اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا

محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-09-2014, 10:24 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة hi all مشاهدة المشاركة
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
عليه افضل صلاة وازكى سلام
__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-09-2014, 12:33 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

المبحث الثاني


الدعــــوة الســـــــــــــرية

أولاً: الأمر الرباني بتبليغ الرسالة:
عرف النبي صلى الله عليه وسلم معرفة اليقين أنه أصبح نبيا لله الرحيم الكريم، وجاء جبريل عليه السلام للمرة الثانية، وأنزل الله على نبيه قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ` قُمْ فَأَنْذِرْ` وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ` وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ )[المدثر:1-4].
كانت هذه الآيات المتتابعة إيذانًا للرسول صلى الله عليه وسلم بأن الماضي قد انتهى بمنامه وهدوئه، وأنه أمامه عمل عظيم, يستدعي اليقظة والتشمير، والإنذار والإعذار، فليحمل الرسالة، وليوجه الناس، وليأنس بالوحي، وليقوَ على عنائه فإنه مصدر رسالته ومدد دعوته([1]).
وتعد هذه الآيات أول أمر بتبليغ الدعوة، والقيام بالتبعة، وقد أشارت هذه الآيات إلى أمور هي خلاصة الدعوة المحمدية، والحقائق الإسلامية التي بني عليها الإسلام كله، وهي الوحدانية, والإيمان باليوم الآخر، وتطهير النفوس، ودفع الفساد عن الجماعة، وجلب النفع([2]).
كانت هذه الآيات تهييجًا لعزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لينهض بعبء ما كُلِّفه من تبليغ رسالات ربه، فيمضي قُدمًا بدعوته، لا يبالي العقبات والحواجز، كان هذا النداء المتلطف ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) إيذانا بشحذ العزائم, وتوديعًا لأوقات النوم والراحة, وجاء عقب هذا النداء الأمر الجازم بالنهوض ( قُمْ ) في عزيمة ناهضة وقوة حازمة، تتحرك في اتجاه تحقيق واجب التبليغ، وفي مجيء الأمر بالإنذار منفردًا عن التبشير في أول خطاب وجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد فترة الوحي, إيذان بأن رسالته تعتمد على الكفاح الصبور، والجهاد المرير، ثم زادت الآيات في تقوية عزيمة النبي صلى الله عليه وسلم، وشد أزره وحضه على المضي قدما إلى غاية ما أمر به، غير عابئ بما يعترض طريقه من عقبات مهما يكن شأنها فقيل له: ( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) أي: لا تعظم شيئا من أمور الخلق, ولا يتعاظمك منهم شيء, فلا تتهيب فعلا من أفعالهم، ولا تخشى أحدًا منهم، ولا تعظم إلا ربك الذي تعهدك وأنت في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات، فرباك على موائد فضله، ورعاك بإحسانه وجوده, حتى أخرجك للناس نبيًّا ورسولاً، بعد أن أعدّك خَلْقًا وخُلُقًا، لتحمل أمانة أعظم رسالاته، ( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) فكل تعظيم وتكبير وإجلال حق لله تعالى وحده، لا يشاركه فيه أحد، أو شيء من مخلوقاته([3]).
وفي قوله: ( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ) فكأنه قيل له صلى الله عليه وسلم: فأنت على طهرك وتطهرك بفطرتك في كمال إنسانيتك بما جبلك الله عليه من أكرم مكارم الأخلاق، وبما حباك به من نبوته ليعدَّك بها ليومك هذا, أحوج إلى أن تزداد في تطهرك النفسي، فتزداد من المكارم في حياتك مع الناس والأشياء، فأنت اليوم رسول الله إلى العالمين، وكمال الرسالة في كمال الخلق الاجتماعي, صبرًا، وحلمًا، وعفوًا، وإحسانًا ودُؤُوبًا على الجد في تبليغ الدعوة إلى الله تعالى, ولا يثنيك إيذاء, ولا يقعدك عن المضي إلى غايتك فادح البلاء([4]).
وفي قوله: ( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) فكأنه قيل له صلى الله عليه وسلم: ليكن قصدك ونيتك في تركك ما تركت، فطرة وطبعًا هَجْرَه تكليفًا وتعبدًا لتكون قدوة أمتك، وعنوان تطهرها بهداية رسالتك([5]).



([1]) انظر: فقه السيرة للغزالي ص90.
([2]) انظر: دولة الرسول من التكوين إلى التمكين، د. كامل سلامة، ص181.
([3]) انظر: محمد رسول الله, صادق عرجون (1/589، 590، 591).
([4],2) محمد رسول الله ص(1/592، 593).
(3) انظر: المرأة في العهد النبوي، د. عصمة الدين كركر ص36.
__________________
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16-09-2014, 12:37 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ثانيًا: بدء الدعوة السرية:
بعد نزول آيات المدثر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله وإلى الإسلام سرًّا، وكان طبيعيًا أن يبدأ بأهل بيته، وأصدقائه، وأقرب الناس إليه.
1- إسلام السيدة خديجة رضي الله عنها:
كان أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من النساء، بل أول من آمن به على الإطلاق السيدة خديجة رضي الله عنها، فكانت أول من استمع إلى الوحي الإلهي من فم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكانت أول من تلا القرآن بعد أن سمعته من صوت الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، وكانت كذلك أول من تعلم الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبيتها هو أول مكان تُلي فيه أول وحي نزل به جبريل على قلب المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم بعد غار حراء([1]).
كان أول شيء فرضه الله من الشرائع بعد الإقرار بالتوحيد إقامة الصلاة، وقد جاء في الأخبار حديث تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم زوجه خديجة الوضوء والصلاة, حين افترضت على رسول الله؛ أتاه جبريل وهو بأعلى مكة فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت منه عين, فتوضأ جبريل عليه السلام, والرسول ينظر ليريه كيف الطهور للصلاة، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رأى جبريل توضأ، ثم قام جبريل عليه السلام فصلى به وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بصلاته، ثم انصرف جبريل عليه السلام فجاء رسول الله خديجة فتوضأ لها, يريها كيف الطهور للصلاة، كما أراه جبريل عليه السلام، فتوضأت كما توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صلى به جبريل عليه السلام([2]).
2- إسلام علي بن أبي طالب t:
وبعد إيمان السيدة خديجة دخل علي بن أبي طالب في الإسلام، وكان أول من آمن من الصبيان، وكانت سنه إذ ذاك عشر سنين على أرجح الأقوال، وهو قول الطبري وابن إسحاق([3])، وقد أنعم الله عليه بأن جعله يتربى في حجر رسوله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام, حيث أخذه من عمه أبي طالب وضمه إليه.([4]) وكان علي t ثالث من أقام الصلاة بعد رسول الله وبعد خديجة رضي الله عنها([5]).
وقد ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة، وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيًا من أبيه، ومن جميع أعمامه, وسائر قومه, فيصليان الصلوات فيها, فإذا أمسيا رجعا, ليضمهما ذلك البيت الطاهر التقي بالإيمان, المفعم بصدق الوفاء وكرم المنبت([6]).
3- إسلام زيد بن حارثة t:
هو أول من آمن بالدعوة من الموالي([7]) حِبّ النبي صلى الله عليه وسلم ومولاه، ومُتَبنَّاه: زيد بن حارثة الكلبي, الذي آثر رسولَ الله على والده وأهله، عندما جاءوا إلى مكة لشرائه من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فترك رسول الله الأمر لحارثة فقال زيد لرسول الله: ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا، وأنت مني بمنزلة الأب والعم، فقال له والده وعمه: ويحك تختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟ قال: نعم، وإني رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا أبدًا([8]).
4- إسلام بنات النبي صلى الله عليه وسلم:
وكذلك سارع إلى الإسلام بنات النبي صلى الله عليه وسلم، كل من زينب، وأم كلثوم، وفاطمة ورقية، فقد تأثرن قبل البعثة بوالدهن صلى الله عليه وسلم في الاستقامة وحسن السيرة، والتنزه عما كان يفعله أهل الجاهلية، من عبادة الأصنام والوقوع في الآثام، وقد تأثرن بوالدتهن، فأسرعن إلى الإيمان([9])، وبذلك أصبح بيت النبي صلى الله عليه وسلم أول أسرة مؤمنة بالله تعالى منقادة لشرعه في الإسلام، ولهذا البيت النبوي الأول مكانة عظمى في تاريخ الدعوة الإسلامية, لما حباه الله به من مزايا وخصه بشرف الأسبقية في الإيمان وتلاوة القرآن وإقام الصلاة فهو:
أول مكان تُلي فيه وحي السماء بعد غار حراء.
وهو أول بيت ضم المؤمنة الأولى سابقة السبق إلى الإسلام.
وهو أول بيت أقيمت فيه الصلاة.
وهو أول بيت اجتمع فيه المؤمنون الثلاثة السابقون إلى الإسلام، خديجة وعلي وزيد بن حارثة.
وهو أول بيت تعهد بالنصرة، ولم يتقاعس فيه فرد من أفراده كبارا أو صغارا عن مساندة الدعوة([10]).
يحق لهذا البيت أن يكون قدوة، ويحق لربته أن تكون مثالاً ونموذجًا حيًّا لبيوت المسلمين ولنسائهم ورجال المؤمنين كافة، فالزوجة فيه طاهرة مؤمنة, مخلصة, وزيرة الصدق والأمان، وابن العم المحضون والمكفول, مستجيب ومعضد ورفيق، والمتبنى مؤمن صادق مساعد ومعين، والبنات مصدقات مستجيبات مؤمنات ممتثلات([11]).
وهكذا كان للبيت النبوي مكانته الأولى, والواجب يدعو إلى أن يكون قدوتنا والأنموذج الذي نسير على هديه في المعاشرة, ومثالية السلوك بالصدق والتصديق، في الاستجابة والعمل لكل من آمن بالله ربًّا وبمحمد نبيًّا ورسولاً([12]).
إن الحقيقة البارزة في المنهج الرباني تشير إلى أهمية بناء الفرد الصالح والأسرة الصالحة، كأول حلقة من حلقات الإصلاح، والبناء، ثم المجتمع الصالح، ولقد تجلت عناية الإسلام بالفرد المسلم وتكوينه ووجوب أن يسبق أي عمل آخر، فالفرد المسلم هو حجر الزاوية في أي بناء اجتماعي, ولما كانت الأسرة التي تستقبل الفرد منذ ولادته وتستمر معه مدة طويلة من حياته، بل هي التي تحيط به طوال حياته، فهي المحضن المتقدم الذي تتحدد به معالم الشخصية وخصائصها وصفاتها، كما أنها الوسيط بين الفرد والمجتمع، فإذا كان هذا الوسط سليمًا قويًّا أمد طرفيه -الفرد والمجتمع- بالسلامة والقوة([13]).
ولهذا اهتم الإسلام بالأسرة واتجه إليها, يضع لها الأسس التي تكفل قيامها ونموها نموًّا سليمًا، ويوجهها الوجهة الربانية لتكون حلقة قوية في بناء المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية التي تسعى لصناعة الحضارة الربانية في دنيا الناس([14]).
__________________
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 16-09-2014, 12:40 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

5- إسلام أبي بكر الصديق t:
كان أبو بكر الصديق t أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من الرجال الأحرار، والأشراف، فهو من أخص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة, وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة، وتردد ونظر، إلا أبا بكر، ما عكم([15]) حين دعوته ولا تردد فيه»([16])، فأبو بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو حسنة من حسناته عليه الصلاة والسلام, لم يكن إسلامه إسلام رجل، بل كان إسلامه إسلام أمة، فهو في قريش كما ذكر ابن إسحاق في موقع العين منها:
كان رجلا مألفًا لقومه محببًا سهلاً.
وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بها, وبما كان فيها من خير وشر.
وكان رجلاً تاجرًا.
ذا خلق ومعروف.
وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر, لعلمه وتجارته، وحسن مجالسته([17]).
لقد كان أبو بكر كنزًا من الكنوز، ادخره الله تعالى لنبيه، وكان من أحب قريش لقريش، فذلك الخلق السمح الذي وهبه الله تعالى إياه, جعله من الموطئين أكنافا، من الذين يألفون ويؤلفون، والخلق السمح وحده عنصر كافٍ لألفة القوم, وهو الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر» ([18]) وعلم الأنساب عند العرب، وعلم التاريخ هما أهم العلوم عندهم، ولدى أبي بكر الصديق t النصيب الأوفر منهما، وقريش تعترف للصديق بأنه أعلمها بأنسابها، وأعلمها بتاريخها، وما فيه من خير وشر فالطبقة المثقفة ترتاد مجلس أبي بكر لتنهل منه علمًا لا تجده عند غيره غزارة ووفرة وسعة، ومن أجل هذا كان الشباب النابهون، والفتيان الأذكياء يرتادون مجلسه دائمًا، إنهم الصفوة الفكرية المثقفة التي تود أن تلقى عنده هذه العلوم، وهذا جانب آخر من جوانب عظمته، وطبقة رجال الأعمال، ورجال المال في مكة، هي كذلك من رواد مجلس الصديق، فهو إن لم يكن التاجر الأول في مكة، فهو من أشهر تجارها، فأرباب المصالح هم كذلك قصاده، ولطيبته وحسن خلقه تلقى عوام الناس يرتادون بيته، فهو المضياف الدمث الخلق، الذي يفرح بضيوفه، ويأنس بهم، فكل طبقات المجتمع المكي تجد حظها عند الصديق رضوان الله عليه([19]) كان رصيده الأدبي والعلمي والاجتماعي في المجتمع المكي عظيما، ولذلك عندما تحرك في دعوته للإسلام استجاب له صفوة من خيرة الخلق وهم:
عثمان بن عفان t في الرابعة والثلاثين من عمره.
عبد الرحمن بن عوف t في الثلاثين من عمره.
سعد بن أبي وقاص t وكان في السابعة عشرة من عمره.
والزبير بن العوام t وكان في الثانية عشرة من عمره.
وطلحة بن عبيد الله t وكان في الثالثة عشرة من عمره([20]).
كان هؤلاء الأبطال الخمسة أول ثمرة من ثمار الصديق أبي بكر t, دعاهم إلى الإسلام فاستجابوا، وجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرادى، فأسلموا بين يديه، فكانوا الدعامات الأولى التي قام عليها صرح الدعوة، وكانوا العدة الأولى في تقوية جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهم أعزه الله وأيده, وتتابع الناس يدخلون في دين الله أفواجًا، رجالاً ونساءً، وكان كل من هؤلاء الطلائع داعية إلى الإسلام، وأقبل معهم رعيل السابقين، الواحد، والاثنين، والجماعة القليلة، فكانوا على قلة عددهم كتيبة الدعوة، وحصن الرسالة لم يسبقهم سابق ولا يلحق بهم لاحق في تاريخ الإسلام([21]).
إن تحرك أبي بكر t في الدعوة إلى الله تعالى يوضح صورة من صور الإيمان بهذا الدين والاستجابة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم, صورة المؤمن الذي لا يقر له قرار، ولا يهدأ له بال، حتى يحقق في دنيا الناس ما آمن به، دون أن تكون انطلاقته دفعة عاطفية مؤقتة سرعان ما تخمد وتذبل وتزول، وقد بقي نشاط أبي بكر وحماسته إلى أن توفاه الله جل وعلا لم يفتر أو يضعف أو يمل أو يعجز.
ونلاحظ أن أصحاب الجاه لهم أثر كبير في كسب أنصار للدعوة، ولهذا كان أثر
أبي بكر t في الإسلام أكثر من غيره([22]).

