اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > القسم الإدارى > أرشيف المنتدي

أرشيف المنتدي هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل

 
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #466  
قديم 14-05-2013, 04:54 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

من أقوال الحكماء في العدل

- قال ابن عبد ربه: (قالت الحكماء: مما يجب على السلطان العدل في ظاهر أفعاله لإقامة أمر سلطانه، وفي باطن ضميره لإقامة أمر دينه؛ فإذا فسدت السياسة ذهب السلطان. ومدار السياسة كلها على العدل والإنصاف، لا يقوم سلطان لأهل الكفر والإيمان إلا بهما ولا يدور إلا عليهما، مع ترتيب الأمور مراتبها وإنزالها منازلها) .
- وقيل: (من عمل بالعدل فيمن دونه، رزق العدل ممن فوقه) .
- وقالوا أيضًا: (يوم العدل على الظالم، أشد من يوم الظلم على المظلوم) .
- وقيل: (الملك لا تصلحه إلا الطاعة والرعية لا يصلحها إلا العدل) .
- (وقال عبد الملك بن مروان لبنيه: كلكم يترشح لهذا الأمر، ولا يصلح له منكم إلا من كان له سيف مسلول، ومال مبذول، وعدل تطمئن إليه القلوب) .
- وقيل: (منهل العدل أصفى من المرآة بعد الصقال، ومن قريحة البليغ الصائب في المقال. ومورد الجور أكدر من هناء الطال، ومن الوعد الممزوج بالمطال) .
- وكما قيل أيضًا: (المنصف يبغض حق أخيه فيولِّيه، والجائر مشغوف به فلا يخلِّيه) .
- (وقال أفلاطون: بالعدل ثبات الأشياء، وبالجور زوالها، لأن المعتدل هو الذي لا يزول.
- وقال الإسكندر: لا ينبغي لمن تمسك بالعدل أن يخاف أحدًا، فقد قيل: إن العدول لا يخافون الله تعالى، أي: لا خوف عليهم منه، إذا اتبعوا رضاه وانتهوا إلى أمره.
- وقال ذيو جانس للإسكندر: أيها الملك، عليك بالاعتدال في الأمور، فإن الزيادة عيبٌ، والنقصان عجزٌ.
- وقال الإسكندر لقومٍ من حكماء الهند: أيما أفضل: العدل أو الشجاعة؟
قالوا: إذا استعمل العدل استغني عن الشجاعة) .
- (وقال أردشير لابنه: يا بني، إنّ الملك والعدل أخوان لا غنى بأحدهما عن صاحبه فالملك أسٌّ والعدل حارس، وما لم يكن أسٌّ فمهدوم، وما لم يكن له حارس فضائع) .
- وقيل: (يُبقي الملك ثلاثة: العدل وحسن التدبير، وفعل الخير) .
- وقيل أيضًا: (عدل السلطان أنفع للرعية من خصب الزمان) .
__________________
  #467  
قديم 14-05-2013, 04:58 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

العدل في واحة الشعر
قال ابن حزم:


زمامُ أُصولِ جميع الفضائلِ***عدلٌ وفهمٌ وجُودٌ وباسُ



فمِن هذه رُكِّبت غيرُها فمَن ***حازها فهو في الناس راسُ



كذا الرأسُ فيه الأمورُ التي ***بإحساسها يُكشفُ الالتباسُ



وقال الزمخشري: قدم المنصور البصرة قبل الخلافة، فنزل بواصل بن عطاء، فقال: أبيات بلغتني عن سليمان بن يزيد العدوي في العدل، فمرَّ بنا إليه، فأشرف عليهم من غرفة، فقال لواصل: من هذا الذي معك؟ قال: عبد الله ابن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، فقال: رحب على رحب ، وقرب إلى قرب، فقال: يحب أن يستمع إلى أبياتك في العدل، فأنشده:


حتَّى متى لا نرَى عدلًا نُسَرُّ به ***ولا نرَى لِوُلاةِ الحقِّ أعوانا



مستمسكين بحقٍّ قائمين به ***إذا تلَّون أهلُ الجوْرِ ألوانا



يا للرجالِ لدَاءٍ لا دواءَ له***وقائدٍ ذي عمَى يقتادُ عُميانا



وقال آخر:


أدِّ الأمانةَ والخيانةَ فاجتنبْ ***واعدلْ ولا تظلمْ يطيب المكسبُ



وقال أبو الفتح البستي:


عليك بالعدلِ إن وُلِّيت مملكةً ***واحذرْ مِن الجوْرِ فيها غايةَ الحذرِ



فالملك يبقَى على عدلِ الكفورِ ولا ***يبقَى مع الجوْرِ في بدْوٍ ولا حَضَرِ



وقال آخر:


عن العدلِ لا تعدلْ وكنْ متيقِّظًا ***وحكمُك بين النَّاس فليكُ بالقسطِ



وبالرِّفقِ عاملْهم وأحسنْ إليهمُ ***ولا تبدلنَّ وجه الرِّضا منك بالسَّخطِ



وحَلِّ بدُرِّ الحقِّ جِيد نظامِه ***وراقبْ إله الخلق في الحلِّ والربطِ


__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 14-05-2013 الساعة 05:03 PM
  #468  
قديم 14-05-2013, 05:05 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

العِزَّة

معنى العِزَّة لغةً واصطلاحًا

معنى العِزَّة لغةً:
العِزُّ: خلاف الذُلِّ. وهو في الأصل: القُوَّة والشِّدَّة والغَلَبَة والرِّفعة والامْتِنَاع. يقال: عَزَّ يَعَزُّ -بالفتح للمضارع-: إذا اشتَدَّ وقَوِيَ، وبالكسر للمضارع: إذا قَوِيَ وامتَنَع، وبالضَّم: إذا غَلَب وقَهَر. ويقال: عَزَّ فلانٌ، أي: صَار عَزِيزًا، أي: قَوِيَ بعد ذِلَّة. وأعَزَّهُ الله. وهو يَعْتَزُّ بفلان، ورَجُلٌ عَزِيزٌ: مَنِيعٌ، لَا يُغْلب، وَلَا يُقْهر. وعَزَّ الشَّيء: إذا لم يُقْدَر عليه، وعَزَّ الشَّخص: قَوِيَ وبَرِئ من الذُّل .
فهذه المادة في كلام العرب لا تخرج عن معانٍ ثلاثةٍ:
(أحدها: بمعنى الغَلَبَة، يقولون: مَنْ عَزَّ بَزَّ. أي: من غَلَبَ سَلَبَ، يقال منه: عَزَّ يَعُزُّ، ومنه قوله تعالى وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ [ص: 23].
والثَّاني: بمعنى الشِّدَّة والقُوَّة، يقال منه: عَزَّ يَعَزُّ.
والثَّالث: أن يكون بمعنى نَفَاسَة القَدْر، يقال منه: عَزَّ يَعِزُّ) .
معنى العِزَّة اصطلاحًا:
العِزَّة: حالة مانعة للإنسان من أن يُغْلَب .
وقيل: العِزَّة: القُوَّة والغَلَبَة والحَمِيَّة والأَنَفَة .
وقيل: العِزَّة: التَّأَبِّي عن حمل المذَلَّة، وقيل: الـتَّــرَفُّع عمَّا تَلْحَقه غَضَاضَة .
__________________
  #469  
قديم 14-05-2013, 05:06 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الفرق بين الشَّرَف والعِزَّة
أنَّ العِزَّة تتضمَّن معنى الغَلَبَة والامْتِنَاع. فأمَّا قولهم: عَزَّ الطَّعام، فهو عَزِيزٌ، فمعناه: قَلَّ حتى لا يُقْدَر عليه، فشُبِّه بمن لا يُقْدَر عليه، لقُوَّته ومَنْعَته؛ لأنَّ العِزَّ بمعنى القِلَّة. والشَّرَف إنما هو في الأصل شَرَفُ المكان، ومنه قولهم: أَشْرَف فلان على الشَّيء، إذا صار فَوْقَه، ومنه قيل: شُرْفَة القصر، وأَشْرَف على التَّلَف، إذا قَارَبَه، ثمَّ استُعْمِل في كَرَم النَّسَب، فقيل للقرشي: شَرِيف. وكلُّ من له نسب مذكور عند العرب: شَرِيف. ولهذا لا يقال لله تعالى: شَرِيف، كما يقال له: عَزِيز
__________________
  #470  
قديم 14-05-2013, 05:09 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

