اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #16  
قديم 08-11-2013, 01:48 PM
Mr. Ali 1 Mr. Ali 1 غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 15,375
معدل تقييم المستوى: 31
Mr. Ali 1 has a spectacular aura about
افتراضي


ما هو العارف بالله عند الصوفية والتصوف؟


كلنا نسمع بالعارف بالله فلان، ونقرأ في الكتب عن العارف بالله علان، كما نرى مكتوباً على أبواب ( بعض بيوت الأوثان ) المنتشرة في بلاد المسلمين طولاً وعرضاً: هذا مقام العارف بالله... وليس لهذه العبارة (العارف بالله) مدلول واضح في أذهان الكثيرين! وإنما تبعث في النفوس صوراً شاحبة لنوع ما من التزكية على الله، تزكية عريضة وغامضة مبهمة، هذا هو الشعور الذي تبعثه هذه العبارة في الأكثرية من الناس، الذين يعطونها تفاسير انطباعية غير موضوعية، تتناسب مع هوى المفسر ونفسيته ومستواه العلمي. فما هو معنى هذا المصطلح؟ وماذا يريدون به وله وفيه ومنه وعليه وإليه وعنه؟

الجواب، بكل بساطة، العارف بالله هو من عرف أن الله هو الكون!! وأن كل ما نرى ونسمع ونحس، بما في ذلك أنا وأنت وهو وهي وهم وهن ونحن وأنتم وبما في ذلك الحيوانات والحشرات والنباتات والجمادات، والأرض والشمس والقمر والنجوم والكواكب... كل هؤلاء هم أجزاء من الله! مع العلم أن بعض القوم لا يجيزون أن يقال: (أجزاء من الله) لأن الله كل لا يتجزأ، إنه وحدة غير قابلة للتعدد ولا للتجزؤ، ((سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)) [المؤمنون:91]، فالعارف وبكل بساطة، هو من توصل إلى معرفة وحدة الوجود بالذوق والمشاهدة.

قال الجنيد: المعرفة وجود جهلك عند قيام علمه. قيل له: زدنا، قال: هو العارف وهو المعروف([1]).

وسئل الحسين بن علي بن يزدانيار: متى يكون العارف بمشهد الحق؟
قال: إذا بدا الشاهد وفني الشواهد، وذهب الحواس، واضمحل الإحساس([2]). معنى: بدا الشاهد: يعني شاهد الحق. وفناء الشواهد: بسقوط رؤية الخلق عنك. وذهاب الحواس: هو معنى قوله: {فبي ينطق وبي يبصر}([3]).

ويقول الغزالي:
...فمن عرف الحق رآه في كل شيء، إذ كل شيء فهو منه وإليه وبه وله، فهو الكل على التحقيق..([4]). ثم يلوك الغزالي بعد هذا الكلام كلاماً يقصد به التمويه على غير أهل الحقيقة.

ويقول ابن عربي (الشيخ الأكبر):
...فإن العارف مَنْ يرى الحق في كل شيء، بل يراه عين كل شيء([5])...

ويقول ابن عطاء الله السكندري:
...والمعرفة رؤية لا علم، وعين لا خبر، ومشاهدة لا وصف، وكشف لا حجاب، ما هُمْ هُمْ، ولا هُمْ بإياهم، كما قال تعالى: ((إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ)) [الزخرف:59]. {فإذا أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيداً}([6])....

- يظهر من القراءة الساذجة لهذا النص أن فيه تنافراً بين جمله! لكن هذا يزول إذا تذكرنا أنهم يعنون بعبارة: (أنعمنا عليه)، أي: بالولاية والقرب. وعبارة: (كنت له سمعاً وبصراً)، أي: جعلته يستشعر ويتحقق أنه أنا. وأن (هو) من الأسماء الحسنى.

ويقول لسان الدين بن الخطيب:
ومحصول السعادة عندهم أن ينكشف الغطاء، وتظهر للعارف إنِّيَّة الحق، وأنه عين إنية كل شيء، ويعقل إنية ذاته وما هي عليه، ومن عرف نفسه عرف ربه([7])...
- كلمة (إنية) منحوتة من قول القائل: إني إني..

ويقول ابن عجيبة:
...وأما العارفون فقد ظفروا بنفوسهم ووصلوا إلى شهود معبودهم، فهم يستأنسون بكل شيء، لمعرفتهم في كل شيء، يأخذون النصيب من كل شيء، ويفهمون عن الله في كل شيء، فإذا مُدِحوا انبسطوا بالله، لشهودهم المدح من الله وإلى الله، ولا شيء في الكون سواه([8]).

ويقول عبد العزيز الدباغ([9]) (قطب الواصلين):
...إن الله تعالى لا يحب عبداً حتى يعرفه به، وبالمعرفة يطَّلع على أسراره تعالى، فيقع له الجذب إلى الله تعالى([10]).

ويقول مصطفى العروسي:
...العارف: هو مَن أشهده الله تعالى ذاته وصفاته وأفعاله، إذ المعرفة حالة تحدث عن شهود، والعالم من أطلعه الله على ذلك لا عن شهود، بل عن يقين مستند إلى دليل وبرهان، والعلماء بهذا المعنى هم العامة في اصطلاح الصوفية([11])...
ولو أراد باحث أن يجمع أقوالهم في العارف ومعنى المعرفة لاحتاج إلى مئات الصفحات. وفي القدر الذي مر كفاية لسد الطرق أمام مراوغاتهم، التي تخلو من الحياء والمنطق والعقل السليم، بل وتخلو من الخوف من الله!

قال سعيد حوى:
نحن نعلم أن هناك حالات للسالك يحس فيها بأحدية الذات الإلهية، ويستشعر فيها اسم الله الصمد، وهي حالة يستشعر فيها السالك فناء كل شيء، ولكن هذا الشعور لا بد أن يرافقه الاعتقاد بأن الله خالق، وأن هناك مخلوقاً، وأن الخالق غير المخلوق([12]).

- هذا قول واضح في تعريف الصوفي الكامل، الذي يسمونه: العارف، ويسمونه أسماء كثيرة، منها: الولي، والصديق، والمقرب...وغيرها وغيرها مما مر معنا، ومما لم يمر، وعلى رأسها (الإنسان الكامل) أي: الواصل إلى مقام الفرق الثاني.
ويجب أن نلاحظ الاستدراك الذي يستدركه على توضيحه للحقيقة، التي عبَّر عنها بقوله: يحس أحدية الذات، يستشعر اسم الله الصمد، يستشعر فناء كل شيء، ثم استدرك ليلتزم بالقاعدة التي يتواصون بها، فقال: ولكن... يجب أن يرافقه الاعتقاد بأن الله خالق وأن هناك مخلوقاً، وأن الخالق غير المخلوق، هذا الاستدراك صريح (بشيء من التأمل) في أن تلك الحالات التي يحس بها أحدية الذات الإلهية ينعدم فيها فكرة الخالق والمخلوق، فالكل واحد، ...كما أن هذا الاستدراك ما هو إلا التزام بالقاعدة القائلة: (اجعل الفرق في لسانك موجوداً، والجمع في جنانك مشهوداً)، مع تطوير لها.

إذ معنى قوله هنا هو: إن وحدة الوجود هي واقع الوجود، وإن الواصل يحس بها ويذوقها ويستشعرها وبالتالي سيعتقد بها، لكن يجب عليه أن يعتقد بالنقيضين معاً! يجب عليه أن يعتقد أن الخالق هو المخلوق، وأن يعتقد معها أن الخالق غير المخلوق! انظر إليه يقول:.. ولكن هذا الشعور لا بد أن يرافقه. الشعور بماذا؟ بأحدية الذات الإلهية، باستشعار الصمدانية، باستشعار فناء كل شيء، أي: باستشعار وحدة الوجود.

وبديهي أن الإنسان إذا استشعر شيئاً وذاقه وأحس به فسيعتقد به اعتقاداً جازماً. ومع ذلك، فالشيخ يطلب من السالك أن يعتقد مع هذا الاعتقاد (أن يرافقه) نقيضه، أي أن يعتقد النقيضين معاً! وهذا منطق جديد وتطوير جريء للعقيدة الصوفية وعبارتها.

* النتيجة:

من كل ما تقدم، ومما يمكن أن يملأ مئات الصفحات مما لم يتقدم، يظهر بوضوح تام أن معنى المعرفة عند القوم: هو معرفة وحدة الوجود، وأن العارف عندهم: هو الذي يعرف أن الكون هو الله ذوقاً واستشعاراً، أي يذوق الألوهية ويستشعرها ويحس بها ويتحقق بها.

([1]) التعرف، (ص:66).
([2]) التعرف، (ص:136).
([3]) من شرح الكلاباذي في التعرف، (ص:136).
([4]) الإحياء: (1/254).
([5]) الفصوص، (فص حكمة إمامية في كلمة هارونية)، (ص:192).
([6]) القصد المجرد، (ص6).
([7]) روضة التعريف بالحب الشريف، (ص:611).
([8]) إيقاظ الهمم، (ص:215).
([9]) الشيخ عبد العزيز بن مسعود بن أحمد الدباغ، مغربي من فاس، ولد سنة (1095هـ)، وتوفي سنة (1132هـ).
([10]) الإبريز، (ص:217).
([11]) حاشية العروسي: (1/8).
([12]) تربيتنا الروحية، (ص:79). والكتاب هو اقتباسات وتفريعات وزيادات على كتابي ابن عجيبة: (إيقاظ الهمم، والفتوحات الإلهية).

__________________
لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي !!
مغلق حتي يقضي الله أمراً كان مفعولاً.



رد مع اقتباس
  #17  
قديم 08-11-2013, 01:54 PM
Mr. Ali 1 Mr. Ali 1 غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 15,375
معدل تقييم المستوى: 31
Mr. Ali 1 has a spectacular aura about
افتراضي


ما هو هدف أو غاية الصوفية؟ الزهد والورع أم مشاهدة وحدة الوجود؟




الزهد عمل ساعة، والورع عمل ساعتين، والمعرفة عمل الأبد.
عبد القادر الجيلاني

في النصوص السابقة، أكثر بكثير من الكفاية، ولكننا أمام مخادعات ومراوغات لا تعرف حدوداً، ولا تعرف منطقاً، ولا تستحيي، وأمام مسلمين غافلين عن واقعهم خدعوا بالكلمات المنمقة. لذلك، وسداً للذرائع، ومنعاً للمراوغات والمخادعات، وإسكاتاً لمقولاتهم: لعل ولعل ولعل..، نقدم براهين أخرى من أقوالهم، على أن غاية التصوف هي استشعار وحدة الوجود، وأنه لا غاية للتصوف غير هذه الغاية (وسنحاول الاختصار كثيراً):

- الشائع بين أهل الشريعة أن غاية التصوف هي الزهد والتوكل والصبر ...إلخ. وقد سَرَت هذه الأغلوطة في الغافلين من أهل الشريعة (أهل الأوراق)، مما يردده عليهم أهل الحقيقة (أهل الأذواق). لكن لو رجعنا إلى عباراتهم المخصصة لأبناء طائفتهم، وللمريدين الذين قطعوا الشوط المطلوب في السلوك، لرأينا – وبوضوح - أن غاية التصوف هي التحقق بالألوهية، وهو ما يسمونه المعرفة، ولا غاية غيرها.

يقول الغزالي:
...ولمثل هذا قالت الصوفية: إن العلم حجاب، وأرادوا بالعلم: العقائد التي استمر عليها أكثر الناس بمجرد التقليد، أو بمجرد كلمات جدلية حررها المتعصبون وألقوها إليهم، فأما العلم الحقيقي، الذي هو الكشف والمشاهدة بنور البصيرة، فكيف يكون حجاباً وهو منتهى المطلب([1])؟!

ويقول: ... وفرقةٌ أخرى اشتغلوا بالمجاهدة وتهذيب الأخلاق، وتطهير النفس من عيوبها، وصاروا يتعمقون فيها، فاتخذوا البحث عن عيوب النفس ومعرفة خُدَعها علماً وحرفة، فهم في جميع أحوالهم مشغولون بالفحص عن عيوب النفس، واستنباط دقيق الكلام في آفاتها...

... وفرقة أخرى جاوزوا هؤلاء، ولم يلتفتوا إلى ما يفيض عليهم من الأنوار في الطريق، ولا إلى ما يتيسر لهم من العطايا الجزيلة، ولم يعرجوا على الفرح بها والالتفات إليها، جادين في السير، حتى قاربوا فوصلوا إلى حد القُربة من الله...، وعند ذلك يشرق نوره إشراقاً عظيماً، إذ يظهر فيه الوجود كله على ما هو عليه...فإذا تجلى نوره، وانكشف جمال القلب بعد إشراق نور الله عليه، ربما التفت صاحب القلب إلى القلب فيرى من جماله الفائق ما يدهشه، وربما يسبق لسانه في هذه الدهشة، فيقول: (أنا الحق)([2]).
- الرجاء من القارئ أن ينتبه إلى الجملة الأخيرة.

ويقول أبو مدين الغوث:
ليس للقلوب إلا وجهة واحدة، متى توجه إليها حجب عن غيرها، فإن توجه للدنيا حجب عن الآخرة، وإن توجّه للآخرة حجب عن الدنيا، وإن توجه إلى حضرة الله حجب عن الدارين([3]).
- إذن، فالآخرة ليست غايتهم!

ويقول ابن خلدون في المقدمة، فصل (علم التصوف):
...ولا يزال المريد يترقى من مقام إلى مقام، إلى أن ينتهي إلى التوحيد والمعرفة التي هي الغاية المطلوبة للسعادة... ثم إن هذه المجاهدة والخلوة والذكر يتبعها غالباً كشف حجاب الحس والاطلاع على عوالم من أمر الله، ليس لصاحب الحس إدراك الشيء منها.

ويقول عبد الوهاب الشعراني:
...ومعلوم أن مقصود القوم القرب من حضرة الله الخاصة، ومجالسته فيها من غير حجاب. وأما الثواب فحُكمه حُكم علف الدواب، قال تعالى: {أنا جليس من ذكرني}... والمراد بالمجالسة انكشاف الحجب للعبد([4])...
- لننتبه إلى قوله: وأما الثواب فحكمه حكم علف الدواب!! ولنسأل: ما هو سبب فساد الأمة؟

ويقول ابن عجيبة:
...والأعمال عند أهل الفن ثلاثة أقسام: عمل الشريعة، وعمل الطريقة، وعمل الحقيقة... أو تقول: عمل أهل البداية، وعمل أهل الوسط، وعمل أهل النهاية. فالشريعة أن تعبده، والطريقة أن تقصده، والحقيقة أن تشهده...فإذا تطهر من أوصاف البشرية تجلى بأوصاف الربوبية([5])...

ويقول علي نور الدين اليشرطي:
ما زال العبد يذكر الله حتى يستولي عليه الاسم، ومتى استولى عليه الاسم انطوت العبدية بالربية، وظهرت عليه صفات الرب، ولذة الرب تغيب العبد عن وجوده حساً ومعنى([6]).

