اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > الاقسام المميزة > أخبار و سياسة

أخبار و سياسة قسم يختص بعرض الأخبار و المقالات من الصحف يوميا (المصرية والعربية والعالمية )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 13-02-2012, 08:50 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 14-02-2012, 04:06 AM
الصورة الرمزية راغب السيد رويه
راغب السيد رويه راغب السيد رويه غير متواجد حالياً
مشرف عام اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 9,313
معدل تقييم المستوى: 24
راغب السيد رويه is a jewel in the rough
افتراضي

اليوم السابع تقرأ فى الحلقة الرابعة عشرة من كتاب هيكل بدار الشروق "مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان".. ماذا نعرف عنه.. كاتب أمريكى يؤلف كتاباً عن "مبارك" ويكشف ناشره أنه لا يصلح للنشر

الثلاثاء، 14 فبراير 2012 - 03:37
الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل

- لا أحد كان قادراً على تصور أن الحقيقة فى مصر هى ما بدا على المحطوطة

- كانت نصيحة مبارك لخالد عبد الناصر: اسمع يا ابنى.. تبسبس آه.. تهلس آه.. لكن تسيِّس لأ!!

•يواصل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل رصد مشوار الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، من المنصة إلى الميدان، وفى الحلقة الرابعة عشرة، يرى الكاتب الكبير، أن "مبارك" لم يترك دائرة الضوء، بل ظل قضية مثارة جارية على الألسن فى كل حديث عام، واردة فى حساب التطورات التى عاشتها وتعيشها مصر ولو من باب مسئوليته عنها دون حساب حقيقى حتى الآن.. ويواصل قائلاً:
كان تعبير الرجل الذى لا يعرفه هؤلاء الذين يظنون أنهم يعرفون عنه كل شىء ـ حاضرا معى أحد أيام نوفمبر سنة 1998، وكنت فيه على موعد فى مؤسسة «هاربر كولينز» على مدخل الطريق 4 الخارج من لندن، متجها إلى «وندسور» و«أوكسفورد». وكان موعدى هناك لاجتماع يبحث قائمة خاصة بالكتب التى تنشرها المؤسسة مع بداية الألفية، وهى قائمة أعدتها مجموعة عمل من مديرى النشر فى الأقسام المختلفة لـ "هاربر كولينز".

وعلى غير ترتيب مسبق جاءت ـ «چوانا» ـ سكرتيرة المدير العام للمؤسسة ورئيس مجلس إدارتها «إيدى بل»، تدعونى إلى لقائه، ومشيت معها نحو مكتبه، وهو قريب من قاعة الاجتماعات التى كنا فيها، وتطل مثلها على الشرفة الدائرية لصحن المبنى، المغطاة بالنباتات المتسلقة تكسو كل جدرانها من الدور السادس إلى الدور الأرضى.

* ويكشف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل لغز كتاب عن مبارك رفضته دار نشر فى لندن.. ويقول:
عندما دخلت مكتب «إيدى» كان أمامه ملف سميك مربوط بشريط محيط به يمسك أوراقه رزمة واحدة لا تنفرط.

وقال «إيدى بل» وهو يشير إلى الملف: لدينا مشكلة تصورنا أنك قد تستطيع مساعدتنا فى حلها، لأنها خاصة بالرئيس "مبارك".

وراح «إيدى» يشرح المشكلة.

أحد الصحفيين الأمريكيين (ذكر اسمه)، عمل مراسلا لجريدته فى القاهرة عدة سنين، واقترح علينا أخيرا أن يكتب كتابا عن «مبارك»، وقبلنا اقتراحه، ووقعنا معه عقدا، ودفعنا له مقدم أتعاب، وعاد (المراسل) إلى القاهرة، فقضى ثمانية أشهر يجمع المعلومات، ويقابل المصادر، ويتقصى الروايات، ثم كتب نصا أوليا عرضه على هيئة التحرير، لكن الهيئة لم تر فى الكتاب مادة كافية تصلح للنشر عن شخصية مهمة فى العالم العربى، وبدا ما سمعته مما لا دخل لى به، لكن «إيدى بل» أضاف:

وفى هيئة التحرير طلبوا من (المراسل) أن يراجع ما كتب، وأن يُعيد كتابة نصه، (وقرروا أن يضيفوا إلى المبلغ الذى صُرف له) ليبحث أكثر ويتوسع بزيادة مواد تجعل الكتاب أكثر جاذبية لقارئ دولى (إنجليزى ـ أمريكى ـ بالدرجة الأولى)، وحاول (المراسل) وقدم نصا جديدا، ولكن ما فيه للمرة الثانية لم يزد كثيرا عما كتبه فى المرة الأولى، وكان فى مقدورنا صرف النظر عن الموضوع كله، ولكن المشكلة أننا استثمرنا أموالا فيه، ثم إننا سبق وكتبنا إلى السفارة المصرية هنا، وإلى السفارة البريطانية فى القاهرة نطلب منهما المساعدة على تسهيل مهمته، وبالفعل رتبوا له مقابلة «مبارك» وأفرادا من أسرته، وآخرين من حاشيته، وعدد من الذين عرفوه، وتعاملوا معه فى مراحل حياته المختلفة، ومعظم ذلك مسجل على أشرطة، كما أن هناك ـ إلى جانب النص المكتوب ـ مئات الصفحات من المذكرات والوثائق التى اعتمد عليها، لكن ذلك كله لم يساعد على مخطوطة كافية لكتاب مقروء (Readable)».

أضاف "إيدى بل": "أنه حاول الاطلاع على المكتوب بنفسه، ولم يستطع أن يواصل القراءة فيه بعيدا".

أضاف: "وقد توصلنا إلى اقتراح نريد طرحه عليك، وهو أن نضع تحت تصرفك هذا النص، وكذلك تسجيلات مقابلات صاحبها ومذكراته، ثم تقوم أنت بأى جهد تراه لتجديد الكتاب، وفى هذه الحالة سوف نطلب منك إشارة رقيقة فى المقدمة إلى مَنْ قام بالعمل التحضيرى لمشروع الكتاب، وأظن أنك تقبل ذلك"!

•ويرصد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل أسباب اعتذاره عن المهمة التى أوكلها له "إيدى بل".. ويقول: ولم أكن فى حاجة إلى إطالة التفكير، وإنما قلت صراحة لـ«إيدى بل»: "إن لدى على الفور أسبابا كثيرة للاعتذار!".
- أولها: أننى لم أكتب من قبل «قصة حياة» لأحد، ولم أفعل ذلك حتى مع «عبد الناصر»، وإنما كان كتابى عنه The Cairo Documents مركزا على صداقاته الدولية، وعلى عصر العمالقة الذى عاش فيه، ثم إننى لم أفعل ذلك مع «السادات»، وإنما كان كتابى عنه مركزا على خريف سنة 1981 ـ «خريف الغضب» Autumn of Fury، وتحديدا مشهد مأساة اغتياله.

أى أن كل كتبى باللغة العربية أو الإنجليزية كانت عن مراحل أو وقائع، وليست عن أشخاص.

* وعن السبب الثانى للرفض يقول الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل:
- السبب الثانى أن السير الشخصية (Biography) تحتاج إلى تجرد وحياد، وذلك قد يتوافر لمؤرخ، لكنه يصعب إنسانيا أن يتوافر لصحفى، وصحفى له موقف، وهذا ثانى أسبابى للاعتذار.

- هناك سبب ثالث نفسى أكثر منه عملى، وهو أن القبول بمثل هذه المهمة قد يقتضى منى طلب مقابلة «مبارك»، أو بعض المحيطين به، وهو ما لا أريده لأسباب تخصنى، بينها حرصى على الاحتفاظ بمسافة من السياسة المصرية الجارية!!

* ويواصل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل روايته عن كتاب مبارك المرفوض، ومدى تقبل "إيدى بل" لأسباب اعتذاره..
وللحق فإن "إيدى بل" لم يواصل إلحاحه وإنما أبدى تفهما، لكنه لم يستطع صرف النظر عن مشروع الكتاب بأسره، وقد سألنى فى محاولة أخيرة "إذا كان لدىَّ مانع من قراءة المواد الجاهزة، وإبداء رأى فى إمكانية استكمالها، إذا وجدت بعد قراءة النص أن لدىَّ ما أقترحه!".

ولم أستشعر لدىَّ «مقاومة» لهذا الاقتراح، بل لعلى ببعض «خصائص» المهنة كنت مهيأ له، وطلب «إيدى» من سكرتيرته أن توضع قاعة الاجتماعات الملاصقة لمكتبه تحت تصرفى اليوم وغدا، بما يوفر لى فرصة القراءة الهادئة، وأن تجىء إلىَّ بالنص المكتوب، والصندوق الذى يحوى ما يتصل بها من الأوراق مثل محاضر وشرائط ومذكرات جمعها "المراسل" الذى كتب كتابه مرتين!!

وما بين الحادية عشرة صباحا إلى الرابعة بعد الظهر جلست فى قاعة الاجتماعات، منكبا على القراءة، وعلى الاستماع إلى مقاطع من التسجيلات.

وخرجت إلى مكتب "چوانا" أعيد إليها ما عندى، ولكنها قالت "إن رئيسها لا يزال فى مكتبه، وقد يهمه أن يرانى ليسمع منى، ودخلت إليه، ولم يترك "إيدى" لى فرصة، بل سألنى إذا كنت وجدت حلا، وهززت رأسى نفيا، وقلت: "إن الرجل "أقصد المراسل" بذل جهدا خارقا، لكنه أعطى نفسه مهمة مستحيلة!".

•ويرى الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، أن مهمة المراسل فى صناعة كتاب عن مبارك، كانت مستحيلة.. ويضيف:
وسألنى «إيدى» عما أعنيه، وقلت: «إن الصورة هنا على الورق مماثلة تماما للصورة كما تظهر هناك على الأرض، وليس فى مقدور الرجل ـ إنصافا له ـ غير أن يعرض ما رأى، إلا إذا طلبت منه ما هو خارج طاقته!!

وسألنى «إيدى بل»: «هل يمكن أن يكون ما هو مكتوب هو كل ما هناك «على الأرض»؟!» ـ وقلت تأكيدا وإنصافا للرجل: "على الأرض ـ هو كل ما هناك!!".

وفيما بعد فكرت طويلا فى المسألة، وكان مؤدى ما توصلت إليه أن النص الذى قرأته ليس كل القصة، ولكنه ما يبدو للرائين منها، لأن بطل القصة (أى «مبارك») سواء ـ للأحسن أو للأسوأ ـ لم ينس أثرا حيث ذهب، ولم يترك بصمة حيث تصرف، ولم يوقع على ورقة إلا إذا كانت مرسوما بقانون سوف يُعلن للناس، ولم يسمح بتسجيل محضر لأهم اجتماعاته، بل أجراها جميعا على انفراد، وفى الغالب الأعم فإن تصرفاته الرئاسية كانت شفوية يصعب الحصول عليها، وتجميعها، ومضاهاتها، ودراستها!!

وهنا يصدق التعبير بأن من يتصورون أنهم يعرفون كل شىء عنه ـ بظاهر ما رأوا كله ـ هم فى الواقع لا يعرفون شيئا عنه!!

•ويتناول الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل العديد من الآراء حول شخصية مبارك، راصداً العديد من أبعاد شخصية الرئيس السابق.. ويقول:
- خلال سنوات طويلة سمعت ـ دون قصد ـ آراء كثيرين ممن عرفوه.

ـ بعض من عرفوا أسرته فى «كفر المصيلحة»، وليس فيهم من يعرف عنه شخصيا شيئا محددا، وقد سمعت كثيرا عنه (كما أسلفت) من شقيقه "سامى مبارك"، لكنه كله مما أرد نفسى عن استعمال شئ منه، فهو خصوصية أسرة، ثم إنه يحوى بعضا من عقدة *** الأخ Fratricide وهو ما لا شأن لى فيه!!

ـ وبعض زملائه فى الكلية الحربية، وفى كلية الطيران، يجيبون إذا سُئلوا بأنه «لم يعط سره لأحد « على حد تعبير أحدهم، وهم يعرفون أنه يحب سماع الحكايات وروايتها، ويحب إطلاق النكات وتكرارها، لكنه وراء ذلك كتوم!!

ـ بعض هؤلاء أضافوا أنه رجل يثابر أكثر منه رجل يفكر، وهو مستعد بالنشاط العضلى يعوض ما يفوت عليه بالنشاط العقلى، وهو جاهز لذلك طول الوقت.

ـ وبعض هؤلاء يقولون إنه شديد الطاعة لرؤسائه، يكرس جهده دائما لإرضائهم مهما كانت المهام التى يطلبونها منه، وأثناء الدراسة فى كلية الطيران لم يخرج فى الإجازات، وإنما كان على استعداد باستمرار للبقاء فى الكلية نوبتجيا، بينما غيره ينتظر الإجازات ويتشوق لها.

ـ وبعض زملائه يروى أنه عندما تخرَّج والتحق بأحد المطارات كان يحاول التأثير بأن يلحق طابور الصباح كل يوم قفزا من النافذة إلى ساحة التدريب أمام الناس، ليُظهر سرعة حركته.

ـ وبعض زملائه يقول إنه نال الحظوة لدى من عمل معهم من قادة الطيران، ثم دار من حولهم عندما وجد منفذا إلى وزراء الدفاع، خصوصا الفريق «محمد فوزى»، والفريق «محمد أحمد صادق»، وهو يحقق نفاذه إذا اطمأن إلى أن قادته المُباشرين لا يعلمون، أو يعلمون ولا يقولون شيئا، لأن مرؤوسهم وطَّد صلته بالمستويات الأعلى!!

ـ وبعض زملائه فى قاعدة «بلبيس» يحكون كثيرا عن أنه كان معهم وهم يشترون اللحم من سوق «بلبيس» لبيته ولأسرة قرينته، لأن أسعارها أوفر، مع حرصه على أن يأخذ ورقة بالسعر ليستوفى حقه "بلطافة" (على حد تعبير القائل) دون أن يطلب بنفسه "وذلك لا عيب فيه"

ـ وزميل آخر يحكى كيف كان غرامه شديدا بالأرغفة الصغيرة المحشوة بـ«الفول المدمس» أو بـ«الطعمية»، وهو فى السيارة من القاعدة إلى البيت أيام الإجازات يأكل معظمها.

