|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#31
|
|||
|
|||
أسرار الصوفية عند الجنيد و الحلاج سر الصوفية: نكمل معكم تلخيص كتاب الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة
في التاريخ تأليف محمود عبد الرءوف القاسم لخصنا في الموضوع السابق حول أبرز أقوال كبار مشايخ الصوفية في أنها مذهب واحد وطريق واحد ونؤكد على ضرورة قراءة الفصلين الأول والثاني بهدوء وإمعان. الفصل الثاني: مدخل إلى فهم النصوص الصوفية قبل الولوج في متاهات النصوص الصوفية، ودهاليزها الملتوية المتعرجة، وزحاليقها المتقنة الصنع، قبل ذلك يجب أن نأخذ فكرة واضحة عن الأساليب التي يتبعونها في بسط أفكارهم وعقائدهم، في أقوالهم وكتاباتهم، في تواليفهم ودعاياتهم، لنستطيع فهم كلامهم بوضوح تام، وأن نعرف أغراضه وأهدافه، وبدون ذلك لا نستطيع دراسة الصوفية دراسة صحيحة، وستكون دراستنا لأساليبهم من أساليبهم، ومن أقوالهم وتواصيهم فيما بينهم. سنرى في هذه الدراسة بوضوح تام ما يلي: 1- هناك سر غريب يتواصون بكتمانه عن غير أهله وهم الصوفية. 3- هذا السر هو كفر وزندقة، يُ*** من يبوح به على أنه مرتد عن الإسلام. 4- يقسّمون المجتمع الإسلامي إِلى صنفين: أ- أهل الشريعة: ويسمونهم أهل الظاهر أو أهل الرسوم أوالأوراق أو العامة. ب- أهل الحقيقة: وهم الصوفية، ويسمونهم أيضاً أهل الباطن، وأهل الأذواق، أو الخاصة، وخاصة الخاصة هم كبارهم. 5- يتواصون دائماً وفي كل زمان ومكان، أن يظهروا لأهل الشريعة ما يوافقهم من الأحكام الإسلامية، وأن يكتموا عنهم ذلك السر لئلا تباح دماؤهم، إِلا في حالات معينة (ستمر بين ثنايا النصوص) حيث يعبرون عنه باللغز والرمز والإشارة والعبارة المنمقة. 6- لا يُعرف هذا السر إِلا بالذوق، أي: أن يذوقه الإنسان بنفسه، وضربوا لذلك مثلاً: اللذة ال***ية التي لا يعرفها إِلا من يذوقها كما يرمزون في العادة، إِلى الذات الإلهية بأسماء مؤنثة مثل ليلى وبثينة وغيرها.. وهذه نصوص لأئمتهم وأقطابهم وعارفيهم أوردها حسب التسلسل التاريخي (بدون دقة) (النصوص كثيرة وسيتم الاقتصار على أهمها): - مما ينسبونه لزين العابدين (وهو في الواقع لكلثوم بن عمرو العتّابي توفي عام: 220هـ): يا رب جوهر علم لو أبوح به لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسناً([1]) فما هو هذا العلم الذي لو أباح به لرمي بالوثنية ول*** على الردة؟ - ويقول أبو بكر الكلاباذي (تاج الِإسلام)([2]): "قال الجنيد للشبلي([3]): نحن حبرنا هذا العلم تحبيراً، ثم خبأناه في السراديب، فجئت أنت فأظهرته على رؤوس الملأ! فقال: أنا أقول، وأنا أسمع، فهل في الدارين غيري؟". أ.هـ يهمنا في هذا النص قول الجنيد فقط إِنه يخبر عن علم حبره هو تحبيراً، (أي: وضع قواعده وأصوله)، ثم خبأه في السراديب! فما هو هذا العلم المخبأ؟! ولم خبأه في السراديب؟! أما قول الشبلي فسنراه فيما بعد. - ويقول الجنيد أيضاً:" لا يكون الصدّيق صدِّيقاً حتى يشهد له في حقه سبعون صدِّيقاً أنه زنديق، فهم يشهدون على ظاهره، مما ظهر من حاله؛ لأن الصديق يعطي الظاهر حكم الظاهر، ويعطي الباطن حكم الباطن، فلا يلبسون بالباطن على الظاهر ولا بالظاهر على الباطن، فهم يشهدون أنه زنديق ظاهراً، كما يعلمون أنه صديق باطناً، لتحققهم بذلك الحال في نفوسهم"([4]). أ.