اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > الاقسام المميزة > أخبار و سياسة

أخبار و سياسة قسم يختص بعرض الأخبار و المقالات من الصحف يوميا (المصرية والعربية والعالمية )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #16  
قديم 27-04-2013, 04:42 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

مخاوف تقشفية :

هل تنجح مفاوضات مصر للحصول على قرض صندوق النقد ؟



د.محمد السمهوري

أثار الطلبُ الرسمي الذي تقدمت به الحكومة المصرية للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليار دولار أثناء زيارة المدير العام لصندوق النقد الدولي كريستين لاجارد لمصر يوم 22 أغسطس 2012؛ العديدَ من الأسئلة حول طبيعة الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها مصر في الوقت الراهن من ناحية، وحول القيود المختلفة المحتملة التي قد يفرضها الصندوق على الاقتصاد المصري،

من ناحية ثانية، كشرط لمنحها القرض المطلوب.

وتعد هذه هي المرة الثالثة التي تحاول فيها مصر خلال فترة الـ15 شهرا الماضية الاقتراض من الصندوق، بعد أن رفض المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية في المرة الأولى (خلال شهر مايو 2011) الاستمرار في المفاوضات للحصول على قرض بقيمة 3.2 مليار دولار من الصندوق، وبعد تعثر المحادثات في المرة الثانية (خلال الفترة بين شهر إبريل ويونيو 2012) نتيجة الخلافات بين الأحزاب الإسلامية التي كانت تسيطر على مجلس الشعب في ذلك الوقت (حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب النور السلفي) وبين حكومة د. كمال الجنزوي السابقة، حول الحصول على قرض بنفس القيمة من الصندوق، وما نتج عن هذا الاختلاف من غياب للإجماع السياسي والمجتمعي الذي كان يشترط صندوق النقد تحققه لمنح مصر القرض الذي تريد.

دلالات المحاولة الثالثة للقرض

ثمة دلالات اقتصادية في المحاولة المصرية الثالثة للقرض من صندوق النقد الدولي وهي:

- أن قيمة القرض المطلوب (4.8 مليار دولار) الآن تزيد عن قيمة القرض السابق بحوالي 50%، كما أن صندوق النقد الدولي يتعامل هذه المرة مع وضع سياسي جديد تماما في مصر، بوجود رئيس مصري وحكومة مصرية ذات توجه إسلامي، ومع غياب كامل للجهة التشريعية والرقابية نتيجة حل مجلس الشعب في شهر يونيو الماضي.

- تعكس زيادة قيمة القرض المطلوب من صندوق النقد الدولي، بشكل واضح طبيعة الأزمة المالية بالغة التعقيد التي تمر بها مصر في الوقت الراهن، والتي هي استمرار للأزمة التي بدأت منذ يناير 2011. فخلال الشهرين الماضيين كانت هناك حاجة كبيرة للحصول على الأموال اللازمة لتمويل العجز المتواصل في الموازنة العامة، والذي وصل في السنة المالية الحالية إلى حوالي 135 مليار جنيه مصري (23 مليار دولار، أو 8% من الناتج الإجمالي) من ناحية، ولوقف النزيف المستمر، من ناحية ثانية، في احتياطيات مصر من النقد الأجنبي التي انخفض مستواها إلى أقل من 15 مليار دولار في الشهر الماضي، بعد أن كان قد بلغ 36 مليار دولار عشية ثورة يناير 2011.

- أن هذا الوضع المالي المتأزم تم التعامل معه بأكثر من طريقة، فمحليا، استمرت وزارة المالية في إصدار أذونات الخزانة (أدوات دين قصيرة الأجل، تتراوح مددها الزمنية من 3 أشهر إلى سنة) لبيعها للمصارف المصرية، بالعملة المحلية وبالدولار الأمريكي. كما ينوي البنك المركزي في نهاية الشهر الحالي (أغسطس 2012) طرح أذونات خزانة لبيعها محليا باليورو. هذه هي المرة الأولى منذ بدء طرح أذونات الخزانة بالدولار في نهاية العام الماضي التي سيتم فيها الطرح بالعملة الأوروبية. أما خارجيا، فقد حصلت مصر من المملكة العربية السعودية في شهر يونيو الماضي على وديعة مالية بقيمة مليار دولار لحساب الخزانة العامة في البنك المركزي المصري، وعلى وديعة من دولة قطر، بضعف القيمة، 2 مليار دولار، لإيداعها في البنك المركزي أيضا لنفس الغرض. هذا بالإضافة إلى الاستمرار في الحصول على قروض بقيم مختلفة من مصادر خارجية متعددة مثل بنك التنمية الإسلامي وبنك التنمية الإفريقي. هذه الاستدانة محليا وخارجيا أوصلت الدين العام المصري في نهاية الشهر الماضي إلى 226 مليار دولار (حوالي 80% من الناتج الإجمالي)، منها 193 مليار دولار دين محلي، و33.8 مليار دولار ديون خارجية.

- تعكس الزيادة الكبيرة في قيمة القرض الذي ترغب مصر في الحصول عليه من صندوق النقد الدولي استمرار الأزمة الاقتصادية التي شهدتها مصر، ولا زالت، بعد ثورة يناير 2011. ملامح هذه الأزمة، بصورة عامة، تتمثل في انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، وانخفاض العائدات من قطاع السياحة، وخروج كبير للاستثمارات الأجنبية، واستمرار العجز في الميزان التجاري الخارجي، وفقدان الجنيه المصري أكثر من 5% من قيمته خلال الأشهر الـ18 التي أعقبت التغير في النظام السياسي. يضاف إلى هذا كله استمرار الاضطرابات التي تشهدها قطاعات الإنتاج والخدمات الحكومية العامة، واستمرار التدهور في خدمات البنية التحتية (مثل الكهرباء والمياه)، والانقطاع المتكرر لبعض السلع الأساسية في الأسواق المصرية.

هل تحصل مصر على القرض؟

السؤال الأكثر أهمية الآن هو ما إذا كانت المفاوضات بين مصر وصندوق النقد الدولي هذه المرة، وعلى عكس المرتين السابقتين، ستؤدي إلى الاتفاق بينهما حول القرض وشروطه، وحول البرنامج المالي والاقتصادي الذي سيتم تمويله من خلال القرض المطلوب.

ما هو متاح من معلومات رسمية عن الزيارة التي قامت بها المسئولة الأولى في صندوق النقد الدولي لمصر، تشير إلى توقع الجانب المصري التوصل إلى اتفاق مع الصندوق بشأن القرض في نهاية العام الحالي، وبسعر فائدة يصل إلى 1.1%، على أن يتم السداد بعد فترة سماح تبلغ 39 شهرا. من أجل هذا الغرض، سيصل فريق فني من خبراء الصندوق إلى مصر في بداية الشهر القادم (سبتمبر) لإجراء مشاورات بهذا الشأن، وللعمل عن قرب مع خبراء وزارة المالية المصرية لوضع الإطار العام للبرنامج الذي سيقوم الصندوق بتمويله.

ورغم أنه من غير الممكن عمليًّا التنبؤ مسبقا بالطبيعة النهائية لهذا البرنامج، أو بالشروط التي قد يفرضها الصندوق على مصر للحصول على القرض المطلوب (4.8 مليار دولار)؛ إلا أنه يمكن القول بشكل عام، وبناء على العلم بالطريقة التي يعمل بها الصندوق من ناحية، وما تم التوصل بشأنه مع الطرف المصري خلال جولات المحادثات السابقة؛ بأن العمل في البرنامج الجديد سيتم على ثلاثة محاور رئيسية، هي:

- تخفيض قيمة العجز في الموازنة الجارية وذلك من خلال تقليل جانب النفقات، ومحاولة زيادة جانب الإيرادات.

- ترشيد الدعم الذي تقدمه الحكومة لقطاع الطاقة الذي يستهلك الجزء الأكبر من مجموع الدعم الذي تقدمه الحكومة المصرية (والذي يصل إلى حوالي ربع الموازنة الجارية).
- أزمة ميزان المدفوعات ودراسة إمكانية قيام البنك المركزي بإجراء تخفيض على قيمة الجنيه المصري.

ورغم تأكيد مسئولي الصندوق في مناسبات عديدة أنهم يدركون تأثير مثل هذه الإجراءات على الطبقات محدودة الدخل، وبأنهم يراعون الجوانب الاجتماعية للبرامج التي يقومون بوضعها في الدول التي تلجأ للاقتراض من الصندوق؛ إلا أن الحالة المصرية ما بعد الثورة تعتبر حالة ذات طبيعة خاصة، وذلك بسبب ارتفاع التوقعات لتحسين مستويات المعيشة لقطاعات عريضة من الشعب من ناحية، وبسبب حدة الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية (والأمنية) التي تمر بها البلاد في الوقت الراهن من ناحية ثانية.

أضف إلى ذلك -وهذه نقطة في منتهى الأهمية- أن "برنامج النهضة" الذي وعد د. محمد مرسي الشعب المصري بتطبيقه في حالة انتخابه هو برنامج توسعي بالأساس، ويتعارض جملةً وتفصيلًا مع الإجراءات التقشفية التي من المتوقع أن يتضمنها البرنامج الذي قد يتوصل إليه صندوق النقد الدولي مع الحكومة المصرية خلال المفاوضات التي ستبدأ الشهر المقبل بين الجانبين.

وخلاصة القول: إن من الصعب في الوقت الراهن الحكم على نتائج المحادثات التي ستجري بين مصر والصندوق حول القرض الجديد، أو على الفترة الزمنية التي قد تستغرقها المفاوضات، وما إذا كانت هناك اعتباراتٌ سياسية، سواء من جانب الصندوق أو الجانب المصري قد تدفع بالمحادثات في اتجاه معين دون الآخر. الأمر أيضا ليس بالبساطة التي ينظر إليها بعض المعارضين للاقتراض من صندوق النقد الدولي، والنظر إلى القرض على أنه من قبيل "الربا"، أو على أنه يضع مصر "تحت سيطرة" الصندوق والدول التي تتحكم فيه؛ إذ إن هناك الكثير من العوامل الموضوعية الخاصة بطريقة عمل الصندوق من جهة، وبدقة الظروف المالية والاقتصادية التي يمر بها الجانب المصري من جهة ثانية، والتي تتطلب قدرا كبيرا من الشفافية والوعي للتعامل معها.
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 28-04-2013, 03:05 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

دور قطري متصاعد:

خريطة المساعدات الخليجية إلى مصر بعد الثورة



إيمان رجب

منذ انتخابات الرئاسة المصرية؛ يلاحظ وجود اهتمام خليجي بتوفير المساعدات لمصر في صورة منح واستثمارات، وتعتبر قطر الحالة الأكثر بروزًا في هذا المجال، وتأتي في مرتبة تالية لها السعودية،

مع ملاحظة تحفظٍ بدرجةٍ ما من قبل كلٍّ من الكويت والإمارات نحو توفير مساعداتٍ فعليةٍ لمصر، لاعتبارات سياسية بالدرجة الأولى متعلقة بهيكل السلطة الجديد الذي أفرزته ثورة يناير.

ويتقاطعُ هذا الاهتمامُ الخليجي مع تفاقم أزمة الاقتصاد المصري، وتراجع قيمة الاحتياطي الأجنبي الذي بلغ 14.4 مليار دولار، وتعثُّر محاولات مصر الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي لدعم عجز الموازنة. واستنادًا إلى تقديرات رئيس الوزراء المصري هشام قنديل؛ يحتاج الاقتصاد المصري الى استثمارات بقيمة 170 مليار جنيه من القطاع الخاص، و100 مليار جنيه من القطاع العام، حتى يتراوح معدل النمو بين 4-5%.

- أوضاعُ المساعدات الخليجية:

قبل انتخابات الرئاسة؛ كانت السعودية قد وعدت بتقديم حزمةٍ من المساعدات بقيمة 3.750 مليارات دولار، في صورة وديعةٍ في البنك المركزي المصري، ومنح لمشاريع تنموية، ودعم مباشر للموازنة المصرية، كما قدمت السعوديةُ في الأشهر الماضية مساعداتٍ عينيةً تمثلت في تأمين ألف طن متري من غاز البترول المسال، وأعلنت في مايو 2012 عن توفير مساعداتٍ بقيمة 500 مليون دولار. وأثناء زيارة الرئيس مرسي للسعودية في يوليو 2012 كانت هناك وعودٌ بضخ مزيد من الاستثمارات السعودية في مصر التي تبلغ حاليًّا 27 مليار دولار وفق تقديرات مجلس الأعمال السعودي-المصري.

أما الإمارات؛ فقد وعدت بتقديم 3 مليارات دولار في صورة قروض وودائع ومنح، ولم تتخذ خطوات فعلية لتوفير هذه المساعدات لمصر حتى الآن، وذلك رغم حرص الحكومة المصرية على حل مشاكل الشركات الإماراتية، وتشكيل لجنة مشتركة بين مجلس الأعمال المصريين في أبو ظبي وجمعية رجال الأعمال المصريين في القاهرة، لدعم ومساندة الشركات الاستثمارية الإماراتية العاملة في مصر. ويبلغ إجمالي الاستثمارات الإماراتية في مصر وفق بعض التقديرات مايزيد عن 20 مليار درهم .

وفي حالة الكويت؛ لم يتم الإعلان عن مساعدات محددة للاقتصاد المصري، أو عن رغبة في زيادة حجم الاستثمارات، والتي لا تتعدى وفق بعض التقديرات 2.7 مليار دولار، وما صدر من جانب السفير الكويتي في مصر لا يتعدى الوعد بزيادة الاستثمارات الكويتية في مصر، دون أن يعلن تفاصيل محددة.

وفي مقابل هذه الحالات؛ تُعتبر قطر حالة متميزة، سواء من حيث الزيارات التي استقبلتها مصر طوال الفترة الماضية، أو من حيث حجم الأموال التي أُعلن توفيرها لمصر؛ حيث استقبل الرئيس مرسي أمير قطر في 11 أغسطس 2012، كأول أمير خليجي يزور القاهرة بعد انتخابات الرئاسة، وأعلن خلال الزيارة عن إيداع 2 مليار دولار في البنك المركزي تقدم على ثلاث دفعات، على أن تكون آخر دفعة في نوفمبر 2012. وهو ما من شأنه أن يدعم قيمة الجنيه في مواجهة الدولار، وخاصة بعد انخفاض الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي.

كما زار رئيسُ الوزراء القطري حمد بن جاسم القاهرة في 6 سبتمبر 2012، وأعلن عن استثمار 18 مليار دولار على مدى خمس سنوات، يوجه منها 8 مليارات دولار لمنطقة شرق التفريعة ببورسعيد، ويوجه جزء آخر لإنشاء مصنع للحديد والصلب، وتوجيه جزء ثالث للاستثمار في مجال إنتاج الطاقة الكهربائية، ولإنشاء مشروع سياحي ضخم في الساحل الشمالي.

- اهتمام قطري متزايد:

ويتخطى الاهتمامُ القطري بمصر حدودَ العلاقات الرسمية، فهناك حرصٌ من المستثمرين القطريين على التوسع في استثماراتهم في مصر، وهذا ما يؤشر إليه اتجاههم لشراء بنك بي إن بي، وبنك الأهلي سوسيتيه جنرال، واتجاه عدد منهم لتنشيط السياحة القطرية في مصر، حتى تحدث بعض المتابعين عن سعي قطر للهيمنة على الاقتصاد المصري.
ويقدر مجلس الأعمال المصري-القطري حجم الاستثمارات القطرية الحالية في مصر بحوالي 572 مليون دولار، موزعة بين قطاعات السياحة والإسكان والتعمير والبنى التحتية.

فيما أفاد مجلسُ الأعمال بأن الاستثمارات القطرية ستتجه إلى ثلاث قطاعات، هي: الخدمات المالية، وصناعات البتروكيماويات، والبنية التحتية، وخاصة الطرق والجسور ومحطات المياه وتوليد الكهرباء. كما تم التفاوض مع غرفة التجارة المصرية منذ يونيو الماضي على إنشاء ميناء محوري ومنطقة عالمية للتجارة الحرة على ضفاف قناة السويس، تسهم في تحويل الممر المائي المصري إلى منطقة دعم لوجستي وصناعات تجميعية ومناطق تخزين وترانزيت لحركة التجارة العالمية العابرة من أوروبا إلى الشرق الأوسط.

- دوافع الاهتمام القطري:

تستخدم قطر دومًا الأداةَ المالية من أجل تحقيق وخدمة أهداف سياسية محددة، ليس في مصر فقط، وإنما أيضًا في الدول التي شهدت ثورات، ونجحت فيها قوى الإسلام السياسي في الوصول للسلطة؛ حيث من الواضح سعي قطر لدعم هذه القوى، وإنجاح تجربتها في الحكم، باعتبارها القناة التي من خلالها تستطيع أن تتحكم في مسار التغيير في هذه الدول. حتى إن بعض وسائل الإعلام التونسية أطلقت عليها اسم "مخلب القط الأمريكي لاحتواء الربيع العربي".

ويلاحظ أن قطر ضخت بالفعل استثماراتها في تونس وليبيا تحديدًا، في حين لا تزال استثماراتها في مصر مجرد وعود؛ حيث قام أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثان بزيارة لتونس للمشاركة في إحياء الذكرى الأولى للثورة التونسية في يناير 2012، وأعلن خلالها عن إبرام 10 اتفاقيات تعاون مع تونس، واستنادًا لوزير الاستثمار والتعاون الدولي التونسي؛ تغطي هذه الاتفاقيات قطاع البترول والغاز، حيث تم الاتفاق على تنفيذ مشروع مصفاة الصخيرة في جنوب تونس بالتعاون مع شركة قطر للبترول. كما تم تقديم وديعة في الخزينة التونسية بقيمة 500 مليون دولار.

كما ارتفعت المساعداتُ القطرية للثورة الليبية قبل سقوط القذافي، وبعد سقوطه تم توقيع العديد من الصفقات التي تصل قيمتها إلى 8 مليارات دولار. وقد لجأ رئيسُ المكتب التنفيذى الليبي السابق إلى الدوحة لطلب مساعدة مالية تقدر بـ2.5 مليار دولار. وأشارت بعض التقارير إلى أنه بعد تجميد الأرصدة الليبية؛ عرضت قطر تسويق مليون برميل من النفط لحساب المجلس الانتقالي، وتحقيق 100 مليون دولار من العائدات.

وفي حالة مصر؛ ارتبط دومًا تأخر ضخ استثمارات قطرية جديدة في مصر بالوضع السياسي فيها بالدرجة الأولى؛ حيث فضلت قطر خلال الفترة الماضية الانتظار قبل ضخ المزيد من الاستثمارات، حتى استكمال واستقرار هياكل الدولة المصرية.
وعند تحليل قرار قطر ضخ هذه الاستثمارات في أي من هذه الدول الثلاث؛ نجده مرتبطا بدرجةٍ كبيرةٍ بحجم "استقرار" سيطرة القوى الإسلامية على السلطة، وبحجم النفوذ الذي تتمتع به قطر في هياكل السلطة الجديدة. ورغم أنه لا يزال وضع الإخوان في مصر كقوة مسيطرة تحت الاختبار، وتحكمه متغيرات عدة يصعب السيطرة عليها؛ إلا أنها تعمل على دعم إخوان مصر باعتبارها الرهان الكاسب.

إن استمرار قدرة قطر على الاستفادة من المال والاستثمارات من أجل الاحتفاظ بنفوذ سياسي ما في مصر وغيرها من دول الثورات العربية مرتبط بدرجة كبيرة بعاملين؛ يتعلق العامل الأول باستمرار سيطرة القوى الإسلامية فيها على نصيب مهم من السلطة. ويتعلق العامل الثاني، بوجود قبول شعبي في هذه الدول وإقليمي بهذا النفوذ.
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 28-04-2013, 01:25 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

الحصان العربي: كيف تتعافى مصر من عثرتها الاقتصادية؟


د.محمد العريان

تواجه مصر – التي تعد ثاني أكبر اقتصاد في المنطقة العربية بعد السعودية- تحديات اقتصادية صعبة بعد ثورة الـ25 من يناير التي أسقطت نظام مبارك. إذ إن المصريين لم يجنوا حتى الآن الحصاد الاقتصادي لثورتهم، حيث تعاني قطاعات واسعة من المجتمع من تدهور في أوضاعها المعيشية. ولعل الملف الاقتصادي شغل حيزا كبيرا من اهتمام الدكتور محمد مرسي رئيس مصر

بعد تولي الحكم، إذ يخشى البعض أن تستغل " الثورة المضادة" تردي الأوضاع الاقتصادية للانقلاب على ثورة يناير. وفي هذا السياق تأتي أهمية مقال الدكتور محمد العريان الذي نشر في مجلة فورين بوليسي الأمريكية تحت عنوان " الحصان العربي" ، ويناقش مستقبل الأوضاع الاقتصادية في مصر.

