#2206
|
||||
|
||||
ثم نأتى لفتة اخرى : رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى لم يقرأ ولم يكتب ..هل يمكن ان تكون له ثلاثة اساليب متميزة تختلف بعضا عن بعض تماما .. وهى اسلوب القرآن الكريم واسلوب الأحاديث القدسية واسلوب الأحاديث النبوية.. لا توجد عبقرية فى الدنيا من يوم ان خلقت الى يومنا هذا لها ثلاثة اساليب لكل منها طابع مميز لا يتشابه مع الأخر...كيف يمكن ان يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم بين القرآن الكريم والحديث القدسى والحديث النبوى .. بحيث يعطى كلا منها طابعا واسلوبا يميزه عن الأخر.. ان لكل شخص اسلوبه الذى يتميز به .. وانت اذا كنت مطلعا فى علوم اللغة والأدب .. فبمجرد ان تقرأ الكلام تقول هذا كلام فلان ، لأن لكل شخص منا اسلوبا يميزه .. فكيف استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقسم كلامه .. فيقول هذا قرآن وهذا حديث قدسى وهذا حديث نبوى؟؟؟ اذن فاختلاف القرآن الكريم والأحاديث القدسية والأحاديث النبوية .. اكبر دليل على ان القرآن والأحاديث القدسية ليست من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ..لأن الشخصية الأسلوبية لأى انسان هى شخصية مميزة .. ولا يمكن ان ينفعل احد باحداث الحياة .. فيكتب كل مرة باسلوب مختلف تماما عن الأسلوب الأخر .. او يكتب اليوم باسلوب وغدا باسلوب وبعد غد باسلوب .. ثم يعود بعد ذلك الى الأسلوب الأول .. انه اذا قرأ احدهم القرىن نقول هذا قرآن ، وان تلا احدهم حديثا قدسيا نقول هذا حديث قدسى .. واذا قال احدهم حديثا نبويا قلنا حديث نبوى .. ولكل انسان منا شخصية اسلوبية واحدة .. اذا حاول ان يخرج منها فانها تغلبه .. والفروق الهائلة فى الأساليب بين القرآن والأحاديث القدسية والنبوية أكبر دليل على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم . واحتار الكفار ماذ1 يفعلون .. ولم يجدوا ثغرة من منطق ينفذون منها .. فماذا قالوا ؟ .. قالوا ساحر !! وكان الرد ببساطة ان المسحور ليست له ارادة مع الساحر .. بحيث يستطيع دفع السحر عن نفسه ، وان الساحر يسحر من امامه رغما عن ارادتهم...فاذا كان محمد صلى الله عليه وسلم ساحرا فلماذا لم يسحركم انتم حتى تؤمنوا به .. وباى شىء رددتم السحر عن انفسكم ؟؟ اد ادعاءكم هذا يكذب حجتكم لأن كونكم الأن جالسين تقولون ساحر فمعنى ذلك انه لم يسحركم .. ولو كان ساحرا حقيقيا لأجبركم بسحره على ان تتبعوه . وقالوا مجنون .. نقول لهم الجنون عمل بغير رتابة .. بمعنى انك لا تستطيع ان تتنبأ بما يفعله المجنون فى اللحظة القادمة . فقد يجلس يتحدث معك وبعد دقيقة واحدة يضربك .. وتجده يبكى وبعد ثوان قليلة يضحك .. ورد تبارك وتعالى عليهم : ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ(1) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ(2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ(3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4) سورة القلم والشهادة من الله بان رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلق عظيم .. لا يتصادم مع ما يعرفه الكفار عنه قبل الرسالة .. فهو بشهادتهم كان معروفا بالصدق والأمانه والخلق الحسن وكانوا يلقبونه بالأمين .. وكانوا يأمنونه على اموالهم وكل شىء له قيمة .. ولتعرف كيف يتناقض الكفار مع انفسهم نقول لهم كيف تأتمنون انسانا مجنونا على اغلى ما تمتلكون .. هل هذا يتمشى مع العقل .. ايذهب الإنسن بأغلى ما عنده ويضعه عند رجل مجنون ؟..