ـ وبعيدا عن زملائه القُدامى كلهم أو بعضهم، فإن من جاءوا فى حياة "مبارك" بعدهم لا يعرفون ما هو أكثر، ففى ذكريات أحد معاونيه الذين خالطوه عن قُرب فى بعض مراحل عمره "أن انبهاره الأكبر كان بالغِنى وبالأغنياء، والثروة والأثرياء، وعندما يعرف أن أحد زملائه ينتمى إلى أسرة غنية، فإن سؤاله باستمرار كان طلب ترجمة الأوصاف إلى أرقام بسؤال "يعنى يطلع عنده كام؟!."

ـ وهو شغوف بكل ما يستطيع أن يسمع من تفاصيل عن حياة الآخرين، وتلك من خَصاله، منذ كان ضابطا صغيرا حتى أصبح رئيسا.

ثم يضيف هذا المتحدث صيغة للتعامل مع «مبارك»: «يا هنا» ذلك الذى يحتاج «مبارك» إليه، و«يا ويل» من يحتاج هو إلى «مبارك»!!

ـ وهو رجل لا ينسى مهما طال الزمن إساءة ـ أو ما يعتبره إساءة من أحد، ولا يذكر مهما قصر الزمن فضلا ـ أو ما يعتبره فضلا من أحد!!

ـ وأخيرا هناك أحد الأدباء البارزين الذين اهتموا بحضور مؤتمراته وواظبوا عليها، وحاولوا تقييمه من وجهة نظر ثقافية: «أنه ـ ذلك الأديب ـ حضر عشرات المؤتمرات لـ«مبارك»، ولم يشعر على طول ما سمع أن «مبارك» قرأ كتابا، أو تذوَّق فنا، أو استشهد ببيت شعر، أو أشار إلى قول مأثور شعرا أو نثرا!!».

ويسهب الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى سرد أطرف ما سمعه من مأثورات عن مبارك، ونصائح الرئيس السابق لـ"خالد" بن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.. ويقول:
وربما كان أطرف ما سمعت فيما يمكن اعتباره «المأثورات» هو ما رواه لى «خالد عبد الناصر» بعد لقاء مع «مبارك» بعد عودة «خالد» من غيبة طويلة خارج مصر بسبب اتهامه فى قضية شباب مصر الأحرار، والتى قيل عنها إنها دبرت اعتداءات على رعايا إسرائيل عند مجيئهم إلى مصر بعد اتفاقية السلام.

وكان «مبارك» ـ للإنصاف أيضاً ـ قد اتخذ فى هذه القضية موقفا كريما يُحسب له، وفى أثر ما شاع عن هذا الاتهام، فإنه ترك «خالد عبد الناصر» يسافر من مصر سنوات، وعندما عجز «خالد» عن تحمُّل الغيبة عاد ـ ورأى «مبارك» أن يلتقيه لقاء أب بابنه.

وكانت رواية «خالد عبد الناصر» عن نصيحة «مبارك» له ـ وقد رواها «خالد» عنه بجد، ولم أستطع أن آخذها كذلك.

كانت نصيحة «مبارك» قُرب نهاية اللقاء قوله:

ـ اسمع يا ابنى: تبسبس آه ـ تهلس آه ـ لكن تسيِّس لأ!!

وترجمة القول: "تبسبس" من بيزنسBusiness) ) ـ و«تهلس» (مفهومة دون ترجمة) ـ وتسيِّس (من السياسة(!

وبالتالى فالحكمة المقصودة هى أن كل المجالات حلال، وأما مجال السياسة فهو الحرام شخصيا!!

وعن آخر الصفات التى رصدها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل عن مبارك، أنه لا يحب أن يسمع كلمة طيبة من غيره هو، بحسب رواية رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريرى.
كانت الصفة الأخرى التى ركز عليها هؤلاء الذين يعرفون «مبارك» عن قُرب هو أنه لا يحب أن يسمع كلمة طيبة عن غيره هو، وقد لمحت هذه الخاصية من خلال موقف رواه لى رئيس الوزراء اللبنانى السابق «رفيق الحريرى»، فقد تصادف أن «رفيق الحريرى» فى أول زيارة رسمية له إلى مصر بعد توليه منصب رئيس الوزراء، نزل فى فندق «شيراتون» الجزيرة، وهو شبه ملاصق لمكتبى، واتصل بى «رفيق الحريرى» فى الساعة الثامنة صباحا يقول لى إنه استيقظ مبكرا ويسأل إذا كان يستطيع أن يجىء إلىَّ الآن، ورحبت، وجاء «رفيق الحريرى»، وأول ما بدأ به قوله أنه التقى «مبارك» بالأمس، وأن «الرئيس» وضعه فى موقف شديد الحرج، فقد حضر وزير الخارجية المصرى وقتها ـ السيد «عمرو موسى» ـ الدقائق الأخيرة من اللقاء، وبعد انتهائه مشى «مبارك» من حيث كان يجلس مع ضيفه إلى باب قاعة الاجتماع ووراءهما السيد "عمرو موسى".

وقال «رفيق الحريرى»: «إننى أوقعت «عمرو موسى»، وأوقعت نفسى فى حرج شديد»، وراح يحكى أنه أراد مجاملة الرئيس المصرى بمدح وزير خارجيته، فقال له: "سيادة الرئيس اسمح لى أن أهنئك على نشاط وزير خارجيتك".

وتوقَّف «مبارك» فى مكانه، وقد بدا عدم ارتياحه قائلا لرفيق الحريرى، و«عمرو موسى» يسمع: "إيه.. وزير الخارجية لا يرسم سياسة .. رئيس الدولة يرسمها."!!

ولم يكتف بذلك بل التفت إلى «عمرو موسى» قائلا له: "عمرو.. اشرح للأخ «رفيق» أن وزراء الخارجية لا يرسمون السياسة، ولكن ينفذونها فقط!".

وكان تعليق «رفيق الحريرى» أنه كان فى "نص هدومه" من شدة ما أحس بالحرج لنفسه ولوزير الخارجية المصرى، وقد ظن أنه يمدحه!!

ثم أتيح لى أن أسمع قصة مشابهة إلى حد ما، وهى تتعلق بى مباشرة، فقد حدث أن الرئيس «مبارك» قام بزيارة رسمية لليابان، واحتفلت به أكبر دور النشر هناك وهى «يوميورى شيمبون»، فأقامت له حفل غداء، دعت إليه جمعا من الشخصيات، وجلس الضيف المصرى بجانب رئيس مجلس إدارة مؤسسة «يوميورى» وهى عملاق فى عالم النشر، وصحيفتها اليومية «يوميورى شيمبون» توزع فى اليوم 6 ملايين نسخة.

ـ وقال المضيف لضيفه وهو يظن أنه يجامله: أنت تعرف يا سيادة الرئيس أن أحد كتابكم يشارك ثلاثة غيره من «كبار الكُتَّاب» فى مقال شهرى يُنشر فى «يوميورى شيمبون»، وهم يتناوبون عليه كل شهر، كل واحد منهم يكتبه أسبوعا، لأننا نقصد أن نجعل القارئ اليابانى متصلا بالعالم الخارجى، (وتفضل الرجل فذكر أسماء الكُتَّاب الأربعة من العالم وبينهم اسمى).

ورد الرئيس «مبارك» قائلا:
ـ «ولكن (تفضَّل هو الآخر بذكر اسمى) ليس معنا ـ هو ممن يعارضوننى».

ودُهش رئيس مجلس إدارة «يوميورى شيمبون»، وأغلق باب المناقشة فى الموضوع على الطريقة اليابانية، قائلا مشيرا لضيفه ـ إلى آنية من البللور وسط المائدة: هل تعجبك زهور الكريزانتم يا سيدى الرئيس ـ هذا موسمها فى اليابان!!

ويختم الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل الحلقة الرابعة عشرة من كتابه مبارك من المنصة إلى الميدان، بالحديث عن علاقة مبارك بالسيدة جيهان السادات والتى يراها ظاهرة تستحق الدراسة.. ويقول:
كانت علاقة الرئيس «حسنى مبارك» مع السيدة «چيهان السادات» ظاهرة تستحق الدراسة، ومع أن هذه السيدة الذكية شديدة الحرص فى حديثها عن تلك العلاقة، فقد كانت بعض العبارات والروايات تفلت منها أحيانا.

وعلى مائدة العشاء فى بيت قرينة الوزير السابق الراحل («أمين شاكر») كان مقعدى على المائدة بجوار السيدة «چيهان السادات» وأمامنا الدكتور «مصطفى خليل»، والحديث هامس، والسيدة «چيهان» تبدى ضيقها من بعض ما تتعرض له، قائلة:

"إنه («مبارك») لم يغفر لها ما بلغه من ملاحظاتها على أدائه أثناء عمله نائبا للرئيس"، والتفتت إلىَّ السيدة «چيهان» قائلة: «أنت كنت أنتقد «أنور» وسياساته، وسوف تعرف أنها «نار «أنور السادات» ولا جنة «حسنى مبارك»!!، ثم يغلب الضيق عندها على الحذر، وتقول:

«لا أعرف لماذا تمسَّك به «أنور» إلى النهاية» ـ ثم تواصل كلامها بما مؤداه «أنها أثارت مع زوجها أكثر من مرة موضوع صلاحية «حسنى مبارك» لأن يكون نائبا للرئيس، ولكن أنور السادات» كان يقاطعها كل مرة قائلا لها على حد روايتها (چى.. (كذلك كان نداؤه عليها باسمها تدليلا) هل تريدين أن تكون علاقتك سيئة برئيس الدولة القادم؟!».

وتوقفت طويلا أمام هذه العبارة الأخيرة، لأن القطع فى الأمر بهذه الصيغة له ـ أغلب الظن ـ سبب!!

وكان الدكتور «مصطفى خليل» جالسا أمامنا يتابع، وقد التقط بدوره خيط الحديث من السيدة «چيهان» ـ وراح يحكى أنه لا يذكر اجتماعا حضره مع «حسنى مبارك» (عندما كان نائبا لرئيس الحزب الوطنى، وعضوا فى لجنته العُليا) ـ ثم جرى بحث أمر من الأمور على نحو جدى من البداية إلى النهاية، صحيح أنه فى كل مرة كان هناك جدول أعمال، لكن ما كان يحدث بالفعل هو أن الاجتماعات ما تلبث أن تزدحم بالحكايات والروايات، ثم ينتهى الاجتماع.

ويستطرد مصطفى خليل: وأفتح الجرائد صباح اليوم التالى، وأجد تصريحا «طويلا عريضا» لـ «صفوت الشريف»، يستفيض ويستطرد فى الكلام عن موضوعات يُفترض أننا بحثناها ودرسناها، وقررنا فى شأنها أثناء اجتماعنا، بينما نحن فى الحقيقة لم نتطرق لها على الإطلاق.

ويضيف «مصطفى خليل»: «أنه لم يقابل «مبارك» سواء بصفته نائب رئيس الحزب الوطنى، أو بوصفه مسئولا فى النظام، إلا وقد سبق اللقاء تحذير من الحاشية بأن «سيادة الرئيس لديه من المشاكل ما فيه الكفاية، فإذا كان لديك ما يمكن أن يضايقه فـ «حاسب على الراجل»، وإذا كان عندك ما يشرح صدره، فقل ما تشاء!!».

لكن ذلك كله لا يكفى لتفسير «مبارك»، ولا لتقييم شخصيته، فهذه الأوصاف بكل ما تقدمه من دلالات وإيماءات لا تكفى، فهذا رجل مشى فى عمله الوظيفى من أصغر رتبة إلى أعلى رتبة، ومشى على خط متواصل دون عقبات أو عثرات تعترض طريقه أو تعطِّله.

ـ ثم هو رجل تساقط خصومه ومنافسوه أمامه واحدا بعد الآخر، وبقى هو بعد الجميع، وتلك استمرارية تحتاج إلى تفسير أكثر اتساعا وعمقا من كل ما هو شائع وذائع من الحكايات والروايات.

ـ ثم إن هذا رجل تقدم من الصفوف فجأة إلى قمة السلطة، وقد يقبله الناس لظروف، لكن «الظروف» ـ فى العادة ـ لا تطول إلى ثلاثين سنة!!

ـ بقيت ظاهرة لا يمكن إغفالها، وهو أنه رغم خلعه عن السلطة ـ فإن «مبارك» لم يترك دائرة الضوء، بل ظل قضية مُثارة، جارية على الألسن فى كل حديث عام، واردة فى حساب التطورات المأساوية التى عاشتها وتعيشها مصر، ولو من باب مسئوليته عنها دون حساب حقيقى حتى الآن!!

وتلك كلها ليست أمورا سهلة، تؤخذ بظواهرها.

وإنما لابد أن يكون وراءها شىء لم تلمحه الأوصاف، ولم تحسبه التقديرات.

والمشكلة أن هذا «الشىء» ـ على فرض وجوده ـ لا تظهر له علامات ولا بشارات!!
__________________
رد مع اقتباس
  #33  
قديم 16-02-2012, 06:25 AM
الصورة الرمزية راغب السيد رويه
راغب السيد رويه راغب السيد رويه غير متواجد حالياً
مشرف عام اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 9,313
معدل تقييم المستوى: 24
راغب السيد رويه is a jewel in the rough
افتراضي

اليوم السابع تقرأ فى الحلقة الخامسة عشرة من كتاب هيكل بدار الشروق مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان.. الاتصال الأخير

الخميس، 16 فبراير 2012 - 03:48
الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل

◄ مبارك يسأل: ما هو معنى احتياطى إستراتيجى؟!.. هذا كلام لا يودى ولا يجيب
◄ مكالمة زادت على عشرين دقيقة.. ومبارك لا يشير فيها إلى التوريث!
◄ خطاب إلى مبارك يعكس الحيرة بين المظاهر والمقاصد!!