- أقول: كل من رأينا، ومن قرأنا له، ممن انطوت فيهم العبدية بالربية وظهرت عليهم صفات الرب، كلهم إما بلهاء، أو تنقصهم المقدرة على التفكير السليم، فهل هذه هي صفات الرب؟!
ولو أردنا استقصاء أقوال القوم في غاية التصوف وهدفه، الذي هو الوصول ومعرفة وحدة الوجود، لاحتجنا إلى مئات الصفحات، وقد نحتاج إلى ألوفها. ولكن في هذا القدر كفاية، بالإضافة لما نراه في فصلي (المدخل إلى فهم النصوص الصوفية)، و(وحدة الوجود)، بل وفي شتى فصول الكتاب.

وهذا يعني، أننا عندما نسمع أحد الأولياء الأوفياء، الأتقياء الأنقياء، الصادقين الصديقين، المقربين العالِمين، العارفين المحققين، الأغواث الأقطاب، الأشراف الأسياد، الأشياخ الصالحين، الخاشعين المتعبدين، الذاكرين المتضرعين، المحبين المحبوبين، المطمئنين الموقنين، الواصلين الموصولين، المكاشفين المشاهدين، الطاهرين المطهرين، المحظيين الموحدين، المؤمنين المستنيرين، الراضين المرضيين، الزاهدين المتوكلين، العاشقين المعتصمين، المتقين الدالين على الله، الداعين إليه، الذين يمسون في حضرة الحق ويصبحون، المتحكمين في الكون، القائلين للشيء: كن فيكون، المتحققين بأسماء الله الحسنى حتى الاسم الأعظم (الله)، ذوي الأسرار العجيبة، والعلوم الجليلة...إلى آخر هذه الأوصاف التي يصفون بها أنفسهم والتي تجاوزت كل حدود رسمتها الشرائع، حتى الوثنية، وتجاوزت كل حدود الذوق والمنطق والعقل والحياء والخجل والأخلاق والضمير، بل وتجاوزت حدود الهزء بالإنسان وعقله وقلبه ونفسه وسره وسمعه وبصره، بل وتجاوزت حدود السخرية بوجود الإنسان ووجود الدين الإسلامي، والوحي الذي نزل بالدين الإسلامي.
أقول: عندما نسمع أحد هؤلاء الموصوفين بهذه الصفات يقول: إن غاية التصوف هي الزهد والعبادة والاستقامة...فيجب أن نعلم أنه يستعمل التقية، وما أدراك ما التقية، ثم ما أدراك ما التقية، ثم ما أدراك ما التقية؟!

ولنتذكر حكمة الغزالي:
إذا كان قد صح الخلاف فواجب على كل ذي عقل لزوم التقية
وأنبه إلى أن هذه الأوصاف التي أوردتها هي جزء مما يصفون به أنفسهم، وكلها من كتبهم وأقوالهم وأشعارهم وحكمهم.
وجواباً عليها نذكرهم ونذكر من يغتر بهم وبأقوالهم بقوله سبحانه: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا. انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا)) [النساء:49، 50]، وقوله: ((فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)) [النجم:32].
وأخيراً.. وحدة الوجود هي الصوفية، وهي الصوفية الحقة، وهي غاية التصوف، ولا غاية للتصوف غيرها، وواهم من ظن أو يظن خلاف ذلك، واهم واهم.

يقول عبد القادر الجيلاني: الزهد عمل ساعة، والورع عمل ساعتين، والمعرفة عمل الأبد([7]).

وهذا كلام واضح صريح أن الزهد والورع ليسا من الغاية في شيء، وأن المعرفة هي الغاية ولا غاية غيرها! فما هي المعرفة؟! ومن هو العارف؟!

([1]) الإحياء: (1/255)، وفي هذا النص إنكار صريح للعقيدة الإسلامية (العقائد التي استمر عليها أكثر الناس لمجرد التقليد..)، وهي جملة تصفع وجوه الذين يسمون الغزالي (حجة الإسلام)، ويدرسون (إحياء علوم الدين).
([2]) الإحياء: (3/349، 350).
([3]) الأنوار القدسية: (1/142).
([4]) الأنوار القدسية (1/34).
([5]) إيقاظ الهمم، (ص).
([6]) نفحات الحق، (ص0).
([7]) فتوح الغيب، (ص:171).

__________________
لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي !!
مغلق حتي يقضي الله أمراً كان مفعولاً.



رد مع اقتباس
  #18  
قديم 08-11-2013, 02:00 PM
Mr. Ali 1 Mr. Ali 1 غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 15,375
معدل تقييم المستوى: 31
Mr. Ali 1 has a spectacular aura about
افتراضي

ما هي الحقيقة المحمدية عند الصوفية ؟ 1/2


وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من لولاه لم تخرج الدنيا من العدم


من النصوص التالية سنعرف ماذا تعني: الحقيقة المحمدية، وسنعرف أن الصوفية كلهم يؤمنون بها.

يقول الحلاج: ... ما أخبر إلا عن بصيرته، ولا أمر بسنته إلا عن حق سيرته، حَضَرَ فأحضر، وأبصر فخبّر ... ، كان مشهوراً قبل الحوادث والكوائن والأكوان، ولم يزل، كان مذكوراً قبل القبل وبعد البعد والجواهر والألوان ... هو الدليل وهو المدلول ... بالحق موصول غير مفصول، ولا خارج عن المعقول ... العلوم كلها قطرة من بحره .. الأزمان كلها ساعة من دهره، هو الحق وبه الحقيقة، هو الأول في الوصلة، وهو الآخر في النبوة، والباطن بالحقيقة، والظاهر بالمعرفة...الحق ما أسلمه إلى خلقه، لأنه هو، وإني هو، وهو هو([1])...

* الملحوظات:

1- ينكر الوحي، ويجعل الرسول صل الله عليه وسلم جاء بالرسالة من ذاته وبصيرته، ونرى هذا في الجمل (ما أخبر إلا عن بصيرته ... حتى: وأبصر فخبر).
2- يجعل محمداً صل الله عليه وسلم هو الله، وله جميع صفاته الحسنى.

ويقول أبو طالب المكي:
قال بعض أهل المعرفة: خلق الله الجنة بما فيها من نور المصطفى صل الله عليه وسلم، فلما اشتاقت إلى رسول الله صل الله عليه وسلم، كان شوقها إلى المعدن والأصل، وصار شوق المشتاقين إلى الجنة شوقهم إلى النبي صل الله عليه وسلم، لأنها من نوره خُلقت([2]).

ويقول البوصيري في البردة:
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورةُ مَن لولاه لم تخرج الدنيا من العدمدع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكمفإن مِن جودك الدنيا وضرَّتَها ومِن علومك علمَ اللوحِ والقلم
- أي: أن محمداً صل الله عليه وسلم هو الذي أوجد الدنيا والآخرة.

ويقول محمد بن سليمان الجزولي في كتابه الذائع الصيت: دلائل الخيرات، وفيه الكفاية عن غيره:
اللهم صل على سيدنا محمد بحرِ أنوارك ... إنسانِ عين الوجود، والسبب في كل موجود، عين أعيان خلقك المتقدم من نور ضيائك([3])...
- اللهم صل على محمد الذي هو قطب الجلالة([4])...

ويقول عبد السلام بن بشيش:
... اللهم صل على مَن منه انشقَّت الأسرار وانفلقت الأنوار، وفيه ارتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق ... وحياضُ الجبروت بفيض أنواره متدفقة، ولا شيء إلا وهو به منوط ... اللهم إنه سرك الجامعُ الدال عليك، وحجابُك الأعظم القائم لك بين يديك([5])...

- ومن صلواتهم عليه صل الله عليه وسلم في أورادهم:
* صلاة الإمام الغزالي، وقيل: إنها لعبد القادر الجيلاني:
اللهم اجعل أفضل صلواتك أبداً ... على أشرف الخلائق الإنسانية، ومجمع الحقائق الإيمانية، وطور التجليات الإحسانية، ومهبط الأسرار الرحمانية ... ومالك أزمة المجد الأسنى، شاهد أسرار الأزل، ومشاهد أنوار السوابق الأول، وترجمان لسان القدم ... مظهر سر الجود الجزئي والكلي، وإنسان عين الوجود العلوي والسفلي، روح جسد الكونين، وعين حياة الدارين([6])...

* من صلاة لأحمد الرفاعي (جوهرة الأسرار):
اللهم صل وسلم وبارك على نورك الأسبق ... الذي أبرزته رحمة شاملة لوجودك ... نقطة مركز الباء الدائرة الأولية، وسر أسرار الألف القطبانية، الذي فتقت به رتق الوجود ... فهو سرك القديم الساري، وماء جوهر الجوهرية الجاري، الذي أحييت به الموجودات، من معدن وحيوان ونبات، قلب القلوب، وروح الأرواح، وإعلام الكلمات الطيبات، القلم الأعلى، والعرش المحيط، روح جسد الكونين، وبرزخ البحرين([7])...

* صلاة لأحمد البدوي:
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد شجرة الأصل النورانية، ولمعة القبضة الرحمانية ... ومعدن الأسرار الربانية، وخزائن العلوم الاصطفائية، صاحب القبض الأصلية ... مَن اندرجت النبيون تحت لوائه، فهم منه وإليه([8])...
- لننتبه إلى عبارة: القبضة الأصلية، التي تعني: القبضة التي قبضها الله سبحانه من نور وجهه، وقال لها: كوني محمداً (كما يفترون).

* صلاة لمحيي الدين بن عربي:
اللهم أفض صلة صلواتك ... على أول التعينات المفاضة من العماء الرباني، وآخر التنزلات المضافة إلى النوع الإنساني، المهاجر من مكة (كان الله ولم يكن معه شيء ثان)، إلى مدينة (وهو الآن على ما عليه كان)، مُحْصي عوالم الحضرات الإلهية الخمس في وجوده: ((وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)) [يس ]... والفيض المقدس الصفاتي الذي تكونت به الأكوان واستمداداتها، مطع شمس الذات في سماء الأسماء والصفات...خط الوحدة بين قوسي الأحدية والواحدية...ومركز إحاطة الباطن والظاهر... ([9])...

ويوجد في كتاب الكشف عن حقيقة الصوفية المزيد من الصلوات على نفس النمط سنورد هنا أسماءها للاختصار، ومن أرادها كاملة فليجع إلى الكتاب.
* صلاة لفخر الدين الرازي.
* صلاة النور الذاتي لأبي الحسن الشاذلي.
* صلاة الشيخ محمد أبي المواهب الشاذلي.
* صلاة محمد بن أبي الحسن البكري.
* الصلاة المعروفة بالصلوات البكرية.
* الصلاة المسماة بالصلوات الزاهرة.
* الصلاة السقافية لعبد الله السقاف.
* عدة صلوات (يتعبد بها كل الصوفية).
* الصلاة الكبرى لسيدنا عبد القادر الجيلاني:
...اللهم صل وسلم وأفلح وأنجح وأتم وأصلح وزك وأربح وأوف وأرجح، أفضل الصلاة وأجزل المنن والتحيات، على عبدك ونبيك ورسولك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو فلق صبح أنوار الوحدانية، وطلعة شمس الأسرار الربانية، وبهجة قمر الحقائق الصمدانية، وحضرة عرش الحضرات الرحمانية ... اللهم صل وسلم صلاة ذاتك على حضرة صفاتك الجامع لكل الكمال، المتصف بصفات الجلال والجمال، من تنزه عن المخلوقين في المثال، ينبوع المعارف الربانية، وحيطة الأسرار الإلهية ... اللهم إنا نتوسل إليك بنوره الساري في الوجود أن تحيي قلوبنا بنور حياة قلبه الواسع لكل شيء...وتسري سرائره فينا بلوامع أنوارك حتى تغيبنا عنا في حق حقيقته فيكون هو الحي القيوم فينا بقيوميتك السرمدية، فنعيش بروحه عيش الحياة الأبدية... ([10])
- هذه الصلاة الكبرى للشيخ عبد القادر الجيلاني شرحها الشيخ عبد الغني النابلسي، ونقلها يوسف النبهاني من ذلك الشرح، وكلهم أقطاب مكاشفون عارفون يعلمون علم اليقين!
* ومن صلاة الأنس لأحمد الرفاعي أيضاً:
- ومن شعر لشيخ الإسلام وغوث الزمان الحاج إبراهيم ابن الشيخ الحاج عبد الله الكولخي:
* ومن الأوراد التجانية (الصلاة الغيبية في الحقيقة الأحمدية)، فإنها برزت من الغيب من غير إنشاء أحد، وهي:
* ومن الصلوات الأحمدية الإدريسية (الصلاة الخامسة).
* ومنها (الصلاة السادسة).
الجزء الثاني من الموضوع:
ما هي الحقيقة المحمدية عند الصوفية ؟ 2/2

([1]) أخبار الحلاج (طاسين السراج)، (ص 2، وما بعدها).
([2]) علم القلوب، (ص:30، 31).
([3]) دلائل الخيرات، (ص 0).
([4]) دلائل الخيرات، (ص:214).
([5]) النفحة العلية، (ص:15، 16).
([6]) أفضل الصلوات على سيد السادات، (ص 3).
([7]) أفضل الصلوات، (ص 4)، وقلادة الجواهر، (ص:249).
([8]) أفضل الصلوات، (ص 5).
([9]) أفضل الصلوات، (ص 9، وما بعدها).
([10]) أفضل الصلوات، (ص:174، وما بعدها).

__________________
لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي !!
مغلق حتي يقضي الله أمراً كان مفعولاً.



رد مع اقتباس
  #19  
قديم 08-11-2013, 02:06 PM
Mr. Ali 1 Mr. Ali 1 غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 15,375
معدل تقييم المستوى: 31
Mr. Ali 1 has a spectacular aura about
افتراضي

ما هي الحقيقة المحمدية عند الصوفية ؟ 2/2



نكمل موضوعنا السابق ما هي الحقيقة المحمدية عند الصوفية ؟ 1/2، ومما يقوله الوارث المحمدي الجامع الغوث محمد مهدي الصيادي الرواس:
وبويعت في الحضرة، على الإيمان بحياة النبي صلى الله عليه وسلم، بل وبحياة جميع النبيين والمرسلين، وأن النبي صل الله عليه وسلم ذاق طعم الموت بالانتقال من هذه الدار إلى دار الآخرة، ورد الله عليه روحه، فهو في حضرة القرب عند مليكٍ مقتدر، يفعل بإذن الله في فلك الله ما يريد، وله التصرف المحض بأمر الله تعالى في ملك الله وملكوته، وهو شرارة الأزل والأبد...وعليه تعرض الأعمال وإليه تنتهي الأحوال([1])...

- الجواب: هو أولاً سؤال: هل الرؤى الشيطانية التي يشاهدها المتصوفة في حالة غيبوبة هلوسية([2]) تنسخ آيات الله وقرآنه؟!
- والجواب ثانياً هو من كتاب الله: ((مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)) [الكهف:26]، ((لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ)) [آل عمران 8]، ((قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا)) [الجن:21].
- والجواب ثالثاً: هو من قول رسول الله صل الله عليه وسلم: {لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم..}.
- والجواب رابعاً: إن ما يذكره الرواس من رؤياه الهذيانية منقول بدون تغيير من عقيدة النصارى بالمسيح عيسى صلوات الله عليه، وكل ما فعله الرواس هو تبديل الاسم بالاسم، ولنتذكر توجيهه للآية الذي مر معنا: ((أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ)) [يونس:53]، وكيف جعلها تعني: الله هو (أي: محمد) قل إي وربي إنه الله!
ولعلهم لم يكتفوا بالحقيقة المحمدية، فأضافت بعض الطرق إليها الحقيقة العلوية، فمن أقوال جلال الدين الرومي (الطريقة المولوية):
منذ كانت صورة تركيب العالم: كان علي.
منذ نقشت الأرض وكان الزمان: كان علي.
ذلك الفاتح الذي انتزع باب خيبر بحملة واحدة: كان علي.
كلما تأملت في الآفاق ونظرت فيها أيقنت بأنه في الموجودات: كان علي.
إن سر العالمين الظاهر والباطن الذي بدا في شمس تبريز: كان علي([3]).
ومن جهة أخرى، أحرزت البكتاشية أيضاً قصبة السبق بإعلان التثليث، فصارت الأقانيم عندهم ثلاثة: صورة الله، محمد، علي.
والبكتاشيون يعترفون بخطاياهم أمام مشايخهم فيغفرونها لهم، ويحللون الخمر، ويعتقدون تناسخ الأرواح([4]).