العريان هو أحد الأسماء المصرية في الخارج التي تم تداول ترشحها لرئاسة الحكومة، قبل أن يستقر الرئيس مرسي على الدكتور هشام قنديل لرئاسة الوزراء، كما أن العريان هو خبير اقتصادي دولي ومستشار لدى مؤسسة الاستثمارات العالمية بيمكو ، ومؤلف كتاب: عندما تتصادم الأسواق.

وضع اقتصادي غير مطمئن

في مقالته، يشير العريان إلى أن قوة الاقتصاد المصري ستحدد ما إذا كانت ثورة 25 يناير قد كُللت بالنجاح أم سقطت ضحية لحركات الثورة المضادة؟، فكلما طال بقاء التحديات القائمة في مصر – كما يقول العريان - تصاعد خطر تهديدات الثورة المضادة.

ويعتبر الخبير المصري في مقاله أن الوضع الاقتصادي الحالي غير مطمئن؛ حيث إن النمو غير كافٍ، والاستثمار في الصناعات الجديدة ضعيف، فضلًا عن تدنّي كفاءة المصانع وأعمال الصيانة. وفي الوقت نفسه، يساور العديد من الأجانب قلق وخوف من زيارة مصر والاستثمار فيها، مما يسحب الأوكسجين عن الاقتصاد المتعثر الذي يعتمد إلى حدٍّ كبير على الاستثمارات الأجنبية المباشرة والسياحة.
وإلى جانب العديد من التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر؛ تثير البطالة والبطالة المقنّعة قلقا كبيرا، فهما يمثلان معا تحديات اقتصادية واجتماعية. وتصل نسبة العاطلين عن العمل في مصر إلى 25% بحسب تقارير دولية، ولا عجب أن كثيرا من المصريين يشعرون بالإحباط بسبب التباطؤ في تحسين سبل المعيشة.

كما تثير أجور محدودي الدخل المنخفضة حالة من الإضرابات بصورة دورية؛ بل وتقوض العلاقات العمالية أيضا، مما يسفر في النهاية عن اقتصاد متعثر ويأس اجتماعي. وللأسف لا تتمتع مصر – كما يقول العريان- بوفرة في المدخرات لدفع العملية الانتقالية قدما في ظل هذه الأوقات العصيبة، فالعديد من المواطنين يعيشون بالفعل تحت خط الفقر أو بالقرب منه، ناهيك عن تضاؤل شبكات الأمن الاجتماعي وتعدّي العجز المالي نسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يفضي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض.

يأتي ذلك وسط نفاد أكثر من ثلثي مخزون مصر من احتياطيات النقد الأجنبي على مدى الأشهر الـ18 المنصرمة، ووصل المخزون إلى حوالي 15 مليار دولار. ويرى العريان أنه كلما طال بقاء التحديات تصاعد خطر تهديدات الثورة المضادة، منوها إلى أن آثار ذلك ستمتد إلى خارج مصر. فالرخاء الاقتصادي داخليًّا له تأثير مباشر على استقرار منطقة الشرق الأوسط ككل.

ومع تزايد عدد السكان في مصر إلى أكثر من 80 مليونا، ليس من المستغرب أن يساور بعض المسئولين الأوروبيين قلق خاص بشأن موجات هجرة المصريين. وأشار العريان إلى أن من يراقب مصر عن كثب يشعر بالقلق ويدرك تماما مدى الإحباط الذي يشعر به المصريون. وأعرب الدكتور العريان عن قلقه بشأن ارتفاع الكلفة البشرية وبشأن التشاؤم الذي بات يستشري في أرجاء مصر.
وكلما ظل ذلك قائما بات من الصعب على مصر استكمال التحول الحرج في أعقاب سقوط الحكومة. فسقوط النظام لا يمثل نجاحًا تامًّا للثورة؛ بل يمهد الطريق فحسب لصالح مستقبل أفضل، وفقًا لما يراه الدكتور العريان.

واستطرد الدكتور العريان في مقاله لافتا إلى أن مصر ليست حالة خاصة، ولا ينبغي أن تكون كذلك؛ فما تواجهه مصر في الوقت الراهن شبيه بما واجهته بلدان أخرى إبان العمليات الثورية. فدول مثل بولندا والمجر واجهت تحديات ثورية واسعة النطاق، كما فشلت دول في إفريقيا والاتحاد السوفيتي السابق في تحولاتها الثورية وما زالت تناضل من أجل النجاح.

أسباب التفاؤل الحذر

ومع ذلك، يرى الدكتور العريان أن ثمة ما يبعث الأمل. ففي ظل وجود مجموعة من السياسات المتماسكة التي تعمل على الحشد الواسع للشراء المحلي، لا يمكن أن يزدهر الاقتصاد فحسب؛ بل يمكن أن تتحقق أهداف الثورة في العدالة الاجتماعية، وتحسين الوضع المعيشي في مصر أيضا.

ومن وجهة نظر الكاتب؛ ثمة ما لا يقل عن خمسة أسباب تستدعي التحليل البنّاء والتفاؤل الحذر، وهي:

أولًا: اعتراف كافة الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام وحركات الشباب والمجلس العسكري بأهمية إصلاح الاقتصاد، وإدراكهم هذه النقطة جيدا. وبالطبع لا يضمن هذا الاعتراف العمل فعليًّا لتصحيح الوضع؛ إلا أنه يعتبر -من وجهة نظر الكاتب- شرطًا مسبقًا وهامًّا تفتقر إليه مصر في كثير من الأحيان.

ثانيًا: تتمتع مصر بإمكانيات مادية وبشرية تضمن لها نموا اقتصاديا مستداما؛ فقد حقق الاقتصاد المصري نوبات من النمو القوي في التسعينيات والألفية الجديدة، رغم أجواء الفساد وسوء توزيع الموارد واقتصار القوى الاحتكارية على أعوان النظام السابق.

ثالثًا: تقدم مصر للمستثمرين سوقًا محليًّا ضخمًا وموطئ قدم محوري في المنطقة، ولا سيما عندما ترتكز البلد على سياسة ديمقراطية مستقرة، مما سيشكل دافعا حيويًّا لجذب الشركات متعددة ال***يات. ومن ثم تمتلك مصر القدرة على اجتذاب تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، مما سيساهم في جلب رءوس الأموال والتكنولوجيا ونُهُج الإدارة الجديدة إلى مصر.

رابعًا: استعداد المصريين وقدرتهم على دعم بلدهم في ظل سعيها إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي والسياسي والاجتماعي. فالمصريون الناجحون في الخارج يتطلعون إلى توجيه الأموال إلى مصر، وتذوق الديمقراطية الجديدة.

خامسًا: شعور المصريين بأنهم أخيرا امتلكوا بلدهم بعد طول عناء، مما يجعلهم فعّالين في بناء مستقبلها. وبعد سنوات من التهميش، يأتي الشعور بالمسئولية التي هي واضحة بالفعل من خلال المشاركات المدنية في المجتمع. وعموما، باتت تتغير هياكل الحوافز الفردية والجماعية إلى الأفضل؛ حيث لم يعد الاقتصاد المصري يخدم النخبة الحاكمة والدوائر المحيطة بها.

شروط لتحسين الاقتصاد

ويرى الكاتبُ أنه ينبغي على القادة المنتخبين حديثا في مصر أن يستجيبوا سريعا لأربع قضايا رئيسية إذا ما أرادوا أن يحسنوا الاقتصاد المصري؛ وهي:

1- البدء في تنفيذ رؤية اقتصادية متامسكة ومتوسطة الأجل ذات أهداف مفهومة وشفافة.

2- محاولة تحقيق الاستقرار الفوري وتقليل خطر انزلاق مصر في أزمة مالية.

3- إشراك الدائنين الأجانب بشروط تتفق مع حاجات مصر التنموية.

4- إعادة توجيه برنامج الدعم المكلف بحيث يقتصر على مساعدة الفئات الأكثر فقرًا من السكان.

ويختتم الدكتور العريان مقالته بوصفه الاقتصاد المصري بالحصان العربي؛ فهو يناضل بكل ما أوتيَ من قوة للوصول إلى وجهته، ويمكن أن يتقلب إذا واجهته بعض العقبات، غير أنه يمكن ينطلق بخفة وبقوة وبسرعة إذا سار على أرضية ثابتة تجاه وجهة محددة وواضحة.

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 28-04-2013 الساعة 01:27 PM
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 29-04-2013, 08:25 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

المحور الثالث: الشارع الثائر

عوائق الانتماء: هل يمكن أن تتحول روابط "الألتراس" إلى حزب سياسي؟


محمد الحسين عبد المنعم

بدو أن التساؤل الذي يطرحه عادة المحللون حول إمكانية تحول الألتراس Ultras إلى قوة سياسية منظمة في الشارع بعد عمليات الحشد والاشتباك مع الأحداث السياسية في الآونة الأخيرة، يحتاج إلى محاولة لفهم طبيعة تلك التكوينات الجديدة في المجتمعات العربية، خاصة وأن ثمة أبعادًا نفسية وقيمية وسلوكية ربما تشكل عائقًا أمام تحول تلك الراوبط من التشجيع إلى الانخراط في العمل السياسي أو الحزبي، وإن كان ذلك لا ينفي أنها أضحت حركة احتجاجية استفادت من تغييرات ما بعد الثورات.

إن ذلك الجدل حول الدور السياسي لـ"الألتراس"، جاء على خلفية انتقال روابط المشجعين من مربع الإعلام الرياضي إلى مضمار السياسة، في ضوء ظهورها في مناسبات ثورية عدة في مصر، بدءًا من أحداث 28 يناير إبان الثورة، مرورًا بأحداث موقعة الجمل، إضافة إلى أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، وصولا لأحداث استاد بورسعيد المعروفة إعلاميًّا "بمجزرة بورسعيد"، وتبعات الأحكام القضائية بشأنها.

عداوات ثلاث

ولا يمكن فهم سلوك الألتراس بمعزل عن أعدائها الثلاثة الذين يشكلون حافزًا للاحتجاج أكثر من الانخراط في العمل السياسي بمعناه المنظم والتفاوضي، وهم: (الإعلام – الأمن – سياسات الكرة الحديثة)، فغالبًا ما تكون علاقة "الألتراس" متوترة مع الإعلام، كنتيجة لما يعتقده أفراد تلك المجموعات من أن وسائل الإعلام تمارس تحريضًا إعلاميًّا ضدهم، باعتبارهم فوضويين، وتحميلهم مسئولية شغب الملاعب.

ويمكن إرجاع نظرة وسائل الإعلام للألتراس على هذا النحو إلى "الفجوة الجيلية" بين شباب "الألتراس" من ناحية والقائمين على الإعلام من جهة أخرى، خصوصًا في ظل فترات التغيير الاجتماعية السريع، كالذي تمر به مصر، فتنشأ معارضة من الأجيال الأكبر لأنماط واتجاهات سلوك الجيل الشاب المتحرر من القيود. بالإضافة لإحساس هؤلاء الشباب بأنهم يمثلون مادة دسمة للإعلام يقتات منها على حسابهم، دونما تدقيق أو تمحيص فيما يصل إليه من أخبار، وتمثل "المغرب" الحالة الوحيدة التي يحتفي الإعلام فيها بمجهودات "الألتراس" وهو ما انعكس على التعامل الأمني معها.

أما عن علاقة جماهير "الألتراس" بالأجهزة الأمنية، فإن التوتر والمصادمات العنيفة هي السمة الغالبة في العالم أجمع، وهو ما يمكن تفسيره بنظرة رجال الأمن لذواتهم كمحتكرين للحشد والتنظيم، الأمر الذي يدفعهم للتضييق على تلك المجموعات والنظر لهم كمنافس، بالإضافة للإجراءات الأمنية المشددة التي تتبعها تلك الأجهزة لتنظيم دخول وطرق التشجيع داخل المدرجات، الأمر الذي يرفضه أفراد مجموعات "الألتراس" الساعية للتحرر من القيود، والتي ترى في كرة القدم متنفسًا ومجالا لإخراج الطاقات الإبداعية، وتطوير فنون التشجيع.

وتظهر الخبرةُ العملية العلاقةَ الطردية بين مستوى ال*** الموجه من الجماهير ضد الأمن كلما زادت أنماط التدخل والتضييق الأمني على المشجعين، الأمر الذي دعا البعض للمناداة بمنح الجماهير حق التنظيم الذاتي وفق ضوابط معينة لتفادي الاحتكاك بقوات الأمن.كما تنظر جماهير "الألتراس" لسياسات الكرة الحديثة بنوع من الرفض، لأسباب تتعلق بتحكم رأس المال في عملية انتقالات اللاعبين، وطغيان العوائد المالية على الانتماء للنادي، وهو ما يرتبط بالسياسات الإعلانية والإعلام.

قدرات تنظيمية وتمويلية

إن الأعداء الثلاثة شكلوا محفزًا لخلق قدرات مؤثرة للألتراس على الحشد والتنظيم، وذلك في ظل هيكلها الشبكي المتحرر من القيود الهرمية المسيطرة على أنماط علاقات الأسرة، والمدرسة، ومؤسسات العمل.. إلخ، وتعد الجزئية الخاصة بالقدرة على "الحشد" على وجه الخصوص مصدرًا لتخوف القوى التي اشتهرت تنظيميًّا بها، وهما، في مصر، بشكل أساسي قوات الأمن، وجماعة الإخوان المسلمين.

ففي حين خطب معظم مرشحي الرئاسة ودّ "الألتراس" وقدرتهم على رد مظالمهم، وعلى رأسهم حزب الحرية والعدالة ومرشحه الرئيس محمد مرسي، فإن الاتجاه لتصفيتهم وتشويه صورتهم عبر المنابر الإعلامية المتعددة، يمنح مؤشرًا على معاداة أي نظام في السلطة لمثل تلك القوى الشبابية وإدراك حجم تأثيرها.

وما يجعل الألتراس أكثر تنظيمًا هو قدرته على توفير تمويل مستقل ذاتي، إذ يعتبر الألتراس تلقي التمويل أو الدعم من إدارات الأندية أو جهات خارجية مجلبة للعار للمجموعة وسببًا لحلها، وعليه فإن مجموعات الألتراس تعتمد في تمويلها على اشتراكات أعضائها، وذلك الخيار جاء لتدعيم استقلالية قرار المجموعة.

ورغم قدراتهم التنظيمية والتمويلية، فإن ثمة ملاحظة أساسية في سلوك الألتراس تجعل من الصعب تحولهم إلى العمل السياسي المنظم، وهي أنهم لا يرتبطون بحسابات سياسية معينة، وبالتالي فإن فكرة إقامة تحالفات على أسس أيديولوجية يعد أمرًا مستبعدًا، على الأقل في هذه الفترة، فعلى النقيض من جماعات "الألتراس" في البلقان، على سبيل المثال، والتي ترتبط بمعايير جهوية وهوياتية وإثنية، فإن الألتراس في مصر ارتبطت تحركاته بدوافع تبدو سامية، مثل القصاص لحقوق الشهداء.

فاللافت أن تحرك الألتراس بشكل جماعي ورسمي يرتبط بأحداث مسّت المجموعة بشكل مباشر (أحداث مباراة كيما أسوان، وأحداث بورسعيد)، وهذا لا يعني مشاركتهم في أحداث أخرى، إلا أنهم لا يشاركون بصفتهم التنظيمية الرسمية وإنما كأفراد. كما أن انخراط أفراد الألتراس في أعمال ***، تنتقص من رصيدهم لدى رجل الشارع، وهو ما قد يرجع لما يتمتع به الشباب من اندفاع، فضلا عن الإحباط من غياب دولة القانون.
ورغم أنهم يمتلكون تنظيمات غير رسمية، ويمارسون ضغطًا على السلطات لتحقيق تغيرات معينة، إلا أن تنظيمات الألتراس تعتمد على الهوية المشتركة للانتماء لنادٍ معين، وتدور نشاطاتهم حول ناديهم لا المجتمع. ورغم أن ثورة 25 يناير وسعت من مساحات الاهتمام بالقضايا السياسية، وهو ما يظهر في الأنشطة الفنية مثل أغنية "حرية" التي تنصرف لوصف الوضع السياسي ككل وفساد الحكومة وأن المطلب الرئيسي هو الحرية، إلا أن الغالب لدى الألتراس هو انتماؤهم الرياضي.

علاوة على ذلك، فإن طبيعة روابط الألتراس هي عدم قبول المواءمات أو الحلول الوسط، والتمسك بالمبادئ بشكل حاد، وعليه فإن دخولها مضمار السياسة سيستلزم تغيير طبيعتها، وبالتالي انتماءها لعالم "الألتراس" بالشكل التقليدي. وبالتالي، يبقى إمكان تحول "الألتراس" إلى قوة سياسية "كحزب سياسي" احتمالا ضعيفًا، نظرًا لتعدد المشارب والانتماءات السياسية والاجتماعية، وأنها ليست الانتماء الرئيسي الذي يجمع تلك المجموعات الرياضية.

استراتيجيات التعامل مع "الألتراس"

تتسم مجموعات الألتراس بعدد من السمات كاللا سلطوية، والديناميكية، والمثالية المجردة، وتعتمد في تحقيق أهدافها وممارساتها على أساليب غير تقليدية ومتحررة من القيود الاجتماعية، تبدأ برفع اللافتات وتنفيذ الدخلات، مرورًا باستخدام السباب خلال هتافاتهم، وصولا لاستخدام ال*** في حالات معينة.

وفي معرض الحديث عن استراتيجيات التعامل مع "الألتراس"، دائمًا ما يردد أفراد تلك المجموعات أنهم "بشر" وليسوا "درجة ثانية"، فإحساس فرد "الألتراس" دائمًا بالاضطهاد، وأن هناك من يتربص به، يدفعه لتبني سلوك أكثر يمينية وتشددًا. ولعل ذلك يفسر ما يقوله أحد أعضاء الألتراس في مصر في إشارة إلى العداء مع وزارة الداخلية وأحداث بورسعيد في مصر: "كيف أتصالح مع من أغلق أبواب الاستاد على إخوتي، وتركهم يموتون دون أن يحرك ساكنًا".

وتظهر الخبرة العملية أن التشدد والتعامل العنيف مع شباب تلك المجموعات لا يولد إلا ***ًا مضادًا، لأسباب تتعلق بطبيعة سلوك الشباب، وما يتعرض له من ضغوط، فضلا عن الخريطة الاجتماعية لشباب "الألتراس" والتي ترتكز على الطبقة المتوسطة وما دون المتوسطة، والأخيرة غالبًا لا تملك ما تخسره. كما أن اتخاذ إجراءات متشددة بشأن التشجيع في الملاعب أو منع روابط المشجعين من حضور المباريات، لا يقدم حلولا للمشكلة؛ إذ ينتقل ال*** مصحوبًا بالسخط إلى خارج الملاعب.

ويبدو أن اتخاذ وزارة الداخلية لقرارات شجاعة تتعلق بالاعتراف بتجاوزاتها، ليس في حق "الألتراس" فقط وإنما في حق المصريين عمومًا، هو نقطة البداية في التعامل البناء والمثمر مع جمهور المشجعين، "يجب أن تدفع الداخلية ثمن إهانتها للمصريين"، كما عبر أحد أعضاء "الألتراس".

ويظل من المفيد تعديل المنظور الذي تستخدمه السلطة، بل والأكاديميون، في الدراسة والتعامل مع مجموعات "الألتراس"، باعتبارهم شبابًا يمتلكون طاقات إبداعية تظهر في نشاطاتهم التشجيعية كتأليف الأغنيات وتصميم الدخلات والقدرة على الحشد والتنظيم، ويمكن احتواؤهم بشكل يعود بالنفع على اللعبة والمجتمع، وليس النظر لهم كفوضويين.
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 29-04-2013, 08:13 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

تحولات الشارع :
الأسئلة الثلاثة حول ظاهرة "الثائر" بعد عامين على الربيع العربي



إيمان رجب

خلقت الثورات العربية ظاهرة لم يتوقع أحد تشكلها في المنطقة العربية، وهي ظاهرة "الثائر"، أو المتظاهر كما أطلقت عليها التايمز كشخصية لعام 2011، وترتكز هذه الظاهرة على قدرة الفرد على التأثير في مسار التطور السياسي للدولة، من خلال قدرته على التعبئة، وتحريك فئات مختلفة من الشعب، التي لا يجمعها إطار تنظيمي واضح المعالم، والتي يحركها كما رأينا في مصر وتونس وليبيا واليمن حالة من "الغضب" من الوضع السائد ومن ممارسات النظم الحاكمة، حتى إن الكثير من المحتجين أطلقوا على فعالياتهم الاحتجاجية يوم الغضب day of wrath، وتصدرت الصحف الغربية في تغطيتها للثورات العربية عناوين من قبيل الغضب العربي Arab Wrath، حيث غدا الثائر قوة تقود التغيير الثوري، وقوة لا يمكن إغفالها خلال المراحل الانتقالية.