◄يواصل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل رصد مشوار الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، من المنصة إلى الميدان، وفى الحلقة الخامسة عشرة، يرصد الكاتب الكبير تحت عنوان الاتصال الأخير آخر اتصال بينه وبين مبارك فى أوائل ديسمبر من عام 2003.. ويقول:

كان آخر اتصال مباشر بين الرئيس مبارك وبينى بعد ظهر 2 ديسمبر 2003، وكنت فى بيتى الريفى فى برقاش عندما قيل لى إن الرئيس مبارك على التليفون يريد أن يتحدث معى، وعلى نحو ما فإن تلك لم تكن مفاجأة لأنه سبقها ما مهَّد لها!

◄ ويسرد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل ما مهد لتلك المكالمة بينه وبين مبارك ودور الناشر إبراهيم المعلم فيها.. ويقول:

سبقها أن الأستاذ إبراهيم المعلم (رئيس مجلس إدارة دار الشروق) اتصل بى من فرانكفورت، حيث كان يحضر المعرض السنوى للكتاب، يقول: إنه يظن أن اتصالا تليفونيا مهما قد يجرى معى الآن!.

وتساءلت، وكان التفصيل لديه أن وزير الثقافة الأستاذ فاروق حسنى اتصل به فى فرانكفورت يطلب منه رقم تليفون بيتى فى برقاش، لأنهم يريدون أن يتصلوا بى.

وزادت دهشتى لأن تليفونات برقاش معروفة فى مكاتب الرئاسة، فإذا كان هناك من يطلبها الآن، إذن فإن الاتصال يجرى من خارج القنوات الطبيعية.

◄ وكان الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل مستبعداً أن يتصل به، لأن مبارك كان يتضايق من كتابات هيكل عن حرية الصحافة، وتعبير السلطة التى شاخت.. ويقول:

الغريب أننى استبعدت أن يكون الرئيس مبارك نفسه هو الذى يريد التحدث إلىَّ، فقد كنت أعرف أن ضيقه بما أكتب وأقول قد بلغ مداه، ضايقته بشدة رسالة بعثت بها إلى الجمعية العامة لنقابة الصحفيين، وهى تبحث مشروع قانون جرى التفكير فيه ومطلبه تقييد حرية الصحافة، وطلبت النقابة حضورى، وآثرت أن أكتفى برسالة إلى الاجتماع موجهة إلى مجلس نقابة الصحفيين، تلاها نيابة عنى السكرتير العام للنقابة فى ذلك الوقت الأستاذ «يحيى قلاش، وكان النص يحتوى على ما يمكن اعتباره مواجهة مباشرة:

1- إن هذا القانون استفزنى كما استفزكم، واستفز الرأى العام وحملة الأقلام وكل القوى السياسية والنقابية والثقافية فى هذا البلد.
2 - إن الأسلوب الذى اتبع فى تصميم هذا القانون وإعداده وإقراره هو فى رأيى أسوأ من كل ما احتوته مواده من نصوص، ذلك أن روح القانون لا تقبل منطق الخلسة والانقضاض، وإنما تقبل منطق إطالة النظر والحوار، والقانون بالدرجة الأولى روح، وإذا نُزعت الروح من أى حياة فما هو باقٍ بعدها لا يصلح لغير التراب!
إن روح القانون فى رأيى أهم من كل نصوصه، حتى إن استقام قصد النصوص وحَسُنَت مراميها.
وأشهد آسفا أن وقائع إعداد القانون كانت أقرب إلى أجواء ارتكاب جريمة منها إلى أجواء تشريع أحكام.
3 - إن هذا القانون فى ظنى يعكس أزمة سلطة شاخت فى مواقعها، وهى تشعر أن الحوادث تتجاوزها، ثم إنه لا تستطيع فى نفس الوقت أن ترى ضرورات التغيير، وهنا لا يكون الحل بمعاودة المراجعة والتقييم، ولكن بتشديد القيود وتحصين الحدود، وكأن حركة التفكير والحوار والتغيير تستحق أن توضع فى قفص.

لقد أحزننى تصريح منسوب للرئيس حسنى مبارك منشور فى كل الصحف أمس الخميس نُسب فيه إليه قوله بأنه إذا التزم الصحفيون بميثاق الشرف فإن القانون الجديد ينام من نفسه، ثم نُسب إليه أيضا قوله «إنه يرحب بالرأى شرط أن يكون صادقا.

ومع كل الاحترام لمقام رئاسة الدولة فإن القوانين لا تعرف النوم، وإنما تعرف السهر، وهى لا توضع لتنام بكرم أو بسحر المغناطيس، وإنما قيمة القوانين أن تعلو حركتها الذاتية فوق إرادات الأفراد.

وأصبح تعبير سلطة شاخت فى مواقعها على كل لسان، بل أصبح شعار كل المعارضين لسياسة مبارك، وظل كذلك حتى لحقته قضية التوريث، ثم جاءت محاضرة لى فى الجامعة الأمريكية فى القاهرة نوفمبر 2002، تحدَّثت فيها عن احتمالات التوريث، ونبَّهت إلى مخاطره، وثارت عواصف الغضب فى الرئاسة، وفى الحزب، وفى دوائر السلطة والحكم، وكان داعى الغضب فجائيا: من ناحية لأن السر تفجر فى العلن، ومن ناحية أخرى لأن تفجير السر وقع على غير انتظار، كما أن من يعنيهم الأمر كانوا مشغولين عما يجرى فى القاهرة باحتفالات افتتاح مكتبة الإسكندرية، وكانت احتفالات أسطورية ذكَّرت كثيرين بمهرجان افتتاح قناة السويس أيام الخديو إسماعيل وقصص الإمبراطورة الفرنسية يوچينى (التى كانت ضيفة ذلك المهرجان ولخيمته الكبرى بقرابتها فرديناند دليسيبس مهندس مشروع حفر قناة السويس).

◄ ويضيف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى سرد أسباب غضب مبارك منه، ولاسيما بعد إذاعة محاضرة الجامعة الأمريكية على قناة دريم:

وكانت محاضرة الجامعة الأمريكية قد أذيعت على قناة دريم ثلاث مرات فى يومين، ثم تنبَّه المحتفلون إلى آثارها، فإذا عاصفة الغضب تطيح بكل من كان له دخل فى إذاعتها وتكرار إذاعتها وتركز الغضب على كل رجل وسيدة كان لهما دور فى تكرار إذاعة المحاضرة، وهما المهندس أسامة الشيخ (مدير قناة دريم وقتها)، والدكتورة هالة سرحان (منسقة برامجها).

ونجا صاحب القناة الدكتور أحمد بهجت بشبه معجزة، وقال لى بنفسه بعدها: إن إذاعة هذه المحاضرة كانت على وشك أن تكلفه 2 مليار جنيه، لولا أن قدَّر الله ولطف، واستطاع شرح موقفه لمن يعنيهم الأمر.

إلى جانب ذلك، فإن الصحافة الرسمية كرَّست صفحاتها لحملات ضارية لكلام من نوع تأقلمت على متابعته من باب الرصد السياسى، وبمنطق أن كل قول يدل على قائله بأكثر مما يشير إلى سامعه!
وفى مثل هذا المناخ فقد استبعدت احتمال أن يتصل بى الرئيس مبارك، لأن حديث التوريث سوف يفرض نفسه على أى اتصال!
ولكن الرجل بالفعل خيَّب ظنى!
فهو لم يتحدث عن التوريث بكلمة، وإنما انصب كل ما قال على موضوع آخر لم أتوقعه!

◄وينتقل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل إلى تفاصيل الحوار التليفونى الذى دار مع مبارك:

جاءنى صوت الرئيس مبارك، وبدون مقدمات قائلا:
يا راجل ماذا تفعل بصحتك؟!.
كنت قد وضعت ورقا وقلما على المكتب، أحاول أن يكون لدى سجل حرفى وضرورى لمكالمة تصورتها سياسية، وتوقف القلم فى يدى، أكرر سؤال الرئيس ولكن موجها إليه:
سيادة الرئيس ماذا فعلت بصحتى؟!
قال: أنت لا تعطى نفسك فرصة العلاج الضرورى ماذا تفعل عندك؟ لابد أن تسافر فورا إلى أمريكا وتستكمل علاجك هناك، لأن صحتك ليست مهمة لك فقط، ولكن للبلد، فأنت أديت خدمات كبرى للشعب، ودورك فى الحياة العامة يشهد لك.

ودُهشت حقيقة فقد كنت أعرف ما فيه الكفاية عن رأى مبارك فى مواقفى، وفيما أكتب أو أقول تعبيرا عنها، ولم يكن فى استطاعتى وبظاهر الأمر أمامى دون حاجة إلى استعادة مخزون الذاكرة أو استقراء النوايا غير شكر الرئيس على بادرته، وكان ردى: إننى متأثر باهتمامه، شاكر لفضل سؤاله، ثم شرحت:
إن أحوالى الصحية والحمد لله الآن طيبة، وهو يعرف أننى أجريت عملية جراحية منذ أربع سنوات، وذكَّرته بأنه وقتها تفضَّل وسأل عنى ثلاث مرات فى مستشفى كليفلاند فى الولايات المتحدة، وبعد العملية فإننى عُدت إلى كليفلاند عدة مرات، وقصدت إلى أوماها مرة للفحص والمتابعة، والآن فإن ابنى الأكبر وهو أستاذ فى كلية الطب يتابع أحوالى، وهو على اتصال منتظم بأطبائى فى أمريكا، وصحتى والفضل لصاحب الفضل مستقرة، لم يطرأ عليها داعٍ للقلق من جديد!

وقاطعنى الرئيس بحزم قائلا: لا، لا، هذا المرض لا يُعالج مرة واحدة، واسمع منى، واستطرد يشرح وجهة نظره: مرة أخرى صحتى مسألة مهمة، ولابد أن أعود إلى أمريكا وأكرر العودة، ثم إن هناك موضوعا يريد أن يتحدث فيه معى بصراحة، رغم أنه يعرف الكثير عما وصفه بالكبرياء، لكنه برغم ذلك مضطر أن ينبهنى إلى أن تكاليف العلاج فى أمريكا نار مهما كانت مقدرة صاحبه، ثم يصل الرئيس إلى موقع الذروة فى كلامه فيقول: هذه المرة تكاليف علاجك ليست على حساب الدولة، وليست على حساب الأهرام، وإنما من عندى شخصيا، وبينى وبينك مباشرة دون غيرنا.

واعترضت: سيادة الرئيس أرجوك، الدولة لم تتحمل عنى نفقات علاجى فى أى وقت، والأهرام كذلك لم يتحمل مليما من نفقات علاجى حتى عندما كنت لسبع عشرة سنة رئيسا لمجلس إدارته ورئيسا لتحريره فقد تحمَّلت باستمرار تكاليفى بنفسى، واعتبرت ذلك حقى وحق الآخرين، خصوصا إذا كنت أقدر عليه.

ورد الرئيس أنه يعرف أن الدولة لم تتكلف بعلاجى، ولا الأهرام، لكن ضرورات صحتى تقتضى الآن شيئا آخر، حتى لا يعود المرض، وكرر أن المسائل المالية سوف تكون معه شخصيا، ولك أن تطلب بلا حدود وبدون تحفظ، وأنا أعرف الكثير عن عنادك، ولكن.. وتوقف قليلا ثم استطرد: محمد بيه.. المرض مالوش كبير!! ثم يستكمل العبارة: السرطان ليس لعبة وعلاجه مكلف، وفى أمريكا بالذات تكاليفه ولعة.

ونحن جربنا هذه التكاليف فى حالة سوزى (يقصد السيدة قرينته)، وكانت هذه الإشارة إلى أقرب الناس إليه دليل حميمية آسرة.

◄ ويسهب الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى إيضاح المشاعر المتناقضة التى سيطرت عليه بعدما أصر مبارك على علاجه على نفقته الخاصة.. ويقول:

والحقيقة أن إحساسا متناقضا بدأ يتسرب إلى فكرى:

من ناحية فإن الرجل فى كلامه يعبر عن اهتمام واضح بأمرى، وهذا يستحق اعترافا بفضله.

ومن ناحية أخرى فإن هذا العرض المالى بلا حدود وبدون تحفظ يتبدى لى غير مريح لا فى موضوعه، ولا فى شكله، ولا فى أى اعتبار له قيمة ومعنى، مهما كان حُسن النية لدى قائله!

ورددت: بلهجة قصدتها واضحة لا تحتمل أى التباس:
سيادة الرئيس أريد أن أضع أمامك موقفى:
العملية الجراحية التى أجريتها قبل سنوات نجحت والحمد لله، وطوال هذه السنوات فإننى تحت رعاية طبية أثق فيها، سواء فى مصر أو فى أمريكا، ومنذ عدة شهور فقط استجد عارض عُدت فيه إلى الولايات المتحدة، وظهر والحمدلله أنه أهون مما قدَّرنا.

ولو جد، لا سمح الله، جديد، فسوف أذهب إلى حيث ينصح أطبائى، وفق ما يرون من أحوالى.

وإذا حدث ذلك فإننى والحمدلله قادر على تحمل نفقات علاجى، فالحقيقة أن ما كتبت ونشرت من كتبى بمعظم لغات العالم وفر لى ما أحتاج إليه وأكثر.

وأضفت: أننى شاكر لكم كل ما أبديتم من اهتمام وكرم، ولكنى أعتقد أن هناك من يحتاج إلى ذلك أكثر منى، وفى كل الأحوال فإن عرضكم يأسرنى بفضله، وأعد أنه إذا حدث ولم تستطع مواردى أن تواجه ضروراتى، فإننى سوف أعود إليكم، معتبرا ما عرضتم علىَّ نوعا من «الاحتياطى الاستراتيجى، ألجأ له إذا احتجت، أما الآن فليس هناك ما يدعونى إلى استخدامه!

ورد الرئيس: أنت لاتزال تعاند، وقلت لك إن المرض مالوش كبير، وإن تكاليفه فى أمريكا لا تُحتمل، ثم تقول لى احتياطى استراتيجى يعنى إيه احتياطى استراتيجى!.