طبعا مستحيل لا يمكن ان يكون المجنون على خلق عظيم . وقالوا شاعر وكاهن.. فرد القرآن الكريم بقوله تبارك وتعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ(40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ(41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ(42) سورة الحاقة وقولهم شاعر مردود عليه .. بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل شعرا فى حياته .. والمواهب لا تأتى فجأة بل لابد ان تصقلها التجربة والخطأ .. تماما كالذى يقود السيارة .. عندما يبدأ لابد ان يكون معه انسان يعرف قيادة السيارة .. ويعلمه فيخطىء ويصيب .. ثم بعد ذلك يقود السيارة .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانت عنده ملكة الشعر ولا دربه احد عليه .. اما قولهم كاهن فالإنسان ينسى بمرور الوقت ، لذلك قيل اذا كنت كذوبا فكن ذكورا . واذا اردنا ان نعرف الحقيقة فاننا نسأل الإنسان على فترات .. فان كان كاذبا فانه يتخبط فى اقواله .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو امى لا يقرا ولا يكتب .. كان ينزل عليه الوحى بالأيات فيتلوها على اصحابه .. ثم يؤذن للصلاة بعد ذلك بساعات .. فيتلو رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصلاة.. الأيات التى نزلت عليه دون ان يتغير منها حرف واحد .. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى : "قليلا ما تذكرون " .. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان يأتى بالقرآن من عنده لنسى ولغير وبدل .. لأن الذاكرة لا يمكن ان تستوعب بنفس الألفاظ ما قالته. ولو انك جئت بانسان وطلبت منه ان يتحدث فى موضوع معين وسجلته له .. ثم طلبت منه ان يعيد بعد نصف ساعة ما قاله .. لا يمكن ان يأتى بنفس الكلام او بنفس الألفاظ او بنفس الترتيب. والحق سبحانه وتعالى يعطى رسله منهجه بالوحى .. ويكون عطاؤه غيبيا لأن الله غيب .. فالله سبحانه وتعالى يقول : وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ(51) سورة الشورى وذلك لأن التكوين البشرى لا يمكن ان يستقبل من الله مباشرة .. والوحى اعلام بخفاء ، ولكى نقرب المعنى من الأذهان .. نقول انك لو كنت لا تريد ان تقابل ضيفا ثقيلا فانك تتفق مع خادمك على اشارة معينة .. فاذا جاء واخبرك امام الحاضرين بان فلان وصل .. تعطيه اشارة فلا يدخل الى المنزل .. هذه الإشارة المتفق عليها .. لايفهمها احد من الحاضرين ولا يعرف معناها .. هذا هو معنى الوحى اعلام بخفاء .. لا يفهمه احد الا الموحِى ومن يوحَى اليه .. والوحى مادام اعلاما بخفاء فانه يقتضى موجها .. وموحَى اليه وموحَى به .. ولقد اوحى الله للرسل واوحى الى غير الرسل .. فاوحى للملائكة والى ام موسى والى الحواريين وللنحل وللأرض .. وهناك وحى من الشيطان لأوليائه هذا هو الوحى اللغوى .. اما الوحى الشرعى فيكون وحيا من الله لرسله .