ويقول آية الله الخميني:
...وبالمشيئة ظهر الوجود، وهي اسم الله الأعظم...وهي الحبل المتين بين سماء الإلهية والأراضي الخلقية، والعروة الوثقى المتدلية من سماء الواحدية، والمتحقق بمقامها الذي أفقه أفقها هو السبب المتصل بين السماء، وبه فتح الله وبه يختم، وهو الحقيقة المحمدية والعلوية صلوات الله عليه، وخليفة الله على أعيان المهيات، ومقام الواحدية المطلقة والإضافة الإشراقية([5])...

نختم هذه النبذ بالنصوص التالية:
ويقول مصطفى بن محيي الدين نجا([6])، في شرحه (على الممزوجة بصلاة ابن بشيش):
...والحاصل أن الله تبارك وتعالى جعل الحقيقة المحمدية واسطة الإيجاد لمخلوقاته تفضلاً منه وإحساناً، فالأرواح التي لا تشاهد ذلك ولا تدرك أنه صلى الله عليه وسلم روحها وعين حياتها كأنها أموات([7])... (الله منه بدئ الأمر) أي الشأن الكلي الجامع لكل الشئون، وهو النور المحمدي الشريف، وهو أول صادر عنه سبحانه...ويسمى بالقلم الأعلى، وبالدوة البيضاء، وبالعقل الأول، وبروح الأرواح، وبالأب الأكبر، وبإنسان عين الوجود، وبالإنسان الكامل، وغير ذلك من الأسماء المشهورة عند العارفين([8]).
- الرجاء أن يلاحظ القارئ في هذه النصوص: الكذب على الله ورسوله، والشرك الأعظم، واليونانيات (العقل الأول).
والذي يريد استقصاء أقوالهم في الحقيقة المحمدية يستطيع أن يملأ منها مجلدات.
إذن، فالمتصوفة كلهم، من دون استثناء، يؤمنون بالحقيقة المحمدية، وقد وهم الذي خصوا بذلك جماعة منهم دون آخرين. لأن الصوفية مذهب واحد.
* وملخص أقوالهم هو: إن الله (سبحانه وتعالى عما يصفون) عندما أراد أن يجعل قسماً من ذاته متعيناً بشكل مخلوقات، كان أول شيء فعله هو أنه قبض قبضة من نور وجهه وقال لها: كوني محمداً، فكان محمد هو أول التعينات. وهذه القبضة من النور هي التي يطلقون عليها اسم (الذات المحمدية). ومن هذه الذات المحمدية انبثقت السماوات والأرض، والدنيا والآخرة، التي يسمونها فيما يسمونها (تعينات) فهي كلها تصدر عن الذات المحمدية ثم تعود إليها. وهذا هو ما يسمونه (الحقيقة المحمدية).
وأكرر، إنهم كلهم يؤمنون بالحقيقة المحمدية، وإن أنكر أحدهم ذلك فهو مخادع يستعمل التقية.

ولننتبه إلى الشبه التام بينهم وبين الهنادكة الذين يقولون: إن الخلائق صدروا من وجه براهمان، ومن يديه ومن فخذيه، ثم من قدميه (حسب الطبقات الهندوكية).
وأعيد فأكرر، إنهم كلهم يؤمنون بالحقيقة المحمدية، كلهم بدون استثناء، وما مضى براهين.

وبعض الباحثين الذين خصوا بذلك جماعة منهم دون آخرين كانوا واهمين.
وكثيراً ما يعبرون عنها بعبارة (أسبقية النور المحمدي).

والمولد المكذوب على ابن الجوزي والذي كانت قدسيته متزامنة مع دلائل الخيرات، إن لم تتقدمها في كثير من الأحيان، والذي كان يؤمن بما فيه كل المسلمين، إلا من رحم ربك، هذا المولد المكذوب فيه تفصيل للحقيقة المحمدية يستطيع الرجوع إليه كل من يريد ذلك، فهو متداول وصغير الحجم ومحشو بالشرك بالله والكذب على رسوله، وكذلك مولد البرزنجي.

([1]) فصل الخطاب، (ص:142).
([2]) أطلق أحد الأدباء الشباب على الجذبة الصوفية اسم (التحشيش الروحاني)، وهي تسمية صحيحة.
([3]) الصلة بين التصوف والتشيع، (ص:79).
([4]) الفكر الشيعي والنزعة الصوفية، (فصل البكتاشية).
([5]) شرح دعاء السحر، (ص0).
([6]) من تلاميذ علي اليشرطي.
([7]) كشف الأسرار، (ص6).
([8]) كشف الأسرار، (ص:139).



يُتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
__________________
لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي !!
مغلق حتي يقضي الله أمراً كان مفعولاً.



رد مع اقتباس
  #20  
قديم 09-11-2013, 05:45 PM
Mr. Ali 1 Mr. Ali 1 غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 15,375
معدل تقييم المستوى: 31
Mr. Ali 1 has a spectacular aura about
افتراضي


لا توجد عقيدة الحلول و الاتحاد في الصوفية



يتردد بين كثير من العلماء وفي بعض الكتب، أن المتصوفة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: قسم يؤمنون بالحلول، وقسم يؤمنون بالاتحاد، وقسم يؤمنون بوحدة الوجود. ويجعلون الحلاج مثلاً للحلوليين، وعمر بن الفارض مثلاً للاتحاديين. والحقيقة، أن هذا التقسيم وهم لا حقيقة له في الواقع، فجميع متصوفة المسلمين من أولهم إلى آخرهم هم على مذهب وحدة الوجود (باستثناء المبتدئين)، وكل ما مر هو براهين على ذلك، نضيف إليه قولاً للحلاج ينفي الاثنينية، وآخر لعمر بن الفارض ينفي به الاثنينية أيضاً، وأقوالاً لبعضهم تنفي الحلول والاتحاد.

* معنى الحلول: أن الله سبحانه وتعالى عما يصفون خلق الخلق، وحلّ فيه، كما يحل الإنسان في الثوب الذي يلبسه، أو كما يحل الماء في التراب عند مزجه، فيكونان بذلك اثنين متماسَّين تعالى الله.

* معنى الاتحاد: أنه سبحانه خلق الخلق و اتحد به، وضرب بعضهم مثلاً لذلك: اتحاد الماء بالخمر، مع أن هذا هو حلول في حقيقته وليس اتحاداً، وأصح منه مثلاً: اتحاد الكلور مع الصوديوم حيث يشكلان ملح الطعام. فيكونان بذلك متحدين، أومتماسَّين بالاتحاد.

* معنى وحدة الوجود: فقد عرفناها جيداً من النصوص السابقة، إنها تعني أنه ليس في الوجود إلا واحد هو الله، وكل ما نرى هو أجزاء منه تتعين بأشكال مختلفة، بما في ذلك أنا وأنت وهو وهي وهما وهم وهن، والأرض والشمس والقمر والنجوم والملائكة والجن، بما في ذلك الشياطين والحيوانات والحشرات.

يروى عن عبد الودود بن سعيد بن عبد الغني الزاهد قال:
...قلتُ له (أي: للحلاج): كيف الطريق إلى الله تعالى؟ قال: الطريق بين اثنين، وليس مع الله أحد. فقلت: بيِّن! قال: مَن لم يقف على إشارتنا لم ترشده عبارتنا، ثم قال:
أأنت أم أنا هذا في إلهين حاشاك حاشاك من إثبات اثنين([1])


وأقوالهم في استنكار الحلول والاتحاد ونفي وجود من يؤمن بهما كثيرة، نكتفي منها برشفات:
يقول الطوسي، صاحب اللمع (عنواناً لباب في كتابه): باب في ذكر غلط الحلولية وأقاويلهم، على ما بلغني، فلم أعرف منهم أحداً، ولم يصح عندي شيء غير البلاغ([2]).

ويقول محمود أبو الفيض المنوفي:
... فمَنْ مِن الصوفية يا ترى يعتقد أن الذات الإلهي العظيم المقدس المنزه الذي لا يحيط به شيء، ولا يحتويه شيء من المكان على سعته، ولا الزمان على امتداده، يتحد أو يحل بشيء من مخلوقاته، إلا أن يكون جاهلاً بالتصوف وبالإسلام، أومدعياً أو متطفلاً على التصوف والإسلام، وإذن فلْيَكُفَّ المتخرصون الجاهلون عن تخرصهم بغير علم عن التصوف الحق وأهل التصوف، وليدعوا أمر الخالق الذي له في خلقه الكثير من الشئون([3]).

* ملحوظة: لقد أحسن عندما فرق بين التصوف والإسلام.

ويقول ابن عجيبة:
... فلا وجود للأشياء مع وجوده، فانتفى القول بالحلول، إذ الحلول يقتضي وجود السوى (يعني الغير) حتى يحل فيه معنى الربوبية، والفرض أن السوى عدم محض فلا يُتصور الحلول...
ونزهه في حكم الحلول فما له سوى وإلى توحيده الأمر راجع
فقد تقرر أن الأشياء كلها في حيز العدم، فانتفى القول بالاتحاد، إذ معنى الاتحاد هو اقتران القديم مع الحادث، فيتحدان حتى يكونا شيئاً واحداً، وهو محال، إذ هو مبني أيضاً على وجود السوى، ولا سوى، وقد يطلقون الاتحاد على الوحدة كقول ابن الفارض:
وهامت بها روحي بحيث تمازجا اتحاداً ولا جرم تخلله جرم([4])

ويقول محمد بهاء الدين البيطار:
...فالمظاهر عين الظاهر، فليس إلا الله بلا مزج ولا حلول ولا اتحاد، بل القوم بريئون من جميع ذلك والله على ما نقول وكيل([5]).

* الملحوظات:

نلاحظ في هذه النصوص (وكثير غيرها) ما يلي:

1- ينفون وجود من يؤمن بالحلول أو بالاتحاد، لأن ذلك يقتضي أن في الوجود موجودين اثنين خالقاً ومخلوقاً، أو حسب تعبيرهم، الحق والسوى، وبما أنهم كلهم يؤمنون بوحدة الوجود ولذلك فإن السوى لا وجود له، إذن فلا يوجد فيهم من يؤمن بالحلول أو الاتحاد.

2- الحلاج يتبرأ من الاثنينية وينزه الخالق عن إثبات اثنين، إذن فهو لا يقول بالحلول.

3- ينفي ابن الفارض الاثنينية([6])، وينفي وجود المعية مع الحق، إذن فهو لا يقول بالاتحاد، وفي شعره يردد كلمة (الاتحاد) وهو يعني بها وحدة الوجود، ولا شيء غير ذلك.

* الخلاصة:

الصوفية مذهب واحد، لا يوجد فيهم من يؤمن بالحلول ولا الاتحاد ولا المزج ولا الوصل ولا الفصل، بل كلهم يؤمنون بوحدة الوجود، وتلك كلها تتناقض مع وحدة الوجود، وقد غلط العلماء الذين قالوا: إن في الصوفية حلوليين واتحاديين، وكانوا واهمين.
جملة يتسلى القارئ بتحليلها:
يقول أحدهم: ...وفي الحقيقة، لا فصل ولا وصل، ولذلك قيل:
ولا عن قلىً كان القطيعة بيننا كنه دهرٌ يُشتّ ويَجْمع.

([1]) أخبار الحلاج، (ص:57).
([2]) اللمع، (ص:541).
([3]) معالم الطريق إلى الله، (ص:410).
([4]) إيقاظ الهمم، (ص:45، 46).
([5]) مرت في صفحة سابقة.
([6]) مر هذا في الأبيات المنقولة من تائيته في صفحة سابقة.
__________________
لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي !!
مغلق حتي يقضي الله أمراً كان مفعولاً.



رد مع اقتباس
  #21  
قديم 09-11-2013, 05:51 PM
Mr. Ali 1 Mr. Ali 1 غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 15,375
معدل تقييم المستوى: 31
Mr. Ali 1 has a spectacular aura about
افتراضي


وحدة الوجود في أوراد الطرق الصوفية



ونحن، في عرضنا للصوفية، نواجه نوعين من الناس: خبثاء وبسطاء. والبسطاء يرددون أقوال الخبثاء بسلامة صدرٍ وحسن نية. ومن جملة ما سيقوله لنا كلا النوعين في هذا المقام: إن الصوفيين الحاليين لا يعرفون هذه الأمور! أو: إنهم الآن لا يفهمون ذلك! أو: إن هذا شيء انتهى! أو.. أو.. وما أكثر ما عندهم من اعتراضات كلها باردة وليس فيها شيء من الحق. فسداً لذرائع أمثال هؤلاء، نورد نصوصاً معتمدة لدى الطرق الصوفية، من أورادهم وصلواتهم التي يتعبدون بها في خلواتهم واجتماعاتهم، يطبعونها في كتب يوزعونها، ويحفظون نصوصها.

* من أوراد الطريقة القادرية وقد يستعملها الآخرون:
...الاسم الثالث (هو)، عدد تلاوته أربعة وأربعون ألفاً وستمائة مرة، وتوجهه: يا من هو الله لا إله إلا أنت هو هو هو، إلهي حقق باطني بسر هويتك، وأفن مني أنانيتي إلى أن تصل إلى هوية ذاتك العلية، يا من ليس كمثله شيء، أفنِ عني كل شيء غيرك، وخفف عني ثقل كثائف الموجودات، وامحُ عني نقطة الغيرية لأشاهدك ولا أدري غيرك، يا هو يا هو يا هو، لا سواك موجود، لا سواك مقصود، يا وجود الوجود([1])...

- ومن الجدير بالملحوظة أن الطريقة القادرية (بل كل الطرق الصوفية) تتبنى عينية عبد الكريم الجيلاني، التي مر أبيات كثيرة منها، يتبنونها على أنها من نظم عبد القادر الجيلاني. ولا يهمنا نسبتها لهذا أو لذاك، وإنما الذي يهمنا هو تبنيهم لها، ويستطيع القارئ الرجوع إليها في صفحات سابقة، ولا بأس من إيراد بيتين منها:
وما الخلق في التمثال إلا كثلجة وأنت لها الماء الذي هو نابعوما الثلج في تحقيقنا غير مائه وغيران في حكمٍ دعته الشرائع.

* ومن أوراد الطريقة الرفاعية: اللهم صل على المتخلق بصفاتك، المستغرق في مشاهدة ذاتك، رسول الحق، المتخلق بالحق، حقيقة مدد الحق: ((أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ)) [يونس:53]...وقد جعلت كلامك خلقه، وأسماءك مظهره، ومنشأ كونك منه([2])...