وكان عدمُ توقع هذا التعاظم لقدرة الفرد على التأثير، مرتبطًا بما كان سائدًا من أفكار بين المحللين والأكاديميين في المنطقة، من قبيل سيطرة "الدولة البوليسية"، أو كما أطلق عليها تقرير التنمية البشرية العربية دولة "الثقب الأسود" على مناحي الحياة، وتقييدها الحريات، على نحو أدى إلى تجريف الحياة السياسية، ونشر الخوف من المعارضة والاحتجاج، مما أدى إلى اختفاء الشارع كقوة سياسية، فضلا عن عدم مبالاة جيل "البضع وعشرين والبضع وثلاثين" كما أسماهم توماس فريدمان، بالمشاركة في الحياة السياسية، حتى إن البعض تعامل معهم على أنهم في حالة من النوم، وهذا ما تعكسه عناوين الصحف في يوم 22 يناير 2011 في مصر على سبيل المثال، والتي نقلت عن صفحة خالد سعيد شعارات من قبيل "يلا يا شباب قوم وفوق".

أحوال " الثوار" بعد الربيع العربي

وتقدم متابعة أحوال "الثوار" في دول الثورات العربية، بعد مرور عامين على التغيير الثوري في المنطقة، إجابة على ثلاثة أسئلة رئيسية، تمت مناقشتها مع بعض شباب الثورة، وكل منها يكشف بُعدًا من أبعاد ظاهرة الثائر في الدول العربية، يتعلق السؤال الأول بمن أين أتى الثوار؟ هل هم من "الشارع" أم من الأحزاب السياسية؟.

كانت معظم الأحزاب والقوى السياسية التي كانت موجودة في عهد النظم السابقة أحزابًا "كرتونية" أضفت شرعية على النظم الحاكمة، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، من خلال عدم تقديمها بديلا حقيقيًّا كقوى معارضة، وقبولها التفاوض مع النظام، وأحيانًا التماهي معه، حتى إن الحديث عن فكرة "الفلول" أو "بقايا النظام" كما في حالة مصر وتونس واليمن، يمكن أن تمس القوى التي أطلقت على نفسها "المعارضة" نظرًا لتعاملها مع النظم السابقة، ودخولها في صفقات معها. وفي ظل هذا الوضع، لم يكن متوقعًا أن تتحرك هذه الأحزاب لتثور على النظام.إلى جانب ذلك، سيطرت بعض الأفكار على المحللين العرب والغربيين حول الثوار، من قبيل أنهم "غير مسيسين" ولكن مثقفون، ولا يثقون في النظم الحاكمة.

ولكن من الواضح، أن قطاع الشباب داخل تلك المعارضة الكرتونية، والذي يمكن أن نطلق عليه جيل "مظاهرات انتفاضة الدرة"، كان غاضبًا من القيادات التقليدية في هذه الأحزاب بقدر غضبه ضد النظام، وهذا يفسر مشاركة شباب الوفد، رغم عدم رضا القيادات، وعدم توقيعهم على البيان الخاص بمظاهرات 25 يناير والذي نشر في الصحف المصرية في 23 يناير، ومشاركة شباب الإخوان في مظاهرات يوم 25 يناير 2011 رغم بيان الإخوان في 19 يناير 2011 والذي خاطبوا فيه النظام "لتهدئة الاحتقان داخل الشارع المصري" على نحو "يدعم الاستقرار في البلاد ويقي مصر من ثورةٍ شعبيةٍ ستكون أكثر ضراوة وأوسع أثرًا مما حدث في تونس الشقيق"، فضلا عن عدم رضا قيادات الجماعة عن تلك المشاركة. وهذا يعني من الناحية العملية، أن الشباب الذين قادوا الدعوة للثورة، كانوا على درجة من الوعي السياسي، الناتج عن تنشئتهم داخل أحزابهم السياسية، دون أن ينفي قدرتهم على حشد قطاعات من الشباب ومن الشعب غير المسيس.

وبعد تنحي مبارك كانت عودة الشباب إلى أحزابهم دون تغييرها تعتبر "ازدواجية" في التحرك، وتخليًا عن الزخم الثوري الذي خلقوه في الشارع، وقد ترجم هذا الإدراك إلى نوعين من التحرك، عبر عن النوع الأول تشكيل البعض تنظيمات مستقلة عن الأحزاب التقليدية مثل ائتلاف شباب الثورة وتنظيم شباب الثورة، ليعبر عن فكرة الثورة، وعن الطابع الشبابي لها، ولكن لم تستمر فاعلية هذه التنظيمات لأسباب تنظيمية، وأخرى مرتبطة بمواقف القوى الرئيسية التي تدير المرحلة الانتقالية.

الثوار ورفض الأطر التقليدية

وتمثل التحرك الثاني في محاولات نقل الثورة إلى داخل الأحزاب التقليدية، فبعد تنحي مبارك، استمر الشباب الثائر في رفض استمرار الأطر القديمة كما هي، فعلى سبيل المثال، طالب شباب الإخوان بالتغيير داخل الجماعة وبعقد انتخابات حرة لمكتب الإرشاد، وعقدوا مؤتمرًا في مارس 2011 لمناقشة مستقبل الجماعة، واستنادًا لتصريحات محمد مرسي الرئيس الحالي حين كان عضوًا في مكتب الإرشاد، فإن المكتب لم يسمح بعقد المؤتمر، ولم يقر إرسال ممثلين عنه، كما اتجه بعض الشباب لتشكيل أحزاب جديدة، بعد تنحي مبارك، مثل حزب الدستور والمصري الديمقراطي والمصريين الأحرار والتحالف الشعبي والتيار الشعبي.

وينصرف السؤال الثاني، إلى هل الثوار ثوار أم سياسيين؟، حيث يعني وصف "الثائر" التغيير الجذري، وأحيانا القبول بالنقيض حتى وإن لم يحقق أهداف الثورة، بينما يعني "السياسي" التفاوض والقبول بالاصلاح التدريجي، أي التخلي عن الثورة، وعادةً ما يعجز الثوار عن التفاوض، لأن منطق الثورة يقتضي التغيير الثوري، كما أن لديهم قناعة بأن عدم اكتمال الثورة نتيجة إعمال منطق التفاوض السياسي قد يؤدي إلى فشل الثورة، كما أن التفاوض السياسي يفترض الجمع بين "متناقضات"، وهي تحقيق غايات الثورة بآليات غير ثورية، مثل تشكيل أحزاب سياسية، وخوض الانتخابات، والالتزام بشرعية الدستور والصندوق، حتى وإن لم تتفق ومطالب الثورة.

وهذه الطبيعة الثورية للثوار، هي التي سمحت بتعبئة طوائف مختلفة من الشعب، من أجل الاحتشاد والمطالبة بإسقاط النظام في ميدان التحرير على سبيل المثال، رغم اختلاف الأهداف السياسية لمن ينتمي منهم لقوى سياسية بعينها، ولكنها لم تمكنهم من التأثير المنظم والمستمر في المرحلة الانتقالية.

والمشكلة، أن هناك دومًا قطاعًا من الثوار الذين يرفضون القبول بالطابع المرحلي للثورة، أو العمل بالآليات التقليدية لتحقيق مطالب الثورة وخاصة بعد النجاح في إسقاط النظام، مما يخلق عدم اتساق بينهم وبين السياق المحيط بهم، والذي بدأ يتغير ولا يتقبل تدريجيًّا فكرة استمرار الثورة إلى ما لا نهاية، لأسباب متعلقة بالتكلفة الاقتصادية للثورة، والتي لم يعد الشعب قادرًا على تحملها، ولكن من الواضح بداية تحول بعض الثوار إلى سياسيين.

ثائر حقيقي أم مصطنع

وينصرف السؤال الأخير إلى ما إذا كان الثائر الذي نقلته وسائل الإعلام حقيقيًّا أو مصطنعًا؟ ، فجزء من مشكلة تحديد من هو الثائر الذي قاد الثورة في مصر واليمن مثلا مرتبطة بالعقلية الإعلامية التي سعت دومًا للبحث عن شخص ما، شاب في العشرينيات أو بداية الثلاثينيات، مثل وائل غنيم في مصر، وتوكل كرمان في اليمن، ثم صدر الإعلام أيقونات ثورية أخرى، وتفيد شهادة العديد من النشطاء الثوار أن هؤلاء لم يعبروا عن القوى الثورية، ولم يلعبوا دورًا رئيسيًّا في الدعوة للثورة، وأنهم صنيعة الإعلام.

وكان هذا التوجه يعكس سيطرة العقلية القديمة لفهم التحول الثوري الذي تشهده الدول العربية، ويقلل من أهمية التغيير الذي ستحدثه هذه الثورات فيما تراكم من أدبيات نظرية عن الثورات في العالم، فلا الثورة التي شهدتها هذه الدول مثل الثورة الإيرانية بحاجة إلى قائد ديني، ولا هي مثل ثورة بوليفيا بحاجة لشيه جيفارا واحد ليقودها، فهذه الثورات متعددة الرءوس ومتعددة القيادات، وكل شخص بفضل التكنولوجيا الحديثة أصبح قادرًا على التأثير والدعوة للتظاهر والحشد، دون الكشف عن هويته الحقيقية، وبالتالي فالحديث عن قائد واحد فيه تبسيط مخل بالثورات العربية.

ولا تزال ظاهرة الثائر مستمرة في دول الثورات العربية، ربما على نطاق أقل اتساعًا مما كانت عليه مطلع عام 2011، وربما تستمر بآليات مختلفة، يغلب عليها ال*** أحيانًا كما تعبر عن ذلك ظاهرة "بلاك بلوك"، وهو ما يُكسب طابع التحول لهذه الظاهرة، ويخرجها عن طابعها السلمي الذي سيطر عليها طوال الفترة الماضية.
رد مع اقتباس
  #21  
قديم 29-04-2013, 11:37 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

البلاك بلوك نموذجاً:
المسارات المحتملة للحركات الفوضوية العنقودية في مصر



محمد عز العرب

إن واحدةً من الظواهر التي تشكلت في مصر خلال الأيام القليلة الماضية هي ظهور حركات مجتمعية جديدة، تعتبر أحد أبرز اللاعبين الأساسيين في عـنف الشارع، كنمط مختلف لتحدي السلطة، يعبر عن "فكرة" وليس "تنظيما"، بل هي قائمة على عدم التنظيم، وإخفاء الهوية، وتجنب الإفصاح، من خلال تكوين مجموعات عنقودية منفصلة، ويتراوح أعدادها بين 10 و100 في وقفة احتجاجية في بقعة جغرافية بحسب مقدرة كل مجموعة على اجتذاب الأشخاص، بشرط ضمان الثقة في الأعضاء الجدد، وفقًا لكلمات "كودية" تتغير بشكل متواصل، وذلك بغرض عدم السيطرة عليها، أو تفتيت القدرة على حلها إذا لحق ضررٌ بعدد من أعضائها، عبر تكتيكات عدائية مختلفة مثل الاشتباك مع أجهزة الأمن، وقطع الطرق والكباري وخطوط المترو، وإعاقة حركة المرور، واقتحام المحاكم، ومقرات المحافظات، والمجالس المحلية، وإحراق بعض الأقسام، وعدد من مقرات الإخوان المسلمين.

والحقيقة أن من المبكر الحديث عن عـنف مجتمعي قد يكون عابرًا وليس بنائيًّا أو هيكليًّا في إطار مجموعات أو حركات تحمل ملامح "ظاهرة قيد التشكل" بسبب ندرة ما كتب عنها وغياب جهد بحثي وصحفي بشأن الاقتراب من أعضائها، غير أنه يمكن الاعتماد على بعض المصادر الأولية، سواء المكتبية أو الإلكترونية أو الميدانية التي تعاملت مع تلك الحركات كفاعل جديدٍ وافد على تفاعلات الثورة المصرية، والتي ربما تنتقل بتأثيراتها على تفاعلات القوى السياسية والمجتمعية خلال المرحلة المقبلة.

الكتلة السوداء

فقد شهدت عدة محافظات مصرية كالقاهرة والإسكندرية والمنوفية والشرقية والغربية والدقهلية وكفر الشيخ ودمياط وأسيوط وسوهاج والبحر الأحمر، بروز مجموعات شبابية ثورية حديثة النشأة ومختلفة الهوية، تطلق على نفسها "بلاك بلوك" أو "بلاك ماسك" أو "الكتلة السوداء" Black Blocks، ويتراوح أعمار المنتمين إليها ما بين 18 إلى 30 عامًا. ويرتدي الأعضاء في تلك المجموعات زيًّا موحدًا وهو ملابس وأقنعة سوداء، ربما لإيصال فكرة الحداد على شهداء الثورة، أو للتعبير عن الهوية الخاصة من خلال التمييز بالملابس، أو كنوع من إنكار الذات لواجبٍ يقتضي عمله، وفي بعض الأحيان يرتدون خوذات الدراجات النارية، بما يسهم في إخفاء ملامح وجوههم وهوياتهم، ويمسكون الأعلام السوداء بجانب علم مصر، حيث يرفعون شعارًا محددًا وهو BB Revolution، أي أن الثورة المصرية لم تنتهِ بل لها موجات أخرى.

لا توجد إحصاءات دقيقة بشأن أعداد المنطوين داخل هذه المجموعات، بل تُشير التقديرات إلى أنها تتراوح بين 150 فردًا في حدها الأدنى و800 في حدها الأعلى. ويقوم بعضهم بمهمة أقرب إلى اللجان الشعبية التي عليها تأمين الميدان من المتسللين والمندسين والبلطجية، وخاصةً في لحظات "التصعيد الكبرى" وفقًا لرؤيتهم. وعلى الرغم من أن المنتمين لتلك الحركات يتسمون بالاستقلال، إذ لا توجد لديهم انتماءات سياسية وأيديولوجية ولا يرتبطون بأطر حزبية؛ فإنه انضم إليهم بعض شباب حركة 6 إبريل السابقين، فضلا عن شباب مشجعي النادي الأهلي "ألتراس أهلاوي" ونشطاء في الحركات اليسارية. ووفقًا لبياناتهم المختلفة فإن "فرسان الظلام" لا تجمعهم هيئة تنظيمية محددة، ولا يمتلكون مقرًّا، بل يتخذون من المقاهي في وسط العاصمة مكانًا للالتقاء ببعضهم، مع الالتزام بالسرية في تحركاتهم الميدانية. فالمنخرطون في المجموعة أو الكتلة يختلطون -في كثير من الأحيان- مع مجموعات أكبر من المتظاهرين، وبعدها ينفصلون عنها، ويمسكون بأذرع بعضهم بعضًا ويندفعون إلى الشوارع، لتوصيل رسالتين هما: كبر العدد، والتكتل الموحد، والتي تمثل الهوية الجمعية لأعضاء هذه الحركات العنقودية.

البيئة القاعدية

إن هذا النمط من المجموعات الشبابية لا يعتبر ظاهرةً مصرية خاصةً بقدر ما يعبر عن واحدة من ملامح الظواهر الاحتجاجية المعروفة في عدد من دول العالم منذ عقود، إذ إن منشأ الظاهرة ألماني، وتطورها أوروبي، وتجليها أمريكي، وأحدث إصداراتها مصري. فقد استلهمت هذه الحركات السياق الاحتجاجي الغربي الذي ولدت فيه حركات احتجاجية تحمل ذات الاسم في دول مثل ألمانيا واليونان، وسرعان ما امتدت إلى الولايات المتحدة وخاصة في مظاهرات سياتل المناهضة للعولمة والرأسمالية الغربية "المتوحشة" في عام 1999، إذ تعتبر هذه الحركات نوعًا من الاحتجاج عن طريق التظاهر بشكل مختلف، حيث تعتمد على تكتلات صغيرة لا تعرف بعضها، ولا توجد بينها صلة.

غير أنها تلتقي في نقاط تجمّع محددة، وتهدف تظاهراتها إلى تدابير هجومية على الشركات والبنوك ومحطات البنزين وكاميرات فيديو المراقبة في الشارع، وتقديم الإسعافات الأولية للأشخاص المتضررين من الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، ومحاربة قوات الأمن عن طريق بناء المتاريس. وبالتالي، فإن التوصيف الشائع لتلك الحركات في الخارج هو الحركات "الفوضوية" أو "الأناركية"، بسبب تعاملها ككتلة واحدة لمواجهة قوات الأمن، ومنعهم من اختراق المظاهرة، أو القبض على المحتجين، رغم إتلافهم ممتلكات عامة وخاصة.

اقتراب الفرصة

لذا يحرص أعضاء هذه الحركات في مصر على التأكيد على أنهم ليسوا صناعةً غربية، ولا يخدمون أجندات خارجية، وإنما يعبرون عن أوجاع مجتمعية محلية ثورية. وفي هذا السياق، تزامن ظهور أعضاء هذه المجموعات، وفقًا لما يسمى في أدبيات الاجتماع السياسي بـ"اقتراب الفرصة"، خلال التظاهرات والاحتجاجات التي غطت أنحاء البلاد في الذكرى الثانية لثورة 25 يناير. فقد نظموا العديد من الوقفات الاحتجاجية في وسط العاصمة المصرية، رافعين لافتات مكتوبًا عليها "القصاص بأيدينا فنحن نسيج من دماء الشهداء".

كما قاموا بقطع كوبري 6 أكتوبر في القاهرة، وقطع طريق ترام المدينة بالإسكندرية، وكذلك أعلى كوبري استانلي، وهددوا بإشعال النيران بمقر مجلس الشورى، فضلا عن الإعلان عن مسئولية حرق بعض مقار جماعة الإخوان المسلمين، ووجود احتمال تورطهم في حرق الجزء الخلفي للمجمع العلمي، مع التهديد بإحراق المتحف المصري، ومجمع التحرير الإداري، وهي التحركات التي تحاول هذه المجموعات من خلالها إثبات أن لها أدوارًا ميدانية وليس مجرد مقاومة إلكترونية على الإنترنت، أو على نحو ما وصفه شباب البلاك بلوك أنفسهم بأنهم "درع وسيف".

إن الظهورَ العنيف لتلك المجموعات يعبر في أحد أبعاده عن رد فعل طبيعي للتهديدات التي يعبر عنها بعض شباب الإخوان المسلحين من "الفرقة 95" الذين ينقلون في وسائل الإعلام جاهزيتهم للانقضاض على أعداء تنظيم الإخوان بزعم حماية الثورة. ووفقًا لذلك؛ هناك من يعتبرهم "الميليشيات الثورية" التابعة لجبهة الإنقاذ أو التيار الشعبي "حماة الثورة" لمواجهة ميليشيات الإخوان المسلمين، فضلا عن استعراض القوة من جانب بعض ممثلي تيار الإسلام السياسي مثل أنصار حازم أبو إسماعيل، وعاصم عبد الماجد، وطارق الزمر.

لذا، فإن أحد أبرز أهداف هذه المجموعات -وفقًا لما جاء في بيانهم الأول على موقع "اليوتيوب"، بتاريخ 23 يناير الجاري- يتمثل في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين وأي جماعة تستغل الدين من أجل تحقيق أهداف سياسية خاصة، حيث "تسعى لتحرير الإنسان، وهدم الفساد، وإسقاط الطاغية الفاشية"، والتي يقصد بها جماعة الإخوان المسلمين بذراعها العسكرية. ورغم إعلانهم عدم التعرض لرجال الشرطة أو الجيش نهائيًّا؛ حذر البيان وزارة الداخلية من التدخل لتوقيفهم، إذ قالوا "إنهم لن يتهاونوا في الرد على وزارة الداخلية إذا ما واجهتهم لدى محاولتهم إسقاط الفاشية".

