#31
|
||||
|
||||
* سقوط دمشق :-
وبدأ هولاكو بعد ذلك بالتحرك بالجيش التتري ناحية الجنوب ؛ وعندما بدأ هولاكو في التحرك جاء إليه وفد من أعيان " حماه " وكبرائها يقدمون له مفاتيح المدينة ويسلمونها دون قتال ؛ فقبل منهم هولاكو المفاتيح واعطاهم الأمان الحقيقي في هذه المره لكي يشجع كل الملوك في الشام ان يفتحوا أبواب بلادهم كما فتحت حماه ؛ ثم ترك حماه وانتقل بعد ذلك إلى حمص وهي بلد صديقه فتركها ولم يدخلها واتجه مباشرة إلى دمشق والمسافة بين حمص ودممشق 120 كم فقط ؛ فعلم الناصر يوسف أمير دمشق أن هولاكو قادم إليه ؛ فعقد مجلسا إستشاريا أعلى ضم معظم قادة الجند وأخذوا في التباحث والتشاور وطال النقاش والحوار ووصلوا في النهاية إلى القرار ؛ والقرار هو الفرار فليس لديهم أي فرصة في الدفاع عن المدينة ولا التفكير أصلا في الدفاع عنها ؛ فسيفر الأمير الناصر يوسف والأمراء سيفرون والجيش كذلك وستبقى مدينة دمشق وشعبها الكبير دون حمايه ولا دفاع وإنا لله وإنا إليه راجعون ؛ وعند قرب قدوم التتار إلى المدينة إجتمع أعيان دمشق وكبرائها وقرروا أن يفعلوا مثلما فعل أهل حماه ؛ سيأخذون مفاتيح المدينة ويسلمونها إلى هولاكو ويطلبون منه الأمان ؛ ولم يخالف هذا الرأي إلا قله من المجاهدين قرروا التحصن في قلعة دمشق والدفاع حتى النهاية ؛ وبالفعل أعطى هولاكو أهل دمشق الأمان الحقيقي كما أعطى أهل حماه ؛ وقبل أن يدخل دمشق حدث مالم يكن في حسبانه فقد مات منكوخان زعيم دولة التتار ؛ فقد جائته الأخبار قبل أن يصل دمشق بقليل ؛ فقد كانت هذه أذمة كبيرة فقد كان منكوخان يحكم دوله مهولة إتسعت في وقت قياسي فحدوث أي إضطراب في الحكم سيؤدي إلى كارثة وهو أحد المرشحين لقيادة دولة التتار بدلا من قيادة الشام وما حولها ؛ فترك الجيش التتري وسارع بالعوده باتجاه العاصمة قورقورم لكنه عندما وصل إلى تبريز في إيران إكتشف أن التتار قد عينوا غيره فقد عينوا كوبي لاي أميرا على دولة التتر بكاملها ؛ وكان ذلك بمثابة الصدمة لهولاكو فلم يكمل الطريق إلى العاصمة وآثر أن يمكث في تبريز ولم يعد بعد ذلك إلى الشام ؛ واخذ يراقب الموقف من تبريز ويدير كل هذه الممتلكات الواسعة التي فتحها ؛ وحمل أعيان دمشق المفاتيح ليسلموها إلى هولاكو فاستقبلهم القائد الجديد ؛ فقبل أن يغادر هولاكو الجيش ترك على رأسه أعظم قواده " كتبغا نوين " وهو الذي دخل دمشق وأعطى أهلها الأمان الحقيقي وتقدم بجيشه لدخول المدينة العظيمة الكبيرة دمشق ؛ وقد شاهد المسلمون في دمشق مالم يتخيلوه مطلقا ؛ فقد شاهدوا ثلاثة أمراء نصارى يتبخترون في شوارع دمشق فقد كان في مقدمة الجيش " كتبغا نوين " وهو تتري نصراني وبصحبتة الملك " هيثوم " ملك أرمينيا والأمير " بهمند " أمير أنطاكيا فهذه أول مرة يدخل أمراء نصارى مدينة دمشق منذ أن تركها الرومان أيام هرقا قيصر الروم عند الفتح الإسلامي سنة 14هـ ؛ وأعطى التتار فعلا الأمان لأهل دمشق فلم يقتلوا منهم أحد اللهم إلا هولاء الذين تحصنوا في قلعة دمشق وسقطت دمشق في أواخر صفر سنة 658هـ أي بعد عامين فقط من سقوط بغداد ؛ وبدأ التتار في إدارة مدينة دمشق بواسطة النصارى فقد وضعوا على المدينة رجلا تتريا يدعى " إبلسيان " وهو وإن لم يكن نصرانيا ولكنه كان معظما جدا للنصارى محابيا جدا لهم وبدأت المدينة تعيش فترة عجيبة جدا من تاريخها. * ماذا قال ابن كثير عن سقوط دمشق ؟ فقد قال ابن كثير في كتاب البداية والنهاية تفصيلا لهذا الأمر يقول " إجتمع إبلسيان لعنه الله – بأساقفة النصارى وقساوستهم فعظمهم جدا وزار كنائسهم فصارت لهم دولة وصولة بسببه وذهبت طائفة من النصارى إلى هولاكو وأخذوا معهم هدايا فاستقبلهم وأحسن إستقبالهم ثم قدموا بعد ذلك من عنده ومعهم أمان من جهته ؛ ودخلوا من باب توما ومعهم صليب منصوب يحملونه على رؤس الناس وهم ينادون بشعارهم ويقولون ظهر الدين الصحيح دين المسيح ؛ ويذمون دين الإسلام وأهله ومعهم أواني فيها خمر لا يمرون على باب مسجد إلا رشوا عنده خمرا وقماقم ملأا خمرا يرشون منها على وجوه الناس وثيابهم ؛ ويامرون كل من يجتازون به في الذقة والأسواق من المسلمين أن يقوم لصليبهم ؛ ووقف خطيبهم إلى دكة دكان في عطفة السوق فمدح دين النصارى وذم دين الإسلام وأهله فإنا لله وانا إليه راجعون ؛ ثم إنهم دخلوا الجامع بخمر فلما وقع ذلك إجتمع قضاة المسلمين والشهود والفقهاء فدخلوا القلعة يشكون هذه الحال إلى إبلسيان زعيم التتار ؛ فأهينوا وطردوا وقدم كلام رؤساء النصارى عليهم " - كان هذا هو الوضع في دمشق ولم يكتف بذلك كتبغا بل أمر أن تحتل فلسطين ؛ فأرسل فرقة من جيشه إحتلت نابلس ثم اخترقت كل فلسطين واحتلت غزة ؛ ولم تقترب بالطبع الجيوش التترية من الإمارات الصليبية المنتشرة في فلسطين وهكذا قسمت فلسطين بين التتار والصليبيين . بهذا الإحتلال الأخير لفلسطين يكون التتار قد أسقطوا العراق بكامله وأجزاء كبيرة من تركيا وأسقطوا أيضا سوريا بكاملها ولبنان ثم فلسطين كل ذلك في عامين فقط من سنة 656 إلى سنة 658هـ ووصل التتار في فلسطين إلى غزة وأصبحوا على بعد 35 كم فقط من سيناء وبات معلوما للجميع أن الخطوة التالية للتتار مباشرة هي إحتلال مصر. |
#32
|
||||
|
||||
* الحال في مصر :-
كان يتولى الحكم في مصر في هذه الأثناء المماليك وهم الغلمان الذين إشتراهم الملك الصالح نجم الدين أيوب من أسواق الرقيق ورباهم على فنون الحرب والقتال حتى أصبحوا يشكلون الغالبية العظمى في الجيش المصري ؛ وبعد وفاة الملك الصالح حدث تصارع على الحكم بين أكبر قواده من المماليك وهما عزالدين أيبك وأقطاي وكان الذي يحكم مصر في هذه الفترة شجرة الدر زوجة الملك الصالح إلى حين قدوم ابنه توران شاه وتوليه الحكم خلفا لأبيه ؛ وتولى توران شاه الحكم ولكنه لم يلبث إلى أن قتل على يد المماليك الذين كانوا يبغضونه ؛ واشتد الصراع بين المماليك وحسم بزواج شجرة الدر من الأمير عزالدين أيبك ومقتل الأمير أقطاي وبذلك إنفرد عزالدين أيبك بحكم البلاد ؛ ولكنه أيضا لم يلبث إلى أن قتل على يد زوجته شجرة الدر لما رأت منه من إستأثاره بالحكم وتنحيتها جانبا ؛ وانفردت مرة أخرى هي بحكم مصر ولكنها قتلت شر قتله على يد زوجة عزالدين أيبك وهي أم المنصور ابن عزالدين أيبك ؛ وتولى الحكم من بعدها ابن الأمير عزالدين أيبك وكان يدعى علي ولكنه كان صغير فقام بالوصايه عليه أكبر قواد عزالين أيبك وساعده الأيمن الأمير قطز ؛ وكانت البلاد تدار فعليا في هذه الفترة العصيبة عن طريق قطز الذي كان واصيا على ابن أميره ؛ ولكنه لم يلبث إلا أن نحاه وانفرد بحكم البلاد . * من هو " قطز " :- اسمه الأصلي : محمود بن ممدود ؛ وهو من بيت مسلم ملكي أصيل ؛ فهو ابن أخت جلال الدين ابن محمد بن خوازم صاحب دولة خوارزم شاه ؛ وكان قطز أحد هولاء الذين إسترقهم التتار من أهل جلال الدين بعد فراره إلى الهند ؛ التتار هم الذين أطلقوا عليه إسم قطز فهذه كلمه بالتترية تعني الكلب الشرس ؛ ثم باعه التتار بعد ذلك في أسواق الرقيق في دمشق واشتراه أحد الأيوبيين وجاء به إلى مصر ثم انتقل من سيد إلى غيره حتى وصل في النهايه إلى الملك المعز عزالين أيبك ليصبح أكبر قواده . قطز رحمه الله - كبقية المماليك نشأ على التربية الدينية وتشبع بالحمية الإسلامية القوية وتدرب منذ صغرة على فنون الفروسية وأساليب القتال وتدرب كذلك على أنواع الإدارة وطرق القيادة نشأ رحمه الله- شابا فتيا أبيا محبا للدين معظما له وكان قويا صبورا جلدا كل هذا بلإضافة إلى أنه ولد في بيت ملكي فكانت طفولته طفولة الأمراء وهذا اعطاه ثقة كبيرة في نفسه وفوق كل هذا فإن أسرته قد هلكت تحت أقدام التتار فقد رأى بعينه أفعال التتار في بلاده يوم أن كان صغيرا وهذا جعله يفقه جيدا مأساة التتار وليس من رأى كمن سمع كل هذه العوامل مجتمعه صنعت من قطز رجلا ذا طراز خاص جدا يستهين بالشدائد لا يرهب أعدائه مهما بلغ عددهم . |
#33
|
||||
|
||||
* الأوضاع في مصر :-
بعد مقتل عزالدين أيبك ومقتل بعد ذلك زوجته شجرة الدر ضربا بالقباقيب ثم بعد ذلك تولى الحكم السلطان الطفل المنصور نور الدين علي ابن عزالدين أيبك وتولى سيف الدين قطز الوصايه على السلطان الصغير ؛ وأحدث صعود الطفل نورالدين إلى الحكم العديد من الإضطرابات وكانت أكثر الإضطرابات تأتي من قبل بعض المماليك البحرية الذين مكثوا في مصر وهم اتباع الأمير أقطاي الذي قتل سالفا ؛ وتزعم أحد هؤلاء المماليك البحرية الثورة وكان يدعى " سنجر الحلبي " وقاد حملة لتغير نظام الحكم وإعادة المماليك البحرية مرة أخرى في الصورة وكان يرغب في الحكم لنفسه بعد مقتل عزالدين أيبك ؛ فاضطر قطز إلى القبض عليه وإلى حبسه ؛ كذلك قبض قطز على بعض رؤوس الثورات المختلفة ؛ فأسرع بقية المماليك البحرية إلى الهرب إلى الشام وذلك ليلحقوا بزعمائهم الذين فروا قبل ذلك إلى الشام ؛ وعندما وصل المماليك البحرية إلى الشام أخذوا يحرضون الأمراء الأيوبيين على غزو مصر واستجاب لهم بالفعل بعض هؤلاء الأمراء ومنهم " مغيث الدين عمر " أمير الكرك ؛ فقام امير الكرك بالتحرك بجيشه تجاه مصر ووصل إليها بالفعل سنة 655هـ وحاول غزو مصر لكن خرج إليه قطز وهزمه هزيمة منكره ؛ وعاد مغيث الدين إلى الكرك وهو تراوده الأحلام لغزو مصر من جديد فعاد بجيشه مرة أخري إلى مصر سنة 656هـ فهزم للمرة الثانية. * إنفراد قطز بالسلطة :- قطز – رحمه الله – وإن كان يدير الأمور فعليا في مصر لكن الذي يجلس على الكرسي سلطان طفل ولا شك أن هذا كان يضعف من هيبة الحكم في مصر ويزعزع من ثقة الناس بملكهم ويقوي كذلك من عزيمة الأعداء إذ يرون الحاكم طفلا ؛ وفي ضوء الخطر التتري الرهيب والمشاكل الداخليه الطاحنه وإضطرابات وثورات المماليك البحرية وأطماع الأمراء الأيوبيين الشاميين في ضوء كل ذلك لم يجد قطز أي مبرر في أن يبقى السلطان الطفل نور الدين علي على كرسي أهم دوله في المنطقة والتي لم يعد هناك أي أمل لصد التتار إلا فيها ؛ هنا أخذ قطز قرار عزل السلطان الطفل نور الدين علي وصعود قطز بنفسه على عرش مصر وحدث هذا في 24 ذو القعدة سنة 657هـ. |
#34
|
||||
|
||||
* قطز وبناء الأمة :-
الوضع في مصر عندما بدأ التتار في إجتياح الشام كان متأزما جدا كما ذكرنا ؛ ولكن بعد إنفراد قطز بالسلطة بعد خلع السلطان الطفل قد إستقرت الأمور في مصر ولكن بلا شك كان هناك بعض الطامعين والحاقدين على قطز ولاشك في أن هؤلاء سوف يتحركون لإقصاء قطز عن العرش أو قتله كما اعتاد الكثير من المماليك أن يفعلوا ؛ ولا ننسى في أن الفتنه مازالت ثائره بين المماليك البحرية الذين كانوا يؤيدون شجرة الدر والمماليك المعزية الذين كانوا يؤيدون سيف الدين قطز فهذا الإنقسام ولا شك أضعف القوة العسكرية المصرية لأن المماليك البحرية كانوا هم أساس الجيش المصري تقريبا ؛ وإذا كان المسرح السياسي والعسكري الداخلي بهذه الصورة فإن المسرح السياسي الخارجي والعلاقات بين مصر والدول الأخرى المجاورة لها كانت ممزقة تماما ؛ فالعلاقات مع كل إمارات الشام كانت مقطوعة تماما ولم يكن لمصر أي سند من الشمال الإفريقي أو ليبيا ؛ فمعنى ذلك أن مصر كانت تعيش في عزلة تامة وذلك سيسهل على الوحش التتري مهمة إبتلاع مصر كما فعل بأشياعها من قبل ؛ ولم يكن الوضع الإقتصادي في مصر أحسن حالا من الوضع السياسي أو الإجتماعي فهناك أزمه إقتصادية طاحنه تمر بها البلاد وذلك بسبب الحروب الصليبية المتكررة والحروب مع أمراء الشام والفتن والصراعات على المستوى الداخلي كل هذه الأمور أدت إلى حدوث أزمة إقتصادية طاحنه ؛ كما أن الناس في مصر قد إنشغلوا بأنفسهم وبالفتن الداخليه والخارجيه فتردى الإقتصاد إلى أبعد درجات التردي وباتت البلاد على حافة الهاوية شبه المؤكده ؛ كل هذا وأعداء الأمة قد إجتمعوا عليها فهناك الغرب الصليبي الحاقد وهناك الإمارات الصليبية الموجودة في فلسطين والشام منذ عشرات السنين وهى قريبا من مصر وفوق كل ذلك هناك الخطر الكبير القادم من الشرق وهو التتار. اذا قطز رحمه الله - قد إستلم تركة مثقله بالهموم الكبيرة والمشاكل الضخمه . |
#35
|
||||
|
||||
*خطوات الإعداد لصد التتار :-
* الخطوة الأولى التي حرص عليها قطز هي إستقرار الوضع الداخلي في مصر ؛ والإستقرار لن يأتي إلا بقطع أطماع الحاقدين في كرسي الحكم الذي يجلس عليه . فقام قطز بجمع الأمراء وكبار القادة وكبار العلماء وأصحاب الرأي في مصر كل هؤلاء من المحركين الفعليين لطوائف الشعب المختلفة وقال لهم في وضوح : " إني ما قصدت من ذلك إلا أن نجتمع على قتال التتر ولا يتأتى ذلك بغير ملك ؛ فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو فالأمر لكم أقيموا في السلطه من شئتم " . فلما سمع الرجال الذين جمعهم قطز هذا الكلام هدءوا جميعا ورضوا بذلك . وبالرغم من حلمه وتواضعه مع القاده والعلماء إلا أنه لم يتخلى عن حزمه في الإدارة فقام بعزل الوزير " ابن بنت الأعز " المعروف بولاءه الشديد لشجرة الدر وولى بدلا منه وزيرا آخر كان يدين له بالولاء وهو " زين الدين يعقوب بن عبد الرفيع " وفي ذات الوقت أقر قائد الجيش في مكانه وهو " فارس الدين أقطاي الصغير " الصالحي وهو غير فارس الدين أقطاي الذي قتل سالفا أيام المعز عز الدين أيبك ؛ وهذا القائد كان من المماليك البحرية الصالحية ومع ذلك ولاه قطز وهو قائد المماليك المعزية لأن قطز وجد فيه كفائه عسكريه وقدرة قياديه وأمانه وصدق وهي مؤهلات