هـ يا للعجب! ظاهراً - أي حسب الشريعة- زنديق، وباطناً صديق!! فهل الشريعة تخدعنا؟؟ فأما العلم الظاهر، فقد عرفناه، إنه علم الشريعة. فما هو علم الباطن؟! ولم هو باطن؟! - وقال الحلاج: (يخاطب الناس في المسجد) ويروي القصة عبد الودود بن سعيد الزاهد: "...اسمعوا، إن الله أباح لكم دمي فا***وني، فبكى بعض القوم، فتقدمت من بين الجماعة، وقلت: يا شيخ، كيف ن*** رجلاً يصلي ويصوم ويقرأ القرآن؟ فقال: يا شيخ، المعنى الذي به تحقن الدماء خارج عن الصلاة والصوم وقراءة القرآن، فا***وني تؤجروا وأستريح، فبكى القوم، وذهب، وتبعته إلى داره، وقلت: يا شيخ، ما معنى هذا؟ قال: ليس في الدنيا للمسلمين شغل أهمّ من ***ي. فقلت له: كيف الطريق إِلى الله تعالى؟ قال: الطريق بين اثنين، وليس مع الله أحد. فقلت: بين. قال: من لم يقف على إشارتنا لم ترشده عبارتنا"([5]). أ.هـ إنه يقرر أن الشريعة تبيح ***ه! فلِمَ؟ ويقرر أن المعنى الذي يباح ***ه من أجله خارج عن الصلاة والصوم وقراءة القرآن! فما هو هذا المعنى؟ لننتبه إلى قوله: (ليس مع الله أحد)، وقوله: (من لم يقف على إِشارتنا لم ترشده عبارتنا). ويقول: كفرت بدين الله والكفر واجب عليّ وعند المسلمين قبيح([6]) - يعني بقوله: (كفرت) أي: سترت، والكفر هو الستر، فهو يقول: سترت بالإسلام، والستر واجب عليّ. - فما هو هذا الأمر الذي يستره بدين الله؟! ما هو؟! - فما هو هذا الأمر الذي يستره بدين الله؟! ما هو؟! ([1]) الأنوار القدسية في بيان الآداب للشعراني، هامش الطبقات: (1/134)، والمناظر الإلهية، (ص:44)، والفتوحات الإلهية، (ص:44) وغيرها. ([2]) التعرف لمذهب أهل التصوف، [باب: 65، (ص:145)]. ([3]) الشبلي من أصحاب الجنيد وأقرانه مات في بغداد عام (334هـ). ([4]) المناظر الإلهية، (ص:44)، وكشف الحجاب، (ص:373) وغيرها. ([5]) أخبار الحلاج، (ص:57). ([6]) ديوان الحلاج، (ص:28). يُتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــع |
#32
|
|||
|
|||
الصوفية تقرر صحة قول فرعون " أنا ربكم الأعلى " نستمر في تلخيص كتاب الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ للكاتب الأستاذ محمود عبد الرؤوف القاسم، وقد مر معنا في الموضوع السابق " وحدة الوجود عقيدة كل الصوفيين إلا المبتدئين "، فإن من نتائج عقيدة وحدة الوجود هي أن المشركين الذين يعبدون الأوثان والأصنام والأجرام والشمس والقمر والنجوم أو أي شيء إنما يعبدون الله !!، لأن كل شيء هو الله في عقيدة وحدة الوجود - تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا - وهنا لدينا قول صريح للغزالي إمام الصوفية الأكبر في كتابه " إحياء علوم الدين " بأن الصوفية ترى أن فرعون القائل " أنا ربكم الأعلى " هو كما قال، ويقر الغزالي بهذا الكلام.
