اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #226  
قديم 24-11-2012, 01:16 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي


خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم


مراد باخريصة


شهر ربيع الأول؛ هذا الشهر الذي ولد فيه سيد الخلق وأكمل البشر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ الرحمة المهداة والنعمة المسداة، خليل الرحمن وصفوة الأنام، أعظم الناس أمانة وأصدقهم حديثاً وأسخى الناس نفساً وأطيب الناس ريحاً وأجودهم يداً وأعظمهم صبراً وأكثرهم عفواً ومغفرةً ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾.

إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور ومن الضلالة إلى الهداية ومن الشقاء إلى السعادة ومن الذلة إلى العزة ومن الظلم والظلمات والجهل والشتات إلى العدل والنور والكرامات.

لم يعرف التاريخ رجلاً أسدى منه ولا أتقى منه ولا أخشى منه ولا أعظم منه ولا أجل منه صلى الله عليه وسلم ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾.

إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي مدحه ربه بمدح العبودية وبعثه لإصلاح البشرية وهداية الإنسانية ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾ أعطى الدعوة ماله وكيانه ودمه ودموعه وليله ونهاره حتى أقام لا إله إلا الله نشهد شهادة جازمة أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين من ربه.

عباد الله:
إن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وإن الطريق الوحيد الذي ضمن الله لأهله النجاح وكتب لأهله الفلاح هي طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل الجماعات وكل التكتلات وكل الأحزاب والحزبيات وكل الخطوط والطرقات في ظلال وضياع ومتاهات إلا طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾.

كل الطرق مسدودة وكل الأبواب مغلقة وكل الخطوط مفصولة غير موصولة إلا الخط الذي مشى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مشى عليه أصحابه من بعده ثم مشى عليه التابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين يقول النبي صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة واثنتان وسبعين في النار قيل يا رسول الله من هم قال من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا وقال: " هذا سبيل الله " ثم خط خطوطا عن يمينه وعن يساره وقال: "هذه سبل على كل سبيل شيطان يدعو إليه" ثم قرأ: ﴿ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيلي ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ﴾.

إن بين أيدينا كنزاً لا ينفد ومنهلاً عذباً لا ينضب كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين نحن من العمل بهما والمطالبة بتطبيقهما والانقياد لهما والامتثال لأمرهما والاستجابة لنهيهما يقول الله جل جلاله في كتابه العظيم ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ ويقول سبحانه وتعالى ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم ﴾ يقول النبي صلى الله عليه وسلم (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك).

إن المأمن الأمين والحصن الحصين هو في التمسك بكتاب الله وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالاقتداء به مخرج من كل فتنة ونجاة من كل محنة تمسكوا بهديه تمسكاً صادقاً واعرضوا أعمالكم وأقوالكم وأفعالكم ومعاملاتكم وجميع شئون حياتكم على منهجه وطريقته تعيشوا سعداء وتموتوا أوفياء.

عباد الله:
إن الواجب علينا تعظيم الوحيين الشريفين تعظيماً يمنعنا من مخالفتهما أو الالتفات إلى شيء من الأنظمة أو المناهج غيرهما أو السكوت على من يجترئ عليهما أو يستهزئ بشيء مما جاء فيهما ومن سب الله أو سب رسول الله أو استهزئ بشيء من دين الله أو تلاعب بالنصوص القرآنية أو الأحاديث النبوية فلنقف ضده وقفة الغيور على ملته المحامي عن شريعته وعقيدته ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾.

إن مجتمعنا اليوم تتجاذبه موجات وحملات وبدع وضلالات ومحاولات وتدخلات وفتن عاتيات لا مخرج منها إلا بالتمسك الشديد بوحي الله الذي أوحاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار).

إن علينا في زحمة الأحداث وتسارع المتغيرات وفي خضم التداعيات وكثرة النوازل والمستجدات وتنوع الأطروحات والتحليلات أن نلتفت إلى الرؤية الشرعية التي جاء بها نبينا صلى الله عليه وسلم بيضاء نقية وأن ندقق النظر في فقه السنن الكونية وأن نقرأ الأحوال التاريخية والحضارية فقد زلت أقدام وظلت أفهام وأخطأت أقلام واحتار كثير من المفكرين والمثقفين وأرباب الإعلام لأنهم لم ينطلقوا من المنطلق الذي انطلق منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾.


الخطبة الثانية

عباد الله:
إننا في هذه الأيام العصيبة نعيش وسط زوابع يموج بعضها في بعض وفي ثنايا نوازل تتلاطم كموج بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل له نوراً فماله من نور.

ولأجل هذا كان لزاماً علينا أن نحذر من الحملة المسعورة الشعواء التي يديرها أعداؤنا علينا من خلال تشكيكنا بسمو رسالتنا والطعن في عقيدتنا وإقناعنا بتغيير ديننا ومنهجنا ونزع عقيدة الولاء والبراء من قلوبنا ومن استجاب لهم في شيء من ذلك فقد وقع في خيانة عظمى وجنون لا عقل معه وجرم ما بعده جرم يستحق صاحبه قول الله ﴿ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ روى الإمام أحمد في مسنده وحسنه الألباني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض الكتب قال فغضب وقال أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية والذي نفسي بيده لو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا إتباعي).

فالحمد لله الذي أنعم علينا فجعلنا من أمة النبي صلى الله عليه وسلم ومن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ومن خير أمة أخرجت للناس والحمد لله الذي منحنا هذه الشريعة المحمدية الغراء التي تنير لنا الطريق في السراء والضراء فيجب علينا أن نشكر الله على هذه النعم العظيمة بالتمسك الصادق بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما المعجزة الباقية والعصمة الواقية والحجة البالغة ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾.

عباد الله:
إننا لن ندرك غايتنا إلا بهداية الله ولن نحقق أهدافنا إلا بمعونة الله ولن نخرج من البلايا والرزايا إلا بإعزاز دين الله وتحكيم شريعة الله والغيرة على محارم الله يجب علينا جميعاً أن نتحلى بالصدق في الانتماء لديننا وعقيدتنا ونصرة منهج رسولنا صلى الله عليه وسلم.

أما أن ندعي محبته ونحن نصادم سنته ونخاصم شريعته ولا نُحكم منهجه ولا نلتزم هديه ولا نحب محبوباته ولا نبغض مبغوضاته فهذا هو الحب الكاذب ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾.

ليس من تعظيمه صلى الله عليه وسلم أن نبتدع في دينه أو نزيد في شريعته أو نحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم وليس من تعظيمه صلى الله عليه وسلم أن نتشبه باليهود والنصارى في هديهم وتقاليدهم ونترك التشبه به صلى الله عليه وسلم في هديه وسننه وليس من تعظيمه صلى الله عليه وسلم أن نتسول الشرق والغرب ونجرب مناهج أهل الشرق والغرب ومنهجه صلى الله عليه وسلم بين أيدينا.

__________________
رد مع اقتباس
  #227  
قديم 24-11-2012, 11:51 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

التآلف والتعايش السلمي – المواطنة.


بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة الكرام، مع موضوع جديد من موضوعات فقه السيرة النبوية، التنظيمات الإدارية التي نظمها النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت القاعدة الصلبة للدولة الإسلامية.
التركيبة الاجتماعية لسكان المدينة عند وصول النبي صلى الله عليه وسلم:
كانت المدينة عشية وصول رسول الله صل الله عليه وسلم تشكل مزيجا إنسانيا متنوعاً من حيث الدين والعقيدة، ومن حيث الانتماء القبلي والعشائري، ومن حيث نمط المعيشة، ففيهم المهاجرون، وفيهم الأوس والخزرج، والوثنيون من الأوس والخزرج، واليهود من الأوس والخزرج، وقبائل اليهود الثلاثة بنو قينقاع، و بنو النظير و بنو قريضة، والأعراب الذين يساكنون أهل يثرب، والموالي والعبيد، والأحلاف، وكانت موارد رزقهم متنوعة بين العمل في التجارة والزراعة والصناعة، والرعي والصيد والاحتطاب، وكان توزعهم السكني قائما على هيئة قرى، أو آطام، أو حصون تحيط بها البساتين والأراضي المزروعة، يدخلون حصونهم بعد حلول الظلام، ويحرسون منازلهم خوف الغزو والغارة، وتبلغ عدد تجمعاتهم السكنية 59، ولكل عشيرة منهم زعامة تقوم على رعاية شؤونها، وضمان عيشها وأمنها، ولم تندمل بعد جراحات الأوس والخزرج التي خلفتها بينهم حرب بعاث، ويمكن وصف الحالة العامة في المدينة بأنها قائمة على تحكم النظام العشائري، وأعراف القبائل السائدة مع شيوع الجهل والأمية لدى معظم سكان يثرب، بينما كان أهل الكتاب أهل علم ودين، لكنهم يمارسون الربا واستغلال التجارة، ويعملون على إثارة النزاعات بين الأوس والخزرج ليتمكنوا من ضمان سيادتهم، ومصالحهم، وسلامتهم.
النموذج السياسي في الإطار الإسلامي في المدينة:
1. دستور شامل لجميع ساكني المدينة من المسلمين وغير المسلمين:
ولا شك في أن النموذج النبوي الذي بدأ النبي تطبيقه في المدينة يتوزع في مسارين متوافقين، أولهما يتعلق بالمسلمين الذين آمنوا بالله ورسوله، وانقادوا لشرع الله يعملون به ويطبقونه، وثانيهما يتعلق بالتآلف والتعايش السلمي بين المسلمين ومَن لم يعتنق الإسلام من الوثنيين من الأوس والخزرج وأهل الكتاب.
وأعظم مهمة أنفذها النبي صلى الله عليه وسلم إقامة نظام عام، ودستور شامل لجميع ساكني المدينة بين المسلمين وبين سواهم من سكان المدينة.
2. تنظيم يتوافق مع أعلى درجات المواطنة:
أيها الإخوة، يظن الطرف الآخر أن المسلمين فيهم سذاجة، فيهم تخلف، سوف ترون الشيء الذي لا يصدق، كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم نظم هذا المجتمع تنظيماً يتوافق مع أعلى درجات المواطنة، ومع أعلى درجات الحقوق والواجبات.
فلذلك التنظيم حضارة، والتنظيم دين، والتنظيم رقي، والله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون وفق النظام الرائع، والإنسان خليفة الله في الأرض، وينبغي أن يقيم النظام الرائع في مجتمعه، وهذا دليل التفوق في الحياة.
3. حدّد المسؤولية الفردية:
التخلف في الدين يساوي الفوضى، التخلف في الدين يساوي التسيب.
مثلاً: النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
مَنْ تَطَبّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبّ فَهُوَ ضَامِن
[أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم عن ابن عمر]
فهو مسؤول، وسيحاسب، وكان عليه الصلاة والسلام يؤكد أن كل إنسان مسؤول عما أنيط به من عمل،
وقد قال الله عز وجل:
(فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
[سورة الحجر]
وأي مجتمع لا يحاسب أفراده عن أخطائهم فهو مجتمع سائر في طريق الهلاك ، فلا بد مِن محاسبة دقيقة، ومفاهيم موحدة.
4. الإسلام دين التعايش:
شيء آخر، سوف ترون بعد قليل كيف أن التعايش بين الأطراف، والشرائح والأطياف، والانتماءات جزء من الدين، ما بال هؤلاء الجهلاء يرفضون الآخر، الآخر مقبول في المجتمع الإسلامي، بمعاهدة دقيقة جداً، فيها المهاجرون، والأوس والخزرج والوثنيون من الأوس والخزرج، واليهود من الأوس والخزرج، القبائل اليهودية، بنو النظير وبنو القينقاع، كيف جمعت هذه الوثيقة هذه الأطراف المتنوعة، والمتباعدة؟
إنّ مفهوم المواطنة أصيل في الدين، ومفهوم قبول الآخر أصيل في الدين، مفهوم التعايش بين الفئات المتعددة أصيل في الدين، وهذه النغمة التي نسمعها من حين إلى آخر أن المسلم لا يقبل الآخر هذه افتراء من أعداء الدين، سيد الخلق وحبيب الحق، سيد ولد آدم، النبي المرسل، خاتم الأنبياء والمرسلين، حبيب رب العالمين، بحياته، وبوجوده، وبتوجيهه، وبتنظيمه أجرى معاهدة ضمت قريشاً، وبني عوف، وبني الحارث من الخزرج، وبني ساعدة، وبني جشم، وبنو النجار، وبني عمرو بن عوف، وبني النبيت، وبني الأوس، هؤلاء طوائف واتجاهات، وألوان، وشرائح، وأطياف، وكلهم ضمتهم معاهدة فيها توضيح شديد للحقوق والواجبات، ما لنا وما علينا، فما بال المسلمين اليوم لا يقبلون الطرف الآخر؟ هذا من الدين.
تحليل بنود معاهدة النبي في المدينة: دراسة واستخلاص:
التحليل الأول: مفهوم الأُمّة الواحدة:
أيها الإخوة، بنود الاتفاقية طويلة جداً، قبل أن نأخذ بعض بنودها أعطيكم عنها دراسة، البند الأول في هذه الدراسة، أن هذه الاتفاقية، وأن تلك المعاهدة جعلت جميع القاطنين في يثرب من مهاجرين، ويثربيّن، ومَن تبعهم، وجاهد معهم أمة واحدة، وفي ذلك بعْد آني لمن يقطن يثرب، وبعدٌ مستقبلي لمعنى الأمة حيث تضمن هؤلاء جميعاً، ومن يلحق بهم، ويجاهد معهم.
إن أول مفهوم للأمة ظهر في المدينة، أما في مكة فقال تعالى:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ)
[سورة النساء الآية: 77]
منع النبي الرد على كل استفزاز، بل على كل تحرش، بل على كل جريمة، لأنه بمكة أراد أن يبني الإيمان، ولأن في كل بيت عنصرا مسلما، وعنصرا مشركا، فإذا قاوم في مكة نشبت حرب أهلية، وهذا مما كان عليه الصلاة والسلام يحرص على الابتعاد عنه، لذلك ورد في قوله تعالى:
(قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ)
[سورة الأنعام الآية: 65]
هذه الصواعق، وحديثاً الصواريخ.
(أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ)
[سورة الأنعام الآية: 65]
هذه الزلازل وحديثاً الألغام.
(أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ)
[سورة الأنعام الآية: 65]
هذه الحرب الأهلية،
(وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ)
إذاً: كان عليه الصلاة والسلام أشد الناس بعداً عن الحرب الأهلية، ففي مكة جاء التوجيه القرآني:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)
[سورة النساء الآية: 77]
إذاً: لا بد من مرحلة إعدادية يُعد فيه المؤمن إعداداً إيمانياً قوياً، بل يعد المؤمن نفسه إعداداً إيمانياً قوياً، لكن بعد حين لا بد من كيان إسلامي، لا بد من شخصية إسلامية لا بد من كلمة إسلامية، لا بد من موقف إسلامي، لا بد من رد إسلامي، لا بد من تحليل إسلامي، لا بد من حركة إسلامية، هذا كان في المدينة، النبي عليه الصلاة والسلام أقام أسس الدولة الإسلامية في المدينة، قبِل الواقع، واحتواه، واستوعبه، وفهِم الخصوصيات والمتغيّرات، هو وأصحابه بند، وهناك بنود كثيرة، طوائف، وقبائل، وعشائر، وأديان اليهود، الوثنيون، المسلمون.
إذاً أول خصيصة لهذه الوثيقة أنها جعلت جميع القاطنين في يثرب من مهاجرين ويثربين، ومن تبعهم، ومن جاهد معهم، أمة واحدة، وفي ذلك بعد آني لمن يقطن بيثرب وبعد مستقبلي لمعنى الأمة التي تضمن هؤلاء جميعاً، ومن يلحق يهم ويجاهد معهم.
التحليل الثاني: الاعتراف بخصوصيات القبائل والعشائر والطوائف:
التحليل الثاني لهذه الوثيقة: اعترفت هذه الوثيقة، وتلك المعاهدة بالحال الخاص لكل فئة من السكان، كل فئة لها خصوصياتها، بل كل فئة لها تركيبها، هذا الاعتراف بخصوصية كل مجتمع ذكاء وحنكة وحكمة.
الآن مشكلتنا مع الطرف الآخر أنه لا يعترف بخصوصيات الشعوب، يريد العولمة، يريد أن يطبق نظامه، وقيمه، و*****ته وانحلاله الخلقي على جميع الشعوب بالقوة، وما هذه الحروب التي ترونها إلا صورة من صور هذا القهر، يريد الطرف الآخر أن يعمم ثقافته على كل الشعوب، الطرف الآخر يتجاهل قيمها، مبادئها، ثقافتها، دينها.
إنّ من سمات آخر الزمان ظهور الأعور الدجال، ومع الاحتفاظ بالمعنى الأصولي لهذا المصطلح هناك نموذج معاصر هو أعور، أعور يرى ثقافته، ولا يقبل ثقافة الآخرين، يرى مصالحه، ولا يعترف بمصالح الآخرين، يرى كرامته، ويجرح كرامة الآخرين، يرى ثقافته ويقدسها، ولا يقبل ثقافة الآخرين، يرى مصالحه، ويتجاهل مصالح الآخرين، هذا هو الأعور، الصفة الثانية أنه دجال، يكذب، تهدم البلاد، تنهب الثروات، يقهر البشر، تثار الفتن الطائفية تحت اسم الحرية والديمقراطية، الأعور الدجال وصفُ جامعٌ مانع لإنسان آخر الزمان القوي.
ذكرت لكم من قبل أيها الإخوة كيف أن الله سبحانه وتعالى وصف قوم عاد
(الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ)
[سورة الفجر]
لم يقل: طغت في بلدها، طغت في البلاد، في جميع البلاد.
(فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ)
[سورة الفجر]
أسلحتهم الفتاكة تقصف، وأفلامهم تفسد، طغيان وفساد، مع غطرسة لا تحتمل.
(مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)
[سورة فصلت الآية: 15]
مع تفوق مذهل في العماران.
(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ)
[سورة الشعراء]
تفوق عسكري:
(وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ)
[سورة الشعراء]
تفوق علمي:
(وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ)
[سورة العنكبوت]
غطرسة لا تحتمل:
(مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)
ماذا فعلوا أيضاً؟ فعلوا أنهم:
(الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ)
[سورة الفجر]
وما أهلك الله قوماً إلا ذكر أنه أهلك من هو أشد منهم قوة، إلا عاداً حينما أهلكها فقال:
(اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً)
[سورة فصلت الآية: 51]
ما مصيرها؟ مصير هؤلاء القوم الطغاة الجبارين أن الله أهلكهم:
(بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ)
[سورة الحاقة]
هذا الشرح فيه إشارة قرآنية إلى أن قوم عاد قوم طاغون كنموذج، ولهم أمثال في كل عصر، والدليل قوله تعالى:
(وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى)
[سورة النجم]
ما معنى عاداً الأولى؟ أي أن هناك عاداً ثانية.
(وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى)
[سورة النجم]
إذاً أيها الإخوة، الشيء الدقيق أن وثيقة النبي عليه الصلاة والسلام، وأن الاتفاقية والعهد الذي بين المسلمين، وبين بقية الأطراف، فيها اعتراف بخصوصيات كل فئة اعتراف بزعامتها، اعتراف بمشكلاتها، اعتراف بأعرافها، بتقاليدها، وبعقائدها الدينية هذا المفهوم الحضاري، أنت مسلم لك عقيدتك، ولك عبادتك، ولك منهجك، ولك قيمك، ولك أهدافك، لكن إذا وجدت في بلد فيه أناس من غير دينك ينبغي أن تسالمهم، وأن تتقاسم معه الغنائم، وأن تعرف خصوصياتهم، وأن تعرف مشاعرهم، وهذا ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام.
__________________
رد مع اقتباس
  #228  
قديم 24-11-2012, 11:54 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