أهمية العِزَّة

العِزَّة والإيمان صِنْوَان لا يفترقان، فمتى وَقَرَ الإيمان في قلب الرَّجل، وتشبَّع به كيَانُه، واختلط بشِغَاف قلبه، تشرَّب العِزَّة مباشرةً، فانبثقت منه أقوال وأفعال صادرة عن شعور عظيم بالفَخْر والاستعْلاء، لا فخرًا واستعلاءً على المؤمنين، بل هو على الكافرين. بل يَنْتُج -أيضًا- عن هذا الخُلُق الكريم، صِدْقُ الانتماء لهذا الدِّين، وقُوَّةُ الرَّابط مع أهله، والتَّواضُع لهم، والرَّحمة بهم.
قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ. [المنافقون: 8] (فجعل العِزَّة صِنْو الإيمان في القلب المؤمن؛ العِزَّة المستمدَّة من عِزَّته تعالى، العِزَّة التي لا تَهُون ولا تَهُن، ولا تنحني ولا تلين، ولا تُــزَايل القلب المؤمن في أحرج اللَّحظات، إلَّا أن يتضَعْضَع فيه الإيمان، فإذا استقرَّ الإيمان ورسخ، فالعِزَّة معه مستقِرَّة راسخة؛ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ، وكيف يعلمون وهم لا يتذوَّقون هذه العِزَّة، ولا يتَّصِلون بمصدرها الأصيل؟!) .
والعِزَّة تَنْتُج عن معرفة الإنسان لنفسه، وتقديره لها، وترفُّعه بها عن أن تصيب الدَّنايا، أو تُصَاب بها، أو أن تَخْنَع لغير الله عزَّ وجلَّ أو أن تركع لسواه، أو أن تُدَاهن، وتحابي في دين الله عزَّ وجلَّ ، أو أن ترضى بالدَّنيَّة فيه، فهي نتيجة طبيعيَّة لهذه المعرفة، كما أنَّ الكِبْر نتيجة طبيعيَّة للجهل بقيمة هذه النَّفس وبمقدارها، يقول الراغب الأصفهاني: (العِزَّة: منزلة شريفة، وهي نتيجة معرفة الإنسان بقدر نفسه، وإكرامها عن الضَّراعة للأعراض الدُّنيويَّة، كما أنَّ الكِبْر نتيجة جهل الإنسان بقدر نفسه، وإنزالها فوق منزلتها) .
والعِزَّة في الإسلام الحنيف، يستشعرها الدَّاخل في الإسلام بمجرَّد نُطْقه للشَّهادتين، فهو قد دخل في دين الحقِّ، الذي لا يضاهيه دين، والذي أظهره الله على الدِّين كلِّه، ولولا اتِّصافه بهذه الصَّفات ما دخل فيه، ولا استسلم وخضع لأحكامه وتشريعاته، قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التَّوبة: 33]، وفي سورة الفتح: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [الفتح: 28].
ومما يُظْهِر فضيلة هذه الصِّفة ومَزِيَّتها: أنَّ الله قد تسمَّى بها في كتابه، فسمَّى نفسه: العزيز، أي: الغَاِلب الذي لا يُقْهر، واتَّصف بصفة العِزَّة الذي تضمَّنها الاسم. قال ابن بطَّال: (العزيز يتضمَّن العِزَّة، والعِزَّةُ يُحْتَمل أن تكون صفة ذات، بمعنى القُدْرَة والعظمة، وأن تكون صفة فعل، بمعنى القَهْر لمخلوقاته، والغَلَبَة لهم، ولذلك صحَّت إضافة اسمه إليها) .
وقال الغزالي: (العزيز: هو الخَطِير الذي يَقِلُّ وجود مِثْله، وتشتدُّ الحاجة إليه، ويصعُب الوصول إليه، فما لم يجتمع عليه هذه المعاني الثَّلاثة، لم يُطْلَق عليه اسم العزيز... ثمَّ في كلِّ واحد من المعاني الثَّلاثة كمال ونقصان، والكمال في قلَّة الوجود: أن يرجع إلى واحد، إذْ لا أقلَّ من الواحد، ويكون بحيث يستحيل وجود مِثْله، وليس هذا إلا الله تعالى؛... وشدَّة الحاجة: أن يحتاج إليه كلُّ شيء في كلِّ شيء، حتى في وجوده وبقائه وصفاته، وليس ذلك -على الكمال- إلَّا لله عزَّ وجلَّ ، والكمال في صعوبة المنَال: أن يستحيل الوصول إليه على معنى الإحاطة بكُنْهِه، وليس ذلك -على الكمال- إلَّا لله عزَّ وجلَّ ، فإنَّا قد بيَّنَّا أنَّه لا يَعرف اللهَ إلَّا الله؛ فهو العزيز المطْلَق الحقُّ، لا يوازيه فيه غيره) .
ويقول ابن القيِّم: (والعِزَّة يُرَاد بها ثلاثة معان: عِزَّة القُوَّة، وعِزَّة الامْتِنَاع، وعِزَّة القَهْر، والرَّبُّ -تبارك وتعالى- له العِزَّة التَّامة بالاعتبارات الثَّلاث) .
كما أنَّه سَمَّى نفسه المعِزَّ، فهو الذي يَهَب العِزَّة لمن يشاء، كما أنَّه يُذِلُّ من يشاء، قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26]، فهو المعِزُّ الحقيقي لمن يشاء إعزازه من البَشَر، بما يُقيِّض له من الأسباب الموجِبَة للعِزِّ.
إذن فهو عزيز في ذاته، فلا يَحْصُل له الغَلَبَة والقَهْر من أحدٍ سبحانه وتعالى، ومُعِزٌّ لمن شاء من خَلْقه متى شاء، وكَيْفَمَا شاء.
__________________
  #471  
قديم 15-05-2013, 08:09 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

