اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > القسم الإدارى > أرشيف المنتدي

أرشيف المنتدي هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل

 
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #376  
قديم 07-05-2013, 01:02 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الشَّجَاعَة في واحة الشعر
قالوا: أشجع بيت قاله العرب قول العباس بن مرداس السلمي:


أشُدُّ على الكتيبةِ لا أُبالي***أحتفي كان فيها أم سواها



وقد مدح الشعراء الشَّجَاعَة وأهلها، وأوسعوا في ذلك، فمن ذلك قول المتنبي:


شجاعٌ كأنَّ الحربَ عاشقةٌ له***إذا زارها فدته بالخيلِ والرَّجْلِ



وقال أيضًا:


وكم رجالٍ بلا أرضٍ لكثرتِهم***تركتَ جمعَهمُ أرضًا بلا رجلِ



ما زال طرفُك يجري في دمائِهمُ***حتى مشَى بك مشيَ الشاربِ الثَّمِلِ



وقال آخر:


مِن كلِّ متسعِ الأخلاقِ مبتسمٌ***للخطبِ إن ضاقتِ الأخلاقُ والحيلُ



يسعَى به البرقُ إلا أنَّه فرسٌ***في صورةِ الموتِ إلا أنَّه رجلُ



يلقَى الرِّماحَ بصدرٍ منه ليس له***ظهرٌ وهادي جوادٍ ما له كفلُ



وقال البحتري:


معشرٌ أمسكتْ حلومُهم الأر***ضَ وكادتْ لولاهم أن تميدا



فإذا المحل جاء جاؤوا سيولًا***وإذا النقعُ ثار ثاروا أسودا



وكأنَّ الإلهَ قال لنا في الـ***ــحربِ كونوا حجارةً أو حديدا



وقال ابن حيوس:


إن تردْ خبرَ حالِهم عن يقين***فأْتِهم يومَ نائلٍ أو نزالِ



تلقَ بيضَ الوجوهِ سودَ مُثارِ الــ***ـنقعِ خضرَ الأكنافِ حمرَ النصالِ



وقال مسلم بن الوليد الأنصاري في يزيد بن مزيد:


تلقَى المنيةَ في أمثالِ عدتها***كالسيلِ يقذفُ جلمودًا بجلمودِ



يجودُ بالنفسِ إذ ضنَّ الجوادُ بها***والجودُ بالنفسِ أقصى غايةِ الجودِ


__________________
  #377  
قديم 07-05-2013, 01:07 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الشَّفَقَة

معنى الشَّفَقَة لغةً واصطلاحًا
معنى الشَّفَقَة لغةً:
الشَّفَق والشَّفَقَة: رِقَّة مِنْ نُصْحٍ أو حُبٍّ، يؤدِّي إلى خوفٍ، والشَّفَقَة: الاسم من الإشْفَاق.. وأَشْفَقْت عليه، فأنا مُشْفِق وشَفِيق.
والشَّفَق: الخوف، تقول: أنا مُشْفِق عليك، أي: خائف. وأنا مُشْفِق من هذا الأمر، أي: خائف. والشَّفَق -أيضًا- الشَّفَقَة، وهو أن يكون النَّاصح -من بلوغ نُصْحه- خائفًا على المنصُوح، تقول: أَشْفَقْت عليه أن يناله مكروه، والشَّفِيق: النَّاصح الحريص على صلاح المنصوح .
معنى الشَّفَقَة اصطلاحًا:
قال الرَّاغب: (الإشْفَاق عناية مختلطة بخوف) .
قال ابن القيِّم: (الإشْفَاق رِقَّة الخوف، وهو خوف برحمة من الخائف لمن يُخاف عليه، فنسبته إلى الخوف، نسبة الرَّأفة إلى الرَّحمة، فإنَّها ألطف الرَّحمة وأرقُّها) .
قال الجرجاني: (هي صرف الهمَّة إلى إزالة المكروه عن النَّاس) .
__________________
  #378  
قديم 07-05-2013, 01:09 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الفرق بين الشَّفَقَة وبعض الصِّفات
- الفرق بين الشَّفَقَة والخَشْيَة:
قال أبو هلال: (إنَّ الشَّفَقَة ضرب من الرِّقَّة وضعف القلب، ينال الإنسان، ومِنْ ثمَّ يُقال للأمِّ: أنَّها تُشْفِق على ولدها، أي: تَرِقُّ له، وليست هي من الخَشْيَة والخوف في شيء، والشَّاهد قوله تعالى: إنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ [المؤمنون:57]، ولو كانت الخَشْيَة هي الشَّفَقَة، لما حَسُن أن يقول ذلك، كما لا يَحْسُن أن يقول: يَخْشَون من خَشْيَة ربِّهم. ومن هذا الأصل قولهم: ثوبٌ شَفَقٌ، إذا كان رقيقًا... فقولك: أَشْفَقت من كذا، معناه: ضَعُف قلبي عن احتماله) .
- الفرق بين الشَّفَقَة والرِّقَّة:
قال أبو هلال: (إنَّه قد يرِقُّ الإنسان لمن لا يُشْفِق عليه، كالذي يَئِد الموْؤُدَة ، فيَرِقُّ لها -لا محالة-؛ لأنَّ طبع الإنسانيَّة يوجب ذلك، ولا يُشْفِق عليها، لأنَّه لو أَشْفَق عليها ما وَأَدَها) .
__________________
  #379  
قديم 07-05-2013, 01:11 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