مر معنا ويمر هنا وفي كتبهم مصطلح (المشاهدة) والفعل منه (شاهد، يشاهد)، فماذا يعنون به؟ يقول القشيري: (...وتوهم قوم أن المشاهدة تشير إلى طرف من التفرقة؛ لأن باب المفاعلة في العربية بين اثنين، وهذا وهم من صاحبه، فإن في ظهور الحق سبحانه ثبور الخلق، وباب المفاعلة جملتُها لا تقضي مشاركة الاثنين، نحو: سافر، وطارق النعل، وأمثاله([1])... - يفهمنا القشيري أن المشاهدة لا تكون بأن تشاهد الله سبحانه خارجاً عنك، فتكونا اثنين، لا، بل تشاهده في ذاتك، تشاهده أنك هو، إذن، منذ الآن، يجب أن نفهم مصطلح (المشاهدة ومشتقاتها) في كلام القوم حسب هذا المعنى. (مشاهدة الله تعني الاستشعار بالألوهية أو ذوق معنى الألوهية). ويقول أبو حامد الغزالي (حجة الإسلام، الإمام): ...فمن عرف الحق رآه في كل شيء، إذ كل شيء فهو منه وإليه وبه وله، فهو الكل على التحقيق، ومن لا يراه في كل ما يراه فكأنه عرفه، ومن عرفه عرف أن كل شيء ما خلا الله باطل، وأن كل شيء هالك إلا وجهه، لا أنه سيبطل في ثاني الحال، بل هو الآن باطل([2])... - يبين لنا الغزالي هنا كيف يفهمون الجملة (كل شيء ما خلا الله باطل)، والآية ((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)) [القصص8]، ومنذ الآن يجب أن نعرف كيف يفهمونها، ولا نحاول التأويل واللف والدوران مثلهم. ويقول: ... واعلم أن الطواف الشريف هو طواف القلب بحضرة الربوبية، وأن البيت مثال ظاهر في عالم الملك لتلك الحضرة التي لا تشاهد بالبصر، وهي عالم الملكوت([3])... - يبين الغزالي هنا أن حضرة الربوبية هي عالم الملكوت! فما هو عالم الملكوت؟ يشرحه ابن عجيبة بقوله: (مراتب الوجود هي العوالم الثلاثة: الملك والملكوت والجبروت، وذلك أن الوجود له ثلاثة اعتبارات: وجود أصلي أزلي، وهو الذي لم يدخل عالم التكوين، ويسمى عالم الأمر، وعالم الغيب، وهو المسمى بعالم الجبروت. ووجود فرعي، وهو النور المتدفق من بحر الجبروت، وهو كل ما دخل عالم التكوين لطيفاً كان أو كثيفاً، ويسمى عالم الشهادة، وعالم الخلق، وهو المسمى بعالم الملكوت([4]).. - إذن فحضرة الربويية يعني بها (الكون)، وسنرى هذا في نص آت، وقول ابن عجيبة: (وهو النور المتدفق من بحر الجبروت)، هو نفس نظرية (الفيض) اليونانية، والعريقة في تاريخ الوثنيات. ويقول الغزالي أيضاً: ...نعلم أن للقلب ميلاً إلى صفات بهيمية.. وإلى صفات سبعية.. وإلى صفات شيطانية.. وإلى صفات ربوبية.. فهو لما فيه من الأمر الرباني يحب الربوبية بالطبع؟! ومعنى الربوبية التوحد بالكمال، والتفرد بالوجود على سبيل الاستقلال؛ فصار الكمال من صفات الإلهية، فصار محبوباً بالطبع للإنسان. والكمال بالتفرد بالوجود، فإن المشاركة في الوجود نقص لا محالة؛ فكمال الشمس في أنها موجودة وحدها، فلو كان معها شمس أخرى لكان ذلك نقصاً في حقها إذ لم تكن منفردة بكمال معنى الشمسية. والمنفرد بالوجود هو الله تعالى إذ ليس معه موجود سواه، فإن ما سواه أثر من آثار قدرته لا قوام له بذاته، بل هو قائم به... وكما أن إشراق نور الشمس في أقطار الآفاق ليس نقصاناً في الشمس بل هو من جملة كمالها، وإنما نقصان الشمس بوجود شمس أخرى.. فكذلك وجود كل ما في العالم يرجع إلى إشراق أنوار القدرة.. فإذاً معنى الربوبية التفرد بالوجود، وهو الكمال...