أولًا: في القرآن الكريم

لم يفتأ كتاب الله عزَّ وجلَّ يبثُّ في قلب المؤمن وروحه هذا الشُّعور العظيم، الشُّعور بالعِزَّة المستمدَّة من عِزَّة هذا الدِّين وقُـوَّته، والمسْتَلْهَمة من آيات كتابه وتعاليمه، عِزَّةٌ تجعله يترفَّع عن كلِّ ما من شأنه أن يَحُطَّ من قدره، أو يُرْغِمه على إعطاء الدَّنيَّة في دينه.
ففي العديد من آيات الكتاب الكريم، ينبِّه المولى -تبارك وتعالى- على هذه القضيَّة، والتي ينبغي على المؤمن أن يجعلها نُصْب عينيه، فلا يغفل عنها، ولا يتساهل بها؛ لأنَّ الإسلام إنَّما جاء بالعِزَّة لأتباعه والرِّفعة لأوليائه.
وقبل أن نشْرَع في ذكر الآيات التي تحثُّ على صفة العزة وتدعو إليها، نذكر قول ابن الجوزي وهو يتحدَّث عن العِزَّة في القرآن، فيقول:
(ذكر بعض المفسِّرين أنَّ العِزَّة في القرآن على ثلاثة أوجه:
أحدها: العَظَمَة. ومنه قوله تعالى في سورة الشُّعراء: وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ [الشُّعراء:44]، وفي ص: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص: 82].
والثَّاني: المنْعَة. ومنه قوله تعالى في سورة النِّساء: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النِّساء: 139].
والثَّالث: الحَمِيَّة. ومنه قوله تعالى في سورة البقرة: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ [البقرة: 206]، وفي سورة ص: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ [ص: 2]) .
- قال الله تبارك وتعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر: 10].
(أي: من كان يَوَدُّ أن يكون عزيزًا في الدُّنْيا والآخرة، فليلزم طاعة الله تعالى، فإنَّ بها تُنَال العِزَّة؛ إذْ لله العِزَّة فيهما جميعًا) .
ويقول الشِّنقيطي: (بيَّن -جلَّ وعلا- في هذه الآية الكريمة: أنَّ من كان يريد العِزَّة، فإنَّها جميعها لله وحده، فليطلبها منه، وليتسبَّب لنيلها بطاعته -جلَّ وعلا- فإنَّ مَنْ أطاعه، أعطاه العِزَّة في الدُّنْيا والآخرة) . و(هذه الحقيقة كفيلة -حين تستقرُّ في القلوب- أن تبدِّل المعايير كلَّها، وتبدِّل الوسائل والخطط أيضًا! إنَّ العِزَّة كلَّها لله، وليس شيء منها عند أحد سواه، فمن كان يريد العِزَّة، فليطلبها من مصدرها الذي ليس لها مصدر غيره. ليطلبها عند الله، فهو واجدها هناك، وليس بواجدها عند أحد، ولا في أي كَنَف، ولا بأي سبب فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) .
- وقال الله تبارك وتعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]، وهنا ( يضمُّ الله -سبحانه- رسوله والمؤمنين إلى جانبه، ويُضْفِي عليهم من عِزَّته، وهو تكريم هائل، لا يكرِّمه إلا الله! وأي تكريم بعد أن يُوقِف الله -سبحانه- رسوله والمؤمنين معه إلى جواره، ويقول: ها نحن أُولاء! هذا لواء الأعزَّاء) .
- وقال الله تبارك وتعالى: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النِّساء: 139].
قال ابن كثير: (أخبر تعالى بأنَّ العِزَّة كلَّها لله وحده لا شريك له، ولمن جعلها له. كما قال في الآية الأخرى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر: 10]، وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]، والمقصود من هذا التَّهْيِيج على طلب العِزَّة من جناب الله، والالتجاء إلى عبوديَّته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين، الذين لهم النُّصْرَة في هذه الحياة الدُّنْيا، ويوم يقوم الأشهاد) .
ويقول الطَّبري: (فإنَّ الذين اتخذوهم -أي المنافقين- من الكافرين أولياء ابتغاء العِزَّة عندهم، هم الأذلَّاء الأقلَّاء، فهلَّا اتَّخذوا الأولياء من المؤمنين، فيلتمسوا العِزَّة والمنْعة والنُّصْرَة من عند الله الذي له العِزَّة والمنْعَة، الذي يُعِزُّ من يشاء، ويُذِلُّ من يشاء، فيُعِزُّهم ويمنعهم) .
- وقال الله تبارك وتعالى: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139].
في هذه الآية الكريمة أدب قرآني عظيم، وتوجيه ربَّانيٌّ كبير للثُّلَّة المؤمنة المجاهدة والصَّابرة، يحثُّهم فيه على عدم الهَوَان الذي ينافي العِزَّة ويضادُّها، ويُنْهِيها ويقضي عليها.
فهو أمرٌ للمؤمنين بالثَّبات على عِزَّتهم، حتى في الأوقات العصيبة؛ لتبقى العِزَّة ملازمة لهم، لا تنفكُّ عنهم في الضرَّاء والسَّرَّاء، في الفرح والحزن، في الحرب والسِّلم، في النَّصْر والهزيمة.
يقول الفَخْر الرَّازي: (كأنَّه قال: إذا بحثتم عن أحوال القرون الماضية، علمتم أنَّ أهل الباطل، وإن اتَّفقت لهم الصَّولة، لكن كان مآل الأمر إلى الضَّعف والفُتور، وصارت دولة أهل الحقِّ عالية، وصَوْلة أهل الباطل مُنْدَرِسة، فلا ينبغي أن تصير صَوْلَة الكفَّار عليكم -يوم أُحد- سببًا لضعف قلبكم ولجُبْنكم وعجزكم، بل يجب أن يَقْوى قلبكم، فإنَّ الاستعلاء سيحصل لكم، والقُوَّة والدَّولة راجعة إليكم) .
- قال الله -تبارك وتعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة: 54] .
في هذه الآية الكريمة يُبيِّن الله -تبارك وتعالى- أنَّ العِزَّة على أهل الكفر، هي صفة من صفات جيل التَّمْكين، الذين أحبَّهم الله وأحبُّوه، وارتضاهم بديلًا عمَّن يرتد عن دينه، وبالمقابل فهم أذلَّة في تعاملهم مع إخوانهم من أهل الإيمان، يَخْفِضُون لهم الجناح تواضعًا، ويلينون لهم القول.