وكان وحى الله لموسى عليه السلام ان كلمه من وراء حجاب .. وكان وحى الحق جل جلاله الى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. بان ارسل له جبريل عليه السلام .. ويجىء الملك بالوحى فيسمع رسول الله عليه الصلاة والسلام صلصلة الجرس تنبيها .. ويتم اللقاء بين جبريل والرسول فتتغير كيماويات جسد الرسول .. حتى انه حينما جاءه الوحى لامست ركبته الشريفة ركبة صحابى كان يجلس بجواره فاحس كأنها جبل .. واذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبا الناقة .. فتنام او تبرك الناقة على الأرض ولا تستطيع السير .. وكانت لفتة اخرى من الله تبارك وتعالى .. انه لا تناقض مطلقا بين القرآن وبين العلم ..فاذا جاءت نظرية علمية تناقض القرآن الكريم .. فالقرآن على حق والنظرية على باطل .. وهناك نظريات اخفاها الله سبحانه وتعالى عنا .. ولكن اخفاءه لها لا يضرنا بشىء
فالشمس ينتفع بها كل الناس ولا يعلم حقيقتها أحد .. وكذلك الظواهر الكونية الأخرى .. فكل ما اخفاه الله عنا هو جهل لا يضر ولا يقلل انتفاعنا بالكون. |
#2207
|
||||
|
||||
والقرآن كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .. ولقد حمل منهج الله للبشر ليحمى حركة الإنسان الإختيارية فى الكون .. ومادام الأنسان يلتزم حياته بالقرآن الكريم فانه يستمتع بالجمال فى الكون .. اما اذا خالفه فيكون الإنسان قد سعى الى شقائه . ولقد ظهرت الداءات والأمراض فى المجتمعات عندما خالف الإنسان منهج السماء ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى : وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً(82) سورة الإسراء لماذا قدم الله سبحانه وتعالى الشفاء على الرحمة .. لأن الرحمة تقى الناس من اى شر قادم ولكن لابد من الشفاء اولا .. وعندما نزل القرىن كانت الأمراض والداءات تملأ المجتمعات .. الظلم واكل حقوق الناس واستعباد الإنسان للأنسان وغير ذلك من امراض المجتمع .. فجاء الأسلام اولا ليشفى هذه الأمراض اذا اتبع منهجه .. ثم بعد ذلك تأتى الرحمة وتمنع عودة هذه الداءات . فاذا حدثت غفلة عن منهج الله .. جاءت الداءات والأمراض .. فاذا عدت الى صيدلية القرآن تأخذ منها الدواء يتم الشفاء . "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" طلب الله سبحانه وتعالى من كل مؤمن ان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم .. قبل ان يقرأ القرآن .. اذن فالإستعاذة هى اول التقاء.. بين المؤمن وبين بداية قراءته للقرآن الكريم والله سبحانه وتعالى يقول : فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(98) سورة النحل وواضح ان الآية الكريمة .. تطلب منا الإستعازة بالله من الشيطان قبل ان نقرأ القرآن .. ذلك أن كل مخلوق إذا اتجه الى خالقه واستعاذ به يكون هو الأقوى برغم ضعفه وهو الغالب برغم عدم قدرته .. لأن الله عندما يكون معك . تكون قدرتك وقوتك فوق كل قدرة واعلى من كل قوة .. لأنك جعلت الله سبحانه وتعالى فى جانبك . ونحن حين نقرأ القرآن لابد ان نصفى جهاز استقبالنا لحسن استقبال كلام الله .وفى هذه الحالة لا نفعل ذلك بقدراتنا نحن ولا بقوتنا .. ولكن بالأستعانة بقوة وقدرة الله .. لماذا ؟ لأن معوقات المنهج عند الإنسان المؤمن انما هى من عمل الشيطان. وابليس يأتى دائما من الباب الذى يرى فيه المنهج ضعيفا .. فاذا وجد انسانا متشدد فى ناحية ياتى له من ناحية اخرى . فلو ان العبد المؤمن متشدد فى الصلاة .. يحافظ عليها ويؤديها فى اوقاته ، جاءه ابليس من ناحية المال . يوسوس له بالا يخرج الزكاة لأنها ستؤدى به الى الفقر .. ويوسوس له ان يأكل حقوق الناس ..