التحليل الثالث: التعاون العام بين المسلمين:
يتعاون المؤمنون في معاونة الذين تعرضوا لوضع مالي شديد من افتقار، أو كثرة عيال، ولعل ذلك يشبه صندوق تكافل لجميع الأهالي، وخاصة في الفدية، فهؤلاء الفقراء قنابل موقوتة، فإن لم تنتبه إلى حاجتهم، وإلى مشكلتهم وإلى مأساتهم، وإلى فقرهم، وتجاهلتهم، كان هناك خلل في المجتمع يسهم في انهياره،
وقد قال سيدنا علي:

كاد الفقر أن يكون كفراً
ويقول عليه الصلاة والسلام:
إنما تنصرون بضعفائكم
[أخرجه أحمد و مسلم وابن حبان والحاكم عن أبي الدرداء]
الضعفاء هم الذين إذا نصرناهم تتماسك طبقات المجتمع، فهذا الضعيف إن كان فقيراً فينبغي أن تطعمه، وإن كان مريضاً فينبغي أن تعالجه، وإن كان مشرداً فينبغي أن تؤويه، وإن كان جاهلاً فينبغي أن تعلمه، وإن كان مظلوماً فينبغي أن تنصفه، إذا نصرت الضعيف تماسك المجتمع، وأصبح سداً منيعاً لا يمكن اختراقه.
التحليل الرابع: منع حدوث تجاوزات في روابط الولاء:
منع حدوث تجاوزات في روابط الولاء للحفاظ على الثقة والتعاون بين الجميع، فلا تجاوزات، وكل إنسان ينبغي أن يلزم حده، وأن يقف عنده، وهناك قوانين تنتظم جميع الفئات، لذلك:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إنّمَا أَهْلَكَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشّرِيفُ تَرَكُوهُ. وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدّ. وأيْمُ الله، لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا
[متفق عليه]
ما لم يقم في المجتمع قواعد صارمة يلتزم بها جميع فئاته فلن ينهض المجتمع.
امرأة سرقت فكان الحكم قطع يدها، وهي من بني مخزوم، فجاء حِبُّ رسول الله أسامة بن زيد يشفع لها، فغضب النبي أشد الغضب، وقال: وبحك يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله؟

إنّمَا أَهْلَكَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشّرِيفُ تَرَكُوهُ. وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدّ. وأيْمُ الله لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا
أن يأتي إنسان من أعلى أرومة من قريش من وجهاء قريش، وفي ساعة غضب دون أن يشعر وجه كلمة قاسية لسيدنا بلال، فقال لك: يا ابن السوداء، فقال عليه الصلاة والسلام وقد غضب غضباً لا يوصف، قال له:
إِنّكَ امْرُوء فِيكَ جَاهِلِية
فما كان من أبي ذر إلا أن وضع رأسه على الأرض وشدد على بلال أن يطأ رأسه بقدمه.
وكان عمر يخرج إلى ظاهر المدينة ليستقبل بلالاً، هذا هو الإسلام.
إذاً: هذه الوثيقة، وتلك المعاهدة، منعت التجاوزات في روابط الولاء في للحفاظ على الثقة والتعاون بين الجميع.

التحليل الخامس: التعاون على مقاومة أي معتد أو آثم، أو ظالم أو مفسد:
الآن هذه الوثيقة تؤكد أن الجميع متعاونون في مقاومة أي معتد أو آثم، أو ظالم أو مفسد، ولو كان ولد أحدهم، وفي ذلك سيادة الدستور والقانون، فتحققوا من خلال العدالة والمساواة، وعندها يتحقق الأمن والسلامة للجميع.
جميع المواطنين تحكمهم قوانين واحدة، جميع المتعاهدين سواء مكانة صغيرهم، مثل مكانة كبيرهم في الحقوق والواجبات، وكلهم يد واحدة، وذو اعتبار واحد هذا مجتمع المسلمين، هذا مجتمع حضاري.
هذا مجتمع، جميع الناس سواء في الحقوق والواجبات، هم يد واحدة على من عاداهم، يجير أدناهم يجير مستجيرهم، ولليهود وهم أعداء تقليديون مثل ما لغيرهم في هذا العهد، ولليهود دينهم، و للمسلمون دينهم، وللمسلمون دينهم، فما من مشكلة أبداً، لهم دينهم، هذا هو التعايش، وهذه هي المواطنة، هذا هو الفهم العميق لخصائص الحياة الدنيا، مجتمعات فسيفسائية كمجتمعاتنا، أنت مسلم يجب أن تقيم أمر الله، وأن تقبل الآخر دون أن تضحي بدينك، دون أن تفسد دينك أقم أمر الله ودع الطرف الآخر يعيش على تطوره، وعلى مبادئه وعلى قيمه.

التحليل السادس: معاهدة الدفاع المشترك:
والمؤمنون وغير المؤمنين سواء ينصر بعضهم بعضاً، في ميثاق، في معاهدة دفاع مشترك بالمصطلح الحديث، لا يحل لأحد ممن عاهد، ووافق على هذه الوثيقة، وقبل هذه الاتفاقية أي يحدث حدثاً، أو يؤوي محدثاً، وإذا فعل ذلك وقع عليه الله ولعنته، وحرمانه من الحقوق العامة.
هذا هو التشريع، هذا هو الالتزام، لكن لهذا المجتمع رأس، مرجعية واحدة قرار نافذ، الله عز وجل أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يشاور أصحابه،
قال الله تعالى:

(وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)
[سورة آل عمران الآية: 159]
لكن:
(فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)
[سورة آل عمران الآية: 159]
التحليل السابع: المخلّ بالمعاهدة لا ذمة له ولا ميثاق:
ومن بنود هذه الاتفاقية: من أخل بعده من اليهود فإنه ظالم لنفسه وأهله، وليس له على أهل هذا العهد ذمة ولا ميثاق، يتحمل كل فريق مشارك في هذا العهد نصيبه في الحرب، والسلم، والنفقة، وعليهم التعاون والمشاركة، وبينهم النصح، والبر، من دون إثم.
من أبلغ ما في هذه المعاهدة، وتلك الاتفاقية أنه لا يتحمل أحد وزر غيره لقوله تعالى:

(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)
[سورة الأنعام الآية: 164]
من أشد المنكرات في المجتمع البعيد عن الله قضية الثأر، يُقتل إنسان من قبيلة، كان جميع أفراد القبيلة التي منها القاتل معرّضين للقتل، بلا سبب، هذا الثأر وصمة عار بحق الأمة، علاج الثأر أنه
(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)
هذا العهد لا يلغي التزامات السابقة، له على المعاهدين، ولا يعفي ظالماً أو آثماً من جزاءه أو معاقبته، وليس هذا العهد للحرب فقط، بل هو للسلم أيضاً، وجعل هذا العهد المدينة المنورة بلداً حراماً.
أيها الإخوة، هذه بعض بنود هذا العهد الذي أبرمه النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة حينما وصل إليها، وصدقوا أيها الإخوة، والله لا أبالغ إنه من أرقى الاتفاقيات الحضارية التي يشار إليها بالبنان.

__________________
رد مع اقتباس
  #229  
قديم 24-11-2012, 11:56 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

من بنود المعاهدة
هذا المجتمع النبوي الذي حكمه النبي، هذا المجتمع المتنوع، بين الدين الإسلامي، وبين دين أهل الكتاب، وبين الوثنية، وبين العشائرية، هذا المجتمع كيف ألف النبي بينهم، وكيف وضع لهم نظاماً يغطيهم جميعاً.
هؤلاء من قريش، ومن بني عوف، ومن بني الحارث، ومن بني ساعدة، وبني جشم، ومن بني النجار، ومن بني عمر بن عوف، ومن بني الأوس، على ماذا اتفق النبي معهم ؟ ما النظام الذي جمعهم، ما المعاهدة التي غطتهم، ما القواسم المشتركة فيما بينهم، إليكم بعض تفصيلات هذه المعاهدة ، والتي نحن في أمسّ الحاجة إليها.

البند الأول: نصرة الضعيف:
المؤمنون لا يتركون مفرحاً ؛ أي مغلوباً، أو فقيراً إلا ويعطوه بالمعروف، أول بند نصرة الضعيف،
قال بعض العلماء:

الدنيا تصلح بالعدل، ولا تصلح بالظلم
نصرة الضعيف،
يقول عليه الصلاة والسلام:

فَإِنّمَا َتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُم
[رواه النسائي عن مصعب بن سعد عن أبيه]
المجتمع الذي لا ينصر الضعيف مجتمع مخترق، وإذا اُخترق المجتمع قوي عليه أعداءه، وما من أمة تريد أن تكون محصنة إلا وتسعى لنصرة الضعيف، والنبي عليه الصلاة والسلام يبين أن أحد أسباب النصر أن نعطي الضعفاء حقهم.
البند الثاني: ألا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه:
البند الثاني: وألا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، المولى تابع للمؤمن، لا خيانة.
مثلاً: أنت صاحب محل تجاري، ولك جار عنده موظف، فتكلمت مع الموظف، وقلت له: كم يعطيك سيدك؟ قال لك: خمسة آلاف، قلت له: أنا أعطيك سبعة، تعال إلي، أنت اتفقت مع موظف عند أخ لك، وهذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:

ليس منا من خبب امرأة على زوجها ؛ أو عبدا على سيده
[أخرجه أبو داود والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة ]
أيّ اتفاق بين رجل ولو على الهاتف، اطلبِي الطلاق منه أنا أتزوجك، لك بيت خاص، أو خبب عبداً على سيده، الآن موظف على صاحب المحل، هذا اسمه تخبيب، وقد لعنه الله عز وجل.
البند الثاني من بنود هذه المعاهد: وألا يحالف مؤمن مولا مؤمن دونه، هذه الأساليب الملتوية، هذا الخداع، المكر، الخبث، ليس هذا من نصيب المؤمن.

البند الثالث: المؤمنون أيديهم جميعاً على من بغى عليهم:
وأن المؤمنين المتقين أيديهم جميعاً على من بغى عليهم، ليس معقولاً أن تعتدي دولة على شعب أعزل في فلسطين، وأن دولاً إسلامية أخرى تناصرها، وتقيم فيما بينها علاقات دبلوماسية، وتطبع العلاقات فيما بينها، هذا مخالف لمنهج المؤمنين.
وأن المؤمنين المتقين أيديهم على من بغى منهم، وأن أيديهم عليه جميعاً، ولو كان ولد أحدهم، هذه نقطة دقيقة جداً، لو أن الأمة الإسلامية مليار وخمسمئة مليون سِلْمها واحدة، وحربها واحدة ، وينطق باسمها إنسان واحد، وأن الأمة الإسلامية بأكملها تحارب أو تسالم، وأن الأمة الإسلامية بأكملها موقفها واحد من جهة واحدة، أما هذا فله صلح، وهذا معاهدة، وهذا تطبيع علاقات، هذا زيارات، هذا عداء، هذا حرب، أحد أسباب ضعف المسلمين أن كلمتهم ليست واحدة.

(وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)
[سورة الأنفال الآية: 46]
بينما تتفنن إسرائيل بإبادة شعب بأكمله إبادة، وبتدمير بلد بأكمله لبنان، ودول أخرى تقيم فيما بينها علاقات، وزيارات، ومعاهدات، وتناصح، وتعاون، وتآزر، أهؤلاء مسلمون ؟! انظر إلى هذا العهد، وأن أيديهم جميعاً على من بغى منهم، ولو كان ولد أحدهم.
(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)
[سورة الحجرات الآية: 9]
نشبت حرب بين العراق وإيران امتدت ثماني سنوات، وذهب ضحيتها مليون إنسان، ومرة وأنا أذكر هذا للتاريخ، كان هناك مؤتمر للدول الصناعية في عاصمة بريطانيا، وتلاسن زعيم غربي مع رئيسة وزراء بريطانيا، فهددها الزعيم الغربي بماذا ؟ بإيقاف الحرب بين العرق وإيران، هددها، معنى إيقاف الحرب توقف بيع الأسلحة، يعيشون على مآسينا، يعيشون على اقتتالنا، يعيشون على خلافاتنا، يعيشون على العداوة فيما بيننا.
لما اجتاحت العراق الكويت من الذي تدخل ؟ العالم الغربي، من كان ينبغي أن يتدخل ؟ المسلمون، بسبب قوله تعالى:

(وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
[سورة الحجرات الآية: 9]
أنتم أيها المؤمنون عليكم فعل ذلك.
حيوانان اقتتلا على قطعة جبن كبيرة، احتكما إلى ثعلب، فالثعلب ادعى أنه قاض نزيه، جاء بميزان فوضع في كفة ثلثي القطعة، وفي كفة الثلث، فرجحت هذه فأكل من هذه نصفها، فرجحت هذه فأكل نصفها، رجحت هذه أكل نصفها، بعد حين لم يبقَ شيء.
وهذا الذي حصل، تنازعنا فيما بيننا فجاءوا، ونهبوا ثرواتنا، أخذوا النفط، وأجبرونا على شراء أسلحة فوق طاقتنا، ففي أول حرب انتقل إلى الغرب أكثر من 700 مليار، والحرب الثانية كذلك، أكبر كتلة نقدية كنا نملكها توجهت إلى الغرب، كان الدينار بثلاثة دولارات، الآن 1500 دينار بدولار واحد، انهيار اقتصادي، أين الثروات ؟ انتقلت،

(وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا)
أؤكد على هذا الدرس بأنه خطير، لأن منهج النبي هكذا.
البند الرابع: ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم:
وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس، هذا المجتمع على تنوعه، وعلى شرائحه، وعلى أطيافه، وعلى طوائفه مجتمع واحد، هذا مفهوم التعايش، هذا مفهوم المواطنة، هذا مفهوم المجتمع السلمي هذا مفهوم قبول الآخر، هذا توجي النبي، هل هناك أعلم منه، هذا توجيه سيد الخلق وحبيب الحق.
البند الخامس: أهلُ الذمة لهم الأمن والأمان في بلاد الإسلام:
وأنه من تبعنا من يهود فإن لهم النصر، والأسوة غير ظالمي ولا متناصراً عليهم.
بصراحة زار إنسان بلدنا، معه جواز سفر عليه تأشيرة، تأشيرة دخول إلى سورية، ما معنى هذا الكلام ؟ هو في عهدنا، في ذمتنا، هناك علاقات دبلوماسية، وتأشيرة، هذه التأشيرة ماذا تعني ؟ أن هذا المواطن الذي بيننا وبين دولته علاقات واتفاقيات، وتبادل سفراء، حينما دخل بلادنا بتأشيرة على جوازه مِن قِبَلنا هو إذاً في ذمتنا، ماذا نستنبط ؟ أن خطف الأجانب لا يجوز.