التَّرغيب في الشَّفَقَة من السنة النبوية
- عن ابن عمر رضي الله عنه، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومَن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلم كربةً، فرج الله عنه كربةً مِن كربات يوم القيامة، ومَن ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة)) .
ورواه التِّرمذي بلفظ آخر وقال في تبويبه له: (ما جاء في شَفَقَة المسلم على المسلم) .
- وعن النُّعمان بن بَشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مَثَلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تَدَاعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى)) .
قال ابن حبان: (وفيه مَثَّل النَّبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بما يجب أن يكونوا عليه من الشَّفَقَة والرَّأفة) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أمَّ أحدكم النَّاس فليُخَفِّف؛ فإنَّ فيهم الصَّغير والكبير والضَّعيف والمريض، فإذا صلَّى وحْدَه، فليصل كيف شاء)) .
قال ابن عثيمين: (ومن الشَّفَقَة والرَّحمة بالمؤمنين: أنَّه إذا كان الإنسان إمامًا لهم، فإنَّه لا ينبغي له أن يُطِيل عليهم في الصَّلاة... والمراد بالتَّخفيف: ما وافق سُنَّة النَّبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو التَّخفيف، وليس المراد بالتَّخفيف ما وَافَق أهواء النَّاس) .
- وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: لما جاء نعي جعفر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اصنعوا لآل جعفر طعامًا، فقد أتاهم ما يشغلهم، أو أمر يشغلهم)) .
قال وليُّ الله الدَّهْلوي: (هذا نهاية الشَّفَقَة بأهل المصيبة، وحفظهم من أن يتضوَّروا بالجوع) .
__________________
  #380  
قديم 07-05-2013, 01:14 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

أقوال السَّلف والعلماء في الشَّفَقَة
- عن أسلم (أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه استعمل مولى له -يُدْعى هُنَيًّا- على الحِمَى ، فقال: يا هُني، اضْمُم جناحك عن المسلمين، واتَّق دعوة المظلوم؛ فإنَّ دعوة المظلوم مستجابة) .
قال العيني: (قوله: اضْمُم جناحك، ضَمُّ الجَناح: كناية عن الرَّحمة والشَّفَقَة، وحاصل المعنى: كُفَّ يدك عن ظلم المسلمين) .
- وعن عبد الملك بن حميد، قال: كنَّا مع عبد الملك بن صالح بدمشق، فأصاب كتابًا في ديوان دمشق: (بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، من عبد الله بن عبَّاس، إلى معاوية بن أبي سفيان، سلام عليك، فإنِّي أحمد إليك الله، الذي لا إله إلا هو، عصمنا الله وإيَّاك بالتَّقوى... أمَّا بعد، فإنَّك من ذوي النُّهى من قريش، وأهل الحلم والخُلُق الجميل منها، فليَصْدر رأيك بما فيه النَّظر لنفسك، والتَّقيَّة على دينك، والشَّفَقَة على الإسلام وأهله، فإنَّه خير لك، وأوفر لحظِّك في دنياك وآخرتك) .
- وقال الجنيد -عندما سُئل عن الشَّفَقَة على الخَلْق ما هي؟-: (تعطيهم من نفسك ما يطلبون، ولا تحمِّلهم ما لا يطيقون، ولا تخاطبهم بما لا يعلمون) .
- وقال أبو الخير: (القلوب ظُرُوف، فقلب مملوء إيمانًا، فعلامته الشَّفَقَة على جميع المسلمين، والاهتمام بما يهمُّهم، ومعاونتهم على أن يعود صلاحه إليهم. وقلب مملوء نفاقًا، فعلامته الحقد والغلُّ والغشُّ والحسد) .
وقال المناوي: (الشَّفَقَة تَحَنُّن الرَّأفة، والإكباب على من يُشفِق عليه، وإنَّما يصير مُنكبًّا بشدَّة الرَّأفة، فإذا كانت الشَّفَقَة بغير مِعَةٍ -مشتقَّة من أمعاء البطن-انتشرت فأفسدت، وإذا كانت في مِعَةٍ، كانت في حصن، فلم تنتشر، ولم تَفْسَد؛ لأنَّ هنا حدًّا يحويها) .
__________________
  #381  
قديم 07-05-2013, 01:16 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

