#361
|
||||
|
||||
الفرق بين الشَّجَاعَة وبعض الصفات
- الفرق بين الشجاعة والقوة: (كثير من الناس تشتبه عليه الشجاعة بالقوة وهما متغايران، فإن الشجاعة هي ثبات القلب عند النوازل وإن كان ضعيف البطش. وكان الصديق رضي الله عنه أشجع الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمر وغيره أقوى منه، ولكن برز على الصحابة كلهم بثبات قلبه في كل موطن من المواطن التي تزلزل الجبال، وهو في ذلك ثابت القلب، ربيط الجأش، يلوذ به شجعان الصحابة وأبطالهم، فيثبتهم، ويشجعهم) . - الفرق بين البسالة والشَّجَاعَة: أنَّ أصل البسل: الحرام، فكأن الباسل يتعذَّر على أحد أو يحرم عليه، أن يصيبه في الحرب بمكروه؛ لشدته فيها وقوته. والشَّجَاعَة: الجرأة، والشُّجاع: الجريء، المقدام في الحرب ضعيفًا كان أو قويًّا، والجرأة قوة القلب الداعي إلى الإقدام على المكاره، فالشَّجَاعَة تنبئ عن الجرأة، والبسالة تنبئ عن الشدَّة . - الفرق بين الشَّجَاعَة والجرأة: أنَّ الشَّجَاعَة من القلب: وهي ثباته واستقراره عند المخاوف، وهو خلق يتولد من الصبر وحسن الظن، فإنَّه متى ظن الظفر وساعده الصبر ثبت، كما أنَّ الجبن يتولد من سوء الظن وعدم الصبر، فلا يظن الظفر ولا يساعده الصبر. وأما الجرأة: فهي إقدام، سببه قلة المبالاة، وعدم النظر في العاقبة، بل تقدم النفس في غير موضع الإقدام معرضة عن ملاحظة العارض، فإمَّا عليها، وإمَّا لها . |
#362
|
|||
|
|||
فعلا استفادت كثير
|
#363
|
||||
|
||||
|
#364
|
||||
|
||||
أولًا: في القرآن الكريم
- أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بالقتال في سبيله، والثبات عليه، والإقدام في الحروب، وعدم الجبن، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال: 16]. - وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ [الأنفال: 65]. قال السعدي: (يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ أي: حثهم وأنهضهم إليه بكل ما يقوي عزائمهم وينشِّط هممهم، من الترغيب في الجهاد، ومقارعة الأعداء، والترهيب من ضد ذلك، وذكر فضائل الشَّجَاعَة والصبر، وما يترتب على ذلك من خير في الدنيا والآخرة، وذكر مضار الجبن، وأنه من الأخلاق الرذيلة المنقصة للدين والمروءة، وأنَّ الشَّجَاعَة بالمؤمنين أولى من غيرهم) . - وقال سبحانه: وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة:190]. - وأمر الله المسلمين بالثبات في الجهاد فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ [الأنفال:45]. |
#365
|
||||
|
||||
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنِّي فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَّر الله وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان)) .
قال النووي: (والمراد بالقوة هنا، عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدو في الجهاد، وأسرع خروجًا إليه، وذهابًا في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة، والصوم، والأذكار، وسائر العبادات، وأنشط طلبًا لها، ومحافظةً عليها، ونحو ذلك) . - وعن عمرو بن ميمون الأودي قال: كان سعد يعلِّم بنيه هؤلاء الكلمات، كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ويقول: ((إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ منهن دبر الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر، فحدثت به مصعبًا فصدقه)) . قال المهلب: (أما استعاذته صلى الله عليه وسلم من الجبن، فإنَّه يؤدي إلى عذاب الآخرة؛ لأنَّه يفر من قرنه في الزحف فيدخل تحت وعيد الله لقوله: وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ [الأنفال: 16] الآية، وربما يفتن في دينه، فيرتد لجبن أدركه) . - وعن عبادة بن الوليد بن عبادة عن أبيه عن جده قال: ((بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم)) . |
#366
|
||||
|
||||
أقوال السلف والعلماء في الشَّجَاعَة
- قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه لخالد بن الوليد: (احرص على الموت، توهب لك الحياة) . - وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (الجبن والشَّجَاعَة غرائز في النَّاس، تلقى الرجل يقاتل عمن لا يعرف، وتلقى الرجل يفر عن أبيه) . - وخطب عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، النَّاس لما بلغه م*** أخيه مصعب، فقال: (إن ي*** فقد *** أبوه، وأخوه، وعمه، إنا والله لا نموت حتفًا، ولكن نموت قعصًا بأطراف الرماح، وموتًا تحت ظلال السيوف، وإن ي*** مصعب فإنَّ في آل الزبير خلفًا منه) . - وكتب زياد إلى ابن عباس رضي الله عنه: (أن صف لي الشَّجَاعَة، والجبن، والجود، والبخل، فكتب إليه: كتبت تسألني عن طبائع، رُكِّبت في الإنسان تركيب الجوارح، اعلم أنَّ الشجاع يقاتل عمن لا يعرفه، والجبان يفر عن عرسه، وأن الجواد يعطي من لا يلزمه، وأن البخيل يمسك عن نفسه) . - وقالوا: (حد الشَّجَاعَة سعة الصدر، بالإقدام على الأمور المتلفة) . - وسئل بعضهم عن الشَّجَاعَة فقال: (جبلَّة نفسٍ أبيَّة، قيل له: فما النَّجدة؟ قال: ثقة النفس عند استرسالها إلى الموت، حتى تحمد بفعلها دون خوف) - وقيل لبعضهم: (ما الشَّجَاعَة؟ فقال: صبر ساعة. وقال بعض أهل التجارب: الرجال ثلاثة: فارس، وشجاع، وبطل، فالفارس: الذي يشد إذا شدوا، والشجاع: الداعي إلى البراز والمجيب داعيه، والبطل: الحامي لظهور القوم إذا ولَّوا. - قال يعقوب بن السكيت في كتاب ((الألفاظ)): العرب تجعل الشَّجَاعَة في أربع طبقات، تقول: رجلٌ شجاعٌ، فإذا كان فوق ذلك، قالوا: بطلٌ، فإذا كان فوق ذلك، قالوا: بهمةٌ ، فإذا كان فوق ذلك، قالوا: أَلْيس ) . - وقال بعض الحكماء: (جسم الحرب: الشَّجَاعَة، وقلبها: التدبير، ولسانها: المكيدة، وجناحها: الطاعة، وقائدها: الرفق، وسائقها: النصر) . - وقال عمرو بن معد يكرب: (الفزعات ثلاثة: فمن كانت فزعته في رجليه، فذاك الذي لا تقله رجلاه، ومن كانت فزعته في رأسه، فذاك الذي يفر عن أبويه، ومن كانت فزعته في قلبه، فذاك الذي لا يقاتل) . - وقال ابن تيمية: (ولما كان صلاح بني آدم لا يتم في دينهم ودنياهم إلا بالشَّجَاعَة والكرم، بيَّن الله سبحانه أنَّه من تولى عنه بترك الجهاد بنفسه، أبدل الله به من يقوم بذلك، ومن تولَّى عنه بإنفاق ماله، أبدل الله به من يقوم بذلك) . - وقال ابن القيم: (الجبن والشَّجَاعَة غرائز وأخلاق، فالجبان يفر عن عرسه، والشجاع يقاتل عمَّن لا يعرفه، كما قال الشاعر: يفر جبان القوم من أم نفسه***ويحمي شجاع القوم من لا يناسبه والشجاع ضد البخيل؛ لأن البخيل يضن بماله، والشجاع يجود بنفسه، كما قال القائل: كم بين قوم إنَّما نفقاتهم***مال وقوم ينفقون نفوسا) - وقال الذهبي: (الشَّجَاعَة والسخاء أخوان، فمن لم يجد بماله، فلن يجود بنفسه) . آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 07-05-2013 الساعة 12:01 AM |
#367
|
||||
|
||||
فوائد الشَّجَاعَة الشَّجَاعَة لها فوائد تعود على الفرد والمجتمع، منها: 1- أنها سبب لانشراح الصدر: قال ابن القيم: (فإنَّ الشجاع منشرح الصدر، واسع البطان، متسع القلب، والجبان أضيق النَّاس صدرًا، وأحصرهم قلبًا، لا فرحة له ولا سرور، ولا لذة له ولا نعيم إلا من *** ما للحيوان البهيمي، وأما سرور الروح ولذتها، ونعيمها، وابتهاجها، فمحرم على كل جبان، كما هو محرم على كل بخيل، وعلى كل معرض عن الله سبحانه، غافل عن ذكره، جاهل به وبأسمائه تعالى وصفاته ودينه، متعلق القلب بغيره) . 2- الشَّجَاعَة أصل الفضائل: فمن يتصف بالشَّجَاعَة يتحلى أيضًا بالنجدة، وعظم الهمة، والثبات، والصبر، والحلم، وعدم الطيش، والشهامة، واحتمال الكد. 3- الشَّجَاعَة تحمل صاحبها على عزة النفس وإيثار معالي الأخلاق والشيم: قال ابن القيم: (والشَّجَاعَة تحمله على عزة النفس، وإيثار معالي الأخلاق والشيم، وعلى البذل والندى، الذي هو شجاعة النفس، وقوتها، على إخراج المحبوب، ومفارقته، وتحمله على كظم الغيظ، والحلم، فإنَّه بقوة نفسه، وشجاعتها، يمسك عنانها، ويكبحها بلجامها عن النزغ، والبطش، كما قال: ((ليس الشديد بالصرعة، إنَّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب))، وهو حقيقة الشَّجَاعَة، وهي ملكة يقتدر بها العبد على قهر خصمه) . 4- الرجل الشجاع يحسن الظن بالله: قال ابن القيم: (والجبن خلق مذموم عند جميع الخلق، وأهل الجبن: هم أهل سوء الظن بالله، وأهل الشَّجَاعَة والجود: هم أهل حسن الظن بالله، كما قال بعض الحكماء في وصيته: عليكم بأهل السخاء، والشَّجَاعَة، فإنَّهم أهل حسن الظن بالله، والشَّجَاعَة جُنَّة للرجل من المكاره، والجبن إعانة منه لعدوه على نفسه، فهو جند وسلاح يعطيه عدوه ليحاربه به، وقد قالت العرب: الشَّجَاعَة وقاية، والجبن م***ة، وقد أكذب الله سبحانه أطماع الجبناء في ظنِّهم أنَّ جبنهم ينجيهم من ال*** والموت، فقال الله تعالى: قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً [الأحزاب: 16].