البند السادس: المؤمنون المتقين على أحسن هدًى وأقومه:
وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدًى وأقومه، أنا أعيش مع إنسان غير مؤمن بعلاقات محدودة، له وعليه، ولي وعلي، ليس معنى هذا أنه على حق ؟ لا.
أنت موظف بدائرة، المدير العام، ولتكن مدرسة، ليس كما ينبغي، أما أنا فواجبي أن آتي في الوقت المناسب، وأن ألقي درساً ممتازاً، وأن أعامل الطلاب معاملة جيدة، وأن أحترم هذا المدير، لا يمنع أن تكون أنت على هدى، وهو ليس كما تتمنى أنت، هذا لا يمنع أن تتعامل معه، أنا أسميها علاقات عمل، علاقات العمل لا شيء فيها إطلاقاً، المؤمن منفتح، إيجابي، بناء، وليس مهدماً.

البند السابع: لا يحل لمقرٍّ بالوثيقة إيواء محدث ونصرِه:
وأنه لا يحل لمؤمن أقر في هذه الصحيفة، وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً أو يؤويه، كإنسان خرج على جمع المؤمنين ممنوع أن تؤويه، أو أن تنصره، وأن من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله، وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.
إنسان يغش المسلمين، لا تدافع عنه، إنسان أتى ببضاعة ليست صالحة للاستعمال البشري، والدوائر الرسمية منعت دخولها، ممنوع عليك أن تتوسط له بإدخالها، هذه البضاعة تؤذي الناس، ليست معدة للاستعمال البشري، معدة علف للحيوانات، هذا إنسان بغى على المسلمين، تدافع عنه ؟ تتوسط له ؟.
وأنه لا يحل لمؤمن أقر في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً أو يؤويه، وأن من نصره أو آواه عليه لعنة الله، وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.

البند الثامن: مرد الاختلاف والتنازع إلى الله ورسوله:
الآن: وأنكم مهما اختلفتم في شيء فإن مرده إلى الله ورسوله، عند التنازع عندنا منهج الله، وسنة رسول الله، وهذا شيء رائع، حينما أرجع إلى تشريع سماوي الله فوق الجميع لذلك:
(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)
[سورة النساء الآية: 59]
البند التاسع: لا يأثم امرؤ بحليفه:
وأنه لا يأثم امرؤ بحليفه، الحليف ليس سبباً لعقاب أحد، أنا حينما أحالف جهة تحت ضوء الشمس جهاراً نهاراً علناً، أنا لا أحاسب على ذلك.
البند العاشر: النصر للمظلوم لا للظالم:
وأن النصر للمظلوم، لا للظالم، وأن الجار كالنفس، غير مضار وآثم، الجار يعامل كما يعامل المؤمن نفسه، لأنه ألصق الناس به، إلا أن يكون معتدياً أو آثماً.
وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث، أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الله أتقى على ما في هذه الصحيفة وأبره.

البند الحادي عشر: دفع المعتدي عن المدينة:
وأن بين هؤلاء جميعاً بين هذه الطوائف، والشرائح، والأطياف، والألوان والمذاهب، والقبائل، والعشائر، وأن بينهم النصر على من دهم يثرب، بالتعبير المعاصر اتفاقية دفاع مشترك، لأن الإنسان هو الإنسان، في كل زمان ومكان، فلو كان بيننا وبين جميع المؤمنين والمسلمين معاهدات دفاع مشترك نافذة لا حبر على ورق، فأيّ دولة تفكر أن تعتدي على بعض الدول، تعدّ للمليون، لأنها سوف تواجه مليارًا و500 مليون، لكن يمكن أن تُهدم غزة بأكملها، أن تُهدم كل بيوتها، أن تُضرب محطات التوليد فتبقى بلا كهرباء، وأن تُجرف بساتين الزيتون، وأن تُردم الآبار، وأن تُمنع الحركة، وأن يقام جدار فصل، والمليار ونصف يتفرجون، أليس كذلك ؟ هذه المعاهدة.
وأن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دُعوا إلى صلح يصالحونه، فإنهم يصالحونه، ويلبسونه، دُعوا جميعاً إلى صلح نصالح، دُعوا جميعاً إلى حرب نحارب أرأيت إلى هذه القوة ؟ والمنعة ؟.

البند الثاني عشر: الظالم يعاقَب:
وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، الظالم يعاقب، والآثم يعاقب والظالم والآثم ليس بإمكانه أن يحتج بهذا الكلام، ولا تلك المعاهدة.
البند الثالث عشر: ساكن المدينة آمن فيها وآمن عند الرجوع إليها :
وأنه من خرج فهو آمن، ومن قعد في المدينة فهو آمن، إذا خرج يرجع، إن خرج فهو آمن، وإن قعد فهو آمن، إلا من ظلم أو آثم، وأن الله جار لمن بر واتقى ومحمد رسول الله.
أيها الإخوة الكرام، هذه بعض فقرات هذه المعاهدة التي احتوت قبائل شتى وأديان شتى، وعشائر شتى، وأطياف شتى، وألوان شتى، من بدو، إلى موالٍ، إلى مهاجرين، إلى أنصار، إلى أوس وخزرج مسلمين، وإلى أوس وخزرج وثنيين، وإلى أوس وخزرج يهود، كل هؤلاء انتظمتهم هذه الاتفاقية، هذا من تخطيط النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا من حكمته، وهذا من منهج الله عز وجل.

استنباط عملي من بنود المعاهدة
ونحن أيها الإخوة، ينبغي أن نرجع إلى أصول هذا الدين، ينبغي أن نرجع إلى أصوله، أي نهر، اذهب إلى ينبوعه ترى ماءاً صافياً، عذباً، ذلالاً، اذهب إلى مصبه ترى ماءاً آثناً أسود اللون، وكذلك الدين ارجعوا إلى أصول الدين، إلى ينابيع الدين، إلى الكتاب والسنة.
وقد قال عليه الصلاة والسلام:

تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنة رسوله
[أخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة]
والحمد الله رب العالمين
__________________
رد مع اقتباس
  #230  
قديم 25-11-2012, 12:04 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

بناء المجتمع المؤمن

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة، هذا المجتمع المدني الجديد فيه أشخاص، الواحد كألف، الآن اتجه هذا المجتمع إلى بناء القوة، كان يتمتع بقوة الإيمان، الآن يبحث عن حق القوة.
وأهم ما فعله النبي في المدينة:
أولاً: إقامة مجتمع مختلف عن نظام القبائل:
أيها الإخوة، بدأت مهمة التربية الفردية للمجتمع الجديد، مع قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، حيث بدأت عملية إقامة مجتمع مختلف عن نظام القبائل العربية.
مجتمع المسلمين الذي أسس في المدينة مجتمع القيم الأخلاقية، مجتمع المثل العليا، مجتمع الإنسان، الذي تسود حياته المبادئ والقيم، مجتمع رسالة السماء، رسالة السماء الآن متمثلة في المظاهر الإسلامية،
يقول عليه الصلاة والسلام:
إنما بعثت معلما
[أخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو]
بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
[أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة]
كل واحد يحاسب نفسه، إن لم تكن متميزاً في أخلاقك، بضبط لسانك، بضبط جوارحك، إن لم تكن متميزاً في إنفاقك، بعباداتك، فلا: تقل أنا مسلم، ولا تقل: أنا مؤمن، في هذا المجتمع أيها الإخوة فيه محافظة على كل الفضائل والمكارم، التي عرفتها المجتمعات الإنسانية السابقة، فيه السعي لإتمامها وإكمالها، في هذا المجتمع فيها استبعاد لمفاسد الأخلاق للظلم والعدوان، وللاستغلال والجهل والعبودية لغير الله، فيه إقصاء لرواسب الماضي وانحرافات الناس الخلقية، والاجتماعية، والنفسية.
ثانياً: تحول الطاقة المبعثرة للأفراد إلى بناء متكامل:
الشيء الدقيق أن هذا المجتمع الإيماني في المدينة، هذا المجتمع تحولت فيه الطاقة المبعثرة للأفراد إلى بناء متكامل يسمو بها جميعاً، ويحقق لها العلم والتقدم، والوحدة الإنسانية، وتوجهها رسالات السماء، وفق المثل العليا الإنسانية،
لذلك أيها الإخوة، يقول الله عز وجل:
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ)
[سورة الأحزاب الآية: 21]
ثالثاً: إصلاح العلاقات بين الأفراد:
أيها الإخوة، البناء الفردي أساس البناء الاجتماعي، بناء الفرد أساس بناء الأسرة، أساس الأسرة أساس بناء المجتمع، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام اعتنى بالفرد المسلم، لذلك أول شيء فعله النبي عليه الصلاة والسلام إصلاح العلاقات بين الأفراد، الآن استمعوا ما يقول الله عز وجل:
(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ)
[سورة الأنفال]
أقول لكم هذه الكلمة: لن نكون أقوياء إذا كانت العلاقات فيما بيننا فاسدة، تجد في الأسرة الواحدة الشرخ، الابن مع أمه، والبنت مع أبيها، وخصام دائم، في الشركة الواحدة محوران، ومجتمع واحد فيه اتجاهات، لذلك النقطة الأولى:
(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ)
يقول عليه الصلاة والسلام:
إِيّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَهَا الْحَالِقَةُ، لا أقول: حالقة الشعر ولكن أقول: حالقة الدين
ينتهي الدين بفساد ذات البين، إذاً النبي عليه الصلاة والسلام أول شيء أصلح ذات البين، أصلح ما بين المسلمين، لما نزل النبي عليه الصلاة والسلام على بني عمرو بن عوف، وقد كان بين الأوس والجزرج ما كان من العداوة، الأنصار أوس وخزرج، بينهم عداوة لا يعلمها إلا الله، أول عمل فعله النبي أنه أزال العداوة بين الأوس والخزرج، لأن المجتمع المنشق على نفسه ينتهي، احفظوا هذه القاعدة، إذا كان في بيتك انشقاق انتهى البيت، صار الوقت كله للصراع الداخلي، ليس هناك إنجاز، ولا الطالب يتفوق، ولا الفتاة تتفوق، ولا الأب مرتاح، ولا الزوجة مرتاحة، فحيثما حل الشقاق حل التخلف،
لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
إِيّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ
فحينما رأى بين الأوس والخزرج من العداوة الشيء الكثير، وكانت الخزرج تخاف أن تدخل دار الأوس، الخزرجي يخاف أن يدخل دار أوسي، وكانت الأوس تخاف أن تدخل دار الخزرج، لذلك عليه الصلاة والسلام أول عمل قام به أنه ألف بين الأوس والخزرج.
الآن كدرس عملي:
كل واحد له أسرة لو كان فيها خلاف بين اثنين، بين أخوين، بين عمين، بين خالين، وجمع الأسرتين، وفق بينهما، وصار الصلح، تماسكت الأسرة، في كل مكان خلافات، نحن نريد من هذه السيرة أن تكون درسا عمليا لنا، أن نقتبس منها الدروس والعبر، ألا ندع خلافاً بين الأوس والخزرج، لذلك سمى القرآن الكريم الخلاف بين المؤمنين كفراً، كيف؟
(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ)
[سورة آل عمران الآية: 101]
لأنه جاءت موجة كراهية بين الأوس والخزرج، فنزل قوله تعالى:
(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ)
معنى ذلك أن الله سمى الخلاف بين المؤمنين كفراً، لذلك من مقتضيات الإيمان أن أُزيل كل خلاف في ما بين المؤمنين، أن أُجري صلاحاً بين كل المتخاصمين، هذه من دروس السيرة، أن لا يبنى مجتمع قوي يستأهل النصر إلا على أفراد مؤمنين، موحدين، زكوا أنفسهم، وطلبوا العلم، ودعوا إلى الله وصبروا على قضائه وقدره.
إذاً الدرس الأول: إزالة الخلافات الفردية، هذا من أولى مهمات النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة، كإسقاط لهذه الحقيقة على مجتمعنا يجب أن تعاهد نفسك، أن توفق بين كل متخاصمين، وأن تزيل خلافاً بين كل شخصين، على مستوى أسرة، على مستوى عائلة، على مستوى حي، على مستوى أصدقاء، جيران، حرفة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار
[أخرجه الترمذي عن ابن عباس]
عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد
[أخرجه أحمد، والترمذي والحاكم، عن عمر]
فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية
[رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ عن أبي الدرداء]
أنا تعقيبي على أن النبي عليه الصلاة والسلام أصلح ذات البين، لأنه لن تقوم لنا قائمة وبيننا خلافات شديدة تفرق وحدتنا، وتمزق جمعنا، ولنقتدِ برسول الله، ولو على مستوى بسيط.
إذاً أول مرحلة فعلها النبي عليه الصلاة والسلام إصلاح ذات البين، بين قبيلتين كبيرتين في المدينة المنورة، الأوس والخزرج، ونحن لا نستطيع أن نواجه عدواً قوياً معه العالم كله إلا بمجتمع إسلامي متماسك، إذاً ينبغي علينا بادئ ذي بدء أن نصلح ذات البين، بين أطياف المجتمع، وشرائح المجتمع، وعناصر المجتمع، هذا الذي فعله النبي بادئ ذي بدء.
الآن يعبرون عن هذا الذي فعله النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة تحت عنوان إسلامي: إصلاح ذات البين يعبرون عنه بالمصطلح الحديث بالمصالحة الوطنية، هذا لا بد منه كي نواجه عدواً متغطرساً، قوياً جباراً، بطاشاً لا يرحم طفلاً، ولا امرأة، ولا يبقي على منشأة، وهذا ما ترونه وتسمعونه.
رابعاً: المساواة بين الناس:
وعدم التمييز بين أفراد وجماعات، كيف؟ لا بد من المساواة بين الناس.
قال الله تعالى في القرآن الكريم:
(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
[سورة الحجرات الآية: 13]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كلكم بنو آدم وآدم من تراب
[أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة ورواه الترمذي ابن عمر]
الناس سواسية كأسنان المشط
[أخرجه الديلمي عن سهل بن سعد]
ما لم يعتمد في المجتمع مقاييس كمقياس العلم والعمل فقط، يرجح الإنسان في بمجتمع المسلمين بعلمه أولاً، وبعمله ثانياً، أما قضايا النسب، وقضايا القوة، والوسامة والذكاء، والغنى هذه قيم ينبغي ألا تعتمد في مجتمع يريد أن يكون قوياً.
يروى أن بعض التابعين وهو الأحنف بن القيس كان قصير القامة، أسمر اللون أحنف الرجل، في عرج، مائل الذقن، ناتئ الوجنتين، غائر العينين، لم يكن شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب، وكان مع ذلك سيد قومه، إذا غضبَ غضب لغضبته مئة ألف سيف، لا يسألونه فيما غضب، وكان إذا علم أن الماء يفسد مروءته ما شربه.
أو شيء فعله النبي لإنشاء مجتمع قوي إصلاح ذات البين.
الشيء الثاني أرسى المساواة بين أفراد المؤمنين، من دون استثناء، ونعبر عن هذا الإرساء بأنه يوم خرج النبي عليه الصلاة والسلام من قباء باتجاه المدينة وقف الأنصار داراً بعد دار، عشيرةً بعد عشيرة، يدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل بهم
فكان يقول لهم:
دعوها، فإنها مأمورة
أيّ ناقته، لو نزل بأيّ مكان، بأيّ بيت، بأيّ عشيرة، بأيّ قوم ميزهم بلا مرجح، وجعل الطرف الآخر أصغر من هؤلاء الذين نزل عندهم.
حينما تخص ابناً ولا تخص أخاه فقد ميزت الأول على الثاني، أما القرعة فما فيها تمييز، حاول أن تكون عادلاً بين أولادك، وإذا اقتضى الأمر أن تختار واحدا منهم فليكن بالقرعة.
ما عاشر النبي واحد إلا وهو يظن أنه أقرب الناس إليه، كل واحد ممن التقى مع النبي صلى الله عليه وسلم يظن أنه أقرب الناس إليه، أما مجتمع إنسان من الدرجة الأولى ، وإنسان من الدرجة الثانية، إنسان من الدرجة الثالثة، والرابعة، والخامسة، الذي ما يعانيه العالم اليوم ما يسميه العنصرية، فما العنصرية؟.
أنا أرى أن البشر يمكن أن يصنفوا تصنيفين، لا ثالث لهما، تصنيف إنساني وتصنيف عنصري، من هو العنصري؟ هو الذي يرى نفسه متميزاً على من حوله، يحق له ما لا يحق لهم، وهو معفى مما يجب عليهم، ينبغي أن يأكل وحده، وأن يسكن وحده، وأن يستمتع بالحياة وحده، وأن يشتري من الأشياء الثمينة ما يحلو له وحده، وأن يبني مجده على أنقض الآخرين، وأن يبني غناه على فقرهم، وأن يبني حياته على موتهم، وأن يبني أمنه على موتهم، وأن يبني عزه على ذلهم، هذا عنصري.
الذي نعانيه من الغرب العنصرية، يعاملون شعوبهم معاملة تفوق حد الخيال، ويعاملون بقية الشعوب معاملة تترفع عنها الوحوش، يستخدمون أسلحة الدمار الشامل لإفناء البشر، وإبقاء الحجر، لذلك لا يمكن أن تنهض أمة بأناس من طبقتين: قوي وضعيف، لا بد من أن يكون الناس سواسية كأسنان المشط.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى
[رواه الطبراني عن ابي سعد]
وأيْمُ الله لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا
[مُتَّفَقٌ عَلَيه]
هذا مجتمع العدل والسواسية، بهذا نقوى على أعدائنا، بهذا نواجههم، بهذا نقف صفاً واحداً، بهذا لا نخترق من قبلهم.
دعوها، فإنها مأمورة
حتى بركت عند المربد، وفي ذلك احترام للجميع وإصرار على عدم التمييز بينهم، وإذا كان نزوله في دار أبي أيوب الأنصاري فليس في ذلك إحراج أو تمييز، لأن داره أقرب دار لمبرك الناقة، سواسية، إصلاح ذات البين، ثم مجتمع المساواة.
أضرب لكم بعض الأمثلة: عندك في المحل التجاري شاب يعمل عندك، ابنك تريده طبيباً، تضعه في أغلى المدارس، تجلب له أمهر الأساتذة، أما هذا الذي عندك في المحل يرجوك أن يغادر المحل قبل ساعة، ليلتحق بمدرسة ليلية، لينال كفاءة، هو يتيم، فلا تسمح له، أنت عنصري، ولو صليت وصمت.
حينما تعامل الناس بطريقة فيها استعلاء، وفيها فوقية، وفيها غطرسة، حينما تريد لأولادك ما لا تسمح به لأولاد الآخرين فأنت عنصري، قد يكون المسلم في هذا الزمان عنصريا، لن يرضى الله عنا إلا إذا كنا إنسانيين.
هل من حرفة أقل في الأرض من أن تكنس؟ امرأة تقمّ المسجد، توفيت أصحاب النبي الكريم ظنوا أنها أقلّ من أن يخبروا بموتها رسول الله، فلما تفقدها قالوا: ماتت يا رسول الله، قال: هلا أعلمتموني؟ وقام إلى قبرها وصلى عليها صلاة الجنازة استثناءاً من أحكام صلاة الجنازة هي في قبرها صلى عليها.
الذي نراه في العالم من توحش، وهمجية، وقتل أبرياء، وتهديم منشاءات، هذه العنصرية بعينها.
إخواننا الكرام، العنصرية ليست وجهة نظر، إنما هي جريمة، عندك بنت في البيت من احدى الدول الفقيرة تعمل كخادمة، لا تسمح لها أن تتصل بأهلها إطلاقاً، أنت عنصري، ولو ذهبت إلى المسجد، كما أنك تشتاق إلى أهلك هي تشتاق إلى أهلها، حينما تكلفها فوق طاقتها، حينما لا تعينها على مهمتها، حينما تسهرها إلى ما بعد منتصف الليل، من أجل أن تلبي حاجاتك حينما لا تعاملها كابنتك، أنت عنصري، عنصري ولو كنت مسلماً.
كنت مرة في محل تجاري، صاحب المحل يُحمّل أحد موظفي المحل الصغار أثواباً على ظهره، أول ثوب الثاني، الثالث، الرابع، قال له: لا أستطيع، قال له: أنت شاب حمل ابنه ثوباً واحداً فقال: يا بني احذر ظهرك، خاف عليه، هذا عنصري، ولو أنك تصلي وتصوم ـ دققوا ـ لا يمكن أن ننتصر على أعدائنا إذا كنا عنصريين، لأنهم عنصريون، فإذا كنا نحن عنصريين لا ننتصر، يجب أن نكون ربانين إنسانين.
لما فتح الفرنجة القدس ذبحوا 70 ألفاً، فلما فتح صلاح الدين القدس لم يرق قطرة دم واحدة، إنساني، مقيد بالشرع، يخاف من الله.
أيها الإخوة، العنصري إنسان يرى نفسه متميزاً على الآخرين، يحق له ما لا يحق لهم، عشرة آلاف أسير، و30 عضو مجلس شعب في فلسطين اعتقلوا، و8 وزراء، وشعب لبنان بأكمله لا يساوي جنديين أُسرا، ما اسم هذا؟ عشرة آلاف أسير، و8 وزراء، و30 عضو مجلس برلمان، وشعب لبنان بأكمله، لا يساوون جنديين أُسرا؟! هذه عنصرية، الإنسان إما أن يكون متصلاً بالله فهو إنساني، وإما أن يكون منقطعاً عنه فهو عنصري.
بعض الخادمات ينتحرن أحياناً من قسوة المرأة في البيت، تلقي بنفسها من الطابق الرابع فتموت، لا تحتمل قسوتها، الضرب، والإيلام، عنصرية، ولو صلّت وصامت، وسوف يعاقبها الله عقاباً شديداً.
المؤمن إنساني، يعامل الناس كما يجب أن يعاملوه، يرحم الغريب والقريب، يرحم الآخرين كما يرحم أولاده.
نزوة صغيرة في ساعة غضب، والصحابة ليسوا معصومين،
قال بعض الصحابة لبلال:
يا ابن السوداء
بلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام فقال لهذا الصحابي الجليل القرشي:
إنك امرؤ فيك جاهلية
[أبو داود عن أبي ذر]
فلم يرضَ هذا الصحابي بعد أن سمع هذا من رسول الله إلا أن وضع رأسه على الأرض، وأمر بلالاً أن يضع قدمه فوق رأسه، هذا هو الإسلام.
أنت مدير مؤسسة، عندك حاجب، إن لم تعامل هذا الحاجب كما تعامل أكبر موظف فلست مؤمنا، الإنسان عند الله مكرم.
لذلك أنا أقول دائماً: المرض الأول في العالم الآن، كيف عندنا أمراض في الجسم كالورم الخبيث، أمراض عضالة، العالم كله الخمس قارات يعاني مرضا عضالا، ما هذا المرض؟ العنصرية، من هو العنصري؟ هو الذي يرى نفه فوق البشر، يرى أن البشر في خدمته، وأن لحياته قيمة، وليس لحياتهم قيمة، وأن وقته ثمين، وليس وقتهم ثميناً وأنه معفى مما يجب على غيره، وأنه يحق له ما لا يحق لغيره، وأنه يبني مجده على أنقاض الآخرين، ويبني غناه على فقرهم، ويبني حياته على موتهم، ويبني أمنه على خوفهم، ويبني عزه على ذلهم.
إذاً المساواة بين الناس بند إسلامي.
__________________
رد مع اقتباس
  #231  
قديم 25-11-2012, 12:07 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