مدخلا السرور الى نفسه بالوهم بأنه سيصبح غنيا آمنا مطمئنا على غده .. وهذا كذب والحقيقة هى التى رواها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : ( ما نقص مال من صدقة )رواه احمد ومسلم والترمذى عن ابى هريرة وتتمه الحديث "وما زاد الله عبدا بعفو الا عزا وما تواضع احد لله الا رفعه" والصدقة هى التى تكثر المال وتضع فيه البركة فيزداد وينمو .. والمال هو مال الله ينتقل من يد الى يد فى الدنيا .. ثم يموت الإنسان ويتركه..ولكن ابليس يستغل غفلة الناس عن هذه الحقيقة ليدفعهم الى المال الحرام .. فاذا كان الأنسان متشددا من ناحية المال .. جاءه من ناحية المرأة فيظل يزين له امرأة خليعة .. يوسوس له حتى يسقط فى الزنا .. وان كان قويا فى هذه النواحى كلها .. زين له ابليس الخمر او مجلس السوء او النميمة ..المهم ان ابليس يظل يدور حول نقط الضعف فى الإنسان ليسقطه فى المعصية . ولذلك فان الإستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، انما تجعل الله سبحانه وتعالى يقوى نقط الضعف فيك . فلا يستطيع الشيطان ان ينفذ اليك وانت تقرأ القرآن ليضع فى رأسك هواجس تلهيك عن هذه القرأءة .. ذلك عطاء الله فى القرآن يساوى بين جميع الخلق .. فعطاء القرآن متساو ولكن كل انسان يأخذ قدر ايمانه .. فالقرآن يقرأ والناس تسمع ولكن هل يتقبل الجميع القرآ، تقبلا متساويا ؟ نقول لا ..فقد قال الله سبحانه وتعالى ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم(16) سورة محمد اى ان القرآن لم يؤثر فيهم .. ولكنه أثر فى المؤمنين الذين استمعوا اليه مصداقا لقوله جل جلاله : وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِياًّ لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ(44) سورة فصلت فالقرآن عطاؤه للجميع ولكن المهم من يستقبله .. وكيف يستقبله عندما يتلى عليه .. والله سبحانه وتعالى يريدنا عندما نقرأ القرآن .. ان نبعد الشيطان عن انفسنا قبل ان يبعدنا هو عن منهج الله وعن آياته .. وبما اننا لا نرى الشيطان وهو يرانا .. ولا نعرف اين هو بينما هو يعرف اين نحن .. مصداقا لقوله تبارك وتعالى : يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ(27) سورة الأعراف فلابد ان تستعيذ بقوة تستطيع ان تقهر الشيطان وتدمره .الله سبحانه وتعالى طلب منا ان نستعيذ به وان نلجأ اليه لأنه هو القادر على ان يحمينا .. ويصفى قلوبنا ونفوسنا من همزات الشياطين فيحس استقبالنا للقرآن الكريم .. لأنه اذا صفيت نفسك لأستقبال القرآن .. فان آياته الكريمة تمس قلبك ونفسك وتكون لك هدى ونور والشيطان قد قضى الله سبحانه وتعالى فى أمره فطرده من رحمته رجيما مبعدا .. والشيطان يعرف أن مصيره النار ويعتقد ان آدم هو السبب .. لأن بداية المعصية كانت رفض ابليس طاعة أمر الله فى السجود لآدم .. وقال كما يروى لنا القرآن الكريم . قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ(12) سورة الأعراف وكانت معصية ابليس فى القمة .. لأنه رد الأمر على الآمر .. وقال لن اطيع ولن اسجد لآدم لأننى خير منه .. هو من طين وانا من نار .. فكأنه لم يرض بحكم الله سبحانه وتعالى واراد ان يعدله . وهذه معصية فى القمة.. جعلت الله تبارك وتعالى يطرد ابليس من رحمته .. ويصفه بأنه رجيم .. وذلك حتى نعرف ان مصيره النار وان الله لن يغفر له . وبدأ ابليس بغواية آدم عليه السلام .. فآدم عاش فى جنة تعطيه مقومات حياته بلا تعب وبلا عمل .. وكان فى الجنة الوف الأشجار تعطى كل الثمرات وهى حلال لأدم وحواء يأكلان منها ما يشاءان .. ما عدا شجرة واحدة حرمها الله عليهما ..