بعد أن كانت صحبة الصديق لرسول الله، مبنية على مجرد الاستئناس النفسي والخلقي, صارت الأنسة بالإيمان بالله وحده، وبالمؤازرة في الشدائد، واتخذ رسول الله عليه الصلاة والسلام من مكانة أبي بكر، وأُنس الناس به ومكانته عندهم قوة لدعوة الحق، فوق ما كان له عليه الصلاة والسلام من قوة نفس، ومكانة عند الله وعند الناس([23]).
ومضت الدعوة سرية وفردية على الاصطفاء, والاختيار للعناصر التي تصلح أن تتكون منها الجماعة المؤمنة, التي ستسعى لإقامة دولة الإسلام ودعوة الخلق إلى دين رب العباد والتي ستقيم حضارة ربانية ليس لها مثيل.
__________________
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30-11-2014, 01:56 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الفصل التاسع


غــــــــزوة أحــــــــد



المبحث الأول


أحداث ما قبل المعركة

أولاً: أسباب الغزوة:
كانت أسباب غزوة أحد متعددة منها: الديني، والاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي.
1- السبب الديني: فقد أخبر المولى عز وجل أن المشركين ينفقون أموالهم في الصد عن سبيل الله، وإقامة العقبات أمام الدعوة الإسلامية، ومنع الناس في الدخول في الإسلام، والسعي للقضاء على الإسلام والمسلمين ودولتهم الناشئة, قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ )[الأنفال: 36].
قال الطبري: يصرفون أموالهم وينفقونها، ليمنعوا الناس عن الدخول في الإسلام([1]).
وقال ابن كثير: أخبر تعالى أن الكفار ينفقون أموالهم ليصدوا عن اتباع الحق([2]).
وقال الشوكاني: والمعنى أن غرض هؤلاء الكفار في إنفاق أموالهم هو الصد عن سبيل الحق بمحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمع الجيوش لذلك([3]).
من هذا يظهر أن أهم أسباب غزوة أحد هو السبب الديني الذي كان من أهداف قريش للصد عن سبيل الله، واتباع طريق الحق، ومنع الناس من الدخول في الإسلام، ومحاربة الرسول صلى الله عليه وسلم والقضاء على الدعوة الإسلامية([4]).
2- السبب الاجتماعي: كان للهزيمة الكبيرة في بدر، و*** السادة والأشراف من قريش وقع كبير من الخزي والعار الذي يحل بهم، وجعلهم يشعرون بالمذلة والهزيمة، ولذلك بذلوا قصارى جهدهم في غسل هذه الذلة والمهانة التي لصقت بهم، ولذلك شرعوا في جمع المال لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فور عودتهم من بدر, قال ابن إسحاق: (لما أصيب يوم بدر من كفار قريش أصحاب القليب، ورجع فُلهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بعيرهم فأوقفها بدار الندوة، وكذلك كانوا يصنعون، فلم يحركها ولا فرقها، فطابت أنفس أشرافهم أن يجهزوا منها جيشا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم, فمشى عبد الله بن ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، وحويطب بن عبد العزى، وصفوان بن أمية في رجال ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدر، فكلموا أبا سفيان ومن كانت له في تلك العير تجارة من قريش، فقالوا: إن محمدًا قد وتركم، و*** خياركم, فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منها، فقال أبو سفيان: أنا أول من أجاب إلى ذلك([5]).
ودعا جبير بن مطعم غلامًا له حبشيًا يقال له: وحشي يقذف بحربة له قذف الحبشة قلما يخطئ لها فقال: اخرج مع الناس فإن أنت ***ت حمزة عم محمد بعمي طعيمة بن عدي، فأنت عتيق([6]).
3- السبب الاقتصادي: كانت حركة السرايا التي تقوم بها الدولة الإسلامية قد أثرت على اقتصاد قريش وفرضت عليهم حصارًا اقتصاديًا قويًا، وكان الاقتصاد المكي قائمًا على رحلتي الشتاء والصيف، رحلة الشتاء إلى اليمن وتحمل إليها بضائع الشام ومحاصيلها، ورحلة الصيف إلى الشام تحمل إليها محاصيل اليمن وبضائعها، وقطع أحد جناحي هاتين الرحلتين ضرب للجناح الآخر، لأن تجارتهم إلى الشام قائمة على سلع اليمن، وتجارتهم إلى اليمن قائمة على سلع الشام([7]), قال تعالى: ( لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ`إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ`فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ )[قريش].
ويشير إلى هذا قول صفوان بن أمية: (إن محمدًا وأصحابه قد عوزوا علينا متاجرنا، فما ندري كيف نصنع بأصحابه، وهم لا يبرحون الساحل، قد وادعهم([8]), ودخل عامتهم معه، فما ندري أين نسلك، وإن أقمنا نأكل رؤوس أموالنا ونحن في ديارنا هذه, ما لنا بها بقاء، وإنما نزلناها على التجارة إلى الشام في الصيف وفي الشتاء إلى الحبشة)([9]).
4- السبب السياسي: فقد أخذت سيادة قريش في الانهيار بعد غزوة بدر، وتزعزع مركزها بين القبائل بوصفها زعيمة لها، فلا بد من رد الاعتبار والحفاظ على زعامتها مهما كلفها الأمر من جهود ومال وتضحيات.
هذه أهم الأسباب التي جعلت قريش تبادر إلى المواجهة العسكرية ضد الدولة الإسلامية بالمدينة([10]).
ثانيًا: خروج قريش من مكة إلى المدينة:
استكملت قريش قواها في يوم السبت لسبع خلون من شوال من السنة الثالثة من الهجرة([11]), وعبأت جيشها المكون من ثلاثة آلاف مقاتل مصحبين معهم النساء والعبيد, ومن تبعها من القبائل العربية المجاورة، فخرجت قريش بحدها وحديدها وأحابيشها([12]) ومن تبعها من كنانة وأهل تهامة. وخرجوا بالظعن([13]), التماس الحفيظة لئلا يفروا.
فخرج أبو سفيان، وهو قائد الناس بهند بنت عتبة بن ربيعة([14]), وخرج صفوان بن أمية بن خلف ببرزة بنت مسعود الثقفية، وخرج عكرمة بن أبي جهل بأم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة، وخرج الحارث بن هشام بن المغيرة بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة([15]).. فأقبلوا حتى نزلوا ببطن السبخة من قناة، على شفير الوادي مما يلي المدينة([16]).
كانت التعبئة القرشية قد سبقتها حملة إعلامية ضخمة تولى كبرها أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي، وعمرو بن العاص، وهبيرة المخزومي، وابن الزَّبَعْرَى وقد حققت نتائج كبيرة([17]), وبلغت النفقات الحربية لجيش قريش خمسين ألف دينار ذهبًا([18]).
ثالثًا: الاستخبارات النبوية تتابع حركة العدو:
كان العباس بن عبد المطلب يرقب حركات قريش واستعداداتها العسكرية، فلما تحرك هذا الجيش بعث العباس رسالة مستعجلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ضمنها جميع تفاصيل الجيش، وأسرع رسول العباس بإبلاغ الرسالة وجد في السير, حتى إنه قطع الطريق بين مكة والمدينة، التي تبلغ مساحتها خمسمائة كيلومتر، في ثلاثة أيام وسلم الرسالة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسجد قباء([19]).
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتابع أخبار قريش بدقة بواسطة عمه العباس، قال ابن عبد البر: (وكان t يكتب بأخبار المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان المسلمون يتقوون به بمكة، وكان يحب أن يقدم على رسول الله فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن مقامك في مكة خير)([20]).
كانت المعلومات التي قدمها العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم دقيقة فقد جاء في رسالته: (أن قريشًا قد أجمعت المسير إليك, فما كنت صانعًا إذا حلوا بك فاصنعه، وقد توجهوا إليك وهم ثلاثة آلاف وقادوا مائتي فرس وفيهم سبعمائة دارع وثلاثة آلاف بعير, وأوعبوا([21]) من السلاح) ([22]).
فقد احتوت هذه الرسالة على أمور مهمة منها:
1- معلومات مؤكدة عن تحرك قوات المشركين نحو المدينة.
2- حجم الجيش وقدراته القتالية, وهذا يعين على وضع خطة تواجه هذه القوات الزاحفة.
لم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بمعلومات المخابرات المكية، بل حرص على أن تكون معلوماته عن هذا العدو متجددة مع تلاحق الزمن، وفي هذا إرشاد لقادة المسلمين بأهمية متابعة الأخبار التي يتولد عنها وضع خطط وإستراتيجيات نافعة، ولذلك أرسل صلى الله عليه وسلم الحباب بن المنذر بن الجموح إلى قريش يستطلع الخبر، فدخل بين جيش مكة وحزر عَدَده وعُدَده ورجع, فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما رأيت؟» قال: رأيت أي رسول الله عددًا، حزرتهم ثلاثة آلاف يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا، والخيل مائتي فرس، ورأيت دروعًا ظاهرة حزرتها سبعمائة درع، قال: «هل رأيت ظعنًا؟» قال: رأيت النساء معهن الدفاف والأكبار([23])... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أردن أن يحرضن القوم ويذكرونهم ***ى بدر، هكذا جاءني خبرهم لا تذكر من شأنهم حرفًا, حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم بك أجول وبك أصول» ([24]).
كما أرسل صلى الله عليه وسلم أنسًا ومؤنسًا ابني فضالة يتنصتان أخبار قريش، فألفياها قد قاربت المدينة، وأرسلت خيلها وإبلها ترعى زروع يثرب المحيطة بها، وعادا فأخبراه بخبر القوم([25]).
وبعد أن تأكد من المعلومات حرص صلى الله عليه وسلم على حصر تلك المعلومات على المستوى القيادي, خوفًا من أن يؤثر هذا الخبر على معنويات المسلمين قبل إعداد العدة، ولذلك حين قرأ أبي بن كعب رسالة العباس أمره صلى الله عليه وسلم بكتمان الأمر، وعاد مسرعًا إلى المدينة، وتبادل الرأي مع قادة المهاجرين والأنصار في كيفية مواجهة الموقف، وكان صلى الله عليه وسلم قد أطلع سيد الأنصار سعد بن الربيع على خبر رسالة العباس فقال: والله إني لأرجو أن يكون خيرًا، فاستكتمه إياه، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند سعد، قالت له امرأته: ما قال لك رسول الله؟ فقال لها: لا أم لك, أنت وذاك، فقالت: قد سمعت ما قال لك، فأخبرته بما أسر به الرسول صلى الله عليه وسلم فاسترجع سعد، وقال: يا رسول الله، إني خفت أن يفشو الخبر فترى أني أنا المفشي له وقد استكتمتني إياه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلِّ عنها»([26]).
وفي هذه الحادثة درس بالغ للعسكريين وتحذيرهم من إطلاع زوجاتهم على أسرارهم العسكرية، وخططهم وأوامرهم، وينبغي الحذر من إفشاء مثل هذه الأسرار لأن إفشاءها يهدد الأمة ومستقبلها بكارثة كبرى.
إن تاريخ الأمم والشعوب في القديم والحديث يحدثنا أن كثيرًا من الهزائم والمآسي والآلام قد حلت بكثير من الأمم نتيجة لتسرب أسرار الجيوش إلى أعدائها عن طريق زوجة خائنة، أو خائن في ثوب صديق, أو قريب في الظاهر عدو في الحقيقة والواقع([27]).
__________________
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30-11-2014, 02:00 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

رابعًا: مشاورته صلى الله عليه وسلملأصحابه:
بعد أن جمع صلى الله عليه وسلم المعلومات الكاملة عن جيش كفار قريش جمع أصحابه رضي الله عنهم وشاورهم في البقاء في المدينة والتحصن فيها أو الخروج لملاقاة المشركين، وكان رأي النبي صلى الله عليه وسلم البقاء في المدينة، وقال: «إنا في جنة حصينة»([28]) فإن رأيتم أن تقيموا وتدعوهم حيث نزلوا، فإن أقاموا أقاموا بشر مقام، وإن دخلوا علينا قاتلناهم فيها، وكان رأي عبد الله بن أبي ابن سلول([29]) مع رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن رجالاً من المسلمين ممن كان فاته بدر قالوا: يا رسول الله، اخرج بنا إلى أعدائنا.
قال ابن كثير: (وأبى كثير من الناس إلا الخروج إلى العدو ولم يتناهوا إلى
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيه، ولو رضوا بالذي أمرهم كان ذلك، ولكن غلب القضاء والقدر، وعامة من أشار عليه بالخروج رجال لم يشهدوا بدرًا، قد علموا الذي سبق لأهل بدر من الفضيلة)([30]).

