرها; بل كفرها; وكفر بمن أنعم بها; وجحد الحق الذي أنزل به كتبه; وأرسل به رسله، فجعل { يُجَادِلُ فِي اللَّهِ } أي: يجادل عن الباطل; ليدحض به الحق; ويدفع به ما جاء به الرسول من الأمر بعبادة اللّه وحده، وهذا المجادل على غير بصيرة، فليس جداله عن علم، فيترك وشأنه، ويسمح له في الكلام { وَلَا هُدًى } يقتدي به بالمهتدين { وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ } [غير مبين للحق فلا معقول ولا منقول ولا اقتداء بالمهتدين] وإنما جداله في اللّه مبني على تقليد آباء غير مهتدين، بل ضالين مضلين.
ولهذا قال: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ } على أيدي رسله، فإنه الحق، وبينت لهم أدلته الظاهرة { قَالُوا } معارضين ذلك: { بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } فلا نترك ما وجدنا عليه آباءنا لقول أحد كائنا من كان.
قال تعالى في الرد عليهم وعلى آبائهم:
{ أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ } فاستجاب له آباؤهم، ومشوا خلفه، وصاروا من تلاميذ الشيطان، واستولت عليهم الحيرة.
فهل هذا موجب لاتباعهم لهم ومشيهم على طريقتهم، أم ذلك يرهبهم من سلوك سبيلهم، وينادي على ضلالهم، وضلال من اتبعهم.
وليس دعوة الشيطان لآبائهم ولهم، محبة لهم ومودة، وإنما ذلك عداوة لهم ومكر بهم، وبالحقيقة أتباعه من أعدائه، الذين تمكن منهم وظفر بهم، وقرت عينه باستحقاقهم عذاب السعير، بقبول دعوته.

{ 22 - 24 }

{ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ * وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ }

{ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ } أي: يخضع له وينقاد له بفعل الشرائع مخلصا له دينه. { وَهُوَ مُحْسِنٌ } في ذلك الإسلام بأن كان عمله مشروعا، قد اتبع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم.

أو: ومن يسلم وجهه إلى اللّه، بفعل جميع العبادات، وهو محسن فيها، بأن يعبد اللّه كأنه يراه، فإن لم يكن يراه، فإنه يراه.

أو ومن يسلم وجهه إلى اللّه، بالقيام بحقوقه، وهو محسن إلى عباد اللّه، قائم بحقوقهم.
والمعاني متلازمة، لا فرق بينها إلا من جهة [اختلاف] مورد اللفظتين، وإلا فكلها متفقة على القيام بجميع شرائع الدين، على وجه تقبل به وتكمل، فمن فعل ذلك فقد أسلم و { اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } أي: بالعروة التي من تمسك بها، توثق ونجا، وسلم من الهلاك، وفاز بكل خير.

ومن لم يسلم وجهه للّه، أو لم يحسن لم يستمسك بالعروة الوثقى، وإذا لم يستمسك بالعروة الوثقى لم يكن ثَمَّ إلا الهلاك والبوار. { وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } أي: رجوعها وموئلها ومنتهاها، فيحكم في عباده، ويجازيهم بما آلت إليه أعمالهم، ووصلت إليه عواقبهم، فليستعدوا لذلك الأمر.

{ وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ } لأنك أديت ما عليك، من الدعوة والبلاغ، فإذا لم يهتد، فقد وجب أجرك على اللّه، ولم يبق للحزن موضع على عدم اهتدائه، لأنه لو كان فيه خير، لهداه اللّه.