ولذلك قال بعض مشايخ الصوفية: (ما من إنسان إلا وفي باطنه ما صرح به فرعون من قوله: ((أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى)) [النازعات:24]، ولكنه ليس يجد له مجالاً، وهو كما قال([5])...). - هذا النص مشحون، لكن أهم ما فيه هو: 1- استعمال الغزالي أساليب علم الكلام لإثبات أمر غيبي تتعذر معرفته إلا عن طريق الوحي. 2- قوله: (المنفرد بالوجود هو الله تعالى إذ ليس معه موجود سواه) يعني: أن الله جلت قدرته، لم يخلق شيئاً من العدم، إذ لو خلق شيئاً من العدم لكان هذا الشيء غير الله، ولكان مع الله موجود آخر غيره، لكن الحجة يقرر أن ليس مع الله موجود سواه، وهذه هي: (وحدة الوجود). 3- إعطاؤه لكلمة «الربوبية» معنى لم يرد عن خير البشر، ولا عن خير القرون، ولا عن تابيعهم. 4- إيراده القول الذي يعزوه إلى بعض مشايخ الصوفية والذي يفيد: أ- إن فرعون رب في الباطن، وقد صرح بهذه الربوبية. لننتبه إلى كلمة (صرّح). ب- هذه الربوبية هي في باطن كل إنسان، أي: أن كل إنسان هو رب في الباطن، لكنه لا يجد مجالاً لاستشعار هذه الربوبية أو للتصريح بها مثل فرعون. 5- تقرير الغزالي صحة هذا القول لقوله: (وهو كما قال). =========== ([1]) الرسالة القشيرية، (ص:40). ([2]) إحياء علوم الدين: (1/254). ([3]) إحياء علوم الدين: (1/242). ([4]) الفتوحات الإلهية حاشية إيقاظ الهمم، (ص9). ([5]) إحياء علوم الدين: (3/243). |
#33
|
|||
|
|||
وحدة الوجود عقيدة كل الصوفية إلا المبتدئين - يقول الدكتور سيد حسين نصر (صوفي شديد التحمس للصوفية):
..والأدب الصوفي الضخم الوارد فى جميع اللغات الِإسلامية.. هذا الأدب أشبه بمحيط يزخر بأمواج تندفع في جهات مختلفة، وتتخذ صوراً متباينة لكنها تعود دوماً إلى المنشأ الذي انطلقت منه.. لقد كان أقطاب التصوف على اتفاق في لباب ما قالوه عبر العصور وإن تباينت تعابيرهم([1]).. - يفهمنا هذا النص أن كل العبارات الصوفية المختلفة التي مرت والتي ستمر والتي لن تمر معنا، كلها تشير إلى معنى واحد، (وقد عرفناه، إنه وحدة الوجود). جاء في كتاب (دقائق التفسير الجامع لتفسير الِإمام ابن تيمية) قول ابن تيمية رحمهُ الله: (...وبين لهم الجنيد الفرق الثاني، وهو أنهم مع مشاهدة المشيئة العامة، لا بد لهم من مشاهدة الفرق بين ما يأمر الله به وما ينهى عنه، وهو الفرق بين ما يحبهُ وما يبغضه، وبين ذلك لهم الجنيد، كما قال في التوحيد: هو إفراد الحدوث عن القدم)([2]).. إلخ. أقول: رحم الله ابن تيمية، لم يكلف نفسه دراسة اللغة الصوفية وعباراتها، فانزلق مثل هذا الانزلاق. وأظن أن عبارة الجنيد (مشاهدة المشيئة العامة) هي الآن واضحة المدلول. الفصل الثالث وحدة الوجود عقيدة كل الصوفية إن كنت لم تقطع بـ (لا) عنق السِّوى في قصر (إلا الله) لستَ بواصل عن أحمد الفاروقي السرهندي. قبل البدء بقراءة هذا الفصل يجب استيعاب الفصلين السابقين، وهضمهما وتمثلهما، ليصبح القارىء ممتلكاً ناصية العبارة الصوفية، يفهمها كما يفهمها أصحابها وواضعوها، لا كما يحلو له أن يتوهم، أو كما يوهمونه. إن الصوفيين كلهم، من أولهم إلى آخرهم، (إلا المبتدئين)، يؤمنون بوحدة الوجود، وما مضى، ومئات النصوص التالية هي أدلة وبراهين. يقول أبو بكر الكلاباذي في التعرف: قال الجنيد: المعرفة وُجودُ جهلك عند قيام علمه. قيل له: زدنا. قال: هو العارف وهو المعروف. يفسر أبو بكر الكلاباذي هذا الكلام فيقول: (معناه: أنك جاهل به من حيث أنت، وإنما عرفته من حيث هو)([3]). - قوله: (العارف هو المعروف)، واضح تماماً، فالعاوف (وهو مخلوق) هو نفس المعروف (الذي هو الله). - وقول الكلاباذي: (أنك جاهل به من حيث أنت..)