فوائد الشَّفَقَة

1- أنَّ المتَحَلِّي بها يتحلَّى بخُلُق تحلَّى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2- أنَّ أهلها مخصوصون برحمة الله، جزاءً لشَفَقَتهم ورحمتهم بخَلْقه.
3- أنَّ من ثمارها: محبَّة الله للعبد، ومن ثمَّ محبَّة النَّاس له.
4- أنَّها ركيزة عظيمة ينبني عليها مجتمع مسلم متماسك، يعطف بعضه على بعض، ويُشفق بعضه على بعض.
5- أنَّها مظهر من مظاهر العِشْرة الطَّيِّبة، قال محمَّد الغزي: (ومنها: أن تكون الشَّفَقَة على الأخ الموافق أكثر من الشَّفَقَة على الولد. قال أبو زائدة: كتب الأحنف إلى صديق له: أمَّا بعد، فإذا قدم أخ لك موافق، فليكن منك بمنزلة السَّمع والبصر؛ فإنَّ الأخ الموافق أفضل من الولد المخالف. ألم تسمع قول الله عزَّ وجلَّ لنوح -عليه السَّلام- في ابنه: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [هود: 46]) .
6- من أعظم فوائدها: أنَّها خُلق مُتعدٍّ إلى جميع خَلْق الله: من إنسان أو حيوان، بعيدٍ أو قريبٍ، مسلمٍ أو غير مسلمٍ.
7- أنَّها سبب للالتفات إلى ضَعفة المجتمع من الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام والكبار والعَجَزة.
وغير ذلك من الفوائد العظيمة..
__________________
  #382  
قديم 07-05-2013, 01:19 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الشفقة المذمومة
الشَّفَقَة المذمومة: وهو ما يحصل بسببها تعطيل لشرع الله، أو تهاون في تطبيق حدوده وأوامره، كمن يُشْفِق على من ارتكب جُرمًا يستحق به حدًّا، فيحاول إقالته والعفو عنه، ويحسب أنَّ ذلك من الشَّفَقَة على الخَلق، وهو ليس منها في شيء.
قال الحسن: (إن منعته أُمُّه عن العشاء في الجماعة -شفقةً- لم يُطِعها) .
قال العيني: (يعني: إن منعت الرَّجل أُمُّه عن الحضور إلى صلاة العشاء مع الجماعة شَفَقَة عليه، أي: لأجل الشَّفَقَة. لم يُطِع أمَّه فيه.. مع أنَّ طاعة الوالدين فرض في غير المعصية، وإنَّما عيَّن العشاء، مع أنَّ الحُكم في كلِّ الصَّلوات سواء؛ لكونها من أثقل الصَّلاة على المنافقين... وإنَّما عيَّن الأمَّ مع أنَّ الأب كذلك في وجوب طاعتهما؛ لأنَّ الأمَّ أكثر شَفَقَة من الأب على الأولاد) .
وعن عامر بن سعد، أنَّ أسامة بن زيد رضي الله عنه أخبر والده سعد بن أبي وقاص: ((أنَّ رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّي أَعْزِل عن امرأتي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لِمَ تفعل ذلك؟ فقال الرَّجل: أُشفِق على ولدها، أو على أولادها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان ذلك ضارًّا، ضرَّ فارس والرُّوم)). وقال زهير في روايته: (إن كان لذلك فلا، ما ضارَّ ذلك فارس ولا الرُّوم) .
أو كمن يُشْفِق على الطُّلَّاب فيتركهم يغشُّون في الامتحان شَفَقَة منه عليهم أن يرسبوا.
أو كمن يَ*** من الأطباء -بدافع الشَّفَقَة- مرضاهم الذين لا يُرجى شفاؤهم، ويتألَّمون من مرضهم.. فكلُّ هذا ممَّا لا تجوز فيه الشَّفَقَة.
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 07-05-2013 الساعة 01:55 AM
  #383  
قديم 07-05-2013, 01:22 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