وقلت للرئيس والحديث كله يصبح محرجا: سيادة الرئيس، هل أنا الذى أشرح لك معنى احتياطى استراتيجى أنت بخلفيتك العسكرية تعرف ذلك أكثر منى أو غيرى معنى احتياطى استراتيجى، وما أقصده هو أن عرضكم رصيد موجود ماثل فى خلفية تفكيرى، ووجوده فى حد ذاته يطمئننى حتى بدون استعماله، وقد أستدعيه لضرورة قصوى، لكن هذه الضرورة القصوى ليست حاضرة فى هذا الوقت!.

وقال الرئيس: هذا كلام يمكن أن تكتبوه فى الجرائد، لكنه «لا يودى ولا يجيب. وانتهت مكالمتنا بطريقة حاولت كل جهدى أن تكون ودية، دون أن يضايقه اعتذارى قاطعا عن عرضه.

◄ ويكشف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل أن حديثه مع مبارك ظل يلح عليه كثيرا، وهو ما أصابه بالحيرة، خصوصا بعد محاضرته عن التوريث.. ويقول: ولساعات ظل حديثه يلح على تفكيرى، وبالحق فقد كنت حائرا فى تأويل مقاصده:
فهو لم يذكر بكلمة ما قلته فى محاضرة معارضة «التوريث، ولم يشر إليها بكلمة واحدة خلال مكالمة زادت على عشرين دقيقة.

ثم إنه أبدى حرصا لا يصح لى أن أقابله بشك فى نواياه، لكنى بأمانة تصورت أن المسألة يجب وضعها فى إطارها الصحيح، بمعنى أنه من باب التجنِّى أن أشك فى النوايا، فإنه من باب السذاجة ألا يرد الشك على بالى، وأن يكون لهذا الشك متنفسا!

وعلى نحو ما فقد تصورت أن أسجل الواقعة فى خطاب شكر مكتوب، أبعث به إليه من باب الوفاء، وفى نفس الوقت لكى يكون هناك مرجع لا يترك مجالا لسوء فهم.

وجلست فكتبت له خطابا مختصرا، سجلت فيه مجمل ما دار بيننا، وكان نصه بالحرف: القاهرة فى 3/12/2003
سيادة الرئيس..
لا أعرف كيف أعبر لكم عن عرفانى بالفضل، وتقديرى لحديثكم التليفونى المستفيض مساء الأمس (الثلاثاء 2 ديسمبر) سؤالا عن صحتى واهتماما بأمرى. واعتقادى أن نصيحتكم بشأن ضرورة ذهابى لفحص شامل فى الولايات المتحدة الأمريكية نصيحة سديدة النظر، وحقيقية بحكم تقدم العلوم والتكنولوجيا. وبالفعل فإننى كنت فى الولايات المتحدة الأمريكية فى شهر مايو الأخير على موعد مع الدكتور أرميتاج عميد كلية الطب فى جامعة نبراسكا (أوماها)، الذى قيل لى إنه من أبرز الاختصاصيين فى العارض الصحى الذى تعرضت له أوائل الصيف، وسبَّب ضغطا على القصبة الهوائية كانت له مضاعفات حتى على صوتى. وقد وضع الدكتور أرميتاج خطة علاج جرى تنفيذها فى مصر، ويبدو لى أن نتائجها ناجحة بدرجة كبيرة حتى الآن، وأنوى بمشيئة الله أن أعود إلى الولايات المتحدة لمراجعة أخرى.

إننى لا أستطيع أن أشرح لكم كيف تأثرت بعرضكم الكريم فى شأن تكاليف العلاج، وكانت عفويتكم آسرة حين أشرتم إلى أنكم وليس مؤسسة أو دولة سوف تتحملون بها، تقديرا كما تفضلتم لرجل له قيمته، وداعين إلى أن أطلب بغير حساسية وبغير تحفظ وذلك كرم عظيم. وكان بين دواعى تأثرى أنكم تعرفون سيادة الرئيس مما أكتب وأقول إننى على خلاف مع بعض توجهات السياسة المصرية، وأن تتجلى مشاعركم على هذا النحو الذى تجلت به فإن ذلك دليلا على حِس صادق، يقدر على التفرقة بين العام والخاص، وبين السياسى والإنسانى.

وقد أعجبنى قولكم إن المرض مالوش كبير لأن تكاليف العلاج فى أمريكا مهولة، وبالفعل فإننى جربت ذلك مرتين من قبل، لكن الصحة تبقى أغلى ما يحرص عليه الإنسان.

إننى سوف أحتفظ بعرضكم الكريم معى، وسوف أعود إليكم فى شأنه عند الحاجة، معتبرا أنه احتياطى استراتيجى (كما يُقال) يريح وجوده ويطمئن، وذلك فى حد ذاته فضل لا يُنسى، ونبل قصد يستحق كل عرفان ووفاء.
سلمتم سيادة الرئيس مع أخلص الشكر وأعمقه، وتقبلوا موفور الاحترام.
محمد حسنين هيكل

◄ ويرى الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل أن الخطاب الذى كتبه إلى مبارك كان من أصعب ما كتبه، لهذه الأسباب:

وفى الحقيقة فإن هذا النص كان من أصعب ما كتبت على كثرة ما كتبت! فلم يكن فى مقدورى إنكار الظاهر من فضل الرجل، ولا كان فى مقدورى ألا أسجل اعتذارى عن عرضه بطريقة لا تحتمل اللبس، ومن باب الاحتياط فقد اختبرت تأثير الخطاب على غيرى بأن أطلعت عليه على عكس العادة عددا من رؤساء التحرير المتصلين به وقتها، وبينهم الأستاذ إبراهيم نافع (رئيس مجلس إدارة الأهرام)، والأستاذ إبراهيم سعدة (رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم).

ولم يصلنى من مبارك رد ولا اتصال، وإنما كان الذى أبلغنى نوعا من رد الفعل هو الدكتور أسامة الباز الذى جاء لمقابلتى يقول لى:
إنه قرأ الخطاب، وأن النص مكتوب بعناية، لكنه (أسامة) فهم بوضوح أننى أردت تسجيل الواقعة.
وقلت لـأسامة: مرة أخرى أن ما فهمه صحيح!.
والغريب أن أحد الصحفيين من أعضاء لجنة السياسات تفضل مرة وكتب يسألنى ماذا أريد من هذه المعارضة المستمرة لسياسة الرئيس، وهو الذى كان كريما معك، وعرض أن يتكفل بعلاجك، وكنت أنت الذى اعتذرت، ورددت على غير العادة على الملأ وفى قناة الجزيرة فى سياق حديث مع مذيعها اللامع الأستاذ محمد كريشان، إذا كانوا يعايروننى وقد اعتذرت عن العرض، فكيف إذا كنت قبلته؟!.

وتوقفت بعدها اتصالاته بى، ولكن حوارى مع سياساته لم يتوقف، حتى وصلنا إلى سنة 2010، وكان رأيى أن نظام مبارك قد انتهى تاريخيا، حتى وإن بقى على قمة السلطة فى مصر سياسيا، وأن هناك انتقالا ضروريا للسلطة لابد من الترتيب له، وعرضت تصورا متكاملا يقوم فيه ما سميته مجلس أمناء للدولة والدستور بإدارة مرحلة الانتقال، وفى حضور القوات المسلحة ممثلة فى المشير محمد حسين طنطاوى، ورشحت لعضويته أسماء رجال طرحها الناس فى أحاديثهم بعفوية مرشحين صالحين للرئاسة، ومن المفارقات أن معظم من رشحتهم الآن على رأس القائمة فى سباق رئاسة الجهمورية بعد 25 يناير 2011.

واحتدمت معركة كبرى: ذلك أنه عندما طرحت اقتراح انتقال للسلطة يديره مجلس أمناء للدولة والدستور، وأن تكون القوات المسلحة حاضرة فى مشهده، وكان سؤال الصحف الموالية لمبارك، وربما أطراف أخرى مهتمة بالشأن المصرى العام، وموضع اعتراضهم على صحة المنطق الذى استندت إليه من أساسه: وهو كيف أطالب بعملية نقل بالتوافق للسلطة بعد مبارك أثناء وجوده هو شخصيا على رأس السلطة، وما الذى يدفع الرجل إلى مثل هذا التوافق، وهو الذى يريد تأبيد حكمه مادام فى قلبه نبض يخفق ونَفَس يتردد (على حد ما قال بنفسه فى خطاب شهير وأخير له)، ثم إن الرجل يفكر فى توريث سلطته، وعناده كله فى نقطة واحدة هو كيف يحدث التوريث أثناء حياته أو بعد عمر مديد عندما يحين الأجل؟!

وكان ردى على كل من سألنى فى الموضوع: أن كل استجابة سياسية تتوقف على حجم الضغوط الماثلة والمستمرة، ولم يكن فى مقدورى لحظتها أن أضيف: حتى إذا وصلنا إلى النزول فى الشوارع!!
كما أن المخاطر فى كل الأحوال لا يواجهها غير حالة تنبه ويقظة!

وكان السؤال التالى والأشد إلحاحا هو سؤال الانتقال من مبارك إلى ابنه، وكان الظاهر والباطن كلاهما يؤمن أنها عملية شديدة الصعوبة، ومحفوفة بالمخاطر، ذلك أن هناك استثمارات مهولة إقليمية ودولية ومصرية كذلك، وكلها تريد استبقاء النظام وإن بغير الرجل! وكان الخطر كل الخطر من عوامل الإقليم، وعوامل الخارج، خصوصا من جانب الولايات المتحدة الأمريكية.

وحين جاء يناير سنة 2011 فقد حدث أن تذكرت ما بدأت به من استعادة لمقولة أندريه موروا: أن غير المتوقع يحدث دائما، وأبعد الظنون أقربها إلى التحقيق!

ذلك أن الذين وضعوا استثماراتهم المهولة على مبارك كانوا أسرع الجميع إلى التخلى عنه بعد أن تجلى إصرار كتل الجماهير وطلائع الشباب معا على أن الشعب يريد إسقاط الرئيس. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية بين أول من سحبوا استثماراتهم على مبارك، فقد كان تصميمهم على أن مصر لا يجب أن تضيع من أيديهم مرة أخرى، هو رهانهم الحقيقى.

وهنا فقد كانت تلك هى الصدمة الكبرى ل«مبارك، بمعنى أنه حتى وهو يرى بحر المظاهرات، ودرجة الرفض القاطع لابنه، ظل حتى آخر لحظة مقتنعا بأن كله مدبر، وأنها قلة مندسة ولكنها منظمة وموجَّهة، ورفضها له ليس لشخصه وإنما مقصده الحقيقى إسقاط الدولة، وهو مازال قادرا على الصمود، لكن ما فاجأه ولم يكن فى حسابه هو سحب الرهان الأمريكى عليه، وربما تكشف دخائل فكره محادثة تليفونية جرت بينه وبين صديقه بنيامين أليعازار حدثت ظهر يوم 15 فبراير 2011، وبعد تخليه عن رئاسة الجمهورية، واختياره الإقامة فى شرم الشيخ، وفى هذا الحديث التليفونى وقد نشرت خبره وتفاصيله صحف إسرائيلية عديدة، كما أن بنيامين أليعازار نفسه تحدث عنه مطولا، وراويا أن مبارك ظل لنصف الساعة يشكو له كصديق من تخلى الولايات المتحدة الأمريكية عنه، ونكرانها لكل ما قام به، والغريب أنه فى انفعاله يعتبر نفسه من ضحايا الجحود الأمريكى، مثله فى ذلك مثل «شاه إيران الشاه كان ضحية ل«كارتر، وهو ضحية لـ أوباما!
ثم يضيف مبارك طبقا لـ أليعازار: أنهم بعض من فى الولايات المتحدة سوف يندمون يوما على تنكرهم له، ومن المحزن أن مبارك لم يخطر له أن يندم هو نفسه، ومن المحزن أكثر أن الرجل الذى رآه العالم يدخل ممددا على سرير طبى فى زنزانة محكمة جنايات مصرية بدا غافلا دون إحساس بالكبرياء، لا كبرياء الإنسان، ولا كبرياء التاريخ!
...................
...................
وفوق ذلك فقد ترك مصر وسط حقل ألغام!
__________________
رد مع اقتباس
  #34  
قديم 19-02-2012, 02:22 AM
الصورة الرمزية راغب السيد رويه
راغب السيد رويه راغب السيد رويه غير متواجد حالياً
مشرف عام اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 9,313
معدل تقييم المستوى: 24
راغب السيد رويه is a jewel in the rough
افتراضي

اليوم السابع تقرأ فى الحلقة الأخيرة من كتاب الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل والصادر عن دار الشروق.. مبارك وزمانه من المنصبة إلى الميدان.. عقدة التوريث

الأحد، 19 فبراير 2012 - 00:58
محمد حسنين هيكل
نقلاً عن الشروق

◄ينتهى الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل من كتابه مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان، وفى الحلقة الأخيرة يتحدث الكاتب الكبير حول قضية التوريث التى شغلت بال الجميع ليس فى مصر فقط، بل على مستوى العالم منذ سنوات، فيقول هيكل:

كانت قضية «التوريث» هى الدليل والإثبات الأظهر لمقولة أن الذين يعرفون كل شىء عن «مبارك» هم فى الواقع لا يعرفون شيئاً عنه!!

فلقد توصل كثيرون ممكن يعرفون «مبارك» إلى أنه يريد توريث ابنه الأصغر، وأن ذلك مشروع يعمل جاداً لتحقيقه، ولم أكن واحداً من الذين يعرفون «مبارك» ومع ذلك فقد كان إحساسى- دون دليل يسنده - أن الرجل فى حسه الداخلى الدفين لا يريد ذلك، لا بتفكيره ولا بشعوره، بل لعله ينفر من الحديث فيه، لأنه يذكره بما يتمنى لو ينساه!!