وقال ابن إسحاق: فلم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان من أمرهم حب لقاء القوم، حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته، فلبس لأمته([31]), فتلاوم القوم فقالوا: عرض نبي الله صلى الله عليه وسلم بأمر وعرضتم بغيره، فاذهب يا حمزة فقل لنبي الله صلى الله عليه وسلم: (أمرنا لأمرك تبع) فأتى حمزة فقال له: (يا نبي الله إن القوم تلاوموا، فقالوا: أمرنا لأمرك تبع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل»([32]).
كان رأي من يرى الخروج إلى خارج المدينة مبنيًا على أمور منها:
1- أن الأنصار قد تعاهدوا في بيعة العقبة الثانية على نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان أغلبهم يرى أن المكوث داخل المدينة تقاعس عن الوفاء بهذا العهد.
2- أن الأقلية من المهاجرين كانت ترى أنها أحق من الأنصار في الدفاع عن المدينة ومهاجمة قريش وصدها عن زروع الأنصار.
3- أن الذين فاتتهم غزوة بدر كانوا يتحرقون شوقًا من أجل ملاقاة الأعداء طمعًا في حصول الشهادة في سبيل الله.
4- أن الأكثرين كانوا يرون أن في محاصرة قريش للمدينة ظفرًا يجب ألا تحلم به، كما توقعوا أن وقت الحصار سيطول أمده, فيصبح المسلمون مهددين بقطع المؤن عنهم([33]).
أما من وجهة نظر من يرى البقاء في المدينة فهو مبني على التخطيط الحربي الآتي:
1- أن جيش مكة لم يكن موحد العناصر، وبذلك يستحيل على هذا الجيش البقاء زمنًا طويلاً إذ لا بد من ظهور الخلاف بينهم إن عاجلاً أو آجلاً.
2- أن مهاجمة المدن المصممة على الدفاع عن حياضها وقلاعها وبيضتها أمر بعيد المنال, وخصوصا إذا تشابه السلاح عند كلا الجيشين، وقد كان يوم أحد متشابهًا.
3- أن المدافعين إذا كانوا بين أهليهم فإنهم يستبسلون في الدفاع عن أبنائهم وحماية نسائهم وبناتهم وأعراضهم.
4- مشاركة النساء والأبناء في القتال وبذلك يتضاعف عدد المقاتلين.
5- استخدام المدافعين أسلحة لها أثر في صفوف الأعداء مثل الأحجار، وغيرها, وتكون إصابة المهاجمين في متناولهم([34]).
من الواضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم عوَّد أصحابه على التصريح بآرائهم عند مشاورته لهم حتى ولو خالفت رأيه، فهو إنما يشاورهم فيما لا نص فيه تعويدًا لهم على التفكير في الأمور العامة ومعالجة مشاكل الأمة، فلا فائدة من المشورة إذا لم تقترن بحرية إبداء الرأي، ولم يحدث أن لام الرسول صلى الله عليه وسلم أحدًا؛ لأنه أخطأ في اجتهاده ولم يوفق في رأيه، وكذلك فإن الأخذ بالشورى ملزم للإمام, فلابد أن يطبق الرسول صلى الله عليه وسلم التوجيه القرآني: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )[آل عمران: 159], لتعتاد على ممارسة الشورى وهنا يظهر الوعي السياسي عند الصحابة رضوان الله عليهم، فرغم أن لهم إبداء الرأي, فإنه ليس لهم فرضه على القائد, فحسبهم أن يبينوا رأيهم ويتركوا للقائد حرية اختيار ما يترجح لديه من الآراء، فلما رأوا أنهم ألحوا في الخروج وأن الرسول صلى الله عليه وسلم عزم على الخروج بسبب إلحاحهم، عادوا فاعتذروا إليه، لكن الرسول الكريم علمهم درسًا آخر هو من صفات القيادة الناجحة وهو عدم التردد بعد العزيمة والشروع في التنفيذ، فإن ذلك يزعزع الثقة بها ويغرس الفوضى بين الأتباع([35]).
كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عزم على الخروج وقد أعلن حالة الطوارئ العامة وتجهز الجميع للقتال، وأمضوا ليلتهم في حذر, كلٌّ يصحب سلاحه ولا يفارقه، حتى عند نومه، وأمر صلى الله عليه وسلم بحراسة المدينة، واختار خمسين من أشداء المسلمين ومحاربيهم بقيادة محمد بن مسلمة t. واهتم الصحابة بحراسة رسول الله، فبات سعد بن معاذ وأسيد بن الحضير وسعد بن عبادة في عدة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ليلة الجمعة مدججين بالسلاح في باب المسجد يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم([36]).
خامسًا: خروج جيش المسلمين إلى أحد:
أ- من الأسباب المهمة التي اتخذها صلى الله عليه وسلم لملاقاة أعدائه اختياره لوقت التحرك والطريق التي تناسب خطته، فقد تحرك بعد منتصف الليل، حيث يكون الجو هادئًا، والحركة قليلة، وفي هذا الوقت بالذات يكون الأعداء، غالبا, في نوم عميق لأن الإعياء ومشقة السفر قد أخذا منهم مجهودًا كبيرًا.
ومن المعروف أن من نام بعد تعب يكون ثقيل النوم، فلا يشعر بالأصوات العالية والحركة الثقيلة، قال الواقدي رحمه الله: ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدلج, فلما كان في السحر قال: «أين الأدلاء؟»([37]) ثم إنه صلى الله عليه وسلم اختار الطريق المناسب الذي يسلكه حتى يصل إلى أرض المعركة، وذكر صفة ينبغي أن تتوافر في هذا الطريق وهي السرية، حتى لا يرى الأعداء جيش المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «من رجل يخرج بنا على القوم من طريق لا يمر بنا عليهم؟» فأبدى أبو خيثمة t استعداده قائلا: أنا يا رسول الله، فنفذ به في حرة بني حارثة وبين أموالهم، حتى سلك به في مال لربعي بن قيظي، وفي رواية ابن هشام: لمربع بن قيظي وكان رجلاً منافقًا ضرير البصر، فلما أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين، قام يحثو في وجوههم التراب، وهو يقول: إن كنت رسول الله فلا أحل لك أن تدخل حائطي، وقد ذكر أنه أخذ حفنة من تراب بيده، ثم قال: والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد، لضربت بها وجهك، فابتدره القوم لي***وه، فقال لهم: لا ت***وه, فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر، وقد بدر إليه سعد بن زيد أخو بني الأشهل([38]) قبل نهي رسول الله عنه، فضربه بالقوس في رأسه فشجه([39]).
ولا شك في أن مروره صلى الله عليه وسلم بين الأشجار والبساتين يدلنا على حرصه صلى الله عليه وسلم على الأخذ بالاحتياطات الأمنية المناسبة في أثناء السير؛ لأن الطرق العامة تكشف للأعداء على مقدار قوات المسلمين, وهذا أمر محذور، فالرسول صلى الله عليه وسلم علم الأمة الأخذ بالسرية من حيث المكان، ومن حيث الزمان، لئلا يستطيع الأعداء معرفة قواتهم فيضعوا الخطط المناسبة لمجابهتها، وبذلك يذهب تنظيم القادة وإعدادهم لجيوشهم في مهب الرياح.
وفي هذا الخبر تطبيق عملي لتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة إذا تعارضت المصلحتان فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما مر بالجيش في أرض المنافق مربع بن قيظي، وترتب على ذلك إفساد المزرعة، لكن فيه مصلحة للجيش باختصار الطريق لهم إلى أحد، فبين صلى الله عليه وسلم أن ما يكون به مصلحة للدين مقدم على ما سواه من المصالح الأخرى، فهنا تعارضت مصلحتان مصلحة عامة ومصلحة خاصة، ومصلحة الدين في هذا الموقف مصلحة عامة وهي مقدمة على المصلحة الخاصة، وهي مصلحة المال([40]). وقد رتب الشارع الحكيم مقاصد الشرع في تحقيق المنافع لعباده من حفظ دينهم ونفوسهم وعقولهم ونسلهم وأموالهم طبق ترتيب معين فيما بينها([41])، فإذا نظرنا إلى كليات الدين الخمس وأهميتها وجدنا أن هذه الكليات متدرجة حسب الأهمية: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، فما يكون به حفظ الدين مقدم على ما يكون به حفظ النفس عند تعارضهما، وما يكون به حفظ النفس مقدم على ما به يكون حفظ العقل، وما به يكون حفظ النسل مقدم على ما به حفظ المال، والترتيب بهذا الشكل من هذه الكليات يحظى باتفاق العلماء([42]).
ب- انسحاب المنافق ابن سلول بثلث الجيش: عندما وصل جيش المسلمين الشواط([43]) انسحب المنافق ابن سلول بثلاثمائة من المنافقين بحجة أنه لن يقع قتال مع المشركين، ومعترضًا على قرار القتال خارج المدينة قائلا: (أطاع الولدان ومن لا رأي له، أطاعهم وعصاني، علام ن*** أنفسنا)([44]). وكان هدفه الرئيس من هذا التمرد أن يحدث بلبلة واضطرابًا في الجيش الإسلامي لتنهار معنوياته, ويتشجع العدو، وتعلو همته، وعمله هذا ينطوي على خيانة عظيمة، وبغض الإسلام والمسلمين، وقد اقتضت حكمة الله أن يمحص الله الجيش ليظهر الخبيث من الطيب، حتى لا يختلط المخلص بالمغرض، والمؤمن بالمنافق([45]) قال تعالى: ( مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ )[آل عمران: 179]. فالجبن والنكوص هما اللذان كشفا عن طوية المنافقين, فافتضحوا أمام أنفسهم وأمام الناس قبل أن يفضحهم القرآن([46]).
ج- موقف عبد الله بن عمرو بن حرام من انخذال المنافقين: حاول عبد الله بن حرام t إقناع المنافقين بالعودة فأبوا، فقال: يا قوم أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أن يكون قتال، فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم قال: أبعدكم الله، أعداء الله، فسيغني الله عنكم نبيه([47]). وفي هؤلاء المنخذلين نزل قول الله تعالى: ( وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ` وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ )[آل عمران: 166، 167].
د- بنو سلمة، وبنو حارثة: ولما رجع ابن أبي ابن سلول وأصحابه همت بنو سلمة وبنو حارثة أن ترجعا، ولكن الله ثبتهما وعصمهما، قال جابر بن عبد الله: نزلت هذه الآية فينا: ( إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )[آل عمران: 122] بني سلمة، وبني حارثة، وما أحب أنها لم تنزل والله يقول: ( وَاللهُ وَلِيُّهُمَا )([48]).
لقد أثر موقف المنافقين في نفوس طائفتين من المسلمين ففكروا بالعودة إلى المدينة، ولكنهم غالبوا الضعف الذي ألم بهم، وانتصروا على أنفسهم بعد أن تولاهم الله تعالى فدفع عنهم الوهن فثبتوا مع المؤمنين.
وقد ظهر رأيان في أوساط الصحابة تجاه موقف ابن سلول، فالأول: يرى *** المنافقين الذين خذلوا المسلمين بعودتهم وانشقاقهم عن الجيش، والثاني: لا يرى ***هم، وقد بين القرآن الكريم موقف الفريقين([49]) في الآية: ( فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَن يُّضْلِلِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً )[النساء: 88].
هـ – الاستعانة بغير المسلمين: عندما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكان يدعي الشيخين رأى كتيبة لها صوت وجلبة فقال: ما هذه؟ فقالوا: هؤلاء حلفاء عبد الله بن أبي ابن سلول من يهود فقال صلى الله عليه وسلم: «لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك»([50]), وهذا أصل وضعه النبي صلى الله عليه وسلم في عدم الركون إلى أعداء الإسلام في الاستنصار بهم([51]).
و- رد النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة لصغر سنهم: رد النبي صلى الله عليه وسلم في معسكره بالشيخين جماعة من الفتيان لصغر أعمارهم، إذ كانوا في سن الرابعة عشرة أو دون ذلك، منهم عبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وأسامة بن زيد، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وأبو سعيد الخدري، بلغ عددهم أربعة عشر صبيًا, وقد ثبت أن ابن عمر كان منهم([52]), وأجاز منهم رافع بن خديج لما قيل له: إنه رامٍ، فبلغ ذلك سمرة بن جندب فذهب إلى زوج أمه مري بن سنان بن ثعلبة عم أبي سعيد الخدري وهو الذي ربى سمرة في حجره يبكي, وقال له: يا أبت أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعًا وردني، وأنا أصرع رافعًا، فرجع زوج أمه هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى رافع وسمرة فقال لهما: «تصارعا» فصرع سمرة رافعًا فأجازه كما أجاز رافعًا، وجعلهما من جنده وعسكر كتائبه، ولكل منهما مجاله واختصاصه([53]).
ونلحظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز رافعًا وسمرة لامتياز عسكري امتازا به على أقرانهما, ورد صغار السن خشية ألا يكون لهم صبر على ضرب السيوف، ورمي السهام، وطعن الرماح، فيفروا من المعركة إذا حمي الوطيس، فيحدث فرارهم خلخلة في صفوف المسلمين([54]).
ونلحظ أن المجتمع الإسلامي يضج بالحركة، ويسعى للشهادة شيبًا، وشبابًا، وحتى الصبيان يقبلون على الموت ببسالة، ورغبة في الشهادة، تبعث على الدهشة، دون أن يجبرهم قانون التجنيد، أو تدفع بهم قيادة إلى ميدان القتال، وهذا يدل على أثر المنهج النبوي الكريم في تربية شرائح الأمة المتعددة على حب الآخرة والترفع عن أمور الدنيا.
سادسًا: خطة الرسول صلى الله عليه وسلم لمواجهة كفار مكة:
أ- وضع الرسول صلى الله عليه وسلم خطة محكمة لمواجهة المشركين من قريش، حيث اختار الموقع المناسب، وانتخب من يصلح للقتال، ورد من لم يكن صالحًا، واختار خمسين منهم للرماية، وشدد الوصية عليهم، وقام بتقسيم الجيش إلى ثلاث كتائب، وأعطى اللواء لأحد أفراد الكتيبة، وهذه الكتائب هي:
1- كتيبة المهاجرين، وأعطى لواءها مصعب بن عمير t.
2- كتيبة الأوس من الأنصار، وأعطى لواءها أسيد بن حضير t.
3- كتيبة الخزرج من الأنصار، وأعطى لواءها الحباب بن المنذر t([55]).
ب- وكان صلى الله عليه وسلم من هديه يحرض أصحابه على قتال الأعداء، ويحثهم على التحلي بالصبر في ميادين القتال، لكي تتقوى روحهم المعنوية ويصمدوا عند ملاقاة أعدائهم، ومن ذلك ما فعله يوم أحد، وفي ذلك يقول الواقدي، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس: «يا أيها الناس، أوصيكم بما أوصاني الله في كتابه من العمل بطاعته، والتناهي عن محارمه، ثم إنكم اليوم بمنزل أجر وذخر لمن ذكر الذي عليه ثم وطن نفسه له على الصبر واليقين والجد والنشاط، فإن جهاد العدو شديد كريه، قليل من يصبر عليه إلا من عزم الله رشده، فإن الله مع من أطاعه وإن الشيطان مع من عصاه، فافتتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد، والتمسوا بذلك ما وعدكم الله، وعليكم بالذي آمركم فإني حريص على رشدكم، فإن الاختلاف والتنازع والتثبيط من أمر العجز والضعف مما لا يحب الله ولا يعطي عليه النصر
ولا الظفر» ([56]).