* ومنها: اللهم بك توسلت.. أن تصلي عليه صلاة أبدية ديمومية قيومية إلهية ربانية، تصفينا بها من شوائب الطبيعة الآدمية بالسحق والمحق، وتطمس بها آثار وجودنا الغيرية عنا في غيب غيب الهوية، فيبقى الكل للحق في الحق بالحق([3])...

* وفي الطريقة النقشبندية :
مر معنا قول الشيخ سلامة العزامي([4]) واصفاً شيخه أمين الكردي:
...وكان يرى أن القول بوحدة الوجود من سُكر الوقت وغلبة الحال، يعذر صاحبه إذا كان مغلوباً، ولا يصح تقليد غيره له([5])...

ويقول محمد بن سليمان البغدادي الحنفي النقشبندي([6]):
...الإسراف السابق لا ينافي الجذب اللاحق، لأن كثيراً من الأولياء الأكابر جذبتهم الواردات الإلهية وهم في الإسراف والمعصية، وأما الإسراف اللاحق، إذا لم يغلب على الخير، بل كان الأمر بالعكس، فلا يُحْكَم به على هلاك صاحبه جزماً والطعن في حاله...واعلم أن الجذب وحده من غير سلوك في الطريق المستقيم بامتثال أوامر الحق تعالى والاجتناب عن نواهيه لا نتيجة له أصلاً...وكذلك السلوك بامتثال الأوامر واجتناب النواهي من غير جذب إلهي لا نتيجة له غير الدخول في حيز العلماء والعباد من أهل الظاهر([7])...

- وطبعاً، الجذبة هي التجلي الإلهي، وفيها يحصل التحقيق بالأسماء الإلهية، والاستشعار بالاسم الصمد، أو بالألوهية.
* ومن أوراد الطريقة الشاذلية (وغيرهم يستعملها): مر معنا قولهم في الصلاة البشيشية - أو المشيشية -: وزج بي في بحار الأحدية وانشلْني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة، حتى لا أرى ولا أسمع ولا أحس الا بها([8])...

* ومن حزب الفتح ( لسيدي أبي الحسن الشاذلي ):
.. ونسألك الإحاطة بالأسرار.. وجلّت إرادتك أن يوافقها أو يخالفها شيء من الكائنات، حسبي الله (ثلاثاً) وأنا بريء مما سوى الله..([9]).
- يُرجى من القارئ أن ينتبه لقوله: (وأنا بريء مما سوى الله) في معنييها، الظاهر والصوفي، وأن يلاحظ مدى شمول البراءة في المعنى الظاهر!!

- أخيراً..

إن في هذه النصوص الوحدوية المقدمة حتى الآن، كفاية وكفاية، وأكثر من الكفاية، للدلالة على أن وحدة الوجود هي عقيدة القوم التي تقوم عليها الصوفية، فالصوفية هي وحدة الوجود مغلفة بالتقية، ووحدة الوجود المغلفة بالتقية هي الصوفية.
وهناك كتاب لا يكاد يخلو منه مسجد ولا بيت، يكاد يكون مقدساً لدى كل الطرق الصوفية، إنه كتاب: دلائل الخيرات، لمؤلفه محمد بن عبد الرحمن بن سليمان الجزولي السملالي. إن كتاب (دلائل الخيرات) معتبر لدى كل الطرق الصوفية، يقرأ صباحاً ومساءً كل يوم، بل هو معتبر عند كثير ممن لا ينتمون إلى الصوفية. ومما جاء فيه:
...وفقني لاتباعه والقيام بآدابه وسننه، واجمعني عليه، ومتعني برؤيته، وأسعدني بمكالمته، وارفع عني العلائق والعوائق والوسائط والحجاب، وشنِّف سمعي معه بلذيذ الخطاب([10])...

- أنبه هنا إلى أن الذي يحتاج إلى توضيح معاني هذه العبارات، بعد مئات الصفحات السابقة، مثل هذا الإنسان عليه أن يشكو حاله إلى الله جل شأنه.
ومما جاء فيه أيضاً (صلوات الذات):
اللهم صل على سيدنا محمد نور الذات، وسره الساري في جميع الأسماء والصفات([11])...

- نكتفي بهذا القدر من النصوص الوحدوية، ففيه، كما قلنا، كفاية وكفاية، وأكثر من الكفاية. وهذه النصوص، رغم كثرتها، ما هي إلا جزء ضئيل من عباراتهم المشيرة إلى وحدة الوجود، والتي لو جمعت لملأت ألوفاً من الصفحات. وكثير من أقوالهم ونصوصهم الوحدوية التي أهملتُها، هي أكثر وضوحاً من بعض ما أوردته على صفحات هذا الكتاب؛ لكني أهملت تلك، وأوردت هذه، لأقدم للقارئ أكثر ما يمكن من أنواع عباراتهم ورموزهم وإشاراتهم وألغازهم.

النتيجة:

من كل ما سبق نستنتج ما يلي:
- الصوفية هي وحدة الوجود والطريقة التي توصل السالك إلى ذوقها واستشعارها.

- يعلمون أن وحدة الوجود هي كفر وزندقة بالنسبة للشريعة، لذلك يتواصلون بكتمانها عن غير أهلها.

- كلهم يؤمنون بها من أولهم إلى آخرهم، قديمهم وحديثهم، عارفهم وأميهم، مشهورهم ومجهولهم، لكنهم يكتمونها عن المبتدئين حتى يتأكدوا من إخلاصهم.

- عندما نسمع بعبارة (الصوفية الحقة)، فهي تعني شيئاً واحداً ليس غير، إنها تعني (وحدة الوجود)، والطريق المؤدية إليها، ثم كتمانها عن غير أهلها.

- من أجل التعمية على أهل الظاهر - أهل الشريعة - أوجد لهم سيدهم الجنيد مصطلحات خاصة بهم، يسجلون بها أوهامهم في كتبهم وينقلونها إلى مريديهم.

- وزيادة في التزوير والخداع، اخترعوا أحاديث على لسان الرسول صل الله عليه وسلم ليؤيدوا بها عقيدتهم.

- وزيادة في التزوير والخداع، أولوا بالباطل آيات القرآن وأقوال الرسول صل الله عليه وسلم ليؤيدوا بالتأويل الباطل عقيدتهم.

- وزيادة في التزوير والخداع، ومن أجل التلبيس على البسطاء والسذج نشروا بين الناس أن عقيدتهم تعتمد على القرآن والسنة، وأنها لا تناقض القرآن والسنة، وأنها مؤيدة بالقرآن والسنة؟

- وزيادة في التزوير والخداع الذي لا حدود له، قالوا: إن طريقتهم هي الزهد وتربية النفس، وأنها السير إلى الله والعروج إليه.

- وبإيحاء شياطينهم وأوهامهم، سموا أنفسهم بأسماء فيها من الجرأة على الله سبحانه، وتحدي قرآنه وسنة رسوله ما تجاوز كل حد وكل ذوق، حتى جعلوا أنفسهم يتصرفون في الكون، وحتى جعلوا أنفسهم أو جعلوا الواصلين منهم، متحققين بالاسم الأعظم (الله) أي: أن الواصل هو الله.

فهم العارفون الصديقون الصادقون المقربون الأولياء الصالحون الأتقياء الأنقياء، رغم جهلهم وضلالهم وكذبهم وبعدهم عن الشريعة الإسلامية، وتوليهم الشيطان وممارستهم طقوساً لا تمت إلى الإسلام بصلة، وتأليههم البشر والقبور والحجارة والشجر، وهم يطبقون هذا التأليه عملياً وينكرونه نظرياً أمام أهل الظاهر (أهل الشريعة)، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

وللحقيقة إنهم كلهم مشايخهم ومريديهم (إلا النادر من المبتدئين) يؤمنون بأنهم على حق فيما هم عليه، وأنه هو ما يسمونه: مقام الإحسان، وعندما يكذبون ويتاقون فهم يرون أن هذا هو الحكمة الإلهية، التي أرادها الله لعباده!

ومن العجب أن هذه الحكمة مفروضة فقط على متصوفة المسلمين، أما الهندوس والبوذيون والطاويون والجينيون فليست مفروضة عليهم، لأنهم يقولون بوحدة الوجود بكل صراحة، والفرق بين المتصوفة وبين أهل تلك الأديان، أن المتصوفة يكذبون ويجعلون الله سبحانه وتعالى مثلهم، بحجة أنه يغار على السر (جل وعلا علواً كبيراً).




([1]) الفيوضات الربانية في المآثر والأوراد القادرية، (ص:16).
([2]) بوارق الحقائق، (ص:326).
([3]) بوارق الحقائق، (ص:340).
([4]) أحد علماء الأزهر، عاش إلى ما بعد سنة (1343هـ)، ولم أقف على أكثر من هذه المعلومات، إلا أنه كان خليفة الشيخ أمين الكردي.
([5]) تنوير القلوب، ترجمة المؤلف، (ص:42).
([6]) بغدادي، من خلفاء الخالدية، نسبة إلى الشيخ خالد النقشبندي، توفي سنة (1234هـ).
([7]) الحديقة الندية في الطريقة النقشبندية، (ص7).
([8]) النفخة العلية في الأوراد الشاذلية، (ص:16).
([9]) النفحة العلية، (ص:144).
([10]) دلائل الخيرات، (ص:15).
([11]) دلائل الخيرات، (ص:233).


يُتبــــــــــــــــــــــــــــــــع


__________________
لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي !!
مغلق حتي يقضي الله أمراً كان مفعولاً.



رد مع اقتباس
  #22  
قديم 10-11-2013, 07:18 PM
Mr. Ali 1 Mr. Ali 1 غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 15,375
معدل تقييم المستوى: 31
Mr. Ali 1 has a spectacular aura about
افتراضي


كشف حقيقة الصوفية في أقوال عبد القادر الجيلاني





- وننتقل إِلى غيره، لنعود إِلى التواصي بالكتمان، ونرى صوراً من العبارة التي يستعملونها، يقول عبد القادر الجيلاني([1]) (قطب الأولياء الكرام):
...هم (أي: الواصلون) أبداً في سرادق القرب، فإِذا جاءتْ نوبة الحكم كانوا في صحن الحكم، إِذا جاءت نوبة الخروج كانوا على الباب يأخذون القصص من الخلق يصيرون وسائط بينهم وبين الحق عز وجل، هذه أحوالهم، ولكن من الحال ما يكتم([2]).

- ما يجب الانتباه إليه:-

1- الواصلون (في سرادق القرب): واضح أنه القرب من الله، و(كانوا في صحن الحكم): واضح أنه الحكم في الكون، أو التصرف! وهذا هو مقام الغوثية وهو- كما يعرف كل من قرأ القرآن وفهمه- أنه (أي: القول بالتصرف) من الشرك الأعظم؛ لأنه سبحانه يقول: ((..وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)) [الكهف:26].

2- في نوبة الخروج يكونون على الباب وسائط بين الخلق والحق، وهذا أسلوب آخر في التعبير عن مقام (الفرق الثاني) أترك تحليله للقارىء.

3- مع ما في قوله من الشرك العظيم، فهو يقول: (ولكن من الحال ما يكتم)، فما هو هذا الحال الذي يكتم؟! وهل هناك ما هو أعظم من الشرك (كانوا في صحن الحكم)؟!، في الواقع نحن الآن نعرف الجواب ومع ذلك نكرر السؤال! ما هو؟ كما يحق لنا -منذ الآن- أن نعرف أن سيف التأويل صقيل صقيل، طويل طويل، لفاف دوار!

ويقول أحمد الرفاعي الغوث([3]):
...أي علي! كل القوم شربوها فحكمت عليهم، فعربدوا وباحوا، وخالك شربها فحكم عليها، فكتم حبه، وأخفى وجده، فظهر بكتمانه على أقرانه، وارتفع بكتمان حُبه عند حبه على صحبه. أي: علي! عليك بكتمان الأسرار، تنال الفخار([4]).

- يريد بقوله: (شربوها)، أي: شربوا الخمرة الإلهية، وهي إِشارة إِلى التحقق بالألوهية وما يصاحبه من لذة.

ويقول:
يسقي ويشربُ لا تلهيه سكرتُه عن النديم ولا يلهي عن الكاسِأطاعهُ سكرُه حتى تمكَّنَ من حال الصّحاة وهذا أعظمُ الناس([5])
ونعرف طبعاً أن السكر هو مقام الفناء، أو هو لذة الشعور بالألوهية.
ويقول: ...أعلم أن المدَّاح الذي يمدح بمجلس الفقراء بغير طمع...يكون له من الفقر سبعة قراريط، بشرط أن يكون مداحاً بالحقيقة...ولهذا الشرط في المعنى شروطاً: الأول: أن يكون فقيراً...السادس: أن يكون أمين الخزائن السرية، أي: أميناً على الأسرار فلا يكون مبيحاً بالسر([6]).

- ولا أظننا - منذُ الآن- بحاجة للتعليق على النصوص، فقد أصبحت واضحة المعاني لمن درس النصوص السابقة بإِمعان.

- ويقول أبو مدين المغربي([7]) (الغوث):
وفي السر أسرار دِقاق لطيفةٌ تُراقُ دِمانا جَهْرة لو بها بُحنا([8])
ويورد عبد الحليم محمود (الدكتور، شيخ الجامع الأزهر)([9]):
قيل له: (أي: لأبي مدين) مرة في المنام: حقيقة سرك في توحيدك؟ فقال: سري مسرور بأسرار تستمد من البحار الإلهية التي لا ينبغي بثها لغير أهلها، إِذ الإشارة تعجز عن وصفها، وأبت الغيرة الإلهية إِلا أن تسترها، وهي أسرار محيطة بالوجود لا يدركها إِلا من كان وطنه مفقوداً، وكان في عالم الحقيقة بسره موجوداً، يتقلب في الحياة الأبدية، وهو بسره طائر في فضاء الملكوت، وشرح في سرادقات الجبروت، وقد تخلق بالأسماء والصفات، وفني عنها بمشاهدة الذات...وكشف لي عن مكنون التحقيق، فحياتي قائمة بالوحدانية، وإشاراتي إِلى الفردانية([10])...

- يلاحظ هنا أن الكلام مناميٌ! رؤيا رآها أحدهم!! ولكن نحن ماذا علينا؟ فقد رواه في كتابه الشيخ الأكبر شيخ الجامع الأزهر!! كما يجب أن ننتبه إلى عبارة: (وإشاراتي إلى الفردانية).

ويورد أيضاً أن ابن عربي يقول:
شيخنا أَبو مدين، من الثمانية عشر نفساً الظاهرين بأمر الله عن أمر الله، لا يرون سوى الله في الأكوان([11]).