وبمعنى أكثر وضوحاً فهو لا يمانع أن يرث ابنه رئاسته، لكن تصرفاته تشى بأنه ليس مستعداً أن يحدث ذلك فى حياته، وهو فى مأزق حقيقى، لأنه بذلك الحال فى وضع رجل قبل ولا يقبل، يقبل بغير أن تكون إرادته حاضرة فى القبول، ولا يقبل مادامت إرادته حاضرة!!

والقريبون منه يضغطون عليه ويواصلون الضغط، وإصرارهم أنه إذا لم يحدث التوريث فى حضوره وإرادته، فإن تحقيقه ضرب من المستحيلات فى غيابه وغياب سلطته!!

والعقدة أن الرجل ليس مستعداً فى قرارة نفسه، لكنه يجارى ويبدى من الإشارات ما يفيد معنى القبول، وهو يماطل ويراوغ ولا يقولها «نعم» صريحة أو «لا» قاطعة، لأنه مرات مثل لمس الحرير، و«ثقيل» أحياناً بوزن طن من الحديد!!

◄وفى هذه الفقرة يتحدث الكاتب الكبير، عن مواصلة الحديث عن التوريث، والسيناريوهات المعدة لذلك، ولعل أبرز هذه الخطوات التى عجلت بالحديث أكثر عن التوريث، يوم عجز الرئيس «مبارك»، عن إلقاء حديثه أمام مجلس الشعب فى شهر نوفمبر 2003، فيروى هيكل، قائلاً:

وفى تلك الأحوال راجت أحاديث عن خطط ترسم، وسيناريوهات تعد، ولا تنتظر إلا مناسبة مواتية أو تبدو مواتية، ثم يطرح المشروع نفسه، وتمر المناسبات ولا شىء يحدث!!

ووصل الإلحاح على الخطط والسيناريوهات إلى حد الجزم بأنه كاد أن يتحقق فعلاً يوم عجز الرئيس «مبارك»، عن إلقاء حديثه أمام مجلس الشعب فى شهر نوفمبر 2003، فقد قيل والرواة من الداخل أنه حين عجز الرئيس وكاد يسقط على الأرض وتأجلت الجلسة قرابة ساعة فى انتظار مقادير خارج حساب البشر - خطر ببال أحد «أبرز» رجال الحاشية أنه فى حالة حدوث المكروه الذى كان يحوم حول القاعة التى نقل إليها «مبارك» مُحاطاً بأطبائه - أنه من المتصور أن يدخل رئيس مجلس الشعب ليلعن أن قضاء الله نفذ، وبينما المجلس مأخوذ بالمفاجأة، غارق فى الدموع والأحزان - يتقدم عدد من نواب الحزب الوطنى باقتراح مبايعة الأبن وفاء للأب وتكريماً له واستمراراً لمنهجه، ولم يكن الشك يخالج أصحاب هذا الاقتراح فى أن التصويت عليه بالموافقة سوف يكون ساحقاً.

والمدهش - وهذا الجزء من الرواية تسنده شواهد - أن أصحاب هذا الاقتراح تداولوه همساً، بينما كان أطباء «مبارك» يحيطون به يرسمون القلب، ويقيسون النبض، ويغرسون الأبر، وغيرهم مشغول بما بعد ذلك إذا فشلت جهودهم، وللدقة فليس فيما سمعت أن أحداً فاتح قرينة الرئيس «مبارك» فى هذا الأمر أثناء الأزمة، فقد شاء من تداولوا الفكرة «ألا يسببوا لها حرجاً أثناء لحظات قلقها، وقد مضوا فى تصرفهم، حتى جاء أحد الأطباء يقول لهم يعود لإنهاد خطابه، حرصاً وتجنباً للأقاويل، لو أنه خرج من المجلس دون أن يراه أحد من النواب الجالسين فى قاعة مجلس الشعب!».

وفات الفرصة لكن الحالمين بالخطط والسيناريوهات لم ينسوا، فقد بدت لهم فرصة - وتكرر نفس الخاطر عندما قصد الرئيس «مبارك» إلى «هايدلبرج» لعملية جراحية ظنوها غير مأمونة - وتكرر نفس الشىء عندما بدأ التفكير فى الرئاسة الخامسة لـ«مبارك» واقتراح الحالمين هذه المرة أن يجئ الرئيس فى اللحظة الأخيرة ويوجه خطاباً مؤداه «أنه لاعتبارات العمر والصحة يقدم لهم ابنه بديلاً له» لكن المحاولات كانت تصل إلى نقطة معينة، ثم يبدو فجأة أن اندافعها يتباطأ، وأن خطاها تتعثر حتى تتعطل تماماً، وتدور العجلة كما ظلت تدور منذ سرت فكرة التوريث على استحياء مع مطلع القرن الحادى والعشرين!!

ومع أنى أثرت قضية «التوريث» مبكراً فى محاضرة شهيرة فى الجامعة الأمريكية «مساء يوم 18 نوفمبر 2003»، وقد لمحت وسمعت ما يثير التوجس والريبة، كما لمح وسمع غيرى فيما أظن - إلا أن أحداً لم يكن متأكداً من الطريقة أو من الموعد الذى يتجلى فيه الشك، ويرتفع الستار!!

◄ويتناول هيكل فى حديثه عن خطة التوريث، علاقة السلطان قابوس بعائلة مبارك، ومعرفته بهذا المشروع الذى يعد لوصول جمال مبارك إلى حكم مصر، فيقول هيكل:

وفيما يعرف العارفون والأغلب أنه الأقرب إلى الصحة، فقد كان السلطان «قابوس» أول من سأل الرئيس «مبارك» عن مشروعه لابنه، وكان الابن قد عاش خمس سنوات تقريباً فى بيت يملكه أحد رجال الأعمال من حاشية السلطان فى حى «كينسنجتون» فى لندن، وبالتالى فإن «سلطان عمان» أصبح بين أوائل من عرفوا بخطط انتقال الابن من بيت «كينسنجتون» فى لندن إلى بيت الرئاسة فى القاهرة.

وكان رد «مبارك» على السلطان طبقاً لهؤلاء العارفين «أن قرينة الرئيس قلقة أن تطول إقامة ابنها فى لندن، ومن ثم تصعب عليه العودة إلى مصر، ثم إن بقاءه فى لندن ربما ينتهى بزواجه من إنجليزية أو أجنبية، وهى لا تريد ذلك، وأنها بحثت فى أوساط العائلات المصرية التى تعيش فى لندن عن عروس مناسبة لابنها، ولم تعثر على مرشحة تتوافر لها المواصفات التى تطلبها، لكنها سوف تواصل البحث هناك وهنا، آملة فى التوفيق!!

وكان السائل الثانى هو «معمر القذافى» الذى لاحظ ظهور الابن منتظماً على الساحة السياسية المصرية «ولعل الموضوع كان يهمه كسابقة مضاعفة إلى ترسيخ منطق التوريث فى النظام الجمهورى»، وكذلك جاء سؤاله مباشراً - وربما فجا - عما إذا هناك تفكير فى التوريث على طريقة «بشار»، لكن الرئيس «مبارك» استنكر، وفاجأ «القذافى» بقوله: «إن تجربة «بشار الأسد» غير قابلة للتكرار فى مصر، وأن مصر ليست سوريا، وأيضاً فإن النظام فى مصر جمهورى، والنظام الجمهورى لا يعرف توريثاً للحكم». ثم كان بعدها أن الرئيس «مبارك» أعلن هذا الرأى على الملأ.

وأضاف «مبارك» لـ«القذافى»: «أنهم فى رغبتهم لاستعجال عودة الابن - رأوا إغراءه بشاغل جديد يستهويه، وأنهم أعطوه بعض المهام السياسية «يتسلى بها»، «فلا نصحوا ذات يوم فإذا هو يفاجئنا بأنه عائد إلى لندن، ثم نسمع أنه تزوج واستقر هناك!!».

◄ويستطرد هيكل فى الحديث حول اهتمام عدد من الرؤساء والملوك والأمراء بمعرفة حقيقة الأمر حول التوريث فى مصر، ورغبتهم فى المسألة على حقيقتها، فيروى هيكل:

وبالفعل فإن «مبارك» (الأب) كان محقاً فى مخاوفه، لأن الابن حتى عندما عاد من لندن، جاء ومعه مشروع زواج من فتاة نصف بريطانية ونصف إيرانية، وقد لحقت به الفتاة ونزلت فى بيت للضيافة شهوراً، ثم استطاع «حلم الرئاسة» أن يزيح «خيالات الغرام»!!

وكان السائل الثالث أجنبياً، هو الرئيس الفرنسى «چاك شيراك» وجاء سؤاله أثناء لقاء بين الرجلين فى قصر «الإليزيه» فى باريس فى فبراير سنة 2004، وجاء رد «مبارك»: بأن كل الذين يتردد فى هذا الصدد شائعات ينشرها بعض الصحفيين، وهدفها الإساءة إليه «إلى الأب» بينما كل ما حدث أنه يستعين بابنه فى إدارة مكتبه كما يفعل الرئيس «شيراك» نفسه مع ابنته.

ويومها وافقه الرئيس «شيراك» على أنه بالفعل يستعين بابنته «كولد» واختارها فعلاً مساعدة له، مختصة بالعلاقات العامة.

ومع اللغط المتزايد حول قضية التوريث فى مصر، فإن الأسرة الحاكمة السعودية أبدت اهتماماً واضحاً، وكذلك فإن أحد كبار أمرائها وجه السؤال إلى الرئيس مباشرة، وسمع رده:

- أنه لا يريد التوريث لابنه، وأول الأسباب أنه لا يريد أن يورث ابنه «خرابة»، وكان الرد مفاجئاً لسامعه!!

لكن يبدو أن الساسة البريطانيين كانوا يعرفون أكثر، فقد جرى اتصال مع السفير البريطانى فى القاهرة سنة 2002، وهو يومها السير «چون سوير» john sawyer، (وهو يشغل الآن منصب المدير العام للمخابرات البريطانية الخارجية)، لسؤاله «إذا كان يمكن الترتيب لعلاقات أوثق بين نجل الرئيس وبين القيادة فى حزب العمال البريطانى الجديد؟

وكان الابن وقتها قد بدأ الخروج والظهور على الساحة السياسية ضمن ما سُمى بعملية تجديد شباب الحزب الوطنى، وانطلاقة الفكر الجديد فى أمانة السياسات، وعليه فقد كان داعى الطلب امصرى هو الاهتمام بتجربة «تونى بلير» الذى بدا لمن يعنيهم الأمر فى القاهرة، شابا نجح فى النزول بـ«البراشوت» على رئاسة الحزب ورئاسة الوزراء، وظن هؤلاء المعنيون بالأمر فى القاهرة أن «بلير» نموذج مدهش يستحق النقل عن أعرق البلدان الديمقراطية!!.. وعاد السفير البريطانى يحمل رداً بالموافقة والترحيب.

(ولم يكن «چون سوير» سفيراً عادياً لبريطانيا فى القاهرة، وإنما هو فى الأصل «رجل مهام خاصة»، وكان تعيينه فى سفارة القاهرة اختياراً لما هو أكثر من سفير، فقد كانت مهمته الحقيقية أثناء وجوده فى العاصمة المصرية هى التمهيد والتحضير السياسى لعملية غزو العراق سنة 2003، وبالفعل فإنه ما كاد الغزو يبدأ حتى نقل «سوير» من «القاهرة» إلى «بغداد» ممثلاً لبريطانيا على قمة سلطة الاحتلال فى «بغداد»، لكنه عجز عن إثبات وجوده، لأن المفوض الأمريكى للاحتلال «بول بريمر» لم يكن يريد شراكة بريطانية، وإنما يريدها علما أمريكيا لا ترتفع بجانبه أعلام!!).

ورحب الجميع فى حزب العمال وفى رئاسة الوزراء بما طلبوه فى مصر، واهتم «تونى بلير» بالذات، لأن السياسة البريطانية راودتها فى ذلك الوقت أوهام نفوذ خاص فى مصر مع تكليف المجموعة الأوروبية لها (بريطانيا) مهمة رعاية التنظيم السياسى والتطوير الإعلامي، ضمن خطة تحرك على جبهة عريضة نحو العالم اثالث والشرق الأوسط بالتحديد، وكذلك فإن مهمة الاتصال مع لجنة السياسات فى الحزب الوطنى وأمينها («مبارك» الابن) عهد به إلى «بيتر مندلسون»، وهو المسئول الأول عن الحملات الانتخابية، وقد نجح فيها على امتداد ثلاثة انتخابات فاز بها «تونى بلير»!!

واستقبل «بيتر مندلسون» فى القاهرة بحفاوة (حتى بعد أن ترك منصبه فى وزارة التجارة فى حكومة «بلير» بسبب شبهات حول علاقاته برجال الأعمال!!) - ثم أصبح «مندلسون» زائراً بانتظام للقاهرة، بدعوة من أمانة الشباب فى الحزب الوطنى، كما أن وفود أمانة السياسات لم تنقطع عن لندن، وكان بين ملاحظات «مندلسون» وقد سمعتها نقلاً عنه «إن مضيفيه المصريين مهتمين جداً بقسمين بالذات فى تنظيم حزب العمال الجديد: غرفة الدعاية، وغرفة العمليات السوداء، أى المتعلقة بالمهام القذرة (كذلك يسمونها)!!».

ثم حدث أن الرئيس «جورج بوش» الابن سأل الرئيس «مبارك» فى الموضوع آخر مرة زار فيها واشنطن فى عهده، ورد عليه الرئيس «مبارك» ضاحكاً: ألم يكن والدك رئيساً ثم جئت أنت هنا بعده؟!!» - ورد «بوش»: «إن ذلك كان بالانتخاب الحر، وأن هناك فاصلات مدته ثمانى سنوات، من إدارة «كلينتون» باعدت بين رئاسة الأب ورئاسة الابن!».