يقول الشِّنقيطي في ((أضواء البيان)): (أخبر تعالى المؤمنين -في هذه الآية الكريمة- إنَّهم إن ارتدَّ بعضهم، فإنَّ الله يأتي -عوضًا عن ذلك المرتد- بقوم، من صفاتهم: الذُّل للمؤمنين، والتَّواضع لهم، ولين الجانب، والقسوة والشِّدَّة على الكافرين، وهذا من كمال
صفات المؤمنين) .
__________________
  #472  
قديم 15-05-2013, 08:12 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثانيًا: في السُّنَّة النَّبَويَّة
- عن تميم الدَّاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليَبْلُغن هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله اللهُ هذا الدِّين، بِعِزِّ عَزِيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر)) ، وكان تميم الدَّاري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخيرُ والشَّرَف والعزُّ، ولقد أصاب من كان منهم كافرًا الذُّل والصَّغَار والجِزْية.
- وعن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يبقى على ظهر الأرض بيت مَدَرٍ، ولا وَبَرٍ، إلَّا أدخله الله كلمة الإسلام، بِعزِّ عَزِيزٍ، أو ذُلِّ ذَلِيلٍ، إمَّا يُعِزُّهم الله، فيجعلهم من أهلها، أو يُذِلهُّم، فيدينون لها)) .
ففي هذا الحديث يُـبَشِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بِعِزِّ هذا الدِّين وتمكينه في الأرض، وأنَّ هذا العِزَّ والتَّمكين سيكون سواءً بِعِزِّ عَزِيزٍ، أو بِذُلِّ ذَلِيلٍ، أي: (أدخل الله تعالى كلمة الإسلام في البيت مُلْتَبسة بِعِزِّ شخص عزيز، أي يُعِزُّه الله بها، حيث قَبِلها من غير سَبْيٍ وقتال، ((وذُلِّ ذَلِيلٍ)) أي: أو يُذِلُّه الله بها حيث أباها، والمعنى: يُذِلُّه الله -بسبب إبائها- بِذُلِّ سَبْيٍ أو قتال، حتى ينقاد إليها كَرْهًا أو طَوْعًا، أو يُذْعِن لها ببذل الجِزْية. والحديث مُقْتَبَسٌ من قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التَّوبة: 33]، ثمَّ فسَّر العِزَّ والذُّل بقوله: (إمَّا يُعِزُّهم) أي: قومًا أَعَزُّوا الكلمة بالقبول، ((فيجعلهم من أهلها)) بالثَّبات إلى الممات، ((أو بِذُلِّهم)) أي: قومًا آخرين لم يلتفتوا إلى الكلمة وما قبلوها، فكأنَّهم أذَلُّوها، فَجُوزُوا بالإذلال جزاءً وفاقًا، ((فيدينون لها))... أي يُطيعون وينقادون لها) .
- و((أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عُيينة بن حصن بن حذيفة، والحارث بن عوف بن أبى حارثة، رئيسي غَطَفَان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة، وجرت المراوَضةَ في ذلك، ولم يتمَّ الأمر، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فقالا: يا رسول الله، أشيء أمرك الله به فلا بدَّ لنا منه؟ أم شيء تحبُّه فنصنعه، أم شيء تصنعه لنا؟ قال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا أنِّى رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة. فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنَّا نحن وهؤلاء القوم على الشِّرك بالله وعبادة الأوثان، وهم لا يطيقون أن يأكلوا منها تمرة إلا قِرَى أو بَيْعًا، فحين أكرمنا الله تعالى بالإسلام، وهدانا له، وأعزَّنا بك وبه- نعطيهم أموالنا؟ والله لا نعطيهم إلَّا السَّيف. فصوَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيه، وتمادوا على حالهم)) .


وهكذا كأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يربِّيهم على معاني
العِزَّة، ويغرسها في قلوبهم غرسًا.
__________________
  #473  
قديم 15-05-2013, 08:30 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

اقوال السَّلف والعلماء في العِزَّة

- قال عبد الله بن عمرو: (إيَّاك وعزَّة الغضب، فيضيرك إلى ذُلِّ الاعتذار. وإذا ما عَرَتك في الغضب العِزَّة فاذكر مَذَلَّة الاعتذار) .
- وقيل للحسن بن علي رضي الله عنهما: فيك عَظَمَة. قال: لا، بل فيَّ عِزَّة الله تعالى، قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8] .
- وقال ابن أبي لبابة: (من طلب عِزًّا بباطل، أورثه الله ذُلًّا بحقٍّ) .
- قال رجل للحسن: (إنِّي أريد السِّند فأوصني. قال: أَعِزَّ أَمْرَ الله حيث ما كنت، يُعِزَّك الله. قال: فلقد كنت بالسِّند، وما بها أحدٌ أعزَّ منِّي) .
- وقال ابن عطاء: (العِزُّ في التَّواضع، فمن طلبه في الكِبْر، فهو كتطلُّب الماء من النَّار).
- وقال الأحنف: (لا تعدَّنَّ شَتْم الوالي شَتْمًا، ولا إغلاظه إغلاظًا، فإنَّ ريح العِزَّة تُبْسط اللِّسان بالغلظة في غير بأس ولا سخط) .
- وقال بعض السَّلف: (النَّاس يطلبون العِزَّ بأبواب الملوك، ولا يجدونه إلَّا في طاعة الله) .
- وقال إبراهيم بن شيبان: (الشَّرَف في التَّواضع. والعِزُّ في التَّقوى. والحرِّية في القناعة).
- وعن سفيان الثَّوري أنَّه قال: (أَعَزُّ الخَلْق خمسة أنفس: عالم زاهد، وفقيه صوفيٌّ، وغنيٌّ متواضع، وفقير شاكر، وشريف سني) .
- وكان من دعاء بعض السَّلف: (اللهمَّ أعِزَّني بطاعتك، ولا تذلَّني بمعصيتك) .
- وقال آخر: (إذا طلبت العِزَّة، فاطلبها في الطَّاعة، وإن طلبت الغِنى، فاطلبه في القناعة) .


- وقال الغزالي: (من رزقه
القناعة حتى استغنى بها عن خَلْقه، وأمدَّه بالقوَّة والتَّأييد حتى استولى بها على صفات نفسه، فقد أعزَّه، وآتاه الملك عاجلًا، وسيعزُّه في الآخرة بالتَّقريب) .
- وقال -أيضًا-: (العزيز من العباد: من يحتاج إليه عباد الله في أهمِّ أمورهم، وهي الحياة الأخرويَّة، والسَّعادة الأبديَّة، وذلك ممَّا يَقِلُّ -لا محالة- وجوده، ويصعب إدراكه، وهذه رتبة الأنبياء -صلوات الله عليهم أجمعين- ويشاركهم في العزِّ، من ينفرد بالقُرب من درجتهم في عصره، كالخلفاء وورثتهم من العلماء، وعزَّة كلِّ واحدٍ منهم بقدر عُلوِّ رتبته عن سهولة النَّيل والمشاركة، وبقدر عنائه في إرشاد الخَلْق) .
- وقال ابن القيِّم: (العِزَّة والعُلُوُّ إنَّما هما لأهل الإيمان الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وهو علمٌ وعملٌ وحالٌ، قال تعالى: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. [آل عمران: 139] فللعبد من العُلُوِّ بحسب ما معه من الإيمان، وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8]، فله من العِزَّة بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه، فإذا فاته حظٌّ من العُلُوِّ والعِزَّة، ففي مُقَابَلة ما فاته من حقائق الإيمان، علمًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا) .
- وقال ابن باديس: (الجاهل يمكن أن تعلِّمه، والجافي يمكن أن تهذِّبه، ولكن الذَّليل الذي نشأ على الذُّلِّ، يَعْسُر أو يتعذَّر أن تغرس في نفسه الذَّليلة المهينة عزَّةً وإباءً وشهامةً تُلْحِقه بالرِّجال) .
__________________
  #474  
قديم 15-05-2013, 08:38 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