وكانت هذه الشجرة هى بداية الخطيئة ..بدأ ابليس يغرى آدم وحواء على المعصية .. كيف ؟ .. حاول اقناعهما بأن عدم الأكل من هذه الشجرة .. سيحرمهما من خير كبير .. واقرأ قول القرآن الكريم: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ(20) سورة الأعراف وفى إغواء أخر: "فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى(120) سورة طه وهكذا نعرف ان ابليس يأتى للإنسان من اكثر من زاوية .. لذلك كانت الزاوية الأولى هى ان هذه الشجرة من يأكل منه يكون ملكا او يكون خالدا .. وكان الأغواء الثانى ان هذه الشجرة تعطى لمن يأكل منها بجانب الخلود ملكا لا ينتهى . إذا فإبليس يصور للإنسان .. ان ما منعه الله عنه هو الخير .. وانه لو عصى فسيحصل على المال والنفوذ .. لقد اكل آدم وحواء من الشجرة . فلم يخلدا ولم يأت لهما مُللك لا ينتهى . بل ظهرت عوراتهما وعرفا ان ابليس كان كاذبا .. وان الله سبحانه وتعالى بمنهجه وما ينهانا عنه انما كان يريد لهما الخير . ولكن الشيطان ياتى ويزين للانسان طريق الباطل .. ولو ان آدم كان قد حكم عقله لعرف كذب وسوسة ابليس.. فابليس كما يدعى كان يدل ادم على شجرة الخلد .. ولو ان هذه الشجرة كانت تعطى الخلد فعلا .. لما طلب ابليس من الله تبارك وتعالى ان يبقى على حياته الى يوم القيامة .. بل لأكل من الشجرة ونال الخلد. ولكن ابليس دخل من ناحية الغفلة فى النفس البشرية ليوقع ادم فى المعصية .. وهو يدخل الى ابناء ادم من ناحية الغفلة ايضا . ولو ان ابناء ادم حكموا عقولهم وهم يعرفون ان هناك عداوة مسبقة بين ادم وابليس .. وان ابليس طلب من الله سبحانه وتعالى ان يبقيه الى يوم القيامة لينتقم من ادم واولاده باغوائهم على المعصية .. لوتنبهنا الى ذلك لأخذنا حذرنا .. وعندما تنكشف وسوسة الشيطان فانه يهرب ابليس دخل الى ناحية الغواية بان اقسم بعزة الله .. وان الله عزيز لا يحتاج لخلقه ولا يضره سبحانه وتعالى من كفر ولا يزيد شيئا فى ملكه من آمن .. استغل عزة الله فى استغنائه عن خلقه فقال كما يروى لنا القرآن الكريم قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(82) سوءة ص ولكن الحق تبارك وتعالى أخبرنا انه طرد ابليس من رحمته وسماه رجيما .حتى نعرف جميعا انه لن يدخل فى رحمة الله ابدا. ابليس دخل الى غواية بنى ادم بعزة الله سبحانه وتعالى عن خلقه .. فلو ان الله اراد خلقه جميعا مهديين .. ما استطاع ابليس ان يتقدم ناحية واحد منهم .. واقرأ قوله سبحانه .. إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين(4) سورة الشعراء اذن الله سبحانه وتعالى .. هو الذى اعطى للإنسان حق الإختيار ولو شاء لجعله مقهورا على الطاعة كباقى الخلق .. من نقطة الإختيار هذه . وقوله تبارك وتعالى : وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً(29)
سورة الكهف |
#2208
|
||||
|
||||