ومع أن «مبارك» لم يشأ فيما يبدو أن يناقش أكثر مع «چورچ بوش»، فإن السفارة الأمريكية أيام تولاها السفير «ريتشاردونى» راحت تتابع جهود التوريث فى القاهرة، وتنقل فى برقياتها (وقد أذيع الكثير منها ضمن مجموعة «ويكيليكس»)، تكهنات متزايدة حوله، بما فى ذلك أحاديث منقولة عن أصدقاء لـ«مبارك» (الابن)، وكانت أحاديث هؤاء الأصدقاء صريحة فى أن التوريث قادم لا محالة، ولن يوقفه شىء، ولا حتى ما يبدو من تحفظ المؤسسة العسكرية حياله!!

◄ويفجر الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل مفاجأة من العيار الثقيل عندما يتحدث حول برقيات ويكيليكس، من خلال أسماء سالت حول موضوع التوريث ولكن تم حذف أسماؤها، فيكشف عن السفير ريتشاردون قوله إنه سمع أن المشير طنطاوى يعارض فكرة التوريث، فيقول هيكل:

وتحكى برقيات «ويكيليكس» نقلاً عن السفارة الأمريكية فى القاهرة أن بين هؤلاء الأصدقاء (وقد حذف القائمون على نشر الوثائق السرية أسماءهم عندما نشروها حفاظاً عليهم، وإن كانت أسماؤهم قد تسربت فيما بعد) - أنه عندما ألح السفير «ريتشاردون» على بعضهم بقوله: «إنه سمع أن المشير «طنطاوى» شخصياً يعارض التوريث لأسباب كثيرة لدى المؤسسة العسكرية فى مصر» - كان ردهم وبثقة زائدة «أن «مبارك» يستطيع إعفاء «طنطاوى» من منصبه فى خمس دقائق، وقد قام أحدهم بتذكير السفير الأمريكى قائلاً: إن «طنطاوى» ليس أقوى من »أبوغزالة»، وقد رأيتم بأعينكم كيف تمكن «مبارك» من إعادة «أبوغزالة» إلى بيته عندما أراد ذلك، ولم يستغرق منه القرار جهداً، ولا ترتبت عليه متاعب فى القوات المسلحة - كما يردد المتشككون فى المعادين للابن الآن!!».

على أن الأنباء راحت تتسرب من محيط الرئاسة ذاته، بأن الرئيس أفصح لمن زاد إلحاحهم عليه أنه لا يستطيع مجاراة ما يطلبون منه، وأن عليهم تخفيف الضغط لأن المؤسسة العسكرية ليست راضية عن «التوريث»، وهو يقوم بكل ما يستطيع من جهد للإقناع وللتحضير، لكن المقاومة مستعصية، والمسألة ليست بالسهولة التى يتصورها من يلحون عليه بأنه «الآن» لينفذ ما يطلبون، وإلا ضاعت فرصته.

وتسربت فى محيط الرئاسة قصص وروايات عن مشاجرات علت فيها الأصوات.
وكانت الحقيقة معقدة.

صحيح أن المؤسسة العسكرية بالفعل كانت تعارض، وقد أرادت أن تجعل معارضتها معروفة لدى الرئىس «مبارك».

إلا أن الصحيح أيضاً أن «مبارك» استخدم ما بدا له من معارضة المؤسسة العسكرية وكرره وضغط عليه، لأنه وجد فيه ما يوافق شعوراً غامضاً فى أعماقه ينفر من حديث «التوريث»!!

وفى الحقيقة فإن تحفظ المؤسسة العسكرية على «التوريث» ورد ضمناً أثناء الاستفتاء على تعديلات دستورية جرى تفصيلها خصيصاً على مقاس الوريث سنة 2006، وجرى إقرارها وسط معارضة متزايدة، ورفض شعبى واضح، جعل المشير «محمد حسين طنطاوى» يبدى رأيا، مؤداه «أنه وكل القادة يرجون الرئيس مراعاة قاعدة مستقرة فى السياسة المصرية تنأى بالقوات المسلحة عن أى دور يفرض عليها احتكاكاً بالداخل السياس».. (وذلك تعهد وقع تخطيه مرة واحدة من قبل أثناء مظاهرات الطعام 17 و18 يناير 1977، اتسع نطاقها وخرجت عن سيطرة البوليس، ويومها وكان المشير »محمد عبدالغنى الجمسى« وزيراً للدفاع، وكان شرطه لتدخل القوات المسلحة واستعادة سيطرة الدولة أن يُعلن عن إلغاء الزيادات فى الأسعار، وبعدها وحين يزول السبب الذى أدى إلى اندلاع المظاهرات - تقوم القوات المسلحة بالمساعدة على إعادة الاستقرار والسلام الداخلى للوطن!!).
والآن كانت الرسالة الواضحة فيما قاله المشير «طنطاوى» أن القوات المسلحة لا تريد أن يزج بها فى مشاكل داخلية قد تنشأ من رفض شعبى لقبول «التوريث».

◄ويتناول هيكل واقع التحذيرات التى تلقاها مبارك حول موضوع التوريث من المؤسسة العسكرية دون أن يبدى ضيقاً من هذا، فيتحدث الكاتب الكبير قائلاً:

لكن الغريب أن الرئيس «مبارك» لم يظهر منه ضيق بهذا التحذير، وكانت كثرة إشارته له دليل على أنه لاقى شيئاً بالقبول عنده، وتلك قضية تحتاج إلى بحث نفسى يصل إلى العمق البعيد عما هو كامن ومكبوت!!

والأشد غرابة أن الرئيس «مبارك نفسه كان بين الذين شعروا أن الهمة الزائدة فى البحث عن عروس مناسبة للابن كانت جزءاً من عملية تأهيله لإرث الرئاسة، باعتبار أنه من الاصعب على مجتمع محافظ مثل المجتمع المصرى أن يقبل برئيس «أعزب»!!

وكالعادة فإن كل فعل له رد فعل، كما أن كل تصرف مخالف للطبيعة له ضرائبه المضاعفة، ومن ذلك أن أصبح شائعاً على نحو مقلق أن حديث «التوريث» أثر سلباً فى أجواء الأسرة الرئاسية، لأن الابن أكبر أحس أن الأصغر نال الحظوة، وبدأت بين لاأخوين جفوة تحولت إلى هوة، ورغم السواتر من كل نوع فقد رأى الناس طرفاً من مظاهر تردى العلاقة بنى لاأخوين، فالأخ الأكبر - الذى يعتبر نفسه صاحب الاستحقاق الطبيعى (إذا كان هناك حق) - راح ينتهز الفرصة ليؤكد وجوده، ولعله اختار مجال الرياضة لظهوره، وفيها ملاعب كرة القدم وهو من عشاقها (وبالتالى فهو الأقرب إلى جماهيرها وهم حزب أغلبية فى البلد).

وفى مباراة مصر والجزائر خرج الابن الأكبر على الناس بما تصوره تعبيراً عن الوطنية المستثارة - دون داع - حتى وصل إلى حد الطلب علنا من السفير الجزائرى أن يرحل عن مصر، ويتحداه على شاشة التليفزيون موجهاً له الخطاب: ماذا تنتظر لترحل؟!، ويضيف ألفاظاً تسيء للعلاقات بين البلدين بكل تأكيد، وزاد على ذلك أن الابن الأكبر راح يكثف حملاته وظهوره على الساحة العامة، بما فيها لقاءات ودية - غير معلنة - مع بعض الكتاب المعروفين بمعارضتهم للأخ الأصغر وتوريث الحكم له!! - وكان ذلك مناخاً مقلقاً فى بيت الرئاسة إضافة إلى توترات أخرى!!

ووصلت العلاقات بين الأخوين إلى مشاهد مؤسفة، لابد أن واقعها كان قاسياً على الأب!!

◄ويتناول هيكل فى هذه الفقرة خطوات عملية التوريث فى السنوات الأخيرة، متحدثاً أن مبارك نفسه راوده من الشك والارتياب أن هذا المخطط ربما سيمر حتى دون موافقته، فيروى هيكل:

والمدهش أن الرئيس «مبارك» راوده الإحساس بالتوجس والارتياب، حين وصلت إليه نتائج انتخابات مجلس الشعب الأخيرة أواخر سنة 2010، فقد أحسن - ربما - أن هناك محاولة لتمرير مخطط التوريث، حتى دون موافقته وحتى أثناء حياته فقد لاحظ أن حجم الأغلبية التى حصل عليها الحزب الوطنى فى مجلس الشعب زائد عن احد، ولعل هذه الزيادة - أوحت لعقله الباطن - أنها تمهيد لتوريث قد يُفرض عليه هو فرضاً - وبقرار من البرلمان الجديد عندما يحين موعد اختيار ملجس اشعب لمرشح الأغلبية للرئاسة فى موعد أقصاه يوليو 2011.

ومن المفارقات أن بعض المراقبين أدهشهم أن الرئيس «مبارك» تراجع بسرعة أكثر من اللازم - فى تقديرهم - ثم استسلم دون مقاومة جدية لمطلب التنيح بعد ثوة 25 يناير 2011 وكان بينهم من وجدوا لذلك تفسيراً، مؤداه أن الرئيس «مبارك» أراح نفسه وتنحي، وهو لم يتنح لنفسه فقط وإنما أزاح ابنه وسط الزحام قبل أن يخرج هو من الصورة عندما عسن السيد «عمر سليمان» نائباً للرئيس، وكانت الحوادث أسرع من الجميع!!

◄ويتناول هيكل انشغال قوى خارجية بمسألة التوريث خصوصاً فى أواخر عام 2010، ومن أبرزها كلية الحرب الأمريكية التى أعدت تقريراً حول هذه المسألة، وفيه يقول هيكل:

ومن المفارقات أن قضية التورريث كانت الشاغل الكبير لقوى خارجية مهتمة بالشأن المصرى، أولاها الولايات المتحدة الأمريكية، والشهد أن مراكز المخابرات المدنية والعسكرية فى الولايات المتحدة وطوال أحاديث «التوريث» خصوصاً فى الأشهر الأخيرة من سنة 2010 ركزت على الموضوع، وكرست جهوداً، وخصصت لجاناً ومؤتمرات تبحث تصورات ما يمكن أن يجرى فى مصر بعد «مبارك» وربما أن أهم تقرير أعد وقتها هو تقرير التقديرات فى كلية الحرب الأمريكية للجيش الأمريكى (S.S.I).

ومن الملاحظ أن هذا التقرير صدر بتاريخ سبتمبر 2011، ومع أن الحوادث فى مصر سبقته - فإن كلية الحرب الأمريكية نشرته، واعتبر ما فيه سارياً، حتى بعد استبعاد احتمالين بين السيناريوهات الخمسة التى تصورتها لما بعد «مبارك».

استبعدت أن يواصل «مبارك» نفسه السلطة «مرة سادسة كما كان اتجاهه واتجاه الحرس القديم فى الحزب الوطنى».

-أو أن يرث ابنه عنه رئاسة مصر «كما كان يريد الابن، ويريد معه من سموا أنفسهم بالحرس الجديد».

ثم طرح التقرير ما تبقى من تصورات، مركزاً على التيار الإسلامى «الإخوان والسلفيين»، وبين القوات المسلحة، وبين عدد من الشخصيات والتنظيمات الحزبية أو المستقلة، لكن التقرير الأمريكى لم يقطع بنهاية محددة للصراع، مما يضع الولايات المتحدة وسياساتها تجاه مصر فى وضع ترقب وتحفز كل الجبهات، ذلك أن السياسة الأمريكية ومعها تقديرات القيادات العسكرية الأمريكية بالذات تعتبر مصر بداً بالغ الأهمية بالنسبة لها، فهى القاعدة التى ترتكز عليها حركتها فى المنطقة كلها، والمقولة الاستراتيچية المتكررة بإلحاح فى جميع التقديرات ولدى كل مراكز صناعة القرار هى «أن مصر لا يجب أن تضيع من يد الولايات المتحدة الأمريكية مهما كانت الوسائل اللازمة لتحقيق ذلك، ومهما كانت درجة المرونة أو ال*** فى الممارسة السياسية الأمريكية ضماناً لتحقيقه!!».

وكذلك فإن السياسة الأمريكية مضت تلاحق الحوادث، وتتعامل مع التطورات، وتتحرك بكل طاقاتها، والهدف المطلوب بإلحاح «مصر يجب ألا تضيع من يد الولايات المتحدة مرة أخرى» - وذلك هو الشبح المعلق على أفق المستقبل فى مصر - هذه اللحظة الخطرة من التاريخ!!
__________________
رد مع اقتباس
  #35  
قديم 21-02-2012, 12:15 PM
الصورة الرمزية راغب السيد رويه
راغب السيد رويه راغب السيد رويه غير متواجد حالياً
مشرف عام اللغة العربية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 9,313
معدل تقييم المستوى: 24
راغب السيد رويه is a jewel in the rough
افتراضي

سعيد الشحات يكتب: 7ملاحظات على الأستاذ هيكل فى كتابه: «مبارك وزمانه»

الثلاثاء، 21 فبراير 2012 - 11:34
الكاتب الكبير محمد حسنين

◄ ألمح لتورط مبارك فى اغتيال الإمام المهدى بالسودان بـ«سلة مانجو».. وقال عن نفس القضية على قناة الجزيرة: «جريمة غامضة وما كانش مصريين مشتركين فيها»

◄ السادات يتشاور معه حول اختيار نائب «عسكرى» للرئيس فيرد هيكل: «أنت بمبارك عسكرت الرئاسة».. ثم يسأله السادات: «ما رأيك فى مبارك؟ فيرد الأستاذ: اسمه لم يخطر ببالى»!

◄ فى كتابه «مدافع آية الله»: وقّع مدير المخابرات المصرية على اتفاقية «السفارى» دون تحديد الاسم.. وفى «مبارك وزمانه» وقّع عليها أشرف مروان «رئيس الهيئة العربية للتصنيع»

فى كتابه «مبارك وزمانه.. من المنصة إلى الميدان»، الذى انتهت الزميلة «الشروق» من عرض حلقات منه يوم الأحد الماضى، يأخذنا أستاذنا الكبير محمد حسنين هيكل، إلى محطات تاريخية دارت وقائعها منذ سبعينيات القرن الماضى، قبل أن يتولى مبارك موقع نائب رئيس الجمهورية، باختيار من الرئيس الراحل أنور السادات، ويستدعى حشدا كبيرا من الوقائع معظمه طرف فيه، ويسعى كلما أمكن لتأكيد ما يذكره بالوثائق، ويضع كل ذلك فى قالب تحليلى لإثبات الجملة التى أوردها فى بداية الحلقات نقلا عن «الواشنطن بوست» يوم 7 أكتوبر 1981 عن الرجل الذى سيخلف السادات، وهى: «أنه حتى هؤلاء الذين يقال إنهم يعرفون مبارك هم فى الحقيقة لا يعرفون عنه شيئا».

