اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > علوم القرآن الكريم

علوم القرآن الكريم هنا أن شاء الله كل حاجة عن القرآن الكريم من مسموع ومرئي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #211  
قديم 12-03-2010, 09:15 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
Mnn


{ 83 - 84 }

{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }

أي: واذكر عبدنا ورسولنا، أيوب - مثنيا معظما له، رافعا لقدره - حين ابتلاه، ببلاء شديد، فوجده صابرا راضيا عنه، وذلك أن الشيطان سلط على جسده، ابتلاء من الله، وامتحانا فنفخ في جسده، فتقرح قروحا عظيمة ومكث مدة طويلة، واشتد به البلاء، ومات أهله، وذهب ماله، فنادى ربه: رب { أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } فتوسل إلى الله بالإخبار عن حال نفسه، وأنه بلغ الضر منه كل مبلغ، وبرحمة ربه الواسعة العامة فاستجاب الله له، وقال له: { ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } فركض برجله فخرجت من ركضته عين ماء باردة فاغتسل منها وشرب، فأذهب الله عنه ما به من الأذى، { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ } أي: رددنا عليه أهله وماله.
{ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ } بأن منحه الله العافية من الأهل والمال شيئا كثيرا،
{ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا } به، حيث صبر ورضي، فأثابه الله ثوابا عاجلا قبل ثواب الآخرة.
{ وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ } أي: جعلناه عبرة للعابدين، الذين ينتفعون بالعبر، فإذا رأوا ما أصابه من البلاء، ثم ما أثابه الله بعد زواله، ونظروا السبب، وجدوه الصبر، ولهذا أثنى الله عليه به في قوله: { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } فجعلوه أسوة وقدوة عندما يصيبهم الضر.
{ 85 - 86 }

{ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ }

أي: واذكر عبادنا المصطفين، وأنبياءنا المرسلين بأحسن الذكر، وأثن عليهم أبلغ الثناء، إسماعيل بن إبراهيم، وإدريس، وذا الكفل، نبيين من أنبياء بني إسرائيل { كُلٌّ } من هؤلاء المذكورين { مِنَ الصَّابِرِينَ } والصبر: هو حبس النفس ومنعها، مما تميل بطبعها إليه، وهذا يشمل أنواع الصبر الثلاثة: الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله المؤلمة، فلا يستحق العبد اسم الصبر التام، حتى يوفي هذه الثلاثة حقها. فهؤلاء الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، قد وصفهم الله بالصبر، فدل أنهم وفوها حقها، وقاموا بها كما ينبغي، ووصفهم أيضا بالصلاح، وهو يشمل صلاح القلب، بمعرفة الله ومحبته، والإنابة إليه كل وقت، وصلاح اللسان، بأن يكون رطبا من ذكر الله، وصلاح الجوارح، باشتغالها بطاعة الله وكفها عن المعاصي. فبصبرهم وصلاحهم، أدخلهم الله برحمته، وجعلهم مع إخوانهم من المرسلين، وأثابهم الثواب العاجل والآجل، ولو لم يكن من ثوابهم، إلا أن الله تعالى نوه بذكرهم في العالمين، وجعل لهم لسان صدق في الآخرين، لكفى بذلك شرفا وفضلا.

{ 87 - 88 }

{ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ }

أي: واذكر عبدنا ورسولنا ذا النون وهو: يونس، أي: صاحب النون، وهي الحوت، بالذكر الجميل، والثناء الحسن، فإن الله تعالى أرسله إلى قومه، فدعاهم، فلم يؤمنوا فوعدهم بنزول العذاب بأمد سماه لهم.
[فجاءهم العذاب] ورأوه عيانا، فعجوا إلى الله، وضجوا وتابوا، فرفع الله عنهم العذاب كما قال تعالى:

{ فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } وقال:

{ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } وهذه الأمة العظيمة، الذين آمنوا بدعوة يونس، من أكبر فضائله. ولكنه عليه الصلاة والسلام، ذهب مغاضبا، وأبق عن ربه لذنب من الذنوب، التي لم يذكرها الله لنا في كتابه، ولا حاجة لنا إلى تعيينها [لقوله: { إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ } { وَهُوَ مُلِيمٌ } أي: فاعل ما يلام عليه] والظاهر أن عجلته ومغاضبته لقومه وخروجه من بين أظهرهم قبل أن يأمره الله بذلك، ظن أن الله لا يقدر عليه، أي: يضيق عليه في بطن الحوت أو ظن أنه سيفوت الله تعالى، ولا مانع من عروض هذا الظن للكمل من الخلق على وجه لا يستقر، ولا يستمر عليه، فركب في السفينة مع أناس، فاقترعوا، من يلقون منهم في البحر؟ لما خافوا الغرق إن بقوا كلهم، فأصابت القرعة يونس، فالتقمه الحوت، وذهب به إلى ظلمات البحار، فنادى في تلك الظلمات: { لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } فأقر لله تعالى بكمال الألوهية، ونزهه عن كل نقص، وعيب وآفة، واعترف بظلم نفسه وجنايته.
قال الله تعالى: { فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } ولهذا قال هنا: { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ } أي: الشدة التي وقع فيها.
{ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ } وهذا وعد وبشارة، لكل مؤمن وقع في شدة وغم، أن الله تعالى سينجيه منها، ويكشف عنه ويخفف، لإيمانه كما فعل بـ " يونس " عليه السلام.