اذا فالله سبحانه وتعالى بين لنا طريق الهداي وطريق المعصية .. ثم ترك لنا ان نختار طاعة الله ورحمته .. او معصية الله وعذابه .. ولم يعطنا الحق تبارك وتعالى هذا الإختيار الا فترة محدودة هى حياتنا فى الدنيا .. فعندما يحتضر الإنسان تخمد بشريته .. ويصبح لا اختيار له. كما ان الله جل جلاله لم يعطنا الإختيار فى كل احداث الدنيا .. بل اعطاه لنا فى المنهج فقط فى الطاعة او المعصية. ولكى نتقى الشيطان فى حياتنا . شرح لنا القرآن الكريم كيف سيغوى ابليس بنى آدم .. واقرأ القرآن الكريم : قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(16) سورة الأعراف اى ان ابليس لا يجتهد فى اغواء من باع نفسه للمعصية .. وانطلق يخالف كل ما امر به الله .. فالنفس الأمارة بالسوء لها شيطانها.. وهى ليست محتاجة الى اغواء لأنها تأمر صاحبها بالسوء .. ولذلك فإن ابليس لا يذهب الى الخمارات وبيوت الدعارة ويبذل جهدا فى اغواء من يجلسون فيها ..لأن كل من ذهب الى هذه الأماكن ..هو من شياطين الإنس.. ولكن ابليس يذهب الى مهابط الطاعة واماكن العبادة .. هؤلاء يبذل معهم كل جهده وكل حيلة ليصرفهم عن عبادة الله ، ولذلك لابد ان ننتبه الى ان ابليس لم يقل لهم على الطريق المعوج..فالطريق المعوج بطبيعته يتبع الشيطان ..فابليس يريد اهل الطاعة .. ويزين لهم المعصية ويغريهم بالمال الحرام القرآن الكريم يقول ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17) سورة الأعراف هذه هى جهات الغواية التى يأتى منها ابليس .. من بين ايديهم اى من امامهم وهذه هى الجهة الأولى ومن خلفهم اى من ورائهم وهذه هى الجهة الثانية ..وعن ايمانهم اى من اليمين وهذه هى الجهة الثالثة .. وعن شمائلهم اى من الشمال وهذه هى الحهة الرابعة.. وكلنا نعلم ان الجهات ست وليست اربعا .. فما هما الجهتان اللتان لا يأتى منهما الشيطان ؟ .. هما فوق وتحت .. هرب ابليس من هاتين الجهتين بالذات .. ولم يقل سآتى لهم من فوقهم او من تحتهم ، لأنه يعلم أن الجهة العليا تمثل الفوقية الإلهية .. وان الجهة السفلى تمثل العبودية البشرية حينما يسجد الإنسان لله .. ولذلك ابتعد ابليس عن هاتين الجهتين تماما . ومن العجب انك اذا نظرت الى ابواق الإلحاد فى كل عصر .. تجدها تأتى من الجهات التى ياتى منها الشيطان .. يقولون تقدمى جهة الأمام ..ورجعى جهة الخلف ويمينى جهة اليمين ويسارى جهة اليسار .. نقول لهم نحن لسنا فى اى جهة من هذه الجهات . لا تقدميين ندعو الى التحلل والفجور .. ولا رجعيين نقول هذا ما وجدنا عليه آباءنا . ولا يساريين ننكر الدين ونناصر الكفر .. ولا يمينيين نؤمن بالرأسمالية واستغلال الأنسان .. ولكننا أمة محمدية فوقية .كل امورنا من الله . ومادامت امورنا من الله سبحانه وتعالى . فنحن لا نخضع لمساو لنا . ولكننا نخضع لله العلى القدير وما دمت تخضع لأعلى منك فلا ذلة ابدا بل عزة ورفعه . مصداقا لقوله تبارك وتعالى يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ(8) سورة المنافقون ونحن أمة محمدية فوقية .. نعلن عبوديتنا وخضوعنا لله .. ونتبع منهج السماء .. ولذلك فقد تميزنا عن البشر جميعا لأن كل انسان فى الدنيا لا يخضع لله سبحانه وتعالى ولا يأخذ منهجه عنه فهو خاضع لمنهج بشرى وضعه مساو له من البشر .. والنفس البشرية لها هوى تريد ان تحققه . لذلك فهى تضع المنهج الذى يمكنها من ان