يقدم «الأستاذ» فى كتابه، مبارك بأبعاد شخصية ونفسية، ليثبت منها أننا أمام رجل بلا تجربة سياسية حين بدأ العمل نائبا للرئيس، وأن طبيعة تكوينه تهزم أى محاولات للتعلم، وأن ثنائية «الموظف والمنفذ» تحكمت فيه منذ أن كان ضابطا طيارا، وحتى أصبح رئيسا، ويضعنا هيكل أمام طرق وبراهين لإثبات هذه الثنائية، بحكايات عن طريقة تعامل وأسلوب كلام مبارك مع غيره، وسرد وقائع سياسية غطت مصر نحو 40 عاما، وبعضها يستحق التوقف خاصة تلك الحكايات التى كان الأستاذ طرفا فيها، وروى جانبا منها سابقا، لكنه أعادها فى «مبارك وزمانه» بطريقة أخرى، بالاضافة إلى ملاحظات أخرى تستحق التوقف عندها.



> ملاحظة أولى: «الفريقان فوزى وصادق يردان»
- فى محاولة إثبات هيكل لمفهوم «مبارك الموظف والمنفذ»، يحدثنا فى الحلقة الثانية متعجبا كيف استطاع مبارك أن يظل محتفظا بموقعه رئيسا لأركان سلاح الطيران، مع أربع قيادات للسلاح بعد «نكسة 1967» صدقى محمود، ومدكور أبوالعز، ومصطفى الحناوى، وعلى بغدادى، ولم يستطع أحد منهم استكمال فترته الطبيعية، وكل واحد منهم أجرى تغييرات وتنقلات وبقى مبارك؟
هذا التعجب سنكتشف أنه ليس فى موضعه، لسببين، الأول- وحسب قول هيكل نفسه-: «سمعت الفريق محمد فوزى وزير الدفاع، يقدم مبارك عند جمال عبدالناصر عندما رشحه له رئيسا للأركان فى سلاح الطيران أثناء حرب الاستنزاف، وكانت شهادة الفريق محمد فوزى تزكيه لما رشح»، أما السبب الثانى فيأتى من إجابة الفريق محمد أحمد صادق وزير الحربية «التالى لفوزى» على سؤال لهيكل: «هل يقدر مبارك؟، فكان رد صادق لهيكل: «إنه الضابط الأكثر استعدادا فى سلاح الطيران الآن بعد كل ما توالى على قيادة السلاح من تقلبات، وأول مزايا مبارك أنه مطيع لرؤسائه ينفذ ما يطلبون، ولا يعترض على أمر لهم».

- المقطع السابق يحتوى على خطأ معرفى وهو أن الفريق أول محمد فوزى كان وزيرا للحربية، وليس كما ذكر الأستاذ «وزيرا للدفاع»، وهناك خطأ معرفى آخر فى الحلقة «14»، حين يتحدث عن اتهام خالد عبدالناصر فى قضية «شباب مصر الأحرار» والصحيح قضية «ثورة مصر».

السؤالان السابقان من «الأستاذ» والذى يطرح واحداً منه، ويطرح الثانى على الفريق صادق يشيران إلى أنه كان متشككا فى قدرات مبارك منذ أن بدأ رحلة الصعود كقائد لأركان سلاح الطيران، ثم قائدا للسلاح، فى حين أن تأمل السياق التاريخى يقود إلى عدم منطقية السؤالين، فمهمة الفريق فوزى فى بناء الجيش بعد نكسة 1967 بعد أن تولى وزارة الحربية قامت على احترافية الجيش قتاليّا، وإبعاده عن التورط فى السياسة عكس ما فعله عبدالحكيم عامر، وبهذا المعيار اختار فوزى قيادات جديدة للجيش من بينهم مبارك وخاض الجيش حرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر بهذا التشكيل الجديد.

> ملاحظة ثانية: «تناقض سلة المانجو»
سؤال هيكل إلى الفريق محمد أحمد صادق: «هل يقدر؟» جاء فى سياق رواية الأستاذ عن «لقاء المصادفات العابرة» له مع مبارك، الذى التقاه لأول مرة بالصدفة فى مكتب الفريق صادق، ويذكر هيكل ما حدث فى اللقاء حيث روى لصادق، عن سماعه لحكاية تورط مبارك فى وضع متفجرات فى «سلة المانجو» تم إرسالها إلى زعيم المهدية الإمام الهادى المهدى وأدت لاغتياله، وذلك فى بعثة ترأسها السادات عام 1970 إلى الخرطوم للوقوف إلى جانب الرئيس السودانى جعفر النميرى فى مواجهة تمرد المهدية، وكان تعليق صادق لهيكل أنه «سمع مثلما سمعت ولا يعرف أكثر».

لكن المثير أن قصة سلة المانجو «تعرض لها» الأستاذ «فى حلقاته» مع هيكل على قناة «الجزيرة» عام 2010 وقال بالنص: «أنا شايف فى جرائد السودان كلام عليه، وفى إعادة تحقيق فيه لأنه حصل حاجة غريبة قوى، أن الإمام المهدى خرج من جزيرة آبا واتجه شرقا إلى كسلا لكن حصل له واحدة، مرة أخرى جريمة من هذه الجرائم الغامضة التى تحدث فى منطقتنا، لأنه وهو فى طريقه إلى كسلا سرا، ومعه مجموعة من أنصاره، قدمت له سلة فاكهة، أظن مانجا سودانى مش مصرى، يعنى كانت ملغمة و*** وأظن حتى هذه اللحظة لم يعرف من قاتله، وإن كان فيه بعض إخوانا فى السودان شطحوا، شطح بهم الجموح لكنهم كلهم يعرفوا أنه ما كانش فى مصريين مشتركين فى هذا، لكن بقيت جريمة غامضة، أضيفت لجرائم غامضة أخرى، يعنى عندنا فى الشرق الأوسط أو فى العالم العربى مليان جرائم».

> ملاحظة ثالثة: «مبارك نائبا للسادات»
- فى قصة اختيار السادات لمبارك نائبا له، يكشف هيكل عن استشارة السادات له حول هذا الاختيار فى لقاء بينهما فى استراحة القناطر عام 1975، ولنقرأ النص حول ذلك بالتدقيق، ونؤجل التعليق لما بعد قراءته:

قال السادات: «الدور الآن على جيل أكتوبر، ولابد أن يكون منه ومن قادته اختيارى لنائب الرئيس الجديد»، وأضاف الرئيس السادات مرة أخرى دون أن ينتظر ردا: «جيل أكتوبر فيه خمس من القيادات أولهم وهو أحمد إسماعيل» توفى، والآن أمامى «الجمسى» «وكان مديراً للعمليات أثناء الحرب، وأصبح وزير الدفاع بعد أحمد إسماعيل»، ثم محمد على فهمى قائد الدفاع الجوى، ثم حسنى مبارك قائد الطيران، ثم قائد البحرية «هكذا أشار إليه دون اسم» ويقصد الفريق فؤاد ذكرى.

وأضاف: «لابد أن يكون اختيارى ضمن واحد منهم»، ورددت عليه بعفوية متسائلا: «ولماذا يحشر نفسه فى هذه الدائرة الصغيرة؟، - أقصد لماذا يتصور أن جيل أكتوبر هو فقط هؤلاء القادة العسكريون للمعركة؟».

يضيف هيكل: رد «السادات» بطريقة حين يريد إظهار الحسم: «أنت تعرف أن الرئيس فى هذا البلد لخمسين سنة قادمة لابد أن يكون عسكريا، وإذا كان كذلك فقادة الحرب لهم أسبقية على غيرهم»، وقلت والحوار تتسع دائرته: «إن أكتوبر كانت حرب كل الشعب، ثم إنك قلت لى الآن عن اعتزامك تكليف وزير الداخلية اللواء ممدوح سالم برئاسة الوزراء»، وأخشى باختياره أنك قد «بولست» «عن البوليس» الوزارة، ثم إنك بـ«مبارك» نائبا لك تكون قد «عسكرت» الرئاسة، وربما يصعب على الناس قبول الأمرين معا فى نفس الوقت.

ويتواصل الحوار بين الاثنين حتى يسأل هيكل الرئيس السادات:
ليكن لماذا لم تفكر فى الجمسى مثلا؟.
ورد «السادات» بسرعة:
لا، الجمسى لا يصلح للرئاسة، الجمسى فلاح وهو ليس من نحتاجه فى منصب نائب الرئيس الآن.
يضيف هيكل: «أدركت أن لديه مرشحا وسألته فيمن يفكر، ورد على الفور على السؤال بسؤال كما كان يفعل أحيانا: (ما رأيك فى) حسنى مبارك؟»، وقلت إن اسمه لم يخطر ببالى، وإنما خطر ببالى مع إصراره على عسكرى من جيل أكتوبر، أن يكون نائبه الجديد إما الجمسى أو محمد على فهمى، فإذا أراد غير هذين فقد يفكر فى واحد من قادة الجيوش، ورد: «لا، لا أحد من هؤلاء يصلح، مبارك أحسن منهم فى هذه الظروف».

> أعد قراءة النص السابق جيدا وانتبه لترتيبه لتكتشف خطأ كبيرا هو:
- أن هيكل قال للسادات: إنك بـ«مبارك» نائبا لك تكون قد «عسكرت الرئاسة»، وجاء هذا القول من هيكل قبل أن يكشف السادات اسم النائب الذى سيختاره.

- بعد أن يطلق هيكل تحذيره للسادات من اختيار مبارك، يسأله هيكل: فيمن تفكر؟، فيرد السادات بسؤال: «ما رأيك فى حسنى مبارك؟»، فيرد هيكل: «إن اسمه لم يخطر ببالى».

هل جاء خطأ هذا الترتيب كسهو فى ترتيب الصياغة الصحفية؟، أم أن هناك قصدا آخر قد يفسره البعض بأن «الأستاذ» كان يعلم نية السادات بتعيين مبارك نائبا قبل أن يفصح عنها صراحة؟، وإذا كان قصده معرفة ما ينتويه السادات، فإن الصياغة تفتقد إلى التنويه لذلك.

> أشرف مروان أم كمال حسن على؟
قصة تكوين «مجموعة السفارى» ودور مبارك فيها، وهى القصة التى جاءت فى الحلقة السادسة بعنوان: «فى باريس حكايات أخرى»، والمنشورة يوم الخميس «26 يناير»، حملت تناقضات فى وقائعها مع وقائع أخرى عن «السفارى» رواها «الأستاذ» فى كتابه «مدافع آية الله»، الذى يروى فيه قصة الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979 التى ا***عت نظام شاه إيران محمد رضا بهلوى.

كانت الطبعة الأولى من «مدافع آية الله» عام 1982، والطبعة التى قرأتها هى السادسة عام 2002، وفى فصل بعنوان: «شرطى المنطقة» يحتل الحديث عن مجموعة السفارى ثمانى صفحات «148 - 155»، وكان كشف هيكل لسر هذه المجموعة سبقا صحفيا أثار جدلا كبيرا وقتها، ووفقاً لما يذكره الأستاذ فإن «مجموعة السفارى»، تكونت فى منتصف السبعينيات، من خمس دول، هى: السعودية، والمغرب، وإيران، ومصر، وفرنسا صاحبة الفكرة، بعد أن تولى رئاستها فاليرى جيسكار ديستان «1974 - 1981»، وكانت وظيفتها الرئيسية، مواجهة «تهديد الاتحاد السوفيتى لدول القارة الأفريقية بتوسعه للنفوذ فيها».

فى كتابه «مبارك وزمانه» يتحدث هيكل عن رحلة كشفه لسر تكوين «مجموعة السفارى» ودور مبارك فيها، مشيرا إلى أربعة لقاءات، الأول مع فاليرى جيسكار ديستان الرئيس الفرنسى «1974 - 1981»، وأسفر عنه لقاء ثان مع مدير المخابرات الخارجية الفرنسية «الكونت الكسندر دى ميرانش»، ولقاء ثالث عام 1982 مع فرنسوا ميتران الرئيس الفرنسى «1981 - 1995»، وأسفر عنه لقاء رابع مع «دى ميرانش»، وهو اللقاء الثانى بين الأستاذ ومدير المخابرات الخارجية لفرنسا وكان على المعاش.

فى لقاء ديستان وهيكل بقصر الإليزيه «1977»، تحدث الرئيس الفرنسى عن أفريقيا وانشغاله بها، و«اعتقاده بأن تغلغلا شيوعيا يتسرب حثيثا إليها»، مضيفا لهيكل: «إن العرب يجب أن يتمثلوا خطورة الأوضاع فى أفريقيا، لأن التحدى الذى يواجهه العرب والغرب معهم تحد خطر»، أما اللقاء الثانى فجاء نتيجة لقول ديستان لهيكل، إنه سيطلب من الكونت الكسندر دى ميرانش «مدير المخابرات الخارجية الفرنسية» الاتصال بالفندق الذى يقيم فيه بباريس، وفى إحدى قاعات الفندق حدث اللقاء بينهما.