، فضمير المخاطب (أنت) يرمز به إلى (الفرق)، فهو يريد أن يقول: (إنك جاهل به) (أي: بالحق) من حيث تعتقد أنك (أنت) ولست (هو)، وإنما عرفته من حيث أنك (هو). وقال أيضاً (أي: الجنيد): حقيقة التوكل: أن يكون لله تعالى كما لم يكن، فيكون الله له كما لم يزل([4]). - قوله: أن يكون (أي: المتوكل الذي هو خلق)، كما لم يكن (أي: كأنه غير موجود كما كان سابقاً)، وهذا ما يسمونه (الفناء عن الخلق)، فيكون الله له كما لم يزل (أي: هو الموجود الوحيد ولا موجود غيره). - في هذه الأقوال وضوح قد يغيب عن بعض القراء، لكن بالرجوع إلى ما سبق من نصوص، وبملاحقة ما يأتي، يتبين المعنى تماماً؟ إنه «لا موجود إلا الله»، و«الكون هو الله». - وسنرى بعد قليل ما هي عقيدة الحلاج هذه التي كتمها الشبلي وأظهرها الحلاج فقُتل. وعندما صُلب الحلاج ليُقـتل، أرسل الشبلي امرأة متصوفة وأمرها أن تقول للحلاج: إن الله ائتمنك على سرٍّ من أسراره فأذعته؛ فأذاقك طعم الحديد([5]). - ونحن نعرف الآن ما هو هذا السر، ومع ذلك فسنراه من أقوال الحلاج الصريحة. ويقول إبراهيم بن محمد النصراباذي([6]): إن كان بعد النبيين والصديقين موحدٌ فهو الحلاج([7]). - نفهم مما سبق أن الشبلي والنصراباذي يوافقان الحلاج في عقيدته كل الموافقة، فعقيدته التي سنراها هي عقيدتهما. ويقول أبو سعيد الخزاز([8]): معنى الجمع: أنه أوجدهم نفسه في أنفسهم، بل أعدمهم وجود وجودهم لأنفسهم عند وجودهم له([9]). يفسر الكلاباذي هذا الكلام بقوله: معناه قوله: (كنت له سمعاً وبصراً ويداً، فبي يسمع وبي يبصر..) الخبر. ويقول الحلاج : فالحقيقة، والحقيقهّ خليقة، دع الخليقة لتكون أنت هو، أو هو أنت من حيث الحقيقة([10]). ويقول: وما كان في أهل السماء موحد مثل إبليس، حيث إبليس تغيّر عليه العين، وهجر الألحاظ في السير، وعبد المعبود على التجريد([11]). - وكتب كتاباً هذه نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، المتجلي عن كل شيء لمن يشاء. السلام عليك يا ولدي، ستر الله عنك ظاهر الشريعة، وكشف لك حقيقة الكفر، فإن ظاهر الشريعة كفر خفي، وحقيقة الكفر معرفة جليلة. أما بعد، حمداً لله الذي يتجلى على رأس إبرة لمن يشاء، ويستتر في السماوات والأرضين عمن يشاء، حتى يشهد هذا بأن لا هو، ويشهد ذلك بأن لا غيره، فلا الشاهد على نفيه مردود، ولا الشاهد بإثباته محمود، والمقصود من هذا الكتاب أني أوصيك أن لا تغتر بالله ولا تيئس منه. وإياك والتوحيد، والسلام([12]). ويقول:.. إن بعض الناس يشهدون عليّ بالكفر، وبعضهم يشهدون لي بالولاية، والذين يشهدون علي بالكفر أحب إلي وإلى الله من الذين يقرون لي بالولاية.. لأن الذين يشهدون لي بالولاية من حسن ظنهم بي، والذين يشهدون علي بالكفر تعصباً لدينهم، ومن تعصب لدينه أحبُّ إلي ممن أحسن الظن بأحد([13])... وقال: ... يا إِله الآلهة، ويا رب الأرباب، ويا من لا تأخذه سنة ولا نوم، رُدّ إلي نفسي لئلا يفتتن بي عبادك، يا من هو أنا وأنا هو، لا فرق بين أنّيتي وهويتك إلا الحدث والقدم([14])... - هذه عقيدة الحلاج، عقيدة وحدة الوجود (الكون هو الله)، أو هو جزء من الله (!) سبحانك