ولقد أحسن قطري بن الفجاءة بقوله: أقول لها وقد طارت شعاعًا ---- من الأبطال ويحك لن تراعي فإنك لو سألت بقاء يوم ---- على الأجل الذي لك لن تطاعي فصبرًا في مجال الموت صبرًا ---- فما نيل الخلود بمستطاع وما ثوب الحياة بثوب عز---- فيطوى عن أخي الخنع اليراع سبيل الموت غاية كل حي ---- وداعيه لأهل الأرض داعي ومن لم يعتبط يسأم ويهرم ---- وتسلمه المنون إلى انقطاع وما للمرء خير في حياة ---- إذا ما عدَّ من سقط المتاع) 5- لا تتم مصلحة الإمارة والسياسة إلا بالشَّجَاعَة: قال ابن تيمية: (لا تتم رعاية الخلق وسياستهم، إلا بالجود الذي هو العطاء، والنجدة التي هي الشَّجَاعَة، بل لا يصلح الدين والدنيا إلا بذلك، ولهذا كان من لا يقوم بهما، سلبه الأمر ونقله إلى غيره، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التوبة: 38-39] وقال تعالى: هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد: 38]، وقد قال الله تعالى: لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد:10]، فعلق الأمر بالإنفاق الذي هو السخاء، والقتال الذي هو الشَّجَاعَة، وكذلك قال الله تعالى في غير موضع: وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ [التوبة: 41]) . وقال في موضع آخر: (كما أنَّ عليهم -أي ولاة الأمور- من الشَّجَاعَة والسَّمَاحَة ما ليس على غيرهم؛ لأنَّ مصلحة الإمارة لا تتم إلا بذلك) . 6- الشجاعة تجمع جملة من الفضائل وهي : أ- كِبَرُ النفس: وهو الاستهانة باليسير، والاقتدار على حمل الكرائه، فصاحبه أبدًا يؤهل نفسه للأمور العظام مع استخفافه لها. ب- النَّجدة: وهي ثقة النفس عند المخاوف، حتى لا يخامرها جزع. ج- عظم الهمة: وهي فضيلة للنفس، تحتمل بها سعادة الجد وضدها، حتى الشدائد التي تكون عند الموت. د- الثبات: وهو فضيلة للنفس، تقوى بها على احتمال الآلام، ومقاومتها في الأهوال خاصة. هـ- الحلم: وهو فضيلة للنفس، تكسبها الطمأنينة، فلا تكون شغِبَة، ولا يحركها الغضب بسهولة وسرعة. و- السكون: وهو عدم الطيش، فهو إمَّا عند الخصومات، وإمَّا في الحروب التي يذب بها عن الحريم، أو عن الشريعة. وهو قوة للنفس، تقسر حركتها في هذه الأحوال لشدتها. ز- الشهامة: وهي الحرص على الأعمال العظام، توقعًا للأحدوثة الجميلة. ح- احتمال الكد: وهو قوة للنفس، بها تستعمل آلات البدن في الأمور الحسية، بالتمرين وحسن العادة. |
#368
|
||||
|
||||
أقسام الشَّجَاعَة ذكر الراغب الأصفهاني في كتابه (الذريعة) خمسة أنواع للشجاعة وهي:
- (سبعيَّة: كمن أقدم لثوران غضب وتطلُّب غَلَبة. - وبهيميَّة: كمن حارب توصلًا إلى مأكل أو منكح. - وتجريبيَّة: كمن حارب مرارًا فظفر. فجعل ذلك أصلًا يبني عليه. - وجهاديَّة: كمن يحارب ذبًّا عن الدين. - وحكميَّة: وهي ما تكون في كل ذلك عن فكر، وتمييز، وهيئة محمودة، بقدر ما يجب وعلى ما يجب، ألا ترى أنَّه يحمد من أقدم على كافر؛ غضبًا لدين الله، أو طمعًا في ثوابه، أو خوفًا من عقابه، أو اعتمادًا على ما رأى من إنجاز وعد الله في نصرة أوليائه، فإن كل ذلك محمود، وإن كان محض الشَّجَاعَة هو أن لا يقصد بالإقدام حوز ثواب، أو دفع عقاب... ومن الشَّجَاعَة المحمودة مجاهدة الإنسان نفسه، أو غيره، وكل واحد منهما ضربان: - مجاهدة النفس بالقول: وذلك بالتعلم، وبالفعل: وذلك بقمع الشهوة، وتهذيب الحمية. - ومجاهدة الغير بالقول: وذلك تزيين الحق وتعليمه، وبالفعل: وذلك مدافعة الباطل ومتعاطيه بالحرب) . |
#369
|
||||
|
||||
مراتب الشجعان
تحدث ابن القيم عن مراتب الشجعان فقال: (أوَّل مراتبهم الهُمام؛ وسمي بذلك لهمته وعزمه، وجاء على بناء فُعَال كشجاع. الثاني المقدام؛ وسمي بذلك من الإقدام، وهو ضد الإحجام وجاء على أوزان المبالغة، كمعطاء، ومنحار، لكثير العطاء، والنحر، وهذا البناء يستوي فيه المذكر والمؤنث، كامرأة معطار كثيرة التعطر، ومذكار تلد الذكور. الثالث الباسل: وهو اسم فاعل من بسل يبسل، كشرف يشرف، والبسالة الشَّجَاعَة والشدة، وضدها فشل يفشل فشالة، وهي على وزنها فعلًا ومصدرًا وهي الرذالة. الرابع البطل: وجمعه أبطال وفي تسميته قولان: أحدهما: لأنَّه يبطل فعل الأقران، فتبطل عند شجاعة الشجعان، فيكون بطل بمعنى مفعول في المعنى؛ لأنَّ هذا الفعل غير متعد. والثاني: أنَّه بمعنى فاعل لفظًا ومعنى؛ لأنَّه الذي يبطل شجاعة غيره فيجعلها بمنزلة العدم، فهو بطل بمعنى مبطل. ويجوز أن يكون بطل بمعنى مبطل بوزن مكرم، وهو الذي قد بطله غيره، فلشجاعته تحاماه النَّاس، فبطلوا فعله باستسلامهم له، وترك محاربتهم إياه. الخامس: الصنديد بكسر الصاد) . |