أقسام العِزَّة

الخُلُق المحمود دائمًا ما يكون خُلقًا بين خُلقين مذمومين، فهو وسط بينهما، قال ابن القيِّم: (وكلُّ خُلُق محمود مُكْتَنف بخُلقين ذميمين. وهو وسط بينهما. وطرفاه خُلُقان ذميمان، كالجود: الذي يكتنفه خُلُقان: البخل والتَّبذير. والتَّواضع الذي يكتنفه خُلُقان: الذُّل والمهَانة، والكِبْر والعُلُو. فإنَّ النَّفس متى انحرفت عن التَّوسط، انحرفت إلى أحد الخُلُقين الذَّميمين ولا بدَّ...) ، وهكذا هو حال في العِزَّة، فهي خُلُق بين خُلُقين، أحدهما: الكِبْر، والآخر: الذُّل والهَوَان، والنَّفس (إذا انحرفت عن خُلُق العِزَّة -التي وهبها الله للمؤمنين- انحرفت إمَّا إلى كِبْرٍ، وإمَّا إلى ذُّلٍّ. والعِزَّة المحمودة بينهما) .
وقد ذكر الله العِزَّة في مواطن، فمدحها حينًا، وذمَّها حينًا آخر، (فمن الأوَّل: قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]، وقال تعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصَّافَّات: 180]، ومن الثَّاني: قوله تعالى: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ [ص: 2]، وبيان ذلك: أنَّ العِزَّة التي هي لله -جلَّ وعلا-، ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وللمؤمنين -رضوان الله عليهم- هي الدَّائمة الباقية؛ التي هي العِزَّة الحقيقيَّة. والعِزَّة التي هي للكافرين والمخَالفين هي: التَّعزُّز، وهو -في الحقيقة- ذُلٌّ) .
وعلى ما سبق، يُمْكِننا أن نقسِّم العِزَّة إلى قسمين: شرعيَّة، وغير شرعيَّة.
العِزَّة الشَّرعيَّة:
إنَّها العِزَّة الحقيقيَّة.. العِزَّة في الحقِّ، وبالحقِّ، والتي يكون صاحبها عزيزًا ولو كان ضعيفًا مَظْلومًا، شامخًا ولو كان طريدًا مُستضَامًا، فتجده لا يركع إلا لله، ولا يتنازل عن شيء ممَّا أَمَره به، فهو يَعْتَزُّ بعِزَّة الله -تبارك وتعالى-، الذي يُعِزُّ من يشاء، ويُذِلُّ من يشاء. فهذه هي العِزَّة بالحقِّ؛ لأنَّها اعْتِزَاز بمن يملكها، وإذعان له، وانتساب لشرعه وهديه.
وهي التي ترتبط بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، يقول تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]، ووجه ذلك: أنَّ العِزَّة - التي لله ولرسوله وللمؤمنين - هي الدَّائمة الباقية، التي هي العِزَّة الحقيقيَّة، والعِزَّة التي هي للكافرين: هي التَّعزُّز، وهو -في الحقيقة- ذُلٌّ.
إنَّ (العِزَّة والإِباء والكرامة من أبرز الخِلَال التي نادى بها الإسلام، وغرسها في أنحاء المجتمع، وتعهَّد نماءها بما شرع من عقائد، وسنَّ من تعاليم، وإليها يشير عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه بقوله: أُحِبُّ الرَّجل -إذا سِيمَ خطَّة خَسْف - أن يقول -بملء فيه-: لا) .
صور العِزَّة الشَّرعيَّة:
1- الاعْتِزَاز بالله تبارك وتعالى:
فهو يعرف أنَّ الله عزيز، يَهَب العِزَّة من يشاء، كما أنَّه ينزعها ممَّن يشاء، كما أنَّه يوقن أنَّ الاعْتِزَاز بالعزيز عزَّة، والاعتماد عليه قوَّة، والالتزام بنَهْجِه شموخ، فتراه قويًّا بإيمانه به، عزيزًا بتوكُّله عليه، شامخًا بيقينه به.
وهو يعلم أنَّ الاعْتِزَاز بغيره ذلٌّ وهَوَان، والاستقواء بغيره ضعف، مُعْتَبِرًا بحال كلِّ من اعتزَّ بغير الله تعالى كيف هَوَى إلى مدارك الذِّلة، وهبط إلى حضيض المهَانة، وكيف تخلَّى عنه من اعتزَّ بهم، ليتَدَحْرج من ذُرَى العلياء والمجد -المزعوم الكاذب- إلى أسفل دركات الذُّلِّ؛ قال عبيدة بن أبي لبابة: (من طلب عزًّا بباطل وجور، أورثه الله ذُلًّا بإنصاف وعدل) .
2- الاعْتِزَاز بالانتساب للإسلام، والاعْتِزَاز بهديه وشرائعه:
فهو يعلم أنَّ هذا الدِّين دين العِزَّة والقوَّة، الذي يستمدُّ المسلمون عزَّهم من عِزِّه، وقوَّتهم من قوَّته، ومتى طلبوا العِزَّة في سواه -من مناهج الأرض الشَّرقيَّة أو الغربيَّة- أذلَّهم الله.
كما أنَّه لا يعتزُّ بقبيلة أو قوميَّة أو نسب أو عِرْق ممَّا ينتسب إليه أهل الجاهليَّة في القديم والحديث، بل عزَّته بدينه فقط، وعلى هذا ربَّى نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أصحابه، فلمَّا سمعهم -بأبي هو وأمي، صلَّى الله عليه وسلَّم- ينادي بعضهم: يا للأنصار، وآخرون ينادون: يا للمهاجرين. قال صلى الله عليه وسلم: ((أبِدَعْوَى الجاهليَّة وأنا بين أظهركم)) ، وقال: ((دعوها فإنَّها منتنة)) .
حال المسلم -في اعْتِزَازه بدينه- كحال أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه حين قال: (نحن أمَّة أعزَّنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العِزَّة بغيره، أذلَّنا الله) .
فلا اعْتِزَاز إلَّا بالإسلام، ولا انتماء إلَّا إلى الإسلام.