تتميز به على الناس .. المنهج الذى تستفيد منه هى وحدها.. وقد يكون المنهج من وضع محموعة افراد او طبقة .. نقول ان مناهجهم لفائدتهم .. ولكن الله سبحانه وتعالى يضع منهجه ليعطيك خيرا .. لا ليأخذ منك الخير ،لأنه جل جلاله مصدر الخير كله . وهو ليس محتاجا لما تملك ولا ما يملك البشر . اذن العدل والخير والعزة هى منهج السماء . فالله لا ياخذ منك ولكن يعطيك . ولا يذلك ولكن يعزك. على ان هناك لفتة .. لابد ان ننتبه اليها . فهذه الفوقية هى التى جعلت الله سبحانه وتعالى يختار أمة أمية .. ليجعل فيها آخر صلة للسماء بالأرض ويختار من هذه الأمة رسولا أميا .. أى كما ولدته أمه .لم يأخذ ثقافة من مساوية..لم يتثقف على الشرق او على الغرب ولم يقرأ لفلان فيتأثر به .. او لفيلسوف فيتبعه ولكن الذى علمه هو الله جل جلاله اذن فالأمية شرف لرسول الله صلى الله عليه وسلم ..لنها تؤكد ان كل ما جاء به هو من الله سبحانه وتعالى ولذلك فكل ما يأتى به معجزة لأنه وحى السماء ..فلو ان القرآن نزل على أمة متحضرة كالفرس او الروم .. او على نبى غير أمى ..قد قرأ كتب الفلاسفة والعلماء من الشرق والغرب .. لقيل ان "القرآن التقاء حضارات وهبات عقل واصلاحات ليقود الناس حركة حياتهم"ولكن لا . هى أمة امية � رسول أمى.. تأكيدا لصلتها بالسماء .. وان ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام لا دخل لبشر ولا ثقافة ولا حضارة به . وهو ليس من معطيات عقول البشر .. ولكنه من الحق تبارك وتعالى ..ليصبح محمد صلى الله عليه وسلم وهو الرسول الأمى معلما للبشرية كلها . وهكذا نعرف ان الشيطان لا يتطيع ان يقترب من مكان صعود الصلاة وصالح الأعمال الى السماء ومن مكان الخضوع والعبودية لله سبحانه وتعالى وقد أصر الشيطان على غواية الأنسان .. حتى لا يكون هو العاصى الوحيد.فمادام عصى وطرد من رحمة الله لماذا يكون هو العاصى الوحيد؟.. لماذا لا يكون الكل عاصيا ؟.. واذا كانت معصية الشيطان بسبب عدم السجود لآدم .. فلماذا لا يأخذ أولاد آدم معه الى النار ؟ انتقاما منهم ومن ابيهم .بعض الناس يقول ..ابليس عصى وآدم عصى .والله سبحانه وتعالى طرد ابليس من رحمته وغفر لآدم .. نقول ان هناك فرقا بين معصية ومعصية . معصية ابليس كانت معصية فى القمة .. ترد الأمر على الآمر .تقول لا ..لن اسجد ولن اطيع لأننى من نار وهو من طين .. فكأنه رد الأمر على الآمر.. اما آدم فقال : يارب أمرك الحق .. وقولك الحق ومنهجك الحق .. ولكنى ضعيف لم استطع ان احمل نفسى على الطاعة .. فسامح ضعفى يارب ، ولذلك شرع له الله سبحانه وتعالى التوبة . وعلمه كلمات ليتوب عليه . اذن فهناك فرق بين معصيتين .معصية تقول لن أطيع لأننى خير منه .. ومعصية يعترف فيها العبد بالخطأ والضعف ويتجه الى الله طالبا التوبة والغفران .وبرغم أن الله سبحانه وتعالى قد أبلغنا فى القرآن الكريم أن الشيطان عدو لنا .. فى قوله إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ(6) سورة فاطر فإن الإنسان لا يحتاط.. ولذلك فى كل مرة نقرأ فيها القرآن .. يريد الله سبحانه وتعالى .. أن نستعيذ به من الشيطان الرجيم .. حتى اذا كان الشيطان قد مسنا او غلبنا فى حدث من احداث الحياة ..فان الله سبحانه وتعالى يبعده عنا ونحن نقرأ القرآن ..