#370
|
||||
|
||||
صور الشَّجَاعَة
1- الإقدام في ساحات الوغى في الجهاد في سبيل الله، والاستهانة بالموت. 2- الجرأة في إنكار المنكر وبيان الحق: قال صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الجهاد، كلمة عدلٍ عند سلطانٍ جائر)) . 3- الشَّجَاعَة في الأعمال التي تحتاج إلى تحمل المخاطر ورباطة الجأش: كرجال الشرطة، ورجال الإطفاء، وعمال المناجم، وغيرهم. 4- حضور الذهن عند الشدائد: من أكبر مظاهر الشَّجَاعَة، حضور الذهن عند الشدائد، فشجاعٌ من إذا عراه خطبٌ، لم يذهب برشده، بل يقابله برزانة وثبات، ويتصرف فيه بذهن حاضر، وعقل غير مشتت . 5- الشَّجَاعَة الأدبية: والمراد بها أن يبدي الإنسان رأيه، وما يعتقد أنَّه الحق، مهما ظنَّ النَّاس به، أو تقوَّلوا عليه، فيقول الحق بأدب، وإن تألَّم منه النَّاس، ويعترف بالخطأ، وإن نالته عقوبة، ويرفض العمل بما لا يراه صوابًا . |
#371
|
||||
|
||||
وسائل اكتساب خلق الشَّجَاعَة
1- اللجوء إلى الله بالدعاء والإكثار من الذكر: قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ [الأنفال:45]. (للعلماء في هذا الذكر ثلاثة أقوال: الأول: اذكروا الله عند جزع قلوبكم، فإن ذكره يعين على الثبات في الشدائد. الثاني: اثبتوا بقلوبكم، واذكروه بألسنتكم، فإن القلب لا يسكن عند اللقاء ويضطرب اللسان، فأمر بالذكر حتى يثبت القلب على اليقين، ويثبت اللسان على الذكر، ويقول ما قاله أصحاب طالوت: وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة: 250]، وهذه الحالة لا تكون إلا عن قوة المعرفة، واتقاد البصيرة، وهي الشَّجَاعَة المحمودة في النَّاس. الثالث: اذكروا ما عندكم من وعد الله لكم في ابتياعه أنفسكم ومثامنته لكم) . 2- (ترسيخ عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر، وأن الإنسان لن يصيبه إلا ما كتب الله له. 3- ترسيخ عقيدة الإيمان باليوم الآخر. 4- غرس اليقين بما أعده الله من النعيم في الجنة، للذين يقاتلون في سبيل الله. 5- التدريب العملي بدفع الإنسان إلى المواقف المحرجة، التي لا يتخلص منها إلا بأن يتشجع. 6- الاقتناع بأن معظم مثيرات الجبن، لا تعدو كونها مجرد أوهام لا حقيقة لها. 7- القدوة الحسنة وعرض مشاهد الشجعان، وذكر قصصهم. 8- إثارة دوافع التنافس، ومكافأة الأشجع بعطاءات مادية) . |
#372
|
||||
|
||||
ضوابط استعمال الشَّجَاعَة 1- الاستعانة بها في طاعة الله، ومن ذلك الجهاد في سبيل الله: فيجب استعمال الشَّجَاعَة فيما يقربِّ إلى الله سبحانه وتعالى، من مقارعة الأعداء، والإقدام في ساحات الوغى في الجهاد في سبيل الله. قال ابن تيمية: (ومما ينبغي أن يعلم أن الشَّجَاعَة، إنَّما فضيلتها في الدين لأجل الجهاد في سبيل الله، وإلا فالشَّجَاعَة إذا لم يستعن بها صاحبها على الجهاد في سبيل الله كانت إمَّا وبالًا عليه إن استعان بها صاحبها على طاعة الشيطان، وإمَّا غير نافعة له إن استعملها فيما لا يقربه إلى الله تعالى، فشجاعة علي، والزبير، وخالد، وأبي دجانة، والبراء بن مالك، وأبي طلحة، وغيرهم من شجعان الصحابة إنَّما صارت من فضائلهم؛ لاستعانتهم بها على الجهاد في سبيل الله، فإنَّهم بذلك استحقوا ما حمد الله به المجاهدين، وإذا كان كذلك فمعلومٌ أنَّ الجهاد منه ما يكون بالقتال باليد، ومنه ما يكون بالحجة والبيان والدعوة، قال الله تعالى: وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا [الفرقان:51-52]، فأمره الله سبحانه وتعالى أن يجاهد الكفار بالقرآن جهادًا كبيرًا، وهذه السورة مكيَّة نزلت بمكة قبل أن يهاجر النَّبي، وقبل أن يؤمر بالقتال، ولم يؤذن له، وإنَّما كان هذا الجهاد بالعلم والقلب، والبيان والدعوة لا بالقتال، وأما القتال فيحتاج إلى التدبير، والرأي، ويحتاج إلى شجاعة القلب، وإلى القتال باليد، وهو إلى الرأي والشَّجَاعَة في القلب، في الرأس المطاع، أحوج منه إلى قوة البدن) . 2- أن تكون في موضعها: فـيُقْدِمُ الشجاع في موضع الإقدام، ويثبت في موضع الثبات، ويحجم في موضع الإحجام. وقال ابن القيم: (ولما كانت الشَّجَاعَة خلقًا كريمًا من أخلاق النفس ترتب عليها أربعة أمور: وهي مظهرها وثمرتها، الإقدام في موضع الإقدام، والإحجام في موضع الإحجام، والثبات في موضع الثبات، والزوال في موضع الزوال. وضد ذلك مخلٌّ بالشَّجَاعَة، وهو إمَّا جبن، وإمَّا تهور، وأما خفة وطيش) . 3- أن تقترن بالرأي الصحيح: قال ابن القيم: (وإذا اجتمع في الرجل الرَّأي والشَّجَاعَة، فهو الذي يصلح لتدبير الجيوش وسياسة أمر الحرب. والنَّاس ثلاثة، رجل، ونصف رجل، ولا شيء، فالرَّجل من اجتمع له أصالة الرأي والشَّجَاعَة، فهذا الرجل الكامل، كما قال أحمد بن الحسين المتنبي: الرأي قبل شجاعة الشجعان ---- هو أول وهي المحل الثاني فإذا هما اجتمعا لنفس مرة ---- بلغت من العلياء كل مكان ونصف الرجل، وهو من انفرد بأحد الوصفين دون الآخر، والذي هو لا شيء، من عري من الوصفين جميعًا) .