ولا تحزن أيضا، على كونهم تجرأوا عليك بالعداوة، ونابذوك المحاربة، واستمروا على غيهم وكفرهم، ولا تتحرق عليهم، بسبب أنهم ما بودروا بالعذاب.
فإن { إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا } من كفرهم وعداوتهم، وسعيهم في إطفاء نور اللّه وأذى رسله.
{ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } التي ما نطق بها الناطقون، فكيف بما ظهر، وكان شهادة؟"
{ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا } في الدنيا، ليزداد إثمهم، ويتوفر عذابهم، { ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ } أي: [نلجئهم] { إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ } أي: انتهى في عظمه وكبره، وفظاعته، وألمه، وشدته.
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #520  
قديم 04-08-2010, 06:48 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
Mnn

{ 25 - 28 }

{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }

أي: ولئن سألت هؤلاء المشركين المكذبين بالحق { مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } لعلموا أن أصنامهم، ما خلقت شيئا من ذلك ولبادروا بقولهم الله الذي خلقهما وحده.
فـ { قُلِ } لهم ملزما لهم، ومحتجا عليهم بما أقروا به، على ما أنكروا: { الْحَمْدُ لِلَّهِ } الذي بيَّن النور، وأظهر الاستدلال عليكم من أنفسكم، فلو كانوا يعلمون، لجزموا أن المنفرد بالخلق والتدبير، هو الذي يفرد بالعبادة والتوحيد.
ولكن { أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } فلذلك أشركوا به غيره، ورضوا بتناقض ما ذهبوا إليه، على وجه الحيرة والشك، لا على وجه البصيرة، ثم ذكر في هاتين الآيتين نموذجا من سعة أوصافه، ليدعو عباده إلى معرفته، ومحبته، وإخلاص الدين له.
فذكر عموم ملكه، وأن جميع ما في السماوات والأرض - وهذا شامل لجميع العالم العلوي والسفلي - أنه ملكه، يتصرف فيهم بأحكام الملك القدرية، وأحكامه الأمرية، وأحكامه الجزائية، فكلهم عييد مماليك، مدبرون مسخرون، ليس لهم من الملك شيء، وأنه واسع الغنى، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه أحد من الخلق.
{ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ }

وأن أعمال النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، لا تنفع اللّه شيئا وإنما تنفع عامليها، واللّه غني عنهم، وعن أعمالهم، ومن غناه، أن أغناهم وأقناهم في دنياهم وأخراهم.

ثم أخبر تعالى عن سعة حمده، وأن حمده من لوازم ذاته، فلا يكون إلا حميدا من جميع الوجوه، فهو حميد في ذاته، وهو حميد في صفاته، فكل صفة من صفاته، يستحق عليها أكمل حمد وأتمه، لكونها صفات عظمة وكمال، وجميع ما فعله وخلقه يحمد عليه، وجميع ما أمر به ونهى عنه يحمد عليه، وجميع ما حكم به في العباد وبين العباد، في الدنيا والآخرة، يحمد عليه.

ثم أخبر عن سعة كلامه وعظمة قوله، بشرح يبلغ من القلوب كل مبلغ، وتنبهر له العقول، وتحير فيه الأفئدة، وتسيح في معرفته أولو الألباب والبصائر، فقال:
{ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ } يكتب بها
{ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ } مدادا يستمد بها، لتكسرت تلك الأقلام ولفني ذلك المداد، و لم تنفد { كَلِمَاتُ اللَّهِ } تعالى، وهذا ليس مبالغة لا حقيقة له، بل لما علم تبارك وتعالى، أن العقول تتقاصر عن الإحاطة ببعض صفاته، وعلم تعالى أن معرفته لعباده، أفضل نعمة، أنعم بها عليهم، وأجل منقبة حصلوها، وهي لا تمكن على وجهها، ولكن ما لا يدرك كله، لا يترك كله، فنبههم تعالى تنبيها تستنير به قلوبهم، وتنشرح له صدورهم، ويستدلون بما وصلوا إليه إلى ما لم يصلوا إليه، ويقولون كما قال أفضلهم وأعلمهم بربه: "لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك" وإلا، فالأمر أجل من ذلك وأعظم.

وهذا التمثيل من باب تقريب المعنى، الذي لا يطاق الوصول إليه إلى الأفهام والأذهان، وإلا فالأشجار، وإن تضاعفت على ما ذكر، أضعافا كثيرة، والبحور لو امتدت بأضعاف مضاعفة، فإنه يتصور نفادها وانقضاؤها، لكونها مخلوقة.