ومن ثمَّ، لم يكن غريبًا أن تطلق على نفسها "المجموعات الانتحارية للقصاص للشهداء"، نظرًا لفشل نظام الحكم الجديد في التعبير عن روح وأهداف الثورة التي ضحى من أجلها ما يزيد عن 800 شهيد، وهو ما برز في الشعارات التي رفعتها "هما اتنين ما لهمش أمان.. حكم المرشد والإخوان" و"بيع بيع بيع الثورة يا بديع" و"ثوار أحرار هانكمل المشوار". واللافت للنظر أن هذه الحركات رفعت شعارات غريبة مثل "التخريب هدفه مصلحة البلد" و"هتبقى فوضى" و"نحن فوضى تمنع الفوضى"، وهو ما يحمل المعنى ونقيضه معًا، لأن هناك ضرورة -وفقا لوجهة نظرهم- لمحاربة نظام قمعي وسياسة مستبدة لا تختلف عن سياسات مبارك، غير أن الفوضى لا يمكنها أن تصنع إلا قلاقل داخلية، وحروبًا أهلية، وصراعات عنيفة.

مسارات مختلفة

لا يوجد مستقبل واحد لظاهرة البلاك بلوك في مصر، وإنما هناك عدة سيناريوهات، على النحو التالي:

أ- سيناريو الأفول. يستند هذا السيناريو إلى الطبيعة غير التنظيمية الدقيقة، والعشوائية في الممارسة، وعدم التشابه في التوجهات السياسية والفكرية، فضلا عن تعرض أعضاء هذه المجموعات بصورة متقطعة لاتهامات مختلفة، تصب في مجملها في اتجاه تشويه السمعة، والنيل من المكانة، على الرغم من النفي المتكرر لها. فقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن انتماء المدونة العارية علياء المهدي للبلاك بلوك، وهو ما نفاه الأعضاء.

على جانب آخر؛ يشير البعض إلى أن المحرك الرئيسي لمجموعة "البلاك بلوك" هو الناشط القبطي "شريف الصيرفي" أحد القيادات المهمة فيما يطلق عليه "الكتيبة الطيبية" التي ترعى بعض أنشطة الكنيسة، وتصوير أعضاء تلك المجموعات بأنهم "جماعة قبطية" أو "نصارى"، وفقًا لما يراه المركز الإسلامي لمكافحة التنصير، على الرغم من النفي المتكرر لذلك. أضف إلى ذلك، بدء التشديد الأمني في التعامل معهم؛ حيث تم إلقاء القبض على أحدهم بتهمة حيازة أسلحة نارية، أو التعدي على مأمور قسم قصر النيل. كما تقدم المحامي عابد مطاوع، في 27 يناير الجاري، ببلاغ للنائب العام المستشار طلعت عبد الله، ضد حركة "بلاك بلوك"، يتهمهم فيه بقلب نظام الحكم، أو إثارة الفتنة، والسعي لهدم مؤسسات الدولة ونشر الفوضى في ربوع البلاد، والاعتداء على أبناء الشعب.

ب- سيناريو الانتشار. إن هذا السيناريو يفترض قيام هذه المجموعات بحركات تصعيد سواء ضد جماعة الإخوان أو أجهزة الدولة، لا سيما في ظل الاحتقان الداخلي في مصر، وهو ما يعبر عن ترجمة لشعار رفعته "احنا فيروس يصيب مصر". ووفقًا لهذا السيناريو، فإن مجموعات البلاك بلوك لا يمكن التقليل من خطورتها، على نحو ما يعتبره محمد طوسون رئيس اللجنة التشريعية في مجلس الشورى "ظاهرة وهمية لإرهاب المواطنين"؛ إذ تكمن خطورتها في الأثر الانتشاري لهذه المجموعات التي تتعامل مع الوضع الداخلي في مصر وكأنها جماعات أو حركات أو جماعات فوق الدولة، إن لم تكن هي الدولة ذاتها التي تمتلك الاحتكار، أو الاستخدام الشرعي للقوة، وخاصة مع رخاوة الدولة في مصر، والتي يتوقع أن تصل إلى حالة "الدولة الفاشلة" في المرحلة المقبلة؛ إذ إن بعض العاملين في أجهزة الأمن لا يريدون فتح مجالات جديدة للثأر منها، على نحو ما تعبر عنه المؤشرات التالية:

- تداولت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمجموعة من الرجال الملثمين الذين يحملون أسلحة أطلقوا على أنفسهم مجموعة "كتائب مسلمون"، وأكدوا عدم تبعيتهم لحركة "حازمون" أو الإخوان المسلمين أو السلفيين، ووجهت هذه المجموعة تهديدات بالاغتيال لكل من أطلقت عليه يجول برأسه تقسيم مصر، أو الإضرار بمنشآتها، أو من يحاول إسقاط نظام الحكم، أو مواجهة الدولة الإسلامية في مصر. كما حذرت ما أطلقت عليهم "الإعلاميين مثيري الفتنة". فضلا عن بروز نسبي لما يسمى بـ"شباب الإيجلز"، دون تحديد دقيق للاختلافات الجوهرية بينهم وبين البلاك بلوك.

- دشنت مجموعة من العاملين في قطاع الكهرباء صفحة "بلاك بلوك كهرباء" على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، رافعين شعار "المجد للمشاغبين"، حيث يسعى ما يقرب من 160 ألف عامل لتوحيد المزايا والحوافز والبدلات بين شركات التوزيع والنقل والإنتاج، وإقرار حد أدنى للأجور، وغيرها من الإجراءات التي تهدف إلى استرداد ما وصفوه بالحقوق المنهوبة.

- أصدر ائتلاف "معدومي الدخل والعاطلين" بالأقصر بيانًا في 26 يناير الجاري دعا فيه كافة القوى الثورية إلى بدء المقاومة المسلحة ضد لواءات الداخلية، وميليشيات جماعة الإخوان المسلمين في كل المحافظات.

ج- سيناريو التذبذب. بحيث تشبه هذه المجموعات "ثورات البراكين"، التي تظهر أحيانًا وتختفي أحيانًا أخرى متى توافرت البيئة السياسية والأمنية والاقتصادية بل والقانونية المهيئة لظهورها في البلاد، على نحو ما برز في حمل بعضهم أمام مجلس الشورى لافتة دون عليه "المرحوم دولة القانون". وفي هذا السياق، تكون مجموعات "البلاك بلوك" أصغر مواليد دولة غياب القانون في مصر.

وبناء على هذا السيناريو؛ قد تقوم أجهزة الدولة بتتبع بعض العناصر المنتمية لتلك المجموعات، ولكنها لا تصل إلى كل أفرادها التي قد تستقوي بمجموعات إجرامية وفوضوية تسهم في إنهيار الدولة، لتمثل البلاك بلوك تحولا في مسار المعارضة الثورية في مصر.
رد مع اقتباس
  #22  
قديم 30-04-2013, 08:54 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

ثورات صغيرة:
أبعاد وتداعيات موجة الاحتجاجات الفئوية في مصر



محمد عبد الله يونس

ارتبط تصاعد وتيرة الحراك الاجتماعي في دول الإقليم بموجة عاتية من الاحتجاجات الفئوية لا تستهدف إسقاط النظم الحاكمة بقدر ما تمثل ثورة على مؤسسات الدولة مع احتدام التناقضات بين المطالب المجتمعية المتصاعدة والقدرات الاستيعابية المحدودة لتلك المؤسسات، في خضم أزمات تخصيص الموارد، وتوزيع المنافع الاجتماعية، واستنزاف الموازنة العامة

، وفي هذا الصدد لم يكن الحراك الاجتماعي مقصورًا على دول الربيع العربي؛ إذ شمل دولا عديدة، لا سيما الكويت والمغرب مع ارتفاع معدلات التضخم، والأردن والضفة الغربية عقب رفع أسعار الوقود، بيد أن موجةً جديدةً من الاحتجاج الاجتماعي قد تفجرت في مصر في الآونة الأخيرة، بما يثير تساؤلات متعددة حول خصائصها وأسبابها كبادرة لظاهرة إقليمية صاعدة، وإلى أي مدى يمكن للنظام الحاكم احتواؤها.

خصائص موجة الاحتجاجات الفئوية

تتشابه موجة الحراك الشعبي الأخيرة مع مقدمات الثورات العربية؛ إلا أن تركيزها ينصب على مطالب اجتماعية واقتصادية كنتاج لعقود من اختلال التوازن الاجتماعي، وانسداد الأفق، والتهميش، بما أدى إلى فوران مجتمعي في ظل سياق سياسي مواتٍ عقب زوال القيود السلطوية، وفي هذا الإطار تمثلت الخصائص العامة لموجة الاحتجاجات الفئوية فيما يلي:

1- اتساع النطاق: حيث شهدت مختلف القطاعات الحكومية والأهلية والخاصة في الآونة الأخيرة احتجاجات فئوية بدرجات متفاوتة، بداية من اعتصام المضيفين الجويين في مطار القاهرة، وتعطيل حركة الملاحة الجوية في 7 سبتمبر الجاري، مرورًا بإضراب موظفي الجامعات المصرية في 15 سبتمبر، بالتوازي مع إضراب واسع النطاق في هيئة النقل العام في العاصمة، وإضراب أوسع نطاقًا للمعلمين في المدارس الحكومية، واعتصام بعضهم أمام مبنى مجلس الوزراء، وانتهاء بإضراب سائقي الأجرة، وموظفي وزارة الآثار في 17 سبتمبر، واعتصام طلاب وأساتذة جامعة النيل احتجاجًا على نزع ملكيتها.

2- سرعة الانتشار: يأتي السكون المرحلي في الاحتجاجات الفئوية متبوعًا بانفجارها بصورة أكثر حدة؛ حيث رصد المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في إحصائية صادرة في 20 سبتمبر تصاعد عدد الاحتجاجات خلال الفترة المنقضية من شهر سبتمبر إلى 300 نشاط احتجاجي في أعلى معدل منذ بداية العام الحالي، وامتدت الاحتجاجات إلى قطاعات سيادية مثل احتجاج ضباط الصف بالقوات المسلحة، وقطعهم الطريق الدائري في 12 سبتمبر، واعتصام مجندي سجن قنا، واحتجاج العاملين بهيئة الطاقة الذرية بمفاعل أنشاص والعاملين بالمصانع الحربية في 16 سبتمبر الجاري.

3- التركز في القطاع الحكومي والحضر: تركزت غالبية الاحتجاجات الفئوية في القطاعين الحكومي والأهلي في النصف الأول من شهر سبتمبر نتيجة اتساع نطاق المطالب الاقتصادية والاجتماعية مع امتداد الاحتجاجات إلى قطاعات جديدة مثل طلاب الجامعات الخاصة الرافضين لرفع المصروفات وملاك سيارات الأجرة المعترضين على دفع مخالفات المرور.

وعلى مستوى التوزيع الجغرافي فإن محافظة القاهرة ومحيطها الجغرافي شهدت العدد الأكبر من الأنشطة الاحتجاجية، تليها المحافظات الحضرية؛ غير أن ذلك لم يمنع امتداد آثارها وبصورة متفاوتة في الكثافة والحدة إلى محافظات أخرى.
4- تصاعد احتمالات العـنف: انعكس الاحتقان الاجتماعي وإحباط ثورة التوقعات الثورية في تصاعد وتيرة العـنف الذي يتخلل الاحتجاجات الفئوية، فإحصاءات وزارة الداخلية الصادرة في 21 سبتمبر الجاري أكدت تصاعد أعمال العـنف الاحتجاجي خلال 48 يوما مضت إلى 80 حالة قطع طرق، و60 حالة تعطيل سكك حديدية، والقبض على 642 من مثيري الشغب الاحتجاجي، واتضحت مؤشرات العـنف في تهديد المعتصمين بإحراق شركة بتروجيت، واقتحام وزارة الزراعة من جانب العمال المؤقتين، وإغلاق بعض الجامعات من قبل المعتصمين والاشتباك مع الأمن.

أسباب تصاعد الاحتجاجات الفئوية

ترتبط الموجة الاحتجاجية المتصاعدة في مصر بمطالب ثابتة من مختلف القطاعات تتمثل في تعديل جداول الأجور والعوائد المالية، وتثبيت العمالة المؤقتة، وتعيين بعض الكوادر، وتطهير المؤسسات من قيادات النظام السابق، بيد أن الأسباب الرئيسية الدافعة للاحتجاجات تمثلت فيما يلي:

1- تردي أداء الاقتصاد: تؤكد مختلف المؤشرات الاقتصادية أن الاقتصاد المصري يمر بمرحلة عصيبة في الفترة الأخيرة؛ حيث ارتفع عجز الميزان التجاري بنسبة 47.9% خلال العام الجاري، وتراجع معدل نمو الاقتصاد المصري إلى 2.2%، مع تصاعد معدلات البطالة بنسبة 13%، ومعدلات التضخم بنسبة 9%، وارتفاع عجز الموازنة العامة إلى 170 مليار جنيه بنسبة 25% بما أدى إلى تراجع قيمة الجنيه المصري إلى أدنى مستوياته منذ 7 سنوات.

2- إعادة الهيكلة الاقتصادية: أدى اتجاه الحكومة المصرية لاقتراض 4.8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لطرح برنامج لإعادة الهيكلة الاقتصادية، وتقليص الإنفاق الحكومي، بما أدى إلى ارتفاع مفاجئ في الأسعار، وخاصة أسعار الوقود والسلع الغذائية بنسب تتراوح بين 15% و45% و120%، وارتبط ذلك بأزمات نقص في مختلف السلع الحيوية في ظل تأخر وفاء الرئيس مرسي بتعهدات برنامجه الانتخابي في أول مائة يوم بالرئاسة، لا سيما القضاء على أزمات المرور والطاقة وارتفاع الأسعار.

3- استغلال السياق السياسي: ارتبط امتداد المرحلة الانتقالية وعدم حسم معادلات السلطة بإقرار الدستور، وتأجيل إجراء الانتخابات البرلمانية بإدراك المواطنين لوجود فرصة سياسية مرتبطة بإعادة صياغة العقد الاجتماعي الحاكم لعلاقة الدولة بالمجتمع وسقوط القيود السلطوية والاستجابة الحكومية للاحتجاجات الفئوية على مدار المرحلة الانتقالية، بما شجع قطاعات أخرى في الانخراط بالحراك الشعبي حتى لا تتعرض للتهميش أو الغبن الاجتماعي في ظل ثورة الآمال والتوقعات كأحد خصائص حالة اليوتوبية الثورية المسيطرة على المجتمع.

4- الاستقطاب السياسي: انعكس احتدام التناقضات السياسية بين التيارات المدنية المعارضة ونظيرتها الإسلامية قبيل الانتخابات التشريعية في دعم أنشطة الاحتجاج الاجتماعي، والتنديد باستخدام القوة في التصدي لها، فاحتجاجات الموظفين في بعض الجامعات ارتبطت بتحفيز الاشتراكيين الثوريين والحزب الشيوعي، كما شارك الحزب الاشتراكي المصري في تنظيم احتجاجات الفلاحين بالنوبارية، واعترضت مختلف الأحزاب المدنية على فض اعتصام جامعة النيل بالقوة، وفي السياق ذاته فإن الحراك النقابي يُعد أحد محفزات تصاعد الاحتجاجات الفئوية، فالنقابة المستقلة للمعلمين تقود تنظيم الإضرابات المتوالية، وعلى النهج ذاته تقوم جمعية "أطباء بلا حقوق" بتنسيق الإضرابات الجزئية للضغط على الحكومة لتعديل هياكل الأجور.

مستويات تأثير الاحتجاجات الفئوية

أدى تصاعد وتيرة الاحتجاجات الفئوية إلى استنزاف موارد مؤسسات الدولة وعجزها عن أداء وظائفها، فاعتصام المضيفين الجويين بمطار القاهرة ترتب عليه خسائر تقدر بحوالي 50 مليون جنيه، فضلا عن أن الاستجابة الحكومية المتتالية لمطالب رفع الأجور أدت إلى تصاعد الإنفاق الحكومي إلى 533 مليار جنيه مع ارتفاع الرواتب في الموازنة إلى 136 مليار جنيه بنسبة 25% بما ترتب عليه ارتفاع عجز الموازنة، وتراجع قيمة الجنيه المصري، وتأزم أوضاع الاقتصاد.

وإدراكًا لخطورة الاحتجاجات الفئوية وتقويضها ركائز مؤسسات الدولة، تغير نهج الحكومة في التعامل معها، وهو ما بدت مؤشراته في استخدام القوة لفض خمسة اعتصامات يوم 17 سبتمبر، أهمها اعتصام سائقي النقل العام في المظلات، وطلاب جامعة النيل والمعلمين أمام مقر رئاسة الوزراء، بينما تمثلت الآلية الثانية في تجاهل الاحتجاجات الفئوية، ورفض الاستجابة لها، وهو ما بدا في رفض وزير المالية تحمل أي زيادة جديدة في رواتب المعلمين؛ إلا أن التسويات المؤقتة الآنية لا تزال النهج المسيطر على أداء الحكومة، وخاصة الوعود بدراسة المطالب، والتفاوض بشأنها.

وإجمالا تحكم سيناريوهات عديدة مآلات الاحتجاجات الفئوية في مصر. أولها يتمثل في الاستمرار في نهج الاستجابة الجزئية والحلول المؤقتة بما سيؤدي إلى مزيدٍ من العجز المالي، وتفجر مزيد من الاحتجاجات. وثانيها يتمثل في تجاهل الاحتجاجات بما سيؤدي إلى تحولها نحو ال***، وربما موجة ثورية جديدة. ويتمثل السيناريو الثالث في استخدام ال***، وعودة القيود السلطوية، بما سيحقق استقرارا هشًّا يُنذر بتفجر جديد للأوضاع. أما السيناريو الرابع والأمثل فيتمثل في حشد قطاعات المجتمع خلف برنامج تنموي واضح يتضمن تسوية كاملة للمطالب المجتمعية، ومد قنوات فعالة لاستقبال مطالب المحتجين، والتعامل معها بكفاءة.
رد مع اقتباس
  #23  
قديم 30-04-2013, 01:39 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

مقاتلو الشوارع:
استشراء العـنف والتحولات النفسية للمجتمع المصري



السفير د.عزمي خليفة

جرمت الديانات السماوية والمواثيق الدولية العـنف والتـعذيب، فالوصايا العشر التي نزلت على نبي الله موسى عليه السلام حرمت العـنف والإيذاء صراحة، وقد ظلت هذه الوصايا العشر جوهرًا للمسيحية ثم الإسلام فيما بعد، كذلك حرمت المواثيق الدولية في أعقاب الحرب العالمية الثانية التعـذيب والعـنف. فقد اهتم ميثاق الأمم المتحدة بالتركيز على تحريم الحروب، والتأكيد على أهمية حل المشكلات الدولية بالطرق الودية عن طريق التفاوض والتحكيم والتوفيق، مؤكدًا إقامة العلاقات الدولية وفق الطرق السلمية، واستكمل الميثاق هذه الأساليب الودية باتفاقات جنيف الأربعة عام 1948 الخاصة بتنظيم العلاقات بين الدول المتحاربة، والتي نظمت معاملة الأسرى والجرحى وتبادلهم، فكانت هذه الاتفاقات نقلة موضوعية في مجال العلاقات الدولية بتقنينها حقوقًا لهم ينبغي تمتعهم بها، والتزامات على الدول تجاههم ينبغي عليها التقيد بها.

وفي منتصف السبعينيات من القرن العشرين، ومع تطور وسائل الإعلام -وخاصة المرئية منها- تطورت العلاقات الدولية مرة أخرى لتجعل من حقوق الإنسان مجالا من مجالات اهتماماتها، بعد أن كان هذا الحقل من الاختصاصات الداخلية للدول نتيجة خضوع العلاقة بين الدولة ومواطنيها لمبدأ السيادة، واشتد الجدل بين الولايات المتحدة من جانب والاتحاد السوفيتي من جانب آخر بشأن أسلوب التعامل مع المنشق السوفيتي حينذاك سولجـنستين إلا أنه وبدءًا من منتصف التسعينيات تأكد أن حقوق الإنسان موضوعٌ عالميٌّ، وبخاصة بعد بلورة القانون الإنساني، وتطوير مواثيق الأمم المتحدة بشأن المرأة والطفل، وحقوق الإنسان عامة، وقيدت بالفعل سيادة الدولة على مواطنيها، وأضحى الفرد -إلى جانب الدولة- أساسًا لتحليل العلاقات الدولية.