خامساً: راعى النبي صلى الله عليه وسلم الظروف الاجتماعية:
راعى النبي صلى الله عليه وسلم الظروف الاجتماعية، لكل أسرة حينما استقبلوا المهاجرين، فالمهاجرون الشباب الذين لم يتزوجوا نزلوا على سعد بن خثيمة، وكان عزباً، لا زوجة له، وسميت داره باسم دار الأعزاب، ونزل المهاجرون مع زوجاتهم وأولادهم على الأنصار أصحاب الأهل والسعة في المسكن والرزق.
أيها الإخوة، الآن النبي عليه الصلاة والسلام يبني المجتمع، صلاح الدين الأيوبي كيف انتصر على الفرنجة؟ بين بدء أخذه بالأسباب وانتصاره خمسون عاما، أنشأ مجتمعا مسلما، بدأ بالتعليم، علم منهج الله عز وجل، حمل الناس على طاعة الله، ألغى كل المنكرات.
فلذلك أيها الإخوة، النبي عليه الصلاة والسلام أنشأ مجتمعاً ما فيه خلافات، مجتمعاً تحكمه قيم واحدة.

لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا
هذا المجتمع هو الذي صار قوياً وحقق النصر على أعتا قوة في الجزيرة العربية.
سادساً: جمع الشمل:
الآن هناك شيء اسمه جمع الشمل، بلاد كثيرة إسلامية لا تقبل موظفاً من بلد آخر إلا وحده من دون زوجته، سنة بأكملها هو يعاني بُعده عن زوجته، وهي تعاني بُعدها عن زوجها، فإذا كان هو أو هي ضعيف الإيمان أخطأ، وأخطأت، ووقعت الفاحشة، لبُعده عن زوجته.
بينما النبي عليه الصلاة والسلام حينما بنى مجتمع المدينة جمع شمل الأسر، ماذا فعل؟ أرسل النبي عليه الصلاة والسلام وهو في بيت أبي أيوب زيد بن حارثة، وأبا رافعة إلى مكة، وأعطاهما 500 درهم وبعيرين ليأتيا بمن بقي في مكة منهم عائشة بنت أبي بكر، وأختها أسماء زوجة الزبير وهي حامل، فولدت عبد الله بن الزبير في قباء، لشدة متاعب الهجرة، ثم قدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره، فكان عبد الله بن الزبير أول مولود ولد في الإسلام في المدينة.

سابعاً: المؤاخاة:
الشيء الأكبر من أسس هذا المجتمع المؤاخاة،
لأن الله عز وجل يقول:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)
[سورة الحجرات الآية: 10]
وما لم يكن انتماءك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ
[رواه الترمذي عن أبي هريرة]
المسلم في أي مكان، وفي أي زمان أخو المسلم.
والإسلام أيها الإخوة خاصة، والدين عامة حاجة الإنسان إليه كحاجته للهواء، والهواء لا يستطيع أحد أن يحتكره، الماء يحتكر، الأرض تحتكر، المحل يحتكر، أما الهواء فلا يحتكر، لذلك حاجة الإنسان إلى الدين كحاجته إلى الهواء، والهواء لا يحتكر، لا يمكن أن يحتكره قوم، ولا بلد، ولا إقليم، ولا طائفة، ولا مذهب، الدين كالهواء.
فلذلك كل من يتوهم أن وحده على حق، وما سواه على باطل من دون دليل، من استقصاء فهو واهم، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام بدأ ببناء المجتمع الإسلامي عن طريق المؤاخاة، فما لم تشعر بأخوتك لهذا المؤمن، وما لم تشعر أن هذا المؤمن أقرب الناس إليك، وأحب الناس إليك، ما لم يكن انتماءك للمؤمنين فلست كامل الإيمان.
أما حينما نرى أن المؤمنين بعضهم يتهم بعضاً، بعضهم ينتقص من بعض ، بعضهم يشتم بعضاً، بعضهم يقاتل بعضاً، هذه وصمة عار بحق المسلمين،

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)
فقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلاً، نِصفهم من المهاجرين، ونِصفهم الآخر من الأنصار، آخى بينهم على المواساة، يتوارثون بعد الموت، دون ذوي الأرحام، إلى حين غزوة بدر، في رمضان من السنة الثانية للهجرة،
فلما أنزل الله عز وجل قوله:

(وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)
[سورة الأحزاب الآية: 6]
رُد التوارث إلى الرحم دون عقد الأخوّة، ففي بداية الإسلام كان هناك أسر بعض الأبناء فيها مسلم، وبعض الأبناء مشرك، لذلك شاءت حكمة الله أن يكون التوارث بين الإخوة المؤمنين، ولكن بعد حين:
(وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)
رُد التوارث إلى الرحم دون عقد الإخوة.
وكانت المؤاخاة في شهر رمضان من السنة الأولى للهجرة، أي بعد الهجرة بخمسة أشهر.
__________________
رد مع اقتباس
  #232  
قديم 25-11-2012, 12:12 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

1. من أغراض المواخاة:
أ‌. ذهاب وحشة الغربة:
إذاً: ورد في بعض كتب السيرة أن الغرض من المؤاخاة ذهاب وحشة الغربة وصدقوا أيها الإخوة، أننا في غربة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَيَرْجِعُ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي
[الترمذي عن عمرو بن عوف بن زيد]
ما لم تشعر بالغربة ففي إيمانك خلل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

المسلم في آخر الزمان غريب، القابض على دينه كالقابض على الجمر أجرهم كأجر سبعين، قالوا: منا أن منهم؟ قالوا: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون
[ورد في الأثر]
فما لم تشعر بالغربة ففي الإيمان خلل.
إذاً: الغرض من المؤاخاة ذاهب وحشة الغربة، ولا سيما بعد مفارقة الأهل والعشيرة.

ب‌. شد أزر المؤمنين بعضهم ببعض:
ومن أغراض المؤاخاة شد أزر المؤمنين بعضهم ببعض، فلما أعز الله الإسلام، وجمع الشمل، وذهبت الوحشة، بطل التوارث، ورجع كل إنسان إلى نسبه ولذي رحمه.
في أيام الضيق، في أيام الشدة، في أيام الفتن، في أيام الطرقات مليئة بالنساء الكاسيات العاريات، في زمن الفضائيات، في زمن الانترنيت، في زمن ال*****ة، ما من إنسان تألفه، وتأنس به، ويأنس بك، كالأخ في الله،
لذلك ورد في بعض الآثار القدسية:

حقت محبتي للمتحابين فيّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيّ، وحقت محبتي للمتناصحين فيّ، وحقت محبتي للمتزاورين فيّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيّ، المتحابون فيّ، على منابر من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء



[رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت]
وقد علمنا عليه الصلاة والسلام أنك إذا أحببت أخاً في الله أعلمه أنك تحبه،
قل له: إني أحبك في الله، ينبغي أن يقول لك: أحبك الله كما أحببتني،
والحب أحد أركان الحياة النفسية، الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، فإذا أحببت أخاً في الله كان هذا الأخ لك معيناً، ورفيقاً، وناصحاً، ومحباً.

ت‌. حاجة الأنصار إلى التفقه في الدين:
الآن للمؤاخاة أهداف أبعد، وأشمل من مجرد التوارث للأسباب التالية: حاجة الأنصار إلى التفقه في الدين.
أحياناً أنت آخيت أخًا حديث عهد بالمسجد، وأنت لك في المسجد سنوات طويلة، تلقيت علماً غزيراً، عندك فضل علم، فإذا آخيت إنسانا مبتدئا، أعطيته من علمك، تدارست معه القرآن، تحاورت معه في الفقه، علمته ما في بعض السيرة، بينت له الأمور التي تعلمتها.
إذاً المؤاخاة لها هدف آخر،
لذلك قال الله تعالى:

(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ)
[سورة سبأ الآية: 46]
إذا جلست مع أخيك فتحاور حول هذا الدين، حول هذا النبي الكريم، حول سنته حول عظمة الإسلام.
مرة حضر أمام النبي عليه الصلاة والسلام رجل تكلم فألحن، أخطأ، فقال:

أرشدوا أخاكم فإنه قد ضل
النبي عليه الصلاة والسلام علم أصحابه سنوات طويلة، الآن جاء إلى المدينة والأنصار لا يعلمون شيئاً، يحبون النبي عليه الصلاة والسلام، لكن علمهم قليل، بهذه المؤاخاة جعل السابقين بالعلم يمنحون إخوانهم الأنصار العلم الذي تعلموه من رسول الله.
إذاً أحد أسباب المؤاخاة، وهذا من بناء الرسول عليه الصلاة والسلام حاجة الأنصار إلى التفقه في الدين.