وأما كلام اللّه تعالى، فلا يتصور نفاده، بل دلنا الدليل الشرعي والعقلي، على أنه لا نفاد له ولا منتهى، وكل شيء ينتهي إلا الباري وصفاته { وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى }
وإذا تصور العقل حقيقة أوليته تعالى وآخريته، وأنه كل ما فرضه الذهن من الأزمان السابقة، مهما تسلسل الفرض والتقدير، فهو تعالى قبل ذلك إلى غير نهاية، وأنه مهما فرضه الذهن والعقل، من الأزمان المتأخرة، وتسلسل الفرض والتقدير، وساعد على ذلك من ساعد، بقلبه ولسانه، فاللّه تعالى بعد ذلك إلى غير غاية ولا نهاية.
واللّه في جميع الأوقات يحكم، ويتكلم، ويقول، ويفعل كيف أراد، وإذا أراد لا مانع له من شيء من أقواله وأفعاله، فإذا تصور العقل ذلك، عرف أن المثل الذي ضربه اللّه لكلامه، ليدرك العباد شيئا منه، وإلا، فالأمر أعظم وأجل.

ثم ذكر جلالة عزته وكمال حكمته فقال: { إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي: له العزة جميعا، الذي ما في العالم العلوي والسفلي من القوة إلا منه، أعطاها للخلق، فلا حول ولا قوة إلا به، وبعزته قهر الخلق كلهم، وتصرف فيهم، ودبرهم، وبحكمته خلق الخلق، وابتدأه بالحكمة، وجعل غايته والمقصود منه الحكمة، وكذلك الأمر والنهي وجد بالحكمة، وكانت غايته المقصودة الحكمة، فهو الحكيم في خلقه وأمره.

ثم ذكر عظمة قدرته وكمالها وأنه لا يمكن أن يتصورها العقل فقال: { مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } وهذا شيء يحير العقول، إن خلق جميع الخلق - على كثرتهم وبعثهم بعد موتهم، بعد تفرقهم في لمحة واحدة - كخلقه نفسا واحدة، فلا وجه لاستبعاد البعث والنشور، والجزاء على الأعمال، إلا الجهل بعظمة اللّه وقوة قدرته.
ثم ذكر عموم سمعه لجميع المسموعات، وبصره لجميع المبصرات فقال: { إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }
{ 29 - 30 }

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }

وهذا فيه أيضا، انفراده بالتصرف والتدبير، وسعة تصرفه بإيلاج الليل في النهار، وإيلاج النهار في الليل، أي: إدخال أحدهما على الآخر، فإذا دخل أحدهما، ذهب الآخر.
وتسخيره للشمس والقمر، يجريان بتدبير ونظام، لم يختل منذ خلقهما، ليقيم بذلك من مصالح العباد ومنافعهم، في دينهم ودنياهم، ما به يعتبرون وينتفعون.
و { كُلّ } منهما { يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } إذا جاء ذلك الأجل، انقطع جريانهما، وتعطل سلطانهما، وذلك في يوم القيامة، حين تكور الشمس، ويخسف القمر، وتنتهي دار الدنيا، وتبتدئ الدار الآخرة.
{ وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ } من خير وشر { خَبِيرٌ } لا يخفى عليه شيء من ذلك، وسيجازيكم على تلك الأعمال، بالثواب للمطيعين، والعقاب للعاصين.
و { ذَلِكَ } الذي بين لكم من عظمته وصفاته، ما بيَّن { بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ } في ذاته وفي صفاته، ودينه حق، ورسله حق، ووعده حق، ووعيده حق، وعبادته هي الحق.
{ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ } في ذاته وصفاته، فلولا إيجاد اللّه له لما وجد، ولولا إمداده لَمَا بَقِيَ، فإذا كان باطلا، كانت عبادته أبطل وأبطل.
{ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ } بذاته، فوق جميع مخلوقاته، الذي علت صفاته، أن يقاس بها صفات أحد من الخلق، وعلا على الخلق فقهرهم { الْكَبِيرُ } الذي له الكبرياء في ذاته وصفاته، وله الكبرياء في قلوب أهل السماء والأرض.
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #521  
قديم 04-08-2010, 06:51 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
افتراضي