__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #212  
قديم 12-03-2010, 09:19 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
افتراضي

{ 89 - 90 }

{ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }

أي: واذكر عبدنا ورسولنا زكريا، منوها بذكره، ناشرا لمناقبه وفضائله، التي من جملتها، هذه المنقبة العظيمة المتضمنة لنصحه للخلق، ورحمة الله إياه، وأنه { نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا } أي:
{ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا* وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا }

من هذه الآيات علمنا أن قوله { رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا } أنه لما تقارب أجله، خاف أن لا يقوم أحد بعده مقامه في الدعوة إلى الله، والنصح لعباد الله، وأن يكون في وقته فردا، ولا يخلف من يشفعه ويعينه، على ما قام به، { وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ } أي: خير الباقين، وخير من خلفني بخير، وأنت أرحم بعبادك مني، ولكني أريد ما يطمئن به قلبي، وتسكن له نفسي، ويجري في موازيني ثوابه.
{ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى } النبي الكريم، الذي لم يجعل الله له من قبل سميا.
{ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } بعدما كانت عاقرا، لا يصلح رحمها للولادة فأصلح الله رحمها للحمل، لأجل نبيه زكريا، وهذا من فوائد الجليس، والقرين الصالح، أنه مبارك على قرينه، فصار يحيى مشتركا بين الوالدين.
ولما ذكر هؤلاء الأنبياء والمرسلين، كلا على انفراده، أثنى عليهم عموما فقال: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } أي: يبادرون إليها ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة، ويكملونها على الوجه اللائق الذي ينبغي ولا يتركون فضيلة يقدرون عليها، إلا انتهزوا الفرصة فيها، { وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا } أي: يسألوننا الأمور المرغوب فيها، من مصالح الدنيا والآخرة، ويتعوذون بنا من الأمور المرهوب منها، من مضار الدارين، وهم راغبون راهبون لا غافلون، لاهون ولا مدلون، { وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } أي: خاضعين متذللين متضرعين، وهذا لكمال معرفتهم بربهم.

{ 91 - 94 }

{ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ * إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ * وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ }

أي: واذكر مريم، عليها السلام، مثنيا عليها مبينا لقدرها، شاهرا لشرفها فقال: { وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } أي: حفظته من الحرام وقربانه، بل ومن الحلال، فلم تتزوج لاشتغالها بالعبادة، واستغراق وقتها بالخدمة لربها.
وحين جاءها جبريل في صورة بشر سوي تام الخلق والحسن
{ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا } فجازاها الله من جنس عملها، ورزقها ولدا من غير أب، بل نفخ فيها جبريل عليه السلام، فحملت بإذن الله.
{ وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ } حيث حملت به، ووضعته من دون مسيس أحد، وحيث تكلم في المهد، وبرأها مما ظن بها المتهمون وأخبر عن نفسه في تلك الحالة، وأجرى الله على يديه من الخوارق والمعجزات ما هو معلوم، فكانت وابنها آية للعالمين، يتحدث بها جيلا بعد جيل، ويعتبر بها المعتبرون.
ولما ذكر الأنبياء عليهم السلام، قال مخاطبا للناس: { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي: هؤلاء الرسل المذكورون هم أمتكم وائمتكم الذين بهم تأتمون، وبهديهم تقتدون، كلهم على دين واحد، وصراط واحد، والرب أيضا واحد.
ولهذا قال: { وَأَنَا رَبُّكُمْ } الذي خلقتكم، وربيتكم بنعمتي، في الدين والدنيا، فإذا كان الرب واحدا، والنبي واحدا، والدين واحدا، وهو عبادة الله، وحده لا شريك له، بجميع أنواع العبادة كان وظيفتكم والواجب عليكم، القيام بها، ولهذا قال: { فَاعْبُدُونِ } فرتب العبادة على ما سبق بالفاء، ترتيب المسبب على سببه.
وكان اللائق، الاجتماع على هذا الأمر، وعدم التفرق فيه، ولكن البغي والاعتداء، أبيا إلا الافتراق والتقطع. ولهذا قال: { وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } أي: تفرق الأحزاب المنتسبون لاتباع الأنبياء فرقا، وتشتتوا، كل يدعي أن الحق معه، والباطل مع الفريق الآخر و { كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }
وقد علم أن المصيب منهم، من كان سالكا للدين القويم، والصراط المستقيم، مؤتما بالأنبياء وسيظهر هذا، إذا انكشف الغطاء، وبرح الخفاء، وحشر الله الناس لفصل القضاء، فحينئذ يتبين الصادق من الكاذب، ولهذا قال: { كُلٌّ } من الفرق المتفرقة وغيرهم { إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } أي: فنجازيهم أتم الجزاء.
ثم فصل جزاءه فيهم، منطوقا ومفهوما، فقال: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ } أي: الأعمال التي شرعتها الرسل وحثت عليها الكتب { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } بالله وبرسله، وما جاءوا به { فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ } أي: لا نضيع سعيه ولا نبطله، بل نضاعفه له أضعافا كثيرة.
{ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } أي: مثبتون له في اللوح المحفوظ، وفي الصحف التي مع الحفظة. أي: ومن لم يعمل من الصالحات، أو عملها وهو ليس بمؤمن، فإنه محروم، خاسر في دينه، ودنياه.
{ 95 }

{ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ }

أي: يمتنع على القرى المهلكة المعذبة، الرجوع إلى الدنيا، ليستدركوا ما فرطوا فيه فلا سبيل إلى الرجوع لمن أهلك وعذب، فليحذر المخاطبون، أن يستمروا على ما يوجب الإهلاك فيقع بهم، فلا يمكن رفعه، وليقلعوا وقت الإمكان والإدراك.
{ 96 - 97 }

{ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ }

هذا تحذير من الله للناس، أن يقيموا على الكفر والمعاصي، وأنه قد قرب انفتاح يأجوج ومأجوج، وهما قبيلتان عظيمتان من بني آدم، وقد سد عليهم ذو القرنين، لما شكي إليه إفسادهم في الأرض، وفي آخر الزمان، ينفتح السد عنهم، فيخرجون إلى الناس في هذه الحالة والوصف، الذي ذكره الله من كل من مكان مرتفع، وهو الحدب ينسلون أي: يسرعون. وفي هذا دلالة على كثرتهم الباهرة، وإسراعهم في الأرض، إما بذواتهم، وإما بما خلق الله لهم من الأسباب التي تقرب لهم البعيد، وتسهل عليهم الصعب، وأنهم يقهرون الناس، ويعلون عليهم في الدنيا، وأنه لا يد لأحد بقتالهم.
{ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ } أي: يوم القيامة الذي وعد الله بإتيانه، ووعده حق وصدق، ففي ذلك اليوم ترى أبصار الكفار شاخصة، من شدة الأفزاع والأهوال المزعجة، والقلاقل المفظعة، وما كانوا يعرفون من جناياتهم وذنوبهم، وأنهم يدعون بالويل والثبور، والندم والحسرة، على ما فات ويقولون لـ : { قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا } اليوم العظيم، فلم نزل فيها مستغرقين، وفي لهو الدنيا متمتعين، حتى أتانا اليقين، ووردنا القيامة، فلو كان يموت أحد من الندم والحسرة، لماتوا. { بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } اعترفوا بظلمهم، وعدل الله فيهم، فحينئذ يؤمر بهم إلى النار، هم وما كانوا يعبدون، ولهذا قال:

{ 98 - 103 }

{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ * لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ *لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ }

أي: إنكم أيها العابدون مع الله آلهة غيره { حَصَبُ جَهَنَّمَ } أي: وقودها وحطبها { أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } وأصنامكم. والحكمة في دخول الأصنام النار، وهي جماد، لا تعقل، وليس عليها ذنب، بيان كذب من اتخذها آلهة، وليزداد عذابهم، فلهذا قال: { لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا } وهذا كقوله تعالى: { لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ } وكل من العابدين والمعبودين فيها، خالدون، لا يخرجون منها، ولا ينتقلون عنها.
{ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ } من شدة العذاب { وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ } صم بكم عمي، أولا يسمعون من الأصوات غير صوتها، لشدة غليانها، واشتداد زفيرها وتغيظها.
ودخول آلهة المشركين النار، إنما هو الأصنام، أو من عبد، وهو راض بعبادته.
وأما المسيح، وعزير، والملائكة ونحوهم، ممن عبد من الأولياء، فإنهم لا يعذبون فيها، ويدخلون في قوله: { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى } أي: سبقت لهم سابقة السعادة في علم الله، وفي اللوح المحفوظ وفي تيسيرهم في الدنيا لليسرى والأعمال الصالحة.
{ أُولَئِكَ عَنْهَا } أي: عن النار { مُبْعَدُونَ } فلا يدخلونها، ولا يكونون قريبا منها، بل يبعدون عنها، غاية البعد، حتى لا يسمعوا حسيسها، ولا يروا شخصها، { وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ } من المآكل، والمشارب، والمناكح والمناظر، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مستمر لهم ذلك، يزداد حسنه على الأحقاب.
{ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ } أي: لا يقلقهم إذا فزع الناس أكبر فزع، وذلك يوم القيامة، حين تقرب النار، تتغيظ على الكافرين والعاصين فيفزع الناس لذلك الأمر وهؤلاء لا يحزنهم، لعلمهم بما يقدمون عليه وأن الله قد أمنهم مما يخافون.
{ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ } إذا بعثوا من قبورهم، وأتوا على النجائب وفدا، لنشورهم، مهنئين لهم قائلين: { هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } فليهنكم ما وعدكم الله، وليعظم استبشاركم، بما أمامكم من الكرامة، وليكثر فرحكم وسروركم، بما أمنكم الله من المخاوف والمكاره.