ويتضح من هذه الخطبة عدة أهداف منها:
1- الحث على الجد والنشاط في ميدان الجهاد.
2- الحث على الصبر عند قتال الأعداء.
3- بيان مساوئ الاختلاف والتنازع([57]).
إن هذا الهدي المبارك الذي سنه صلى الله عليه وسلم يعلمنا حقائق ثابتة وهي أن الجيوش مهما عظم تسليحها وتنظيمها فإن ذلك لا يغني شيئًا إلا إذا حملته نفوس قوية تحرص على الموت أشد من حرصها على الحياة، وهذا يكون بتعبئة الجنود بالموعظة والتوجيه وغرس حب الجهاد والشهادة في نفوسهم.
ج- أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية جبل أُحُد لحماية جيش المسلمين، فعندما وصل جيش المسلمين إلى جبل أحد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم ظهورهم إلى الجبل ووجوههم إلى المدينة، وانتقى خمسين من الرماة تحت إمرة عبد الله بن جبير([58]). ووضعهم فوق جبل عينين المقابل لجبل أحد، وذلك يمنع التفاف جيش المشركين حول جيش المسلمين, وأصدر أوامره إليهم قائلا: «إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا، حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم»([59]).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للجيش: لا تبرحوا حتى أؤذنكم، وقال: لا يقاتلن أحد حتى آمره بالقتال. وقال لأمير الرماة: «انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا، واثبت مكانك إن كانت لنا أو علينا»، وقال للرماة: «الزموا مكانكم لا تبرحوا منه، فإذا رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل عسكرهم فلا تفارقوا مكانكم، وإن رأيتمونا نُ*** فلا تغيثونا ولا تدفعوا عنا, وارشقوهم بالنبل فإن الخيل لا تقدم على النبل، إنا لن نزال غالبين ما مكثتم مكانكم، اللهم إني أشهدك عليهم»([60]).
سيطر المسلمون على المرتفعات وتركوا الوادي لجيش مكة ليواجه أُحدًا وظهره إلى المدينة، وأصبحت مهمة الرماة في النقاط التالية: احتلال الموقع، حماية المسلمين من الخلف، صد الخيل عن المسلمين([61]).
د- تسوية الصفوف وتنظيم الجيش: تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصفهم على هيئة صفوف الصلاة، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على رجليه يسوي تلك الصفوف، ويبوئ أصحابه للقتال يقول: تقدم يا فلان، وتأخر يا فلان، فهو يقومهم...، حتى استوت الصفوف([62]). فوضع صلى الله عليه وسلم في مقدمة الصفوف الأشداء، لكي يفتحوا الطريق لمن خلفهم, وقد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب؛ لأنه أبلغ في قتال الأعداء([63]).
هـ- عدم القتال إلا بأمر من القائد: قال الطبري: فجعل ظهره وعسكره إلى أحد، وقال: «لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال» ([64]). وفي هذا التوجيه فائدة مهمة وهي توحيد القيادة والمسئولية؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أدرى بالمصلحة.

* * *






([1]) انظر: غزوة أحد دراسة دعوية، محمد بامدحج، ص71.
([2]) انظر: تفسير ابن كثير (2/341) طبعة دار السلام.
([3]) انظر: فتح القدير (309). (4) انظر: غزوة أحد دراسة دعوية، ص71.

([5]) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/68). (2) المصدر نفسه (3/79).

([7]) انظر: غزوة أحد دراسة دعوية، ص74.
([8]) وادعهم: أي صالحهم وسالمهم. (5) انظر: المغازي للواقدي (1/195، 196).

([10]) انظر: غزوة أحد دراسة دعوية، ص75.
([11]) البداية والنهاية (4/11) المغازي للواقدي، (1/199).
([12]) الأحابيش: من اجتمع إلى العرب وانضم إليهم.
([13]) الظعن: النساء، واحدتها ظعينة، والظعينة المرأة في الهودج.
([14]) انظر: الإصابة (8/346) رقم 11860. (5) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/70).

([16]) انظر: غزوة أحد دراسة دعوية، ص78.
([17]) انظر: غزوة أحد لأبي فارس، ص17.
([18]) المصدر نفسه، ص16.
([19]) انظر: الرحيق المختومللمباركفوري، ص250.
([20]) انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/812).
([21]) أوعبوا: خرجوا بجميع ما عندهم من السلاح. (2) انظر: مغازي الواقدي (1/204).

([23]) الأكبار: جمع كبر: والكبر هو: الطبل الذي له وجه واحد وهو فارسى معرب.
([24]) انظر: مغازي الواقدي (1/207، 208). (5) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (2/187).

([26]) انظر: السيرة الحلبية (2/489). (2) انظر: غزوة أحد لأبي فارس، ص22.

([28]) انظر: تاريخ الطبري، (2/60). (4) انظر: غزوة أحد دراسة دعوية، ص82.

([30]) انظر: البداية والنهاية (4/14). (6) لأمة الحرب: عدتها.

([32]) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/71).
([33]) انظر: غزوة أحد، أحمد عز الدين، ص51، 52.
([34]) انظر: القيادة العسكرية للرشيد، ص374.
(1) انظر: السيرة النبوية الصحيحة (2/380).
([36]) انظر: غزوة أحد، لأبي فارس ص34، 35.
([37]) انظر: المغازي للواقدي (1/217).
([38]) بنو الأشهل: حي من الأنصار. (2) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/73).

([40]) انظر: غزوة أحد، دراسة دعوية، ص168.
([41]) انظر: ضوابط المصلحة، محمد رمضان البوطي، ص23.
([42]) انظر: المقاصد العامة للشريعة، يوسف حامد العالم، ص166.
([43]) الشواط: اسم حائط، أي بستان، بين المدينة وأحد.
([44]) انظر: البداية والنهاية (4/14). (2) انظر: غزوة أحد دراسة دعوية، ص84.

([46]) انظر: مرويات غزوة أحد، حسين أحمد، ص71. (4) انظر: صحيح السيرة النبوية، ص277.

([48]) البخاري في المغازي، باب إذ همت طائفتان رقم4051.
([49]) انظر: السيرة النبوية الصحيحة (3/382).
(1) انظر: صحيح السيرة النبوية، ص278.(2) انظر: محمد رسول الله، محمد عرجون (3/561).
(3) انظر: السيرة النبوية الصحيحة (2/383). (4) انظر: محمد رسول الله (3/571).

(5) المصدر نفسه (3/572).


([55]) انظر: غزوة أحد دراسة دعوية، ص89.
([56]) انظر: مغازي الواقدي (1/221، 222).
([57]) انظر: القيادة العسكرية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ص469.
([58]) انظر: الإصابة (2/278)
([59]) انظر: البخاري في المغازي، باب غزوة أحد، رقم 4043.
([60]) انظر: السيرة الحلبية (2/496).
([61]) انظر: غزوة أحد دراسة دعوية، ص90.
([62]) انظر: الواقدي المغازي، (1/219).
([63]) انظر: العبقرية العسكرية في غزوات الرسول، محمد فرج، ص355، 356.
([64]) انظر: تاريخ الطبري، (2/507).
__________________
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30-11-2014, 02:09 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

المبحث الثاني


في قلــــب المعركـــــــة

أولاً: بدء القتال واشتداده وبوادر الانتصار للمسلمين:
في بداية القتال حاول أبو سفيان أن يوجد شرخًا وتصدعًا في جبهة المسلمين المتماسكة، فأرسل إلى الأنصار يقول: (خلوا بيننا وبين ابن عمنا، فننصرف عنكم، فلا حاجة بنا إلى قتال) فردوا عليه بما يكره([1]).
ولما فشلت المحاولة الأولى لجأت قريش إلى محاولة أخرى عن طريق عميل خائن من أهل المدينة، وهو أبو عامر الراهب، حيث حاول أبو عامر الراهب أن يستزل بعض الأنصار فقال: يا معشر الأوس، أنا أبو عامر، قالوا: فلا أنعم الله بك عينًا يا فاسق فلما سمع ردهم عليه قال: لقد أصاب قومي بعدي شرٌّ، ثم قاتلهم قتالاً شديدًا، ورماهم بالحجارة([2]).
وبدأ القتال بمبارزة بين علي بن أبي طالب t وطلحة بن عثمان حامل لواء المشركين يوم أحد، يقول صاحب السيرة الحلبية: خرج طلحة بن عثمان وكان بيده لواء المشركين، وطلب المبارزة مرارًا فلم يخرج إليه أحد فقال: يا أصحاب محمد إنكم تزعمون أن الله تعالى يعجلنا بسيوفكم إلى النار, ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة, فهل أحد منكم يعجلني بسيفه إلى النار أو أعجله بسيفي إلى الجنة؟ فخرج إليه علي بن أبي إليه طالب t فقال له علي t: والذي نفسي بيده لا أفارقك حتى يعجلك الله بسيفي إلى النار أو يعجلني بسيفك إلى الجنة, فضربه علي فقطع رجله، فوقع على الأرض فانكشفت عورته، فقال: يا ابن عمي، أنشدك الله والرحم فرجع عنه ولم يجهز عليه، فكبر رسول الله، وقال لعلي بعض أصحابه: أفلا أجهزت عليه؟ قال: إن ابن عمي ناشدني الرحم حين انكشفت عورته فاستحييت منه([3]).
والتحم الجيشان واشتد القتال، وشرع رسول الله يشحذ في همم أصحابه ويعمل على رفع معنوياتهم وأخذ سيفًا، وقال: «من يأخذ مني هذا؟» فبسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا أنا، قال: «فمن يأخذه بحقه» قال: فأحجم القوم، فقال سماك بن خرشة أبو دجانة: وما حقه يا رسول الله؟ قال: «أن تضرب به العدو حتى ينحني» قال: أنا آخذه بحقه، فدفعه إليه وكان رجلاً شجاعًا يختال عند الحرب، أي يمشي مشية المتكبر، وحين رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبختر بين الصفين قال: «إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن»([4]).
وهذا الزبير بن العوام يصف لنا ما فعله أبو دجانة يوم أحد قال: وجدت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة، وقلت أنا ابن صفية عمته ومن قريش وقد قمت إليه وسألته إياه قبله فأعطاه أبا دجانة وتركني, والله لأنظرن ما يصنع, فاتبعته فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه, فقالت الأنصار: أخرج أبو دجانة عصابة الموت، وهكذا كانت تقول له إذا تعصب فخرج وهو يقول:
ونحن بالسفح لدى النخيل --- أنا الذي عاهدني خليلي



أضرب بسيف الله والرسول([5]) --- أن لا أقوم الدهر في الكيول؟ ([6])




فجعل لا يلقى أحدًا إلا ***ه، وكان في المشركين رجل لا يدع جريحًا إلا ذفف([7]) عليه فجعل كل منهما يدنو من صاحبه, فدعوت الله أن يجمع بينهما, فالتقيا فاختلفا ضربتين فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاه بدرقته فعضت بسيفه وضربه أبو دجانة ف***ه، ثم رأيته قد حمل السيف على مفرق رأس هند بنت عتبة ثم عدل السيف عنها فقلت: الله ورسوله أعلم([8]). قال ابن إسحاق: قال أبو دجانة: رأيت إنسانا يحمِّس الناس حماسًا شديدًا فصمدت له فلما حملت عليه السيف ولول, فإذا امرأة, فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلمأن أضرب به امرأة([9]).
ثانيًا: مخالفة الرماة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم:
استبسل المسلمون في مقاتلة المشركين وكان شعارهم: أمت، أمت، واستماتوا في قتال بطولي ملحمي سجل فيه أبطال الإسلام صورًا رائعة في البطولة والشجاعة([10]), وسجل التاريخ روائع بطولات حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، وأبو دجانة وأبي طلحة الأنصاري، وسعد بن أبي وقاص، وأمثالهم كثير([11])، وحقق المسلمون الانتصار في الجولة الأولى من المعركة([12]), وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إذا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )[آل عمران: 152].
ولما رأى الرماة الهزيمة التي حلت بقريش وأحلافها ورأوا الغنائم في أرض المعركة جذبهم ذلك إلى ترك مواقعهم ظنًا منهم أن المعركة انتهت، فقالوا لأميرهم عبد الله بن جبير: (الغنيمة الغنيمة, ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة([13]), ثم انطلقوا يجمعون الغنائم ولا يعبأون بقول أميرهم، ووصف ابن عباس رضي الله عنهما حالة الرماة في ذلك الموقف فقال: (فلما غنم النبي صلى الله عليه وسلم وأباحوا عسكر المشركين، أكب الرماة جميعًا فدخلوا في المعسكر ينهبون، وقد التقت صفوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم كذا وشبَّك بين أصابع يديه، والتبسوا فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها، دخلت الخيل من ذلك الموقع على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فضرب بعضهم بعضًا، والتبسوا و*** من المسلمين ناس كثير)([14]).
ورأى خالد بن الوليد وكان على خيالة المشركين الفرصة سانحة ليقوم بالالتفاف حول المسلمين، ولما رأى المشركون ذلك عادوا إلى ال*** من جديد, وأحاطوا بالمسلمين من جهتين، وفقد المسلمون مواقعهم الأولى، وأخذوا يقاتلون بدون تخطيط، فأصبحوا يقاتلون متفرقين, فلا نظام يجمعهم ولا وحدة تشملهم، بل لم يعودوا يميزون بعضهم، فقد ***وا اليمان والد حذيفة بن اليمان خطأ, وأخذ المسلمون يتساقطون شهداء في الميدان، وفقدوا اتصالهم بالرسول صلى الله عليه وسلم وشاع أنه قُتل([15]), واختلط الحابل بالنابل واشتدت حرارة القتال، وصار المشركون ي***ون كل من يلقونه من المسلمين، واستطاعوا الخلوص قريبًا من النبي صلى الله عليه وسلم فرموه بحجر كسر أنفه الشريف ورباعيته([16]) وشجه([17]) في وجهه الكريم فأثقله وتفجر الدم([18]) منه صلى الله عليه وسلم.
عن أنس t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كُسرت رباعيته يوم أحد، وشُجَّ في رأسه، فجعل يسلت الدم عنه، ويقول: «كيف يفلح قوم شجوا نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله؟» فأنزل الله عز وجل: ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ )[آل عمران: 128].
وحمل ابن قمئة على مصعب بن عمير t حيث كان شديد الشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ف***ه، فقال لقريش: قد ***ت محمدًا([19]) وشاع أن محمدًا قد *** فتفرق المسلمون، ودخل بعضهم المدينة، وانطلقت طائفة منهم فوق الجبل، واختلطت على الصحابة أحوالهم، فما يدرون كيف يفعلون من هول الفاجعة([20]), ففر جمع من المسلمين من ميدان المعركة، وجلس بعضهم إلى جانب ميدان المعركة بدون قتال، وآثر آخرون الشهادة بعد أن ظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، ومن هؤلاء أنس بن النضر الذي كان يأسف لعدم شهود بدر، والذي قال في ذلك: (والله لئن أراني الله مشهدًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله كيف أصنع) وقد صدق في وعده، مر يوم أحد على قوم ممن أذهلتهم الشائعة وألقوا بسلاحهم فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قُتل رسول الله، فقال: يا قوم إن كان محمد قد قُتل فإن رب محمد لم ي***، وموتوا على ما مات عليه، وقال: اللهم إني أعتذر إليك مما قال هؤلاء، يعني المسلمين، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء, يعني المشركين، ثم لقي سعد بن معاذ فقال: يا سعد إني لأجد ريح الجنة دون أحد، ثم ألقى بنفسه في أتون المعركة، وما زال يقاتل حتى استُشهد, فوُجد فيه بضع وثمانون ما بين ضربة بسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، فلم تعرفه إلا أخته ببنانه([21]). وفي هذا وأمثاله نزل قول الله تعالى: ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً )[الأحزاب: 23]. أما أولئك النفر الذين فروا لا يلوون على شيء رغم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالصمود والثبات فقد نزل فيهم قوله تعالى: ( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) [آل عمران: 153].
ولقد حكى القرآن الكريم خبر فرار هذه المجموعة من الصحابة الذين ترخصوا في الفرار بعد سماعهم نبأ م*** النبي صلى الله عليه وسلم الذي شاع في ساحة المعركة، وكان أول من علم بنجاة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه حي هو الصحابي كعب بن مالك الذي رفع صوته بالبشرى, فأمره النبي بالسكوت حتى لا يفطن المشركون إلى ذلك([22]), وقد نص القرآن الكريم على أن الله تعالى قد عفا عن تلك الفئة التي فرت، قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ).
ثالثًا: خطة الرسول صلى الله عليه وسلم في إعادة شتات الجيش:
عندما ابتدأ الهجوم المعاكس من المشركين خلف المسلمين والهدف الرئيسي فيه شخص النبي صلى الله عليه وسلم، لم يتزحزح عليه الصلاة والسلام من موقفه والصحابة يسقطون واحدًا تلو الآخر بين يديه, وحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلب المشركين وليس معه إلا تسعة من أصحابه سبعة منهم من الأنصار، وكان الهدف أن يفك هذا الحصار، وأن يصعد في الجبل ليمضي إلى جيشه، واستبسل الأنصار في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشهدوا واحدًا بعد الآخر([23]), ثم قاتل عنه طلحة بن عبيد الله حتى أُثخن وأصيب بسهم شلت يمينه([24]), وأراد النبي صلى الله عليه وسلم إلى صخرة فلم يستطع، فقعد طلحة تحته حتى استوى على الصخرة، قال الزبير: فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أوجب طلحة»([25]), وقاتل سعد بن أبي وقاص بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يناوله النبال ويقول له: «ارم يا سعد، فداك أبي وأمي»([26]), كما قاتل بين يديه أبو طلحة الأنصاري الذي كان من أمهر الرماة، وهو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «لصوت أبي طلحة في الجيش أشد على المشركين من فئة»([27]), وقد كان متترسًا على رسول الله بحجفة، وكان راميًا شديد النزع([28]) كسر يومئذ قوسين أو ثلاث، وكان الرجل يمر معه الجعبة([29]) من النبل فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انثرها لأبي طلحة» ثم يشرف إلى القوم فيقول أبو طلحة: يا نبي الله بأبي أنت، لا تشرف إلى القوم([30]) ألا يصيبك سهم، نحري دون نحرك([31])([32]).
ووقفت نسيبة بنت كعب تذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف وترمي بالقوس وأصيبت بجراح كبيرة، وترس أبو دجانة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه يقع النبل في ظهره وهو منحنٍ عليه حتى كثر فيه النبل([33]). والتفَّ حول الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك اللحظات العصيبة أبو بكر وأبو عبيدة, وقام أبو عبيدة بنزع السهمين من وجه النبي صلى الله عليه وسلم بأسنانه, ثم توارد مجموعة من الأبطال المسلمين، حيث بلغوا قرابة الثلاثين يذودون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم قتادة وثابت بن الدحداح، وسهل بن حنيف، وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف،والزبير بن العوام.
واستطاع عمر بن الخطاب أن يرد هجومًا مضادًا قاده خالد ضد المسلمين من عالية الجبل، واستبسل الصحابة الذين كانوا مع عمر في رد الهجوم العنيف, عاد المسلمون فسيطروا على الموقف من جديد([34]), ويئس المشركون من إنهاء المعركة بنصر حاسم، وتعبوا من طولها ومن جلادة المسلمين، وانسحب النبي صلى الله عليه وسلم بمن معه ومن لحق به من أصحابه إلى أحد شعاب جبل أحد، وكان المسلمون في حالة من الألم والخوف والغم لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أصابهم، رغم نجاحهم في رد المشركين([35]), فأنزل الله عليهم النعاس فناموا يسيرًا، ثم أفاقوا آمنين مطمئنين قال تعالى: ( ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِّنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ للهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إلى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) [آل عمران: 154]. وقد أجمع المفسرون على أن الطائفة التي قد أهمتهم أنفسهم هم المنافقون([36]).
أما قريش فإنها يئست من تحقيق نصر حاسم وأجهد رجالها من طول المعركة، ومن صمود المسلمين وجلدهم وخاصة بعد أن اطمأنوا وأنزل الله عليهم الأمنة والصمود فالتفوا حول النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك كفوا عن مطاردة المسلمين وعن محاولة اختراق قواتهم([37]).
__________________
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30-11-2014, 02:14 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