{ 31 - 32 }

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ }

أي: ألم تر من آثار قدرته ورحمته، وعنايته بعباده، أن سخر البحر، تجري فيه الفلك، بأمره القدري [ولطفه وإحسانه، { لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ } ففيها الانتفاع والاعتبار]
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } فهم المنتفعون بالآيات، صبار على الضراء، شكور على السراء، صبار على طاعة اللّه وعن معصيته، وعلى أقداره، شكور للّه، على نعمه الدينية والدنيوية.

وذكر تعالى حال الناس، عند ركوبهم البحر، وغشيان الأمواج كالظل فوقهم، أنهم يخلصون الدعاء [ للّه ] والعبادة: { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ } انقسموا فريقين:
فرقة مقتصدة، أي: لم تقم بشكر اللّه على وجه الكمال، بل هم مذنبون ظالمون لأنفسهم.
وفرقة كافرة بنعمة اللّه، جاحدة لها، ولهذا قال: { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ } أي غدار، ومن غدره، أنه عاهد ربه، لئن أنجيتنا من البحر وشدته، لنكونن من الشاكرين، فغدر ولم يف بذلك، { كَفُور } بنعم اللّه. فهل يليق بمن نجاهم اللّه من هذه الشدة، إلا القيام التام بشكر نعم اللّه؟

{ 33 }

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ }

يأمر تعالى الناس بتقواه، التي هي امتثال أوامره، وترك زواجره، ويستلفتهم لخشية يوم القيامة، اليوم الشديد، الذي فيه كل أحد لا يهمه إلا نفسه فـ { لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا } لا يزيد في حسناته ولا ينقص من سيئاته، قد تم
على كل عبد عمله، وتحقق عليه جزاؤه.

فلفت النظر في هذا لهذا اليوم المهيل، مما يقوي العبد ويسهِّل عليه تقوى اللّه، وهذا من رحمة اللّه بالعباد، يأمرهم بتقواه التي فيها سعادتهم، ويعدهم عليها الثواب، ويحذرهم من العقاب، ويزعجهم إليه بالمواعظ والمخوفات، فلك الحمد يا رب العالمين.
{ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } فلا تمتروا فيه، ولا تعملوا عمل غير المصدق، فلهذا قال:
{ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا } بزينتها وزخارفها وما فيها من الفتن والمحن.
{ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } الذي هو الشيطان، الذي ما زال يخدع الإنسان ولا يغفل عنه في جميع الأوقات، فإن للّه على عباده حقا، وقد وعدهم موعدا يجازيهم فيه بأعمالهم، وهل وفوا حقه أم قصروا فيه.

وهذا أمر يجب الاهتمام به، وأن يجعله العبد نصب عينيه، ورأس مال تجارته، التي يسعى إليها.
ومن أعظم العوائق عنه والقواطع دونه، الدنيا الفتانة، والشيطان الموسوس الْمُسَوِّل، فنهى تعالى عباده، أن تغرهم الدنيا، أو يغرهم باللّه الغرور
{ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا }

{ 34 }

{ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }

قد تقرر أن اللّه تعالى أحاط علمه بالغيب والشهادة، والظواهر والبواطن، وقد يطلع اللّه عباده على كثير من الأمور الغيبية، وهذه [الأمور] الخمسة، من الأمور التي طوى علمها عن جميع المخلوقات، فلا يعلمها نبي مرسل، ولا ملك مقرب، فضلا عن غيرهما، فقال: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } أي: يعلم متى مرساها، كما قال تعالى:

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً } الآية.

{ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ } أي: هو المنفرد بإنزاله، وعلم وقت نزوله.
{ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ } فهو الذي أنشأ ما فيها، وعلم ما هو، هل هو ذكر أم أنثى، ولهذا يسأل الملك الموكل بالأرحام ربه: هل هو ذكر أم أنثى؟ فيقضي اللّه ما يشاء.
{ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا } من كسب دينها ودنياها، { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } بل اللّه تعالى، هو المختص بعلم ذلك جميعه.