{ 104 - 105 }

{ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ * وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }

يخبر تعالى أنه يوم القيامة يطوي السماوات - على عظمها واتساعها - كما يطوي الكاتب للسجل أي: الورقة المكتوب فيها، فتنثر نجومها، ويكور شمسها وقمرها، وتزول عن أماكنها { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } أي: إعادتنا للخلق، مثل ابتدائنا لخلقهم، فكما ابتدأنا خلقهم، ولم يكونوا شيئا، كذلك نعيدهم بعد موتهم.
{ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } ننفذ ما وعدنا، لكمال قدرته، وأنه لا تمتنع منه الأشياء.
{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ } وهو الكتاب المزبور، والمراد: الكتب المنزلة، كالتوراة ونحوها
{ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ } أي: كتبناه في الكتب المنزلة، بعد ما كتبنا في الكتاب السابق، الذي هو اللوح المحفوظ، وأم الكتاب الذي توافقه جميع التقادير المتأخرة عنه والمكتوب في ذلك: { أَنَّ الْأَرْضَ } أي: أرض الجنة { يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } الذين قاموا بالمأمورات، واجتنبوا المنهيات، فهم الذين يورثهم الله الجنات، كقول أهل الجنة:

{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ }
ويحتمل أن المراد: الاستخلاف في الأرض، وأن الصالحين يمكن الله لهم في الأرض، ويوليهم عليها كقوله تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } الآية.

{ 106 - 112 }

{ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ * قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ * إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ * وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }

يثني الله تعالى على كتابه العزيز " القرآن " ويبين كفايته التامة عن كل شيء، وأنه لا يستغنى عنه فقال: { إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ } أي: يتبلغون به في الوصول إلى ربهم، وإلى دار كرامته، فوصلهم إلى أجل المطالب، وأفضل الرغائب. وليس للعابدين، الذين هم أشرف الخلق، وراءه غاية، لأنه الكفيل بمعرفة ربهم، بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وبالإخبار بالغيوب الصادقة، وبالدعوة لحقائق الإيمان، وشواهد الإيقان، المبين للمأمورات كلها، والمنهيات جميعا، المعرف بعيوب النفس والعمل، والطرق التي ينبغي سلوكها في دقيق الدين وجليله، والتحذير من طرق الشيطان، وبيان مداخله على الإنسان، فمن لم يغنه القرآن، فلا أغناه الله، ومن لا يكفيه، فلا كفاه الله.
ثم أثنى على رسوله، الذي جاء بالقرآن فقال: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } فهو رحمته المهداة لعباده، فالمؤمنون به، قبلوا هذه الرحمة، وشكروها، وقاموا بها، وغيرهم كفرها، وبدلوا نعمة الله كفرا، وأبوا رحمة الله ونعمته.

{ قُلْ } يا محمد { إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } الذي لا يستحق العبادة إلا هو، ولهذا قال: { فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } أي: منقادون لعبوديته مستسلمون لألوهيته، فإن فعلوا فليحمدوا ربهم على ما منَّ عليهم بهذه النعمة التي فاقت المنن.
{ فَإِنْ تَوَلَّوْا } عن الانقياد لعبودية ربهم، فحذرهم حلول المثلات، ونزول العقوبة.
{ فَقُلْ آذَنْتُكُمْ } أي: أعلمتكم بالعقوبة { عَلَى سَوَاءٍ } أي علمي وعلمكم بذلك مستو، فلا تقولوا - إذا أنزل بكم العذاب: { مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ } بل الآن، استوى علمي وعلمكم، لما أنذرتكم، وحذرتكم، وأعلمتكم بمآل الكفر، ولم أكتم عنكم شيئا.
{ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ } أي: من العذاب لأن علمه عند الله، وهو بيده، ليس لي من الأمر شيء.
{ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ } أي: لعل تأخير العذاب الذي استعجلتموه شر لكم، وأن تتمتعوا في الدنيا إلى حين، ثم يكون أعظم لعقوبتكم.
{ قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ } أي: بيننا وبين القوم الكافرين، فاستجاب الله هذا الدعاء، وحكم بينهم في الدنيا قبل الآخرة، بما عاقب الله به الكافرين من وقعة " بدر " وغيرها.
{ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } أي: نسأل ربنا الرحمن، ونستعين به على ما تصفون، من قولكم سنظهر عليكم، وسيضمحل دينكم، فنحن في هذا، لا نعجب بأنفسنا، ولا نتكل على حولنا وقوتنا، وإنما نستعين بالرحمن، الذي
ناصية كل مخلوق بيده، ونرجوه أن يتم ما استعناه به من رحمته، وقد فعل، ولله الحمد.
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #213  
قديم 12-03-2010, 10:17 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
افتراضي