ضروريه لأي إمارة؛ وبذلك نجد أن قطز قد حفظ الأمانه ووسد الأمر لأهله دون فقرق بين مماليك بحريه أو معزيه ؛ كما أن ذلك يعتبر ذكاءا سياسيا من قطز لأنه بتوليه هذا الرجل من المماليك البحرية الصالحيه قيادة الجيش يستميل قلوب المماليك البحرية الذين فروا في أنحاء الشام وتركيا وهذا بلا شك سيؤدي إلى إستقرار الأوضاع في مصر كما أنه سيستفيد من الخبرات العسكريه الفذه للمماليك البحريه . وعلم قطز رحمه الله- أن الناس إن لم يشغلوا بالجهاد شغلوا بأنفسهم ولذلك فبمجرد أن إعتلى عرش مصر أمر وزيره زين الدين وكذلك قائد الجيش أن يجهزا الجيش ويعدوا العده وينظموا الصفوف فانشغل كل الناس بهذه الغايه النبيله وهي الجهاد في سبيل الله وبذلك إستقر الوضع الداخلي في مصر وهدأت الأحوال والتف الناس حول أمر الجهاد وهذه النقطة أو الخطوة مهمة جدا ومحورية في الأعداد للمعركه . * الخطوة الثانية لقطز في إعداده لحرب التتار وكانت خطوة في منتهى الروعه والحكمه فقد قام بإصدر قرارا بالعفو العام والحقيقي عن كل المماليك البحريه وبدعوة من فر منهم بالعودة إلى مصر وبمجرد أن أعلن قطز هذا القرار جائت المماليك البحرية من كل مكان تتوافد على مصر فجاءوا من بلاد السلاجقة ومن الكرك وجاءوا من دمشق ومن حلب ومن غيرها وهكذا صار المماليك من جديد قوة واحده واستقبلهم قطز إستقبالا لائقا وكان القائد " ركن الدين بيبرس " زعيم المماليك البحريه قد فر مع من فروا إلى الشام وذهب الى الناصر يوسف حاكم دمشق وحلب وأنكر عليه بيبرس خضوعه وذله للتتار وعندما قدم التتار إلى دمشق فقر الناصر يوسف ومن معه إلى الجنوب وأضطر بيبرس أن يهرب هو الآخر إلى الجنوب بعد أن وجد نفسه منفردا وكانت نفسه تطوق إلى ملاقاة التتار وعندما وصل جيش الناصر يوسف إلى فلسطين ترك الناصر يوسف الجيش وهرب إلى الكرك ثم إلى الصحراء ووجد بيبرس نفسه وحيدا في غزة لم يعرف ماذا يفعل وحو وحيدا شريدا فحائه خطاب قطز يعرض عليه العوده إلى مصر معززا مكرما مرفوع الرأس محفوظ المكانه مقدما على غيره وعندما عاد بيبرس بالفعل إلى مصر عظم قطز من شأنه وأنزله دار الوزاره وعرف له قدره وقيمته فعامله كوزير بل وأقطعه قليوب وما حولها من القرى وعامله كأمير من الأمراء المقدمين بل وسيجعله بعد ذلك على مقدمة الجيوش الإسلاميه في عين جالوت ؛ وبذلك وبهذا القرار إنضمت قوة المماليك البحرية وعلى رأسها ركن الدين بيبرس إلى قوة الجيش المصري ولا شك أن هذا رفع جدا من معنويات المصريين بصفة عامة . * الخطوة الثالثة بعد الإستقرار الداخلي في مصر حرص قطز على الإستقرار الخارجي مع جيران مصر من المسلمين فالعلاقات كما قلنا كانت متوترة مع الإمارات الشاميه الأيوبيه وفكروا أكثر من مرة في غزو مصر ونقضوا الحلف الذي كان بين مصر والشام أيام نجم الدين أيوب رحمه الله – وأستقطبوا المماليك البحرية عندهم عندما فروا من مصر وهم يتربصون بمصر الدوائر بل إن الناصر يوسف الأيوبي كان قد طلب من التتار بعد سقوط بغداد أن يساعدوه في غزو مصر مع كل ذلك إلا أن قطز سعى إلى إذابة الخلافات التي بينه بين أمراء الشام فكان يسعى بصدق من أجل الوحده بين مصر والشام أو على الأقل تحييد أمراء الشام ؛ فوجد أن رأس هؤلاء الأمراء والمقدم عليهم هو الناصر يوسف الأيوبي وكان قطز يعلم تمام العلم كراهية الناصر يوسف له ويعلم أنه طلب من التتار أن يساعدوه في حرب مصر ومع كل هذا فقد أرسل له قطز رساله تفيض رقة وعزوبه وكأنه يخاطب أقرب المقربين إليه وكانت هذه الرساله قبل قدوم التتار إلى حلب ؛ وكان المظفر قطز يعلم أن أعظم أهداف الناصر يوسف أن يبقى في كرسي الحكم لذلك أرسل إليه قطز رساله عجيبه تماما فقد أرسل إليه يعرض عليه الوحده بين مصر والشام على أن يكون الناصر يوسف الأيوبي هو ملك مصر والشام وعرض عليه أن يمده بالمساعده لحرب التتار وقال له أيضا في رسالته : وإن إخترتني مساعدا لك خدمتك وإن أخترت قدمت ومن معي من العسكر نجدة لك على القادم عليك وإن كنت لا تأمن حضوري سيرت لك العساكر صحبة من تختاره . لكن الناصر يوسف لم يستجب لهذه النداءات النبيله من قطز آثر التفرق على الوحده ؛ ومرت الأيام وسقطت حلب وهددت دمشق وفر الناصر بجيشه إلى فلسطين وعند فلسطين خرج جيش الناصر عن طوعه وفضلوا الإنضمام إلى جيش مصر بقيادة المخلص المظفر قطز رحمه الله- فوجد الناصر نفسه وحيدا فاضطر بالفرار إلى الكرك ثم إلى الصحراء ؛ وإزاد قطز قوة بإنضمام جيش الناصر الشامي إليه . ولم يكتف قطز بهذه الجهود الدبلوماسيه مع الناصر وإنما راسل بقية أمراء الشام فاستجاب له الأمير المنصور صاحب حماه فجاء إلى مصر بفرقة من جيشه لينضم إلى جيش مصر الذي سيقاتل التتار ؛ وأرسل قطز أضا رساله إلى المغيث عمر صاحب الكرك وهو الذي فكر في غزو مصر مرتين وهزم على يد قطز ومع ذلك فإن قطز يتناسى ذلك ويحاول من جديد أن يضم قوة المغيث عمر للمسلمين ولكنه آثر أن يضل على الحياد مراقبا للأحداث لكي ينضم بعد ذلك إلى المعسكر الفائز ؛ ورفض الأشرف الأيوبي صاحب حمص الإستجابه لما دعاه إليه قطز وفضل التعاون مع التتار وكذلك فعل الملك السعيد حسن بن عبدالعزيز صاحب بنياس وأنضم أيضا إلى التتار بجيشه . إذا فهذا كان الوضع السياسي والعسكري في مصر في أوائل سنة 658 هـ ؛ وفي ذلك الوقت سقطت حلب ودمشق وكل فلسطين حتى غزة وأصبح التتار قريبين جدا من مصر. |
#36
|
||||
|
||||
* كيف كانت حالة الشعب المصري في ذلك الوقت :-
الشعب المصري في تلك الآونه كان يعاني من أزمه إقتصادية طاحنه ؛ فالفتن التي مرت بها مصر في الفترة الأخيرة جعلت الحكام لا يلتفتون إلى شعوبهم كان همهم فقط تثبيت دعائم الملك لذلك فإن الشعب في ذلك الوقت لم يكن بالشعب الأمثل الذي يشتاق إلى مثل ذلك اليوم الذي يقابل فيه التتار بل على العكس كان الشعب كغيره من شعوب المسلمين يخاف من التتار ويصيبه الذعر الشديد عن سماع أخبار جيوش التتار وكلما إقترب التتار بصورة أكبر من مصر إضطربت الأفئده وتدافعت النفوس ؛ لذلك كانت مهمة رفع الهمه لذلك الشعب ورفع روحه المعنويه وتحميسه على المقاومه من أصعب المهام التي واجهت قطز وإن كانت هذه المهمه شاقه فقد حفظ الله سبحانه وتعالى – لشعب مصر قيمتين عظيمتين سهلتا نسبيا من مهمة قطز وهما : 1- قيمة العلوم الشرعيه وعلماء الدين ؛ فطوال أيام الأيوبيين في مصر وترسيخ صلاح الدين الأيوبي المذهب السني في مصر بعد القضاء على الدولة الفاطمية الخبيثه أصبحت قيمة العلماء مرتفعه جدا في عيون الناس والحكام على السواء ؛ ثم كان من نتيجة أسلوب الأيوبيين في تربية المماليك على حب الدين وعلى الفروسيه والقتال أن إحتاج الحكام إلى العلماء باستمرار ؛ كما أثرت هذه التربيه في