ولما خصص هذه الأشياء، عمم علمه بجميع الأشياء فقال: { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } محيط بالظواهر والبواطن، والخفايا والخبايا، والسرائر، ومن حكمته التامة، أن أخفى علم هذه الخمسة عن العباد، لأن في ذلك من المصالح ما لا يخفى على من تدبر ذلك.
تم تفسير سورة لقمان بفضل اللّه وعونه، والحمد للّه.
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #522  
قديم 04-08-2010, 06:57 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
افتراضي

لله الحمد والمنة والثناء الحسن
تم


الانتهاء من تفسير سورة لقمان


و نتابع بإذن المولى أسباب




نزول سورة السجدة




فما كان من التوفيق فمن الله و رسوله



و إن كان خطأ فمن النفس و الشيطان


هذا رابط للاستماع لمختلف القراءات لمختلف مشايخ المسلمين

__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #523  
قديم 06-08-2010, 10:06 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

تفسير سورة المزمل


يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّل


سُورَة الْمُزَّمِّل [ مَكِّيَّة إلَّا آيَة 20 فَمَدَنِيَّة وَآيَاتهَا عِشْرُونَ آيَة ]
"يَا أَيّهَا الْمُزَّمِّل" النَّبِيّ وَأَصْله الْمُتَزَمِّل أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الزَّاي أَيْ الْمُتَلَفِّف بِثِيَابِهِ حِين مَجِيء الْوَحْي لَهُ خَوْفًا مِنْهُ لِهَيْبَتِهِ
قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا

"قُمْ اللَّيْل" صَلِّ
نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا

"نِصْفه" بَدَل مِنْ قَلِيلًا وَقِلَّته بِالنَّظَرِ إلَى الْكُلّ "أَوْ اُنْقُصْ مِنْهُ" مِنْ النِّصْف "قَلِيلًا" إلَى الثُّلُث
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا

"أَوْ زِدْ عَلَيْهِ" إلَى الثُّلُثَيْنِ وَأَوْ لِلتَّخْيِيرِ "وَرَتِّلْ الْقُرْآن" تَثَبَّتْ فِي تِلَاوَته


إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا

"إنَّا سَنُلْقِي عَلَيْك قَوْلًا" قُرْآنًا "ثَقِيلًا" مُهِيبًا أَوْ شَدِيدًا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّكَالِيف
إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا

"إنَّ نَاشِئَة اللَّيْل" الْقِيَام بَعْد النَّوْم "هِيَ أَشَدّ وَطْئًا" مُوَافَقَة السَّمْع لِلْقَلْبِ عَلَى تَفَهُّم الْقُرْآن "وَأَقْوَم قِيلًا" أَبْيَن قَوْلًا
إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا

"إنَّ لَك فِي النَّهَار سَبْحًا طَوِيلًا" تَصَرُّفًا فِي إشْغَالك لَا تَفْرُغ فِيهِ لِتِلَاوَةِ الْقُرْآن



__________________
رد مع اقتباس
  #524  
قديم 06-08-2010, 10:16 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي


وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا

"وَاذْكُرْ اسْم رَبّك" أَيْ قُلْ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي ابْتِدَاء قِرَاءَتك "وَتَبَتَّلْ" انْقَطِعْ "إلَيْهِ تَبْتِيلًا" مَصْدَر بَتَلَ جِيءَ بِهِ رِعَايَة لِلْفَوَاصِلِ وَهُوَ مَلْزُوم التَّبَتُّل
رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا

هُوَ "رَبّ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب لَا إلَه إلَّا هُوَ فَاِتَّخِذْهُ وَكِيلًا" مُوَكِّلًا لَهُ أُمُورك
وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا

"وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ" أَيْ كُفَّار مَكَّة مِنْ أَذَاهُمْ "وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا" لَا جَزَع فِيهِ وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِقِتَالِهِمْ
وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا

"وَذَرْنِي" اُتْرُكْنِي "وَالْمُكَذِّبِينَ" عَطْف عَلَى الْمَفْعُول أَوْ مَفْعُول مَعَهُ وَالْمَعْنَى أَنَا كَافِيكَهُمْ وَهُمْ صَنَادِيد قُرَيْش "أُولِي النَّعْمَة" التَّنَعُّم "وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا" مِنْ الزَّمَن فَقُتِلُوا بَعْد يَسِير مِنْهُ بِبَدْرٍ
إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا

"إنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا" قُيُودًا ثِقَالًا جَمْع نِكْل بِكَسْرِ النُّون "وَجَحِيمًا" نَارًا مُحْرِقَة
وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا

"وَطَعَامًا ذَا غُصَّة" يَغَصّ بِهِ فِي الْحَلْق وَهُوَ الزَّقُّوم أَوْ الضَّرِيع أَوْ الْغِسْلِين أَوْ شَوْك مِنْ نَار لَا يَخْرُج وَلَا يَنْزِل "وَعَذَابًا أَلِيمًا" مُؤْلِمًا زِيَادَة عَلَى مَا ذُكِرَ لِمَنْ كَذَّبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ





__________________
رد مع اقتباس
  #525  
قديم 06-08-2010, 10:28 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي


يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا

"يَوْم تَرْجُف" تُزَلْزَل "الْأَرْض وَالْجِبَال وَكَانَتْ الْجِبَال كَثِيبًا" رَمْلًا مُجْتَمِعًا "مَهِيلًا" سَائِلًا بَعْد اجْتِمَاعه وَهُوَ مِنْ هَالَ يَهِيل وَأَصْله مَهْيُول اُسْتُثْقِلَتْ الضَّمَّة عَلَى الْيَاء فَنُقِلَتْ إلَى الْهَاء وَحُذِفَتْ الْوَاو ثَانِي السَّاكِنَيْنِ لِزِيَادَتِهَا وَقُلِبَتْ الضَّمَّة كَسْرَة لِمُجَانَسَةِ الْيَاء
إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا

"إنَّا أَرْسَلْنَا إلَيْكُمْ" يَا أَهْل مَكَّة "رَسُولًا" هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "شَاهِدًا عَلَيْكُمْ" يَوْم الْقِيَامَة بِمَا يَصْدُر مِنْكُمْ مِنْ الْعِصْيَان "كَمَا أَرْسَلْنَا إلَى فِرْعَوْن رَسُولًا" هُوَ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا

"فَعَصَى فِرْعَوْن الرَّسُول فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا" شَدِيدًا
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا

"فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إنْ كَفَرْتُمْ" فِي الدُّنْيَا "يَوْمًا" مَفْعُول تَتَّقُونَ أَيْ عَذَابه بِأَيِّ حِصْن تَتَحَصَّنُونَ مِنْ عَذَاب يَوْم "يَجْعَل الْوِلْدَان شِيبًا" جَمْع أَشْيَب لِشِدَّةِ هَوْله وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة وَالْأَصْل فِي شِين شِيبًا الضَّمّ وَكُسِرَتْ لِمُجَانَسَةِ الْيَاء وَيُقَال فِي الْيَوْم الشَّدِيد يَوْم يَشِيب نَوَاصِي الْأَطْفَال وَهُوَ مَجَاز وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمُرَاد فِي الْآيَة الْحَقِيقَة
السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا

"السَّمَاء مُنْفَطِر" ذَات انْفِطَار أَيْ انْشِقَاق "بِهِ" بِذَلِكَ الْيَوْم لِشِدَّتِهِ "كَانَ وَعْده" تَعَالَى بِمَجِيءِ ذَلِكَ "مَفْعُولًا" أَيْ هُوَ كَائِن لَا مَحَالَة




__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, قران


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 06:19 AM.