- ويقول عمر بن الفارض([12]):
فلاحٍ وواشٍ ذاك يُهدي لعزةٍ ضلالًا وذا بي ظل يَهذي لِغرةِأخالف ذا في لومه عن تقىً كما أخالف ذا في لؤمه عن تقية([13])

- يجب أن ننتبه في البيت الثاني إِلى فكرة (التقية) ومع من يستعملها؟

ويقول:
وثَم أمورٌ تمّ لي كشفُ سرْها بصحو مفيقٍ عن سواي تغطّتِوعنيَ بالتلويح يفهم ذائقٌ غنيٌّ عن التصريحِ للمتعنتبها لم يبح من لم يُبح دمه وفي الإشارة معنى ما العبارة حدت([14])

- ما يجب أن ننتبه إليه في أقوال ابن الفارض هنا، هو كلمة (الهوى) في قوله: ولي في الهوى علم تجل صفاته... وإلى ماذا تشير؟

إِن تحليلاً لهذه العبارة (الإشارية) يقدم مساعدة جديدة في فهم إِشاراتهم ورموزهم، نحن نعلم أن الهوى أو العشق - كائناً ما كان- ليس فيه علم ولا فقه، فما هو هذا الهوى الذي يعلِّم ويفقّه؟! من البدهي أنه يعني بالهوى هنا، هوى الذات الإلهية، ونريد أن نقفز فوق فصول الكتاب، لنوضح هذه الإشارة، رغم أن مكان التوضيح هو في ما يأتي من الفصول.

في الحقيقة والواقع أن هذا الهوى هو هوى لتلك اللذة العارمة التي يذوقونها في (الجلوة) أو (الجذبة)، حيث يغدون في حالة لا يرون فيها الأجسام كما هي، فقد يرونها أشباحاً شاحبة يتخللها نور قد يكون باهتاً وقد يكون قوًّيا طاغياً، وقد تضمحل هذه الأشباح والرؤى فلا يرى أَمامه إِلا أبعاداً شفافة، وقد يرى مناظر مختلفة، وقد يرى نفسه شفافاً مندمجاً في وجود شفاف، ويفسر هذا حسب الإيحاءات الشيخية أنه فناءً في الله (جل وعلا) وما شابه ذلك.

وهم يظنون أَن هذا النور الذي يشاهدونه في كل شيء وفي ذواتهم، هو الله ((سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ))، والحق أن هذه الحالة تشبه بدقة حالة التحشيش والأفينة! وفي هذه المشاهدة قد يسمعون كلاماً، أو يرون أشياء، يظنونها علماً، وهو ما يسمونه (العلم اللدني) وسنرى فيما بعد أمثلة من هذا العلم (اللدني). إِن الهوى أَو العشق، للخمرة الإلهية - كما يسمونها- هو الذي يدفعهم إِلى الرياضة والمجاهدة من أَجل (الوصول إِلى الجذبة)، ويسمون ذلك (الوصول إِلى الله، أَو العروج إِلى الله) حيث يتلقون العلم اللدني.

- إِذن: فهذا الهوى هو الذي قادهم إِلى الجذبة فالعلم، ومن هنا كانت إِشارة ابن الفارض. فهو يرمز بكلمة (الهوى) إِلى ما يقود إِليه الهوىَ، وهو الجذبة، أَو الفناء في الله (بل الصحيح هو اللذة التي يجدونها والتي تستغرقهم حتى الإمناء).
----------------------------------------------

([1]) أبو محمد محيي الدين عبد القادر بن أبي صالح موسى جنكي دوست، ولد في جيلان عام (470)، وعاش في بغداد، وتوفي فيها عام (561هـ).
([2]) الفتح الرباني، (ص:200).
([3]) أحمد محيي الدين أبو العباس الرفاعي ولد وعاش في أم عبيدة (كسفينة) من أعمال واسط بالعراق، وتوفي فيها عام (578هـ).
([4]) قلادة الجواهر (ص3)، وعلي هذا هو علي بن عثمان ابن أخت الشيخ أحمد، وهو صاحب كتاب (السر الجلالي والمقامات والمعالي).
([5]) قلادة الجواهر، (ص:227). في كتاب (بهجة الأسرار ومعدن الأنوار)، (ص7) يعزى البيتان للشيخ سيف الدين قاضي القضاة أبي صالح؟؟.
([6]) قلادة الجواهر، (ص:279).
([7]) أبو مدين شعيب بن حسين الأنصاري، أصله من (حصن قطنيانة) قرية تابعة لِإشبيلية في الأندلس، هاجر إلى
بجاية صغيراً، وعاش فيها، وتوفي في (العباد) خارج تلمسان عام: (594هـ) وقيل قبل ذلك.
([8]) الفتوحات الِإلهية، (ص:45)، وهي من قصيدة أولها:
تضيق بنا الدنيا إذا غبتمو عنا وتزهق بالأشواق أرواحنا منا
أوردها عبد الحليم محمود في كتابه (أبو مدين الغوث) حاذفاً منها هذا البيت؟؟!!.
([9]) من أكبر مشايخ الصوفية في مصر، توفي منذ سنوات قليلة.
([10]) كتاب (أبو مدين الغوث)، (ص:130).
([11]) أبو مدين الغوث، (ص4).
([12]) ولد وعاشر في القاهرة ثم هاجر إلى مكة وبقي فيها (15) عاماً، ثم عاد إلى القاهرة وتوفي فيها عام: (632هـ).
([13]) التائية الكبرى، الديوان، (ص:23).
([14]) التائية الكبرى.
__________________
لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي !!
مغلق حتي يقضي الله أمراً كان مفعولاً.



رد مع اقتباس
  #23  
قديم 10-11-2013, 07:23 PM
Mr. Ali 1 Mr. Ali 1 غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 15,375
معدل تقييم المستوى: 31
Mr. Ali 1 has a spectacular aura about
افتراضي


وحدة الوجود عند سعيد حوى و عند الخميني



يقول آية الله الخميني :
واعلم أن الأسماء والصفات الإلهية كلها كامل، بل نفس الكمال...وأكمل الأسماء هو الاسم الجامع لكل الكلمات، ومظهره الإنسان الكامل المستجمع لجميع الصفات والأسماء الإلهية ومَظْهَرُ جميع تجلياته([1])... ويقول: فالإنسان الكامل جميعُ سلسلةِ الوجود وبه يتم الدائرة، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو الكتاب الكلي الإلهي([2])...

ويقول: الموجودات كلها أسماء إلهية.

ولعلك بعد التدبر في روح الاسم، والتفكر في حقيقته ومطالعة دفتر سلسلة الوجود وقراءة أسطره، ينكشف لك بإذن الله وحسن توفيقه أن سلسلة الوجود ومراتبها ودائرة الشهود ومدارجها ودرجاتها كلها أسماء إلهية([3])...
- هذا مثل قول قائلهم: واجتمع فيه النجو مع الورد وغيرها مما مر.

ويقول سعيد حوى :
... وبشكل عام، فإن السائر إلى الله ليصل إلى مقام الإحسان، فإنه يمر على ما يسميه الصوفية (الفناءات)، والفناء في الأفعال بأن يحس الإنسان أن كل شيء فعلُ الله، والفناء في الصفات بأن يستشعر الإنسان صفات الله عز وجل، والفناء في الذات، وهو أن يستشعر الإنسان أولية الذات الإلهية وصمدانيتها. ومتى استقر في هذا المقام أحس بمقام الإحسان، ويحاولون في هذه الحالة أن ينقلوه إلى مقام (المشاهدة مع رؤيته الخلق)، وهذا الذي يسمونه مقام (البقاء)، وقد تكون النقلة سريعة إلى الفناء في الصفات مباشرة، أو قد تكون إلى الفناء في الذات مباشرة، ثم يبدأ السالك يستشعر ما سوى ذلك([4])؟

- النص واضح جداً، مر معنا أمثاله. وفيه بعض العبارات الغامضة:
فعبارة: ...أولية الذات الإلهية يعني بها: كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما كان عليه، فأولية الذات الإلهية هي: كان ولا شيء معه، ويستشعر بها، أي: يستشعر أنها على حالها كما كانت، وهو الآن على ما كان عليه.

وعبارة: ...وصمدانيتها: للاسم الصمد معنيان؟ أحدهما: الذي يُصمد إليه، أي: يُرجع إليه ويُتوجه إليه في كل شيء. ومعنى صمدانية الذات الإلهية عند الصوفية هو نفس معنى الآية: ((إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى)) [العلق] عندهم، ونفس معنى: ((ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً)) [الفجر:28] عندهم.. وقد مر معنا كيف يفهمون الآيتين.
إذن، فمعنى قوله: يستشعر الإنسان أولية الذات الإلهية وصمدانيتها هو: أنه يستشعر وحدة الوجود. وهذا المعنى واضح تماماً لكل من فهم عباراتهم وتذوق معانيها. أما من لم يستطع بعدُ فهمها، رغم مئات الأمثلة والنصوص السابقة! فلا حيلة لنا معه.
وأمامنا أيضاً العبارة: ...أن ينقلوه إلى مقام المشاهدة مع رؤيته الخلق، وهذا...مقام البقاء.

إذن فمقام البقاء - ونعرفه سابقاً - هو المشاهدة يضاف إليها رؤية الخلق. وبالرغم من أننا الآن نعرف معنى مصطلح (المشاهدة) ولكن النص يزيدنا إيضاحاً، فالمشاهدة هي رؤية الحق بدون خلق، أي: رؤية الله، جل وعلا، في كل شيء، بحيث لا يرى الواصل خلقاً، بل يرى كل شيء هو الحق، وهذا هو مقام الفناء في الذات، لكن الشيخ ينقله إلى مقام (المشاهدة مع رؤيته الخلق)، وهو مقام (البقاء) أو الفرق الثاني، أو صحو الجمع ... أو ... وهو المقام الذي يقول فيه أبو الحسن الشاذلي: اجعل الفرق في لسانك موجوداً، والجمع في جنانك مشهوداً. ويقول فيه الجنيد: لا بد من مشاهدة الفرق بين ما يأمر الله به وما ينهى عنه. ويقول فيه ابن عجيبة: إياك أن تقول أناه، واحذر أن تكون سواه، وهو المقام الذي يتواصون به منذ م*** الحلاج وغيره.

وأترك للقارئ تحليل قوله: (ثم يبدأ السائر يستشعر ما سوى ذلك) ليزداد تمرساً بفهم النصوص الصوفية.
ويقول سعيد حوى أيضاً: ولئن كان جزء السير التحقق بأسماء الله، ولئن كانت مراحل السير تتم بالانتقال من فناء إلى فناء، فإن الذكر هو وسيلة ذلك كله([5]).

- معنى (التحقق بأسماء الله) واضح، ومر كثيراً في النصوص السابقة، ومع ذلك أورد أمثلة تساعد على التوضيح أكثر:
لو قال قائل: فلان متحقق باسم الشجاع فإن كل من يسمع هذا القول يعرف أن فلاناً شجاع بكل معنى الشجاعة.
ولو قال: فلان متحقق باسم الفيلسوف، لفُهم مباشرة أن فلاناً فيلسوف ضالع.
ولو قال القائل: فلان متحقق باسم الصوفي لعُرف دون تردد أن فلاناً صوفي. وهكذا.. عندما يقول القائل: إن السائر إلى الله، تحقق باسم من أسماء الله، وليكن مثلاً: الرب، فكل من يسمع هذا القول يعرف أن فلاناً تحقق بالربوبية، أي: صار رباً.

وهكذا بالنسبة للاسم (الرحمن)، وفي آخر الطريق بالنسبة للاسم (الله). ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ويقول سعيد حوى أيضاً: ...ومع أنني في سيري إلى الله أذاقني الله من فضله مِن معاني اسمِهِ الصمد جل جلاله وهو المقام الذي زل به هؤلاء([6]).

- لو سمعت قائلاً يقول: فلان ذاق معنى الوزارة فماذا تفهم من ذلك؟ إن أي إنسان يسمع هذا الكلام يفهم منه بدهياً أن فلاناً صار وزيراً، فذاق معنى الوزارة. وكذلك قول الشيخ هنا: أذاقني...مِن معاني اسمه الصمد، أي مرت به حال صار فيها صمداً، أو استشعر من الألوهية الاسم الصمد.

وقد رأينا فيما سبق من نصوص أن الواصل يذوق معنى الأسماء الإلهية، أو يتحقق بها بالتدريج، اسماً بعد اسم، حتى يصل إلى الاسم (الرب)، ثم يصل إلى الاسم الأعظم (الله) حيث يصير هو هو، ويقول حينئذ: أنا أنا أو كما قال ابن البنا السرقسطي في المباحث الأصلية:
ثم امتحى في غيبةِ الشهود فاطلق القولَ أنا معبودي
ويقول سعيد حوى أيضاً: نحن نعلم أن هناك حالات للسالك يحس فيها بأحدية الذات الإلهية، ويستشعر فيها اسم الله الصمد، وهي حالة يستشعر فيها السالك فناء كل شيء، ولكن هذا الشعور لا بد أن يرافقه الاعتقاد بأن الله خالق، وأن هناك مخلوقاً، وأن الخالق غير المخلوق([7]).

- إذن فالسالك يحس بأحدية الذات الإلهية، وقد مر معنا ماذا يعنون بعبارة أحدية الذات الإلهية، مرت في نصوص يمكن أن يقال عنها: كثيرة، وكذلك يستشعر السالك أيضاً في تلك الحالات اسم الله الصمد، أي يستشعر الصمدانية، أو الألوهية، فالمدلول الأخير للصمدانية والألوهية واحد، ويفسر استشعار الاسم الصمد، باستشعار فناء كل شيء، أي لا يشعر إلا بالله وحده في كل شيء ومع كل شيء وبكل شيء، وهذه هي وحدة الوجود.

ولكنه يقرر بأن هذا هو إحساس واستشعار، وذوق كما يقول في مكان آخر: ولكن لا بد أن يرافقه الاعتقاد بأن الخالق غير المخلوق.

وهكذا أوصلنا إلى مقام الفرق الثاني، الذي هو مقام الكمَّل من الرجال (الإنسان الكامل)، مع ملحوظة نبهنا إليها، كانوا فيما سلف من القرون يطلبون من الواصل أن يقول بلسانه: إن الخالق غير المخلوق، بينما في قلبه، يجب أن يعتقد بأنه هو هو، أما الآن فالشيخ يطلب من الواصل الاعتقاد - المرافق للشعور بالوحدة - أن الخالق غير المخلوق، وهذا تطور في التقية، على أننا لو تفحصنا الكلام بهدوء، لرأينا أن النتيجة واحدة.

لنأت إلى مَثَل (الماء والثلج)، فالذائق لكليهما يحس ويستشعر ويذوق أن الثلج هو نفس الماء تكثف عنه، فهو هو، ولكن لا بد أن يعتقد أن الماء غير الثلج، فمظهرهما مختلف، ودرجة حرارتهما مختلفة، وهذا مائع وهذا جامد، إذن، فالاعتقاد بأن هذا غير هذا تؤكده عدة ظواهر، وكذلك الوجود، فالملكوت غير الجبروت وبينهما عدة فروق في المظاهر، لكن الحقيقة واحدة، هي أحدية الذات الإلهية، وهي هي وحدة الوجود. وقد يقول قائل: إن هذا الاستنتاج فيه توجيه معين!

لكن لو نظرنا في كلام الشيخ لرأينا الأمر واضحاً، فهو يقول: يحس أحدية الذات الإلهية، ويستشعر الاسم الصمد، ويذوق معنى الاسم الصمد، وهذا التصريح واضح بأن الواصل يستشعر وحدة الوجود، حيث لا شيء إلا الله، ثم يقول: لا بد من الاعتقاد بأن الخالق غير المخلوق! فكيف التوفيق بين المتناقضين؟ مع العلم أن الوحدة شيء يحسه ويستشعره ويذوقه ويتحقق به، وهذا ما يسمونه حق اليقين، بينما اعتقاد الغيرية هو شيء مفروض فرضاً (لا بد منه)! كيف التوفيق؟؟! نترك الأمر للقارئ.