وقال أيضًا: (وصحة الرأي لقاح الشَّجَاعَة، فإذا اجتمعا كان النصر والظفر، وإن قعدا فالخذلان والخيبة، وإن وجد الرأي بلا شجاعة فالجبن والعجز، وإن حصلت الشَّجَاعَة بلا رأي فالتَّهور والعطب، والصبر لقاح البصيرة، فإذا اجتمعا فالخير في اجتماعهما، قال الحسن: إذا شئت أن ترى بصيرًا لا صبر له رأيته، وإذا شئت أن ترى صابرًا لا بصيرة له رأيته، فإذا رأيت صابرًا بصيرًا فذاك) . |
#373
|
||||
|
||||
نماذج من شجاعة النَّبي صلى الله عليه وسلم - عن علي رضي الله عنه قال: (لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد النَّاس يومئذ بأسًا) .
- قال رجل للبراء رضي الله عنه: ((يا أبا عمارة، أفررتم يوم حنين؟ قال: لا والله، ما ولَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه خرج شبان أصحابه وأَخِفَّاؤُهم حُسَّرًا ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح، فلقوا قومًا رماة لا يكاد يسقط لهم سهم، جمع هوازن، وبني نصر، فرشقوهم رشقًا ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل فاستنصر وقال: أنا النَّبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، ثُمَّ صفَّهم)) . - وعن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: ((شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولَّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قِبَلَ الكفار، قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها؛ إرادةَ أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيْ عباس، ناد أصحاب السمرة. فقال عباس: -وكان رجلًا صيِّتًا- فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة، قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي، عطفة البقر على أولادها. فقالوا: يا لبيك يا لبيك، قال: فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار، قال: ثُمَّ قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج، يا بني الحارث بن الخزرج، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا حين حمي الوطيس)) . - وعن أنس رضي الله عنه قال: ((كان النَّبي صلى الله عليه وسلم أحسن النَّاس، وأجود النَّاس، وأشجع النَّاس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق النَّاس قِبَل الصوت، فاستقبلهم النَّبي صلى الله عليه وسلم، قد سبق النَّاس إلى الصوت وهو يقول: لن تراعوا لن تراعوا، وهو على فرس لأبي طلحة عري، ما عليه سرج، في عنقه سيف، فقال: لقد وجدته بحرًا ، أو إنَّه لبحر)) . |
#374
|
||||
|
||||
نماذج من شجاعة الصحابة رضي الله عنهم (وقد كان الموروث صلوات الله وسلامه عليه أشجع النَّاس، فكذلك وارثه وخليفته من بعده أشجع الأمة بالقياس، ويكفي أنَّ عمر بن الخطاب سهم من كنانته، وخالد بن الوليد سلاح من أسلحته، والمهاجرون والأنصار أهل بيعته وشوكته، وما منهم إلا من اعترف أنَّه يستمد من ثباته وشجاعته) . شجاعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه: قال ابن القيم رحمه الله: (وكان الصديق رضي الله عنه أشجع الأمة بعد رسول الله... برز على الصحابة كلهم بثبات قلبه، في كل موطن من المواطن التي تزلزل الجبال، وهو في ذلك ثابت القلب، ربيط الجأش، يلوذ به شجعان الصحابة وأبطالهم، فيثبتهم ويشجعهم، ولو لم يكن له إلا ثبات قلبه يوم الغار، وليلته، وثبات قلبه يوم بدر، وهو يقول للنَّبي يا رسول الله كفاك بعض مناشدتك ربك، فإنه منجز لك ما وعدك، وثبات قلبه يوم أحد، وقد صرخ الشيطان في النَّاس بأن محمدًا قد ***، ولم يبق أحد مع رسول الله إلا دون عشرين في أحد، وهو مع ذلك ثابت القلب ساكن الجأش، وثبات قلبه يوم الخندق وقد زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وثبات قلبه يوم الحديبية، وقد قلق فارس الإسلام عمر بن الخطاب، حتى إنَّ الصديق ليثبته ويسكنه ويطمئنه، وثبات قلبه يوم حنين حيث فر النَّاس وهو لم يفر، وثبات قلبه حين النازلة التي اهتزت لها