أبي الإسلام لا أبَ لي سواه***إذا افتخروا بقيس أو تميم



3- الاعْتِزَاز برسول الله صلى الله عليه وسلم:
فهو يعتَــزُّ بكونه فَرْدًا في أمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم ، ينتسب إليه إذا انتسبت الأمم، ويُفَاخر به إذا ذُكِر القادة والمصلحون العظماء، يرجو شفاعته، ويتمنَّى لقائه، ويسأل الله أن يوفِّقه للسِّير على نهجه وإحياء سنَّته، والقيام بحقوقه.
4- إظهار العِزَّة على الكافرين، والذِّلَّة وخفض الجناح للمؤمنين:
وهذه من أعظم صور العِزَّة ومظاهرها: أن يُرِي المؤمن الكافرين من نفسه عزَّةً وقوَّةً واستعلاءً، لا كِبْرًا وبَطَرًا، بل إظهارًا لقوَّة هذا الدِّين وعزَّته وعلوِّه، قال الله عزَّ وجلَّ وهو يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ [الفتح: 29]، فهم رُحَماء فيما بينهم، ألَّا إنَّهم أشدَّاء على الكافرين، أقوياء في مواجهتهم. وقال -تبارك وتعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة: 54]، فهذه صفتهم التي استحقُّوا بها التَّمكين، ونالوا بها شرف القيادة، فهم أذِلَّة على المؤمنين، خافضين الجناح لهم، ليِّنين في تعاملهم معهم، إلَّا أنَّهم -في الجانب الآخر- أشدَّاء أقوياء على الكافرين.
العِزَّة غير الشَّرعيَّة:
كاعْتِزَاز الكفَّار بكفرهم، وهو -في الحقيقة- ذُلٌّ، يقول -سبحانه-: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ [ص: 2] أو الاعْتِزَاز بالنَّسب على جهة الفَخْر، أو الاعْتِزَاز بالوطن والمال ونحوها، كلُّ هذه مذمومة.
من صور العِزَّة غير الشَّرعيَّة:
1- الاعْتِزَاز بالكفَّار من يهود ونصارى ومنافقين وغيرهم:
قال تعالى: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النِّساء: 138-139].
(واللهُ -جلَّ جلاله- يسأل في استنكار: لِمَ يتَّخذون الكافرين أولياء، وهم يزعمون الإيمان؟ لِمَ يضعون أنفسهم هذا الموضع، ويتَّخذون لأنفسهم هذا الموقف؟ أهم يطلبون العِزَّة والقوَّة عند الكافرين؟ لقد استأثر الله عزَّ وجلَّ بالعِزَّة، فلا يجدها إلَّا من يتولَّاه، ويطلبها عنده، ويَرْتَكِن إلى حِمَاه) .
2- الاعْتِزَاز بالآباء والأجداد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ، قال: ((لينتهينَّ أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنَّما هم فَحْم جهنَّم، أو ليكوننَّ أهْوَن على الله من الجُعَلِ الذي يُدَهْدِهُ الخِرَاءَ بأنفه، إنَّ الله أذهب عنكم عُبِّـيَّةَ الجاهليَّة وفخرها بالآباء، إنَّما هو مؤمن تقيٌّ، وفاجر شقيٌّ، النَّاس كلُّهم بنو آدم، وآدم خُلِق من تراب)) .
3- الاعْتِزَاز بالقبيلة والرَّهط:
قال تعالى: قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [هود: 91-92].
(أَجَماعة من البَشَر -مهما يكونوا من القُوَّة والمنْعة- فهم ناس، وهم ضِعَاف، وهم عِبَاد من عِبَاد الله.. أهؤلاء أعزُّ عليكم من الله؟ أهؤلاء أشدُّ قوَّة ورهبة في نفوسكم من الله؟ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا [هود: 92] . وهي صورة حسِّية للتَّرك والإعراض، تزيد في شناعة فِعْلَتهم، وهم يتركون الله ويُعْرضون عنه، وهم من خَلْقه، وهو رازقهم وممتِّعهم بالخير الذي هم فيه. فهو البَطَر وجحود النِّعمة وقلَّة الحياء، إلى جانب الكفر والتَّكذيب وسوء التَّقدير) .
وعن أبي مالك الأشعري، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع في أمَّتي من أمر الجاهليَّة، لا يتركونهنَّ: الفَخْر في الأحساب، والطَّعن في الأنساب، والاستسقاء بالنُّجوم، والنِّياحة))، وقال: ((النَّائحة إذا لم تتب قبل موتها، تُقَام يوم القيامة وعليها سِرْبَال من قَطِرَان ودِرْع من جَرَب )) .
4- الاعْتِزَاز بالكثرة، سواءً كان بالمال أو العدد:
قال تعالى في قصَّة صاحب الجنَّة، في سورة الكهف: وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا [الكهف: 34].
قال ابن كثير: أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (أي: أكثر خدمًا وحشمًا وولدًا.
قال قتادة: تلك -والله- أمنيَّة الفاجر: كثرة المال وعزَّة النَّفر ).
5- الاعْتِزَاز بجمال الثِّياب:
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لبس ثوب شُهْرة في الدُّنْيا، ألبسه الله ثوب مذلَّة يوم القيامة)) .
(والمراد أنَّ ثوبه يَشْتَهر بين النَّاس، لمخالفة لونه لألوان ثيابهم، فيرفع النَّاس إليه أبصارهم، ويختال عليهم بالعُجب والتَّكبُّر.
قال ابن رسلان: لأنَّه لَبِس الشُّهْرَة في الدُّنْيا ليَعِزَّ به، ويفتخر على غيره، ويُلْبِسه الله -يوم القيامة- ثوبًا يَشْتهر مذلَّته واحتقاره بينهم عقوبةً له، والعقوبة من *** العمل، انتهى.
وقوله: ((ثوب مذَلَّة))، أي: أَلْبَسه الله -يوم القيامة- ثوب مذَلَّة، والمراد به: ثوب يوجب ذِلَّته يوم القيامة، كما لَبِس في الدُّنْيا ثوبًا يتَعَزَّز به على النَّاس، ويترفَّع به عليهم) .
6- الاعْتِزَاز بالأصنام والأوثان:
قال تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مريم: 81-82].
(فهؤلاء -الذين كفروا ربَّهم- يتَّخذون من دونه آلهة، يطلبون عندها العِزَّة، والغَلَبَة والنُّصْرَة، وكان فيهم من يعبد الملائكة، ومن يعبد الجنَّ ويستنصر بهم، ويتَّقون بهم كَلَّا، فسيكفر الملائكة والجنُّ بعبادتهم، وينكرونها عليهم، ويَبْرَؤون إلى الله منهم، وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا بالتَّبرُّؤ منهم، والشَّهادة عليهم) .
__________________
  #475  
قديم 15-05-2013, 08:42 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

أسباب العِزَّة الشَّرعيَّة

1- الاعتقاد الجازم والإيمان اليقينيُّ بأنَّ الله تعالى هو العزيز الذي لا يَغْلِبه شيء، وأنَّه هو مصدر العِزَّة وواهبها. قال تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26]، فلا نصر إلَّا به، ولا استئناس إلَّا معه، ولا نجاح إلَّا بتوفيقه.
قال ابن القيِّم: (العِزَّة والعُلُوُّ إنَّما هما لأهل الإيمان الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وهو عِلمٌ وعملٌ وحالٌ، قال تعالى: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139]، فللعبد من العُلُوِّ بحسب ما معه من الإيمان، وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]، فله من العِزَّة بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه، فإذا فاته حظٌّ من العُلُوِّ والعِزَّة، ففي مُقَابَلة ما فاته من حقائق الإيمان، علمًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا) .
وهنا يُقْبِل مُريد العِزَّة على طاعة الله -تبارك وتعالى- فبمقدار طاعته له، تكون العِزَّة والشَّرَف والسُّؤدد، والعكس.. قال تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر: 10]، قال طنطاوي: (والمعنى: من كان من النَّاس يريد العِزَّة التي لا ذِلَّة معها. فليطع الله، وليعتمد عليه وحده، فللَّه- تعالى- العِزَّة كلُّها في الدُّنْيا والآخرة، وليس لغيره منها شيء... قال القرطبي ما ملخَّصه: يريد -سبحانه- في هذه الآية، أن ينبِّه ذوي الأقدار والهمم، من أين تُنَال العِزَّة، ومن أين تُسْتَحق، فمَنْ طلب العِزَّة من الله- تعالى- وجدها عنده - إن شاء الله-، غير ممنوعة ولا محجوبة عنه.. ومن طلبها من غيره، وَكَلَه إلى من طلبها عنده... ولقد أحسن القائل.