لله الحمد والمنة والثناء الحسن
تم
الانتهاء من تفسير سورة الأنبياء


و نتابع بإذن المولى أسباب
  • نزول سورة الحج
فما كان من التوفيق فمن الله و رسوله



و إن كان خطأ فمن النفس و الشيطان
و الله و رسوله منه بريئان




اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ممدوح مصطفى الانصارى مشاهدة المشاركة
جزاكم الله كل الخيرات
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ممدوح مصطفى الانصارى مشاهدة المشاركة

خالص الدعوات
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب

آخر تعديل بواسطة ممدوح مصطفى الانصارى ، 12-03-2010 الساعة 10:29 AM
رد مع اقتباس
  #214  
قديم 12-03-2010, 10:22 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
Mnn

22- تفسير سورة الحج عدد آياتها 78



(قيل مكية، وقيل: مدنية )



( 1-25 )



{ 1 - 2 }

{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }

يخاطب الله الناس كافة، بأن يتقوا ربهم، الذي رباهم بالنعم الظاهرة والباطنة، فحقيق بهم أن يتقوه، بترك الشرك والفسوق والعصيان، ويمتثلوا أوامره، مهما استطاعوا.
ثم ذكر ما يعينهم على التقوى، ويحذرهم من تركها، وهو الإخبار بأهوال القيامة، فقال:
{ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } لا يقدر قدره، ولا يبلغ كنهه، ذلك بأنها إذا وقعت الساعة، رجفت الأرض وارتجت، وزلزلت زلزالها، وتصدعت الجبال، واندكت، وكانت كثيبا مهيلا، ثم كانت هباء منبثا، ثم انقسم الناس ثلاثة أزواج.
فهناك تنفطر السماء، وتكور الشمس والقمر، وتنتثر النجوم، ويكون من القلاقل والبلابل ما تنصدع له القلوب، وتجل منه الأفئدة، وتشيب منه الولدان، وتذوب له الصم الصلاب، ولهذا قال: { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ } مع أنها مجبولة على شدة محبتها لولدها، خصوصا في هذه الحال، التي لا يعيش إلا بها.
{ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } من شدة الفزع والهول، { وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى } أي: تحسبهم -أيها الرائي لهم- سكارى من الخمر، وليسوا سكارى.
{ وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } فلذلك أذهب عقولهم، وفرغ قلوبهم، وملأها من الفزع، وبلغت القلوب الحناجر، وشخصت الأبصار، وفي ذلك اليوم، لا يجزي والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا.
ويومئذ { يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ }
وهناك { يعض الظالم على يديه، يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا }

وتسود حينئذ وجوه وتبيض وجوه، وتنصب الموازين، التي يوزن بها مثاقيل الذر، من الخير والشر، وتنشر صحائف الأعمال وما فيها من جميع الأعمال والأقوال والنيات، من صغير وكبير، وينصب الصراط على متن جهنم، وتزلف الجنة للمتقين، وبرزت الجحيم للغاوين. { إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا* وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا } ويقال لهم: { لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا }
وإذا نادوا ربهم ليخرجهم منها، قال: { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } قد غضب عليهم الرب الرحيم، وحضرهم العذاب الأليم، وأيسوا من كل خير، ووجدوا أعمالهم كلها، لم يفقدوا منها نقيرا ولا قطميرا.
هذا، والمتقون في روضات الجنات يحبرون، وفي أنواع اللذات يتفكهون، وفيما اشتهت أنفسهم خالدون، فحقيق بالعاقل الذي يعرف أن كل هذا أمامه، أن يعد له عدته، وأن لا يلهيه الأمل، فيترك العمل، وأن تكون تقوى الله شعاره، وخوفه دثاره، ومحبة الله، وذكره، روح أعماله.
{ 3 - 4 }

{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ }

أي: ومن الناس طائفة وفرقة، سلكوا طريق الضلال، وجعلوا يجادلون بالباطل الحق، يريدون إحقاق الباطل وإبطال الحق، والحال أنهم في غاية الجهل ما عندهم من العلم شيء، وغاية ما عندهم، تقليد أئمة الضلال، من كل شيطان مريد، متمرد على الله وعلى رسله، معاند لهم، قد شاق الله ورسوله، وصار من الأئمة الذين يدعون إلى النار.
{ كُتِبَ عَلَيْهِ } أي: قدر على هذا الشيطان المريد { أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ } أي: اتبعه { فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ } عن الحق، ويجنبه الصراط المستقيم { وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ } وهذا نائب إبليس حقا، فإن الله قال عنه { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ } فهذا الذي يجادل في الله، قد جمع بين ضلاله بنفسه، وتصديه إلى إضلال الناس، وهو متبع، ومقلد لكل شيطان مريد، ظلمات بعضها فوق بعض، ويدخل في هذا، جمهور أهل الكفر والبدع، فإن أكثرهم مقلدة، يجادلون بغير علم.
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #215  
قديم 12-03-2010, 10:24 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
افتراضي