الدنيا أجمع، وكادت تزول لها الجبال، وعقرت لها أقدام الأبطال، وماجت لها قلوب أهل الإسلام ،كموج البحر عند هبوب قواصف الرياح، وصاح لها الشيطان في أقطار الأرض أبلغ الصياح، وخرج النَّاس بها من دين الله أفواجًا، وأثار عدو الله بها أقطار الأرض عجاجًا، وانقطع لها الوحي من السماء، وكاد لولا دفاع الله لطمس نجوم الاهتداء، وأنكرت الصحابة بها قلوبهم، وكيف لا وقد فقدوا رسولهم من بين أظهرهم، وحبيبهم، وطاشت الأحلام، وغشي الآفاق ما غشيها من الظلام، واشْرَأَبَّ النفاق، ومد أهله الأعناق، ورفع الباطل رأسًا كان تحت قدم الرسول موضوعًا، وسمع المسلمون من أعداء الله ما لم يكن في حياته بينهم مسموعًا، وطمع عدو الله أن يعيد النَّاس إلى عبادة الأصنام، وأن يصرف وجوههم عن البيت الحرام، وأن يصد قلوبهم عن الإيمان والقرآن، ويدعوهم إلى ما كانوا عليه من التهود، والتمجس، والشرك، وعبادة الصلبان، فشمَّر الصديق رضي الله عنه من جده عن ساق غير خوار، وانتضى سيف عزمه الذي هو ثاني ذي الفقار، وامتطى من ظهور عزائمه جوادًا لم يكن يكبو يوم السباق، وتقدم جنود الإسلام فكان أفرسهم إنَّما همه اللحاق، وقال والله لأجاهدن أعداء الإسلام جهدي، ولأصدقنهم الحرب حتى تنفرد سالفتي، أو أفرد وحدي، ولأدخلنهم في الباب الذي خرجوا منه، ولَأَرُدَّنَّهُمْ إلى الحق الذي رغبوا عنه، فثبَّت الله بذلك القلب الذي لو وزن بقلوب الأمة لرجحها جيوش الإسلام، وأذلَّ بها المنافقين، والمرتدين، وأهل الكتاب، وعبدة الأصنام، حتى استقامت قناة الدين من بعد اعوجاجها، وجرت الملة الحنيفية على سننها ومنهاجها، وتولَّى حزب الشيطان وهم الخاسرون، وأذَّن مؤذن الإيمان على رؤوس الخلائق فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة: 56]. هذا وما ضعفت جيوش عزماته، ولا استكانت ولا وهنت، بل لم تزل الجيوش بها مؤيَّدة ومنصورة، وما فرحت عزائم أعدائه بالظفر في موطن من المواطن، بل لم تزل مغلوبة مكسورة، تلك لعمر الله الشَّجَاعَة التي تضاءلت لها فرسان الأمم، والهمَّة التي تصاغرت عندها عليات الهمم، ويحق لصديق الأمة أن يضرب من هذا المغنم بأوفر نصيب، وكيف لا وقد فاز من ميراث النبوة بكمال التعصب) . - وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال ((لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل النَّاس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل النَّاس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله. فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه. فقال عمر بن الخطاب فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عزَّ وجلَّ قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنَّه الحق)) . - وعن عروة بن الزبير، قال: سألت ابن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((بينا النَّبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه خنقا شديدًا، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ودفعه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم وقال: أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ الآية [غافر: 28])) . - وعن محمد بن عقيل بن أبي طالب، قال: (خطبنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فقال: أيها النَّاس، أخبروني بأشجع النَّاس، قالوا: لو قلنا أنت يا أمير المؤمنين، فقال: أما إني ما بارزت أحدًا إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع النَّاس؟ قالوا: لا نعلم، فمن؟ قال: أبو بكر الصديق، إنا لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشًا فقلنا: من يكون مع النَّبي صلى الله عليه وسلم لا يهوي إليه أحد من المشركين؟ فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهرًا بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يهوي إليه أحد إلا هوى إليه، وهذا أشجع النَّاس، قال علي: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذته قريش فهذا يجؤه، وهذا يتلتله، وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهًا واحدًا، قال: فوالله ما دنا منه إليه أحد إلا أبو بكر، يضرب هذا، ويجأ هذا، ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم أت***ون رجلًا أن يقول ربي الله، ثم رفع علي بردة كانت عليه فبكى حتى أخضل لحيته، ثم قال علي: أنشدكم الله، أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر ؟ قال: فسكت القوم، فقال: ألا تجيبوني ؟ والله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض مثل مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه) . شجاعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: - عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: (ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر) . - وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لم تعلم قريش بإسلامه، فقال: أي أهل مكة أنشأ للحديث؟ فقالوا: جميل بن معمر الجمحي، فخرج إليه وأنا معه أتبع أثره، أعقل ما أرى وأسمع، فأتاه فقال: يا جميل، إني قد أسلمت، قال: فوالله ما رد عليه كلمة حتى قام عامدًا إلى المسجد، فنادى أندية قريش، فقال: يا معشر قريش، إنَّ ابن الخطاب قد صبأ، فقال عمر: كذب ولكني أسلمت وآمنت بالله، وصدَّقت رسوله، فثاوروه، فقاتلهم حتى ركدت الشمس على رؤوسهم، حتى فتر عمر وجلس، فقاموا على رأسه، فقال عمر: افعلوا ما بدا لكم، فوالله لو كنا ثلاث مائة رجل لقد تركتموها لنا أو تركناها لكم...) . - وعن محمد بن إسحاق قال: (فلما قدم عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو ابن العاص، على قريش ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وردهم النجاشي بما يكرهون، أسلم عمر بن الخطاب، وكان رجلًا ذا شكيمة، لا يرام ما وراء ظهره، امتنع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحمزة بن عبد المطلب، حتى غزا قريشًا، فكان عبد الله بن مسعود يقول: ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر بن الخطاب، فلما أسلم قاتل قريشًا حتى صلَّى عند الكعبة وصلَّينا معه، وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة) . شجاعة علي رضي الله عنه: - عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه - في سياق ذكره ليوم خيبر - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لأعطين الراية رجلًا يحب الله ورسوله، أو يحبه الله ورسوله. قال: فأتيت عليًّا فجئت به أقوده وهو أرمد، حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسق في عينيه فبرأ، وأعطاه الرَّاية وخرج مرحب فقال: قد علمت خيبر أني مرحب ---- شاكي السلاح بطل مجرب إذا الحـــــــــروب أقبلت تلهب فقال علي: أنا الذي سمتني أمي حيدره ---- كليث غابات كريه المنظره أوفيهم بالصاع كيل السندره قال فضرب رأس مرحب ف***ه ثم كان الفتح على يديه)) .
شجاعة الزبير رضي الله عنه: - عن عمرو بن دينار قال كان يقال: (أشجع النَّاس الزبير، وأبسلهم علي رضي الله عنهما، والباسل فوق الشجاع) . - وعن هشام بن عروة، عن أبيه، (أنَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير يوم اليرموك، ألا تشد فنشد معك؟ فقال: إنِّي إن شددت كذبتم، فقالوا لا نفعل، فحمل عليهم حتى شق صفوفهم فجاوزهم وما معه أحد، ثم رجع مقبلًا فأخذوا بلجامه فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر، قال عروة: كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير) . - وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: ((كنت يوم الأحزاب، جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة في النساء، فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين، أو ثلاثًا، فلما رجعت قلت يا أبت رأيتك تختلف، قال: أو هل رأيتني يا بني؟ قلت: نعم، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم؟ فانطلقت فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه، فقال: فداك أبي وأمي)) . شجاعة خالد بن الوليد رضي الله عنه: قال خالد بن الوليد رضي الله عنه: (لقد رأيتني يوم مؤتة تقطَّعت في يدي تسعة أسياف، وصبرت في يدي صفيحة لي يمانية) . ولما احتضر قال: (لقد طلبت ال*** مظانه، فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عملي شيءٌ أرجى عندي بعد لا إله إلا الله من ليلة بتها وأنا متترس بترسي، والسماء تهلبني ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار، ثُمَّ قال: إذا أنا مت فانظروا سلاحي وفرسي فاجعلوها عدَّة في سبيل الله عزَّ وجلَّ) . شجاعة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: عن عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه قال: كان رجل من المشركين قد خرق المسلمين، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم لسعد: ارم فداك أبي وأمي، قال: فنزعت بسهم لي فيه نصل، فأصبت جنبه، فوقع وانكشفت