ث‌. القدوة الصالحة:
شيء آخر، الدين يؤخذ بالقدوة الصالحة، القدوة الصالحة حقيقة مع البرهان عليها، والإسلام لا يعيش إلا بالمثل، الإسلام لا ينمو وهو في الكتب، ينمو بمسلم تراه عينك ،
لذلك كما أن الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي،
ونحن الآن في أمسِّ الحاجة إلى مسلم يمشي على قدمين، ينبغي أن ترى أمانته، وأن ترى صدقه، وأن ترى عفافه، وأن ترى محبته، وأن ترى إنصافه، وأن ترى غناه عما سوى الله.
إذاً الحاجة إلى التفقه في الدين، والدين يؤخذ بالقدوة الصالحة، وقد مضى العهد المكي، وما فيه من قرآن منزل وجهاد دعوي، وصبر على الأذى، وهجرة وصحبة، وتربية نبوية، لا يحمله يوم الهجرة إلى هؤلاء المهاجرين إلا إخوانهم الأنصار، وليس من الممكن أن يعاود رسول الله صلى الله عليه وسلم لينقل إليهم أفراد وجماعات تلك العلوم التي عاشوها.
أيها الإخوة، لكن من الضروري أن يتم توزيع المهاجرين على عشائر الأنصار يعيشون معهم حياتهم بكل تفاصيلها، ليتمكنوا من صناعة القدوة الحسنة، والوحدة التربوية النبوية بين الجميع، ولا يمكن تحقيق ذلك بغير العيش المشترك الذي يتجاوز المصاعب التي تفرضها مشكلات السكن والعمل والصحبة، فبالمؤاخاة أصبح المهاجر أخاً لا يبعده عن أخيه الأنصاري العادات والتقاليد الاجتماعية، والدراسية وغيرها.
إذاً كما أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه المهاجرين بالأنصار أصحابه الجدد، ينبغي أن القوي يؤاخي الضعيف، والغني يؤاخي الفقير.

ج‌. تحقيق التكامل، والتكافل، والتعاون الاجتماعي:
تحقيق التكامل، والتكافل، والتعاون الاجتماعي في جميع الأحوال والمجالات، فالفرائض الإسلامية من صلاة، وزكاة، وصوم، وحج نقوم بها جميعاً، والذي يشكل بمجموعه غاية المؤاخاة، الصلاة واحدة، والملك والخفير يصليان جنياً إلى جنب في المسجد، في الحج الخفير يطوف، والملك يطوف، والخفير يسعى، والملك يسعى، في مناسب الحج لا فرق بين أمير وخفير، ولا بين قوي ولا ضعيف، ولا بين غني وفقير.
لذلك العبادات كالصلاة، والصوم، والحج، مطبق على الجميع، من دون استثناء، ليس هناك مسعى خاص للكبراء، بالسلك الدبلوماسي، ولا طواف خاص لعلية القوم، مناسك الحج والعمرة، والصيام، والصلاة واحدة لدى الجميع.
لذلك…. أن يكون كل واحد من المؤمنين عوناً وسنداً للآخر، فمن للمهاجرين غير الأنصار، يسكنون إليهم، ويشاركونهم حياتهم، ومأكلهم، ومشربهم، وآلامهم وأفراحهم، وجهادهم، والذود عن حياضهم، ومن للأنصار غير المهاجرين يعلمونه الدين، ويفقهونهم فيه، ويقرئونهم القرآن؟ أرأيت إلى هذه المصالح المتكاملة، أروع التكامل المضاربة.
لو فرضنا إنسانا معه مال، وهو متقدم في السن، ولا يحسن استثماره، لو أن شاباً مهندساً زراعياً مثلاً، طاقة كبيرة جداً، طاقة كبيرة ومثقفة، لكن ما معه مال، فعملوا مشروعاً، الأرباح مناصفة، هذا بماله، وهذا بجهده، المؤاخاة لها معنى واسع جداً، حتى شركات التجارة مؤاخاة، واحد بماله وواحد بجهده.
لذلك أيها الإخوة، من حكم المؤاخاة تكامل الأنصار والمهاجرين، أما صور هذه المؤاخاة فتبين السمو الذي بلغه الأنصار والسمو الذي بلغه المهاجرون، نذكر منها:
__________________
رد مع اقتباس
  #233  
قديم 25-11-2012, 12:18 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

2. صور من الأخوة الصادقة بين الصحابة:
أ‌. بين سعد بن الريع وعبد الرحمن بن عوف:
تميل النفس الإنسانية المهذبة المزكاة إلى المحبة الصادقة، والتضحية والإيثار، فكيف وقد عظم الإسلام مكانة المتحابين بالله، وعلى هذا الشعور الديني تقدم الأنصاري سعد بن الربيع إلى أخيه في الله عبد الرحمن بن عوف، فقال، الآن عندنا أنصاري، اسمه سعد بن الربيع، ومهاجر اسمه عبد الرحمن بن عوف،
قال:

إني أكثر الأنصار مالاً، أقسم لك مالي نصفين
عندي بستانان خذ أحدهما، عندي بيتان خذ أحدهما، عندي دكانان خذ أحدهما،
قال عبد الرحمن بن عوف:

بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلني على السوق
ما هؤلاء الأصحاب الذين رباهم النبي عليه الصلاة والسلام؟ الأنصار أسخياء، والمهاجرون أعفّة.
الآن الغني الغنى الفاحش إذا استطاع أن يعالج في مستشفى مجاناً من حق الفقير لا يقصر، الأنصاري بذل نصف ماله، والمهاجر تعفف عن المال، بارك الله لك في مالك ولكني دلني على السوق.
دلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل أقط وسمن، ثم تابع الغدو الأقط لبن مجفف، وسمن، أرباحه كانت غذاء،
تابع الغدو إلى السوق، ثم جاء يوماً وبه أثر صفرة، و الصفرة طيب لونه أصفر،
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:

ما الأمر؟
قال له:
يا رسول الله تزوجت
دخل للسوق، وباع واشترى، وجمع مالا، وتزوج.
إخواننا الكرام، ما فتح أحد على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

مَنْ دَخَلَ عَلَى غَنِيٍّ فَتَضَعْضَعَ لَهُ ذَهَبَ ثُلْثَا دِيِنِه
[رواه الطبراني، ورواه أبو الشيخ عن أبي الدرداء]
الشيء الذي يلفت النظر أنه كما أن الأنصاري سخي المهاجر عفيف، ما قبل أن يأخذ شيئاً، عرض عليه بيتاً، ودكاناً، وبستاناً،
قال له:

بارك الله لك بمالك دلني على السوق، تاجر وربح الإقط والسمن، ثم تاجر فتزوج
فلما رآه النبي عليه أثر صفرة قال له:
ما الأمر؟
قال:
تزوجت يا رسول الله
قال:
كم سقت إليها؟
ما المهر؟
قال:

نواة من ذهب
يعني بحجم نواة ذهباً، أو وزن نواة من الذهب،
قال النبي صلى الله عليه وسلم:

أَوْلِم ولو بشاة
لذلك من السنة أن يكون في حفل عقد القران وليمة وطعام.
ب‌. مشاركة الأنصار مع المهاجرين في أشجار النخيل:
الأنصار مثل آخر من أمثلة المؤاخاة:
قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم

اقسم بيننا وبينهم النخل
الأنصار اقترحوا أن يكون نخل المدينة مشاركة مع إخوانهم المهاجرين،
قالوا: لا، قال: تكفوننا المئونة، وتشاركوننا في التمر
الأنصاري عرض أن يتملك المهاجر نصف أشجار النخيل، قال: لا، نحن نعتني بهذه الأشجار بجهدنا، أعطونا بعض الثمار، ولتبق الأشجار لكم، أرأيتم إلى هذه العفة؟! هذه مضاربة، وهذه أفضل شركة في الإسلام، والنبي عليه الصلاة والسلام أول مضارب في الإسلام، هو بجهده والسيدة خديجة بمالها، ولعل أمانته، وعفته كانت سبب زواجه منها.
قالوا: تكفوننا المئونة، وتشاركوننا في التمر، قالوا: سمعنا وأطعنا
وهذا يشبه شركات المضاربة اليوم، العامل بعمله، والمالك بماله،
وكان حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة أخوين، وإليه أوصى حمزة يوم أحد حين حضره القتال، نزل أبو بكر الصديق في المدينة على خارجة بن يزيد، ابن أبي زهير، وتزوج ابنته حبيبة، ولم يزل في بني حارث ابن الخزرج بالصلح حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق وخارجة بن زيد أخوين.
أنا أتمنى أن تترجم هذه الحقائق إلى سلوك عندكم، إلى مؤاخاة، تعلمنا شيئا جديدا، الذي معه مال، ولم يحسن استثماره ليؤاخ إنساناً خبيراً ليس معه مال، الغني يؤاخي الفقير، والقوي يؤاخي الضعيف، وصاحب الحرفة يؤاخي إنسانا لا يتقن هذه الحرفة، وبهذا تتكامل حياة المسلمين.

3. ملاحظات حول عقد الإخاء:
أ‌. عدد المهاجرين والأنصار الذين آخى بينهم الرسول عليه الصلاة والسلام:
إن عقد المؤاخاة اشتمل على 45 رجلاً من المهاجرين، و45 من الأنصار، تصور 90 رجلا، والمسلمون اليوم مليار و500 مليون.
قال الله تعالى في القرآن الكريم:

(مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)
[سورة إبراهيم]
أنت قد لا تعلم الخير الكثير الذي ينتج عن دعوتك إلى الله، قد لا تعلم، وأنت ضعيف، لكن الله عز وجل يمكن أن يجري على يديك من الأعمال الصالحة ما لم يوصف.
للتقريب: أحد الإخوة الكرام عنده بنت في البيت فاعتنى بها، اعتنى بدينها، بصلاتها بإيمانها، بأخلاقها، حتى زوجها من شاب مؤمن، هذه الأسرة أنجبت أولاداً نشؤوا في طاعة الله، نشؤوا في بيت مسلم، من يدريك أيها الأخ أن هذا الذي توجه إلى الله، وتزوج امرأة صالحة، وأنجب أولاداً صالحين أن هذا يوم القيامة يرى من نسله مليون إنسان مؤمن، وكل أعمالهم في صحيفته؟ والدليل:
قال الله تعالى في القرآن الكريم:

(وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)
[سورة الطور]
45 رجلا نتج عنهم مجتمع من مليار و500 مليون، هذا الذي وصل بالإسلام إلى الصين، كل من أسلم في هذا البلد في صحيفته، والذي وصل بالإسلام إلى الغرب وشمالي إفريقيا.
لذلك كل ما عملت عملاً كهذا العمل في صحيفتك، هذا على موضوع أن الـ45 بـ 45 أصبحوا مليار و500 مليون.
ثم ينبغي أن نعلم أنه لن تقتصر المؤاخاة على مهاجرين قريش وعلى عقد المؤاخاة في دار أنس فقط، إنما ستستمر .

ب‌. من كمال المؤاخاة أن لا تكون بين متماثلين :
من كمال المؤاخاة لا أن تكون بين متماثلين، أن تكون بين إنسان له أسبقية، إنسان حديث، فالذي له أسبقية يعلم المبتدئ، وقد تكون بين غني وفقير، فالغني يرعى الفقير، وبين قوي وضعيف، وبين صحيح ومريض، وبين متزوج وشاب على طريق الزواج، يعطيه خبراته، افعل، لا تفعل، إياك أن تقول هذه الكلمة، عامل أهل زوجتك هكذا.
فلذلك المؤاخاة ليست مجرد لقاء اثنين، بل التعاون بين اثنين، فإذا كان هناك تفاوت بينهما كان هذا التعاون مثمرا، هكذا تخطيط النبي عليه الصلاة والسلام.
كان عليه الصلاة والسلام إذا أسلم رجل يقول لأصحابه:

خذوا أخاكم، فقد أسلم، فعلموه الإسلام
ت‌. المؤاخاة في الإسلام مدرسة تربوية:
أيها الإخوة، المؤاخاة في الإسلام مدرسة تربوية، وعهد دائم يلتزم به المسلم مدى الزمن، وتفقد بعضهم بعضاً، وما من شيء أحب إلى الإنسان من أخ في الله، الأخ في الله غالٍ جداً، الأخ في الله نوع متميز، يأخذ بيدك، وتأخذ بيده، ينصحك وتنصحه، يعاونك وتعاونه، يقرضك وتقرضه، يخدمك وتخدمه، من هنا قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه:
والشهداءحقت محبتي للمتحابين فيّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيّ، وحقت محبتي للمتناصحين فيّ، وحقت محبتي للمتزاورين فيّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيّ، المتحابون فيّ، على منابر من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون



[أخرجه أحمد، والطبراني، والحاكم، عن عبادة بن الصامت]
ث‌. حاجة المسلمين اليوم إلى الحب في الله:
ونحن أيها الإخوة، كمسلمين بحاجة إلى المحبة، مع مضي الأزمان قسا القلب، صار فينا خصومات، ومهاترات، وتراشق تهم، وعلاقات غير طيبة،
لذلك قال الله تعالى في القرآن الكريم:

(وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)
[سورة الأنفال الآية: 46]
نحن بحاجة إلى أن نحب.
أيها الإخوة، ماذا أقول لكم؟:
صحابيان صليا العشاء معاً في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، وخرجا معاً إلى البيت، عند افتراقهما تعانقا، التقيا في الفجر، سبع ساعات، أربع ساعات، خمس ساعات، فتعانقا، وقال الأول للآخر: واشوقاه يا أخي، ما هذه المحبة؟! البارحة الساعة العاشرة كنت معه، صباحاً الساعة الثالثة والنصف تقول له: وا شوقاه يا أخي؟! هذا الإسلام، هذا الحب، الإسلام محبة، الإسلام تواضع، الإسلام تضحية، الإسلام إيثار، حتى يحبا الله.
فلذلك الذي لا يشعر بحاجة ماسة إلى أن يُحِب، أو إلى أن يُحَب ليس من بني البشر، الحب يشبه وردة طبيعية فواحة الرائحة، جميلة الألوان، والإسلام من دون حب وردة بلاستيك، لا طعم لها، إذا ألغي الحب من الدين الدين تصحر، وصار معلومات وأدلة، وأفكارا، الإنسان بعد هذا يمل منها، الأفكار نفسها، أما إذا كان هناك حب فهناك طاقة.
والله أيها الإخوة، أحياناً يجلس مؤمن مع أخ عشر ساعات لا يشعرون بالوقت، والله الذي لا إله إلا هو مرة سافرت إلى بلد في الشمال لي أخوة كُثر فيه، والله الذي لا إله هو بدأت الحديث الساعة الخامسة مساء، أول مرة نظرت إلى الساعة، فإذا هي الساعة الواحدة ليلاً، ما شعرت بالوقت، لوجود المحبة، والمودة، والتناصح، والإقبال، نحن حياتنا متصحرة، حسد، غيرة، ليس هناك هذا الحب بيننا، هذا من أسباب ضعفنا.
يجب أن تدافع عن أخيك، يجب أن تخبره من حين لآخر: أين أنت؟ اشتقنا لك، نحن قلقون عليك، الصحة طيبة إن شاء الله، تنعشه بهذا الاتصال.

4. إسقاط مبدأ المؤاخاة على مجتمع المسلمين اليوم:
ألسنا نحن بحاجة إلى هذه المؤاخاة؟ لست وحدك في الحياة، أنت للكل، والكل لك، لست وحدك في الحياة، الحياة بالأخوة الإيمانية لا تبدو قاسية، والحياة مع الأخوة الإيمانية تبدو مسعدة، وما من إنسان أغلى على المؤمن من أخ له في الله، تنصحه وينصحك، تعينه ويعينك، تتفقده ويتفقدك، تعاونه في معضلات حياته ويعاونك.
أ‌. الصورة الأولى للمؤاخاة اليوم:
إذاً: لو أنّ كل واحد منا اتخذ أحد الإخوة أخاً له، وصافحه، وقال: أنا فلان، وأنت أخي في الله، هذا هاتفي، وهذا عنواني، وهنا بيتي، وأنشدك الله إن كنت مضطراً لشيء فأنا في خدمتك، وأعاهدك أنني إذا اضطررت إلى مساعدة سوف أطلب منك، فهذا جيد جداً، وإذا آخى اثنين، أو آخى ثلاثة فهو أفضل، وإذا آخى خمسة وتفقدهم، ما الذي يحصل أيها الإخوة؟
لذلك لو أن واحد منا آخى أخاً، وتعاهدا على أن يتناصحا، تعاهدا على أن يتفقد كل منهما الآخر، والأخ الثاني أفضل، والثالث أفضل، والرابع أفضل، لو أنك آخيت خمسة أشخاص لكانت الحياة جنة.