رابعًا: من شهداء أحد:
أ- حمزة بن عبد المطلبtسيد الشهداء عند الله تعالى يوم القيامة:
قاتل أسد الله حمزة قتالاً ضاريًا، وأثخن في المشركين ***اً، وأطاح برؤوس نفر من حملة لواء المشركين من بني عبد الدار، وبينما هو على هذه الحالة من الشجاعة والإقدام كمن له وحشي حتى تمكن منه ثم رماه بحربته، فأصاب منه م***اً، ولندع وحشيًا يخبرنا عن هذا المشهد المؤلم، قال وحشي: إن حمزة *** طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر، قال لي مولاي جبير بن مطعم: إن ***ت حمزة بعمي فأنت حر، فلما خرج الناس عام عينين، وعينين جبل بجبال أحد، بينه وبينه واد, خرجت مع الناس إلى القتال، فلما اصطفوا للقتال خرج سباع فقال: هل من مبارز؟ قال: فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال: يا سباع، يا ابن أم أنمار مقطعة البظور، أتحادُّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب. قال: وكمنت لحمزة تحت صخرة، فلما دنا مني رميته بحربتي فأضعها في ثنته([38]) حتى خرجت من بين وركيه، قال: فكان ذاك العهد به([39]), فلما رجع الناس رجعت معهم فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام، ثم خرجت إلى الطائف فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لي: إنه لا يهيج الرسل([40]) قال: فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآني قال: «أنت وحشي؟» قلت: نعم، قال: «أنت ***ت حمزة؟» قلت: قد كان من الأمر ما قد بلغك، قال: «فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني؟» قال: فخرجت فلما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج مسيلمة الكذاب قلت: لأخرجن إلى مسليمة لعلي أ***ه فأكافئ به حمزة قال: فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان, فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق([41]), ثائر الرأس قال: فرميته بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، قال: ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته قال: قال عبد الله ابن الفضل فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: فقالت جارية على ظهر بيت: وا أمير المؤمنين ***ه العبد الأسود([42]).
1- سؤال النبي صلى الله عليه وسلمعن م*** حمزة t: بعد انتهاء المعركة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه: من رأى م*** حمزة؟ فقال رجل: أنا رأيت م***ه، قال: «فانطلق أرناه» فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف على حمزة فرآه وقد شق بطنه، وقد مُثِّل به، فقال: يا رسول الله، مُثل به والله([43]), وفي رواية (لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم *** حمزة بكى فلما نظر إليه شهق)([44]) ووقف بين ظهراني ال***ى فقال: «أنا شهيد على هؤلاء، كفنوهم في دمائهم، فإنه ليس جرح يجرح في الله إلا جاء يوم القيامة يدمي، لونه لون الدم، وريحه ريح المسك، قدموا أكثرهم قرآنًا فاجعلوه في اللحد»([45]).
وباستشهاد حمزة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد تحققت رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقد أخبر أصحابه عن رؤياه قبل الخروج إلى أحد فقال: «رأيت في سيفي ذي الفقار فلاًّ ([46])، فأولته فلاًّ يكون فيكم (أي انهزامًا)، ورأيت أني مردف كبشًا، فأولته كبش الكتيبة، ورأيت أني في درع حصينة، فأولتها المدينة، ورأيت بقرًا ت***، فبقر والله خير، فبقر والله خير» فكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم([47]).
2- صبر صفية بنت عبد المطلب على شقيقها حمزة: قال الزبير بن العوام t: إنه لما كان يوم أحد أقبلت امرأة تسعى حتى كادت تشرف على ال***ى، قال: فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن تراهم فقال: المرأة المرأة، قال الزبير: فتوسمت أنها صفية قال: فخرجت أسعى إليها، قال: فأدركتها قبل أن تنتهي إلى ال***ى، قال: فلدمت([48]) في صدري وكانت امرأة جلدة، قالت: إليك عني لا أرض لك، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم عليك.
قال: فوقفت وأخرجت ثوبين معها فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة فقد بلغني م***ه، فكفنوه فيهما. قال: فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل فُعل به كما فُعل بحمزة، قال: فوجدنا غضاضة وخنى أن يكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له، فقلنا: لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب، فقدرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر فأقرعنا بينهما، فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي صار له([49]).
3- من شعر صفية في بكاء حمزة:
بنات أبي من أعجم([50]) وخيبر --- أسائلة أصحاب أحد مخافةً



وزير رسول الله خير وزير --- فقال الخبير إن حمزة قد ثوى



إلى جنة يحيا بها وسرور --- دعاه إله الحق ذو العرش دعوة



لحمزة يوم الحشر خير مصير --- فذلك ما كنا نرجي ونرتجي



بكاء وحزنًا محضري ومسيري --- فوالله لا أنساك ما هبت الصبا



يذود عن الإسلام كل كفور --- على أسد الله الذي كان مدرها([51])