اللهم عما يصفون. وسنرى أن هذا القسم المتعين (أي: المتشكل في أعيان) من اللاهوت، يسمى بلسان العارفين (الملكوت)، ويسميه المحجوبون أمثالنا (الملك)، أما القسم اللطيف من اللاهوت، الذي لم يتعين، فهو (الجبروت). وناقل الكفر ليس بكافر. بمعرفتنا عقيدة الحلاج نعرف عقائد كثيرين من كبار الطائفة الذين يصرحون بولايته وصدِّيقيته. ومرت معنا أمثلة منها. وقد درج كثير من كتابهم على ألا يذكروا اسمه صراحة، لئلا يفضحوا عقيدتهم، وإنما يقولون: (أحد الكبراء) أو (أحد كبار العارفين) أو ما شابه ذلك، وكمثل نورده: الكلاباذي في (التعرف) الذي يستعمل عبارة (بعض الكبار) بدلاً من اسمه الصريح، وقبل الانتقال إلى غير الحلاج، نورد له أمثله، تجري عباراتها على ألسنتهم وفي كتبهم. ويقول: صفات البشرية لسان الحجة على ثبوت صفات الصمد، وصفات الصمدية لسان الِإشارة إلى فناء صفات البشرية، وهما طريقان إلى معرفة الأصل الذي هو قوام التوحيد([15]). ويقول: نزول الجمع ورطة وغبطة، وحلول الفرق فكاك وهلاك([16]). - مصطلحاً (الجمع والفرق) معروفان الآن، وأترك للقارىء أن يفسر لِمَ كان الجمع ورطة والفرق فكاكها؟ ولمَ كان الجمع غبطة والفرق هلاكاً؟ وللتوضيح: الجمع كفر بالنسبة للشريعة، والفرق كفر بالنسبة لعقيدة الصوفية. ============ ([1]) الصوفية بين الأمس واليوم، (ص:22). ([2]) دقائق التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن تيمية، جمع وتحقيق د. محمد السيد الجليد: (1/426). ([3]) التعرف لمذهب أهل التصوف، باب: (22)، (ص:66). ([4]) التعرف، باب: (44)، (ص1). ([5]) الفكر الصوفي، (ص:62). ([6]) أبو بكر النصراباذي من نيسابور، صحب الشبلي، وخرج في آخر حياته إلى مكة، ومات فيها عام: (367هـ). ([7]) تلبيس إبليس، (ص:172). ([8]) أحمد بن عيسى الخزاز (لسان التصوف) من أهل بغداد، صحب ذا النون المصري وغيره، مات سنة: (277هـ). ([9]) التعرف، (ص1). ([10]) طاسين الصفاء. ([11]) طاسين الأزل والالتباس. ([12]) أخبار الحلاج، (ص:50). ([13]) أخبار الحلاج، (ص:26). ([14]) أخبار الحلاج، (ص:30). ([15]). ([16]) أخبار الحلاج، (ص:44). |
#34
|
|||
|
|||
المعاجم و المصطلحات الصوفية أَلف بعض علماء التصوف معاجم للمصطلحات الصوفية، واكتفى بعضهم بإدراج بعض المصطلحات، أو جملة منها في ثنايا تواليفهم مع ما يسمونه (شروحها). وفي الواقع، ليست معاجمهم معاجم شروح وتفاسير، فالقارىء العادي لا يرى فيها إلا تفسير الألغاز بالألغاز، ولا يخرج منها بأي طائل؛ وذلك لأنها في حقيقة الأمر معاجم عبارات، فهي مصنوعة من أجل هدف واحد، هو أَن تقدم للسالك عبارات إشارية مرموزة جاهزة ليستعملها في كتاباته وفي حواره مع أهل الشريعة، وكذلك ما يقدمونه في ثنايا تواليفهم مما يسمونه (شروحاً) لمصطلحاتهم. فيما يلي مجموعة من مصطلحاتهم، مع شيء من العبارات التي تشير إلى معانيها الحقيقية بأسلوب رمزي، مأخوذة من معاجمهم ومن كتبهم، ولن أذكر اسم المرجع الذي آخذ منه العبارة، لئلا أزيد في حجم الكتاب من جهة؛ ولأن ذلك لا ضرورة له من جهة ثانية، إلا في حالات خاصة. وأترك للقارىء الكريم أن يتسلى باستخراج معانيها الحقيقية ليتمرس باللغة الصوفية، وقد أوضّح بعض المعاني عندما أظن ذلك ضروريًّا، وأضع التوضيح بين قوسين، إن كان في درج كلامهم، أو أجعله بعد كلامهم بشكل تعليق أو ملحوظة..