{ 5 - 7 }

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ *ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ }

يقول تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ } أي: شك واشتباه، وعدم علم بوقوعه، مع أن الواجب عليكم أن تصدقوا ربكم، وتصدقوا رسله في ذلك، ولكن إذا أبيتم إلا الريب، فهاكم دليلين عقليين تشاهدونهما، كل واحد منهما، يدل دلالة قطعية على ما شككتم فيه، ويزيل عن قلوبكم الريب.
أحدهما: الاستدلال بابتداء خلق الإنسان، وأن الذي ابتدأه سيعيده، فقال فيه: { فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ } وذلك بخلق أبي البشر آدم عليه السلام، { ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ } أي: مني، وهذا ابتداء أول التخليق،
{ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } أي: تنقلب تلك النطفة، بإذن الله دما أحمر، { ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ } أي: ينتقل الدم مضغة، أي: قطعة لحم، بقدر ما يمضغ، وتلك المضغة تارة تكون { مُخَلَّقَةٍ } أي: مصور منها خلق الآدمي، { وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } تارة، بأن تقذفها الأرحام قبل تخليقها، { لِنُبَيِّنَ لَكُمْ } أصل نشأتكم، مع قدرته تعالى، على تكميل خلقه في لحظة واحدة، ولكن ليبين لنا كمال حكمته، وعظيم قدرته، وسعة رحمته.
{ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } أي : ونقر، أي: نبقي في الأرحام من الحمل، الذي لم تقذفه الأرحام، ما نشاء إبقاءه إلى أجل مسمى، وهو مدة الحمل. { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ } من بطون أمهاتكم { طِفْلًا } لا تعلمون شيئا، وليس لكم قدرة، وسخرنا لكم الأمهات، وأجرينا لكم في ثديها الرزق، ثم تنتقلون طورا بعد طور، حتى تبلغوا أشدكم، وهو كمال القوة والعقل.
{ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى } من قبل أن يبلغ سن الأشد، ومنكم من يتجاوزه فيرد إلى أرذل العمر، أي: أخسه وأرذله، وهو سن الهرم والتخريف، الذي به يزول العقل، ويضمحل، كما زالت باقي القوة، وضعفت.
{ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا } أي: لأجل أن لا يعلم هذا المعمر شيئا مما كان يعلمه قبل ذلك، وذلك لضعف عقله، فقوة الآدمي محفوفة بضعفين، ضعف الطفولية ونقصها، وضعف الهرم ونقصه، كما قال تعالى:

{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ } والدليل الثاني، إحياء الأرض بعد موتها، فقال الله فيه:
{ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً } أي: خاشعة مغبرة لا نبات فيها، ولا خضر،
{ فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ } أي: تحركت بالنبات { وَرَبَتْ } أي: ارتفعت بعد خشوعها وذلك لزيادة نباتها، { وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ } أي: صنف من أصناف النبات { بَهِيجٍ } أي: يبهج الناظرين، ويسر المتأملين، فهذان الدليلان القاطعان، يدلان على هذه المطالب الخمسة، وهي هذه.
{ ذَلِكَ } الذي أنشأ الآدمي من ما وصف لكم، وأحيا الأرض بعد موتها، { بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ } أي: الرب المعبود، الذي لا تنبغي العبادة إلا له، وعبادته هي الحق، وعبادة غيره باطلة، { وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى } كما ابتدأ الخلق، وكما أحيا الأرض بعد موتها، { وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } كما أشهدكم من بديع قدرته وعظيم صنعته ما أشهدكم.
{ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا } فلا وجه لاستبعادها، { وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ } فيجازيكم بأعمالكم حسنها وسيئها.
{ 8 - 9 }

{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ }

المجادلة المتقدمة للمقلد، وهذه المجادلة للشيطان المريد، الداعي إلى البدع، فأخبر أنه
{ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ } أي: يجادل رسل الله وأتباعهم بالباطل ليدحض به الحق، { بِغَيْرِ عِلْمٍ } صحيح { وَلَا هُدًى } أي: غير متبع في جداله هذا من يهديه، لا عقل مرشد، ولا متبوع مهتد،
{ وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ } أي: واضح بين، أي: فلا له حجة عقلية ولا نقلية ، إن هي إلا شبهات، يوحيها إليه الشيطان { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ } ومع هذا { ثَانِيَ عِطْفِهِ } أي: لاوي جانبه وعنقه، وهذا كناية عن كبره عن الحق، واحتقاره للخلق، فقد فرح بما معه من العلم غير النافع، واحتقر أهل الحق وما معهم من الحق، { لِيُضِلَّ } الناس، أي: ليكون من دعاة الضلال، ويدخل تحت هذا جميع أئمة الكفر والضلال، ثم ذكر عقوبتهم الدنيوية والأخروية فقال:
{ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ } أي: يفتضح هذا في الدنيا قبل الآخرة، وهذا من آيات الله العجيبة، فإنك لا تجد داعيا من دعاة الكفر والضلال، إلا وله من المقت بين العالمين، واللعنة، والبغض، والذم، ما هو حقيق به، وكل بحسب حاله.
{ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ } أي: نذيقه حرها الشديد، وسعيرها البليغ، وذلك بما قدمت يداه، { وَأَّن اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ }
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #216  
قديم 12-03-2010, 10:26 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
افتراضي