درجات الشَّفَقَة
للشَّفَقَة ثلاث درجات، كما ذكر الإمام الهروي في كتابه ((منازل السائرين)):
(الدَّرجة الأولى: إشْفَاق على النَّفس أن تَجْمَح إلى العِناد، وإشْفَاق على العمل أن يصير إلى الضَّياع، وإشْفَاق على الخليقة لمعرفة معاذيرها) .
قال ابن القيِّم في شرحه للدَّرجة: (إشْفَاق على النَّفس أن تَجْمَح إلى العِناد: أي: تُسرع وتذهب إلى طريق الهوى والعصيان، ومعاندة العبوديَّة. وإشْفَاق على العمل أن يصير إلى الضَّياع: أي: يخاف على عمله أن يكون من الأعمال التي قال الله فيها: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا [الفرقان:23]، وهي الأعمال التي كانت لغير الله، وعلى غير أمره وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويخاف -أيضًا- أن يَضِيع عمله في المستقبل، إمَّا بتركه، وإمَّا بمعاصي تفرِّقه وتُحبِطه، فيذهب ضائعًا... قال: وإشْفَاق على الخليقة لمعرفة معاذيرها: هذا قد يوهم نوع تناقض، فإنَّه كيف يُشفِق مع معرفة العُذر؟! وليس بمتناقض، فإنَّ الإشْفَاق -كما تقدَّم- خوف مقرون برحمة، فيُشفِق عليهم من جهة مخالفة الأمر والنَّهي، مع نوع رحمة، بملاحظة جَرَيان القدر عليهم) .
(الدَّرجة الثَّانية: إشْفَاقٌ على الوقت أن يشوبه تفرُّقٌ، وعلى القلب أن يزاحمه عارض، وعلى اليقين أن يُداخله سبب) .
قال ابن القيِّم: (الدَّرجة الثَّانية: إشْفَاق على الوقت أن يشوبه تفرُّق، أي: يحذر على وقته أن يخالطه ما يفرِّقه عن الحضور مع الله عزَّ وجلَّ. قال: وعلى القلب أن يزاحمه عارض، والعارض المزاحم: إمَّا فَتْرة، وإما شُبْهة، وإمَّا شهوة، وكلُّ سبب يعوق السَّالك. قال: وعلى اليقين أن يُداخله سبب، هو الطُّمأنينة إلى من بيده الأسباب كلُّها، فمتى داخل يقينه ركونٌ إلى سبب وتعلُّق به، واطمأنَّ إليه، قدح ذلك في يقينه، وليس المراد قطع الأسباب عن أن تكون أسبابًا، والإعراض عنها، فإنَّ هذا زندقة وكُفر ومُحَال... ولكن الذي يريد أن يُحْذَر منه: إضافة يقينه إلى سبب غير الله، ولا يتعلَّق بالأسباب، بل يَـفْنَى بالمسبِّب عنها) .
(الدَّرجة الثَّالثة: إشْفَاق يصون سعيه من العُجب، ويكُفُّ صاحبه عن مخاصمة الخَلْق، ويحمل المريد على حفظ الجِدِّ) .
قال ابن القيِّم: (الدَّرجة الثَّالثة: إشْفَاقٌ يصون سعيه عن العُجب، ويكُفُّ صاحبه عن مخاصمة الخَلْق، ويحمل المريد على حفظ الجِدِّ. الأوَّل: يتعلَّق بالعمل، والثَّاني: بالخَلْق، والثَّالث: بالإرادة، وكلٌّ منها له ما يُفسده. فالعُجب: يُفسد العمل، كما يُفسده الرِّياء، فيُشفِق على سعيه من هذا المفْسِد شَفَقَةً تصونه عنه. والمخاصمة للخَلْق مُفْسِدة للخُلُق، فيُشفِق على خُلُقه من هذا المفْسِد شَفَقَةً تصونه عنه. والإرادة يُفْسِدها عدم الجِدِّ، وهو الهزل واللَّعب، فيُشْفق على إرادته مما يُفسدها. فإذا صحَّ له عمله وخُلُقه وإرادته، استقام سلوكه وقلبه وحاله) .
__________________
  #384  
قديم 07-05-2013, 07:57 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