( لقد أورد مؤلف الكتاب الكثير جدا من المصطلحات وسوف نتصر على أهمها في هذا الملخص، ) * الجمع والفرق: الجمع شهود الأغيار بالله، والفرق شهود الأغيار لله، الجمع إشارة إلى حق بلا خلق، والفرق إِشارة إِلى خلق بلا حق، وقيل: مشاهدة العبودية، الجمع شهود الحق بلا خلق، والفرق (الأول) هو الاحتجاب بالخلق عن الحق، وبقاء الرسوم الخلقية بحالها، الجمع إزالة الشعث والتفرقة بين القدم والحدث، (أي: بين الخالق والمخلوق) ... ومنها: قال قوم: الجمع ما جمع البشرية في شهود الربوبية، والتفرقة ما فرقها عن تقسيم الرسوم، وقد ذهب الجنيد إلى أن قربه بالوجد جمع، وغيبته في البشرية تفرقة (أي: قرب الله في الوجد، وغيبة الله في البشرية). وقال أبو بكر الواسطي: إذا نظرت إلى نفسك فرقت، وإذا نظرت إلى ربك جمعت.. يضيف الطوسي قوله: وهذه أحرف مختصرة في معنى الجمع والتفرقة ولمن يتدبر في فهمه إِن شاء الله. اهـ. المعنى الصريح: الجمع: هو جمع الخالق والمخلوق في وحدة، وشهود أن الله سبحانه هو كل الأشياء والموجودات، (ما الكون إلا القيوم الحي)، أو أنها جزء منه. والفرق: هو التفريق بين الخالق والمخلوق، والظن أن المخلوق غير الخالق، والمؤمن بهذا سماه الغزالي في إحيائه (مشرك تحقيقاً) ؛ لأنه يجعل مع الله شريكاً له في الوجود. * الحق بالحق للحق: يقول الطوسي: وأما معنى قولهم: (الحق بالحق للحق) فالحق هو الله عز وجل. قال أبو سعيد الخراز: عبد موقوف مع الحق بالحق للحق، يعني: موقوف مع الله بالله لله، وكذلك: (منه له به) يعني: من الله لله بالله([1])... أقول: يتوضح معنى العبارة إذا عرفنا أنها تشير إلى وحدة الوجود وإلى تحقق المعْنيِّ بها بالألوهية. * التوحيد: محو آثار البشرية وتجريد الألوهية (والمعنى الصريح هو: توحيد كل الموجودات في وجود واحد، أي: لا موجود إلا الله، وقد خانتهم العبارة في هذا القول الذي يجب أن يكون (محو آثار الخلقية وتجريد الألوهية). * الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه.. وذلك منهم مع كمال توكلهم على ربهم وصفاء توحيدهم وقطعهم النظر إلى الأغيار ورؤيتهم النعم من المنعم (معجم مصطلحات الصوفية). وهو التحقق بالعبودية على مشاهدة حضرة الربوبية بنور البصيرة، أي: رؤية الحق موصوفاً بصفاته بعين صفته...لأنه تعالى هو الرائي وصفه، وهو دون مقام المشاهدة في مقام الروح (اصطلاحات الصوفية للكاشاني). * الفناء: الطوسي في (اللمع) عن جعفر الخلدي: سمعت الجنيد يقول: وسئل عن الفناء فقال: إذا فني الفناء عن أوصافه وأدرك البقاء بتمامه. قال: وسمعت الجنيد يقول وقد سئل عن الفناء؟ فقال: استعجام كلك عن أوصافه، واستعمال الكل منك بكليتك. الخلاصة: الفناء هو الجذبة، أو ما يحصل أثناء الجذبة من غيبوبة عن الخلق، وهذا هو الفناء عن الخلق، أو ما يحصل من غيبوبة يتوهمونها أنها في الحق، ويسمونها: الفناء في الله، وهي شعور المجذوب بالألوهية. * الاتحاد: هو شهود وجود الحق الواحد المطلق، الذي الكل به موجود بالحق، فيتحد به الكل من حيث كون كل شيء موجوداً به معدوماً بنفسه، لا من حيث أن له وجوداً خاصاً اتحد به، فإنه محال. [أي: أنهم يعنون بالاتحاد (وحدة الوجود). ولننتبه إلى الجملة (لا من حيث إن له وجوداً خاصاً اتحد به، فإنه محال)]. * الجلاء: هو ظهور الذات المقدسة لذاتها في ذاتها، والاستجلاء: ظهورها لذاته في تعيناته. - لننتبه جيداً إلى الجملة الأخيرة: (ظهورها لذاته في تعيناته). * الوجود: وجدان الحق ذاته بذاته، ولهذا تسمى حضرة الجمع حضرة الوجود، وجهان لعناية، هما: الجذبة والسكون، اللذان هما جهتا