لدى أضبع تعتادني ونسور --- فيا ليت شلوى([52]) عند ذاك وأعظمي



جزى الله خيرًا من أخ ونصير([53]) --- أقول وقد أعلى النعي عشيرتي




4- حمزة لا بواكي له: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد سمع نساء الأنصار يبكين فقال: «لكن حمزة لا بواكي له» فبلغ ذلك نساء الأنصار فبكين حمزة فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهن يبكين فقال: «يا ويحهن، مازلن يبكين منذ اليوم فليبكين، ولا يبكين على هالك بعد اليوم»([54]) وبذلك حرمت النياحة على الميت.
5- رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي غلامًا للأنصار بحمزة: قال جابر بن عبد الله: وُلد لرجل منا غلام، فقالوا: ما نسميه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سموه بأحب الأسماء إليَّ، حمزة بن عبد المطلب» ([55]) فحمزة متجذر في القلب النبوي، عالق بالذاكرة الكريمة.. ولكن الله سبحانه ينزل على نبيه صلى الله عليه وسلم فيما بعد أحب الأسماء إليه، فيقولها صلى الله عليه وسلم لمن حوله: «إن أحب أسمائكم إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن» ([56]).
6- فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني؟ ([57]): فهذا التوجيه الكريم لا يوجد فيه شيء من المؤاخذة والتأثيم لوحشي, وإنما هو تذكير له بأن رؤيته تجلب له شيئًا من المتاعب النفسية, وتحرك في نفسه ذكريات حادث ال*** وما تبعه من تمثيل شنيع بشع بعمه، فتثير عنده حزازات بشرية ربما لا يكون من المستطاع منعها ومقاومتها إلا بشيء من العسر والعنت الشديد, مما قد يشغل النبي صلى الله عليه وسلم ويقلقه([58]), فأشار عليه صلى الله عليه وسلم بأن يغيب وجهه حتى يفقد مصدر التذكير بتلك المصيبة([59])، وفي رواية صحيحة قال وحشي: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: «وحشي» قلت: نعم، قال: «***ت حمزة؟» قلت: نعم, الحمد الله الذي أكرمه بيدي ولم يهني بيده، فقالت له قريش: أتحبه وهو قاتل حمزة؟ فقلت: يا رسول الله فاستغفر لي، فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض ثلاثة، ودفع في صدري ثلاثة، وقال: «وحشي, اخرج فقاتل في سبيل الله، كما قاتلت لتصد عن سبيل الله»([60]) فهذا من التوجيه الإرشادي النبوي إلى مكفرات ما سلف من الكفر ومحادة الله تعالى ورسوله، وذكر القتال في سبيل الله بيان للأمر الأنسب في التكفير, وفي حض من النبي صلى الله عليه وسلم لإعلاء راية الجهاد, ولعل مخرج وحشي إلى اليمامة و***ه مسيلمة الكذاب كان أثرًا من آثار توجيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أفضل ما يمحو الخطايا، ويحتُّ الذنوب ويطهر الآثام.
وقد أدرك وحشي ذلك فقال حين *** مسيلمة الكذاب: ***ت خير الناس يعني سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، و***ت شر الناس مسيلمة الكذاب([61]).
ب- مصعب بن عمير t:
قال خباب t: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نبتغي وجه الله، فوقع أجرنا على الله فمنا من مضى في سبيله ولم يأكل من أجره شيئًا، منهم مصعب بن عمير قُتل يوم أحد، ولم يترك إلا نمرة، كنا إذا غطينا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غطوا رأسه، واجعلوا على رجليه الإذخر»([62])، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها([63]), ومن حديث عبد الرحمن بن عوف أنه أتى بطعام وكان صائمًا، فقال: *** مصعب بن عمير، وكان خيرًا مني, فلم يوجد له ما يُكفن فيه إلا بردة, و*** حمزة أو رجل آخر خير مني، فلم يوجد له ما يكفن فيه، إلا بردة، لقد خشيت أن يكون قد عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا، ثم جعل يبكي([64]) ومن حديث أبي هريرة t قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من أحد مر على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، فوقف عليه ودعا له ثم قرأ هذه الآية: ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً )[الأحزاب: 23] ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشهد أن هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة، فأتوهم وزوروهم, والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه»([65]).
ج- سعد بن الربيع t: هذا الذي استكتمه رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر مسير قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه، فلما انتهت معركة أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رجل ينظر ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء هو أم في الأموات»؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى الأسنة شرعت إليه، فقال أبي بن كعب t: أنا أنظره لك يا رسول الله، فقال له: «إن رأيت سعد بن الربيع فأقرأه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجدك؟» فنظر أبي فوجده جريحًا به رمق، فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات، فقال: قد طعنت اثنتي عشرة طعنة, وقد أنفذت إلى مقاتلي([66]), وفي رواية صحيحة قال: على رسول الله وعليك السلام، قل له: يا رسول الله أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم شفر([67]) يطرف, قال: وفاضت نفسه رحمه الله([68]). وهذا نصح لله ورسوله في سكرات الموت يدل على قوة الإيمان، والحرص على الوفاء بالبيعة لم يتأثر بالموت ولا آلام القروح.
د- عبد الله بن جحشt: قال سعد بن أبي وقاص t: إن عبد الله بن جحش قال له يوم أحد: ألا تدعو الله، فخلوا في ناحية فدعا سعد فقال: يا رب إذا لقيت العدو، فلقِّني رجلاً شديدًا بأسه، شديدًا حرده، أقاتله ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أ***ه، وآخذ سلبه، فأمن عبد الله بن جحش، ثم قال: اللهم ارزقني رجلاً شديدًا حرده، شديدًا بأسه، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا، قلت: من جدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول صدقت, قال سعد: يا بني كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرًا من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلقان في خيط([69]). وفي هذا الخبر جواز دعاء الرجل أن ي*** في سبيل الله، وتمنيه ذلك وليس هذا من تمني الموت المنهي عنه([70]).
هـ- حنظلة بن أبي عامر t(غسيل الملائكة):لما انكشف المشركون ضرب حنظلة فرس أبي سفيان بن حرب فوقع على الأرض، فصاح حنظلة يريد ***ه، فأدركه الأسود بن شداد، ويقال له ابن شعوب، فحمل على حنظلة بالرمح فأنفذه ومشى إليه حنظلة بالرمح وقد أثبته، ثم ضرب الثانية ف***ه، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إني رأيت الملائكة تغسله بين السماء والأرض بماء المزن، في صحاف الفضة» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاسألوا أهله ما شأنه؟» فسألوا صاحبته عنه فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة([71]), فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلذلك غسلته الملائكة»([72]).
وفي رواية الواقدي: وكان حنظلة بن أبي عامر تزوج جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول، فأدخلت عليه في الليلة التي في صبحها قتال أحد، وكان قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت عندها فأذن له، فلما صلى بالصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولزمته جميلة فعاد فكان معها، فأجنب منها ثم أراد الخروج، وقد أرسلت قبل ذلك إلى أربعة من قومها فأشهدتهم أنه قد دخل بها، فقيل لها بعدُ: لم أشهدت عليه؟ قالت: رأيت كأن السماء فرجت فدخل فيها حنظلة ثم أطبقت، فقلت: هذه الشهادة، فأشهدت عليه أنه قد دخل بها، وتعلق بعبد الله بن حنظلة, ثم تزوجها ثابت بن قيس بعد فولدت له محمد بن ثابت بن قيس([73]).
وفي هذا الخبر مواقف وعبر منها:
1- في تعلق جميلة بنت عبد الله بن أبي حنظلة بن أبي عامر حين رأت له تلك الرؤيا التي فسرتها بالشهادة، فالمظنون في مثل هذه الحال أن تحاول الابتعاد عنه حتى لا تحمل منه فتكون بعد ذلك غير حظية لدى الخطاب، لكنها تعلقت به رجاء أن تحمل منه فتلد ولدًا ينسب لذلك الشهيد الذي بلغ درجات عليا في الصلاح أولاً, ثم بما ترجوه من نيله الشهادة، ولقد حصل لها ما أملت به فحملت منه وولدت ولدًا ذكرا سمي عبد الله، وكان له ذكر بعد ذلك، وكان من أعلى ما يفتخر به أن يقول: أنا ابن غسيل الملائكة.
2- في حرص حنظلة القوي على مقارعة أعداء الله الذي يتمثل في سرعة خروجه إلى الميدان، الأمر الذي لم يتمكن معه من غسل الجنابة.
3- شجاعته الفائقة تظهر في تصديه لقائد المشركين أبي سفيان بن حرب والقائد غالبًا يكون حوله من يحميه، وهو فارس وحنظلة راجل.
4- تشريف رباني كريم في نزول الملائكة لتغسيل حنظلة بمياه المزن في صحاف الفضة.
5- معجزة نبوية في إخبار الصحابة عما قامت به الملائكة من تغسيل, حيث رأى صلى الله عليه وسلم الملائكة وهي تغسل ولم ير الصحابة ذلك([74]).
6- إذا كان الشهيد جنبًا، غسل، كما غسلت الملائكة حنظلة بن أبي عامر([75]).
و- عبد الله بن عمرو بن حرام t: أصر عبد الله بن عمرو بن حرام على الخروج في غزوة أحد، فخاطب ابنه جابر بقوله: يا جابر، لا عليك أن تكون في نظاري المدينة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا، فإني والله لولا أني أترك بنات لي بعدي لأحببت أن ت*** بين يدي([76]).
وقال لابنه أيضا: ما أراني إلا مقتولاً في أول من ي*** من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإني لا أترك بعدي أعز علي منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن على دينًا فاقض واستوص بأخواتك خيرًا([77]). وخرج مع المسلمين ونال وسام الشهادة في سبيل الله، فقد *** في معركة أحد, وهذا جابر يحدثنا عن ذلك حيث يقول: لما قُتل أبي يوم أحد، جعلت أكشف عن وجهه وأبكي، وجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهوني وهو لا ينهاني، وجعلت عمتي تبكيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تبكين أو لا تبكين ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه»([78]).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا جابر ما لي أراك منكسرًا؟» قال: يا رسول الله، استشهد أبي وترك عيالاً ودينًا، قال صلى الله عليه وسلم: «أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟» قال: بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: «ما كلَّم الله أحدًا قط إلا من وراء حجاب، وكلم أباك كفاحًا، يا جابر أما علمت أن الله أحيا أباك فقال: يا عبدي، تمنَّ عليّ أعطك، قال: يا رب تحييني فأُ*** فيك ثانية، فقال الرب سبحانه: إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون, قال: يا رب.. فأبلغ من ورائي»([79]). فأنزل الله تعالى: ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )[آل عمران: 169]، وقد رأى عبد الله بن عمرو رؤية في منامه قبل أحد, قال: رأيت في النوم قبل أحد، مبشر بن عبد المنذر يقول لي: أنت قادم علينا في أيام، فقلت: وأين أنت؟ فقال: في الجنة نسرح فيها كيف نشاء، قلت له: ألم ت*** يوم بدر؟ قال: بلى ثم أحييت، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذه الشهادة يا أبا جابر([80]), وقد تحققت تلك الرؤيا بفضل الله ومنه.
ز-خيثمة أبو سعد t: قال خيثمة أبو سعد، وكان ابنه استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، لقد أخطأتني وقعة بدر، وكنت والله عليها حريصًا، حتى ساهمت ابني في الخروج، فخرج سهمه، فرزق الشهادة، وقد رأيت البارحة ابني في النوم في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها، ويقول: الحق بنا ترافقنا في الجنة، فقد وجدت ما وعدني ربي حقًا، وقد والله يا رسول الله أصبحت مشتاقا إلى مرافقته في الجنة، وقد كبرت سني، ورقَّ عظمي، وأحببت لقاء ربي، فادع الله يا رسول الله أن يرزقني الشهادة، ومرافقة سعد في الجنة، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ف*** بأحد شهيدًا([81]).
ح- وهب المزني وابن أخيه رضي الله عنهما: أقبل وهب بن قابوس المزني، ومعه ابن أخيه الحارث بن عقبة بن قابوس، بغنم لهما من جبل مزينة، فوجدا المدينة خلوًا فسألا: أين الناس؟ فقالوا: بأحد، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين من قريش، فقالا: لا نبتغي أثرًا بعد عين فخرجا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم بأحد فيجدان القوم يقتتلون والدولة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأغارا مع المسلمين في النهب، وجاءت الخيل من وراءهم، خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل، فاختلطوا، فقاتلا أشد القتال، فانفرقت فرقة من المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لهذه الفرقة؟» فقال وهب بن قابوس: أنا يا رسول الله، فقام فرماهم بالنبل حتى انصرفوا ثم رجع. فانفرقت فرقة أخرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لهذه الكتيبة؟» فقال المزني: أنا يا رسول الله، فقام فذبها بالسيف حتى ولوا، ثم رجع المزني، ثم طلعت كتيبة أخرى فقال: «من يقوم لهؤلاء؟» فقال المزني: أنا يا رسول الله، فقال: «قم، وأبشر بالجنة» فقام المزني مسرورًا يقول: والله لا أقيل ولا أستقيل، فقام فجعل يدخل فيهم فيضرب بالسيف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى المسلمين، حتى خرج من أقصاهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم ارحمه» ثم يرجع فيهم, فما زال كذلك وهم محدقون به، حتى اشتملت عليه أسيافهم ورماحهم ف***وه، فوجد به يومئذ عشرون طعنة برمح، كلها قد خلصت إلى م***، ومُثل به أقبح المثلة يومئذ, ثم قام ابن أخيه فقاتل قتاله حتى ***, فكان عمر بن الخطاب يقول: إن أحب ميتة أموت لما مات عليها المزني([82]).
وكان بلال بن الحارث المزني يحدث يقول: شهدنا القادسية مع سعد بن أبي وقاص، فلما فتح الله علينا وقسمت بيننا غنائمنا، فأسقط فتى من آل قابوس من مزينة([83]), فجئت سعدًا حين فرغ من نومه فقال: بلال؟ قلت: بلال, قال: مرحبًا بك, من هذا معك؟ قلت: رجل من قومي من آل قابوس، قال سعد: ما أنت يا فتى من المزني الذي *** يوم أحد؟ قال: ابن أخيه، قال سعد: مرحبًا وأهلاً وأنعم الله بك عينًا، ذلك الرجل شهدت منه يوم أحد مشهدًا ما شهدته من أحد، لقد رأيتنا وقد أحدق المشركون بنا من كل ناحية ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطنا, والكتائب تطلع من كل ناحية، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرمي ببصره في الناس يتوسمهم([84]) يقول: «من لهذه الكتيبة؟» كل ذلك يقول المزني: أنا يا رسول الله، كل ذلك يرده فما أنسى آخر مرة قامها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قم وأبشر بالجنة» قال سعد: وقمت على أثره يعلم الله أني أطلب مثل ما يطلب يومئذ من الشهادة، فخضنا حومتهم حتى رجعنا فيهم الثانية، وأصابوه -رحمه الله- وودت والله أني كنت أصبت يومئذ معه، ولكن أجلي استأخر، ثم دعا سعد من ساعته بسهمه فأعطاه وفضله، وقال: اختَرْ في المقام عندنا أو الرجوع إلى أهلك، فقال بلال: إنه يستحب الرجوع، فرجعنا.
وقال سعد: أشهد لرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفًا عليه وهو مقتول، وهو يقول: «رضي الله عنك فإني عنك راضٍ»، ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على قدميه وقد نال النبي صلى الله عليه وسلم من الجراح ما ناله، وإني لأعلم أن القيام ليشق عليه على قبره حتى وُضع في لحده، وعليه بردة لها أعلام خضر، فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم البردة على رأسه فخمره، وأدركه فيها طولا، وبلغت نصف ساقيه، وأمرنا فجمعنا الحرمل فجعلناه على رجليه, وهو في لحده، ثم انصرف، فما حال أموت عليها أحبُّ إليَّ من أن ألقى الله تعالى على حال المزني([85]).
وهكذا يفعل الإيمان بأصحابه فهذا وهب المزني وابن أخيه تركا الأغنام بالمدينة والتحقا بصفوف المسلمين وحرصا على نيل الشهادة، فأكرمهما الله بها، وقد كانت تلك الملحمة التي سطرها المزني محفورة في ذاكرة الصحابة، فهذا سعد بن أبي وقاص يتذكرها بعد مرور ثلاث عشرة سنة تقريبا على غزوة أحد لمجرد سماع اسم رجل من عشيرة المزني ويتمنى أن يموت ويلقى الله على مثل حالة المزني.
ط- عمرو بن الجموح t: كان عمرو بن الجموح t أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة مثل الأُسْد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد، وهم خلاد ومعوذ ومعاذ وأبو أيمن، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه، وقالوا: إن الله عز وجل قد عذرك، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بنيّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه وللخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أنت فقد عذرك الله تعالى فلا جهاد عليك» وقال لبنيه: «ما عليكم ألا تمنعوه، لعل الله أن يرزقه الشهادة» فخرج وهو يقول مستقبل القبلة: اللهم لا تردني إلى أهلي خائبًا ف*** شهيدًا.
وفي رواية أتى عمرو بن الجموح t إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أ***، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة، وكانت رجله عرجاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم» ف***وه يوم أحد هو وابن أخيه ومولى لهم، فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجُعلوا في قبر واحد([86]).
وفي هذا الخبر دليل على أن من عذره الله في التخلف عن الجهاد لمرض أو عرج، يجوز له الخروج إليه، وإن لم يجب عليه، كما خرج عمرو بن الجموح وهو أعرج([87]).
وفيه دليل على شجاعة عمرو بن الجموح ورغبته في نيل الشهادة وصدقه في طلبها، وقد أكرمه الله بذلك.
ي- أبو حذيفة بن اليمان وثابت بن وقش -رضي الله عنهم-: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد رفع حُسيل بن جابر، وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان، وثابت بن وقش في الآطام([88]) مع النساء والصبيان، فقال أحدهما لصاحبه وهما شيخان كبيران: لا أبا لك، ما تنتظر؟ فوالله ما بقي لواحد منا من عمره إلا ظمء([89]) حمار, إنما نحن هامة اليوم أو غد([90]), أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، لعل الله يرزقنا شهادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في الناس ولم يعلم بهما، فأما ثابت بن وقش ف***ه المشركون، وأما حسيل بن جابر فاختلفت عليه أسياف المسلمين ف***وه ولا يعرفونه، فقال حذيفة: أبي، فقالوا: والله إن عرفناه، وصدقوا، قال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه، فتصدق حذيفة بديته على المسلمين، فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم([91]) خيرًا. وفي هذا الخبر، يظهر أثر الإيمان في نفوس الشيوخ الكبار الذين عذرهم الله في الجهاد وكيف تركوا الحصون وخرجوا إلى ساحات الوغى طلبًا للشهادة وحبًا وشوقًا للقاء الله تعالى، وفيه موقف عظيم لحذيفة، حيث تصدق بدية والده على المسلمين، ودعا لهم بالمغفرة لكونهم ***وا والده خطأ، وفيه أيضًا: أن المسلمين إذا ***وا واحدًا منهم في الجهاد يظنونه كافرًا، فعلى الإمام ديته من بيت المال؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يدي اليمان أبا حذيفة، فامتنع حذيفة من أخذ الدية، وتصدق بها على المسلمين([92]).
ك- الأمور بخواتيمها: إن الأمور بخواتيمها, وقد وقع في غزوة أحد ما يحقق هذه القاعدة المهمة في هذا الدين، فقد وقع حادثان يؤكدان هذا الأمر، وفيهما عظة وعبرة لكل مسلم متعظ ومعتبر([93]).
1- شأن الأصيرم t: واسمه عمرو بن ثابت بن وقش، عرض عليه الإسلام فلم يسلم، وروى قصته أبو هريرة t: أن الأصيرم كان يأبى الإسلام على قومه، فجاء ذات يوم ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأُحد فقال: أين سعد بن معاذ؟ فقيل: بأحد، فقال: أين بنو أخيه؟ قيل: بأحد: فسأل عن قومه فقيل: بأحد, فبدا له الإسلام فأسلم، وأخذ سيفه، ورمحه، وأخذ لأمته، وركب فرسه فعدا حتى دخل في عرض الناس، فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا يا عمرو، قال: إني قد آمنت، فقاتل حتى أثخنته الجراحة، فبينما رجال من بني عبد الأشهل يلتمسون ***اهم في المعركة إذ هم به، فقالوا: والله إن هذا الأصيرم، ما جاء به؟ لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الحديث، فسألوه: ما جاء بك؟ أحدب على قومك أم رغبة في الإسلام؟ فقال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله تعالى ورسوله، وأسلمت ثم أخذت سيفي فغدوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قاتلت حتى أصابني ما أصابني، وإن مت فأموالي إلى محمد يضعها حيث شاء، فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنه من أهل الجنة». وقيل: مات فدخل الجنة وما صلى من صلاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«عَمِل قليلاً وأُجر» ([94]) وكان أبو هريرة يقول: حدثوني عن رجل دخل الجنة ولم يصل قط، فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو؟ قال: هو أصيرم بن عبد الأشهل([95]).
2- شأن مخيريق: لما كانت غزوة أحد وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين، جمع مخيرقٌ قومه اليهود وقال لهم: يا معشر يهود، والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم. فأخذ سيفه وعدته، وقال: إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء، ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل معه حتى قُتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مخيريق خير يهود([96]).
وقد اختلف في إسلامه, فنقل الذهبي في التجريد وابن حجر في الإصابة عن الواقدي([97]) أن مخيريق مات مسلمًا، وذكر السهيلي في الروض الأنف أنه مسلم، وذلك حين قال معقبًا على رواية ابن إسحاق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مخيريق خير يهود» قال: ومخيريق مسلم، ولا يجوز أن يقال في مسلم هو خير النصارى، ولا خير اليهود؛ لأن أفعل من كذا، إذا أضيف فهو بعض ما أضيف إليه، فإن قيل: وكيف جاز هذا؟ قلنا: لأنه قال: خير يهود، ولم يقل خير اليهود، ويهود اسم علم كثمود، يقال: إنهم نسبوا إلى يهوذا بن يعقوب ثم عربت الذال دالا([98]). وقد حقق هذه المسألة الدكتور عبد الله الشقاوي في كتابه (اليهود في السنة المطهرة) وذهب إلى أن مخيريق قد أسلم، ودفعه ذلك إلى القتال مع المسلمين، وإلى التصدق بماله مع كثرته، ومع ما عرف عن اليهود من حب المال والتكالب عليه([99]).
ل- إنما الأعمال بالنيات: كان ممن قاتل مع المسلمين يوم أحد رجل يدعى قزمان، كان يعرف بالشجاعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذكر له: إنه من أهل النار، فتأخر يوم أحد فعيرته نساء بني ظفر، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسوي الصفوف حتى انتهى إلى الصف الأول، فكان أول من رمى من المسلمين بسهم، فجعل يرسل نبلاً كأنها الرماح ويكت كتيت الجمل، ثم فعل بالسيف الأفاعيل حتى *** سبعة أو تسعة وأصابته جراحة، فوقع فناداه قتادة بن النعمان: يا أبا الغيداق، هنيئًا لك الشهادة, وجعل رجال من المسلمين يقولون له: والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فأبشر، قال: بماذا؟ فوالله ما قاتلت إلى على أحساب قومي، فلولا ذلك ما قاتلت، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنه من أهل النار، إن الله تعالى يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر»([100]). وفي هذا الخبر بيان لمكان النية في الجهاد، وإنه من قاتل حمية عن قومه أو ليقال شجاع ولم تكن أعماله لله تعالى لا يقبل الله منه.
__________________
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30-11-2014, 02:17 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