صور الشَّفَقَة
أ- شَفَقَة الإمام على المأمومين، وتجنُّب ما يشق عليهم:
1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أَعْتم النَّبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، حتى ذهب عامَّة اللَّيل، وحتى نام أهل المسجد، ثمَّ خرج فصلَّى، فقال: إنَّه لوقتها لولا أن أشقَّ على أمَّتي)) .
2- عن أبي هريرة أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أمَّ أحدكم النَّاس فليُخفِّف؛ فإنَّ فيهم الصَّغير والكبير والضَّعيف والمريض، فإذا صلَّى وحده فليصل كيف شاء)) .
ب- الشَّفَقَة على الأبناء، والعطف عليهم، والحُزن إذا أصابهم مكروه:
1- عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((قَدِم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: أتقبِّلون صبيانكم؟ فقالوا: نعم. فقالوا: لكنَّا -والله- ما نُقبِّل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأملك إن كان الله نزع منكم الرَّحمة))، وقال ابن نمير: ((من قلبك الرَّحمة)) . قال ابن عثيمين: (وفي هذا دليلٌ على تقبيل الصِّبيان شَفَقَة عليهم ورقَّة لهم ورحمة بهم) .
2- وعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: ((أرْسَلت ابنة النَّبي صلى الله عليه وسلم إليه: إنَّ ابنًا لي قُبِض فائتنا. فأرسل يقرئ السَّلام، ويقول: إنَّ لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكلٌّ عنده بأجل مسمًّى، فلتصبر ولتحتسب. فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينَّها، فقام، ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبيُّ بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال، فرُفِع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصَّبي ونَفْسُه تتقَعْقَع - قال: حسبته أنَّه قال: كأنَّها شَنٌّ - ففاضت عيناه. فقال سعد: يا رسول الله، ما هذا؟ فقال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنَّما يرحم الله من عباده الرُّحماء)) .
3- عن شدَّاد بن الهاد رضي الله عنه قال: ((خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل حسنًا أو حسينًا، فتقدَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه، ثمَّ كبَّر للصَّلاة، فصلَّى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي، وإذا الصَّبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلمَّا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصَّلاة، قال النَّاس: يا رسول الله، إنَّك سجدتَّ بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها، حتى ظننَّا أنَّه قد حدث أمر، أو أنَّه يُوحى إليك. قال: كلُّ ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتَحَلَني، فكرهت أن أُعْجِلَه حتى يقضي حاجته)) .
فالنَّبي صلى الله عليه وسلم يركب الطِّفل على ظهره الشَّريف وهو ساجد، ولا يقوم من سجوده، ليُكمل الطِّفل لعبه، حتى لا يزعجه، رحمةً به، وشَفَقَةً عليه.
5- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذِّئب، فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إنَّما ذهب بابنك. وقالت الأخرى: إنَّما ذهب بابنك. فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكُبرى، فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسِّكين، أشقُّه بينهما. فقالت الصُّغرى: لا تفعل -يرحمك الله-، هو ابنها. فقضى به للصُّغرى)). .
قال ابن القيِّم: (ولم يكن سليمان ليفعل، ولكن أوهمهما ذلك، فطابت نفس الكبرى بذلك. استرواحًا منها إلى راحة التَّسلِّي، والتَّأسِّي بذهاب ابن الأخرى. كما ذهب ابنها، ولم تطِبْ نفس الصُّغرى بذلك، بل أدركتها شَفَقَة الأمِّ، ورحمتها، فناشدته أن لا يفعل، استرواحًا إلى بقاء الولد، ومشاهدته حيًّا، وإن اتَّصل إلى الأخرى) .
6- عن أسيد بن حضير رضي الله عنه قال: ((بينما هو يقرأ من اللَّيل سورة البقرة، وفرسه مربوط عنده، إذ جالت الفرس، فسكت فسكتت، فقرأ، فجالت الفرس، فسكت وسكتت الفرس، ثمَّ قرأ، فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبًا منها، فأشْفَق أن تصيبه، فلما اجْتَرَّه، رفع رأسه إلى السَّماء حتى ما يراها، فلما أصبح، حدَّث النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقرأ يا ابن حضير، اقرأ يا ابن حضير. قال: فأشْفَقت -يا رسول الله- أن تطأ يحيى...)) .
ج - الشَّفَقَة على النِّساء:
عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: (تزوَّجني الزُّبير، وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء، غير نَاضِح وغير فرسه، فكنت أَعْلِف فرسه، وأستقي الماء، وأَخْرِز غَرْبَه وأعجن، ولم أكن أُحْسِن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكنَّ نِسْوة صِدْقٍ، وكنت أَنْقُل النَّوَى من أرض الزُّبير -التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي منِّي على ثُـلُثي فَرْسخ، فجئت يومًا والنَّوَى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، فدعاني، ثمَّ قال: إخ إخ. ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرِّجال...) .
قال النَّووي: (وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشَّفَقَة على المؤمنين والمؤمنات، ورحمتهم ومواساتهم فيما أمكنه) .
__________________
  #385  
قديم 07-05-2013, 08:00 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الوسائل المعينة على اكتساب الشَّفَقَة
1- عدم الشِّبَع:
قال أبو سليمان الدَّاراني: (من شَبِع دخل عليه ستُّ آفات: فَقَد حلاوة المنَاجاة، وتعذَّر حفظ الحِكْمة، وحرمان الشَّفَقَة على الخَلْق؛ لأنَّه إذا شَبِع، ظنَّ أنَّ الخَلْق كلَّهم شِبَاعٌ، وثُقْل العبادة، وزيادة الشَّهوات، وأنَّ سائر المؤمنين يدورون حول المساجد، والشِّباع يدورون حول المزابل) .
2- عدم الحسد:
قال أبو عبد الرَّحمن السُّلمي: (الحسد عدوُّ نعمة الله، وإنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تحاسدوا)) ، وحسد المسلمين من قلَّة الشَّفَقَة عليهم.
3- الاختلاط بالضُّعفاء والمساكين وذوي الحاجة:
فإنَّه ممَّا يُــرَقِّق القلب، ويدعو إلى الرَّحمة والشَّفَقَة بهؤلاء وغيرهم.
4- مَسْحُ رأس اليتيم:
((عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رجلًا شكا إلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قسوةَ قلبِه فقال امسَحْ رأسَ اليتيمِ وأطعِمِ المسكينَ)) .
__________________
  #386  
قديم 07-05-2013, 08:07 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