ثم لننتبه إلى قول الشيخ: وهو المقام الذي زل به هؤلاء... ماذا تعني هذه العبارة؟ وأترك تحليلها للقارئ الكريم ليتسلى بها، وهي سهلة المتناول.
* وأخيراً، هذه نصوص دامغة من أقوالهم من كتبهم المعتمدة لديهم، بدءاً من الجنيد وعصره، حتى يومنا هذا، وهي غيض من فيض، فلو حاولنا جمع أقوال عارفيهم ومحققيهم في (وحدة الوجود) لاحتجنا إلى ألوف الصفحات، على أن في ما أوردناه كفاية وأكثر من كفاية.

إذن، فالصوفية كلهم يؤمنون بوحدة الوجود، مع العلم أن بعضهم لم يسمعوا بعبارة " وحدة الوجود "، وإنما يعرفون أن المخلوقات هي الله، وأنه يجب كتم هذه المعرفة عن العامة، ولا تقال إلا للخاصة.




([1]) شرح دعاء السحر، (ص:78).

([2]) شرح دعاء السحر، (ص:67).
([3]) شرح دعاء السحر، (ص4).
([4]) تربيتنا الروحية، (ص:298).
([5]) تربيتنا الروحية، (ص:303).
([6]) تربيتنا الروحية، (ص:317).
([7]) تربيتنا الروحية، (ص:79).

__________________
لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي !!
مغلق حتي يقضي الله أمراً كان مفعولاً.



رد مع اقتباس
  #24  
قديم 10-11-2013, 07:27 PM
Mr. Ali 1 Mr. Ali 1 غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 15,375
معدل تقييم المستوى: 31
Mr. Ali 1 has a spectacular aura about
افتراضي


وحدة الوجود في كتابات أبو حامد الغزالي 1/2




نكمل معكم تلخيص كتاب الكشف عن حقيقة الصوفية، ونستعرض هنا أقوال الشيخ أبو حامد الغزالي، وهي كثيرة وطويلة، وسوف نقتصر على أهمها وخاصة التي نقدم لنا معلومات جديدة. يقول أبو حامد الغزالي الذي يسمونه حجة الإسلام[1].

... فأما إزالة الشبهة وكشف الحقائق، ومعرفة الأشياء على ما هي عليه، وإدراك الأسرار التي يترجمها ظاهر ألفاظ هذه العقيدة، فلا مفتاح له إلا المجاهدة وقمع الشهوات، ... فاعلم أن انقسام هذه العلوم إلى خفية وجلية لا ينكرها ذو بصيرة، وإنما ينكرها القاصرون الذين تلقفوا في أوائل الصبا شيئاً وجمدوا عليه، فلم يكن لهم ترقّ إلى شأو العلاء، ومقامات العلماء والأولياء[2].

* الملحوظات:-

1- يقول: إن معرفة حقائق الأمور وكشفها، وإدراك الأسرار، كل هذا لا يعرف إلا بالمجاهدة وقمع الشهوات و..! فهل يجيز لنا (حجة الإسلام) هنا أن نتساءل: ما هو دور الرسل؟ وما هو دور الشريعة؟ وما هو دور العلم؟! بل ما هي الفائدة من إرسال الرسل؟! وما الذي كان يمنع محمداً صلى الله عليه وسلم من أن يعلمنا أن الحقيقة لا تعرف إِلا بالمجاهدة وقمع الشهوات، وما هو الخطر الذي كان يخشاهُ صلى الله عليه وسلم من ذلك حتى جاء هؤلاء العارفون ليعرفونا بهذا السر؟!

2- تقريره وتأكيده على وجود الظاهر والباطن، والسر والعلن، وان هذا لا ينكره إلا من عميت بصيرته! فهل كان رسول الله صل الله عليه وسلم أعمى البصيرة عندما قال لنا: {قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك...}[3].

ويقول أبضاً:
.. فإن العقائد التي ذكرناها من أعمال القلب، وقد تعبدنا بتلقيها([4]) بالقبول والتصديق بعقد القلب عليها، لا بأَن يُتوصل إِلى أن ينكشف لنا حقائقها، فإِن ذلك لم يكلف به كافة الخلق... فمن قال: إِن الحقيقة تخالف الشريعة، أَو الباطن يناقض الظاهر، فهو إِلى الكفر أقرب منه إلى الإيمان! بل الأسرار التي يختص بها المقربون يدركها ولا يشاركهم الأكثرون في علمها، ويمتنعون عن إِفشائها إليهم، ترجع إِلى خمسة أقسام:-

القسم الأول: أَن يكون الشيء في نفسه دقيقاً تكل أكثر الأفهام عن دركه! فيختص بدركه الخواص، وعليهم أن لا يفشوه إِلى غير أَهله، فيصير ذلك فتنة عليهم حيث تقصر أَفهامهم عن الدرك، ... بل لذة الجماع إِذا ذُكرت للصبي أَو العنين لم يفهمها إِلا بمناسبة إِلى لذة المطعوم الذي يدركه، ولا يكون ذلك فهماً على التحقيق([5]).

* الملحوظات:-

1- تقريره أنهم (أي: الصوفية) تعبدوا الله بتلقيها بالقبول المباشر، قبل أَن ينكشف لهم؛ لأن الكشف لمِ يكلف به كافة الخلق، وهذا الكلام هو عرض فيه إِيحاء للقارئ أَن يتلقى هو أَيضاً هذه العلوم الكشفية بالقبول المباشر، لا بأَن يتوصل إلى أن تنكشف له! وهذه الجملة (الأسرار التي يختص بها المقربون) وما فيها من إيهام وإيحاء مغري!

2- تقريرهُ أَن السر لا يمكن فهمه فهماً صحيحاً بالشرح، ولا يفهم إِلا بالذوق، ويشبهه بلذة الجماع.

ويقول: ... ثم إذا انكشف لهم أسرار الأمور على ما هي عليه، نظروا إِلى السمع والألفاظ الواردة، فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه، وما خالف أَولوه- فأَما من يأخذ معرفة هذه الأمور من السمع المجرد، فلا يستقر له فيها قدم، ولا يتعين موقف... والآن فكشف الغطاء عن حد الاقتصاد في هذه الأمور داخل في علم المكاشفة، والقول فيه يطول، فلا نخوض فيه، والغرض بيان موافقة الباطن الظاهر، وأنه غير مخالف له([6]).

* الملحوظات:-

1- تقرير «حجة الإسلام» أن الحق لا يعرف بالسماع، والسماع بدهيًّا يكون من عالم بالقرآن أو عالم بالحديث أَو عالم بالفلسفة...وغيرها. وهؤلاء- طبعاً- أَخذوا علومهم بالسماع من علماء قبلهم، وهؤلاء- حسب قول الغزالي- لا يطلعون على حد الاقتصاد، ولا يمكن أن يعرفوه! إِذاً: فكيف يمكن معرفته؟! الجواب يقدمه (حجة الإسلام): لا يطلع عليه إِلا الموفقون الذين يدركون سر الأمور بنور إِلهي (أي: بالكشف)، لا بالسماع! فنسأله: ما هو دور القرآن والحديث؟ ولم أنزلا؟ ونسأل غيره: أليس هذا الكلام هو كفر من جهة، ومحاربة للعلم من جهة ثانية؟!

2- يقرر أن علم الكشف هو الحق، هو واقع الوجود وحقيقته، بقوله: (إِذا انكشفت لهم أسرار الأمور على ما هي عليه)، وقوله: (ما شاهدوه بنور اليقين)! وسنرى فيما يأتي أنه مخدوع، وأن كشفه لا يمت إلى اليقين بأي صلة، واعترافه بوضوح كامل وصراحة تامة أنهم لا يأخذون بغير الكشف، وأنهم لا يعترفون بشيء من الشريعة إِلا إِن وافق كشفهم! وما يخالف كشفهم يؤولونه! وهذا يعني بكل جلاء، أنهم يعتبرون الشريعة غير صحيحة، وأنها ليست هي الحق، وأَنها - على الأقل- فيها أخطاء يجب أن تؤوّل لتتفق مع كشفهم!

والسؤال: إِذا لم يكن هذا ضلالًا وزندقة..! فما هو الضلال والزندقة..؟
وقد يقول قائل -وما أكثرهم-: إِنه لا يعني الشريعة بقوله: (السمع والألفاظ الواردة)، فنجيبه:
أ- الفلسفة، لا يحتاجون تأويل نصوصها؛ لأن من أَسهل الأمور أَن يقولوا عنها: إِنها كذب وخطأ وضلال وكفر وأي شيء يريدون، دون أَن يخافوا أحداً أو يخشوا شيئاً، أَما الشريعة فهي التي لا يستطيعون أن يقولوا عنها: إِنها كذب أَو خطأ، أَو يقولوا: فيها شيء من ذلك؛ لأن وراء هذا القول حد الردة، لذلك يستعملون الإشارة والرمز واللغز ليموّهوا علينا، فيقول قائلهم: (السمع والألفاظ الواردة) بدلًا من (الشريعة)!

ب- الغزالي نفسه يوضح لنا مراده من مثل هذا التعبير في مكان آخر من إِحيائه، يقول: (.. أن يكون مقلداً لمذهب سمعه بالتقليد، وجمد عليه وثبت في نفسه التعصب له بمجرد الاتباع للمسموع من غير وصول إِليه ببصيرة ومشاهدة، فهذا شخص قيده معتقده.. فصار نظره موقوفاً على مسموعه، فإن لمع برق على بعد وبدا له من المعاني التي تباين مسموعه حمل عليه شيطان التقليد حملة([7])...
إِذن فالغزالي يعني بـ (السمع والألفاظ الواردة) الشريعة الإسلامية.

3- وقد يأتي متحمس، وقد يحمل شارة علمية ذات اسم أو ذات شكل، ليفور ويثور، ويأتي بنصوص من هنا وهناك، يحاول أَن يثبت له بها الإمامة والاستقامة! فنجيبه بأن هذا أسلوب معروف من أساليب المغالطة، والجواب عليه ورده واضح في هذه النصوص المنقولة عنهم، ونحن هنا أمام نصوص محددة نناقشها، وموضوع معين ندرسه.

4- بما أن سيف التأويل (السحري) مسلط على رقاب النصوص (من قرآن وحديث)، إذن فلا مخالفة بين الشريعة والكشف! (هذا ما يقرره الحجة)!
هنا نتقدم - بخشوع صوفي- لنسأله: ما معنى قوله سبحانه: ((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) [النساء:59]؟ وهل يا إمام عبارة ((فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ))، تعني: ردوه إلى الكشف!
جوابنا لهذا الإمام ولأتباع هذا الإمام، هو: أِن من يؤمن أن محمداً رسول الله، يقول: إذا خالف القرآن الكشف، ندوس الكشف تحت أقدامنا، ونتبع القرآن الكريم، هذا هو سبيل المسلم.




([1]) محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي مات في طوس سنة: (505هـ).
([2]) إحياء علوم الدين: (1/88).
([3]) سنن ابن ماجة، المقدمة، حديث: (43).
([4]) بتلقينها، هكذا في الِإحياء، ولعلها غلطة في النسخ أو الطباعة، ولعل الصحيح هو (بتلقيها).
([5]) الإحياء: (1/89).
([6]) إحياء علوم الدين: (1/92).
([7]) إحياء علوم الدين: (1/255).
__________________
لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي !!
مغلق حتي يقضي الله أمراً كان مفعولاً.



رد مع اقتباس
  #25  
قديم 10-11-2013, 07:32 PM
Mr. Ali 1 Mr. Ali 1 غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 15,375
معدل تقييم المستوى: 31
Mr. Ali 1 has a spectacular aura about
افتراضي


وحدة الوجود في كتابات أبو حامد الغزالي 2/2




نكمل كلام الشيخ الغزالي في وحدة الوجود وملحوظات الشيخ محمود عبد الرؤوف القاسم عليها، يقول الغزالي أيضاً:
...علم المكاشفة -وهو علم الباطن- وذلك غاية العلوم، ...وهو علم الصديقين والمقربين فهو عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة [1]، وينكشف من ذلك النور أمور كثيرة كان يسمع من قبل أسماءها، فيتوهم لها معانٍ مجملة، غير متضحة، فيتضح إِذ ذاك، حتى تحصل المعرفة الحقيقية بذات الله سبحانه، ... ومعنى لقاء الله عز وجل، والنظر إِلى وجهه الكريم، ومعنى القرب منه والنزول في جواره... وبعضهم يدعي أموراً عظيمة في المعرفة بالله عز وجل... فنعني بعلم المكاشفة أن يرتفع الغطاء حتى تتضح له جلية الحق في هذه الأمور إيضاحاً يجري مجرى العيان الذي لا يشك فيه [2].

* الملحوظات:-

أ- علم المكاشفة هو علم الباطن، وهو غاية العلوم.
ب- يجب التصديق به والتسليم لأهله.
ج- هو علم الصديقين والمقربين، وعلينا أن نلاحظ ما في الفقرتين (ب، ج) من إيحاء براق وجذاب!
كما علينا أن ننتبه إلى تزكيتهم أنفسهم (صديقون ومقربون) بالرغم من الآيات الكريمة: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا * انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا)) [النساء:49-50] و((فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)) [النجم:32].

د- يلقي الغزالي هنا بصيص نور على السر الذي يكتمونه (نور يظهر في القلب، تتضح به المعرفة بذات الله وبصفاته التامات، حتى أن (بعضهم يدعي أموراً عظيمة)، وتتضح أيضاً معرفة معنى النظر إلى وجهه الكريم...)، وعلينا أن ننتبه بشكل خاص إلى قوله: (المعرفة بذات الله)، وهي بقية العبارات جزء يسير من السر سمح لنفسه أن يسطره في هذه الفقرات، فهذا الخيط إذا أمسكناه فسنصل إِلى السر.
ويقول: ...وعبر ابن عباس رضي الله عنهما عن اختصاص الراسخين في العلم بعلوم لا تحتملها أفهام الخلق، حيث قرأ قوله تعالى: ((يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ)) [الطلاق]، فقال: لو ذكرت ما أعرفه من معنى هذه الآية لرجمتموني، وفي لفظ آخر: لقلتم: إِنه كافر[3].

- وطبعاً ابن عباس بريء من هذه الضلالات والهذيانات.