ولم تكن مصر بعيدة عن هذه التطورات، خاصة وأنها عانت في حروبها مع إسرائيل من عدم تقيد الأخيرة بالمواثيق والاتفاقيات الدولية فيما يتعلق بمعاملة الأسرى والجرحى، وفيما يتعلق باستهدافها أهدافًا مدنية كالمصانع والمدن والمدارس، وبخاصة خلال حرب الاستنزاف وخلال حرب 1973 وبعدها مباشرة.كذلك من المهم الإشارة إلى أنه بالرغم من تطور الفقه الدولي تطورًا كبيرًا في مختلف الميادين تقريبًا خلال العقد الأخير من القرن العشرين، والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ فإن القضاء الدولي كان معدل تطوره أقل بكثير من تطور الفقة الدولي، مما ساهم في إيجاد فجوة بين النظريات والأفكار والمبادئ التي تقوم عليها هذه المواثيق خاصة والعلاقات الدولية عامة وبين الأدوات اللازمة لتحقيق المُثُل العليا التي يستهدفها النظام العالمي، وهو اتجاه امتد أيضًا للفقه والقضاء الداخلي في كل دولة على حدة، في مرحلة اتسمت بالتغييرات السريعة عادة والمتناقضة أحيانًا مما ساهم في ترتيب نتائج غير متوقعة في كثير من الحالات في العديد من الدول والمجتمعات.

نتائج عير متوقعة

إحدى هذه النتائج غير المتوقعة التي شملت العديد من المجتمعات ومنها المجتمع المصري هي تعرضه لحالة من العـنف غير المبرر، التي أدت بدورها إلى حالة من الاكتئاب الجماعي، خاصة وأنه مجتمع يلعب الدين فيه دورًا محوريًّا منذ قديم الأزل، بكل ما تعكسه الأديان من قيم تحض على الاعتراف بالآخر، وحرية العقيدة، وحرية التفكير، واحترام النفس البشرية التي كرمها الله بحملها الأمانة، وهي قيم تتعارض جذريًّا مع العـنف والاكتئاب.

وقد بدأت موجة العـنف هذه على استحياء بظهور جرائم بشعة في عقد التسعينيات، إلا أن معدل تكرار هذه الجرائم آخذ في التزايد، وقد ربط باحثون بين زيادة المعدل من ناحية وتزايد معدل البطالة والفقر في المجتمع المصري من ناحية أخرى، كما ربط باحثون آخرون بين انتشار هذه الجرائم والتدين الشكلي الناتج عن عملية تديين الدولة نفسها وليس الأفراد، إلا أن ثورة 25 يناير 2011 جاءت خلافًا لكل التوقعات التي تنبأت بثورة جياع عنيفة، فإذا بالثورة هادئة وسلمية، ويقودها شباب متعلم يتقن استخدام تكنولوجيا العصر، الا أنه منذ انتخابات الرئاسة عادت موجة ال*** للظهور في المجتمع المصري مرة أخرى.

سمات العـنف في مصر

هذه الموجة الحالية للعـنف في تصاعد مستمر بحكم مؤشرات كمية ونوعية عديدة، غير أنها تتسم بسمات ينبغي أخذها في الاعتبار، ولعل أهم هذه السمات:

أولا: أنها موجة ضد مؤسسات في الدولة أو تيار سياسي بعينه أو مدن كاملة، ولم يعد العـنف موجهًا ضد أفراد، ولكنه أضحى عـنفا جماعيًّا. فقد لاحظنا محاصرة المحكمة الدستورية، ومدينة الإنتاج الإعلامي، ومكتب النائب العام الجديد، ومحاولة إحراق دور بعض الصحف، ومقار بعض الأحزاب السياسية، وبعض مؤسسات الدولة، كما استمر استخدام العـنف كوسيلة لفض التظاهرات والاعتصامات، إلى درجة أنه ميز العلاقة بين الشرطة والشعب عامة، وتجسد هذا بصفة خاصة في العلاقة بينها وبين سكان بعض المدن والمحافظات في مصر مثل بورسعيد والدقهلية والغربية والسويس والإسماعيلية.

ثانيًا: أن هذه الموجة من العـنف أضحت أكثر علنية من سابقيها، مما يدل على تحولات نفسية لتعايش المجتمع المصري مع العـنف، وتراجع دور المعايير، فالملاحظ أن ممارسة العـنف فيما مضى كانت تتسم بالسرية والإنكار، فحتى في حالات ضبط إنسان متلبسًا بارتكاب أي جريمة حتى ولو كانت تمس أمن الوطن الذي يعد بمثابة قدس الأقداس في المجتمع المصري كان يتم إلقاء القبض على مرتكبي الجرائم في هدوء، كما أن من كان يمارس العـنف ضد بعض المواطنين تعوّد أن يتم ذلك في سرية تامة، إلا أن الجديد في الأمر أن ممارسة التعـذيب والعـنف يتم علانية، بل ويتم بث هذه الممارسات على الهواء مباشرة مثل إلقاء زجاجات المولوتوف على بعض المؤسسات أو إحراقها بالفعل، وكذلك مشاهد سحل بعض الأشخاص، وتجريدهم من ملابسهم، ومشاهد الاعتداء بمختلف درجاته على المواطنين لفض اعتصاماتهم، والغريب أن المعتدين أصبحوا معروفين جيدًا لبعض المواطنين وأحيانًا بالاسم لبعض الجهات الأمنية والإعلامية، ولم يتم التعامل أمنيًّا وقضائيًّا مع هذه العناصر.

ثالثًا: أن عددًا من أحداث العـنف التي تعرض لها المجتمع المصري لا يمكن فهمها أو تفسيرها في ضوء تسلسل الوقائع المرتبطة بها، وهو ما يؤكد استقلالية العـنف عن التطور السياسي نتيجة تعايش المجتمع معه، فعلى سبيل المثال قضية إحراق مبنى اتحاد كرة القدم ونادي الشرطة بالجزيرة، فقد ذكرت العديد من وسائل الإعلام أن من ارتكب هذه الأعمال هم ألتراس النادي الأهلي احتجاجًا على باقي أحكام أحداث استاد بورسعيد، إلا أن الألتراس كان قد عبر عن ترحيبه وتقبله لهذه الأحكام فور سماعه منطوق الحكم، فكيف نفهم هذا التفسير في ضوء هذه المعطيات؟.
كذلك ما حدث خلال إحراق المجمع العلمي وما صاحبه من أحداث عـنف في شارع محمد محمود ومجلس الوزراء، فقد ثبت أن من قام بها بعض الخارجين على القانون، وبالرغم من ترديد أسماء بعض من قاموا بهذه الأعمال إلا أنه لم يلق القبض على أي منهم.

رابعًا: ظهور جيل من مقاتلي الشوارع الذين يمارسون العـنف علانية في المجتمع في ظل غياب مختلف المعايير، وهو جيل يشمل فئتين، الفئة الأولى تتكون من المهمشين المحبطين، وهم أساسًا من أطفال الشوارع الذين وصلوا إلى سن الشباب دون أن يطرأ على حياتهم أي تغيير بخلاف تحولها نحو الأسوأ، ومن ثمَّ فهم فئة تغيب عنها المرجعية الاجتماعية (الأسرة)، والمرجعية الدينية، والمرجعية السياسية، وليس لهم عائل ولا مصدر رزق ولا أسرة، وبالتالي تفتقد إلى مختلف المعايير، أما الفئة الثانية فتتكون من شباب بعض التيارات السياسية ذات المرجعية الدينية، والذين برز دورهم خلال الاحتجاجات الأخيرة، ويسعون إلى فرض أمر واقع يتخطى القانون والدستور مثل أولاد أبو إسماعيل، أو اللجان الشعبية التي تسعى بعض التيارات الدينية من وراء تكوينها إلى بناء قوات أمن موازية للشرطة، وتابعة لها، على غرار الحرس الثوري الإيراني الذي تفوق على القوات الرسمية بالدولة الإيرانية والشباب الذي يسعى إلى فرض التوجهات الدينية وفقًا لمنظوره الخاص.

وهنا قد يكون من المناسب الإشارة إلى أن المهمشين المحبطين فاقدي المعايير المشار إليهم سابقًا لن يتوقفوا عن الاستمرار في دورهم الحالي مستقبلا بغض النظر عن الانتماء السياسي للحاكم في مصر، وبغض النظر عن نجاح الحكومة في تحقيق إنجازات ملموسة أم لا، لأن ما يقومون به قد حقق لهم كينونة افتقدوها طوال حياتهم، كما أن ما يقومون به اليوم في ظل الفوضى التي تعم الدولة المصرية قد أصبح مهنتهم التي توفر لهم دخلا لم يسبق لهم الحصول عليه.

والخلاصة، أن هذه الموجة الممتدة من العـنف قد أدت إلى تحولات في المجتمع المصري لا يتطلب علاجها سياسات أمنية وفقًا لما تقوم به الحكومات المصرية خلال السنوات العشر الماضية، بقدر ما يتطلب اتخاذ إجراءات سياسية واجتماعية واقتصادية أكثر انحيازًا للفقراء والفئات المهمشة والمحبطة، مع ضرورة البحث عن حلول إبداعية تخفف من وطأة الحياة على هذه الفئات، وذلك على غرار ما فكر فيه الراحل العظيم وجيه أباظة حينما تولى منصب محافظ البحيرة، ولاحظ ارتفاع نسبة المشردين بها، فكون بهم فرقة البحيرة للفنون الشعبية التي جابت العالم لعرض رقصاتها، فلم تعد التنمية الاقتصادية وفقًا للمؤشرات الكلية مثل معدل النمو السنوي كافية لتحقيق الاستقرار السياسي في المجتمع، فالأهم السياسات التوزيعية القادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية لمختلف فئات وقطاعات المجتمع.

فمن المؤكد أن مصر حققت مؤشرات مالية جيدة في عهد الرئيس السابق مبارك، فوصل معدل النمو السنوي إلى 7 في المائة، كما أن الدين الخارجي انخفض بنسبة 50 في المائة في أعقاب حرب تحرير الكويت فوصل إلى 22 مليار دولار، ووصل الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى حوالي 45 مليار دولار، وبالرغم من ذلك كانت سياساته التوزيعية أكثر انحيازًا لفئة محدودة من أثرياء المجتمع، فلم تحقق العدالة الاجتماعية التي كانت أحد أسباب قيام ثورة 25 يناير التي استثمرتها التيارات الدينية للوصول إلى السلطة، وعجزت التيارات المدنية القائمة عن حمايتها، وما زال الشباب يسعى لحمايتها في إصرار يستحق التقدير والاحترام، وهذا أضعف الإيمان.

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 30-04-2013 الساعة 01:46 PM
رد مع اقتباس
  #24  
قديم 30-04-2013, 11:16 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

الأفول التدريجي:
تراجع تأثير الحركات الشبابية الثورية في الدول العربية



أحمد زكريا الباسوسي

فرضت موجات المد الثوري التي اجتاحت العديد من الدول العربية تداعيات سياسية واجتماعية كبرى على أوضاعها الداخلية، ولعل أكثرها أهمية ظهور شريحة ثورية جديدة تتكون بالأساس من القوى الشبابية التي رفضت السياسات السلطوية للأنظمة الحاكمة خلال مراحل ما قبل الثورات الشعبية، وما زالت تطالب بالمضي قدمًا نحو تغيير هياكل السلطة القائمة، وترسيخ الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وتمكين المجتمع المدني وتمثيل الفئات المهمشة؛ إلا أن تلك الحركات الشبابية تواجه في الوقت الحالي تحديات عديدة، ساهمت بشكل كبير في أفولها وانحسار نطاق تأثيراتها.

مؤشرات التراجع

شهد أداء الحركات الشبابية في المنطقة العربية تراجعًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة عما كان عليه في بداية موجات المد الثوري، وتتمثل أبرز مؤشرات هذا التراجع فيما يلي:

1- تلاشي التأثير في قيادة المعارضة السياسية المنظمة لصالح القوى السياسية التقليدية، ففي مصر، قادت "جبهة الإنقاذ الوطني"، والتي تشكلت في أواخر نوفمبر الفائت بمبادرة من الدكتور محمد البرادعي وحمدين صباحي وعمرو موسى، والذين يمثلون القوى التقليدية، المعارضة ضد الرئيس محمد مرسي على إثر إصداره الإعلان الدستوري ودعوته للاستفتاء على مسودة الدستور، في الوقت الذي غابت فيه الحركات الشبابية، لا سيما حركة "6 أبريل" وائتلافات شباب الثورة عن المشهد السياسي.

2- تراجع الدور في تنظيم التظاهرات والاحتجاجات، ففي الأردن، خرجت حركة "24 مارس" عن قيادة المشهد الاحتجاجي، في مقابل تصاعد دور جبهة الإصلاح وجماعة الإخوان المسلمين اللتين تمثلان التيارات التقليدية، لا سيما مع اتساع وتيرة الاحتجاجات على خلفية ارتفاع أسعار المحروقات في 12 نوفمبر الفائت.

3- التعرض للتهميش من قبل النظم السياسية، وهو ما يبدو جليًّا في محاولة إقصاء التنظيمات الشبابية من الحوار المزمع إجراؤه في أوائل يناير 2013 في اليمن، وذلك من خلال الدعوة لتمثيلهم كجزء من كياناتهم السياسية، وليس بصفتهم حركات ساهمت في الحراك الثوري الذي أطاح بالرئيس السابق على عبد الله صالح، إلى جانب استبعاد حركة "24 مارس" الأردنية من المفاوضات التي تُجرى بين النظام وقوى المعارضة عقب اندلاع احتجاجات رفع الأسعار.

أسباب الأفول

وثمة عوامل عديدة تفسر أفول الحركات الشبابية الثورية، تنقسم إلى نوعين: الأول، يرتبط بالهياكل والبنى المؤسسية الداخلية لتلك الحركات، ويمكن تناولها على النحو التالي:

1- الانقسامات الداخلية، حيث شهدت بعض تلك الحركات الشبابية حالات انقسام عديدة، تعتبر أكثرها وضوحًا حركة "6 إبريل" في مصر، والتي انقسمت إلى جبهتين هما "جبهة أحمد ماهر" و"الجبهة الديمقراطية"، ما أضعف الحركة بشكل كبير، ونال من قدرتها على التأثير السياسي والاجتماعي، وحركة "20 فبراير" في المغرب والتي تتعرض للانحسار بسبب انسحاب عدد كبير من أعضاء الحركة الذي ينتمون لجماعة العدل والإحسان ذات التوجهات الإسلامية.

2- التباينات الأيديولوجية والفكرية، والتي انعكست بوضوح داخل حركة "20 فبراير" المغربية، والتي تضم أعضاء من اليسار الراديكالي والتيار السلفي وجماعة العدل والإحسان.

3- ضعف القدرات التنظيمية، إذ إن غالبية تلك الحركات تفتقد الخبرة السياسية والاقتصادية، والهياكل التنظيمية المحددة والملزمة بشكل واضح لأعضائها.

4- الحل الذاتي للكيانات السياسية، حيث قامت بعض تلك الحركات الشبابية بحل نفسها، مثل "اتحاد شباب الثورة" في مصر، والذي كان يضم ممثلين عن التيارات السياسية الليبرالية والإسلامية واليسارية والقومية.

أما النوع الثاني، فيتصل بالعلاقة بين هذه الحركات والنظم السياسية التي تسعى بشكل مباشر إلى عرقلة مسيرتها، حيث تستخدم الأخيرة آليات عديدة لتحقيق ذلك مثل:

1- الملاحقة والتضييق، إذ عانت تلك الحركات من محاولات استهداف، مثل حركة "20 فبراير" المغربية، التي يتعرض بعض أعضائها للاعتقال، أو السجن، أو الغرامة.

2- الاحتواء والاستيعاب، وهو ما حدث بالفعل في الحالة المصرية تحديدًا، لا سيما مع حركة "6 إبريل - جبهة أحمد ماهر"، والتي بدأ موقفها يتغير بشكل كبير نحو جماعة الإخوان المسلمين، خصوصا بعد ضم أحمد ماهر ذاته للجمعية التأسيسية لصياغة الدستور.

3- الاستبعاد وعدم الدمج في الكيانات الحزبية المنظمة، فعلى الرغم من الدور الفعّال الذي تمارسه تلك الحركات الشبابية ضد الفساد والاستبداد، فإن القوى التقليدية التي وصلت إلى الحكم سعت إلى تحجيمها، ما أدى إلى انحسار دورها داخل مؤسسات الدولة.

4- تشويه السمعة والاتهام بالتمويل الخارجي، حيث قامت السلطات الرسمية بعملية تشويه ممنهجة لتلك الحركات، وهو ما حدث مع حركة "6 إبريل" في مصر، والتي اتُهمت قياداتها بتلقي تمويلات خارجية من الولايات المتحدة وصربيا، وحركة "14 فبراير" في البحرين، والتي اتُهمت بالحصول على أموال من إيران، بل وصل الأمر إلى حد اتهامها بالإرهاب ومحاولة قلب نظام الحكم، وحركة "20 فبراير" المغربية التي وُصفت بأنها عميلة لقوى خارجية لا سيما إسبانيا والجزائر ومرتزقة البوليساريو.

والخلاصة، أن تعثر المراحل الانتقالية في مختلف الدول العربية ساهم بشكل واضح في إحداث خلل كبير في خريطة القوى السياسية الداخلية، وبما أن الحركات الشبابية الثورية كانت إحدى إفرازات المد الثوري، فقد طالها هي الأخرى هذا التعثر، مما حجّم من قدرتها وساعد بشكل كبير على أفولها وانحسار نطاق تأثيرها. ولعل عودة هذه الحركات للصعود يرتبط بمحددات رئيسية ثلاث: أولها، إعادة بناء هياكلها التنظيمية بما يخولها القدرة على المنافسة والتأثير في البيئة السياسية الناشئة. وثانيها، تطوير رؤية واضحة إزاء المشهد السياسي في إطار الدمج بين منهجين هما المنهج الثوري والعملية التفاوضية السياسية عبر المشاركة في مؤسسات الدولة الرسمية، إضافة إلى ممارسة دور نشط في عمليات الحوار الوطني والمجتمعي التي تُجرى في العديد من دول الإقليم. وثالثها، توعية الرأي العام الداخلي بمحاولات التشويه الممنهج التي تعرضت لها، وذلك عبر الكشف عن مصادر تمويلها وبرامجها السياسية وأطروحاتها الاجتماعية للمرحلة المقبلة.
رد مع اقتباس
  #25  
قديم 01-05-2013, 12:03 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

المحور الرابع: تداعيات صعود الإسلام السياسي

صراع مفتوح:
التداعيات السياسية للخلافات بين التيارات السلفية في مصر



علي بكر
باحث في شئون الجماعات الإسلامية

تشهد الساحة السياسية المصرية حالةً من الاحتقان الشديد بين الدعوة السلفية بالإسكندرية وجناحها السياسي حزب النور، وبين جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة، على خلفية الأزمة التي نشبت إثر إقالة خالد علم الدين (القيادي بحزب النور السلفي) من منصب مستشار رئيس الجمهورية، لأسباب تتعلق باستغلال نفوذه، كما ذكرت مؤسسة الرئاسة، وهي الأزمة التي رأت قوى سياسية وإسلامية، أنها ستلقي بظلالها على الانتخابات البرلمانية المقبلة، بعد أن ضرب الانشقاق أكبر حزبين إسلاميين في مصر.

وبناءً على الخلافات السابقة، شهدت الساحة خلافات كبيرة في صفوف التيار السلفي، بسبب تأييد سلفية القاهرة أو ما يطلق عليها اسم "السلفية الحركية" للرئيس مرسي ولجماعة الإخوان المسلمين، وانتقادهم اللاذع للدعوة السلفية بالإسكندرية، واتهامهم بأنهم يعوقون المشروع الإسلامي، وأنهم يتعاونون مع القوى السياسية العلمانية المعادية للمشروع الإسلامي "القوى المدنية"، أكثر من تعاونهم مع الإسلاميين.

ومن بين كل التيارات السلفية الموجودة على الساحة تمثل الدعوة السلفية بالإسكندرية حالة خاصة ونموذجًا متفردًا، لأنها تجمع بين عدد من السمات التي قلما توجد في تيار سلفي آخر في المظلة السلفية، من التمسك بالنهج السلفي وأصوله الثابتة، وعدم تسرب أي أفكار دخيلة على الفكر السلفي مثل تكفير الحاكم والخروج عليه (وهو ما يوجد لدى السلفية الحركية)، وكذلك حرصها على نشر العلم الشرعي على أوسع نطاق، وهي السمة البارزة لأي تيار سلفي.