نماذج من الأنبياء والمرسلين
كان الأنبياء -صلوات الله عليهم- يحرصون في التعامل مع أقوامهم على الرَّحمة بهم والشَّفَقَة عليهم، فكانوا يُشْفِقون عليهم بالرَّغم من إيذاء قومهم لهم، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كأنِّي أنظر إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًّا من الأنبياء، ضربه قومه فأَدْمَوه ، فهو يمسح الدَّم عن وجهه، ويقول: ربِّ اغفر لقومي، فإنَّهم لا يعلمون) .
قال النَّووي: (فيه ما كانوا عليه -صلوات الله وسلامه عليهم- من الحلم والتَّصبُّر والعفو والشَّفَقَة على قومهم، ودعائهم لهم بالهداية والغُفران، وعذرهم في جنايتهم على أنفسهم: بأنَّهم لا يعلمون. وهذا النَّبي المشار إليه من المتقدِّمين، وقد جرى لنبينا صلى الله عليه وسلم مثل هذا يوم أحد) .
نوح عليه السَّلام:
قال تعالى: وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود:45-46].
قال السعدي: (لعلَّه -عليه الصَّلاة والسَّلام- حملته الشَّفَقَة، وأنَّ الله وعده بنجاة أهله، ظنَّ أنَّ الوعد لعمومهم: مَنْ آمن، ومَنْ لم يؤمن، فلذلك دعا ربَّه بذلك الدُّعاء، ومع هذا، ففوَّض الأمر لحكمة الله البالغة) .
إبراهيم عليه السَّلام:
كان نبيُّ الله إبراهيم -عليه السَّلام- شَفِيقًا على النَّاس، وكان يجادل عن قوم لوط، حتى لا يأتيهم العذاب، وذلك لغلبة الشَّفَقَة عليه، قال تعالى: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ [هود:74-76].
قال ابن عجيبة: (ظاهر قوله تعالى: يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ أنَّ مجادلته كانت عن قومه فقط، لغلبة الشَّفَقَة عليه، كما هو شأنه، ولذلك قال تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ حتى قال له تعالى: يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا لـمَّا تَحَتَّمَ عليهم العذاب) .
وقال أيضًا: (والحاصل أنَّ إبراهيم -عليه السَّلام- حملته الشَّفَقَة والرَّحمة، حتى صدر، منه ما صدر مع خُلَّته واصطفائيَّته، فالشَّفَقَة والرَّحمة من شأن الصَّالحين والعارفين المقرَّبين، غير أنَّ العارفين بالله -مع مراد مولاهم- يُشْفِقون على عباد الله، ما لم يتعيَّن مراد الله، فالله أرحم بعباده من غيره. ولذلك قال لخليله، لـمَّا تعيَّن قضاؤه: يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا) .
نماذج من شَفَقَة النَّبي صلى الله عليه وسلم
1- شَفَقَة النَّبي صلى الله عليه وسلم على أمَّته:
كان صلى الله عليه وسلم شَفِيقًا على أمَّته، رحيمًا بهم، وشَفَقَته ورحمته لم تكن خاصَّة بالمؤمنين، بل كان يُشْفِق على الكافرين ممَّن لا يدين بدين الإسلام. ونشير هنا إلى بعض النَّماذج التي هي من أقواله وسيرته، فصلوات ربِّي وسلامه عليه:
- عن أنس رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث الشَّفاعة: ((أمَّتي أمَّتي)) .
قال الفارسي أبو الحسين: (انظر هل وصف الله عزَّ وجلَّ أحدًا من عباده بهذا الوصف من الشَّفَقَة والرَّحمة التي وَصَف بها حبيبَه صلى الله عليه وسلم ، ألا تراه في القيامة إذا اشتغل النَّاس بأنفسهم كيف يَدَع حَدَث نفسه، ويقول: (أمَّتي أمَّتي)، يرجع إلى الشَّفَقَة عليهم، ويقول: إنِّي أسلمت نفسي إليك، فافعل بي ما شئت، ولا تردَّني في شفاعتي في عبادك) .
2- شَفَقَة النَّبي صلى الله عليه وسلم على الكفَّار:
عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّها قالت للنَّبي صلى الله عليه وسلم: ((هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدَّ ما لقيت منهم يوم العَقَبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يَالِيلَ بن عبد كُلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت. وأنا مهموم على وجهي، فلم أَسْتَفق إلَّا وأنا بِقَرْن الثَّعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنَّ الله قد سمع قول قومك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بعث الله إليك مَلَكَ الجبال لتأمره بما شئت فيهم. فناداني مَلَك الجبال فسلَّم عليَّ، ثمَّ قال: يا محمَّد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أُطبق عليهم الأخشبين. فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يُخْرِج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا)) .
قال ابن حجر: (وفي هذا الحديث بيان شَفَقَة النَّبي صلى الله عليه وسلم على قومه، ومزيد صبره وحلمه، وهو موافق لقوله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ [آل عمران: 159]، وقوله: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107]) .
3- شَفَقَة النَّبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه:
- قال صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك: (أَبْشِر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمُّك. قال: قلت أمن عندك -يا رسول الله- أم من عند الله؟ قال: لا بل من عند الله) .
قال ابن القيِّم: (وفى سرور رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وفرحه به واستنارة وجهه دليل على ما جعل الله فيه من كمال الشَّفَقَة على الأمَّة، والرَّحمة بهم والرَّأفة، حتى لعلَّ فرحه كان أعظم من فرح كعب وصاحبيه) .
- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: ((حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطَّائف، فلم ينل منهم شيئًا. فقال: إنَّا قافلون ، إن شاء الله. قال أصحابه: نرجع ولم نفتتحه! فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغدوا على القتال. فغدوا عليه، فأصابهم جِراح. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّا قافلون غدًا. قال: فأعجبهم ذلك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم)) .
قال النَّووي: (معنى الحديث أنَّه صلى الله عليه وسلم قصد الشَّفَقَة على أصحابه والرِّفق بهم بالرَّحيل عن الطَّائف؛ لصعوبة أمره، وشِدَّة الكفَّار الذين فيه، وتقويتهم بحصنهم، مع أنَّه صلى الله عليه وسلم علم أو رجا أنَّه سيفتحه بعد هذا بلا مشقَّة كما جرى...) .
- عن أبي هريرة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّما أنا لكم مثل الوالد أعلِّمكم...)) .
قال علي القاري: ((إنَّما أنا لكم مثل الوالد) أي: ما أنا لكم إلا مثل الوالد في الشَّفَقَة لولده، (أعلِّمكم) أي: أمور دينكم) .
4- شَفَقَة النَّبي صلى الله عليه وسلم على الأطفال:
- عن شدَّاد بن الهاد رضي الله عنه قال: ((خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل حسنًا أو حسينًا، فتقدَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه، ثمَّ كبَّر للصَّلاة، فصلَّى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي، وإذا الصَّبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلمَّا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصَّلاة، قال النَّاس: يا رسول الله، إنَّك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها، حتى ظننَّا أنَّه قد حدث أمر، أو أنَّه يُوحَى إليك. قال: كلُّ ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتَحَلَني فكرهت أن أُعْجِلَه حتى يقضي حاجته)) .
- عن أبي قتادة رضي الله عنه: (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي وهو حامل أُمَامَة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص ابن الرَّبيع، فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها؟ قال يحيى: قال مالك: نعم) .
فمن رحمته صلى الله عليه وسلم وشَفَقَته بأُمَامَة أنَّه كان إذا ركع أو سجد يخشى عليها أن تسقط، فيضعها على الأرض.
قال النَّووي: (وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشَّفَقَة على المؤمنين والمؤمنات، ورحمتهم ومواساتهم فيما أمكنه) .
__________________
  #387  
قديم 07-05-2013, 08:11 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