المماليك أنفسهم فأصبحوا يعظمون العلم والعلماء ؛ ولهذه القيمة العالية للعلماء في مصر كانت مصر ملاذاء للعلماء الذين لا يجدون في بلادهم فرصه لتعليم الناس ؛ ولذلك فبلإضافه إلى علماء مصر وعلماء الأزهر الشريف جاء علماء أفاضل من بلاد إسلاميه أخرى ولا شك أن هؤلاء العلماء أضافوا أضافة كبيرة للعلم في مصر ومن أشهر هؤلاء العلماء الذين جاءوا إلى مصر في ذلك الوقت الإمام " العز بن عبد السلام " وهو الملقب بسلطان العلماء فهذا العالم الجليل كان يعيش في دمشق وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وكن يحكم دمشق في فترة الملك الصالح نجم الدين أيوب أخوه الملك الصالح إسماعيل لكن كان على خلاف كبير مع الملك الصالح وكان على غير شاكلته تماما فكان يتعاون مع الصليبيين وكثيرا ما أنكر عليه العز بن عبد السلام ذلك وكان الصالح إٍسماعيل ينكر على العز دعوته للناس إلى الجهاد ومحاربة الصليبيين والتتتار فقام بسجنه ثم نفاه إلى القدس فاستقدمه الملك الصالح نجم الدين أيوب إلى مصر وعاش في مصر من سنة 643 هـ إلى هذه الأحداث . 2- قيمة الجهاد في سبيل الله ؛ فالمسلمون في مصر في تلك الآونه كانوا يؤمنون إيمانا عميقا بحتمية الجهاد في سبيل الله وما سقطت قيمة الجهاد أبدا لديهم حتى في أوقات الضعف أو في أو قات الصراع على السلطة أو في أوقات الأزمات الإقتصادية ؛ كانت الحملات الصليبية المتتاليه على مصر والشام سببا في بقاء هذا الشعور عند المسلمين في مصر ؛ فالمسلمون في مصر في ذلك الوقت كانوا يعظمون جدا كلمة الجهاد في سبيل الله فبسبب أن الجيوش الصليبيه كانت دائما أكثر عددا من الجيوش المسلمه كانت الجيوش المسلمه شديدة الإرتباط بربها عند المعارك ؛ ولذلك ماسقطت أبدا قيمة الجهاد في سبيل الله وما وجد من يسفه أمر الجهاد أو يتهم من أراد الجهاد بأنه إرهابي أو متطرف ؛ لذلك الجيش المصري كان مستعدا دائما كان حريصا دائما على إستكمال كل عناصر القوة والإستعداد . وبينما قطز في مرحلة الإعداد والإستعداد لقتال التتار إذ جاءته رسل هولاكو تخبره بأن اللقاء قد أصبح قريبا وسيكون أسرع مما يتخيل ويخبرونه أن الحرب على وشك الحدوث بينما قطز كان في حاجه إلى بضعة شهور فقط للإعداد إذا بلأيام تتسرب من بين يديه إذا بالحرب مفروضه عليه ما بين عشية وضحاها ستهجم الجحافل التتريه الهمجيه على مصر. |
#37
|
||||
|
||||
* رسالة هولاكو إلى المظفر قطز :-
جاءت الرسالة مع أربعه من رسل التتار تحمل تهديدا ووعيدا قال فيها " بسم إله السماء الذي ملكنا أرضه وسلطنا على خلقه ؛ الذي يعلم به الملك المظفر الذي هو من جنس المماليك صاحب مصر وأعمالها وسائر أمرائها وجندها وكتابها وعمالها وباديها وحاضرها وأكابرها وأصاغرها أنا جند الله في أرضه خلقنا من سخطه وسلطنا على من حل به غيظه فلكم بجميع الأمصار معتبر وعن عزمنا مزدجر فاتعظوا بغيركم وسلموا إلينا أمركم فنحن مانركم من بكى ولا نرق لمن اشتكى فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد فعليكم بالهرب وعلينا بالطلب فما لكم من سيوفنا خلاص ولا من أيدينا مناص فخيولنا سوابق وسيوفنا صواعق ورماحنا خوارق وسهامنا لواحق وقلوبنا كالجبال وعديدنا كالرمال ؛ فالحصون لدينا لاتمنع والجيوش لقتالنا لاتنفع ودعائكم علينا لا يسمع لأنكم أكلتم الحرام وتعاظمتم عن رد السلام وخنتم الأيمان وفشا فيكم العقوق والعصيان فأبشروا بالمزلة والهوان فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تعملون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ؛ فلا تطيلوا الخطاب وأسرعوا برد الجواب قبل أن تطرم الحرب نارها وتوري شرارها فلا تجدون منا جاها ولا عزا ولا كتابا ولا حرزا إذا أزتكم رماحنا أزا وتدهون منا بأعظم داهيه وتصبح بلادكم منكم خاليه وعلى عروشها خاويه فقد أنصفناكم إذ أرسلنا إليكم ومننا برسلنا عليكم ". * ماذا فعل قطزبعد وصول رسالة هولاكو :- عقد قطز مجلسا إستشاريا يضم كبار القادة والأمراء والوزراء والعلماء وبدأوا بمناقشة القضية الخطيرة المطروحه أمامهم والخيارات محدوده إما الحرب بكل تبعاتها وإما التسليم غير المشروط ؛ أما قطز فكانت القضية واضحة لديه وهو التمسك بشرع الجهاد ورفض أي سبيل إلى الإستسلام ؛ لكن الأمراء الذين إجتمعوا معه لم يكونا على نفس منوال قطز فقد تردد معظم الأمراء وظهر عليهم الهلعل والضعف والتثاقل إلى الأرض ؛ فسلك قطز معهم طريقين من أبلغ طرق التربيه والتحفيز على عمل قد يستصعبه كثير من الناس . الطريق الأول : التربية بالقدوة ؛ فقال لهم رحمه الله – في شجاعة وعزم " أنا ألقى التتار بنفسي " فلما شاهد الأمراء هذا الأمر من ملكهم تحركت الحمية في قلوبهم وتحمسوا حماسة كبيرة جدا وقاموا جميعا يوافقون قطز على لقاء التتار. الطريق الثاني : التذكير بعظم الهدف الذي من أجله خلق الإنسان وبنبل الغايه التي من أجلها نعيش على الأرض ؛ وهذه من أعظم طرق التحفيز . وقال قطز للأمراء في هذا الإجتماع " يا أمراء المسلمين لكم زمان تأكلون من بيت المال وأنتم للغزاة كارهون وأنا متوجه فمن إختار الجهاد يصحبني ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته وإن الله مطلع عليه وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين " ثم تحركت مشاعر قطز بصورة أكبر حتى وقف يخطب في الأمراء وهو يبكي ويقول " يا أمراء المسلمين من للإسلام إن لم نكن نحن " فوقعت سبحان الله- الكلمات في قلوب الأمراء فضجوا جميعا بالبكاء وقام بعض الأمراء وتكلموا بخير وقام البقيه يعلنون موافقتهم على الجهاد وعلى مواجهة التتار مهما كان الثمن ؛ وهكذا نجح قطز في خطوة هي من أصعب خطوات حياته ؛ وأخذ قطز ومن معه قرار الجهاد . وبذلك تعلن مصر الحرب على التتار وهذا من أخطر القرارات في تاريخ مصر بأكملها. |
#38
|
||||
|
||||
* قتل رسل التتار :-