الهداية، وجهان للِإطلاق والتقييد، وهما جهتا اعتبار الذات بحسب سقوط جميع الاعتبارات، وبحسب إثباتها.. ملحوظة: ليس الفرق كبيراً بين قراءة هذا الهراء وبين علك اللباد. والمعنى بدون ثرثرة هو: الوجود هو الحالة التي يجد بها المجذوب أنه هو الله، وأن كل شيء هو الله (جل الله)، أو أنه يجد أن الله موجود به، أو أنه هو موجود في الله (تعالى الله)، ولذلك يطلقون على الله سبحانه اسم (الوجود)، وللهراء تتمة حذفناها رحمة بأعصاب القارىء. * الحال: ما يرد على القلب بمحض الموهبة، من غير تعمل أو اجتناب كحزن أو خوف أو بسط أو قبض أو شوق أو ذوق (يجب الانتباه إلى معنى كلمة ذوق). ويزول بظهور صفات النفس، سواء يعقبه الميل أو لا، فإذا قام وصار ملكاً سمي مقاماً. * الحجاب: انطباع الصور الكونية في القلب، المانعة لقبول تجلي الحقائق. * حقيقة الحقائق: هي الذات الأحدية الجامعة، بجميع الحقائق وتسمى حضرهّ الجمع، وحضرة الوجود. * الحقيقة المحمدية: هي الذات (أي: الِإلهية) مع التعين الأولى، فله (أي: لمحمد) الأسماء الحسنى كلها وهو الاسم الأعظم. * السالك: هو السائر إلى الله (بل إلى الجذبة) المتوسط بين المريد والمنتهي، ما دام في السير (أي: يقوم بالذكر والخلوة). * سر التجليات: هو شهود كل شيء في كل شيء، وذلك بانكشاف التجلي الأول للقلب، فيشهد الأحدية الجمعية بين الأسماء كلها، لاتصاف كل اسم بجميع الأسماء، لاتحادها بالذات الأحدية، وامتيازها بالتعينات التي تظهر في الأكوان التي هي صورها، فيشهد كل شيء. * سر الربوبية: هو ظهور الرب بصور الأعيان، فهي من حيث مظهريتها للرب القائم بذاته الظاهر بتعيناته قائمة به موجودة بوجوده. * العارف: من أشهدهُ الله تعالى ذاته وصفاته وأسماءه وأفعاله، فالمعرفة حال تحدث عن شهود (انظر معنى كلمة شهود فيما بعد). * صورة الحق: هو محمد صل الله عليه وسلم، لتحققه بالحقيقة الأحدية والواحدية، ويعبر عنه بـ (صاد) كما لوح إليه ابن عباس رضي الله عنه، حين سئل عن معنى (ص) فقال: جبل بمكة كان عليه عرش الرحمن. * الشهود: رؤية الحق بالخلق (أي: رؤية الله في المخلوقات، يعني رؤية أن كل شيء هو الله). * شهود المفصل في المجمل: رؤية الكثرة في الذات. * الذوق: هو أول درجات شهود الحق بالحق في أثناء البوارق المتوالية، عن أدنى لبثة من التجلي البرقي، فإذا زاد وبلغ أوسط مقام الشهود، سمي شرباً، فإذا بلغ النهاية سمي ريًّا. * العبارة والإشارة والرمز: الإشارة أرق وأدق من العبارة، والرمز أدق من الإشارة، فالأمور ثلاثة: عبارات وإشارات ورموز، وكل واحدة أدق مما قبلها، فالعبارة توضح، و الإشارة تلوح، والرمز يفرح، أي: يفرح القلوب بإقبال المحبوب. - أقول: هكذا يعرف ابن عجيبة العبارة والِإشارة والرمز في كتابه (إيقاظ الهمم) ص (118)، لكن أقوال القوم واستعمالاتهم تجعل المعنى خلاف ذلك. فالعبارة: هي الجملة التي يستعملها المتصوفة فيتفاهمون بها فيما بينهم، ولا يفهم الآخرون من حقيقة معانيها شيئاً، إلا معان يتوهمونها لجهلهم، والعبارة تكون إشارة أو رمزاً أو لغزاً، وهذه الثلاثة متقاربة المعاني، ولا فائدة من تفصيلها هنا([2]). * عالم المثال: الجذبة ورؤاها. * الحضور: النفس حين تتحد بالواحد في حال الجذب (هذا التعريف هو لأفلوطين، من المعجم الفلسفي الصادر عن مجمع اللغة العربية)، وإذا أردنا أن نصيغ هذه الجملة بالعبارة الصوفية، نقول: الحضور هو الفناء في الذات. ([1]) اللمع، (ص:411). ([2]) من يريد التفصيل يمكنه الرجوع إلى كتبهم، مثل: (إيقاظ الهمم) لابن عجيبة، (ص8، 119)، وغيره من كتبهم. |
العلامات المرجعية |
|
|