ويقول أَيضاً: ... ولكنا نشير منها إِلى ملامح، ونقول: ها هنا نظران: نظر بعين التوحيد المحض، وهذا النظر يعرفك قطعاً أنه الشاكر وأَنه المشكور، وأنه المحب وأَنه المحبوب، وهذا نظر من عرف أنه ليس في الوجود غيره، وأن كل شيء هالك إِلا وجهه، وأن ذلك صدق في كل حال أزلاً وأبداً؛ لأن الغير هو الذي يتصور أن يكون له بنفسه قوام، ومثل هذا الغير لا وجود له، بل هو محال أن يوجد، إِذ الموجود المحقق هو القائم بنفسه، وما ليس له بنفسه قوام، فليس له بنفسه وجود، بل هو قائم بغيره، فهو موجود بغيره، فإِن اعتبر ذاته ولم يلتفت إِلى غيره لم يكن له وجود ألبتة، وإنما الموجود هو القائم بنفسه، والقائم بنفسه هو الذي لو قدر عدم غيره بقي موجوداً، فإِن كان مع قيامه بنفسه يقوم بوجوده وجود غيره، فهو قيوم، ولا قيوم إِلا واحد، ولا يتصور أن يكون غير ذلك.. فإِذا ليس في الوجود غير الحي القيوم، وهو الواحد الصمد، فإِذا نظرت من هذا المقام، عرفت أن الكل منه مصدره، وإليه مرجعه [4]

* ما يجب أَن نلاحظه:

أ- في هذا النص كشف الغزالي حجاباً آخر عن السر المصون، ومع ذلك فهو يشير إِلى ملامح منه، وقد سمى السر هنا (التوحيد المحض) (وهذا النظر بعين التوحيد المحض يعرفك أنه الشاكر وأنه المشكور، وأنه المحب وأنه المحبوب بل وأنه ليس في الوجود غيره)، (وأخيراً صرح بالسر المصون، فغدا السر غير مصون)، ومع هذا التصريح فقد لا يكون القارىء قد عرف هذا السر بعد.
ب- بعد التصريح بالسر (ليس في الوجود غيره)، هذا التصريح الذي قد يجرد عليه السيوف، بدأ الغزالي يلوك بأُسلوب علم الكلام، ليبعد به شبح ما بعد التكفير، ثم يعي ليقرر من جديد: (فإِذاً ليس في الوجود غير الحي القيوم...الكل منه مصدره، وإِليه مرجعه..).

ويقول: ...الفريق الثاني ليس بهم عمى، ولكن بهم عور؛ لأنهم يبصرون بإِحدى العينين وجود الموجود الحق، فلا ينكرونه، والعين الأخرى إِن تم عماها لم يبصر بها فناء غير الموجود الحق، فأثبت موجوداً آخر مع الله تعالى، وهذا مشرك تحقيقاً...فإِن جاوز حد العمى إِلى العمش أدرك تفاوتاً بين الموجودين، فأَثبت عبداً وربًّا، فبهذا القدر من إِثبات التفاوت والنقص من الموجود الآخر دخل في حد التوحيد، ثم إِن كحل بصره بما يزيد في أنواره، فيقل عمشه، وبقدر ما يزيد في بصره يظهر له نقصان ما أَثبته سوى الله تعالى، فإِن بقي في سلوكه كذلك، فلا يزال يفضي به النقصان إِلى المحو، فينمحي عن رؤية ما سوى الله، فلا يرى إِلا اللّه، فيكون قد بلغ كمال التوحيد، وحيث ادرك نقصاً في وجود ما سوى اللّه تعالى دخل في أوائل التوحيد...وترجمته قول: (لا إِله إِلا الله)، ومعناه أن لا يرى إلا الواحد الحق، والواصلون إِلى كمال التوحيد هم الأقلون...إذ عبدة الأوثان ((مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)) [الزمر:3]، فكانوا داخلين في أوائل أَبواب التوحيد دخولاً ضعيفاً[5] .
لا بأس الآن من إِضافة فقرة متممة للنص، أفردتها عنه لأن لها قيمة خاصة، يقول: (.. وفيهم من تنفتح بصيرته في بعض الأحوال، فتلوح له حقائق التوحيد، ولكن كالبرق الخاطف لا يثبت، وفيهم من يلوح له ذلك ويثبت زماناً ولكن لا يدوم، والدوام فيه عزيز). وهذه صورة مما يحدث عندما يبلغ السالك إِلى ما يسمونه: (الفناء في الله أَو الجمع..)، ستفيدنا فيما بعد.

ويقول: ...فإِن قلت: كيف يتصور أن لا يشاهد إلا واحداً، وهو يشاهد السماء والأرض وسائر الأجسام المحسوسة، وهي كثيرة، فكيف يكون الكثير واحداً؟ ... وهو أن الشيء قد يكون كثيراً بنوع مشاهدة واعتبار، ويكون واحداً بنوع آخر من المشاهد والاعتبار، وهذا كما أن الإنسان كثير إن التفت إلى روحه وجسده وأطرافه وعروقه وعظامه وأحشائه، وهو باعتبار آخر ومشاهدة أخرى واحد، ... فكذلك كل ما في الوجود من الخالق والمخلوق له اعتبارات ومشاهدات كثيرة مختلفة، فهو باعتبار واحد من الاعتبارات واحدٌ، وباعتبارات أخر سواه كثيرٌ، وبعضها أشد كثرة من بعض... وهذه المشاهدة التي لا يظهر فيها إِلا الواحد الحق تارةً تدوم وتارةً تطرأ كالبرق الخاطف وهو الأكثر، والدوام نادر عزيز[6]

* الملحوظات على النصين الأخيرين:

أ- في النص الأول، قوله: (فأَثبت موجوداً مع الله تعالى وهذا مشرك تحقيقاً)، يقرر فيه بأسلوب فيه رونق، أَن من يرى أَن هذه المخلوقات هي شيء غير الله تعالى فهو مشرك تحقيقاً. أي إنه - آخر الأمر- شرح لنا ما هو السر، ولكن بأسلوب فيه شيء من الزحلقة للقارىء. وفي النص الثاني يرد على شبهة من يقول: كيف لا يشاهد إلا واحداً مع وجود السماوات والأرض؟.. ويقرر أَن هذا هو علم الكشف، وبالتالي هو السر الذي لا يجوز أَن يسطر في كتاب.
ب- قوله: (فلا يرى إلا الله، أَي: لا يرى في هذا الكون في كل ما يراه من المرئيات إِلا الله، فيكون قد بلغ كمال التوحيد. وفي النص الثاني، يوضح أَكثر فأَكثر، فيقول: (وكذلك كل ما في الوجود من الخالق والمخلوق له اعتبارات...فهو باعتبار واحد من الاعتبارات واحد..). إِذاً: فالخالق والمخلوق هما واحد، أو هما وحدة... وهكذا، وضح لنا السر أخيراً، إِنه (وحدة الوجود)، وما أدراك ما وحدة الوجود؟!
ج- في النص الأول يقرر أن عبدة الأوثان داخلون في أوائل التوحيد دخولاً ضعيفاً. فأسال: إِن لم يكن هذا هو الكفر والزندفة، فما هو الكفر والزندقة؟ وأُنبه إِلى أن القارىء الكريم عندما يمتلك ناصية العبارة الصوفية سيعرف أن معنى جملة الغزالي هو أن عبدة الأوثان دخلوا في التوحيد عندما عبدوا الوثن (لأنه جزء من الله) وكان دخولهم ضعيفاً بسبب قولهم: ((...لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)) ؛ لأن هذا القول هو تفريق بين الخالق والمخلوق، وهو عكس التوحيد (عند الصوفية)، ولو كانوا داخلين في التوحيد دخولاً كاملاً لقالوا- عن إِيمان وعقيدة-: إِنهم يعبدون الله بعبادتهم للصنم؛ لأنه جزء من الله.

- أطلب من القارىء الكريم أن يقرأ النصين الأخيرين بتعمق ويكرر قراءتهما حتى يستوعبهما جيّداً، ففي هذا تسهيل كبير لفهم كل نصوصهم، وفهم سرهم. وأختم هذه الجرعة الضئيلة من بحر أقوال الغزالي في هذا الموضوع بنتف من تائيته؛ يقول:
إِذا كان قد صح الخلاف فواجب على كل ذي عقل لزوم التقية[7]وهل أنا إِلا أنت ذاتاً ووحدة وهل أَنت إِلا نفسي عين هويتيفدنت بأمر حرمته شريعتي وأحييت حكماً قد أماتته سنتي

- لا بأس من التنبيه إِلى فكرة (لزوم التقية) في البيت الأول، حيث نعرف أَننا أَمام (فرقة باطنية) ترى لزوم التقية، وقد مر هذا، وهي ملحوظة هامة جدًّا جدًّا. ويجب أَن أَعود فأنبه في أقوال الغزالي إلى ما يلي:
1- اعتبار الغزالي أَن كشفهم هو الحق والحقيقة والصدق، وإليه يجب أَن يرجع في كل الأمور، حتى القرآن الكريم والسنة يجب أن يعرضا عليه ليحكم في صحتهما، فهذا إِن لم يكن كفراً وزندقة، فما هو الكفر والزندقة؟!
2- ليس في الوجود غير الله، وكما يعلم كل من في بصيرته ذرة من عقل أو إيمان أن الكون موجود أوجده الله، ولكن عند الغزالي -وعندهم- الكون هو الله، وهي وحدة الوجود. ويقرر أن من يثبت موجوداً آخر مع الله، أي: (من يقول: إِن المخلوقات هي غير الله) هو مشرك تحقيقاً!! سبحان الله! ما هو هذا الكشف الغريب العجيب!!! إِننا نقرأ في كتاب الله مثلاً: ((إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ)) [البقرة:173]، وواضح حتى للأغبياء أن عبارة (غير الله) تعني: الأوثان والقبور والأولياء وغيرهم، وكل هؤلاء مخلوقات. إِذاً: فالقرآن يقرر بوضوح كامل أن المخلوق غير الخالق، فنسأل (الحجة)، وأتباع الحجة، والمخدوعين بالحجة: هل القرآن شرك؟ أم الذين يخالفون القرآن هم المشركون؟
3- كلمة (التوحيد) يعني - ويعنون - بها (وحدة الوجود) وحيثما وردت في كلامهم فهذا هو معناها. ويقرر أن عابد الأصنام داخل في أوائل التوحيد. وتقريره أن وحدة الوجود هي مشاهدة الصديقين.
4- أنبه بشكل خاص إلى قوله في تائيته: (فدنت بأمر حرمته شريعتي وأحييت حكماً قد أماتته سنتي)، الذي نفهم منها أنهم يعرفون تماماً أن الصوفية تناقض الإسلام، كما يعترف بالشطر الثاني أن الإسلام أماتها، فجاء هو وأحياها؟! كما يُفهم من هذا الكلام أنها كانت موجودة قبل الإسلام.
في الموضوع القادم أقوال عبد القادر الجيلاني في وحدة الوجود
----------------------

([1]) مرّ معنا قبل صفحات معنى عبارة: (صفاته المذمومة).
([2]) الإحياء: (1/18).
([3]) الإحياء: (4/85).
([4]) الإحياء: (4/74).
([5]) الإحياء: (4/75).
([6]) الإِحياء: (4/213).
([7]) النفحات الغزالية، (ص:149).



يُتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـع




__________________
لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي !!
مغلق حتي يقضي الله أمراً كان مفعولاً.



رد مع اقتباس
  #26  
قديم 10-11-2013, 10:45 PM
الصورة الرمزية ....رولا....
....رولا.... ....رولا.... غير متواجد حالياً
مشرفة متميزة لقسم عالم الحيوان والنبات ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: May 2010
المشاركات: 1,292
معدل تقييم المستوى: 16
....رولا.... is on a distinguished road
افتراضي

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك
خالص التحية والتقدير
__________________
رد مع اقتباس
  #27  
قديم 11-11-2013, 12:42 AM
Mr. Ali 1 Mr. Ali 1 غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 15,375
معدل تقييم المستوى: 31
Mr. Ali 1 has a spectacular aura about
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ....رولا.... مشاهدة المشاركة
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك
خالص التحية والتقدير


وجزاكِ مثله إن شاء الله تعالي .

شكراً علي مرورك الكريم
__________________
لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي !!
مغلق حتي يقضي الله أمراً كان مفعولاً.



رد مع اقتباس
  #28  
قديم 11-11-2013, 07:31 PM
Mr. Ali 1 Mr. Ali 1 غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 15,375
معدل تقييم المستوى: 31
Mr. Ali 1 has a spectacular aura about
افتراضي

صراحة وحدة الوجود في الكتابات الصوفية المتأخرة




*وضع الصوفية في العصور الأخيرة:-

يقول محمد بهاء الدين البيطار([1]): نحمدك اللهم يا من صلى على محمد بفيض ذاته، فكان مجلى له في جميع تجلياته...وأشهد أن لا إله إلا الله ولا موجود في هذا الوجود إلا إياه، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم إنسان عين ذاته وسر إمداداته([2])...

- في مراحل من تاريخ المسلمين، وصلت المجتمعات الإسلامية بمساعي الصوفية وجهودهم المستمرة إلى أحط دركات الجهل والغفلة، حيث أخذ الأولياء العارفون الصديقون المقربون الطاهرون المطهرون الأبرار الواصلون المحققون المصطفون المحبوبون المؤيدون العالمون الموحدون خواص الخواص...، حيث أخذوا حريتهم الكاملة في البيان، وأرخوا لعباراتهم العنان، وباحوا بالسر المصان. وقد رأينا قول بعضهم: وحسبه.. إشراق نور وحدة الوجود. ولعل النص التالي يغني عن الإطالة وإيراد نصوص أُخَر.

يقول الشيخ عبد الرزاق القاشاني:
وبعد، فإن الزمان تقاصرت أذياله، وكادت ترتفع بانكشاف الحق أسباله، ونطق الحق على لسان الخلق بأسراره، وزهق الباطل بتشعشع أنواره، واقتضت الحقيقة أن تُهْتَك أستارها، وطفقت في كل سمعٍ يُحدث أخبارُها، أقبل علي جماعة من إخوان الصدق والصفا، وأرباب الفتوة والوفا، من أهل العرفان والتحقيق، ومَن أيدته العناية بالتوفيق، خصوصاً كالصاحب المعظم العالم العارف الموحد المحقق، شمس الملة والدين، قدوة أرباب اليقين...أن أشرح لهم كتاب فصوص الحكم...شارطين علي أن لا أكتم شيئاً من جواهركنوزه([3])...اهـ.

- والكتب الصوفية التي ألفت في القرن الثالث عشر الهجري وعدة قرون قبله، تحمل كلها، أو جلها، طابع التصريح الكامل بوحدة الوجود، وما يدور حولها من عقائد وفلسفات.

وجاء القرن الرابع عشر، وتوسعت الثقافة، وزاد فهم بعض المسلمين للإسلام، ولبعض أعداء الإسلام، ولبعض أمراض المسلمين، وفهموا بسبب الكتب التي ألفت في القرون السابقة، الكثير عن هذا السرطان الخبيث، وخطره ومكره، وأخذوا ينبهون عليه.

فأسرع (العارفون الصديقون الصادقون) إلى تقيتهم ورموزهم وألغازهم، وكلما توسع الوعي الإسلامي قليلاً، كلما زادوا في التعمية والغموض. وكان القوم يستعملون فيما سبق العبارة والرمز واللغز والإشارة، أما في حاضرنا، فأخذوا يستعملون الإنكار؟!
وماذا عليهم؟ فالمهم هو (جلب الزبائن)، حتى إذا خضع الزبون للشيخ، وقام بالرياضات والمجاهدات والخلوات، التي تحقنه بالإيحاء الذاتي حقناً يملأ كل خليةٍ في جسمه، وطبق عليه شيخه الإيحاء الخارجي المستمر، حتى يصل إلى الجذبات، وتتجلى عليه التجليات، ويذوق من معاني الألوهية، أو يذوق على الأقل معنى اسم من أسماء الحق، عندئذ يُمْسون عارين، ولات حين؟؟
والذين لا يصلون، من الذين وقعوا في الشبكة، يُمسون، بتأثير الإيحاءات، أنصاراً مغفلين متحمسين، يدافعون عن الشيخ العارف، وعن الطريقة المجيدة، وعن السالك المريد...ويمهدون المنزلقات إلى الهاوية، ويغطونها بالألفاظ المنمقة، والأكاذيب الجريئة المزوقة...انتظاراً لصيد جديد، في يوم جديد.