خامسًا: من دلائل النبوة:
1- عين قتادة بن النعمان t: أصيبت عين قتادة t حتى سقطت على وجنتيه فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده, فكانت أحسن عينيه وأحدَّهما، وأصبحت لا ترمد إذا رمدت الأخرى([101]), وقد قدم ولده على عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فسأله من أنت؟ فقال له مرتجلا:
فردت بكف المصطفى أحسن الرد --- أنا ابن الذي سالت على الخد عينه



فيا حسنها عينًا ويا حسن ما خد --- فعادت كما كانت لأول أمرها




فقال عمر بن عبد العزيز عند ذلك:
شيبا بماء فعادا بعد أبوالا --- تلك المكارم لا قعبان من لبن




ثم وصله فأحسن جائزته([102]).
2- م*** أبي بن خلف: كان أبي بن خلف يلقى رسول الله بمكة، فيقول: يا محمد إن عندي العود فرسًا أعلفه كل يوم، أ***ك عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل أنا أ***ك إن شاء الله» فلما كان يوم أحد، وأسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب أدركه أبي بن خلف وهو يقول: أي محمد لا نجوت، فقال القوم: يا رسول الله، أيعطف عليه رجل منا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم«دعوه» فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، فلما أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه انتفض بها انتفاضة تطاير عنه من حوله تطاير الشعراء([103]) عن ظهر البعير إذا انتفض بها, ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ ([104]) منها عن فرسه، فلما رجع إلى قريش وقد خدشه في عنقه خدشًا غير كبير، فاحتقن الدم، قال: ***ني والله محمد, قالوا له: ذهب والله فؤادك، والله إن بك من بأس، قال: إنه قد كان قال لي بمكة: أنا أ***ك، فوالله لو بصق علي ل***ني، فمات عدو الله بسرف([105]), وهم قافلون به إلى مكة([106]).
وفي هذا الخبر مثل رفيع على شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان أبي بن حلف مدججًا بالسلاح ومتدرعًا بالحديد الواقي، ومع ذلك استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعنه بالرمح من فرجة صغيرة في عنقه بين الدرع والبيضة، وهذا يدل على قدرة رسول الله القتالية ودقته في إصابة الهدف، وفي هذا الخبر معجزة للنبي فقد أخبر أبيًا بأنه سوف ي***ه بمشيئة الله وتم ذلك، وفي الخبر عبرة في إيمان المشركين بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وأنه إذا قال شيئًا وقع, فقد كان أبي بن خلف على يقين بأنه سيموت من تلك الطعنة، ومع ذلك لم يدخلوا في الإسلام لعنادهم وعبادة أهوائهم([107]). وقد خلد حسان بن ثابت هذه الحادثة في شعره فقال:
أبي يوم بارزه الرسول --- لقد ورث الضلالة عن أبيه



وتوعده وأنت به جهول([108]) --- أتيت إليه تحمل رم عظم





* * *






([1]) انظر: إمتاع الأسماع للمقريزي (1/120).
([2]) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (2/192).
([3]) انظر: السيرة الحلبية (2/497، 498)، تفسير الطبري (7/218).
([4]) مسلم، كتاب فضائل الصحابة رقم 2470.

(2) الكيول: مؤخرة الصفوف. (3) انظر: البداية والنهاية (4/17).
([7]) ذفف: أجهز عليه. (5) انظر: البداية والنهاية (4/18)

([9]) نفس المصدر (4/18).
([10]) انظر: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (1/303).
([11]، 9) نفس المصدر (1/303).

([13]) البخاري، كتاب الجهاد، رقم 3039. (2) مسند أحمد (1/287) رقم 2608.

([15]) انظر: غزوة أحد دراسة دعوية، ص98.
([16]) الرباعية: إحدى الأسنان الأربعة التي تكون بين الثنية والناب.
([17]) الشج: كسر في الرأس.
([18]) انظر: فقه السيرة للغزالي، ص294. (7) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/81).

([20]) انظر: غزوة أحد دراسة دعوية، ص100.(2) المصدر نفسه، ص101.

([22]) انظر: مجمع الزوائد للهيثمي (6/112).(4) انظر: نضرة النعيم (1/304).

([24]) البخاري، رقم 3724. (2) انظر: صحيح السيرة النبوية، ص296.

([26]) المصدر نفسه، ص295.
([27]) المسند والفتح الرباني (22/589) بإسناده رجاله ثقات.
([28]) انظر: صحيح السيرة النبوية، ص296. (6) الجعبة: الكنانة التي تجعل فيها السهام.

([30]) لا تشرف: لا تتطلع.
([31]) نحري دون نحرك: جعل الله نحري أقرب إلى السهام من نحرك لأصاب بها دونك.
([32]) انظر: صحيح السيرة النبوية، ص296. (10) انظر: البداية والنهاية (4/35، 36).

([34]) انظر: السيرة النبوية لمنير الغضبان، ص468، 470.
([35]) انظر: نضرة النعيم (1/305).
([36]) انظر: نضرة النعيم (1/305). (2) المصدر نفسه (1/306).

([38]) فأضعها في ثنته: أي في عاتقه. (4) ذلك العهد به: كناية عن موته.

([40]) لا يهيج الرسل: أي لا ينالهم منه مكروه. (6) أورق: لونه كالرماد.

([42]) البخاري، المغازي رقم 4072. (2) انظر: صحيح السيرة النبوية، ص283.

([44]) المصدر نفسه، ص284. (4) المصدر السابق، ص283.

([46]) الفل: الثلم في السيف. (6) انظر: المسند (1/271) برقم 2445.

([48]) لدمت: ضربت ودفعت.
([49]) انظر: صحيح السيرة النبوية، ص285. (2) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/185).

([51]) مدرها: الذي يدفع عن القوم. (4) الشلو: البقية, تعتادني: تتعاهدني.

([53]) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/185). (6) انظر: صحيح ابن ماجة للألباني (1/265).

([55])رواه الحاكم (3/196) سنده حسن. (8) مسلم، كتاب الأدب رقم 2132.

([57]) البخاري، المغازي رقم 4072.
([58]) انظر: محمد رسول الله, عرجون (3/603). (2) انظر: التاريخ الإسلامي للحميدي (5/141)

([60]) رواه الطبراني في الكبير، إسناده حسن (22/139) رقم 370 نقلا عن صحيح السيرة النبوية، ص286.
([61]) انظر: محمد رسول الله، عرجون (3/602).(5) الإذخر: نوع من العشب.

([63]) البخاري في الجنائز، رقم 1286. (7) البخاري في الجنائز رقم 1274، 1275.

([65]) انظر: المستدرك (3/200) صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
([66]) انظر: السيرة الحلبية (2/532). (3) شفر: العين.

([68]) انظر: صحيح السيرة النبوية، ص294. (5) المصدر السابق, 293.

([70]) انظر: زاد المعاد (3/212).
([71]) أي: سمع منادي رسول الله يدعو للخروج لملاقاة العدو.
([72]) انظر: صحيح السيرة النبوية، ص289.
([73]) انظر: المغازي للواقدي (1/273).
([74]) انظر: التاريخ الإسلامي للحميدي (5/129،130).
([75]) انظر: زاد المعاد (3/214). (3) البخاري رقم 4097.

([77]) البخاري رقم 1351. (5) البخاري، رقم 1244.

([79]) صحيح ابن ماجة للألباني، رقم 190 (2800). (7) انظر: زاد المعاد (3/208).

([81]) انظر: زاد المعاد (3/208). (2) انظر: المغازي للواقدي (1/275).

([83]) المصدر نفسه (1/277). (4) انظر: المغازي للواقدي (1/277).

([85]) المصدر نفسه (1/277).
([86]) انظر: المسند (5/299)، السيرة النبوية لابن هشام (3/101).
([87]) انظر: زاد المعاد (3/218). (3) الآطام: الحصون.

([89]) ظمء حمار: أي مقدار ما بين شربتي حمار. (5) أي نموت اليوم أو غدًا.

([91]) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/98).
([92]) انظر: زاد المعاد (3/218).(7) انظر: غزوة أحد لأبي فارس، ص117.

([94]) انظر: البخاري، الجهاد، رقم 2808.(2) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/100، 101).

([96]) انظر: المغازي للواقدي، (1/263), والسيرة لابن هشام (3/99).
([97]) انظر: تجريد أسماء الصحابة (2/70)، الإصابة (3/393).
([98]) انظر: الروض الأنف للسهيلي (4/408، 409).
([99]) انظر: اليهود في السنة المطهرة (1/306).
([100]) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/99)، غزوة أحد دراسة دعوية، ص113.
([101]) انظر: السيرة النبوية الصحيحة (2/388).
([102]) انظر: البداية والنهاية (4/35).
([103]) الشعراء: ذباب له لدغ.
([104]) تدأدأ: تقلب عن فرسه فجعل يتدحرج.
([105]) سرف: موضع على ستة أميال من مكة.
([106]) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/93، 94).
([107]) انظر: التاريخ الإسلامي للحميدي (5/169).
([108]) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/94).
__________________
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 06-12-2014, 01:12 AM
زلطه 20 زلطه 20 غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 34
معدل تقييم المستوى: 0
زلطه 20 is on a distinguished road
افتراضي

صلى الله عليه وسلم ... شكرا لك ...
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 07-12-2014, 08:13 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زلطه 20 مشاهدة المشاركة
صلى الله عليه وسلم ... شكرا لك ...
عليه الصلاة والسلام
ربنا يبارك فيك
__________________
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 07-12-2014, 09:47 PM
أشرف فرحات أشرف فرحات غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 2
معدل تقييم المستوى: 0
أشرف فرحات is on a distinguished road
افتراضي

جزاك الله خير

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 08-12-2014, 07:22 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أشرف فرحات مشاهدة المشاركة
جزاك الله خير
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أشرف فرحات مشاهدة المشاركة

بارك الله فيك
__________________
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 08-12-2014, 07:33 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