نماذج من شَفَقَة الصَّحابة
أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه:
- عن أبي الدَّرداء رضي الله عنه قال: ((كنت جالسًا عند النَّبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذًا بطرف ثوبه، حتى أبدى عن ركبته، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: أما صاحبكم فقد غامر . فسلَّم، وقال: إنِّي كان بيني وبين ابن الخطَّاب شيء، فأسرعت إليه ثمَّ ندمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى عليَّ، فأقبلت إليك. فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر. ثلاثًا، ثمَّ إنَّ عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر، فسأل: أثمَّ أبو بكر؟ فقالوا: لا. فأتى إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فسلَّم، فجعل وجه النَّبي صلى الله عليه وسلم يتمعَّر ، حتى أشْفَق أبو بكر، فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم. مـرَّتين، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله بعثني إليكم، فقلتم: كَذَبْت. وقال أبو بكر: صَدَق. وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ مـرَّتين، فما أُوذي بعدها)) .
قال العيني: ((حتى أشْفَق أبو بكر)) أي: حتى خاف أبو بكر أن يكون من رسول الله إلى عمر ما يكره) .
عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه:
- عن الأصمعي، قال: (كلَّم النَّاس عبد الرَّحمن بن عوف أن يكلِّم عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه في أن يلين لهم؛ فإنَّه قد أخاف الأبكار في خدورهنَّ ؛ فكلَّمه عبد الرَّحمن، فالتفت عمر إلى عبد الرَّحمن -رضي الله عنهما- فقال له: يا عبد الرَّحمن! إنِّي لا أجد لهم إلَّا ذلك، والله لو أنَّهم يعلمون ما لهم عندي من الرَّأفة والرَّحمة والشَّفَقَة؛ لأخذوا ثوبي عن عاتقي) .
__________________
  #388  
قديم 07-05-2013, 08:14 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الأمثال في الشَّفَقَة
- الشَّفيق بسوء ظنٍّ مولع.
(يراد أنَّ ذا الشَّفَقَة يضع سوء الظَّنِّ في غير موضعه) .
- ما هذا الشَّفَقُ الطَّارِفُ حُبى.
(الشَّفَق: الشَّفَقَة، والطَّارف: الحادث، وحُبى: اسم امرأة) .
- أشْفَق من أمٍّ على ولد .
__________________
  #389  
قديم 07-05-2013, 08:23 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
Star