بعد أخذ قرار الجهاد أراد قطز أن يفعل شيئا عمليا يكون بمثابة قطع الطريق على الأمراء إذا ارادوا النكوص عن الجهاد والإستسلام ولا يبقي أمامهم إلا الخيار العسكري فقط ؛ فقرر بعد أن إستشار مجلسه العسكري أن يقتل الرسل الأربعة الذين جاءوه برسالة هولاكو وأن يعلق رءوسهم على باب زويلة في القاهرة وذلك حتى يراها أكبر عدد من المسلمين في مصر ؛ فهو يرمي بذلك إلى طمأنة الشعب بأن قائدهم لا يخاف التتار ويرفع من معنويات الشعب بذلك كما أن ذلك الرد العنيف سيكون إعلانا للتتار بأنهم قادمون على قوم يختلفون كثيرا عن الأقوام الذين قاتلوهم من قبل ؛ فلا شك بأن ذلك سيلقى ولو شيئا قليلا من الرعب والرهبة في قلوب التتار ؛ ويبقى الهدف الأكبر وهو قطع التفكير في أي حل سلمي للقضية فبعد قتل الرسل الأربعة لن يقبل التتار بإستسلام مصر حتى لو قبل بذلك المسلمون ؛ وأصبحت الحرب معلنةتماما من كلا الطرفين ؛ وكان هذا الفعل هو إجتهاد قطز والأمراء لإعلان الحرب على التتار . * تجهز الجيش للمعركة :- بعد هذا الإجتماع وبعد قتل الرسل بدأ قطز في التجهيز السريع للجيش فقد إقتربت جدا لحظة المواجه ؛ واجهت قطز مشكلة أخرى كبيرة وهي المشكلة الإقتصادية فلابد من تجهيز الجيش المصري ولا توجد أموال تكفي لهذا التجهيز الضخم للجيش ؛ فدا قطز إلى عقد مجلسا إستشاريا يضم كبار القادة والأمراء والعلماء والفقهاء وعلى رأس العلماء الشيخ العز بن عبد السلام ؛ وبدأوا جميعا يفكرون في حل لهذه الأزمة وكيف يوفرون الدعم لهذا الجيش الكبير الخارج لملاقاة التتار ؛ فاقترح قطز أن تفرض على الناس الضرائب لدعم الجيش وانتظر قطز رأي العلماء والفقهاء في ذلك الأمر الجلل وهو تحصيل الضرائب من عامة أفراد الشعب ؛ وكان للشيخ العز بن عبد السلام تحفظ على هذا القرار فلم يوافق عليه إلا بشرطين والشرطان عسيران جدا فقال الشيخ العز بن عبد السلام " إذا طرق العدو البلاد وجب على العالم كلهم قتاله ؛ وجاز أن يؤخذ من الرعيه ما يستعان به على جهادهم بشرط ألا يبقى في بيت المال شئ وأن تبيعوا مالكم من الممتلكات والآلات ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه وتتساووا في ذلك أنتم والعامه ؛ وأما أخذ أموال العامه مع بقاء ما في أيدي قادة الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا " ؛ فقبل قطز كلام الشيخ العز بن عبد السلام وبدأ بنفسه وباع كل ما يملك وأمر الوزراء والأمراء أن يفعلوا ذلك فانصاع الجميع ؛ وتم تجهيز الجيش المسلم بالطريقة الشرعية ولم يضطروا إلى فرض ضرائب على الشعب ؛ وهكذا جهز الجيش المصري المسلم وأعد إعدادا عظيما وبأموال حلال . |
#39
|
||||
|
||||
* إعداد الخطة ووضع تحركات الجيش :-
إجتمع قطز مع مجلسه العسكري لبحث أفضل طريقه لحرب التتار وقام قطز بإلقاء البيان الأول الذي يوضح فيه الخطه العسكريه التي يراها ؛ وبمجرد أن ألقى برأيه قام المجلس ولم يقعد فقد أحدث رأي قطز دويا هائلا في المجلس العسكري ؛ فقد كانت خطته أن يخرج بجيشه لمقابلة جيش التتار في فلسطين فاعترض أغلب الأمراء لآنهم أرادوا أن يبقى الجيش في مصر ليدافع عنها ؛ فبدأ قطز يناقش الأمراء ويشرح لهم مزايا خطته فاقتنع الحضور بخطته وبدأوا في تجهيز الجيش وإعداده لعبور سيناء وللقاء التتار في فلسطين ؛ وتبدأ حمله إعلاميه تربويه في غاية الأهميه فلابد أن يجهز الشعب لهذا اللقاء الهام ولا بد أن يعيش الشعب حياة الجد والكفاح ويترك حياة اللهو واللعب ولابد أن يقوم بالحمله الإعلاميه رجال مخلصون ؛ فانطلق الشيخ العز بن عبد السلام ومن معه من العلماء يصعدون منابر المساجد ويلهبون مشاعر الناس بأحاديث الجهاد فاشتعل الحماس في قلوب الشعب ؛ وأصبح شعب مصر مؤهلا تماما ليوم اللقاء ؛ وأستمر الإعداد والتجهيز وجمع المتطوعين وتدريب المجاهدين لمدة خمسة شهور من شهر ربيع الأول سنة 658هـ عندما حاءت الرسالة من هولاكو إلى نهاية شهر رجب من نفس السنة ؛ وفي هذه الثناء في فترة الإعداد ظهرت أيضا مشكلة أخرى أمام قطز وهى أن هناك أجزاء ليست بالقليلة من فلسطين ولبنان وسوريا محتلة من قبل الإمارات الصليبية فكانت هناك إمارات صليبية في عكا وحيفا وصيدا وصور وبيروت والأزقية وأنطاكيا ..... وغيرها وكانت أقوى هذه الإمارات مطلقا إمارة عكا في فلسطين وهذه الإمارة تقع في طريق قطز إذا أراد أن يحارب التتار في فلسطين . * فماذا يفعل قطز مع الصليبيين في عكا ؟ فقطز رحمه الله يعلم بعدة أمور عن الصليبيين يجب ذكرها وهي : أولا : فالصلبيين أعداء الأمه كما أن التتار أعداء الأمه بل إن الصليبيين أشد خطرا من التتار لأن حروب التتار حروب همجيه ليست لها جذور أو أهداف أما حروب الصليبيين فهي حروب عقائديه والكراهيه الشديدة في قلوبهم للمسلمين ؛ فقطز يعلم أن الصليبيين أعدائه كما أن التتار أعدائه ولا بد أن يوضع هذا في الحسبان . ثانيا : تاريخ التعاون الصليبي التتري قديم فالتتار رغبوا في بلاد المسلمين عن طريق الصليبيين وهم الذين ساعدوا خولاكو في إسقاط بغداد وفي إحتلال مدن الشام وما تحالف التتار مع الأرمن والكرج ببعيد ؛ فمن الوارد أن يصل التتار إلى تحالف إستراتيجي خطير مع الإمارات الصليبية في الشام وفلسطين . ثالثا : مع كون هذا التحالف الصليبي التتري أمر وارد إلا أنه كان يعلم أن الصليبيين في عكا يكرهون التتار تماما كما يكرهون المسلمين بل يخافون منهم لأن التتار وكما هو معروف لا عهد لهم ؛ وهذا بلإضافه إلى الحقد الصليبيي الرهيب على هولاكو لأنه فرض بطريركا أرذو***يا يونانيا على كنائس أنطاكيا الكاثوليكيه الإيطاليه وهذا في سابقه لم تحدث قبل ذلك أبدا ؛ ونصارى عكا كانوا من الكاثوليك المتعصبين . فكل هذه الخلفيات تجعل الصليبيين في عكا يتوجسون خيفة من التتار ويعاملونهم بحذر شديد . رابعا : أن الصليبيين في ذلك الوقت في سنة 658 هـ يعانون من ضعف شديد منذ هزيمة المنصورة سنة 648 هـ ومنذ رحيل لويس التاسع ملك فرنسا إلى بلده وقتل عدد كبير جدا من الجنود الصليبيين في هذه المعركه وأسر كل الجيش الباقي منذ هذه الأحداث والصليبيون في تدهور مستمر . خامسا : إمارة عكا إمارة شديدة الحصانه بل هي أحصن مدينه على الإطلاق في كل الشام وفلسطين ؛ إستولى النصارى على عكا في سنة 492 هـ إي منذ 166 سنة ومنذ ذلك التاريخ والقواد المسلمون بما فيهم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله – يفشلون دائما في فتحها ؛ ولا شك أن قطز يعلم أن فتح المدينة في ذلك الوقت صعب جدا حتى وإن كانت عكا في أشد حالات ضعفها . في ضوء هذه المعطيات وجد قطز أن قتال الصليبيين في عكا سيؤثر سلبا على جيشه وفي نفس الوقت فإنه لا يستطيع محاربة التتار في فلسطين دون الإنتهاء من مشكلة الصليبيين في عكا فلو حدث تحالف صليبي تتري فإن هذا سوف يضع الجيش المصري بين فكي كماشه بين الصليبيين من جه والتتار من جهة أخرى ومن ثم وجد قطز أن أفضل الحلول هو الإسراع بعقد معاهدة مع الصليبيين في عكا قبل أن يتحالف معهم التتار ؛ وبالفعل أرسل قطز سفارة سريعه إلى عكا للتباحث في إمكانية إقامة هدنة سلام مؤقته بين المسلمين والصليبيين وجلس الوفد المصري مع الصليبيين يتباحثون في في أمر هذه الهدنه فقبل اصليبيوا عكا هذه الهدنه بل إن بعضهم عرض فكرة التحالف العسكري لقتال التتار لكن هذه الفكرة لم تجد موافقه عند قطز رحمه الله – فقد خاف من خيانة الصليبيين أثناء القتال وبالأخص أن جيش التتار متعاون مع بعض ملوك النصارى وقائد التتار في هذه المنطقة وهو كتبغا نصراني لذلك لم يأمن قطز في عقد