وإذا تذلَّــلَتِ الــرِّقاب تواضعًا ***منَّا إليك فعزُّها في ذلِّها



وقال قتادة: (من كان يريد العِزَّة، فليتعزَّز بطاعة الله تعالى) .
وكما أنَّ الطَّاعة تكسو الإنسان ثوب العِزَّة، وتَخْلَع عليه ثياب الكرامة، فإنَّ المعصية تكسوه ثياب الذُّلِّ، وتَخْلَع عليه المهَانة والانكسار، (والمعاصي تَسْلُب صاحبها أسماء المدح والشَّرَف والعِزَّة، وتكسوه أسماء الذُّل والذَّمِّ والصَّغار، وشتَّان ما بين الأمرين: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ [السجدة: 18] .
2- صدق الانتماء لهذا الدِّين، والشُّعور بالفَخْر للانتساب له، والاعْتِزَاز به، حتى ولو كان ذلك في زمن الاستضعاف، واستقواء أعداء المسلمين، يقول تعالى: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139]، ويقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله الله هذا الدِّين، بعِزِّ عزيزٍ، أو بذُلِّ ذليلٍ، عزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر)) .
3- متابعة الرَّسول صلى الله عليه وسلم في هديه، وطاعته في أمره، ولزوم سنَّته، فإنَّه بقدر ذلك تكون عِزَّة العبد في الدُّنْيا، وفلاحه في الآخرة، ودليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عبد الله ابن عمرو أنَّه قال: ((بُعِثْت بالسَّيف بين يدي السَّاعة، وجُعِل رزقي تحت ظلِّ رمحي، وجُعل الذُّل والصَّغار على من خالف أمري)) .
يقول ابن القيِّم: (والمقصود أن بحسب متابعة الرَّسول تكون العِزَّة والكِفَاية والنُّصْرَة، كما أن بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنَّجاة، فالله - سبحانه - علَّق سعادة الدَّارين بمتابعته، وجعل شقاوة الدَّارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح والعِزَّة والكِفَاية والنُّصْرَة والولاية والتَّأييد وطيب العيش في الدُّنْيا والآخرة، ولمخالفيه الذِّلَّة والصَّغار والخوف والضَّلال والخذلان والشَّقاء في الدُّنْيا والآخرة) .
4 - اليقين بأنَّ دين الله قد كُتِب له العُلُوُّ والتَّمكين في الأرض، وأنَّ دولة الكافرين وعزَّتهم سائرة إلى زوال؛ لأنَّها بُنيت على باطل وسراب، فبهذا الاعتقاد يتولَّد عند المؤمن شعور بالعِزَّة، وإحساس بالشَّرَف والعُلُوِّ.
__________________
  #476  
قديم 15-05-2013, 08:44 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

نماذج في العِزَّة عند الصَّحابة رضي الله عنهم
عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه:
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: (ما زلنا أعزَّة منذ أسلم عمر) .
- عن طارق بن شهاب، قال: خرج عمر بن الخطَّاب إلى الشَّام، ومعنا أبو عبيدة بن الجرَّاح، فأتوا على مَخَاضَة ، وعمر على ناقة له، فنزل عنها، وخلع خُفَّيه، فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته، فخاض بها المخَاضَة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، أنت تفعل هذا، تخلع خُفَّيك، وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك، وتخوض بها المخَاضَة؟ ما يسرُّني أنَّ أهل البلد استشرفوك. فقال عمر: (أَوَّه ، لم يقل ذا غيرك -أبا عبيدة- جعلته نكالًا لأمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم، إنَّا كنَّا أذلَّ قوم، فأعزَّنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العِزَّة بغير ما أعزَّنا الله به أذلَّنا الله) .
- قال الشَّعبي: كانت دِرَّة عمر رضي الله عنه أهيب من سيف الحجَّاج. ولما جيء بالهرمزان -ملك خوزستان- أسيرًا إلى عمر، لم يزل الموكَّل به يقتفي أثر عمر، حتى عَثر عليه في المسجد نائمًا متوسِّدًا دِرَّته، فلمَّا رآه الهرمزان، قال: هذا هو الملك؟! والله إنِّي خدمت أربعة من الملوك الأكاسرة أصحاب التيجان، فما هِبْت أحدًا منهم كهيبتي لصاحب هذه الدِّرَّة .
أسامة بن زيد رضي الله عنه:
عن حكيم بن حزام، قال: كان محمَّد صلى الله عليه وسلم أحبَّ رجل من النَّاس إليَّ في الجاهليَّة، فلما نُبِّئ صلى الله عليه وسلم ، وخرج إلى المدينة، شهد حكيم الموْسِم وهو كافر، فوجد حُلَّة لذي يَزَن تُبَاع، فاشتراها ليهديها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقَدِم بها عليه المدينة، فأراده على قبضها هديَّةً، فأَبَى، فقال: إنَّا لا نقبل من المشركين شيئًا، ولكن إن شئت أخذتها منك بالثَّمن، فأعطيته إيَّاها حين أبى عليَّ الهديَّة، فلبسها، فرأيتها عليه على المنبر، فلم أر شيئًا أحسن منه يومئذ، ثمَّ أعطاها أسامة بن زيد، فرآها حكيم على أسامة، فقال: يا أسامة، أنت تلبس حُلَّة ذي يَزَن؟! فقال: نعم، والله لأنا خير من ذي يَزَن، ولأبي خير من أبيه. قال حكيم: فانطلقت إلى أهل مكَّة، أُعجِّبهم بقول أسامة .
__________________
  #477  
قديم 15-05-2013, 08:46 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