ب‌. الصورة الثانية للمؤاخاة اليوم:
المشروع الثاني: ما الذي يمنع إذا كنتم خمسة في حي واحد، أو في حرفة واحدة، أو في قاسم مشترك واحد، أو في قرابة واحدة، أحياناً القرابة تجمع، أحياناً السكن يجمع، أحياناً الحرفة تجمع، إما قرابة، أو زمالة، أو صداقة، أو جواراً، ما الذي يمنع أن نجلس كل أسبوعين، أو كل أسبوع، أو كل ثلاثة أسابيع، أو كل أربعة أسابيع، نجلس ساعة من الزمن نتحاور، نتداول، واحد منا استقى موعظة تأثر بها، فذكرها لإخوته، واحد منا حضر خطبة، تفاعل معها، فذكر مضمونها لإخوانه، قرأنا صفحة من كتاب الله، تدارسنا هذا الكتاب.
قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ
[رواه مسلم]
مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلسٍ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعالى فِيهِ إِلاَّ قامُوا عَنْ مثْلِ جِيفَةِ حِمارٍ وكانَ لَهُمْ حَسْرَةً
[رواه أبو داود وغيره عن أبي هريرة]
الحديث في الدنيا متعب، بينما الحديث عن الله مسعد.
لذلك أيها الإخوة، لو أردنا أن نترجم إلى سلوك عملي أن كل واحد يؤاخي أخاً في الله، طبعاً لا بد من تبادل العناوين تبادل الهواتف، تبادل فكرة سريعة عن الأخ، ماذا يعمل؟ ويفضل أن يكون أقرب الناس إليه سكنا، أو إلى عملك، أو إلى قرابتك، هذا تنفيذ لمؤاخاة النبي عليه الصلاة والسلام، واحفظ هذه الكلمة: الكل لواحد، والواحد للكل، ولست وحدك في الحياة.
قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

إن المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يسلمه
[رواه الترمذي عن أبي هريرة]
كُلّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَامٌ عرْضُهُ ومَالُهُ وَدَمُهُ
[رواه الترمذي عن أبي هريرة]
5. التطبيق العملي للمؤاخاة:
أنا أريد لهذا الدرس أن يترجم إلى واقع، كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، ينبغي أن يأخذ الواحد منكم أخاً لله، خذ اسمه، وهاتفه، وعنوانه، وعمله، الدرس الثاني أن تطمئن عليه بشكل دائم، كم تكلفك هذه؟ لا شيء، أحياناً يأتي إنسان إلى الدرس متأخر جداً، يدرك مع الشيخ صلاة العشاء، ما سمع ولا كلمة، يقول لك: والله انتعشت بهذه الصلاة، هذا معنى: الجماعة رحمة، والفرقة عذاب.
قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد
[أخرجه أحمد في مسنده والترمذي والحاكم في المستدرك عن عمر]
وإنما يأكل الذئب القاصية
[أخرجه أحمد، وأبو داود والنسائي، وابن حبان، والحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء]
اتخذ لك أخاً في الله، هذه نصيحتي تطبيقاً لهذا الدرس، كيف آخى النبي الكريم بين المهاجرين والأنصار، أنت اختر أخا، تستطيع أن تعاونه، أو يعاونك، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ. إِذَا اشْتَكَىَ مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَىَ لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسّهَرِ وَالْحُمّىَ
[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]
مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادّهِمْ مودة، ابتسامة، وجه طلق، مصافحة، دعوة، ضيافة، بذل، هدية، هذا كله مودة، الهدية مودة، والدعوة مودة، والنصيحة مودة، والمعاونة مودة.
آخِ أخاً لك في الله، اسأل عن صحته، عاونه، أقول لكم كلمة ثانية: أنا أعتقد أنك لا تُشد إلى الدين بسبب أفكار الدين، أفكاره رائعة، أفكاره عميقة، أفكاره متألقة، أفكاره دقيقة، أفكاره متناسبة، متسقة، أعطاك فكرة عن الكون والحياة والإنسان، لكن الذي شدك إلى الدين مجتمع المؤمنين بصفائهم، بصدقهم، بتواضعهم بخدمتهم، لذلك الجماعة رحمة، والفرقة عذاب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

يد الله مع الجماعة
[أخرجه الترمذي عن ابن عباس]
عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد
وإنما يأكل الذئب القاصية

هذا الحديث أيها الإخوة أصل في العلاقات بين المؤمنين.
مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ. إِذَا اشْتَكَىَ مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَىَ لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسّهَرِ وَالْحُمّىَ
__________________
رد مع اقتباس
  #234  
قديم 25-11-2012, 12:21 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الإسلام دين اجتماعي :
إخواننا الكرام، الإسلامي اجتماعي، الصلاة صلاة الجماعة تعدل صلاة الفرد بـ27 ضعفاً، الصيام جماعي، الحج جماعي، ديننا دين جماعي، والجماعة رحمة.
هناك أمثلة أيها الإخوة أمثلة كثير جداً، بعض الأمثلة:
إنسان تزوج، ودخله محدود، وبحاجة إلى ألف حاجة، أصدقاءه وإخوانه في الله اجتمعوا وقرروا، وجمعوا مبالغ من المال جيدة، وأمّنوا له كل حاجاته الثانوية، يلزمه مروحة، يلزمه برادا، يلزمه غسالة، يلزمه غازا، كلما تزوج واحد منهم الكل يعاون بعضهم، هذا مجتمع التعاون، هذا مجتمع المؤمنين.
فيا أيها الإخوة، لست وحدك في الحياة، حينما تنضوي مع مؤمنين صادقين الكل لك، وأنت للكل.
تشريعات الإسلام جميعاً قائمة على بناء المجتمع الموحد المتماسك الصالح في بناء الأسرة، وحقوق كمل من الزوج والزوجة والأولاد وغير ذلك.
الذي أتمناه عليكم أن ننطلق إلى تنفيذ هذه المؤاخاة، عندك أخ بالله، اثنان أحسن، ثلاثة أحسن، أربعة أحسن، كلما كان المؤمنون أكثر ولاءً، وتضحية، ومؤاثرة، وخدمة كانوا أقرب إلى الله عز وجل.

لا عصبية ولاقبلية ولا طائفية في الإسلام:
الإسلام أيها الإخوة بحد ذاته لا يقوم على الأسس والقواعد العصبية، والقبلية، والعشائرية، والعرقية، اسمعوا مني هذا الكلام:
لا يضاف على كلمة مسلم ولا كلمة، أية إضافة على كلمة مسلم هذا يتجه نحو التعصب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية
[أخرجه أبو داود عن جبير بن مطعم]
بعد كلمة مسلم لا يضاف ولا كلمة، لذلك الإسلام لا يقوم على أسس عصبية ولا قبلية، ولا عشائرية، ولا عرقية، لما كنا مسلمين في شتى بقاع الأرض كنا أمة واحدة، فلما قلنا: نحن عرب، قال الأتراك: ونحن أتراك، وقال الأكراد: ونحن أكراد، نطالب حكماً خاصاً، الإسلام أممي، كل من آمن بما نؤمن، وطبق ما نطبق، هو منا، ونحن منه ، له ما لنا، وعليه ما علينا.
وقد تستغربون إن ألقيت على مسامعكم أسماء علماء كبار جداً ليسوا عرباً، الإمام البخاري ليس عربياً، صلاح الدين الأيوبي ليس عربياً، ألا نفتخر به؟ الشيء الصحيح أن يكون الإسلام أممياً، لا يمنع أن تكون أنت عربيا، لا يمنع أنك منتسب لهذه الأمة، لكن من دون تعصب، من دون أن تزدري الآخرين، أو من دون أن يزدرك أحد، لذلك لا بد من وضع أسس المجتمع الجديد بعيداً عن المؤثرات والمورثات الجاهلية، وليكون هذا المجتمع الجديد مثالاً صالحاً يحتذيه المسلمون على مر العصور.
والحمد الله رب العالمين
__________________
رد مع اقتباس
  #235  
قديم 25-11-2012, 12:25 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

فتنة الأوس والخزرج وأنواع الاختلاف

الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة الأكارم، مع موضوع جديد من موضوعات فقه السيرة النبوية، وقد بينت لكم سابقاً كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم انتقل من مكة إلى المدينة، انتقل من قوة الحق، قوة الوحي، قوة الاستقامة، قوة الإخلاص، قوة التضحية والفداء، لكن أصحابه كانوا يُعذبون أمامه، انتقل إلى المدينة ليضيف إلى قوة الحق حق القوة، لذلك بنى مجتمعاً قوياً، أساس هذا البناء المساواة، أساس هذا البناء إزالة فساد ذات البين، أساس هذا البناء التكافل، أساس هذا البناء على الإخاء والمحبة.
ولكن حصلت نكسة طارئة عابرة في العلاقات بين الأوس والخزرج، وكيف أن الله وصف الخلافات بين المؤمنين بأنها كفر.
نكسة طارئة بين الأوس والخزرج:
ورد في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة، أن يهودياً غاظه ما رأى من ألفة المسلمين، غاظه ما رأى من صلاح بينهم، بعد الذي كان بينهم من عداوة وبغضاء في الجاهلية.
لذلك أمر شاباً على شاكلته أن يجلس مع الأوس والخزرج، وأن يذكرهم بيوم بُعاث، يوم اقتتالهم، وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوه فيه من أشعار، فتفاخر القوم نزوة جاهلية، ثم تنازعوا، الأوس والخزرج، ثم تواثب رجلان من الحيين، وتقاولا، فقال أحدهما: إن شئتم رددناها الآن جذعة، أي حامية، وغضب الفريقان، وكادت تقع الفتنة، بلغ بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم غاضباً فيمن معه من المهاجرين، حتى جاءهم فقال:
يا معشر المسلمين، اللهَ الله، أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم؟ أبعد أن هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم دعوى الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا، فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدو لهم، وبكوا، وعانق الرجال بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله سامعين مطيعين
لقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الخصومة بالكفر، ثم إن الله جل جلاله أنزل بهذه الحادثة قرآناً فقال دققوا بكلام الله:
(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ)
[سورة آل عمران]
__________________
رد مع اقتباس
  #236  
قديم 25-11-2012, 12:31 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الخلاف كفر عمليٌّ:
بماذا وصف القرآن الكريم الخلاف بين المسلمين؟ بالكفر، هذا سماه علماء العقيدة: كفر دون كفر، هناك كفر يخرجك من الملة، من ملة الإسلام، وهناك كفر دونه فالخصومات بين المسلمين نوع من الكفر، لأن هذه الخصومات تضعفهم، تشتتهم، تمزقهم تجعل بأسهم بينهم، تعقيباً على هذا الموضوع الله عز وجل يقول:
(غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ)
[سورة الروم]
الله عز وجل نصر الروم، وهم أهل كتاب على الفرس وهم عباد النار، لذلك أثبت الله جل جلاله للصحابة الكرام وهم نخبة الخلق، أثبت لهم فرحهم بهذا النصر، وقد قال الله عز وجل:
(وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ)
فالقواسم المشتركة بين المسلمين وبين أهل الكتاب موجودة، لكن هناك تناقضات في العقيدة كبيرة جداً، بينما القواسم المشتركة بين أطياف المسلمين أكثر بكثير، فالأولى أن نفرح بنصر الله، ولا أن نهمس في آذان بعضنا بعضاً أن هذا النصر ليس لنا، هو لكل المسلمين، إذا كان أصحاب النبي رضوان الله عليهم فرحوا بنص القرآن الكريم بانتصار أهل الكتاب على ما بيننا وبينهم من اختلاف، لأنهم انتصروا على عباد النار.
أيها الإخوة، ورد في أسباب النزول أن هذه الآيات نزلت في تلك الحادثة التي كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وصف الله جل جلاله النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)
[سورة التوبة]
لذلك النبي صلى الله عليه وسلم حرص على وحدة أمته من بعده، لأن الأعداء وضعونا جميعاً في سلة واحدة، وينبغي أن نقف جميعاً في خندق واحد، مشكلتهم كما قال بعض زعمائهم: مشكلة حياة أو موت، ونحن مشكلتنا أيضاً مشكلة حياة أو موت.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لا تَرْجِعُوا بَعْدي كُفَّاراً، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْض
كُلُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ ومَالُهُ وَعِرْضُهُ

[رواه مسلم عن أبي هريرة]
أيها الإخوة، نتابع البينة السليمة الاجتماعية التي بناها النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا أؤكد لكم أن المجتمع المتماسك لا يخرق، فلذلك مجتمع المؤمنين ينبغي أن يكون متماسكاً.
أيها الإخوة، أول شيء بالبناء الاجتماعي المؤاخاة، فقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المسلمين والأنصار، نحن عندنا مظاهر إسلامية صارخة، مساجد كبيرة جداً ، مؤتمرات إسلامية، مكتبات زاخرة بالكتب الإسلامية، محاضرات، دروس، لكن الحب الذي كان بين أصحاب النبي رضوان الله عليهم ليس موجوداً الآن.
أيها الإخوة، القضية النفسية الحب بين المؤمنين يجعلهم متماسكين،
قال تعالى:

(وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)
[سورة الأنفال الآية: 46]
الله عز وجل يبين ما ينبغي أن نكون عليه فيقول:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)
[سورة الحجرات الآية: 13]
لا لتقاتلوا،
(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
[سورة الحجرات]
هذه الآية منهج، هذه الآية أحد معالم طريق النصر، المؤاخاة بين المؤمنين.
وفي آية ثانية يقول الله عز وجل:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)
[سورة الحجرات الآية: 10]
صدقوا أيها الإخوة، ما لم تشعروا بانتمائكم إلى مجموع المؤمنين فلستم مؤمنين، لأن الله عز وجل يقول:
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)
الاختلاف المذموم والاختلاف الطبيعي:
1. الاختلاف الطبيعي لنقص المعلومات:
هناك اختلاف طبيعي، اختلاف نقص المعلومات، نحن في 29 فرضاً من رمضان، وسمعنا صوت يا ترى مدفع العيد، أم تفجير تم في الجبل لصخرة عاتية، نقص المعلومات يدفعنا إلى أن نختلف، هذا اختلاف طبيعي، لا شيء فيه، لكن بعد حين فتحنا المذياع، فإذا الخبر أنه غداً عيد الفطر السعيد، مثلاً، هذا اختلاف طبيعي، أساسه نقص المعلومات، كان الناس أمة واحدة فاختلفوا اختلاف نقص معلومات، فبعث الله النبيين ووضحوا،
لذلك قال تعالى:

(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)
[سورة البقرة]
2. الاختلاف المذموم: الاختلاف بعد العلم:
هذا الاختلاف قذر، اختلاف نقص المعلومات طبيعي، لا يمدح ولا يذم، شيء طبيعي جداً، لكن الاختلاف بعد العلم اختلاف هوى، واختلاف مصالح، واختلاف نفوس، واختلاف كبر.
قال الله تعالى:

(وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ)
[سورة آل عمران]
حسداً بينهم، اختلاف الحسد احضر أي درس علم في العالم الإسلامي تسمع فيه: قال الله عز وجل، وقال عليه الصلاة والسلام، قرآن واحد، ونبي واحد، وسنة واحد، وإله واحد، والمسلمون اليوم فرق، وطوائف، وأحزاب، وشيع، وبأسهم بينهم، ويتقاتلون أحياناً.
ما اسم الخلاف الثاني؟ خلاف البغي، هذا الخلاف القذر.