تحالف عسكري معهم ولكن فقط هدنه مؤقته ؛ فعاهد قطز الصليبيين على عدم القتال وعلى الهدنه المؤقته لمدة معلومه وعلى أن يمدوا الجيش المسلم بالمؤن والطعام أثناء تواجد الجيش المسلم في أرض فلسطين ووافق الصليبيين على ذلك ؛ وأصبح بذلك الطريق إلى لقاء التتار آمنا وبدأ قطز في وضع اللمسات الأخيرة في جيشه إستعدادا للمعركة ؛ ومع كل هذا الإعداد الهائل الذي قام به قطز من وحدة للصف الداخلى والخارجي وحل للأزمة الإقتصادية وإعداد الجيش إلا أنه كان يوجد هناك بعض المتشككين في أمر قتال التتار وكانوا لا يعتقدون أن قطز سيواجه التتار حقا وكانوا يقولون أن ذلك ما هو إلا فعلا لتهدئة الأمر الداخلى في البلاد وعندما علموا أن الأمر حقا وأن الجيش سوف يتحرك لملاقاة التتار فعلا بدأوا في النكوص على عقبهم وبدأوا في الهروب من الجيش بل ومن مصر كلها فهرب بعضهم إلى الحجاز وبعضهم وصل في عروبه إلى بلاد المغرب ؛ وكان ذلك مكسبا كبيرا للجيش المصر ي إذ أنه قبل خروجه لملاقاة التتار طهر من هؤلاء الخونه والمنافقين وأصبح كل الذين خرجوا مع الجيش يعلمون أنهم سيلاقون التتار أعتى قوة على وجه الأرض في ذلك الزمان ؛ وبدأ تجمع الجيش المري في معسكر الإنطلاق في منطقة الصالحيه بمحافظة الشرقية فتجمعت الفرق المصرية من معسكرات التدريب في القاهرة والمدن الكبرى ثم أعطى قطز الجيش إشارة البدأ بلإتجاه إلى فلسطين . |
#40
|
||||
|
||||
* تحرك الجيش إلى فلسطين :-
بدأ الجيش بالتحرك إلى فلسطين في شعبان سنة 658 هـ الموافق لشهر يوليه سنة 1260م أي أن هذا التحرك كان في أشد شهور السنة حرا فالجيش سوف يخرج من الصالحية بإتجاه الشمال الشرقي حتى يصل إلى سيناء ثم يسلك طريق الساحل الشمالي إلى سيناء بحذا البحر الأبيض المتوسط حتى يصل إلى غزة فهو سيخترق الصحراء الشرقية في مصر ثم يخترق صحراء سيناء بكاملها حتى يصل إلى غزة ؛ ومع ذلك صبر الجيش المجاهد ؛ وكان قطز يتحرك بالجيش على تعبئة تامه فهو يتحرك وهو على إستعداد تام للقتال في أي وقت وذلك حتى إذا فاجئه أحد جيوش التتار كان مستعدا ؛ فوضع على مقدمة الجيش ركن الدين بيبرس رحمه الله – ليكون أول من يصطدم بالتتار ؛ وهو يهدف من ذلك إلى أن يجعل من الفرقة الأولى التي تصطدم بالتتار وعلى رأسها قائد عسكري فذ تحدث أنتصارا عسكريا ولو صغيرا وهذا النصر وإن كان صغيرا سيرفع من معنويات بقية الجيش المصري لذلك جعل أقوى فرق الجيش هي الفرقة الأماميه بل وإنه قد فصل هذه المقدمة تماما عن بقية الجيش فجعلها على مسافة طويلة من الجيش بحيث إذا كانت هناك عيون للجيش التتري تراقب خط سير الجيش المسلم فتكتشف العيون المقدمة وتظن أن هذه المقدمة هي كل الجيش المسلم وبذلك يستطيع قطز أن يخفي بقية الجيش ؛ وهكذا إجتاز ركن الدين بيبرس الحدود المصرية في 26 يوليه سنة 1260 م ودخل في فلسطين ومازال الجيش الرئيسي خارج أرض فلسطين في سيناء ؛ وبجرد أن دخلت الفرقة المصرية أرض فلسطين إجتازت بسرعة رفح وخان يونس ودير البلح وإقتربوا جدا من غزة ورأتهم عيون التتار هناك وحدث ما توقعه قطز رحمه الله – ظنوا أن المقدمة هى كل الجيش والتقت الحاميه التتريه التي كانت بغزة مع مقدمة الجيش المصري وأنتصر ركن الدين بيبرس بمن معه من الجنود على الحاميه التترية في غزة وقتلوا بعضها وفر الباقون إلى الشمال ليخبروا كتبغا الذي يعسكر في سهل البقاع على بعد 300كم بالهزيمة التي وقعت للحامية التترية في غزة ويخبرونه كذلك أن الجيوش الإسلامية تتقدم باتجاه الشمال . * الإتجاه إلى عين جالوت :- إتجه الجيش المسلم بعد معركة غزة إلى الشمال بحذا البحر الأبيض المتوسط واتجوا إلى عكا وهي المدينة الإسلامية المحتله من قبل الصليبيين ؛ وعسكر قطز خارج عكا وبدأت المراسلات بين قطز وبين أمراء عكا الصليبيين فأرسل وفدا من الأمراء المسلمين ودخلوا حصن عكا وأحسن الأمراء الصليبيون إستقبالهم واكد الطرفان على ما سبق الإتفاق عليه ؛ وتكررت الزيارات أكثر من مرة واطمأن الطرفان إلى إستقرار الوضع ؛ ومن ثم عزم قطز على الرحيل وإختيار مكان مناسب للقاء الذي سيجري بعد أيام مع التتار ؛ وعندما بدأ قطز في مغادرة المنطقة حول عكا أشار إليه أحد الأمراء المسلمين الذي أرسلوا في الوفود إلى عكا بأن عكا في أشد حالات الضعف وأنهم مطمأنون إلى المعاهدة مع المسلمين ولم يتجهزوا للقتال فإذا إنقلب عليهم قطز فجأة فقد يتمكن من إسقاط حصن عكا وتحرير المدينة الإسلامية فقال له قطز في رد حاسم " نحن لا نخون العهود " ؛ وهكذا ترك قطز عكا واتجه إلى الجنوب الشرقي ليبحث عن مكان يصلح للمعركة القادمة ؛ في هذه الأثناء وصلت الأخبار إلى كتبغا فغضب غضبا شديدا وجهز جيشه وبدأ يأتي من إتجاه الشمال إلى الجنوب ليقابل الجيش المسلم في فلسطين فالمسافة بينه وهو في سهل البقاع في لبنان والحدود الفلسطينية 100كم وهي مسافة تقطع في العاده في يومين أو ثلاثة قطعها كتبغا في أكثر من شهر ؛ فانتهز الجيش المسلم الفرصه وغادر عكا باتجاه الجنوب الشرقي وأسرع قطز بإجتياز مدينة الناصره وتعمق أكثر في الجنوب الشرقي حتى وصل إلى منطقة تعرف بـ ( سهل عين جالوت ) وهو سهل يقع في الوسط تقريبا بين مدينتي نابلس في الجنوب وبيسان في الشمال وهى بالقرب من مخيم جنين حاليا وهو سهل يقع في موقع فريد فهو على مسافة 60كم جنوب منطقة حطين وكذلك يقع على مسافة حوالي 60كم إلى الغرب من منطقة اليرموك ؛ فوجد قطز أن سهل عين جالوت منطقة مناسبة للقتال فهو عبارة عن سهل واسع منبسط تحيط به التلال المتوسطه من كل جوانبه إلا في الجانب الشمالي ( كشكل حدوة الحصان ) فالغرب والشرق والجنوب عبارة عن تلال متوسطة منخفضة مليئة بلأحراش والأشجار تصلح تماما لتكون مخبئا للجيوش الإسلامية |
#41
|
||||
|
||||
* ما حدث قبل معركة عين جالوت :-