يضاف إلى ذلك احتراف العمل الخدمي على نطاق واسع، وهو ما أوجد قاعدة شعبية قوية لها في الإسكندرية ومحافظات الدلتا، إضافة إلى استخدامها طرقًا دعوية غير تقليدية، وهو ما جعلها منافسًا قويًّا لجماعة الإخوان المسلمين.

صراع على جبهتين

وتتصارع الدعوة السلفية الآن على جبهتين متحالفتين، هما الإخوان المسلمون والسلفية الحركية بالقاهرة، ولكل طرف من الطرفين خلافاته الخاصة والقديمة مع الدعوة السلفية. بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، فالخلافات بين الطرفين، خلافات فكرية وسياسية، حيث إن الدعوة السلفية لم ولن ترضى يومًا عن الفكر الإخواني الذي رفضت الانصياع له على مدار 40 عامًا، وظلت عصية عليه رغم كل المحاولات المستميتة من جماعة الإخوان لإدخال الدعوة السلفية تحت عباءتها، ورفض الدعوة السلفية لهذا الأمر، لأنها ترى أن الفكر الإخواني فكر يميع القضايا الدينية، وأن الإخوان يأكلون الدنيا باسم الدين.

يضاف إلى ذلك أنه عقب الثورة المصرية، ووصول الإخوان إلى سدة الحكم في مصر، تخوف التيار السلفي بشدة من هذا الصعود، لأنه يعلم أن الإخوان سيسعون جاهدين إلى أخونة الدولة، ثم مع مرور الوقت القضاء على كل التيارات الإسلامية الموجودة على الساحة، لأن فكر الحركات الإسلامية بطبيعته فكر إقصائي، يرفض الآخر، ولا يقبل التنوع، وبالتالي فالدعوة السلفية تخشى على نفسها وعلى دعوتها وفكرها من الإخوان المسلمين، فضلا عن تلك الرغبة القوية لدى حزب النور لمنافسة الإخوان المسلمين على السلطة، والجلوس مكانهم على سدة الحكم، حيث يرون أنهم الأجدر بالحكم من جماعة الإخوان المسلمين، لأنهم يمثلون التيار السلفي التقليدي، وهو التيار الأكبر والأوسع في البلاد.

أما بالنسبة لخلاف الدعوة السلفية مع السلفية الحركية، فهو خلاف فكري بشكل أساسي، حيث إن السلفية الحركية قد تتبنى بعض المفاهيم (مثل تكفير الحاكم وجواز الخروج عليه)، التي كانت تتبناها بعض التيارات الجهادية مثل الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد قبل المراجعات الفكرية، وهذه الأفكار تخالف النهج السلفي الصحيح، وهي بذلك تكون خرجت عن النهج السلفي التقليدي، وأصبحت أقرب إلى النهج الجهادي، الأمر الذي اضطر الدعوة السلفية بالإسكندرية إلى مهاجمة فكر السلفية الحركية، وتحذير الناس منه، وهو ما أدى إلى اشتعال معارك فكرية ضارية بين الطرفين، لم تهدأ إلا عقب الثورة المصرية، حتى نشب الخلاف بين الدعوة السلفية والإخوان، لتقف السلفية الحركية إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين، وتدعمهم ضد كل معارضيهم، وعلى رأسهم الدعوة السلفية، بحجة الدفاع عن المشروع الإسلامي الذي تتبناه جماعة الإخوان المسلمين، (متناسين كل المآخذ والانتقادات التي كانوا يوجهونها إلى جماعة الإخوان المسلمين في الماضي، ومنها اتهامهم بأنهم متخاذلون ومتعاونون مع نظام مبارك، وأنهم يقدمون المصلحة على الدين)، الأمر الذي فجر الخلاف القديم بين أبناء التيار السلفي، حيث وجدت السلفية الحركية الفرصة لرد الصفعات للدعوة السلفية التي كانت تعطيها لها طوال الفترة الماضية.

تداعيات معارك الدعوة السلفية الخلافية:

مما لا شك فيه أن المعركة التي يخوضها حزب النور السلفي ضد الإخوان المسلمين والسلفية الحركية، سوف يكون لها عدد من التداعيات الهامة، ومنها:

- الخلاف مع جماعة الإخوان المسلمين جعل للدعوة السلفية مكانة خاصة في الشارع، وعند باقي فصائل المعارضة، من دون باقي فصائل التيار السلفي، ليعلم الجميع أنها المنافس الأكبر في صفوف الحركة الإسلامية للإخوان المسلمين، ولكن في الوقت نفسه إذا ما استقرت الأمور لجماعة الإخوان المسلمين في حكم البلاد، فسوف يكون أول من يعصف به الإخوان هو الدعوة السلفية قبل أي فصيل آخر في الحركة الإسلامية.

- أما بالنسبة للخلاف مع السلفية الحركية، فإنها بلا شك سوف تزيد من الانقسامات داخل البيت السلفي الذي أصبح يعاني أصلا من التصدعات المتتالية، حيث ستنقسم فصائل التيار السلفي بين مؤيد ومعارض للدعوة السلفية، وبالتالي الاتجاه نحو مزيد من الانقسام، خاصة وأن هناك العديد من القادة السلفيين كانوا يحذرون من الدخول إلى العملية السياسية، والاكتفاء بالعمل الدعوي فقط لأنه المهنة الأساسية لكل التيارات السلفية، كما أن من السياسة ترك السياسة، حيث إن السياسة تزيد الفرقة والخلاف، والدعوة تدعم الوحدة والائتلاف.

- في ظل الانقسامات السلفية السابقة، سنجد أن الإخوان المسلمين هم المستفيد الأكبر من هذه الانقسامات، لأنها فتّتّ الكتلة المعارضة الأكبر لهم في أوساط الحركة الإسلامية، وبالتالي تزيد فرصة جماعة الإخوان في الحفاظ على مكانتهم المتقدمة في الحركة الإسلامية، وفي الحصول على الأغلبية البرلمانية في الانتخابات القادمة.

وأخيرًا، سيظل حزب النور السلفي الرقم الصعب في المعادلة السياسية الحالية في مصر، والنموذج المتفرد في الحركة الإسلامية، نظرًا لصعود نجمه السياسي في خلال عامين فقط من ممارسة العمل السياسي، لذا فإن صراعات حزب النور ستُلقي بظلالها على الحالة الإسلامية بصفة خاصة، لأنها ستكون سببًا في العديد من الانقسامات التي ستؤدي إلى تنوع في الحركة الإسلامية لم تشهده من قبل، هذا التنوع غالبًا لن تستطيع معه الحركة الإسلامية -وخاصة التيارات السلفية- أن تصمد طويلا في العمل السياسي، وغالبًا ما ستعود مرة أخرى إلى الدعوة والمساجد، بعد أن تكون قد عادت من العملية السياسية بخفي حنين.
رد مع اقتباس
  #26  
قديم 01-05-2013, 08:45 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

صراع إسلامي- مدني:
بالخرائط.. اتجاهات السلوك التصويتي للمصريين بعد الثورة


جيفري مارتيني، وستيفين م. ورمان
عرض: محمد الحسين عبد المنعم

باقتراب المحافل التصويتية (انتخابات، أو استفتاءات)، تتبارى الدراسات والتحليلات في استشراف اتجاهات السلوك التصويتي لدى المصريين، ووضع عدد من التصورات أو النماذج المحتملة لنتائج الانتخابات، في ضوء تتبع منحنى سوابق الممارسة التصويتية في فترة زمنية معينة، مع الأخذ في الاعتبار بعض المتغيرات المحيطة، ذات التأثير في السياق نفسه.وفي حين كُتب الكثير عن "قوة" الإسلاميين، بمعيار الصندوق الانتخابي في مصر ما بعد ثورة 25 يناير، فإن أغلب تلك التحليلات تتعامل مع مصر على مستوى "كلي-قومي"، دون اعتبار للتقسيمات "المناطقية / الإقليمية" داخل الدولة.

وفي تجاوز لإشكالية التعميم على المستوى الكلي، قدم "مركز راند لدراسات السياسة العامة للشرق الأوسط" التابع لـ"مؤسسة راند " الأمريكية، دراسة حول "الأنماط التصويتية في مصر ما بعد مبارك Voting Patterns in Post-Mubarak Egypt"، أعدها كل "جيفري مارتيني" الباحث المحلل في شئون الشرق الأوسط في "راند"، و"ستيفين م. ورمان" الباحث المساعد بـ"راند".

اقتراب الدراسة

تسعى الدراسة إلى تحديد المحافظات التي تتمتع فيها "القوى الإسلامية" بالدعم القوي، من بين المحافظات السبع والعشرين، وذلك من خلال توضيح "خريطة" قاعدة دعم الأحزاب الإسلامية عبر محافظات مصر، بهدف تدعيم فهم صانع القرار الأمريكي ومراقبي الشرق الأوسط لأنماط التصويت في مصر، فضلا عن لفت انتباه الولايات المتحدة والفاعلين الدوليين لهذه الأحزاب وأنماط التعامل معها، في سياق احتلالها موقع القيادة في مصر ما بعد مبارك.

قامت الدراسة بتتبع السلوك التصويتي في أربع مناسبات خلال (2011 – 2012)، وهي استفتاء مارس على التعديلات الدستورية، وانتخابات مجلس الشعب أواخر 2011 أوائل 2012، إضافة إلى جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، فضلا عن الاستفتاء على الدستور الدائم. واستبعدت الدراسة انتخابات "مجلس الشورى" لضعف منافسة القوى غير الإسلامية فيها، للاعتقاد بأنه سيتم إلغاؤه في الدستور الجديد، علاوة على استهلاك انتخابات مجلس الشعب لقدرة القوى غير الإسلامية على خوض المنافسة، ما أدى إلى هيمنة الإسلاميين على "مجلس الشورى".

واستبعدت الورقة المرحلةَ الأولى من الانتخابات الرئاسية، كونها لا تمثل مؤشرًا جيدًا لخريطة دعم الإسلاميين، لكثرة عدد المرشحين، وتشتت الأصوات بشكل لا يُمكّن من استخلاص نتائج دقيقة، وعليه فقد ركزت الورقة على جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية، كونها مثلت المنافسة الواضحة بين مرشح الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي "محمد مرسي"، والمرشح "أحمد شفيق" كملاذ أخير ضد "أسلمة" السياسة المصرية. مع الأخذ في الاعتبار أن نمط التصويت في هذه المرحلة يمكن اعتباره مؤشرًا للتصويت ضد "شفيق" آخر رئيس وزراء في عهد مبارك.

التوزيع الجغرافي للناخبين

تجادل الورقة بأن مصر تمتلك نموذجها الخاص "بالولايات الحمراء red states، والولايات الزرقاء blue states" (اعتمادًا على نسبة توزيع الناخبين المؤيدين للجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة، فالولايات الحمراء يغلب على ناخبيها تأييد الجمهوريين "المحافظين"، بينما الزرقاء يغلب عليها تأييد الديمقراطيين)، وأنه بالرغم من تصاعد مقولات الشعبية الساحقة للإسلاميين، وغياب منافس حقيقي لهم، وخصوصًا بعد تحقيقهم انتصارات متتالية في المناسبات التصويتية المتتالية منذ الاستفتاء على الإعلان الدستوري في مارس 2011 وحتى دستور 2012، فإن الدراسة ستحاول اختبار تلك المقولة عبر تحليل السلوك التصويتي على مستوى المحافظات، والذي يتسم بدرجة متزايدة من الاستقطاب.

ويبين الشكل التالي نسب توزيع الهيئة الناخبة على محافظات مصر المختلفة، حيث تمثل القاهرة وضواحيها المنطقة الأكثر كثافة سكانية، إذ تشكل كل من القاهرة والجيزة ما نسبته (22%) من الناخبين، فيما تشكل منطقة "الدلتا" حوالي (51%) من الناخبين، موزعين على إحدى عشرة محافظة، ويشكل "الصعيد" ما نسبته (24%) من الهيئة الناخبة موزعين على سبع محافظات. وتبقى نسب تقدر (3%) تتوزع على المحافظات قليلة السكان مثل مرسى مطروح والوادي الجديد والبحر الأحمر والسويس، فضلا عن محافظتي سيناء، شمالها وجنوبها.

وتشير الدراسة إلى وجود نظرة تقليدية لموقع مؤيدي الإسلاميين، مفادها تمركزهم في منطقتين أساسيتين، هما "الدلتا" و"الصعيد". ويعزو المحللون قوة الإسلاميين في الدلتا لعدد من الأسباب، فقد تأسست جماعة الإخوان المسلمين على يد "حسن البنا" في الإسماعيلية عام 1928، إضافة إلى انحدار عدد كبير من قيادات الجماعة من محافظات الدلتا، وينطبق الأمر ذاته فيما يتعلق بجماعة الدعوة السلفية، والتي تتمركز في الإسكندرية، فضلا عن جماعات أصغر في دمنهور والمنصورة.

بينما يمثل الصعيد بقيمه المحافِظة بيئة خصبة للإسلاميين، وللصعيد تاريخ في احتضان الإسلاميين منذ فترة "الصحوة" في الستينيات والسبعينيات وتكوين الجماعات الإسلامية، والتي جنح بعضها لل*** في فترات معينة.


تحليل أنماط التصويت

بتتبع خرائط التصويت واتجهاته، اعتمادًا على نتائج المحافظات خلال المناسبات التصويتية الأربع السابق الإشارة إليها، يتضح الآتي:

• مثلت انتخابات مجلس الشعب (2011-2012) مؤشرًا مباشرًا للدلالة على قوة الإسلاميين، وسواء فاز الإسلاميون نتيجة للتأييد الفعلي لبرامجهم، أو لضعف منافسيهم، فإن حزبي الحرية والعدالة، والنور حصلا مجتمعين على (73%) من المقاعد، فيما لم يحصد حزب "الوفد" -أفضل نتيجة لغير الإسلاميين- سوى (8%) فقط.

• تباين الأداء بين المحافظات: على الرغم من أن التيار الإسلامي لم يخسر، منذ بدء ممارسات الصندوق، على المستوى الكلي / القومي، فإن مستوى الأداء لقوى الإسلام السياسي لم يكن متماثلا على مستوى جميع محافظات الجمهورية، ففي حين تنخفض نسبة تأييد الإسلاميين في المحافظات الحضرية الكوزموبوليتانية (القاهرة وما حولها، بورسعيد)، إضافة إلى المحافظات التي تعتمد على السياحة (الأقصر، والبحر الأحمر، وجنوب سيناء)، فإن "الصعيد"، عدا الأقصر، إقليم مضمون للقوى الإسلامية، وهو ما تظهره النتائج بشكل عام، إضافة إلى محافظات الصحراء الغربية (مرسى مطروح، والوادي الجديد)، وشمال سيناء.

كما يعد إقليم "الدلتا"، ساحة للتنافس بين القوى الإسلامية والمدنية، فعلى العكس من النظرة التقليدية، السابق الإشارة إليها، للدلتا كـ"معقل" للإسلاميين، فإن الدلتا مثلت تحديًا كبيرًا لقوى الإسلام السياسي، خصوصًا في جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، والاستفتاء على الدستور في 2012.

• تآكل الشعبية: تُظهر النتائج تراجع شعبية القوى الإسلامية مع مرور الوقت، ففي حين حظي الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس 2011 على تأييد بنسبة (77%) من الأصوات بمشاركة (41%) من الناخبين، فإن إقرار الدستور في استفتاء 2012 مرر بنسبة تأييد (64%) بمشاركة (33%) من الناخبين.

كما تقدم نتائج الانتخابات دليلا آخر على تراجع الشعبية، ففي حين حصد الإسلاميون في انتخابات مجلس الشعب (2011-2012) ما نسبته (73%) من الأصوات، فإن الوضع قد اختلف في الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها مرشح التيار الإسلامي بنسبة حرجة بلغت (51.7%)، أخْذًا في الاعتبار أن أصوات "مرسي" ليست كلها تأييدًا، وإنما هي في جزء منها أصوات ضد المرشح "شفيق" آخر رئيس وزراء في عهد مبارك.

دلالات انتخابات (2013) وما بعدها

في ضوء الإعداد لقانون الانتخابات الجديد والجدل القانوني حوله، والشكوك المثارة حول مشاركة قوى المعارضة غير الإسلامية، فإن إجراء الانتخابات البرلمانية والتزام المعارضة بمقاطعتها يمنح الفرصة للأحزاب الإسلامية لاكتساح نتيجة الانتخابات القادمة. وتشير الدراسة إلى عدد من النتائج والدلالات التي يمكن وضعها في الاعتبار للفهم والتنبؤ بالخريطة التصويتية في مصر:

• تزايد القدرة التنافسية للأحزاب المدنية غير الإسلامية في القاهرة وضواحيها، حوالي خُمس الناخبين، فضلا عن "الدلتا"، حيث (51%) من الناخبين، التي تمثل ساحة للتنافس بين القوى السياسية.

• العامل الجغرافي وحده لن يكون العامل المؤثر في نتيجة الانتخابات القادمة، إذ إن وجود حزب الحرية والعدالة في السلطة قد يمكن الإخوان المسلمين وحلفاءهم من إمالة دفة الانتخابات لصالحهم، وهو ما ظهر في الجدل الدائر حول تصميم الدوائر الانتخابية على نحو يُمكن الأحزاب الإسلامية ذات القدرات التنظيمية والتمويلية العالية من الاستفادة منه، إضافة إلى سيطرة الإخوان على وزارات الخدمة العامة التي يمكن استغلال سياسات الدعم من خلالها لصالح الإسلاميين، علاوة على تعيين عدد من المحافظين من القيادات الإخوانية، الأمر الذي يمكن من خلاله توجيه سياسات التنمية بما يخدم فرص حزب الحرية والعدالة في الانتخابات القادمة، فضلا عن السيطرة غير المتكافئة على التغطية الإعلامية.

• إلا أن حزب الحرية والعدالة يواجه عدة عقبات قد تؤثر على وضعه في الانتخابات القادمة، وخصوصا في ظل عدم تحقيق أي من الأهداف المرجوة، فما زال الاقتصاد متعثرًا، والأمن منفلتًا، بينما بُذل القليل من الجهد لمحاسبة مسئولي نظام مبارك الفاسدين. وعليه فإن الإسلاميين في حاجة لإقناع الناخبين بحاجتهم للمزيد من الوقت لمواجهة هذه التحديات.

• تحدٍّ آخر يواجه القوى الإسلامية، يتعلق بالمقولات التي تشكك في التزامها بقيم الديمقراطية، وخصوصا في أعقاب إعلان نوفمبر الدستوري، وما لاقاه من معارضة حتى من أعضاء في الحكومة، ورغم تراجع مرسي عن بعض مواده إلا أن ذلك لم يخفف من التخوفات بهذا الشأن، وخصوصًا بعد تمرير الدستور الذي سيطر على وضعه الإسلاميون.

• رغم التشكك في قدرة المعارضة غير الإسلامية على السيطرة على الشارع، وضعف "جبهة الإنقاذ الوطني"، والتي يثور الشك حول قدرتها على التأثير في الأحداث، ساهمت أخطاء الإسلاميين في تدعيم وضع الجبهة.

• من الجدير ملاحظة أن الإسلاميين ليسوا كتلة متجانسة، إذ تتعدد الانشقاقات داخل الإسلاميين، فقد خاض حزب الحرية والعدالة انتخابات مجلس الشعب كمنافس للسلفيين، إلا أن الأحزاب الإسلامية قد تتحالف في أوقات الاختيارات المحورية كالانتخابات الرئاسية أو الاستفتاء على الدستور، فيما فشلت القوى غير الإسلامية في تحقيق ذلك التحالف وقت الحاجة.

• رغم قرار "جبهة الإنقاذ" بمقاطعة الانتخابات لعدم تحقيق مطالبها، فإن تأجيل الانتخابات وإقرار المحكمة الدستورية بضرورة تعديل قانون تقسيم الدوائر الانتخابية ليصبح أكثر تمثيلا، يمثل فرصة للمعارضة لإعادة النظر في مقاطعة الانتخابات القادمة.

• أيًّا كانت نتيجة الانتخابات القادمة فإن الإسلاميين سيواجهون منافسة شرسة، وخصوصًا في ظل الاتهامات باستخدامهم سياسات النظام السابق القمعية في مواجهة الاحتجاجات ضدهم، مما يفاقم من تخوفات
المصريين من ظهور حزب مستبد جديد، وهو ما قد يؤثر على شعبيتهم.