3. الاختلاف الممدوح: اختلاف التنافس:
وعندنا اختلاف محمود: اختلاف التنافس، هناك من يرى أن أعظم شيء أن تؤلف كتاباً، وهناك من يرى أن أعظم شيء أن تؤلف قلباً، وهناك من يرى أن أعظم شيء أن تبني مسجداً، وهناك من يرى أن أعظم شيء أن تطعم فقيراً، فالمؤمنون يختلفون في اجتهاداتهم، لكن الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، لك أن تنشئ مسجداً، ولك أن تلقي درساً، ولك أن تعتلي منبراً، ولك أن تؤلف كتاباً، ولك أن تنشئ ميتماً، ولك أن تنشئ مستوصفاً، ولك أن توفق بين الناس، وأن ترأب صدعهم، وأن تجمع شملهم، والطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، وكل الطرق سالكة.
إذاً: عندنا اختلاف طبيعي، لا يحمد ولا يذم، اختلاف نقص المعلومات، وعندنا اختلاف البغي، والحسد، والكبر، والاستعلاء، والمصالح، والحظوظ، هذا اختلاف قذر، وعندنا اختلاف تنافس.
قال الله تعالى:

(وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)
[سورة المطففين]
هذا اختلاف محمود، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام أقام المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، هذه المؤاخاة هي وسام شرف معلق على صدورهم.
والحمد الله رب العالمين
__________________
رد مع اقتباس
  #237  
قديم 26-11-2012, 03:18 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الإسلام والتوافق بين المادية والروحانية
د عبد الله علوان

صوت الفضيلة :
من خصائص التشريع الإسلامي أنه يلائم بين المادة والروح ، يوفق بين الدنيا والآخرة ويربط بين العبادة والحياة ..
بل ينظر إلى الحياةعلى أنها وحدة متكاملة توظف الإنسان على أن يؤدي حق ربه ، وحق نفسه ، وحق غيره بكلدقة وأمانة وتساوٍ وتنسيق ؛ وبهذا يتسنى للإنسان أن يمارس الحياة الاجتماعيةالعملية بكل طاقاته وأشواقه على أسس من مباىء الإسلام توافق الفطرة ، وتتلاءم معواقعية الحياة .
فالإسلام بتشريعه المتكامل لا يقر الحرمان ، ولا الترهبن ، ولاالعزلة الاجتماعية ، وفي الوقت نفسه لا يقر الإنسان في أن ينهمك بكليته في الحياةالمادية ، وينسى ربه والدار الآخرة ؛ بل يهيب به أن يتوازن مع هذا وذاك ، وأن يعطيحق الله ، وحق نفسه ، وحق الناس .. دون أن يغلب حقاً على حق ، ودون أن يتساهل فيواجب على حساب واجب آخر .
والقرآن الكريم قد قرر هذا التوازن بين المادة والروح، وبين العبادة والحياة في كثير من آياته التي تلامس المشاعر والوجدان قبل أن تخاطبعقل الإنسان .
ففي تذكيره بأداء حق الله في العبادة في غمرة الانهماك في الأعمال الدنيوية ، والمزاولات التجارية يقول في سورة النور :
{رجال لا تلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوبوالأبصار} .
وفي تذكيره بأداء حق النفس والعيال في التكسب ، وابتغاء الرزق فيغمرة المناجاة الربانية ، والنفحات المسجدية ، يقول في سورة الجمعة :
{فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ..} .
ومن الأصول التي وضعهاالقرآن الكريم في هذا التوافق :
ابتغاء الدار الآخرة مع الأخذ بحظوظ الدنيا : قال تعالى في سورة القصص :
{وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا..} .
الاستنكار على من يحرم على نفسه الزينة المباحة ، والطيبات منالرزق : قال تعالى في سورة الأعراف :
{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ،والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة..} .
وما ذاك إلا ليوازن الإنسان بين الدين والدنيا ، والعبادة والحياة .
ولوتأملنا مواقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحقيق التوافق ، ومعالجة ظاهرةالعزلة والانطوائية والتخلي عن الدنيا ؛ لازددنا يقيناً أن هذه المواقف ، وهذهالمعالجة قائمة على إدراك فطرة الإنسان ، ورامية إلى تلبية أشواقه وميوله ، حتى لايتجاوز أي فرد من أفراد المجتمع حدود فطرته ، ولا يسلك سبيلاً منحرفاً يصطدم معأشواقه ؛ بل يسير على مقتضى المنهج القويم السوي الذي رسمه الإسلام سيراً طبيعياًمتوازناً معتدلاً سوياً بلا عوج ولا شذوذ ولا التواء .
وإليكم بعض هذه المواقف :
روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه : (جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبروا كأنهمتقالوا (أي وجدوها قليلة ) ، فقالوا : وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفرله ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟!!..
قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبداً !!
وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر !!
وقال آخر : أعتزل النساء فلا أتزوجأبداً !!
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله ، وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ،وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني" ) .
ثبت في الصحيح أنه عليه الصلاةوالسلام أنكر على عبد الله بن عمرو بن العاص حينما علم أنه قد تخلى عن الدنيا ،وعزم على نفسه أن لا ينام ، وأن لا يفطر ، وأن لا يأكل اللحم ، وأن لا يؤدي إلىأهله حقها ، فقال له عليه الصلاة والسلام ناصحاً وموجهاً ومرشداً : " إن لك في رسول الله أسوة حسنة ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام ويصلي ، ويصوم ويفطر ،ويأكل اللحم ، ويؤدي إلى أهله حقوقهن . يا عبد الله بن عمرو : إن لله عليك حقاً ،وإن لنفسك عليك حقاً ، وإن لأهلك عليك حقاً ، فأعط كل ذي حق حقه" .
من هذه المواقف التي وقفها النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه تعطينا دليلاً قاطعاً ،وحجة بينة على أن هذا الإسلام العظيم هو دين الفطرة ، والتوازن ، والوسطيةوالاعتدال ؛ يضع الأسس الكفيلة ، والمبادىء الواقعية في بناء الشخصية الإنسانية واكتمالها وتوازنها لتنهض برسالتها ، ومهمتها في الحياة على أكمل وجه .
هذا شرع الله فأروني ماذا شرع الذين من دونه ، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون
__________________
رد مع اقتباس
  #238  
قديم 26-11-2012, 03:19 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الاسلام والتوافق النفسى


يحقق منهج الاسلام أركان الصحة النفسية في بناء شخصية المسلم بتنمية هذه الصفات الأساسية :

1- قوة الصلة بالله

2- الثبات والتوازن الانفعالي

3- الصبر عند الشدائد

4- المرونة في مواجهة الواقع

5- التفاؤل وعدم اليأس

6- توافق المسلم مع نفسه

7- توافق المسلم مع الآخرين

******

1- قوة الصلة بالله:

وهي أمر أساسي في بناء المسلم في المراحل الاولى من عمره حتى تكون حياته خالية من القلق والاضطرابات النفسية .. وتتم تقوية الصلة بالله بتنفيذ ماجاء في وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عباس :

"يا غُلامُ إني أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجاهَكَ ، إذَا سَألْتَ فاسألِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باللَّهِ , وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ على أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُوكَ إِلا بِشَيءٍ قد كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ " رواه الترمذي
وقال: حديث حسن صحيح وفي رواية غير الترمذي زيادة "احْفَظِ اللَّهَ تَجدْهُ أمامَكَ ، تَعَرَّفْ إلى اللّه في الرَّخاءِ يَعْرِفْكَ في الشِّدَّةِ ، وَاعْلَمْ أنَّ ما أخْطأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ ، وَمَا أصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ ، وأنَّ مَعَ العُسْرِ يُسراً"

*******

2- الثبات والتوازن الانفعالي :

الايمان بالله يشيع في القلب الطمأنينة والثبات والاتزان ويقي المسلم من عوامل القلق والخوف والاضطراب ...

قال تعالى :

" يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ "

"فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ "

"هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ"

*******

3- الصبر عند الشدائد :

يربي الاسلام في المؤمن روح الصبر عند البلاء عندما يتذكر قوله تعالى :

"وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ"

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم :

"عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له"

*******

4- المرونة في مواجهة الواقع :

وهي من أهم مايحصن الانسان من القلق او الاضطراب حين يتدبر قوله تعالى:

"وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ"

*******

5- التفاؤل وعدم اليأس :

فالمؤمن متفائل دائما لا يتطرق اليأس الى نفسه فقد قال تعالى :

"وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون"

ويطمئن الله المؤمنين بأنه دائماً معهم , اذا سألوه فإنه قريب منهم ويجيبهم اذا دعوه :

"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"

وهذه قمة الأمن النفسي للانسان .

*******

6- توافق المسلم مع نفسه :

حيث انفرد الاسلام بأن جعل سن التكليف هو سن البلوغ للمسلم وهذه السن تأتي في الغالب مبكرة عن سن الرشد الاجتماعي الذي تقرره النظم الوضعية وبذلك يبدأ المسلم حياته العملية وهو يحمل رصيداً مناسباً من الأسس النفسية السليمة التي تمكنه من التحكم والسيطرة على نزعاته وغرائزه وتمنحه درجة عالية من الرضا عن نفسه بفضل الايمان والتربية الدينية الصحيحة التي توقظ ضميره وتقوي صلته بالله .

*******

7- توافق المسلم مع الآخرين :

الحياة بين المسلمين حياة تعاون على البر والتقوى ,

والتسامح هو الطريق الذي يزيد المودة بينهم ويبعد البغضاء ,

وكظم الغيظ والعفو عن الناس دليل على تقوى الله وقوة التوازن النفسي :

"وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيم"

منقول
__________________
رد مع اقتباس
  #239  
قديم 26-11-2012, 03:30 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

تعد مسألة المحافظة على أمن المجتمع وسلامته إحدى المسائل الأساسية والمهمة التي أولاها الإسلام عناية خاصة ومميزة، ذلك لأن الله عز وجل أراد لعباده أن تكون حياتهم آمنة مستقرة، والأمن المجتمعي يعني: أن يكون الفضاء العام للمجتمع متسمًا بالاستقرار والهدوء، مع وجود القانون الذي يعطي كل ذي حق حقه، ويعني أيضًا اختفاء كل العوامل والأسباب التي تؤدي إلى غياب الطمأنينة والسكينة عن نفوس جميع أفراد المجتمع ومختلف شرائحه.

الإسلام والأمن المجتمعي

أ.د. أمان عبدالمؤمن قحيف
الأمن المجتمعي خاصية تتصف بها المجتمعات المتحضرة والأمم المتقدمة، فأنت لا تجد أمة متخلفة علميًّا وتكنولوجيًّا تنعم بتوافر الأمن والهدوء لأفراد مجتمعاتها، تمامًا مثلما يعز عليك أن تجد أمة نجحت في ارتياد آفاق التحضر والرقي وتعاني في الوقت نفسه من غياب الأمن المجتمعي الذي يحقق السكينة لكل أفرادها، وتعد المجتمعات الأوروبية والأميركية المتقدمة وبعض المجتمعات الأفريقية المتخلفة علميًّا أوضح الأمثلة على ذلك.
ولما كانت العبادة السليمة لا تتحقق، شأنها شأن عمارة الأرض، إلا في ظل جو من الأمن المجتمعي فقد حرص الإسلام الحنيف أشد الحرص على أن يتوفر للناس أمنهم، ويتوفر لهم الجو المناسب الذي يضمن فيه الإنسان صيانة ماله وعرضه وولده من التلف أو التعرض للمخاطر.
ويتبين للمدقق في تعاليم الإسلام الحنيف وتشريعاته أنها تصب في النهاية في مصلحة أن يعيش الناس في جو من السكينة والاطمئنان النفسي والروحي، فالله تعالى عندما حرم الزنا- مثلا- أراد من ذلك ألا يحدث أي نوع من التطاول أو الاعتداء على أعراض الناس، لأن ذلك يؤدي إلى اندلاع الخلافات والمشاحنات بينهم، ويؤدي أيضًا إلى ضياع الأنساب وانتشار الأمراض المستعصية- كالإيدز- مثلًا، ذلك المرض الذي انتشر في الحضارات التي لا تعيش حياتها وفقا للتعاليم والتشريعات الدينية التي تحض على فضائل الأعمال وتؤكد القيم الأخلاقية السامية.
هكذا يتأكد لدينا أن تحريم الإسلام للفاحشة يعد هو الآخر طريقًا نحو تمهيد الفضاء المجتمعي للأمة كي تعيش في حالة من الأمن والاستقرار والتوافق بين مكونات المجتمع التي تشكل بنيته العامة.
من هذا المنطلق يتبين لنا أن الإسلام كان حريصًا على أمن المجتمع واستقراره عندما حرم الزنا، ويقاس على ذلك تحريمه للكذب، والغيبة، والنميمة، وقتل النفس بغير الحق، والخداع، وسب الآخرين أو لعنهم، أو التطاول عليهم...إلخ من الأمور والمسائل التي حرمتها الشريعة الإسلامية، بهذا يكون التشريع قد جاء ليؤكد في الكثير من المواضع على حرص الإسلام الحنيف على توفير الأمن المجتمعي للناس جميعًا، الأمر الذي يفيد أن من يتطاول على الناس، أو يتسبب في ترويعهم، أو قض مضاجعهم، أو الإساءة إليهم بالقول أو الفعل، أو من يتسبب في إرهابهم وتخويفهم، كل من يفعل هذا أو يقدم عليه تتعارض سلوكاته تلك من حيث المعنى والمضمون مع ما أمرت به الشريعة وأقره الدين الحنيف.
إن الشريعة الإسلامية التي جعلت تبسم الإنسان في وجه أخيه صدقة لا يمكن أن توافق أو تبيح بحال من الأحوال لإنسان أن يتسبب في إرهاب الناس أو تخويفهم أو ترويعهم أيا ما كان هؤلاء الناس، وأيًا ما كانت مذاهبهم ومللهم وعقائدهم، لأن الله عز وجل أرسل نبيه ص رحمة للعالمين جميعًا سواء من آمن منهم به أو من لم يؤمن به، قال تعالى في محكم التنزيل: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء: 107)، ومعلوم أن النبي ص هو المثل والقدوة والأسوة الحسنة للمسلمين، كل المسلمين، قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا} (الأحزاب: 21)، من هنا كان على المؤمن أن يكون داعية خير ورسول سلام أينما كان وحيثما كان، لا فرق في ذلك بين وجوده في دار الإجابة أو في دار الدعوة، فالمؤمن لا يخيف الآخرين، ولا يرعبهم، ولا يقض مضجعهم، ولا يقلق أمنهم العام.
ولقد أراد الإسلام الحنيف من الناس أن يتعاملوا برباطة جأش وقوة إرادة مع الملمات التي قد تتعرض لها الأمم والشعوب في مراحل حياتها وتطورات تاريخها، فلا يجب الجزع، أو الهلع، أو الخوف، أو الانهيار النفسي عند حدوث طارئ ما، بما يؤثر سلبًا على حالة المجموع، ويؤدي إلى شيوع وإشاعة الرعب بين الناس، إذ يجب من الناحية الشرعية مواجهة الأمور بحزم وعزم ورباطة جأش، وهنا يشير الإسلام إلى ضرورة الاستفادة ممن يمتلك القدرة على توجيه الأمور نحو الوجهة الصحيحة والسليمة، بمعنى أنه لابد من أن يوسد الأمر إلى أهله، حتى يتمكن المجموع من النجاة من الملمات التي قد تصيب الناس على مختلف طوائفهم ومذاهبهم، قال تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلًا} (النساء: 83).
والإسلام الذي جعل من قواعده الأساسية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينهى عن ترويع الناس، كل الناس، ذلك لأننا إذا قسمنا الأمور إلى «منكر ومعروف» فإن المرء لا يتردد للحظة واحدة في أن يضع مسألة ترويع الناس وتخويفهم ضمن المنكر الذي جاء الإسلام الحنيف لينهى كل الناس عن إتيانه أو الإقدام عليه، بل إن ديننا الحنيف جعل خيرية هذه الأمة تكمن في أمور عدة من أوائلها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأكثر من ذلك أنه ذهب إلى أن شرط تحقق خيرية هذه الأمة يكمن في كونها تمارس الدعوة إلى الخير وتنهى عن المنكر والشرور، بعد إيمانها بالله تبارك وتعالى، قال عز وجل في هذا المعنى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران:110).
ونظرًا لتأكيد الأسلام على أهمية الأمن المجتمعي للحياة البشرية فقد جعله الله تبارك وتعالى بمنزلة إحدى المكافآت الكبرى التي يتحصل عليها المؤمنون جزاء إيمانهم بربهم والتزامهم بالمنهج السماوي في حياتهم الخاصة والعامة، أو في عباداتهم ومعاملاتهم، فالله تبارك وتعالى عندما يستخلف المؤمنين في الأرض، ويمكن لهم دينهم الذي ارتضاه لهم ويبدل الخوف في حياتهم أمنا، ويجعلهم يعيشون في طمأنينة وأمان، فإن ذلك كله يأتي كنتيجة لكونهم من أهل الإيمان والطاعة الخالصة الذين لا يرتدون إلى الكفر والفسوق، قال تعالى في محكم كتابة الكريم: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } (النور: 55).
من ثم فإن من يعكر صفو المجتمع بتهديد الأمن فيه يعد فاعلًا للمنكر لا محالة، وهو منفلت من تعاليم الإسلام الشرعية التي حرصت على المحافظة على حياة الناس وأموالهم وأنفسهم، ومعلوم أن تلك الأمور من المقاصد العامة للشريعة الإسلامية الغراء.
ولقد اشتملت سيرة رسول الله ص على العديد من المواقف التي تؤكد حرصه ص قبل البعثة وبعدها، على أن يكون الأمن المجتمعي متحققًا في أهله وقومه إلى أبعد مدى ممكن، فالثابت من كتب السير أن الناس هرعوا في صباح يوم من الأيام على سماع أصوات وجلبة حول مكة مما حرك مخاوفهم وأزعج نفوسهم، فهرعوا الى خارج مكة يتساءلون: ما الخطب؟ واذا بهم يرون رسول الله ص قد سبقهم الى استكشاف الأمر، وعاد ليطمئنهم جميعا بأنه لا شيء يدعو للخوف ولا للهلع أو التوتر، وهذا الأمر يكشف من جهة عن شجاعته وشهامته ص ويكشف في نفس الوقت عن حرصه على ان يكون مجتمعه الذي يعيش فيه ويحيا بين جنباته آمنا مستقرًّا طوال الوقت، أما بعد بعثته فقد كان ص من أحرص الناس على إشاعة الطمأنينة في النفوس وتكريس الأمن في المجتمع، لدرجة أنه ص لم يكن يحب أو يقبل أن يحدث أي نوع من أنواع التوتر في العلاقات بين الذوات الإنسانية المفردة من بني قومه، فضلاً عن حرصه على المجتمع ككل متكامل.
ولقد حرص الرسول ص على شيوع الأمن بين الأفراد والأسر داخل بنية المجتمع الواحد حتى في أبسط الأمور، لذلك كان يأمر المسلمين بأن من أعد مرقًا فعليه أن يكثر منه ليعطي جيرانه من هذا المرق، وأكثر من توصيتهم بالجيران خيرًا، ونقل لهم أن جبريل \ مازال يوصيه بالجار حتى ظن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشرع سيعطي للجار حقًا أو جزءًا من الميراث.
كل هذه مسائل كانت تهدف ضمن ما تهدف إليه إلى تحقيق درجة عالية من التآخي، والتواصل، والتعاون، والتكافل بين أبناء المجتمع الواحد، تلك الأمور التي تصب في النهاية في تكريس الأمن والأمان للذوات الإنسانية المقررة، بل للمجتمع بشكل عام.
إن حرص الإسلام على استتباب الأمن يرجع إلى أمور عدة نذكر منها ما يلي:
أولًا: إن من مقاصد الشريعة الإسلامية المحافظة على حياة الناس وأموالهم، ومعلوم أن استتباب الأمن يحافظ على الحياة والأموال، لأن افتقاد المجتمع للأمن يؤدي بالتالي إلى تعرض جميع الأنفس والممتلكات للتهلكة، والنهب، والتدمير، بهذا يأتي الحرص على الأمن المجتمعي في صدارة ما يأمر به الإسلام وما تهدف إليه مختلف القوانين الأخرى.
ثانيًا: إن الشريعة الإسلامية حريصة كل الحرص على تقليم أظافر أولئك الأفراد الذين يعيثون في الأرض فسادًا، حتى وإن ادعوا أنهم من أصحاب القلوب الطيبة والأفئدة النقية، ومعلوم أن انتشار الفساد في أي مجتمع من المجتمعات يؤدي بالضرورة إلى افتقاده للأمن، الأمر الذي يتيح لهؤلاء الأفراد الخارجين على الدين والقانون أن ينشطوا في الإفساد في الأرض، وهذا على خلاف مراد الله تبارك وتعالى في الكون، لذلك توعد الله عز وجل هذا الصنف من الناس بجهنم وبئس المصير، قال تعالى في هذا المعنى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} (البقرة: 204-206).
ثالثًا: المحافظة على إيجاد جو عام يناسب ممارسة العبادة والدعوة إلى الله تبارك وتعالى، لأن كلا من العبادة والدعوة في حاجة ماسة وضرورة إلى أجواء هادئة ومستقرة، يكون من شأنها اتاحة الفرصة للدعاة إلى الله أن يمارسوا عملهم في سكينة وروية، ويسهم في مساعدتهم في الأخذ بيد الأمة نحو الالتزام بالمبادئ الدينية والقيم الأخلاقية، الأمر الذي يهيئ المجتمع كله لتلقي جزاء الله تعالى وثوابه والفوز بالسعادة لكل فرد من أفراده، لأنه إذا مارست مجموعة معينة من الناس بعض الأفعال السلبية والخاطئة فإن الأمور قد تعود بالضرر على مختلف أفراد المجتمع وجميع أبنائه، وصدق الله العظيم القائل: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} (الأنفال: 25)، فالفتن أو السلوكات الشاذة تجلب على المجتمع كله ما لا يرضاه من المسائل والأمور، على النحو الذي يحذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي جاء فيه: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا» (رواه البخاري).
رابعًا: المحافظة على إيجاد جو عام مناسب للعمل والانتاج وعمارة الأرض، فالله تبارك وتعالى كلف الإنسان بالسعي في الأرض وإعمارها لكي يأكل منها حلالًا طيبًا، قال عز وجل: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} (الملك: 15).. وغني عن البيان أن الإشارة إلى المشي في مناكب الأرض يفيد معنى الاجتهاد في الأخذ بأسباب طلب الرزق الحلال، تلك الأمور التي لا تتحقق إلا في ظل جو عام يتسم بالأمن والطمأنينة والهدوء.
ويجب أن ندرك جميعًا أن تحقيق الأمن المجتمعي ليس مسؤولية الدول والحكومات وحدها، بل هو قضية يجب أن تسهم فيها كل قطاعات الشعوب من أفراد ومؤسسات المجتمع المدني، بجانب الهيئات والمؤسسات الحكومية، ومختلف القوى والفعاليات التي يتشكل منها البناء العام للأمة والمجتمع.
__________________
رد مع اقتباس
  #240  
قديم 01-12-2012, 11:23 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي



السماحة



فيصل بن عبدالرحمن الشدي

لك ربي الحمدأولا وآخرا ،لك ربي الحمدباطناوظاهرا،لك ربنا المحامد كلها تترى ،لك ربنا المحامد كلها سرا وجهرا،وأشهدأن لاإله إلا الله وحده لاشريك له العلي قدرا وقهرا ،وأشهدأن محمدا عبده ورسوله العلي ذكرا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أزكى الأمة طهرا وسلم تسليما كثيرا.
(ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولاتموتن إلا وأنتم مسلمون) أما بعد ،
فحقا إنها لباب الإسلام وزينة الأنام ، صدقا إنها ذروة سنام الأخلاق ،وأشهر علامات الوفاق..كم فتحت به قلوب ، وكم رفعت أصحابها عند علام الغيوب .
ألا ماأحب صاحبها عند الناس ، بل وأعظم منه عند رب الناس.
بل أقولها ولا آلو ،وإن جفى الناس أو غالوا إنها وربي أفضل الإيمان وأزكاه، وأقربه وأصفاه ،وأميزه وأعلاه،وأوضحه وأجلاه ،صاحبها بالجنان كريم مثواه ، وعن النار حرام محياه.
قلت ماقلت فيها استيحاءاً من نصوص السنة ،التي رفعت شأنها وساقت فيها الفضائل والمنّة.
إنها السماحة بأجمل حلتها،إنها السماحة بأبهى صورتها،وهي ملتكم ،ونهجكم وشِرعتُكم ، وبها بعث إليكم نبيكم وحبيبكم يارب صل وسلم عليه.أما قال صلى الله عليه وسلم(بعثت إليكم بالحنيفية السمحة).
عباد الله :إن السماحة في الإسلام أكبر من مفهوم (الإنسانية) الذي رفعته مؤسسات وجمعيات جاهلية معاصرة، وخدعت به شعوباً وقبائل، إن السماحة في الإسلام ليست شعاراً براقاً يرفع في وقت دون وقت، بل هي خلق سام يتسع ويتسع حتى يتجاوز الإنسان، إلى الحيوان والنبات، قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله كتب الإحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته )) صحيح مسلم .
السماحة هي طيب في النفس عن كرم وسخاء، وهي انشراح في الصدر عن تقى ونقاء، وهي لين في الجانب عن سهولة ويسر، وهي بشاشة في الوجه عن طلاقة وبشر، هي ذلة على المؤمنين دون ضعف ومهانة، وهي صدق في التعامل دون غبن وخيانة، هي تيسير في الدعوة إلى الله دون مجاملة ومداهنة، وهي انقياد لدين الله دون تشدد ورهبنة.
بها تصفو القلوب، ويسود الوئام، ويسعد الأنام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( خير الناس ذو القلب المحموم واللسان الصادق، قيل : ما القلب المحموم؟ قال : هو التقي النقي الذي لا إثم ولا بغي ولا حسد، قيل : فمن على أثره؟ قال : الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة، قيل : فمن على أثره قال : المؤمن في خلق حسن)) صحيح الجامع .
عباد الله، إن هذه الغـلـظـة التي نراها في تعامـل بعضنا ليست من ديننا في شئ، وإن هــذا الجفاء الذي نجده بين المسلمين هو أمر طارئ ومظهر يجب أن يختفي، إن المؤمن الحقيقي سمح مألوف، قال صلى الله عليه وسلم : (( المؤمن يألف ويُؤلف، ولا خير فيمن لا يَألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس)) صحيح الجامع ، بل إن السماحة هي من أفضل الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم : (( أفضل الإيمان الصبر والسماحة)) صحيح الجامع.


ولقد كثرت أبواب السماحة ومسالكها في ديننا حثاً لنا على ثمثلها، ومنها:
أولاً : في البيع والشراء والقضاء:
قال صلى الله عليه وسلم : ((إن الله تعالى يحب سمح البيع، سمح الشراء سمح القضاء)) رواه الترمذي وهو في صحيح الجامع.
ثانياً : السماحة في الدَّيْنِ والاقتضاء:
قال صلى الله عليه وسلم : (( رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى)) رواه البخاري. وكم نحن بحاجة إلى السماحة في طلب الدَّيْنِ وإنظار المعسرين، والتجاوز عن المعوزين، حتى تدركنا رحمة الله برحمة خلقه.
ثالثاً : السماحة في قضاء حوائج الناس:
لابدَّ أن نلين لإخواننا، ونسعى لقضاء حوائجهم في تواضع وسماحة، عن أنس t فيما رواه البخاري تعليقاً قال : ((إن كانت الأَمَة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت فيمضي معها حتى يقضي حاجتها )).
رابعاً :: السماحة في تحمل الأذى:
إن الفظاظة ليست من ديننا قال تعالى : } ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك{ ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( المؤمنون هينون لينون …)) السلسلة الصحيحة ، فحري بنا أن نتحمل جهل الجاهل، وفورة الغاضب، وحري بنا أن يغلب علينا خلق العفوِ والصفحِ والسماحة واللينِ .
عباد الله، ما أحوجنا إلى الخلق الجليل في زمن بلغ فيه البغض غايته، ورفع فيه الحسد رايته، ما أحوجنا إلى السهولة واليسر، والسماحة والتجاوز، حتى نعيش في هذه الدنيا بهناء، ونكون يوم القيامة سعداء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من كان سهلاً ليناً هيناً حرمه الله على النار)) صحيح الجامع ، وقال : ((ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار غداً، على كل لين قريب سهل)).
عباد الله، إن خلق السماحة ولين الجانب، ليس خلقاً يمكن أن يدعيه كل أحد، إن الادعاء سهل لكن الحقائق تكذب ذلك أو تصدقه:
والدعاوى إذا لم يقيموا عليها --- بينات أصحابهـــا أدعياء


يظهر خلق السماحة عند التعامل بالدرهم والدينار، عندما تشحن النفوس بحب الدنيا وطلب المزيد، عن أبي صفوان سويد بن قيس قال جلبت أنا ومَحْرمة العبدي براً من هجر، فجاءنا النبي صلى الله عليه وسلم للوزان فسامه منا بسراويل، وعندي وزان يزين بالأجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان : زنْ وأرجح)) رواه الترمذي وهو في صحيح الجامع. فكان صلى الله عليه وسلم يعطي زيادة في ثمن السلعة تسامحاً منه وكرماً، لأن الدنيا لا تساوي عنده شيئاً .
وأما في القضاء، فقد كان صلى الله عليه وسلم نموذجاً فريداً، فعن أبي هريرة ، أن رجلاً تقاضى صلى الله عليه وسلم فاغلظ له، فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم به، فقال: دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً، واشتروا له بعيراً فأعطوه إياه، قالوا لا نجد إلا أفضل من سنه، قال اشتروا فأعطوه إياه فإن خيركم أحسنكم قضاء)) رواه مسلم .
بهذه الأخلاق كان الرجل لا يكاد يعامل النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويسلم إن كان كافراً، أو يزيد إيمانه إن كان مسلماً، إننا يجب أن نكون دعاة بتعاملنا قبل أقوالنا، يجب أن نكون رحماء بإخواننا حتى تسود المودة، وينتشر الإخاء، لأن غياب التسامح يمزق شملنا، ويفرق جمعنا، كان قيس بن عبادة من الأجواد المعروفين فمرض يوماً فاستبطأ إخوانه في عيادته، فسأل عنهم فقيل له : إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين، فقال أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة، ثم أمر منادياً ينادي من كان عليه لقيس مال فهو منه في حل، فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه لكثرة من عاده وزاره .
معاشر الفضلاء، إننا يجب أن نسل سخائم البغض من قلوبنا، وننقيها من كل شائبة حسد أو حقد، ونعمرها بالرضا والتجاوز والسماحة، يقول ابن القيم رحمه الله عن شيخه ابن تيمية : (( ما رأيت أحداً أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- وكان بعض أصحابه الأكابر يقول عنه وددت أني لأصحابي مثلهُ لأعدائه وخصومه، ما رأيته يوماً يدعو على أحد منهم قط، بل كان يدعو لهم، وقد جئت يوماً مبشراً له بموت أكبر أعدائه وأشدهم عداوة وأذى له، فنهرني وتنكر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم وقال : إني لكم مكانَ أبيكم ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه)).
عباد الله، هكذا فلتكن الأخلاق، هكذا فليكن الصفح، وهكذا فلتكن السماحة، أين هذه السماحة العالية من الجهامة الظاهرة على وجوه بعض الموظفين والعاملين، وهذا الصلفُ البين في تعامل بعض أصحاب رؤوس الأموال والقادرين، وهذه الشدة التي تنفر منها الطباع في الأقوال والأفعال، فهي ليست من ديننا في شيء، وليست من أخلاق المؤمنين في شيء .
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
عباد الله أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه….. أما بعد ،
عباد الله، إن السماحة لا تعني الخور والضعف، ولا المهانة والاستكانة كما يظن بعض الناس، كلا، بل هي خلق عال ينبئ عن صفاء في القلوب، ووثوق بالنفس، وصدق في التعامل، ولقد خلط الناس في مفهوم السماحة وظن بعضهم أن هناك أموراً تنافيها وهي من لبابها، بل هي مفاتحُ بابها ومن ذلك :
أولاً : الغضب عنـدما تنتهك حرمات الله .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما خُير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه من شيء قط، إلا أن تنتهك حرمةُ الله فينتقمُ لله)) رواه البخاري.
هذا فليكن التوازن، سهولةٌ ويسر ولين، إلا فيما حرم الله، إن بعض الناس اليوم يرى السهولة والسماحة أن يُتَنازَل له فيما حرم الله في خدمة تقدم له، وإذا ما أبى المطلوب منه وقال هذا حرام أو هذا بهتان وزور، قال أنت متشدد والدين يسر، وهذا خلط يجب أن يُقلع من العقول.
ثانياً : طلب الحق.
طالب الحق له أن يطلب حقه حتى يحصل عليه وهذا ليس مضاداً للسماحة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي أغـلظ له في طلب حقه : (( دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً)) رواه البخاري.
ثالثاً : البراء من أعداء الله.
يخلط بعض الناس بين الولاء والسماحة، ويظن أنهما شئ واحد، والحق أن سماحة الإسلام مع أهل الكتاب وغيرهم شيء، واتخاذهم أولياء شيء آخر، إنه لا مانع من السماحة معهم في البيع والشراء والتعامل، بل إنه يجب أن نعرض ديننا في صورة أخلاق رائعة حقيقة لاوهمية، لانغش، لانخلف، بل نحسن ونعين المحتاج، نكسو العاري، نطعم الجائع، ندعو، نبين، أما أن نواليهم فلا والولاية هي النصرة والمحبة، إن الولاء لا يكون إلا لله ولرسوله ولدينه وللمؤمنين، لأن الكفار بعضهم أولياء بعض، فيجب أن لا يكون لهم في قلوبنا محبةٌ ولا نصرة، فهـم أعداؤنا مادمنا على ملتنا :( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ).
إنه مطلوب منا أن ندعوهم ونخلصهم وننقذهم من النار، كما كان يفعل نبينا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، فهذا هو اليهودي زيد بن سعنة يعلن إسلامه بسبب موقف الوفاء والحلم المحمدي العظيم إنه موقف أخلاق أسلم بسببه الرجل،
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 01-12-2012 الساعة 11:25 AM
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الاسلام, دين, نبينا


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 04:01 AM.