الشَّفَقَة في واحة الشِّعر

قال الشَّاعر:


وصاحبٌ كان لي وكنتُ له ---- أَشْفَقَ مِن والدٍ على ولدِ



كنَّا كساقٍ تسعَى بها قَدَمٌ ---- أو كذراعٍ نِيطَت إلى عَضُدِ



وقال الشاعر:


قد كنت أُشْفِق مما قد فُجِعت به ---- إن كان يدفعُ عن ذي اللَّوعة الشَّفقُ



وقال جرير:


يُسِرُّ لك البَغْضَاءَ كلُّ مُنَافِقٍ ---- كما كلُّ ذِي دِينٍ عليك شَفِيقُ



وقال ابن هرمة:


وموعظةُ الشَّفِيقِ تكونُ داءً ---- إِذا خالفْتَ موعظةَ الشَّفِيقِ



وقال الشَّاعر:


رُبَّ رَحيمٍ مُشْفِقٍ مُتعطِّفٍ ---- لا يَنتَهي بالحَصْر ما أَعطاه



كَمْ نعمةٍ أَولى وَكَمْ من كُرْبةٍ ---- أَجلى وَكَمْ من مُبتَلى عافاه



وقال محمَّد الإخسيكائي:


ارحمْ أخيَّ عبادَ اللهِ كلَّهم ---- وانظرْ إِليهمْ بعينِ اللُّطفِ والشَّفَقَه



وَقِّرْ كبيرَهمُ وارحَمْ صغيرَهمُ ---- وراعِ في كلِّ خلقٍ وجْهَ مَن خَلَقَه



وقال: أبو الحسن الربعي:


الرِّفقُ ألطفُ ما اتَّخذْتَ رفيقَا ---- ويسوءُ ظنُّكَ أن تكون شَفِيقَا



فخُذِ المجازَ من الزَّمانِ وأهلِه ---- ودعِ التَّعمُّقَ فيه والتَّحْقيقا
__________________
  #390  
قديم 07-05-2013, 08:26 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي


الشهامة
معنى الشهامة لغةً واصطلاحًا

معنى الشهامة لغةً:
الشهامة مصدر شهم، وهذه المادة تدلُّ على الذكاء.
والشهم: الذكي الفؤاد المتوقد، الجلد، والجمع شهام... وقد شهم الرجل، بالضم، شهامة وشهومة إذا كان ذكيًّا، فهو شهم أي جلد.
وقيل: الشهم معناه في كلام العرب: الحمول، الجيد القيام بما يحمل، الذي لا تلقاه إلا حمولًا، طيب النفس بما حمل .
معنى الشهامة اصطلاحًا:
قال ابن مسكويه: (الشهامة هي: الحرص على الأعمال العظام توقعًا للأحدوثة الجميلة) .
وقيل الشهامة هي: (الحرص على الأمور العظام؛ توقعًا للذكر الجميل عند الحقِّ والخلق) .
وقيل هي: (عزة النفس وحرصها على مباشرة أمور عظيمة، تستتبع الذكر الجميل) .
__________________
 

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
موسوعة, الاخلاق, الاسلامية, الشاملة


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 06:39 PM.