الدلالات الانتخابية بالنسبة للولايات المتحدة

إن فهمًا أعمق للتوجهات الانتخابية في مصر، يساعد صانع السياسة الأمريكي في توقع الاعتبارات السياسية المحلية التي توجه موقف السياسة المصرية، والتعرف على أولويات الأحزاب والقيود المحلية التي يعملون في ظلها.

وتشير الدراسة إلى اتباع الولايات المتحدة سياسة تعتمد على عدم التدخل أو دعم فصيل معين على الساحة السياسية، خصوصا وأن دعم الولايات المتحدة لفصيل ما يعتبر خصمًا من رصيده.
وتذهب الدراسة إلى أنه لا يمكن القول بأن حزب ما أو كتلة يتماشى مع المصالح الأمريكية أكثر من الآخر، وبالنظر إلى المصالح الأمريكية بشكل كلي، نجد عددًا من المجالات التي يمكن دعم التعاون بين الولايات المتحدة وأي قوة سياسية مصرية.

وفي الواقع، تثير الأحزاب السياسية على طرفي الطيف السياسي قلق الولايات المتحدة، فعندما يتعلق الأمر بمعاهدة السلام مع إسرائيل، وقواعد السوق الحر يكون حزب الكرامة اليساري مصدرًا للقلق. أما عندما يتعلق الأمر بالمساواة النوعية وحقوق الأقليات، فقد تصطدم الولايات المتحدة بالأحزاب السلفية. وباختصار فلا يوجد شريك مثالي للولايات المتحدة من بين القوى المتنافسة في مصر.

وبشكل عام، ترى الدراسة أن الأمل معقود على قدرة الأحزاب غير الإسلامية على تحقيق تمثيل متكافئ على الأرض، لمنع سيادة نظام أحادي الحزبية، وتحمل الدراسة نظرة متفائلة كون المشهد الانتخابي المصري يتسم بـ"اللا أحادية" التصويتية، وأن مناطق / محافظات معينة في البلاد بدأت في الاستجابة لرسالة الأحزاب غير الإسلامية. إلا أن مقاطعة المعارضة للانتخابات قد تؤخر الوصول لذلك الوضع، إلا أن الأحزاب الإسلامية في النهاية ستجد نفسها مضطرة لمشاركة السلطة مع منافسيها الأيديولوجيين.



خرائط جغرافية تبين اتجاهات التصويت لدى الناخبين المصريين في الاستحقاقات الانتخابية بعد الثورة









آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 01-05-2013 الساعة 09:36 PM
رد مع اقتباس
  #27  
قديم 01-05-2013, 11:47 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

التعميم المضلل:
هل تآكلت القدرات الانتخابية لـ"الإخوان" بعد تراجعهم بالجامعات؟



محمد عبد الله يونس
مدرس مساعد العلوم السياسية - جامعة القاهرة

"مفاجأة من العيار الثقيل" هذا هو العنوان الذي تصدر أغلب التحليلات المكتوبة حول نتائج المرحلة الأولى من انتخابات اتحاد طلاب جامعات مصر تعليقًا على التراجع الحاد في تمثيل جماعة الإخوان المسلمين، وتعرض مرشحيها في جامعات عديدة لهزائم تبدو غير متوقعة، وتتناقض مع أسطورة "الجماعة الانتخابية التي لا تقهر"، "الأكثر تنظيمًا" و"الأكثر احتكاكًا بالمواطنين" وفق مريدي الجماعة، بيد أن الإشكالية تكمن في مدى خيال الاستدلالات التي عمدت إلى استشراف نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة بناء على المؤشرات الأولية لنتائج الانتخابات الطلابية رغم البون الشاسع بين الحالتين، ولا يعني ذلك مطلقًا أن معادلة الانتخابات الطلابية تخلو من دلالات سياسية مهمة بقدر التأكيد على مراعاة المنطق في التعميم.

دلالات ملهمة

لا يكاد يختلف منصف على أن شعبية جماعة الإخوان المسلمين قد تأثرت بدرجة ما بتعثر أداء الرئيس محمد مرسي وحكومته في معالجة الأزمات الأكثر حيوية للمواطنين، بينما تكفلت المواقف والتصريحات المنسوبة لبعض قيادات ورموز جماعة الإخوان المسلمين في خضم الاستقطاب السياسي ومتوالية الأزمات بتحول هيكلي لصورة الجماعة في وعي النخب المتعلمة، بحيث باتت مسلمات نمطية من قبيل "الجماعة المضطهدة" التي ترفع شعارات "مشاركة لا مغالبة" وراية "الإسلام هو الحل" موضع مراجعة جادة في ظل التناقضات في ثنايا الخطاب والهوة الأكثر اتساعًا بين الخطاب المفرط في يوتوبيته وسلوك السلطة المتجاوز في نفعيته.

في هذا الصدد يمكن اعتبار الانتخابات الطلابية امتدادًا لتلك التحولات، إذ إن مراجعة نتائج الجامعات المختلفة تكشف عن علاقة عكسية ما بين مستوى الحراك الاحتجاجي المناوئ لجماعة الإخوان المسلمين في المحافظات ومستوى تمثيل الطلاب المنتمين إليها، إلى درجة أن القائمة التي يتصدرها نجل القيادي الإخواني محمود عزت في جامعة عين شمس لم تحصل إلا على مقعدين، كما أن جامعات الإسكندرية وطنطا والبحيرة وبني سويف وأسيوط والمنيا قد شهدت تراجعًا ملحوظًا في التمثيل الطلابي للجماعة.

بيد أن الدلالات الأكثر أهمية تتعلق بإصرار طلاب مختلف التيارات السياسية على المشاركة بالمخالفة لمواقف أحزابهم من مقاطعة الانتخابات البرلمانية، وبغض النظر عن تقديرات فرص صمودهم أمام تنظيم يفوقهم في الموارد والخبرات الانتخابية أو الإطار التنظيمي للانتخابات، نظرًا لإدراكهم أن المقاطعة تعني إخلاء وتهميش مساحات العمل الطلابي لصالح السلطة وجماعة الإخوان المسلمين، ولن يحقق أهداف نزع الشرعية السياسية عن اتحاد طلاب إخواني، ربما في أحد أهم الرسائل الضمنية التي تحملها الانتخابات لجبهة الإنقاذ وتيارات المعارضة.

على مستوى آخر يمثل تنظيم القوائم الانتخابية في الجامعات المختلفة نموذجًا لتحالفات تتسم بقدر كبير من التماسك بالمقارنة بالتحالفات السياسية المهترئة التي ما تلبث أن تنفجر من داخلها تحت وطأة الخلافات الشخصية والتناحر على المكاسب السياسية اللحظية وفي حين تركز ائتلافات المعارضة على رصد إخفاقات السلطة ومريديها فإن ائتلافات الطلاب ركزت على طرح برامج على قدر من الجدية في التعامل مع القضايا الطلابية المرتبطة بجودة التعليم والخدمات والأنشطة الطلابية والدور المجتمعي للجامعات بما ارتقى بمستوى المنافسة إلى آفاق تتجاوز الصراعات الشخصية والتناحر الحزبي، بما يشي أن مستقبل الممارسات الانتخابية قد لا يكون قاتمًا في حال وصول هذه الكوادر للعمل السياسي عقب كسر احتكار المناصب القيادية ورحيل القيادات التقليدية المتكلسة في مختلف التيارات.

ولا يعني ذلك أن المشهد الانتخابي في الجامعات اتسم بملائكية مطلقة، فالصراعات السياسية امتدت بدورها لتطال الدعاية الانتخابية للقوائم المختلفة، ووظفت بعض التيارات واقع السياسة الحالية في تظاهرات مناوئة لجماعة الإخوان كأحد الأدوات الانتخابية، وشهدت جامعات أخرى مثل جامعة عين شمس صدامات عنيفة بين أنصار الجماعة ومعارضيها في مشهد ينذر باحتمالية انتقال أمراض السياسة المصرية إلى أروقة الجامعة، أو أن يتم توظيف تلك الأحداث المتقطعة من جانب السلطة للإجهاز على هامش الحرية السياسية النسبي الذي أقتنصه الطلاب عقب ثورة 25 يناير.

سياقات مختلفة

لا تدعم كافة الدلالات سالفة الذكر أية استدلالات أو تنبؤات مسبقة بسقوط مدوٍّ لجماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية المقبلة أو بتداعي أركان السطوة الانتخابية للجماعة، فاختلاف السياق والبيئة والفاعلين والأطر التنظيمية والمحفزات يؤدي بالضرورة للتفاوت في النتائج، فالانتخابات الجامعية نطاق ضيق لتفاعلات سياسية أقل احتدامًا يتضمن تحييدًا لعدد كبير من التكتيكات الانتخابية والممارسات التي يشهدها الواقع.

أولا: جمهور الناخبين في الانتخابات الجامعية على قدر كبير من التجانس في مستوى التعليم والفئات العمرية بما يقلل احتمالات تزييف الوعي أو توظيف شعارات غير قابلة للتطبيق، ويجعل برامج المرشحين فيصلا في المفاضلة، ناهيك عن أن حجم الدائرة الانتخابية الواحدة ضئيل للغاية ونسب مشاركة الناخبين في الاقتراع الطلابي محدودة ربما تعبيرًا عن ظاهرة العزوف السياسي بما يقلص من حدة التنافس على الأصوات.

ثانيًا: الزبائنية السياسية لا تجد سبيلها للانتخابات الطلابية نظرًا لمحدودية الموارد والاختصاصات التي يضطلع بها اتحاد الطلاب، إذ لا يعدو دوره حلقة وصل بين الجامعة والطلاب، ويخضع لقيود إدارية وإشرافية تقلص من تأثيره في عملية صنع القرار في الجامعة، في المقابل فإن فرص توزيع الموارد على أساس الولاء وتأسيس شبكات تبادل المنافع والتوظيف الانتخابي لاختصاصات شاغلي السلطة تبدو أوسع نطاقًا في الانتخابات البرلمانية.

ثالثًا: سقف الإنفاق الانتخابي يبدو ضئيلا للغاية في الانتخابات الطلابية معتمدًا على الموارد الذاتية بالمقارنة بالانتخابات البرلمانية التي قد تتضمن تمويلا سياسيًّا ضخمًا ربما يرتبط بشبكات تحالفات بين المتنافسين ورجال الأعمال في إطار شبكات مصالح متعارضة، وقد ينطوي على مصادر غير معلومة للتمويل نتيجة استعصاء جماعة الإخوان المسلمين على الضبط القانوني.

رابعًا: محفزات الانتخاب والخدمات المقدمة لجمهور الناخبين في الانتخابات الطلابية لا تؤثر في السلوك التصويتي للناخبين لأنها لا ترتبط باحتياجات أساسية، بينما يتصاعد ذلك التأثير بقوة في حالة الانتخابات البرلمانية، فأسواق السلع منخفضة التكاليف التي تقيمها بعض التيارات السياسية وتوزيع بعض السلع غير المتوافرة على المنازل مثل أسطوانات الغاز وخدمات المرشحين والأحزاب لأبناء دوائرهم الانتخابية في قضايا التعليم والتوظيف والصحة وتوفير السلع الأساسية في ظل أوضاع معيشية متردية يمثل محددًا أساسيًّا لاتجاهات التصويت بالمقارنة بالأحزاب النخبوية التي لا يعرفها الناخبون إلا من خلال اللافتات الدعائية أو الظهور الإعلامي لرموزها.

خامسًا: الممارسات غير التنافسية في حدودها الدنيا على مستوى الانتخابات الطلابية، فالسلطات والصلاحيات والموارد موضع المنافسة لا تستحق التناحر للاستئثار بها أو توظيف ال*** في مواجهة الخصوم واستهدافهم بالشائعات، كما أن حيل التلاعب بالنتائج أو التأثير على الناخبين وخرق الصمت الانتخابي قد لا تجد صدى واسع النطاق في ظل ضيق الدائرة الانتخابية بما يجعل رقابة الأطراف لصيقة بمراحلها المختلفة.

سادسًا: توظيف الشعارات الدينية وخطاب السلطة يختلف تأثيره من النطاق الجامعي عن نظيره البرلماني، بالنظر إلى اختلاف التركيب العمري لجمهور الناخبين، فجمهور الانتخابات الطلابية الشاب ينزع في الغالب نحو الثورة على النمطية والانقياد خلف السلطة، بينما تميل الفئات العمرية الأكبر في الانتخابات البرلمانية لدعم السلطة طمعًا في عوائد الاستقرار على أوضاعهم المعيشية، كما تبدو نسبيًّا أكثر استجابة لتوظيف الشعارات الدينية في الخطاب السياسي.

معضلة الاستشراف

هل تعني هذه الاعتبارات أن فرص المعارضة في انتخابات مجلس النواب لا تعدو التمثيل المشرف؟! بالقطع لا، فالمشهد الانتخابي المصري بات يتسم بحراك وديناميكية غير مسبوقة وتغيرات آنية تجعل القطع بتنبؤات دقيقة عملية مستحيلة، فالتغير في معدلات المشاركة الانتخابية وتفضيلات الناخبين لا تخضع للحسابات العقلانية والترتيبات السياسية المفترضة لمختلف القوى السياسية، وربما يُعزى ذلك إلى أننا لم نصل بعد إلى فهم كامل ودقيق للتوجهات السياسية للمواطنين، وأن دراسات الرأي العام لم تشهد طفرات إيجابية في دقة نتائجها وأساليب وأُطر اختيار العينات وإجراءات ضبط النتائج.

لكن لا يبدو من قبيل الاستشراف المخل الربط بين قدرة المعارضة على المنافسة الجادة للتيارات الإسلامية واستثمار دروس وعبر الانتخابات الطلابية في التنظيم والحشد وطرح البدائل السياسية والتفاعل مع جمهور الناخبين وتجاوز الاتجاهات النمطية التي تجد في المقاطعة والانزواء والتنديد الإجابة المُثلى لمختلف تحديات التنافسية الانتخابية تعبيرًا عن الحواجز النفسية التي أعادت إنتاج نماذج العزوف السياسي لدى نخب المعارضة، بينما يتصدر كافة هذه الدلالات أن أوان دوران النخبة قد بات حتميًّا، وأن رموز نخب الاستقطاب على اختلاف انتماءاتها بات عليها أن تتراجع لتفسح المجال للكوادر الصاعدة استثمارًا للطاقات في تجديد الدماء، وفك طلاسم الاستقطاب المحتدم الذي حكم المرحلة الانتقالية على امتدادها وحول مسار الثورة من تحقيق تطلعات الشباب إلى احتكار نخب الحكم والمعارضة لمواقع القيادة.
رد مع اقتباس
  #28  
قديم 02-05-2013, 08:27 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

اختبار السلطة:
هل أخطأ الأمريكيون في فهم الإخوان المسلمين بمصر؟



مارك لينش
عرض: محمد الحسين عبد المنعم

فاقم حال الاستقطاب "السياسي / الاجتماعي" الحاصل بمصر، والذي بدأ مصاحبًا لأول ممارسة صندوقية في مارس 2011، كنتيجة للتردي الحاصل في سياسات الدولة المصرية، وامتد بطبيعة الحال إلى الأروقة الأكاديمية والتحليلية، وامتدت بعض أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة كداعم لجماعة "الإخوان المسلمين"، سواء بعد الثورة أو قبلها حين جرت اتصالات بين مسئولين أمريكيين وقيادات بالجماعة "المحظورة" آنذاك.

وفي هذا السياق؛ كتب الأكاديمي الأمريكي "مارك لينش"، أستاذ مساعد العلوم السياسية والشئون الدولية بجامعة جورج واشنطن، مقالا بعنوان "هل أخطأنا فهم الإخوان المسلمين؟ في مجلة "الفورن بوليسي ".

يجادل "لينش" بأن التوافق الأكاديمي الأمريكي حول جماعة "الإخوان المسلمين" كان صحيحًا إلى حد بعيد، على الأقل حتى العقد الأول من الألفية الجديدة، ويحدد عددًا من القضايا التي أصابت فيها تحليلات الأكاديميين الأمريكيين؛ إذ تمكنوا من تحديد الخطوط العريضة لتطور الجماعة الأيديولوجي، وصراع الفصائل داخلها، بالإضافة إلى قدراتها الانتخابية، فضلا عن نزاعاتها مع كل من تنظيم القاعدة والسلفيين المتشددين، علاوة على الشد والجذب بين طموحها الديمقراطي وتطلعاتها غير الليبرالية. ويضيف الكاتب، أن الليبراليين الذين ساندوا الإخوان ضد ال***** والاعتقال، لم يكونوا على خطأ أيضًا، بل إن مساندة أي جماعة ضد الظلم، مهما اختلفت معها، هي المحك والاختبار لليبرالية.

بيد أن التغيرات التي ألمت بمصر أصابت بنفس القدر جماعة "الإخوان المسلمين" سواء على المستوى الأيديولوجي أو الحركي، وأصبح السؤال حول قابلية الإخوان لأن يكونوا ديمقراطيين محل اختبار عملي الآن.

الإخوان المسلمون قبل 2011

قدم "لينش" بشيء من التفصيل بعضًا من التحليلات الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين ما قبل 2011، في محاولة للبرهنة على قدرة الباحثين والمحللين الأمريكيين على فهم الإخوان المسلمين، على الأقل في الفترة ما قبل الثورة.

• الإخوان فاعل "ديمقراطي" إلا أنه ليس "ليبراليًّا": خلال السنين التي تلت عام 2000، أصبح للإخوان سجل بعمر عقدين، من المشاركة في الانتخابات الوطنية، والنقابات، بالإضافة إلى الانتخابات الطلابية. وكان الإخوان قد عملوا على إنتاج تبرير أيديولوجي لقبول الإجراءات الديمقراطية، بل وتبنيها أيضًا، وبدا أن الجماعة قد بذلت ما في وسعها لإظهار التزام الجماعة بالعملية الديمقراطية في ظل غياب فرصة فعلية للفوز في الانتخابات أو الوصول للحكم. وبطبيعة الحال؛ ساهمت خبرة الإخوان في تطوير ماكينة انتخابية فعالة جاهزة للتشغيل وقتما حانت الفرصة، وهو ما ظهر بشدة في المناسبات التصويتية المختلفة.

إلا أن الكاتبَ يرى أن التزام الجماعة بالعملية الديمقراطية لم يترجم أبدًا نحو الالتزام بالتقاليد الديمقراطية أو الليبرالية المتعارف عليها، وفي حين تجنب الإخوان، قبل الثورة، مواجهة الفجوة بين مفهومهم للشريعة والديمقراطية، فإنهم بعد وصولهم للحكم أصبحوا مطالبين بتوضيح نواياهم الحقيقية، وبيان موقفهم من الآراء المخالفة لهم.

• التمييز بين الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة: إذ يعتبر الكاتب أن الجمع بين الإخوان المسلمين والسلفية الجهادية في سلة واحدة يعد خطأ تحليليًّا ذا تبعات سياسية؛ إذ تنتهج الأولى أيديولوجية مختلفة، ومفهومًا مختلفًا لموقعها داخل المجتمع المصري، إضافة إلى رؤية استراتيجية مغايرة، فضلا عن اختلاف قاعدتها الجماهيرية، وامتلاكها تفسيرات أكثر اعتدالا للمفاهيم الخلافية كـ"الجهاد" و"التكفير"، علاوة على رؤية مختلفة حول شرعنة ال***.

• ظهور مجموعات شبابية من الإخوان المسلمين: وهي مجموعات أكثر انفتاحًا قامت بالتدوين والانخراط في الفاعليات المعارضة لمبارك، وفتحت المجال للمناقشة في الجماعة، وهي في الأغلب مجموعات صغيرة، غادر أغلبها الإخوان قبل الثورة مثل إبراهيم الهضيبي، وعبد الرحمن منصور، ومصطفى النجار. وفي حين تم انتقاد "لينش" نفسه لعقده لقاءات مع تلك المجموعات باعتبار أن ظهورهم ما هو إلا مناورة دعائية من الإخوان، إلا أنه كان محقًّا بشأنهم.

الإخوان المسلمون بعد 2011

يشير "لينش" إلى أن تركيبة الإخوان الأيديولوجية، وقدراتهم التنظيمية، ونظرتهم الاستراتيجية قد صيغت وفقًا للقيود التي فرضها نظام مبارك، تبعًا لاعتقاد الإخوان استحالة وصولهم للسلطة، وبعد قيام الثورة واختفاء تلك القيود حاول الإخوان التكيف ولكن على نحو سيئ، وهو ما ظهر من خلال السلوك غير المنظم، وغير الكفء، فضلا عن عدد من الأفعال غير المفهومة التي قادت للاستقطاب، واتباع سياسة هادمة للتوافق الوطني، ونفور القوى التي دعمتهم في مناسبات معينة، بداية من السلفيين والليبراليين، وصولا للثوار.