{ 11 - 13 }

{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ * يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ }

أي: ومن الناس من هو ضعيف الإيمان، لم يدخل الإيمان قلبه، ولم تخالطه بشاشته، بل دخل فيه، إما خوفا، وإما عادة على وجه لا يثبت عند المحن، { فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ } أي: إن استمر رزقه رغدا، ولم يحصل له من المكاره شيء، اطمأن بذلك الخير، لا بإيمانه. فهذا، ربما أن الله يعافيه، ولا يقيض له من الفتن ما ينصرف به عن دينه، { وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ } من حصول مكروه، أو زوال محبوب { انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ } أي: ارتد عن دينه، { خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ } أما في الدنيا، فإنه لا يحصل له بالردة ما أمله الذي جعل الردة رأسا لماله، وعوضا عما يظن إدراكه، فخاب سعيه، ولم يحصل له إلا ما قسم له، وأما الآخرة، فظاهر، حرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض، واستحق النار، { ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } أي: الواضح البين.
{ يَدْعُو } هذا الراجع على وجهه { مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ } وهذا صفة كل مدعو ومعبود من دون الله، فإنه لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا، { ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ } الذي قد بلغ في البعد إلى حد النهاية، حيث أعرض عن عبادة النافع الضار، الغني المغني ، وأقبل على عبادة مخلوق مثله أو دونه، ليس بيده من الأمر شيء بل هو إلى حصول ضد مقصوده أقرب، ولهذا قال: { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ } فإن ضرره في العقل والبدن والدنيا والآخرة معلوم { لَبِئْسَ الْمَوْلَى } أي: هذا المعبود { وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ } أي: القرين الملازم على صحبته، فإن المقصود من المولى والعشير، حصول النفع، ودفع الضرر، فإذا لم يحصل شيء من هذا، فإنه مذموم ملوم.
{ 14 }

{ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }

لما ذكر تعالى المجادل بالباطل، وأنه على قسمين، مقلد، وداع، ذكر أن المتسمي بالإيمان أيضا على قسمين، قسم لم يدخل الإيمان قلبه كما تقدم، والقسم الثاني: المؤمن حقيقة، صدق ما معه من الإيمان بالأعمال الصالحة، فأخبر تعالى أنه يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار، وسميت الجنة جنة، لاشتمالها على المنازل والقصور والأشجار والنوابت التي تجن من فيها، ويستتر بها من كثرتها، { إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } فما أراده تعالى فعله من غير ممانع ولا معارض، ومن ذلك، إيصال أهل الجنة إليها، جعلنا الله منهم بمنه وكرمه.
{ 15 }

{ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ }

أي: من كان يظن أن الله لا ينصر رسوله، وأن دينه سيضمحل، فإن النصر من الله ينزل من السماء { فَلْيَمْدُدْ } ذلك الظان { بِسَبَبٍ } أي: حبل { إِلَى السَّمَاءِ } وليرقى إليها { ثُمَّ لِيَقْطَعْ } النصر النازل عليه من السماء
{ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ } أي: ما يكيد به الرسول، ويعمله من محاربته، والحرص على إبطال دينه، ما يغيظه من ظهور دينه، وهذا استفهام بمعنى النفي [وأنه]، لا يقدر على شفاء غيظه بما يعمله من الأسباب.
ومعنى هذه الآية الكريمة: يا أيها المعادي للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، الساعي في إطفاء دينه، الذي يظن بجهله، أن سعيه سيفيده شيئا، اعلم أنك مهما فعلت من الأسباب، وسعيت في كيد الرسول، فإن ذلك لا يذهب غيظك، ولا يشفي كمدك، فليس لك قدرة في ذلك، ولكن سنشير عليك برأي، تتمكن به من شفاء غيظك، ومن قطع النصر عن الرسول -إن كان ممكنا- ائت الأمر مع بابه، وارتق إليه بأسبابه، اعمد إلى حبل من ليف أو غيره، ثم علقه في السماء، ثم اصعد به حتى تصل إلى الأبواب التي ينزل منها النصر، فسدها وأغلقها واقطعها، فبهذه الحال تشفي غيظك، فهذا هو الرأي: والمكيدة، وأما ما سوى هذه الحال فلا يخطر ببالك أنك تشفي بها غيظك، ولو ساعدك من ساعدك من الخلق. وهذه الآية الكريمة، فيها من الوعد والبشارة بنصر الله لدينه ولرسوله وعباده المؤمنين ما لا يخفى، ومن تأييس الكافرين، الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره، ولو كره الكافرون، أي: وسعوا مهما أمكنهم.
{ 16 }


{ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ }

أي: وكذلك لما فصلنا في هذا القرآن ما فصلنا، جعلناه آيات بينات واضحات، دالات على جميع المطالب والمسائل النافعة، ولكن الهداية بيد الله، فمن أراد الله هدايته، اهتدى بهذا القرآن، وجعله إماما له وقدوة، واستضاء بنوره، ومن لم يرد الله هدايته، فلو جاءته كل آية ما آمن، ولم ينفعه القرآن شيئا، بل يكون حجة عليه.
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #217  
قديم 12-03-2010, 11:14 AM
الصورة الرمزية صوت الامة
صوت الامة صوت الامة غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 6,280
معدل تقييم المستوى: 22
صوت الامة has a spectacular aura about
افتراضي

ما شاء الله على الموضوع الرائع والجميل
حقيقى موضوع مفيد جدا
ما شاء الله
جزاكم الله خيرا استاذة عاشقة الموج
ربنا يبارك فيكم
جزاكم الله خيرا وجارى تثبيت الموضوع
بارك الله فيكم
__________________

قلب لايحتوي حُبَّ الجهاد ، قلبٌ فارغ .!
فبالجهاد كنا أعزة .. حتى ولو كنا لانحمل سيوفا ..
رد مع اقتباس
  #218  
قديم 12-03-2010, 11:59 AM
ممدوح مصطفى الانصارى ممدوح مصطفى الانصارى غير متواجد حالياً

مستشار مجلس الادارة

 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 9,499
معدل تقييم المستوى: 25
ممدوح مصطفى الانصارى is just really nice
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صوت الامة مشاهدة المشاركة
ما شاء الله على الموضوع الرائع والجميل
حقيقى موضوع مفيد جدا
ما شاء الله
جزاكم الله خيرا استاذة عاشقة الموج
ربنا يبارك فيكم
جزاكم الله خيرا وجارى تثبيت الموضوع
بارك الله فيكم
جزاكم الله خيرا لحسن متابعتكم
وخالص الدعوات لزميلتنا الفاضلة
نفعنا الله بما قدمت ..خالص الدعوات
رد مع اقتباس
  #219  
قديم 12-03-2010, 02:21 PM
أ/ محمد عبد العظيم أ/ محمد عبد العظيم غير متواجد حالياً
معلم لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,997
معدل تقييم المستوى: 19
أ/ محمد عبد العظيم is on a distinguished road
افتراضي

بارك الله فيكم
__________________
يا من يجيب العبد قبل سؤاله *** ويجود للعاصين بالغفران
واذا أتاه الطالبون لعفوه *** ستر القبيح وجاد بالاحسان
رد مع اقتباس
  #220  
قديم 13-03-2010, 07:13 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ممدوح مصطفى الانصارى
جزاكم الله كل الخيرات

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ممدوح مصطفى الانصارى

خالص الدعوات



مشكور مرورك العطر مستر ممدوح الأنصارى
وجزاك الله الخير و بارك الله فيك للمتابعة
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #221  
قديم 13-03-2010, 07:17 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صوت الامة مشاهدة المشاركة
ما شاء الله على الموضوع الرائع والجميل
حقيقى موضوع مفيد جدا
ما شاء الله
جزاكم الله خيرا استاذة عاشقة الموج
ربنا يبارك فيكم
جزاكم الله خيرا وجارى تثبيت الموضوع
بارك الله فيكم

بارك الله فيك و جزاك الجنة / صوت الأمة
مشكور على تثبيت الموضوع
و كل الشكر لإدارة و مشرفين
بوابة الثانوية العامة
و منتدى علوم القرآن الكريم
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #222  
قديم 13-03-2010, 07:18 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,654
معدل تقييم المستوى: 19
عاشقة الموج is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أ/ محمد عبد العظيم مشاهدة المشاركة
بارك الله فيكم
و بارك فيكم الرحمن
مشكور مرورك الكريم
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #223  
قديم 13-03-2010, 12:35 PM
الصورة الرمزية engi11
engi11 engi11 غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 1,255
معدل تقييم المستوى: 17
engi11 has a spectacular aura about
افتراضي

جزاكم الله كل الخير ووضعه فى ميزان حسناتكم
رد مع اقتباس
  #224  
قديم 16-03-2010, 07:11 PM
abou-yousef abou-yousef غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 353
معدل تقييم المستوى: 0
abou-yousef is on a distinguished road
افتراضي

شكرا على الموضوع المتميز
رد مع اقتباس
  #225  
قديم 18-03-2010, 11:47 PM
احمد123456 احمد احمد123456 احمد غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 3
معدل تقييم المستوى: 0
احمد123456 احمد is on a distinguished road
افتراضي

الف الف شكر وجزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, قران


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 11:15 PM.