المبحث الثالث


أحداث ما بعد المعركة

أولا: حوار أبي سفيان مع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه:
قال البراء t: وأشرف أبو سفيان فقال أفي القوم محمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجيبوه», فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: «لا تجيبوه», فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء القوم ***وا، فلو كانوا أحياء لأجابوا، فلم يملك عمر t نفسه فقال: كذبت يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يخزيك، قال أبو سفيان: اعلُ هبل([1]), فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أجيبوه», قال: قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا: الله أعلى وأجل», قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أجيبوه», قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا الله مولانا ولا مولى لكم», قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني([2]). وفي رواية قال عمر: (لا سواء ***انا في الجنة و***اكم في النار)([3]).
كان في سؤال أبي سفيان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر دلالة واضحة على اهتمام المشركين بهؤلاء دون غيرهم؛ لأنه في علمهم أنهم أهل الإسلام وبهم قام صرحه وأركان دولته وأعمدة نظامه، ففي موتهم يعتقد المشركون أنه لا يقوم الإسلام بعدهم.
وكان السكوت عن إجابة أبي سفيان أولاً تصغيرًا له حتى إذا انتشى وملأه الكبر أخبروه بحقيقة الأمر، وردوا عليه بشجاعة([4]).
وفي هذا يقول ابن القيم في تعليقه على هذا الحوار: فأمرهم بجوابه عند افتخاره بآلهته، وبشركه، تعظيمًا للتوحيد. وإعلامًا بعزة من عبده المسلمون، وقوة جانبه، وأنه لا يغلب، ونحن حزبه وجنده. ولم يأمرهم بإجابته حين قال: أفيكم محمد؟ أفيكم ابن أبي قحافة؟ أفيكم عمر؟ بل روي أنه نهاهم عن إجابته، وقال: لا تجيبوه؛ لأن كَلْمَهم لم يكن برد في طلب القوم، ونار غيظهم بعد متوقدة، فلما قال لأصحابه: أما هؤلاء فقد كفيتموهم، حمي عمر بن الخطاب واشتد غضبه وقال: كذبت يا عدو الله، فكان في هذا الإعلام من الإذلال، والشجاعة وعدم الجبن، والتعرف إلى العدو في تلك الحال، ما يؤذيهم بقوة القوم وبسالتهم, وأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا، وأنه وقومه جديرون بعدم الخوف منهم وقد أبقى الله لهم ما يسؤوهم منهم، وكان في الإعلام ببقاء هؤلاء الثلاثة بعد ظنه، وظن قومه أنهم قد أصيبوا من المصلحة، وغيظ العدو وحزبه، والفت في عضده ما ليس في جوابه حين سأل عنهم واحدًا واحدًا، فكان سؤاله عنهم ونعيهم لقومه آخر سهام العدو كيده، فصبر له النبي صلى الله عليه وسلم حتى استوفى كيده، ثم انتدب له عمر فرد بسهام كيده عليه، وكان ترك الجواب عليه أحسن، وذكره ثانيًا أحسن، وأيضا فإن في ترك إجابته حين سأله عنهم إهانة له، وتصغيرًا لشأنه، فلما منته نفسه موتهم, وظن أنهم قد ***وا، وحصل له بذلك من الكبر والأشر ما حصل، كان في جوابه إهانة له، وتحقير وإذلال, ولم يكن هذا مخالفًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم«لا تجيبوه» فإن إنما نهى عن إجابته حين سأل: أفيكم محمد؟ أفيكم فلان؟ ولم ينه عن إجابته حين قال: أما هؤلاء فقد ***وا، وبكل حال فلا أحسن من ترك إجابته أولاً، ولا أحسن من إجابته ثانيًا([5]).
ثانيًا: تفقد الرسول صلى الله عليه وسلم الشهداء:
بعد أن انسحب أبو سفيان من أرض المعركة ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم ليتفقد أصحابه رضي الله عنهم، فمر على بعضهم، ومنهم حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، وحنظلة بن أبي عامر، وسعد بن الربيع والأصيرم، وبقية الصحابة رضي الله عنهم، فلما أشرف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنا شهيد على هؤلاء, إنه ما من جريح يجرح في الله إلا والله بعثه يوم القيامة، يدمي جرحه, اللون لون دم، والريح ريح المسك، انظروا أكثر هؤلاء جمعًا للقرآن، فاجعلوه أمام أصحابه في القبر»([6]).
وقال جابر بن عبد الله في رواية البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من ***ى أحد في ثوب واحد ثم يقول: «أيهم أكثر أخذًا للقرآن؟» فإذا أشير له إلى واحد قدمه في اللحد، وقال: «أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة»، وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصل عليهم، ولم يغسلوا([7]).
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفنوا حيث صرعوا، وأعيد من أخذ ليدفن داخل المدينة([8]).
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب، وقد مُثِّل به حزن حزنًا شديدًا، وبكى حتى نشغ([9]) من البكاء([10]) وقال صلى الله عليه وسلم: «لولا أن تحزن صفية، ويكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم»، فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعل بعمه ما فعل، قالوا: والله لئن ظفرنا الله بهم يومًا من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب([11]), فنزل قول الله تعالى: ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ )[النحل: 126]. لقد ارتكب المشركون صورًا من الوحشية، حيث قاموا بالتمثيل في ***ى المسلمين فبقروا بطون كثير من ال***ى وجدعوا أنوفهم، وقطعوا الآذان ومذاكير بعضهم([12]). ومع ذلك صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه واستجابوا لتوجيه المولى عز وجل، فعفا وصبر وكفَّر عن يمينه، ونهى عن المثلة.
روى ابن إسحاق بسنده عن سمرة بن جندب قال: (ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قط ففارقه، حتى يأمرنا بالصدقة وينهانا عن المثلة)([13]).
ثالثًا: دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد:
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه الظهر قاعدًا لكثرة ما نزف من دمه، وصلى وراءه المسلمون قعود، وتوجه النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة إلى الله بالدعاء والثناء على ما نالهم من الجهد والبلاء، فقال لأصحابه: «استووا، حتى أثني على ربي عز وجل» فصاروا خلفه صفوفًا، ثم دعا بهذه الكلمات الدالة على عمق الإيمان([14]), فقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مبعد لما قربت, اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول، اللهم إني أسألك النعيم يوم الغلبة, والأمن يوم الخوف، اللهم عائذ بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعت، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين وأحينا مسلمين, وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا نادمين ولا مفتونين، اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون رسولك، ويصدون عن سبيلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق»([15]) ثم ركب فرسه ورجع إلى المدينة([16]).
وهذا أمر عظيم شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته لكي يطلبوا النصر والتوفيق من رب العالمين، وبين لأمته أن الدعاء مطلوب في ساعة النصر والفتح، وفي ساعة الهزيمة لأن الدعاء مخ العبادة, كما أنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه، وحصول المطلوب، ويجعل القلوب متعلقة بخالقها، فينزل عليها السكينة، والثبات والاطمئنان ويمدها بقوة روحية عظيمة، فترتفع المعنويات نحو المعالي وتتطلع إلى ما عند الله تعالى.
في أعقاب المعركة، يتخذ النبي صلى الله عليه وسلم أهبته وينظم المسلمين صفوفًا، لكي يثني على ربه عز وجل، إنه لموقف عظيم، يجلي إيمانًا عميقًا، ويكشف عن العبودية المطلقة لرب العالمين الفعَّال لما يريد، فهو القابض والباسط، المعطي والمانع، لا راد ولا معقب لحكمه.
إن هذا الموقف من أعظم مواقف العبودية التي تسمو بالعابدين، وتجل المعبود، كأعظم ما يكون الإجلال والإكبار، وأبرز ما يكون الحمد والثناء([17]).
__________________
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 08-12-2014, 07:36 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

رابعًا: معرفة وجهة العدو:
بعد أن انسحب جيش المشركين من أرض المعركة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب t بعد الغزوة مباشرة، وذلك لمعرفة اتجاه العدو، فقال له: «اخرج في آثار القوم، وانظر ماذا يصنعون وما يريدون؟ فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة، والذي نفسي بيده إن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ثم لأناجزنهم» قال علي: فخرجت في أثرهم ماذا يصنعون فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل ووجهوا إلى مكة([18]). فرجع علي t وأخبر رسول الله بخبر القوم.
وفي هذا الخبر عدة دروس وعبر منها:
يقظة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومراقبته الدقيقة لتحركات العدو، وقدرته صلى الله عليه وسلم على تقدير الأمور، وظهور قوته المعنوية العالية، ويظهر ذلك في استعداده لمقاتلة المشركين لو أرادوا المدينة، وفيه ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بعلي t ومعرفته بمعادن الرجال، وفيه شجاعة علي t؛ لأن هذا الجيش لو أبصره ما تورع في محاولة ***ه([19]), ونلحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في أرض المعركة بعد أن انتهت، تفقد خلالها الجرحى والشهداء، وأمر بدفنهم ودعا ربه وأثنى عليه سبحانه، وأرسل عليًّا ليتتبع خبر القوم، كل ذلك من أجل أن يحافظ على النصر الذي أحرزه المسلمون في غزوة أحد، وهذا من فقه سنن الله تعالى في الحروب والمعارك، فقد جعل سبحانه من سننه في خلقه أن جعل للنصر أسبابًا، وللهزيمة أسبابًا، فمن أخذ بأسباب النصر، وصدق التوكل على الله سبحانه وتعالى حقيقة التوكل نال النصر بإذن الله عز وجل، كما قال تعالى: ( سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً ) [الفتح: 23].
ويتجلى فقه النبي صلى الله عليه وسلم في ممارسة سنة الأخذ بالأسباب في غزوة حمراء الأسد.
خامسًا: غزوة حمراء الأسد:
نجد في بعض الروايات: أن النبي صلى الله عليه وسلم تابع أخبار المشركين بواسطة بعض أتباعه حتى بعد رجوعهم إلى مكة، وبلغه مقالة أبي سفيان يلوم فيها جنده لكونهم لم يشفوا غليلهم من محمد وجنده، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما انصرف أبو سفيان والمشركون من أحد وبلغوا الروحاء([20]) قال أبو سفيان: لا محمدًا ***تم ولا الكواعب أردفتم, شر ما صنعتم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم([21]). وتفيد هذه الرواية خبر استطلاع الرسول صلى الله عليه وسلم أعداءه حتى بعد انتهاء المعركة؛ وذلك لكي يطمئن على عدم مباغتتهم له.
وعندما سمع ما كان تعزم عليه قريش من العودة إلى المدينة خرج بمن حضره يوم أحد من المسلمين دون غيرهم إلى حمراء الأسد.
قال ابن إسحاق: كان أحد يوم السبت للنصف من شوال، فلما كان الغد يوم الأحد سادس عشر من شوال: أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو، وألا يخرج معنا إلا من حضر بالأمس، فاستأذنه جابر بن عبد الله في الخروج معه فأذن له، وإنما خرج مرهبًا للعدو، وليظنوا أن الذي أصابهم لم يوهنهم عن طلب عدوهم([22])، وقد استجاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لنداء الجهاد حتى الذين أصيبوا بالجروح، فهذا رجل من بني عبد الأشهل يقول: شهدت أحدًا أنا وأخ لي فرجعنا جريحين، فلما أذَّن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو قلت لأخي وقال لي: أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله ما لنا من دابة نركبها، وما منا إلا جريح ثقيل، فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت أيسر جرحًا منه، فكان إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة (نوبة), حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون([23]). وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد، واقترب بجنوده من جيش المشركين فأقام فيه ثلاثة أيام يتحدى المشركين, فلم يتشجعوا على لقائه ونزاله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بإشعال النيران فكانوا يشعلون في وقت واحد خمسمائة نار([24]).
وأقبل معبد بن أبي معبد الخزاعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، فأمره أن يلحق بأبي سفيان، فيخذله، فلحقه بالروحاء ولم يعلم بإسلامه، فقال: ما وراءك يا معبد؟ فقال: محمد وأصحابه، فقد تحرقوا عليكم، وخرجوا في جمع لم يخرجوا في مثله، وقد ندم من كان تخلف عنهم من أصحابهم، فقال: ما تقول؟ فقال: ما أرى أن ترتحل حتى يطلع أول الجيش من وراء هذه الأكمة([25]). فقال أبو سفيان: والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم، قال معبد: فإني أنهاك عن ذلك، والله لقد حملني ما رأيت أن قلت فيه أبياتًا من شعر:
قال: وما قلت؟ قال: قلت:
كادت تهد من الأصوات راحلتي --- إذ سالت الأرض بالجرد([26]) الأبابيل



تردي([27]) بأسد كرام لا تنابلة([28]) --- عند اللقاء ولا ميل([29]) معازيل([30])



فظلت عدوًا أظن الأرض مائلة --- لما سمو برئيس غير مخذول



فقلت: ويل ابن حرب من لقائكم --- إذا تغطمطت البطحاء بالجبل([31])



إني نذير لأهل البسل ضاحية --- لكل ذي أُربة منهم ومعقول



من جيش أحمد لا وخش([32]) قنابله --- وليس يوصف ما أنذرت بالقيل ([33])




فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه، وحاول أبو سفيان أن يغطي انسحابه هذا بشن حرب نفسية على المسلمين، لعله يرهبهم فأرسل مع ركب عبد القيس -وكانوا يريدون المدينة للميرة- رسالة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مفادها، أن أبا سفيان وجيشه قد أجمعوا على السير إليه وإلى أصحابه ليستأصلهم من الوجود، وواعد أبو سفيان الركب أن يعطيهم زبيبًا عندما يأتوه في سوق عكاظ، ومر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال هو والمسلمون: حسبنا الله ونعم الوكيل([34]). واستمر المسلمون في معسكرهم، وآثرت قريش السلامة والأوبة، فرجعوا إلى مكة، وبعد ذلك عاد المسلمون إلى المدينة بروح قوية متوثبة، غسلت عار الهزيمة، ومسحت مغبة الفشل، فدخلوها أعزة رفيعي الجانب، عبثوا بانتصار المشركين، وهزوا أعصابهم، وأحبطوا شماتة المنافقين واليهود في المدينة، وأشار القرآن الكريم إلى هذه الحرب الباردة، وسجل ظواهرها([35]) بقوله تعالى: ( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ` الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ` فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ` إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ )[آل عمران: 172-175] ووقع في أسر النبي صلى الله عليه وسلم قبل رجوعه إلى المدينة أبو عزة الجمحي الشاعر ف*** صبرًا؛ لأنه أخلف وعده للرسول صلى الله عليه وسلم بأن لا يقاتل ضده عندما منَّ عليه ببدر وأطلقه, فعاد فقاتل في أحد، وقد حاول أبو عزة أن يتخلص من ال***، وقال: يا رسول الله أقلني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا والله، لا تمسح عارضيك([36]) بمكة بعدها، وتقول: خدعت محمدًا مرتين، اضرب عنقه يا زبير» ([37]) فضرب عنقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين» ([38]) فصار هذا الحديث مثلا ولم يسمع قبل ذلك.
وبعد هذا العمل من قبيل السياسة الشرعية؛ لأن هذا الشاعر من المفسدين في الأرض، الداعين إلى الفتنة، ولأن في المن عليه تمكينًا له من أن يعود حربًا على المسلمين.
ولم يؤسر من المشركين سوى أبي عزة الجمحي([39]).
وأما عدد ال***ى من المسلمين في أحد فقد انجلت المعركة عن سبعين شهيدًا من المسلمين، ويؤيد هذا تفسير قوله تعالى: ( أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) أنها نزلت تسلية للمؤمنين عمن أصيب منهم يوم أحد، قال ابن عطية رحمه الله: وكان المشركون قد ***وا منهم سبعين نفرًا، وكان المسلمون قد ***وا من المشركين ببدر سبعين وأسروا سبعين([40]), أما عدد الذين ***وا يوم أحد من المشركين فاثنان وعشرون قتيلا([41]). كان خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم لملاحقة المشركين في غزوة حمراء الأسد يهدف لتحقيق مجموعة من المقاصد المهمة منها:
1- ألا يكون آخر ما تنطوي عليه نفوس الذين خرجوا يوم أحد هو الشعور بالهزيمة.
2- إعلامهم أن لهم الكرة على أعدائهم متى نفضوا عنهم الضعف والفشل واستجابوا لدعوة الله ورسوله.
3- تجرئة الصحابة على قتال أعدائهم.
4- إعلامهم أن ما أصابهم في ذلك اليوم إنما هو محنة وابتلاء اقتضتها إرادة الله وحكمته وأنهم أقوياء، وأن خصومهم الغالبين في الظاهر ضعفاء([42]).
كما أن في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد إشارة نبوية إلى أهمية استعمال الحرب النفسية للتأثير على معنويات الخصوم، حيث خرج صلى الله عليه وسلم بجنوده إلى حمراء الأسد، ومكث فيها ثلاثة أيام، وأمر بإيقاد النيران فكانت تشاهد من مكان بعيد وملأت الأرجاء بأنوارها، حتى خيل لقريش أن جيش المسلمين ذو عدد كبير لا طاقة لهم به فانصرفوا، وقد ملأ الرعب أفئدتهم([43]). قال ابن سعد: (ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه حتى عسكروا بحمراء الأسد، وكان المسلمون يوقدون تلك الليالي خمسمائة نار حتى ترى من المكان البعيد، وذهب صوت معسكرهم ونيرانهم في كل وجه فكبت الله تعالى بذلك عدوهم)([44]).
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 01:48 AM.