أنتهى قطز من ترتيب جيشه ووضع عند فتحة السهل الشماليه مقدمة الجيش القوية بقيادة ركن الدين بيبرس وأخفى كل الجيش وراء الأحراش والأشجار في الشرق والغرب والجنوب وانتهى قطز من هذا الإعداد والترتيب في 24 رمضان سنة 658 هـ ؛ وجاء جيش كتبغا ومر غرب بيسان وانحدر جنوبا في إتجاه عين جالوت حيث كانت القوات الإسلامية قد أخذت مواقعها ورتبت صفوفها ووقفت في ثبات تنتظر الجيش التتري . وبينما قطز في سهل عين جالوت إذا بأعداد غفيرة من المتطوعين المسلمين من أهل فلسطين يخرجون من القرى والمدن ليلتحقوا بالجيش المسلم فاستخدمهم قطز للأعمال الخدمية التي كان يقوم بها بعض الجنود ووفرهؤلاء الجنود لمهام قتاليه وقد زاد هؤلاء المتطوعين بالطبع من أعداد المسلمين وهذا من شأنه أن يلقي الرهبة في قلوب أعدائهم ؛ وغير ذلك فقد إجتمع الفلاحون من القرى المجاورة ممن لا يقوى على القتال أو الخدمة إما لكبر سن أو لعجز أو لمرض واجتمع كذلك النساء والصبيان وذلك ليصطفوا بأعداد كبيرة على طرفي سهل عين جالوت وقد علت أصواتهم بالتكبير والدعاء للمسلمين ؛ وبينما المسلمون في سهل عين جالوت إذ جاء رجل من أهل الشام وهو يسرع المسير يطلب أن يقابل أمير القوات الإسلامية قطز ومن معه من بقية الأمراء وقال أنه رسول من قبل " صارم الدين أيبك " وهو أحد المسلمين الذين أسرهم هولاكو قبل ذلك عند غزوه لبلاد الشام ثم قبل أن يعمل في الخدمة في صفوف جيش التتار وأشترك معهم في مواقعهم المختلفة وجاء معهم إلى موقعة عين جالوت ولكنه قبيل المعركة وفي اليوم السابق لها بالتحديد قرر أن يخدم جيش المسلمين فجاء رسوله إلى قطز ليخبره بثلاثة أشياء : أولا : أن جيش التتار ليس بقوته المعهوده ؛ لأن هولاكو أخذ معه عدد كبير من الجيش وهو عائد إلى تبريز بعد أن وصله نبأ موت منكو خان خاقان التتار . ثانيا : أن ميمنة التتار أقوى من الميسرة فعلى جيش المسلمين أن يقوي من الميسرة التي تجابه ميمنة التتار . ثالثا : أن الأشرف الأيوبي أمير حمص سيكون في جيش التتار ولكنه راجع نفسه وسيظهر التعاون مع التتار بينما في الواقع سينهزم بين يدي المسلمين . وكانت هذه هي الرسالة التي جاءت من صارم الدين أيبك في ذلك التوقيت ؛ فاجتمع الخبراء العسكريون المسلمون وخافوا أن تكون كل هذه الأمور مجرد حيل من التتار ولكن يجب أن نأخذ الحذر رتبوا الصفوف لربما أن تكون إحدى هذه التحذيرات من الأمور الحقيقية ؛ وبذلك إنتهى اليوم الرابع والعشرون من رمضان وقضى المسلمون هذه الليله بالقيام والإبتهال والدعاء والرجاء . |
#42
|
||||
|
||||
* معركة عين جالوت :-
جاء وقت الفجر فصلى المسلمون في خشوع ورتبوا صفوفهم بعد الصلاة واستعدوا وما هي إلا لحظات وأشرقت الشمس وكان ذلك يوم الجمعة 25 رمضان سنة 658 هـ ورأى المسلمون من بعيد جيش التتار فأتى الجيش التتري المهول من إتجاه الشمال وأقترب من سهل عين جالوت وعلى أبواب السهل وقف الجيش التتري في عدده الرهيب وعدته القويه ولم يكن داخل السهل أحد من المسلمين فالكل مختيأ وراء التلال حتى المقدمة التي كان على رأسها ركن الدين بيبرس رحمه الله – كانت مختبئه في ذلك الصباح ؛ ثم بدأت قوات المقدمة الإسلاميه بعد أن أشار لها قطز تنزل إلى سهل عين جالوت بالتدريج أمام الجيش التتري فلم تنزل مقدمة الجيش دفعة واحده إنما نزلت على مراحل وفي صورة عجيبة ولنرى وصف صارم الدين أيبك الذي في جيش التتار وكان يقف إلى جوار كتبغا نوين لهذا النزول لقوات المقدمة فقال " فلما طلعت الشمس ظهرت عساكر الإسلام وكان أول سنجق(اي كتيبه ) أحمر وأبيض وكانوا لابسين العدد المليحه فبهت كتبغا وبهت من معه من التتار فقال كتبغا في فزع يا صارم رنق من هذا ( اي لون من هذا ) فقلت رنق " سنقر الرومي " وهو أحد أمراء المماليك ؛ ونزلت كتيبة أخرى تنزل الملابس الصفراء وعليها من البهاء والجمال ما لا يوصف فقال كتبغا رنق من هذا فقلت هذا رنق " بلبان الرشيد " ؛ ثم تتابعت الكتائب الإسلاميه وكل هذه الكتائب هي المقدمة فقط بقيادة ركن الدين بيبرس وكل كتيبة بلون وفي كل مرة يسأل كتبغا رنق من هذا فيقول صارم الدين أيبك : فصار أي شيئ يطلع على لساني قلته . وبعد أن نزلت مقدمة المسلمين واكتملت بدأت الفرقة الموسيقية العسكرية تدق الطبول تنفخ في الأبواق وتضرب الصنوج النحاسيه فكانت هذه الضربات بمعاني معينه فكانت الفرق تتلقى الأوامر عن طريق الدقات التي لا يعرفها الأعداء ؛ ووقف الأمير ركن الدين بيبرس بقواته على المدخل الشمالي لسهل عين جالوت بينما ترك السهل بكامله خاليا خلفه وأقتربت ساعة الصفر ؛ فنظر كتبغا نوين إلى القوات الإسلامية وهو معتقد أنها كل الجيش فوجدها قليلة فأراد أن يحسم الموقعه من بدايتها فدخل بكل جيشه إلى سهل عين جالوت وهذا تماما ما كان يريده الملك المظفر قطز رحمه الله ؛ وأعطى كتبغا إشارة البدأ لقواته فانهمرت جموع التتار الرهيبه وهى تصيح صيحات مفزعه على مقدمة جيش المسلمين وكانت أعدادا هائله من الفرسان ينهبون الأرض نهبا باتجاه القوات الإسلامية وكان القائد المحنك ركن الدين بيبرس يقف في رباطة جأش عجيبه ومعه الأبطال المسلمون في ثبات ما تحركوا من أماكنهم واقتربت منهم جموع التتار فأعطى بيبرس إشارة البدأ لقواته فانطلقوا في شجاعه نادرة بإتجاه جيش التتار وارتطم الجيشان وارتفعت سحب الغبار الكثيف في ساحة المعركة وتعالت أصوات دقات الطبول وعلت صيحات التكبير من الفلاحين الفلسطينيين الواقفين على جنبات السهل وسرعان ما تناثرت الأشلاء وكثرت الدماء وارتفع صليل السيوف وغطى على كل شئ ؛ فهذه الفرقة وهي قوات المقدمة كانت من أحسن وأفضل فرق المسلمين وأحسن قطز إختيار أفرادها فردا فردا حتى تستطيع أن تقف هذه الوقفه الجسوره أمام هذه الجحافل من التتار ؛ وثبتت المقدمة الإسلامية ثباتا رائعا مع قلة عددها فضغط كتبغا نوين بصورة أكبر وبدأ يستخدم كل الطاقه وأدخل كل جنوده داخل السهل ولم يترك أي قوات للإحتياط خلف الجيش التتري ؛ كل هذا وقطز يرقب الموقف عن بعد ويصبر نفسه وجنده على النزول في ساحة المعركة حتى تأتي اللحظة المناسبة ؛ كان اللقاء سجالا بين الطرفين مع وجود الفجوة الهائلة في الأعداد بين الطرفين وكانت غاية المسلمين أن يستنزفوا القوات االتتريه في حرب مرهقة وكانت هذه هي الخطوة الأولى من الخطة وهو الصبر قدر المستطاع حتى تستنزف أغلب الطاقات التترية . |
#43
|
||||
|
||||
وجاء وقت تنفيذ الخطوة الثانية من الخطة الإسلامية فدقت الطبول دقات معينة لتصل الأخبار من قطز إلى بيبرس ليبدا في تنفيذ الجزء الثاني الخطير من الخطة وهو سحب جيش التتار إلى داخل سهل عين جالوت بحيث تدخل قوات التتار في الكمائن الإسلامية تمهيدا لحصارها والقضاء عليها ؛ فبدأ ركن الدين بيبرس في إظهار الإنهزام أمام التتار ويتراجع بظهره وهو يقاتل على ألا يكون هذه التراجع سريعا حتى لايلفت أنظار التتار إلى الخطة ولا يكون بطيئا جدا فتهلك القوات الإسلامية تحت الضغط التتري الكبير وكلما تراجع بيبرس خطوة إلى داخل السهل تقدم جيش التتار مكانها وقام المسلمون بتنفيذ ظاهرة الإنهزام خير قيام وتحمس كتبغا ومن معه للضغط على المسلمين وبدأوا بالفعل في دخول السهل وبأعداد كبيرة ؛ ومر ببطء على الطرفين ولكن في النهاية دخل جيش التتار بكاملة إلى داخل سهل عين جالوت وانسحب بيبرس بمقدمة الجيش إلى الناحية الجنوبية من سهل عين جالوت وفي غضون حماسة كتبغا للقضاء على جيش المسلمين لم يترك أيا من قواته الإحتياطيه خارج السهل لحماية مؤخرة الجيش فأخذ كل الجنود معه إلى داخل السهل وبذلك نجح الجزء الثاني من الخطة الإسلامية نجاحا مبهرا.