وقد تطور هذا الأسلوب أكثر وأكثر، وصار أكثر جدة. وهذا الأسلوب الجديد، لا يخرج على القاعدة التي وضعها سيد الطائفة الجنيد، عندما قرر: لا يكون الصديق صديقاً حتى يشهد له في حقه سبعون صديقاً أنه زنديق، وفي رواية: ألف صديق... ولا يخرج على قاعدة الجنيد عندما أفتى هو والشبلي ب*** الحلاج، وهما يعلمان أنه في الحقيقة ولي الله حقاً.

ولا يخرج على القاعدة التي وضعها أقطابهم وعارفوهم، والتي هي شرح لقاعدة الجنيد، والتي تقول: إن الصديق يعطي الظاهر- أي الشريعة - حكم الظاهر، ويعطي الباطن - أي حقيقتهم - حكم الباطن، وبالتعبير الآخر لا يلبس بالباطن على الظاهر ولا يلبس بالظاهر على الباطن. كما لا يخرج على القانون الأساسي للطائفة: إياك أن تقول أناه، واحذر أن تكون سواه. وكما قلنا: المهم هو جلب الزبائن، وبعد ذلك يأتي التسليك، ثم يأتي الباقي.


([1]) محمد بهاء الدين البيطار الشامي الميداني، من شيوخ الطريقة الرشيدية، مات سنة (1314هـ).
([2]) النفحات الأقدسية، (ص:3).
([3]) شرح القاشاني، (ص:4).
__________________
لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي !!
مغلق حتي يقضي الله أمراً كان مفعولاً.



رد مع اقتباس
  #29  
قديم 11-11-2013, 07:34 PM
Mr. Ali 1 Mr. Ali 1 غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 15,375
معدل تقييم المستوى: 31
Mr. Ali 1 has a spectacular aura about
افتراضي

أسرار الصوفية في الرسالة القشيرية



ذكرنا في الحلقة السابقة أن أهل الصوفية يخفون سرا يبيح دماءهم في الشريعة لأنه كفر وزندقة، ووصلنا لمقولة الحلاج بأنه يستر هذا السر بدين الله، فما هو هذا الأمر الذي يستره بدين الله؟! ما هو؟! من الممكن أن نعرف هذا السر من بعض أقواله وفلتات شعره، يقول:

رأيت ربي بعين قلب فقلت: من أنت؟ قال: أنت([1]) ولا أعلق على هذا القول بشيء، فهو واضح، وهو السر الذي يكتمونه. - ومما يورده الغزالي: ...قال بعضهم: للربوبية سر لو أظهر لبطلت النبوة، وللنبوة سر لو كشف لبطل العلم، وللعلماء بالله سر لو أظهروه لبطلت الأحكام([2]). أ.هـ

أسرار!! تبطل بها النبوة، ويبطل بها العلم، وتبطل بها الأحكام؟! فما هي هذه الأسرار؟

ويقول الطوسي (صاحب اللمع) في تعريف (التقية):


قال قوم: استعمال الأمر والنهي، وقال قوم: ترك الشبهات، وقال قوم: التقية حرم المؤمن كما أن الكعبة حرم مكة، وقال قوم: التقيه نور في القلب يفرق بها بين الحق والباطل([3])... أ.هـ


هكذا جعلوا التقية مقدسة يتسترون بها. إِذاً: فنحن أمام فرقة باطنية.


ويقول أَبو طالب المكي([4]):


...فتفصيل معاني التوحيد من شواهد الناظرين اضيق الضيق، وشهادة الجمع في التفرقة والبقاء قي الفناء أخفى الخفي، وشرح غريب عن الأسماع يُنكر أكثره أكثر من سمعه، غير أَن من له نصيب منه يشهد ما رمزناه، فينكشف له ما غطيناه([5]).


* ملحوظة: يلاحظ القارىء هنا أن الألغاز تفسر بالألغاز، ويُشرح الغموض بالغموض؟! وذلك لأننا الآن وجهاً لوجه أمام السر الذي يكتمونه.


ولا بأس من وضع بعض الصور الصغيرة التي قد تساعد على فهم هذه الألغاز، على أن توضيحها الكامل سيأتي في ما يأتي إِن شاء الله.


فالفناء: ويسمى أيضاً: المحو، والسكر، والغيبة، والطي، والحضور بالحق، والجلوة، والإحسان، والجمع.. وكلها أسماء لمسمى واحد، وهو مقام الجمع (وهناك بعض الاختلاف بين مدلول الكلمات)، فالجمع هو الفناء، وضم تعريفيهما إِلى بعضهما يساعد- بعض الشيء- على فهم السر والألغاز.


أما البقاء: ويسمى أَيضاً: الفرق الثاني، أو الجمع في التفرقة، أو الفرق في الجمع، أو صحو الجمع، أو الِإطلاق.. فهو مقام أعلى من مقام الجمع، يجتمع فيه الفناء مع الصحو، أو الجمع مع الفرق، والاستغراق في مقام البقاء يسمى (جمع الجمع)، وبيت من تائية ابن الفارض قد يلقي أمام القارىء بعض النور، يقول:


ومن (أنا إِياها) إِلى (حيث لا إِلى) عرجت وعطرت الوجود برجعتي


في هذا البيت يخبرنا ابن الفارض أَنه بدأ عروجه إِلى الله (سبحانه وتعالى علوًّا كبيراً) من (أنا إِياها) الذي هو مقام الفناء، أو الجمع.. إِلخ، حتى وصل إِلى (حيث لا إِلى) ويكني بذلك عن مقام جمع الجمع.


- الرجاء من القارىء أن ينتبه إِلى كل عبارة، وخاصة (أنا إِياها)، وماذا يعني بـ (إِياها).


ويقول القشيري([6]) (صاحب الرسالة):


...وهذه الطائفة يستعملون ألفاظاً فيما بينهم، قصدوا بها الكشف عن معانيهم لأنفسهم، والإجمال والستر علي من باينهم في طريقتهم، لتكون معاني ألفاظهم مستبهمة على الأجانب غيرة منهم على أسرارهم أن يشيع استعمالها في غير أهلها، إِذ ليست حقائقهم مجموعة بنوع تكلف، أو مجلوبة بضرب تصرف، بل هي معانٍ أودعها الله تعالى قلوب قوم، واستخلص لحقائقها أسرار قوم([7]).


- عبارة غيره منهم على أسرارهم) هي أَيضاً مغالطة، وسنرى أَمثالها كثيراً، إِنها ليست الغيرة، وإنما هو الخوف من السيف (سيف الردة).


تابعوا الحلقة القادمة حول أقوال الشيخ أبو حامد الغزالي مؤلف إحياء علوم الدين.


([1]) الطواسين (طاسين النقطة).


([2]) إحياء علوم الدين: (1/88).


([3]) اللمع، (ص:303).


([4]) محمد بن علي بن عطية الحارثي المكي، نشأ في مكة ومات في بغداد سنة: (386هـ).


([5]) قوت القلوب: (2/81).


([6]) أبو القاسم، عبد الكريم بن هوازن، مات سنة: (465هـ) في نيسابور.


([7]) الرسالة القشيريه، (ص:31).

__________________
لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي !!
مغلق حتي يقضي الله أمراً كان مفعولاً.



رد مع اقتباس
  #30  
قديم 11-11-2013, 07:37 PM
Mr. Ali 1 Mr. Ali 1 غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 15,375
معدل تقييم المستوى: 31
Mr. Ali 1 has a spectacular aura about
افتراضي

مناقشة إنكار الصوفيين اعتقادهم بوحدة الوجود




يقول محمود أبو الفيض المنوفي([1]):
وكذلك كل ما يبزغ أو يبدو في الكون من حياة أو وعي أو إرادة تنجلي كلها لكفاياتنا العليا، كأنها نعوت وخصائص أصلية لذلك الكائن الأسمى، الذي يبدو أنه مطلق يشمل اقتداره وإبداعه وجودنا ووجود غيرنا من الكائنات،...، فهو يقيناً ذلك الكائن الغيـبي الذي نظم الكون ما علا منه وما سفل، بسماواته وأراضيه، ...، وقد جعل الكائنات كلها تتطور وتترقى إلى هدف خاص بالمجموع، كما لو كان هذا المجموع الكلي كائناً واحداً يهدف إلى حقيقة لا يُدرك لها غور ولا نهاية، وما ذلك إلا لأن مبدع الكل كائن مطلق، ومتوحد في وجوده المتسامي([2]).

* الملحوظات:

نحن الآن أمام ظاهرة في الكتابة الصوفية، فيها شيء من الجدة، هذا الشيء هو العبارة الخائنة، التي خانت قائلها فأظهرته بمظهر التناقض الصارخ، وإليك النص التالي الذي هو أكثر وضوحاً من هذا السابق.

يقول: ... وقد أقاموا - أي الذين يهاجمون التصوف - أنفسهم بمعارفهم الضئيلة حكاماً قساة على أولياء الله وعارفيه، بدون مبرر يبرر نظرياتهم لا من الشرع ولا من العقل، حالةَ أنهم لم يتذوقوا من مشارب القوم وعلومهم ومعارفهم ومواجيدهم فيما بينهم وبين ربهم، وكذلك في نظراتهم السامية العميقة لهذا الوجود! وأول ما يرمون التصوف به من كذب عظيم اتهام جميع شيوخ التصوف بوحدة الوجود، فما وحدة الوجود يا ترى؟ هل هي الجمع بين وجودين أزليين أبديين أو واقعيين؟! هو المستحيل أو بين حادث وقديم وهو مستحيل أيضاً، والقوم أهل توحيد، أو يريدون بالحقيقة جعلها اثنينية بين خالق ومخلوق؟ وهذا باطل ينفيه التصوف الحق([3]).

* التعليق على هذا الكلام:

- يقول: وقد أقاموا أنفسهم بمعارفهم الضئيلة..، فنجيبه: لكن تقريراً للحقيقة: إن هذه العبارة تعني معارفهم الضئيلة بالصوفية، وهو بهذا صادق، لأن كل الذين هاجموا التصوف كانوا لا يعرفون عنه إلا أموراً سطحية، فمعارفهم به كانت ضئيلة.
وقوله: ...حكاماً قساة على أولياء الله وعارفيه بدون مبرر...، فنجيبه:
أ- الذي يحكم بالقرآن والسنة لا يكون حاكماً قاسياً، والذي يتهمه لذلك يخرج من الإيمان: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) [النساء:65].

ب- يقول:.. على أولياء الله..، فمن قال لك يا هذا أنكم (أولياء الله)، أوَلَمْ تقرأ الآية الكريمة: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا. انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا)) [النساء:49، 50].

ج- أما قوله: بدون مبرر!!، فجوابنا: بل المبرر موجود وموجود وموجود، وهو من الشرع، ومن القرآن، ومن السنة، وهو فرض لا سنة، إنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

- ويقول: وكذلك في نظراتهم السامية العميقة لهذا الوجود..، فنجيبه: قرر مشايخ الصوفية وكبارهم وعارفوهم والمكاشفون والمشاهدون أن الحقيقة هي زندقة بالنسبة للشريعة، فإن كانت نظرات (أهل الحقيقة) سامية وعميقة! فكيف تكون نظرات الشريعة المناقضة لها؟؟ طبعاً ستكون بعكس ذلك! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

- ويقول: وأول ما يرمون به التصوف من كذب عظيم اتهام جميع شيوخ التصوف بوحدة الوجود...فنجيبه:
لقد أفحمتنا يا شيخ؟! لأن القول بأن اتهام جميع شيوخ التصوف بوحدة الوجود هو كذب عظيم!! هذا القول هو مفحم جداً!! بل وجداً جداً أيضاً!! ولا يسعنا أمام ما يأتي به هؤلاء الأولياء العارفون من صدق عظيم وجرأة عظيمة وفصاحة أعظم إلا أن نقول: اللهم إنا نشكو إليك هذا البلاء العظيم الذي دمر الأمة الإسلامية، والذي يصرّ أقطابه على السير في طريقهم للقضاء على ما تبقى لهذه الأمة من عقيدة إسلامية وأخلاق ووجود، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

- ثم يقدم التساؤلات: فما وحدة الوجود يا ترى؟! هل هي الجمع بين وجودين أزليين أبديين أو واقعيين؟ ويجيب نفسه: وهو المستحيل.
ونقول: نعم، هو مستحيل، ولم يقل أحد إن هذه هي وحدة الوجود، ونعجب من شيخنا كيف يورد هذا التساؤل الذي لم يرد!! ولكنه الأسلوب الماهر.
ويواصل شيخنا تساؤله: أو بين حادث وقديم؟! وهو مستحيل أيضاً.
ونجيبه نعم، إن الصوفية لا تقول بهذا، لأنه هو ما يسمى بالحلول أو الاتحاد، والصوفية بريئة من كليهما، والإسلام بريء من الجميع.
ويقول: والقوم أهل توحيد.
فنجيبه: نعم، إنهم أهل توحيد، وقد رأينا توحيدهم في أكثر من مائة نص سابق، وعرفنا ما هو، إنه توحيد الوجود.

ثم يقول: أو يريدون بالحقيقة جعلها اثنينية بين خالق ومخلوق؟! وهذا باطل ينفيه التصوف الحق.
فنجيبه:
نعم، نعم، الاثنينية بين الخالق والمخلوق، أي وجود خالق ووجود مخلوق، حيث يكون في الوجود اثنان، خالق ومخلوق فهذا مرفوض عند الصوفية، وقولك يا شيخنا: هذا باطل ينفيه التصوف الحق، هو صحيح تماماً. فالتصوف الحق لا يؤمن بوجود خالق ومخلوق، وإنما يؤمن بوجودٍ واحد فقط هو الحق، وما الخلق منه إلا كموج البحر من البحر، وهي هي نفسها (وحدة الوجود).
ونقول: يا شيخنا، ها أنت تقرر وحدة الوجود عندما ترفض الاثنينية، إذن، فلم اتهمت (الذين يرمون شيوخ التصوف بوحدة الوجود؟!)، لم اتهمتهم بالكذب العظيم؟ وهم لا يرمونكم إلا بما أنتم عليه.

وللإيضاح: يقول النص: ...اتهام جميع شيوخ التصوف، وهذا يعني أن قسماً من شيوخه لا يؤمنون بوحدة الوجود، وسنرى فيما يأتي أن الذين لا يؤمنون بالوحدة هم الدخلاء على التصوف الذي يدعون المشيخة دون ذوق أو معرفة (ومن تشبه بقوم فهو منهم).
============
([1]) مؤسس الطريقة الشاذلية الفيضية في مصر، أسس الكلية الصوفية عام (1927م)، وبقيت حتى عام (1933م)، ثم أصدر مجلة البهلول.
([2]) معالم الطريق إلى الله، (ص:43).
([3]) معالم الطريق إلى الله، (ص:404).
__________________
لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي !!
مغلق حتي يقضي الله أمراً كان مفعولاً.



رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 11:04 AM.