ويتساءل "لينش" عن سبب ما وصل إليه الإخوان المسلمون، خصوصًا وأن "خيرت الشاطر" كان قد أطلعه شخصيًّا على خطط الإخوان للنهوض بالاقتصاد والإصلاح المؤسسي والتي بدت واعدة، على حد قوله. ويحدد الكاتب عددًا من المتغيرات للإجابة على تساؤله.

ويُرجع "لينش" عدم قدرة الإخوان المسلمين على التكيف مع الواقع الجديد بعد الثورة، إلى ما أشرنا إليه سابقًا من وجود فصائل وانشقاقات داخل الجماعة؛ إذ تعرضت الجماعة في أعقاب انتخابات مجلس الشعب 2005 التي حصل فيها الإخوان على 88 مقعدًا لحملة قمعية اعتُقل فيها قيادات من الجماعة وصودرت أموالهم.

وأدت هذه الأحداث إلى تصعيد الجناح المحافظ داخل الجماعة الذي يفضل الانخراط في الجوانب الاجتماعية والعمل الدعوي على المشاركة السياسية، وهو ما انعكس في استبعاد كل من عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب من مكتب الإرشاد لصالح التيار المحافظ، وتبع ذلك عدة انشقاقات عن الجماعة من التيار الإصلاحي.

وعند قيام الثورة كانت شخصيات قيادية وشبان أكثر انفتاحًا وحكمة واعتدالا في الجماعة قد انفصلوا عنها، أو خضعوا للقيادة المحافظة التي هيمنت عليها شخصيات حذرة متشككة بشكل مرضي ومتصلبة أيديولوجيًّا وقليلة الخبرة بشأن بناء شراكة متخطية للأيديولوجية، أو التوصل لحلول توافقية، ويتساءل الكاتب عن كيفية إدارة الجماعة للثورة وما بعدها من أحداث لو كان التيار الإصلاحي أمثال أبو الفتوح وحبيب هم المهيمنون على تكوين مكتب الإرشاد بدلا من الشاطر وبديع.

ويضيف أن جزءًا آخر من الإجابة يرجع إلى أن استراتيجية وأيديولوجية وتنظيم الجماعة كان مبنيًّا على أن فوزها بالحكم غير وارد، وأنها لم تكن مستعدة للتغيير الذي منحته الثورة لها، وتجلى ذلك في عدم رغبتها أو قدرتها على التواصل مع الاتجاهات الأخرى، و"سلوكها وخطابها الفظ" الذي يزيد من الطائفية والتشرذم الاجتماعي وضبابية الاقتصاد و*** الشارع.كما أن تقديم الجماعة مرشحًا للرئاسة بعد أن وعدت بخلاف ذلك قد أطاح بالثقة في التزاماتها، وجعلها مسئولة عن تدهور الفشل الذي تواجهه في الحكم.

ويرى "لينش" أن هناك مزيجًا غريبًا من البارانويا والغطرسة تسود الجماعة، فضلا عن اعتقادها الدائم بالتهديد، وأن هناك مخططات لإفشالها داخليًّا وخارجيًّا، وهو ما يتفق وطبيعة خبرة الحرس القديم المهيمن على مكتب الإرشاد، وهو ما ينذر بنتائج كارثية للوضع السياسي المضطرب في مصر.

ويخلص "لينش" إلى أن الولايات المتحدة لم تخطئ بالعمل مع حكومة الإخوان المسلمين المنتخبة، وأنها رفضت التماهي مع الدعاية المعادية للإسلاميين، وهو ما كان سينتج آثارًا سلبية، وفقًا للكاتب. كما وجه رسالة للأكاديميين وصانعي القرار الأمريكيين بضرورة مراجعة فهمهم للإخوان المسلمين وفقًا للمتغيرات الجديدة، فإذا كانت مصر قد تغيرت، فإن الإخوان تغيروا بنفس القدر، وهو ما يتوجب على الباحثين مراعاته.

وبشكل عام، يعطي "لينش" انطباعًا بأن الدافع لعملية البحث العلمي بالأوساط الأكاديمية الأمريكية وأروقة صنع القرار الأمريكية هو دافع إنساني حقوقي منحاز لخير الشعوب، وهو ما يتناقض مع الواقع، فالولايات المتحدة تمتعت، وما زالت، بعلاقات طيبة مع أغلب الأنظمة العربية الساقط منها أو القائم، ما دامت تلك الأنظمة تحقق غايتها الاستراتيجية من حفظ أمن إسرائيل، وتأمين تدفق النفط، وعليه فإن فهمهم للإخوان بطريقة جيدة لن يتحدد بمدى التزام الجماعة بقيم الديمقراطية ومعايير الليبرالية، وإنما بمدى تحقيقها لأهداف الولايات المتحدة في المنطقة، وتبنيها استراتيجيات تخدم تلك الأهداف.
رد مع اقتباس
  #29  
قديم 02-05-2013, 07:44 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

المحور الخامس: أزمة الإعلام والحريات


مساحات محظورة:
المتغيرات الضاغطة على الحريات الإعلامية في المنطقة العربية



محمد عبد الله يونس

ارتبطت الثورات والاحتجاجات العربية بالتطلعات المجتمعية للتخلص من قيود السلطة القامعة للحريات السياسية، إلا أنه بعد مرور ما يقرب من عامين على اندلاع الربيع العربي، لم تكن التحولات مرادفة، في المجمل العام، لارتفاع سقف الحريات السياسية والإعلامية، بالنظر إلى ما أفرزته تلك الثورات من تطورات ومتغيرات سياسية ضاغطة كان لها أكبر الأثر على تسييس مساحات المجال العام، وتعرضها لاحقًا للتضييق، سواء من جانب تيارات سياسية بعينها، أو من قبل القوى الجديدة التي وصلت إلى السلطة.

مؤشرات التراجع

تكشف مراجعة التطورات السياسية المتلاحقة على امتداد الإقليم عن انحدار حادٍّ في ممارسات الحريات لا سيما حرية الصحافة، على الرغم من الافتراضات الأولية التي تربط تلك الثورات بالتحرر من قيود السلطة، بيد أن القيود المجتمعية الصاعدة باتت أشد وطأة من قيود السلطة على حرية الصحافة. فقد شهدت مصر، خلال شهر ديسمبر الجاري، م*** الصحفي بجريدة الفجر الحسيني أبو ضيف، ومحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي، والتهديد بمحاصرة واقتحام بعض الصحف الخاصة مثل "المصري اليوم" و"الوطن" من جانب بعض التيارات السلفية الرافضة للحريات الصحفية.

وعلي الصعيد ذاته، وقعت موجة اعتداءات على الصحفيين خلال الحراك الاحتجاجي المتصاعد في تونس، بينما شهدت اليمن استهداف الصحفيين من جانب بعض الفرقاء السياسيين، حيث رصدت "مؤسسة حرية للحقوق والحريات الإعلامية" 126 حالة انتهاك تعرض لها 267 شخصًا من الصحفيين ووسائل الإعلام، وهو ما تكرر حدوثه في ليبيا والضفة الغربية. بينما يتعرض الصحفيون في دول الصراعات الأهلية بالإقليم لتهديدات أكثر حدة تطال حياتهم، ففي سوريا يستهدف كل من النظام والمعارضة الصحفيين المناوئين لهم باعتداءات قد تصل إلى حد التصفية الجسدية، ما أدى إلى م*** 28 صحفيًّا منذ بداية العام، بشكل يرفع العدد الكلي لضحايا الصحفيين في سوريا إلى حوالي 84 صحفيًّا منذ بداية الثورة السورية وفق إحصاءات منظمة "مراسلين بلا حدود"، وهو الحال ذاته في الصومال التي شهدت م*** ما لا يقل عن 12 صحفيًّا من جانب حركة "شباب المجاهدين" على مدار العام.

متغيرات جديدة

واللافت في هذا السياق أن موجة التضييق الجديدة على حرية الصحافة ارتبطت بالتحولات السياسية والمجتمعية في دول الإقليم التي تحكمها التفاعلات المتذبذبة بين السلطة والمعارضة والمجتمع. ورغم أن انهيار النظم السلطوية دفع اتجاهات عديدة إلى توقع زيادة مساحة حرية الصحافة، فإن ما حدث كان عكس ذلك، حيث ظهرت متغيرات جديدة فرضت مزيدًا من القيود عليها، من أهمها:
1- صعود التيارات السلفية، حيث شهدت بعض دول الإقليم صعودًا مضطردًا للقوة السياسية للتيارات السلفية التي تتبنى توجهات محافظة ورؤى ملتبسة تجاه حرية الصحافة، بشكل جعل الأخيرة عرضة لحملات عنيفة، لا سيما في ظل تركيز الإعلام على التناقضات بين ممارسات مختلف التيارات الإسلامية وخطابها السياسي، وهو ما اعتبرته تلك التيارات استهدافًا مقصودًا لتقويض رأسمالها السياسي وشعبيتها لدى الناخبين، بعدما أتاحت لها الثورات حيزًا مهمًّا في المشهد السياسي.

2- تزايد الأطر التشريعية المقيدة، إذ صاحب الثورات العربية تشديد القيود القانونية في بعض الدول على حرية الإعلام بصفة عامة، ففضلا عن تعرض عدد من الإعلاميين والصحفيين للمحاكمة في بعض الدول لا سيما مصر وتونس بسبب المحتوى الإعلامي الذي تعتبره بعض الأطراف استهدافًا غير مهني يسعى إلى تضليل الرأي العام، فقد تم إغلاق قناة "الفراعين" الفضائية المصرية بحكم قضائي، كما هدد وزير الإعلام المصري صلاح عبد المقصود بإغلاق بعض القنوات الفضائية لا سيما قناة "دريم" لاعتبارات تتعلق بالترتيبات التنظيمية للممارسات الإعلامية.

3- احتدام الاستقطاب السياسي، فقد أسهم الصراع بين مختلف القوى السياسية لا سيما في دول الثورات في تصنيف وسائل الإعلام إلى ثنائيات جامدة ما بين داعم للسلطة ومناوئ لها، وهو ما يتوازى مع انقسامات أيديولوجية لا تقل حدة ما بين الإعلام الداعم للتيارات الإسلامية والإعلام المساند للتيارات المدنية، وقد أدى ذلك الاستقطاب إلى تقويض المهنية الإعلامية ودور الإعلام كقناة اتصال بين السلطة والمواطنين تمارس دورها بقدر من الحياد الذي يستتبع تمتعها بمصداقية تجعل وساطتها مقبولة لدى مختلف الفرقاء السياسيين.

4- تصاعد نشاط الميليشيات المسلحة، والذي يتسبب في فرض قيود واقعية على الصحفيين، مثلما يحدث في سوريا واليمن وليبيا والصومال والعراق، نتيجة الامتدادات المسلحة للقوى السياسية المختلفة في تلك الدول ونزوعها لل*** لضبط الخطاب الإعلامي المخالف لتوجهاتها.

5- ارتفاع سقف المحظورات السياسية، حيث لجأت بعض المؤسسات إلى تحصين ممارساتها من التناول الإعلامي على غرار المؤسستين العسكرية والقضائية، لما يكتنف عملهما من حساسية بالغة، بينما لجأت مؤسسات أخرى للتضييق على تغطية وسائل الإعلام لأنشطتها من خلال التكتم الشديد على شئونها، وعرقلة حرية تداول المعلومات، بما يؤثر سلبيًّا على مساحة المجال العام الذي تنشط في إطاره الصحافة.

مآلات متعددة

تبدو التحديات التي تواجه حرية الصحافة واسعة النطاق، بحيث يصعب تجاوزها نتيجة تجذرها في الممارسات السياسية والتفاعلات المجتمعية المرتبطة بتعقيدات النظم السياسية في دول الإقليم، بما يجعل حرية الصحافة رهنًا بعدة سيناريوهات ترتبط بالسياقات المختلفة: أولها، فرض قيود دستورية وقانونية وتنظيمية ضاغطة على حرية الصحافة على امتداد الإقليم. وثانيها، تصاعد حدة ال*** واستمرار استهداف الصحفيين في إطار نظم سياسية غير مستقرة تنشط في إطارها ميليشيات مسلحة ذات توجهات سياسية متعارضة. وثالثها، تطوير ضوابط مهنية تحقق الانضباط الإعلامي دون أن تقمع حرية الصحافة في الدول التي يحتمل أن تحقق قدرًا من الاستقرار السياسي والتوازن بين السلطة والمعارضة، بيد أن التطورات السياسية تجعل هذا السيناريو الأخير مستبعدًا على الأقل في الأمد المنظور.
رد مع اقتباس
  #30  
قديم 03-05-2013, 09:26 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
رئيس مجلس الادارة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 27,929
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor is a glorious beacon of lightaymaan noor is a glorious beacon of light
افتراضي

المسئولية الغائبة:
تحديات الإعلام "الساخر" في مرحلة ما بعد الثورات العربية




إبراهيم غالي

رغم أن الثورات العربية فتحت الكثير من الأبواب التي كانت موصدة في وجه الإعلام، إلا أن الإعلام "الساخر" ما زال غير مرحبٍ به لدى حكومات تلك الثورات، حيث تعرض في تونس، خلال شهر أغسطس الماضي، للمصادرة واعتقال القائمين عليه على نحو ما حدث بشأن برنامج "اللوجيك السياسي"، كما يتعرض لمواقف مشابهة في مصر على غرار ما يحدث مع برنامج "البرنامج"، حيث بدأت التحقيقات مع الإعلامي باسم يوسف بتهمة إهانة الرئيس وازدراء الدين الإسلامي. وفي الحقيقة فإن موجة التضييق الحكومي على الإعلام في كل من مصر وتونس لا تقتصر على الإعلام "الساخر"، بل إنها تمتد لتطال الإعلام بصفة عامة، حيث تتزايد القضايا المرفوعة ضد الإعلاميين والصحفيين في كلتا الدولتين.

وفي مصر ثمة نموذجان متناقضان يؤكدان انعكاس حالة الاستقطاب السياسي الحاد التي تشهدها الساحة السياسية في الوقت الحالي على العلاقة بين السلطة الحاكمة ووسائل الإعلام التي تعارض جماعة الإخوان المسلمين، ويوضحان كذلك غياب الفوارق والحدود بين رؤية السلطة للحرية الإعلامية التي تحاول أن تفرض عليها مزيدًا من القيود، وبين إعلام حر يحاول أن يتخلص من تلك القيود بصرف النظر عما قد يحدث من حالة من الانفلات وعدم مراعاة القواعد المهنية والمسئولية المجتمعية.

النموذج الأول، يبدو جليًّا في تصريحات الرئيس محمد مرسي الأسبوع الماضي، والتي أشارت ضمنيًّا إلى اتهام مؤسسات إعلامية وإعلاميين بالترويج للأكاذيب والنيل من شخصه، وهو ما تصادف مع قيام أنصار لتيار الإسلام السياسي بالاعتصام أمام مدينة الإنتاج الإعلامي في 24 مارس الفائت، ومحاصرة أبواب المدينة، ومنع بعض العاملين من الدخول أو الخروج والاعتداء على بعض الإعلاميين بدنيًّا ولفظيًّا، في خروج واضح عن حالة التظاهر السلمي التي تجاوزت حق الاحتجاج المشروع لتنال من حقوق الآخرين. ويتمثل النموذج الثاني فيما يحمله تحقيق النيابة العامة مع الإعلامي باسم يوسف من تناقضات واضحة لتغييب الفارق بين حرية الرأي والتعبير لوسيلة إعلامية يشاهدها الملايين، والتزام هذه الوسيلة بالضوابط القانونية والأخلاقية.

ترصد متبادل

هذه المشكلة تحديدًا تثبت وجود حالة من الترصد المتبادل بين مؤيدي رئيس الجمهورية الذين يدفعون باتجاه وقف بث هذا البرنامج الذي يرونه مؤثرًا، إلى حد كبير، على صورة وشعبية الرئيس والتيار الإسلامي بوجه عام، وبين معارضي الرئيس الذين يقفون إلى جانب كافة وسائل الإعلام التي لا تنتقد الرئيس فقط وإنما تسخر من أدائه العام ولو باستخدام عبارات نابية لم تعتد عليها أسماع المشاهد المصري.
وتكمن المشكلة الرئيسية التي تواجه حرية الإعلام في العالم العربي، وخاصة في دول الربيع العربي، في أن السلطات الحاكمة لم تستوعب ليس فقط حجم التغيرات في مجال التعبير والرأي الذي أتاحه بداية عصر الفضائيات المفتوحة، والذي حد كثيرًا من سيطرة الدولة على توجيه الإعلام واحتكار وسائله، وإنما لم تقم كذلك بصياغة تشريعات تتلاءم وبداية مرحلة جديدة من الحرية والمشاركة السياسية والمجتمعية، فاستمرت في فرض القيود السابقة نفسها على حرية الرأي، وأضافت إليها معوقات جديدة. ففي مصر وتونس، على سبيل المثال، تم الإبقاء على استمرار سيطرة الحكومة في فرض تراخيص البث دون تأسيس جهة رقابية مستقلة بذلك، وعلى القوانين المتعلقة بالتشهير الجنائي مثل المادة (98) من قانون العقوبات المصري التي تقضي بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز 5 سنوات أو بالغرامة ضد من يحاكم بتهمة ""ازدراء الأديان"، والمادة (179) التي تنص على معاقبة كل من أهان رئيس الجمهورية بالحبس.

وعلى الجانب الآخر، أي ما يختص بالإعلاميين، فإن ثمة اتجاهات عديدة ترى أن معظم القنوات الخاصة تعتمد في الممارسة على إعمال نظرية "الحرية الإعلامية" المتجاوزة لأية ضوابط، ويسري ذلك على القنوات التي يمكن وصفها بـ"الدينية" والتي تسمح ببث فتاوى وأقاويل يفترض أنها تصدر عن متخصصين، لكنها تخرج عن نطاق التسامح الديني لتبث الكراهية ضد كافة المخالفين، وعلى القنوات "غير الدينية" التي انتقل معظمها من النقد إلى التجريح والسخرية والاستهزاء، فكلاهما، وفقًا لهذه الاتجاهات، يبدو أنه يرفض الرقابة والمسئولية ويسعى لتحقيق أقصى قدر من الربح المادي وتوجيه برامجه نحو غاية واحدة تفرض رؤيته هو ولا تعرض وجهة نظر الآخرين.

المسئولية الغائبة

وتبعًا لذلك، فإن الطرفين يغفلان، عن عمدٍ، أن ثمة ضوابط لحرية الإعلام، منها ضوابط قانونية وأخرى مجتمعية وثالثة دينية ورابعة ذاتية، وكلها تتعلق بالنظام والمصلحة العامة والأخلاق، كما اتضح في المادة (29) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي نصت على أن "يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون فقط، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي"، ويعني ذلك أن المسئولية المجتمعية والأخلاقية لا تمنح الإعلامي الحق المطلق في قول ما يشاء وقتما يشاء وبأي ألفاظ وتعبيرات، وإنما التقيد بمعايير المهنة والالتزامات الذاتية تجاه المجتمع.

ومما لا شك فيه، أن المسئولية الأكبر في تهيئة بيئة إعلامية أفضل تقع الآن على عاتق الإعلاميين في جانب كشف الحقائق وعرضها بحرفية عالية وبالتزام أخلاقي حتى تصل الرسالة الإعلامية، سواء من المؤيدين أو المعارضين، بشكل موضوعي يقود لتفعيل مساهمة الإعلام في أن يكون ركيزة لمجتمع تعددي أكثر انفتاحًا وحرية. ويقتضي ذلك توافق الإعلاميين، من شتى الاتجاهات، على ضرورة وضع قوانين ومعايير مهنية وأخلاقية تعيد التقيد الذاتي بالالتزام وبالضوابط المعروفة، وتحديد الحالات التي تقتضي اللجوء إلى القضاء بشكل واضح لا يحتمل التأويل والغموض، وفتح نقاش جدي حول معايير انضمام الأشخاص إلى منظومة العمل الإعلامي التي باتت متاحة للجميع دون ضوابط واضحة. أما السلطة الحاكمة فعليها مراجعة القوانين والتشريعات المقيدة لحرية الإعلام وتضييق الأحوال التي يتم فيها إحالة الإعلامي إلى التحقيق أو محاكمته، حتى لا تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الثورات العربية.

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 03-05-2013 الساعة 09:29 AM
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 06:10 AM.