أما اللقاء الثالث لـ«الأستاذ»، فكان مع الرئيس فرنسوا ميتران «1981 - 1995»، وتم اللقاء فى يناير 1982، بعد الإفراج عنه مع عشرات السياسيين الذين اعتقلهم السادات فى حملة 5 سبتمبر 1981، وفى اللقاء توجه ميتران بسؤال لهيكل عن رأيه فى «الرئيس الجديد مبارك»، فأجاب هيكل: «يبدو أنه رجل معقول، يستطيع أن يتعلم من منصبه ويكبر فيه»، ورد ميتران: «على أى حال فإن بعض الناس عندنا يعرفونه جيداً»، وكان الكونت دى ميرانش «هو المقصود بقول ميتران»، وتم اللقاء الثانى معه بعد سنوات من اللقاء الأول.
كان سؤال الأستاذ لمسؤول المخابرات الفرنسية السابق، عما إذا كان يعرف رئيس مصر الجديد «مبارك»؟، فأجابه: «طبعا.. طبعا أعرفه، لقيته فى إطار مجموعة السفارى التى أذكر أننى حدثتك عنها قبل سنوات»، فى البداية كان أشرف مروان هو الذى يمثل الرئيس السادات فى المجموعة، وبعد سنتين غاب أشرف مروان، وحل محله «مبارك».. وكشف «دى ميرانش» لهيكل فى هذا اللقاء أنه تابع مبارك منذ أن ظهرت صورته أمامهم لأول مرة فى أجواء صفقة طائرات «الميراج» «106 طائرة»، التى عقدته ليبيا مع فرنسا سنة 1971 لصالح مصر لمساعداتها فى حرب أكتوبر 1973.

- تلك هى رواية الأستاذ هيكل عن «السفارى» فى عرض الزميلة «الشروق» لكتاب: «مبارك وزمانه»، وهناك روايته الأولى لهذه القصة فى كتابه «مدافع آية الله» وطبعته الأولى عام 1982، والمقارنة بين الروايتين تجدها فى الجدول التالى، والملاحظات عليها، وعددها أربع ملاحظات ليكون الإجمالى 7 ملاحظات.


هيكل فى «مدافع آية الله» 1982

يتحدث عن «دى ميرانش»: «فى بعض الأحيان كان ينتاب (دى ميرانش) قلق متزايد خشية سقوط الممرات البحرية لناقلات البترول فى الشرق الأوسط إلى أوربا فى أيدى الأعداء، فكان يزين مكتبه بعدد من الخرائط بها خطوط تزداد سمكا، لتظهر حجم الشحنات التى تقلها ناقلات البترول عبر القرن الأفريقى ورأس الرجاء الصالح».


يتحدث الأستاذ عن صفقة الميراج بين مصر وفرنسا على النحو التالى: «بدأت شبكة الاتصال الفرنسية فى الظهور، حين أخذت مصر تشترى السلاح من فرنسا بما فى ذلك الميراج 2000 بأموال سعودية».



يتحدث الأستاذ هيكل نصا: تمت كتابة اتفاق بين الحكومات الخمس والتوقيع عليه كما ينبغى.
الشيخ كمال أدهم مدير المخابرات السعودية بالنيابة عن السعودية.
الجنرال ناصرى رئيس السافاك عن إيران.
رئيس المخابرات المصرية نيابة عن مصر.
أحمد الدليمى رئيس المخابرات المغربية نيابة عن المغرب.
الكونت دى ميرانش نفسه بالتوقيع نيابة عن فرنسا.
يضيف هيكل: «وجدت نسخة من هذا الاتفاق فى أرشيف السافاك بعد قيام الثورة».


يتحدث هيكل عن علاقة إسرائيل بـ«السفارى» فى موضعين الأول:
«من الجوانب المدهشة لهذا النادى (السفارى) أن كل أعضائه كانوا يتظاهرون بإخفاء نشاطهم عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية»، إلا أنهم فى واقع الأمر كانوا يقدمون تقارير موجزة لها عما يحدث، والأدهى من ذلك أن الجنرال ناصرى «اعترف فيما بعد أنه لم يكن يخبر الأمريكيين فحسب، بل كان يخبر الإسرائيليين».
أما الموضع الثانى:
النادى «السفارى» يمكنه أن يدعى لنفسه نصيبا فى مسؤولية قيام الرئيس السادات بالمبادرة التى بدأها بزيارة القدس عام 1977، وكانت أول رسالة باقتراح عقد اجتماع بين الطرفين أرسلها رابين عندما كان رئيسا لوزراء إسرائيل وحملها إلى الرئيس السادات أحمد الدليمى مندوب المغرب فى النادى.


هيكل فى «مبارك وزمانه» 2012


«قال لى الرئيس ديستان، إنه سوف يطلب (الكسندر) ويقصد الكونت» الكسندر دى ميرانش «أن يتصل بى فى الفندق الذى أقيم فيه، وعندما جاء إلى لقائى فى فندق الكربون الذى كنت أقيم فيه، إذا هو يدعونى إلى صالون حجزه فى نفس الفندق لكى نتحدث بعيدا عن الجالسين غيرنا فى صالون الإمبراطورية، حيث انتظرته، وظهر أن أحد مساعديه رتب - حيث حجز شاشة عرض ظهر عليها خريطة أفريقيا وخطوط طرق الملاحة البحرية حولها مع بيان لعدد وحمولة ناقلات البترول التى تتقاطر على مسالكها كل يوم، وجلسنا أمام الشاشة الكبيرة، وراح دى ميرانش يشرح والخرائط على الشاشة تتغير، وبعض الصور تظهر ومعها لمحات من وثائق وجداول وأرقام متوافقة مع سياق العرض».


يتحدث الأستاذ عن صفقة الميراج قائلا: «بينما كان لقاؤنا يقارب نهايته، أضاف دى ميرانش لمحة أخرى عن مبارك»، فقد قال: «إنه تابع مبارك منذ أن ظهرت صورته لأول مرة» أمامهم «فى أجواء صفقة طائرات» الميراج التى عقدتها ليبيا مع فرنسا سنة 1971، وهى صفقة كبيرة، حجمها 106 طائرات، وقال «دى ميرانش» كنا نعرف أن ليبيا تعقد هذه الصفقة لصالح مصر ولمساعدتها فى حرب أكتوبر 1973.


- يتحدث هيكل نصا: «كانت وثيقة إنشاء المعاهدة وتوقيعها فى اجتماع خاص عقد فى جدة، وقد نشرت أهم نصوصها فى الكتاب - يقصد كتاب مدافع آية الله - ومع النصوص أسماء من وقعوا عليها نيابة عن رؤسائهم، وكان نشر الأسماء قد أحدث ضجة كبرى ذلك الوقت، فقد كان الموقعون المفوضون خمسة»:
- «الكونت دى ميرانش» نفسه «مدير المخابرات الخارجية الفرنسية - عن الرئيس ديستان»
- كمال أدهم «مدير المخابرات السعودية - عن الملك فيصل».
- الجنرال أحمد الدليمى «مدير المخابرات المغربية - عن العاهل المغربى الملك الحسن».
- الجنرال «نعمة الله ناصرى» «مدير السافاك - المخابرات الإيرانية - نيابة عن الشاه محمد رضا بهلوى».
- الدكتور أشرف مروان «مدير مكتب الرئيس للمعلومات - عن الرئيس السادات».
هذا ما ذكره هيكل نقلا عن الوثيقة المنشورة فى «مدافع آية الله»، ويؤكده فى مقابلته الثانية مع «الكونت دى ميرانش» الذى قال لهيكل: «كان أشرف مروان هو الذى يمثل الرئيس السادات فى المجموعة، وبعد سنتين غاب أشرف مروان، وحل محله مبارك».


ينقل هيكل ما ذكره له «دى ميرانش»: «كنا نطلعهم على كل شئ – يقصد وكالة المخابرات الأمريكية -، وكانوا يقومون بإطلاع إسرائيل التى طلبت أن تشارك فى نشاطنا، لأن لها موارد مخابراتية لها قيمتها فى أفريقيا، ولكننا اعتذرنا عن طلبها حتى لا تشعر السعودية بالحرج، ولم يكن هناك حرج لدى المصريين ولا لدى المغاربة، فلديهم علاقات مباشرة مع إسرائيل».

ملاحظات

- فى حديثه عن تكوين مجموعة السفارى فى كتاب «مدافع آية الله»، لم يذكر الأستاذ أى مقابلات مع ديستان وميتران ودى ميرانش.

وفى إشارته عن دى ميرانش يقول: «كان يزين مكتبه بعدد من الخرائط بها خطوط تزداد سمكا لتظهر حجم الشحنات التى تقلها ناقلات البترول عبر القرن الأفريقى ورأس الرجاء الصالح».

- نستنتج من هذه الإشارة أن «الأستاذ» ذهب إلى مكتب ومقر مسؤول المخابرات الخارجية الفرنسية.

- أما فى كتابه: «مبارك وزمانه» فيقول إن دى ميرانش جاءه إلى الفندق: «عندما جاء إلى لقائى فى الفندق الذى أقيم فيه، إذا هو يدعونى إلى صالون حجزه فى نفس الفندق لكى نتحدث بعيدا عن الجالسين».

هل ليبيا هى التى اشترت صفقة الميراج لصالح مصر كما فى «مبارك وزمانه»؟، أم أن مصر اشترتها بأموال السعودية كما فى «مدافع آية الله»؟

- المقارنة بين الروايتين والفارق بينهما 30 عاما، تقودنا إلى تساؤلات ثم تناقضات، وأما التساؤلات، فتبدأ من أن رواية كتاب «مدافع آية الله» تكشف وطبقا لوثيقة «السافاك» أن مدير المخابرات المصرية هو الذى وقّع عليها نيابة عن بلاده، ولم يأت الكتاب باسم هذا المدير، ومع التذكير بأن الأربعة الآخرين الذين وقعوا على الوثيقة، كان توقيعهم بأسمائهم، سيقفز تساؤل عن سبب عدم وجود اسم المسؤول المصرى وهو: هل لأن توقيعه على الوثيقة تم بذكر المنصب دون ذكر الاسم؟، أم أنه وقّع باسمه لكن الأستاذ هيكل لم يذكره لضرورات ما وقت نشر الكتاب عام 1982؟.

وهذا سؤال أطرحه افتراضيا، وعلى العموم فإن الحيز الزمنى لبدايات قصة هذه المجموعة والتوقيع عليها، يوضح أن «كمال حسن على» هو الذى كان يشغل منصب مدير المخابرات المصرية وقتئذ «1975 - 1978»، أى أنه هو الذى وقّع على الوثيقة «هذا التوضيح من اجتهادنا»، لأن مجموعة السفارى وطبقا لما يذكره «الأستاذ» تكونت فى 1975.

- أما فى كتاب «مبارك وزمانه»، فأعيدك إلى قراءة ما سبق الذى يشير فيه هيكل إلى أن الوثيقة التى نشرها فى كتابه «مدافع آية الله»، وقّع عليها الدكتور أشرف مروان «مدير مكتب السادات للمعلومات»، وهذه المعلومة خطأ وقع فيه الأستاذ هيكل، لأن الوثيقة كما جاءت منه فى «مدافع آية الله»، وقّع عليها مدير المخابرات المصرية، وليس أشرف مروان الذى لم يكن وقتئذ مديرا لمكتب السادات كما ذكر الأستاذ، وإنما كان رئيسا للهيئة العربية للتصنيع حيث شغل هذا الموقع من عام 1974 حتى عام 1979.

نستنتج من ذكر «الأستاذ» لاسم أشرف مروان فى القضية أنه يعطينا تلميحات قوية حول علاقة تجارة السلاح وأشياء أخرى بينه وبين مبارك، والتى لم يذكرها الأستاذ صراحة، لكن إشارته لها لا يمكن إغفالها، ويمكن استنتاجها من الآتى:
أولا: فى الحلقة التى حملت عنوان «مسألة أشرف مروان»، التقى هيكل بـ«مروان» فى لندن، أثناء الزوبعة التى هبت باتهامه أنه كان جاسوسا لإسرائيل، وسأله هيكل عن حقيقة ما أشيع فى القاهرة عما إذا كان ممنوعا من المجىء للقاهرة، فرد عليه: «هو (مبارك) لا يستطيع أن يمنعنى»، ورد هيكل: «أشرف.. أليس هذا كلاما كبيرا»، فرد: «هو لا يستطيع.. أقولها لك إننى أستطيع تدميره»، وكرر العبارة بالإنجليزية، وزاد: «أستطيع تدميره وتدمير غيره وذكر اسم اللواء عمر سليمان».

ثانيا: فى حلقة «حسين سالم»، قال سالم لهيكل فى لقائهما بأسبانيا: «ليس عيبا أن الرجل (مبارك) اقترب بوظائفه فى لحظة من اللحظات من موضوع السلاح»، وأضاف: «لاحظ أن الرجل (مبارك) كان قريبا من موضوع السلاح للدول العربية، وأقول لك إنه ربما خطر له الاشتراك فى شىء ولن أزيد عن ذلك».

ثالثا: فى حديثه عن صفقة الميراج الليبية من فرنسا، كشف هيكل أن مبارك كان ضمن وفد الصفقة بجوازات سفر ليبية، وفى نفس الوقت كان قائدا لسلاح الطيران، وفيما بعد التقى هيكل فى باريس، بـ«عبدالسلام جلود» الرجل الثانى فى نظام القذافى قبل انقلاب الأخير عليه، وتحدث جلود عن أسرار أخرى حول الصفقة، لكن الأستاذ أحجم عن ذكرها، لعدم وجود مصدر ثان يؤكدها.

الوقائع على هذا النحو لا تقتصر على الإشارات القوية بتجارة السلاح بين مبارك ومروان، بل تخطت سطورا جديدة فى قضية موت أشرف مروان، وأهم سطر فيها هو، هل كان لمبارك دور فيه؟

لا يتحدث هيكل فى «مدافع آية الله» عن رغبة إسرائيل فى مشاركة «الحلف الجديد» فى نشاطه، ولا يأتى ذكر لهذه الرغبة طوال الصفحات التى تتحدث عن الحلف، فى حين أنه يؤكد على هذه الرغبة فى «مبارك وزمانه» طبقا لما أخبره به «دى ميرانش»، أثناء مقابلتهما فى عام 1982، وطبقا للقاعدة الصحفية، فإن طلب إسرائيل للانضمام هو خبر صحفى وبمثابة انفراد حصل عليه الأستاذ، فلماذا لم يضمه داخل سبقه الكبير بالكشف عن مجموعة السفارى الذى احتوى عليه «مدافع آية الله» المنشور فى 1982 أيضا؟
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 06:45 PM.