عوراته، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نظرت إلى نواجذه)) . نماذج أخرى من شجاعة الصحابة رضي الله عنهم: - عن أنس رضي الله عنه، قال: ((غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال: يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئنِ اللهُ أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني أصحابه، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء، يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر، إنِّي أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربةً بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد *** وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس كنا نرى، أو نظن أنَّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ إلى آخر الآية)) . - وعنه رضي الله عنه، قال: ((أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفًا يوم أحد فقال: من يأخذ مني هذا؟ فبسطوا أيديهم كل إنسان منهم يقول أنا أنا. قال: فمن يأخذه بحقه؟ قال: فأحجم القوم، فقال سماك بن خرشة أبو دجانة: أنا آخذه بحقه. قال فأخذه ففلق به هام المشركين)) . |
#375
|
||||
|
||||
نماذج من شجاعة العلماء المتقدمين
شجاعة العز بن عبد السلام رحمه الله في إنكار المنكر: ذكر الباجي موقفًا من مواقف ابن عبد السلام رحمه الله، فقال: (طلع شيخنا عز الدين مرة إلى السلطان في يوم عيد إلى القلعة، فشاهد العساكر مصطفين بين يديه ومجلس المملكة، وما السلطان فيه يوم العيد من الأبهة، وقد خرج على قومه في زينته على عادة سلاطين الديار المصرية، وأخذت الأمراء تقبل الأرض بين يدي السلطان، فالتفت الشيخ إلى السلطان، وناداه: يا أيوب ما حجتك عند الله إذا قال لك ألم أبوئ لك ملك مصر ثم تبيح الخمور؟ فقال: هل جرى هذا؟ فقال: نعم الحانة الفلانية يباع فيها الخمور، وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة، يناديه كذلك بأعلى صوته والعساكر واقفون، فقال: يا سيدي هذا أنا ما عملته، هذا من زمان أبي، فقال: أنت من الذين يقولون إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ [الزخرف: 22]، فرسم السلطان بإبطال تلك الحانة. يقول الباجي: سألت الشيخ لما جاء من عند السلطان وقد شاع هذا الخبر: يا سيدي كيف الحال؟ فقال يا بني رأيته في تلك العظمة، فأردت أن أهينه لئلا تكبر نفسه فتؤذيه، فقلت: يا سيدي أما خفته؟ فقال: والله يا بني استحضرت هيبة الله تعالى، فصار السلطان قدامي كالقط) . شجاعة ابن تيمية رحمه الله: قال البزَّار: (كان رحمه الله من أشجع النَّاس، وأقواهم قلبًا، ما رأيت أحدًا أثبت جأشًا منه، ولا أعظم عناءً في جهاد العدو منه، كان يجاهد في سبيل الله بقلبه، ولسانه، ويده، ولا يخاف في الله لومة لائم، وأخبر غير واحد أنَّ الشيخ رحمه الله، كان إذا حضر مع عسكر المسلمين في جهاد يكون بينهم واقيتهم، وقطب ثباتهم، إن رأى من بعضهم هلعًا، أو رقَّة، أو جبانة، شجَّعه وثبته، وبشَّره، ووعده بالنصر، والظفر، والغنيمة، وبيَّن له فضل الجهاد والمجاهدين، وإنزال الله عليهم السكينة. وكان إذا ركب الخيل يتحنَّك ويجول في العدو كأعظم الشجعان، ويقوم كأثبت الفرسان، ويكبر تكبيرًا أنكى في العدو من كثير من الفتك بهم، ويخوض فيهم خوض رجل لا يخاف الموت. وحدَّثوا أنَّهم رأوا منه في فتح عكة أمورًا من الشَّجَاعَة، يعجز الواصف عن وصفها. قالوا: ولقد كان السبب في تملك المسلمين إياها بفعله، ومشورته، وحسن نظره، ولما ظهر السلطان غازان على دمشق المحروسة، جاءه ملك الكرج وبذل له أموالًا كثيرة جزيلة على أن يمكنه من الفتك بالمسلمين من أهل دمشق، ووصل الخبر إلى الشيخ فقام من فوره، وشجَّع المسلمين ورغبهم في الشهادة، ووعدهم على قيامهم بالنصر، والظفر، والأمن، وزوال الخوف. فانتدب منهم رجال من وجوههم، وكبرائهم، وذوي الأحلام منهم، فخرجوا معه إلى حضرة السلطان غازان، فلما رآهم السلطان قال: من هؤلاء؟ فقيل هم رؤساء دمشق، فأذن لهم فحضروا بين يديه، فتقدم الشيخ رحمه الله أولًا، فلما أن رآه أوقع الله له في قلبه هيبةً عظيمة، حتى أدناه وأجلسه، وأخذ الشيخ في الكلام معه أولًا في عكس رأيه عن تسليط المخذول ملك الكرج على المسلمين، وضمن له أموالًا وأخبره بحرمة دماء المسلمين، وذكَّره ووعظه فأجابه إلى ذلك طائعًا، وحقنت بسببه دماء المسلمين وحميت ذراريهم وصِين حريمهم) . |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
موسوعة, الاخلاق, الاسلامية, الشاملة |
|
|