نماذج في العِزَّة عند التَّابعين

طاووس:
قدم هشام بن عبد الملك حاجًّا إلى مكَّة، فلما دخلها، قال: ائتوني برجل من الصَّحابة. فقيل: يا أمير المؤمنين، قد تفانوا. قال: فمن التَّابعين، فأتوه بطاووس اليماني. فلما دخل عليه، خلع نعليه بحاشية بساطه، ولم يسلِّم بإمرة أمير المؤمنين، ولكن قال: السَّلام عليك، ولم يُكَنِّه، ولكن جلس بإزائه. قال: كيف أنت يا هشام؟ فغضب هشام غضبًا شديدًا، حتى همَّ ب***ه. فقيل له: أنت في حرم الله ورسوله، فلا يمكن ذلك. فقيل له: يا طاووس، ما الذي حملك على ما صنعت؟ قال: وما الذي صنعت؟! فازداد هشام غضبًا، وقال: لقد خلعت نعليك بحاشية بساطي، ولم تقبِّل يدي، ولم تسلِّم بإمرة أمير المؤمنين، ولم تكنِّني، وجلست بإزائي بغير إذني. وقلت: كيف أنت يا هشام؟ فقال: أمَّا ما خلعت نعلي بحاشية بساطك، فإنِّي أخلعهما بين يدي رب العِزَّة كلَّ يوم خمس مرَّات، فلا يعاتبني، ولا يغضب علي. وأما قولك: لم تقبِّل يدي. فإنِّي سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: (لا يحلُّ لرجل أن يقبِّل يد أحد، إلَّا امرأته من شهوة أو ولده برحمة). وأما قولك: لم تسلِّم بإمرة أمير المؤمنين. فليس كلُّ النَّاس راضين بإمرتك، فكرهت أن أَكْذب. وأما قولك: جلست بإزائي؛ فإنِّي سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: (إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النَّار، فانظر إلى رجل جالس وحوله ناس قيام). وأما قولك: لم تكنِّني. فإنَّ الله عزَّ وجلَّ سمَّى أولياءه، وقال يا داود، يا يحيى، يا عيسى، وكنَّى أعداءه فقال:تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد: 1] فقال هشام: عِظْني. فقال: سمعت أمير المؤمنين عليًّا رضي الله عنه يقول: (إنَّ في جهنَّم حيَّات كأمثال القِلَال، وعقارب كالبغال، تلدغ كلَّ أمير لا يعدل في رعيَّته)، ثمَّ قام وذهب .
__________________
  #478  
قديم 15-05-2013, 08:48 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

نماذج في العِزَّة عند العلماء المعاصرين
عبد الحميد الجزائري:
استدعى المندوب السَّامي الفرنسي في سورية الشَّيخ عبد الحميد الجزائري، وقال له: إما أن تقلع عن تلقين تلاميذك هذه الأفكار، وإلَّا أرسلت جنودًا لإغلاق المسجد الذي تنفث فيه هذه السُّموم ضدَّنا، وإخماد أصواتك المنكرة. فأجاب الشَّيخ عبد الحميد: أيُّها الحاكم، إنَّك لا تستطيع ذلك؟! واستشاط الحاكم غضبًا، وقال: كيف لا أستطيع؟ قال الشَّيخ: إذا كنتُ في عُرْسٍ علَّمتُ المحتفلين، وإذا كنتُ في مأتم وعظتُ المعزِّين، وإن جلستُ في قطار علَّمتُ المسافرين، وإن دخلتُ السِّجن أرشدت المسجونين، وإن ***تموني ألهبت مشاعر المواطنين، وخير لك أيُّها الحاكم ألا تتعرَّض للأمَّة في دينها ولغتها
__________________
  #479  
قديم 15-05-2013, 08:50 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

قالوا عن العِزَّة

- ذكر الماوردي قول بعض الأدباء، فقال: (إيَّاك وعزَّة الغضب، فإنَّها تُفْضِي إلى ذُلِّ العذر) .
- وقيل في الحِكَم: (إذا أردت أن يكون لك عزٌّ لا يفنى، فلا تستعزَّ بعزٍّ يفنى. العطاء من الخَلْق حرمان، والمنع من الله إحسان، جلَّ ربُّنا أن يعامل العبد نقدًا فيجازيه نسيئة، إنَّ الله حَكَم بحكم قبل خَلْق السَّماوات والأرض: أن لا يطيعه أحد إلَّا أعزَّه، ولا يعصيه أحد إلَّا أذلَّه، فرَبَط مع الطَّاعة العزَّ، ومع المعصية الذُّلَّ، كما رَبَط مع الإحراق النَّار، فمن لا طاعة له لا عزَّ له) .
- وقال الحكيم: (الاعْتِزَاز بالعبيد منشؤه من حبِّ العزِّ وطلبه له، فإذا طلب العزَّ للدُّنْيا، وطلبه من العبيد، تَرَك العمل بالحقِّ والقولَ به، لينال ذلك العزَّ، فيعزُّوه ويعظِّموه، وعاقبة أمره الذِّلَّة، وأنَّه سبحانه يُمْهِل المخْذول، وينتهي به إلى أن يستخفَّ لباس الذُّلِّ، فعندها يَلْبسه، إمَّا في الدُّنْيا، أو يوم خروجه فيها، فيخرجه من أذلِّ ذلَّة وأ*** عُنْف) .
- قيل في بعض الصُّحف الأولى: (العِزَّة والقوَّة يعظمان القلب، وأفضل منهما خوف الله تعالى؛ لأنَّ من لزم خشية الله، لم يخف الوَضِيعة، ولم يحتج إلى ناصر) .
- وقيل: (احذر دعوة المظْلوم وتوقَّها، ورِقَّ لها إن واجهك بها، ولا تبعثك العِزَّة على البطش، فتزداد ببطشك ظلمًا، وبعزَّتك بغيًا. وحسبك بمَنْصُور عليك، الله ناصره منك) .
- وقيل: (من غرس الزُّهد اجتنى العِزَّة) .
- وقال ابن المقفَّع: (من تعزَّز بالله لم يذلَّه سلطان، ومن توكَّل عليه لم يضرَّه إنسان) .
- وقال المنفلوطي: (جاء الإسلام بعقيدة التَّوحيد ليرفع نفوس المسلمين، ويغرس في قلوبهم الشَّرَف والعِزَّة والأَنَفَة والحَمِيَّة، وليعتق رقابهم من رقِّ العبوديَّة، فلا يَذِلُّ صغيرهم لكبيرهم، ولا يهاب ضعيفهم قويَّهم، ولا يكون لذي سلطان بينهم سلطان إلا بالحقِّ والعدل) .
__________________
  #480  
قديم 15-05-2013, 08:52 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

العِزَّة في الأمثال
- (لا تُقرع له عصا) يشير إلى معاني العِزَّة والمنْعة التي يتَّصف بها الإنسان .
- الموت في مقام العِزَّة خير من الحياة في الذُّلِّ .
- ليست العِزَّة في حُسن البَزَّة .
- قال أبو عبيد: ومن أمثالهم في العِزَّة قولهم: (تمرَّد ماردٌ، وعزَّ الأَبْلَقُ) .
(يضرب مثلًا للرجل العزيز المنيع الذي لا يقدر على اهتضامه. والمثل للزباء الملكة، ومارد حصن دومة الجندل، والأبلق حصن تيماء، وكانت الزباء أرادت هذين الحصنين فامتنعا عليها فقالت (تمرد مارد وعز الأبلق) وعزَّ أي: امتنع من الضيم) .
__________________
 

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
موسوعة, الاخلاق, الاسلامية, الشاملة


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:40 PM.