وبدأ تنفيذ الجزء الثالث بالغ الأهمية في الخطة وجاءت إشارة البدأ من قطز عن طريق الفرقة الموسيقية ونزلت الكتائب الإسلامية من خلف التلال إلى ساحة المعركة نزلت من كل جوانب الميدان من الشرق ومن الغرب ومن الجنوب وأسرعت فرقة عسكرية قوية لتغلق المدخل الشمالي لسهل عين جالوت وبذلك في دقائق معدودات أحاطت القوات الإسلامية بالتتار إحاطة السوار بالمعصم ؛ وبدأ الصراع المرير في واحده من أشد المعارك التي وقعت في التاريخ بصفة عامة فلا مجال للهرب أو المناورات ولم يكن هناك بديل عن القتال فلا بد من القتال إلى النهاية فأخرج التتار كل إمكانياتهم وبدأوا يقاتلون بحمية بالغة والمسلمون بفضل الله صابرون ثابتون ؛ وظهر تفوق الميمنة التترية كما أخبر بذلك من قبل رسول صارم الدين أيبك وبدأت هذه الميمنة تضغط على ميسرة القوات الإسلامية وظهر تاثر القوات الإسلامية بذلك وأخذت ميسرة المسلمين تتراجع تدريجيا تحت الضغط الرهيب من التتار وبدأ التتار يخترقون الميسرة الإسلامية وازدا تساقط الشهداء وظهرت الأزمة الكبرى فلو أكمل التتار إختراقهم للميسرة فسيلتفون بذلك حول الجيش الإسلامي وسوف تتعادل بذلك الكفتان بل وقد ترجح كفة التتار وهنا يصبح غلاق السهل خطرا على المسلمين كما كان خطرا على التتار ؛ فشاهد قطز المعاناه التي تعيشها ميسرة المسلمين فدفع إليها قوات إحطياطية الواحدة تلوا الأخرى ولكن الضغط التتري إستمر وبدأت معنويات بعض المسلمين في المعركة تنهار وبعضهم بدأ يشك في النصر ولا ننسى السمعه المرعبه لجيش التتار والذي قيل عنه أنه لا يهزم ؛ وهنا قرر قطز أن ينزل بنفسه في ساحة القتال فلا بد أن يثبت لجنوده أن الجهاد في سبيل الله أمنيه وأن الموت في سبيل الله مطلب لكل مسلم صادق فنزل رحمه الله – إلى أرض الموقعة وخلع خوذته وألقاها على الأرض تعبيرا عن إشتياقه إلى الشهادة وعدم خوفه من الموت وأطلق الصيحة الشهيرة واإسلاماه وألقى بنفسه وسط الأمواج المتلاطمه من البشر وفوجئ الجنود الإسلاميون بوجود القائد الملك المظفر قطز في وسطهم يعاني مما يعانون ويشعر بما يشعرون ويقاتل كما يقاتلون فالتهب حماس الجنود وهانت عليهم تماما جيوش التتار وحملوا أرواحهم على أكفهم وانطلقوا في جسارة نادرة يصدون الهجمة التترية البشعة ؛ واشتعل القتال في سهل عين جالوت واستحر القتل وعلت أصوات تكبير الفلاحين وقاتل قطز قتالا كبيرا ثم صوب أحد التتر سهمه نحو قطز فأخطئه السهم وأصاب الفرس الذي كان يركب عليه فقتل الفرس من ساعتها فترجل قطز وقاتل ماشيا لا خيل له فرئاه أحد الأمراء وهو يقاتل راجلا فجاء إليه مسرعا وتنازل له عن فرسه فرفض قطز وقال " ما كنت لأحرم المسلمين نفعك " وظل يقاتل راجلا إلى أن جاءوا إليه بفرس من الخيول الإحطياطية ؛ وبعد هذه الموقعه لامه أحد الأمراء وقال له " لما لم تركب فرس فلان فلوا أن بعض الأعداء رءاك لقتلك وهلك الإسلام بسببك " فانتفض قطز وقال في يقين " أما أنا لو قتلت فكنت أذهب إلى الجنه وأما الإسلام فله رب لايضيعه وقد قتل فلان وفلان حتى عد خلقا من الملوك فاقام الله للإسلام من يحفظه غيرهم ولم يضع الإسلام " ؛ وبدأت الكفه تميل من جديد لصالح المسلمين وارتد الضغط على جيش التتار وأطبق المسلمون الدائرة تدريجيا على التتار ؛ وتقدم أمير من أمراء المماليك في الشام الذين إنضموا إلى قطز قبل موقعة عين جالوت وهو من أمراء جيش الناصر يوسف ويدعى " جمال الدين آقوش الشمسي " تقدم وأبلى بلاءا حسنا في القتال واخترق صفوف التتار حتى وصل إلى كتبغا قائد التتار وتقاتلا فقتل كتبغا وطارت رقبته على أرض القتال وسقط زعيم التتار وبسقوطه سقطت كل عزيمه عند جيش التتار ؛ وكان مقتله نقطه محوريه في القتال فما أصبح للتتار داخل السهل من هم إلا أن يفتحوا لهم طريقا في المدخل الشمالي لسهل عين جالوت ليتمكنوا من الهرب وانطلق المسلمون خلف التتار يقتلون ويأسرون وسقطت جحافل التتار تحت أقدام المسلمين صرعى ؛ واستطاع التتار بعد لأي وشدة أن يفتحوا لهم ثغرة في المدخل الشمالي وبدأوا بالفرار باتجاه الشمال والمسلمون ورائهم لا يتركونهم . |
#44
|
||||
|
||||
* معركة بيسان :-
ووصل التتار الفارين إلى بيسان وهي على بعد 20كم شمال شرق عين جالوت ووجد التتار أن المسلمون جادون في طلبهم فلم يجدوا إلا أن يصطفوا من جديد للقتال ؛ ولتدور موقعه أخرى عند بيسان اجمع المؤرخون على أنها أصعب من عين جالوت وقاتل التتار قتالا رهيبا دافعوا عن حياتهم بكل قوة وبدأوا يضغطون على المسلمين وكادوا أن يقلبوا الأمور لمصلحتهم وابتلي المسلمون فانطلق قطز يحفز الناس ويدعوهم للثبات ثم أطلق مرة اخرى صيحته الخالدة واإسلاماه وقالها ثلاث مرات ثم قال في تضرع " يا الله أنصر عبدك قطز على التتار " فما انتهى من دعائه حتى خارت قوى التتار تماما وقضى المسلمون تماما على أسطورة الجيش الذي لا يقهر وجاءت اللحظة التي ينتظرها المسلمون منذ أربعون عاما وهي النصر على التتار ؛ وفي موقعة عين جالوت أبيد جيش التتار بكامله ولم يبق على قيد الحياه من الجيش أحد بالمرة ؛ وبعد إنتهاء المعركة نزل قطز من على فرسه ومرغ على الأرض يسجد لله شكرا . * النهاية :- وهكذا تنتهي القصة القصة التي كثرت فيها الدماء والأشلاء والقتلى ؛ قصة التتار الذين أرهبوا العالم في أقل من خمسين عاما فقتلوا وخربوا ونهبوا وهتكوا أعراضا وكان يجب أن يكون لكل قصة نهاية ونهاية هذه القصة مشرفة لأن التتار إنتهوا وذهبوا كما ذهب الفرس والروم من قبلهم على يد المسلمين وعلى يد البطل المغوار قطز رحمه الله- فكانت معركة عين جالوت ثم معركة بيسان كانت النهاية الحقيقية للتتار فبدأت قوتهم تتزعزع وبدأ الناس المدنيين في البلاد التي أحتلت من قبل التتار يثورون ويقاتلون التتار الذين كانوا في السابق يخافون فقط من سماع أخبارهم ؛ ولكن سبحان الله بعد معركة عين جالوت وفناء جيش التتار بكاملة رأى الناس التتار على حقيقتهم فبدأوا ينتفضون ضدهم وبدأوا يخرجونهم من بلادهم البلد تلوا الأخرى فأخرجوهم من الشام ومن العراق ومن إيران وما وراءها حتى إندثروا وعادوا من حيث أتوا من منغوليا في أقصى أسيا ؛ وبذلك تنتهي قصة وإمبراطورية التتار التي كان يقال عنها أنها لاتقهر على يد عبد من عباد الله وهو القائد المظفر قطز رحمه الله . تمت |
#45
|
||||
|
||||
بارك الله فيك اخى العزيز
وأسأل الله العى العظيم ان ينصر الاسلام وان يعلى كلمتة بنا لا بغيرنا وان يجعلنا واياكم فى خدمة هذا الدين العظيم وارجو ا ان تتقبل خالص تحياتى لك على هذا العمل العظيم
__________________
اللهم اجعل لى فى قلوب عبادك ودا
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم |
العلامات المرجعية |
|
|