حتى تصفوا قلوبنا ونكون قد أبعدنا الشيطان .. وما حاول أن يوسوسه لنا ليبعدنا عن المنهج عندما نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم .. فهناك مستعاذ به وهو الله تبارك وتعالى من الشيطان .. والشيطان من خلق الله وانت من خلق الله . فمن الممكن ان ينفرد خلق الله بخلق الله ، ويكون القوى بقوته . اما اذا التحم احدهما بخالقه فالثانى لا يقدر عليه . وانت اذا تركت نفسك للشيطان .. انفرد بك. ولذلك تستعيذ بالله الذى خلقك وخلق الشيطان .. فيعينك عليه .. ولذلك حين تجد قوما مؤمنين وقوما كافرين ..ان ظل المؤمنون موصولين بربهم . لا يهزمهم الكفار ابدا .. فاذا بعدوا عن منهج الله .. يهزمهم الكفار.. لأنه فى هذه الحالة يكون القتال بين فئتين ابتعدتا عن الله .. اذن فعندما ينفرد خلق بخلق .. فالقوى هو الذى يغلب . اما اذا احتمى خلق بخالقهم فلا يقدر عليهم احد. البشر يقدر على البشر اذا بعدت الفئتان عن الله .. فان كانت الفئتان معتصمتين بالله .. فلن يتقاتلا. والحق تبارك وتعالى .. يريدك حين تقرأ القرآن ان تصفى جهاز استقبالك تصفية تضمن حسن استقبالك للقرآن .. بأن تبعد عنك نزغ الشيطان .. حينئذ تستقبل القرآن بصفاء .. وتأخذ منه كل عطاء .فاذا استعذت بالله من الشيطان الرجيم تكون فى جانب الله فلا ياتيك الشيطان ابدا .. ولذلك سيأتى الشيطان يوم القيامة ليقول لمن اغواهم كما يروى لنا القرآن الكريم : وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(22) سورة ابراهيم اذا فالشيطان ليس له سلطان على الإنسان ان يقهره على فعل لا يريده ..اى ليس له سلطان القهر .وليس له سلطان على ان يقنع الإنسان بالمعصية .. وهذا اسمه سلطان الحجة .. فالسلطان نوعان .. قهر لمن يريد الفعل . واقناع يجعلك تقبل الفعل وانت راض .. الشيطان ليس له سلطان القهر على عمل لا تريده .وليس له سلطان الحجة .. ليقنعنا بان نفعل مالا نريد ان نفعله .. ولكن المسألة ان وسوسة الشيطان .. وجدت هوى فى نفوسنا فتبعناه. والله سبحانه وتعالى يريد ان يمنع عنا هذه الوسوسة .. ونحن نقرأ القرآن الكريم .. ولكن الحق سبحانه وتعالى هو الذى خلق الشيطان .. وهو الذى اعطاه القدرة على ان يوسوس للانسان .. لماذا؟.. لأنه لو ان الطاعة وجدت بدون مقاوم لا تظهر حرارة الايمان .. ولا قوة الأقبال على التكليف .. وانما عندما يوجد اغراء والحاح فى الإغراء .. وانت متمسك بالطاعة فذلك دليل على قوة الإيمان ..تماما كما انك لا تعرف قوة امانة موظف الا اذا اغريته برشوة فلو انه لو لم يتعرض لهذا الإغراء .. فلن تختبر امانته ابدا . ولكن اذا تعرض للأغراء .. وتمسك بامانته ونزاهته فهذه هى الأمانة... والله سبحانه وتعالى اعطانا الإختيار لأنه يريد من خلقه من يطيعه وهو قادر على معصيته .. ويؤمن به وهو قادر على عدم الايمان .. لان هذه تثبت صفة المحبوبية لله . الخلق المقهور لله ياتى له قهرا .. لا يقدر على المعصية .. وهذا يثبت القهر والجبروت لله ولكن الحق سبحانه وتعالى اراد خلقا ياتيه عن حب .. وقد يكون هذا الحب من اجل عطاء الله فى الاخرة ونعيمه وجنته فلا يضن الله على عباده بها .. وقد يكون عن حب لذات الله . لذلك يقول بعض اهل الصفاء فى معنى الآية الكريمة قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً(110) سورة الكهف يقولون ان الجنة احد .. لأن الحق سبحانه وتعالى قال " من كان يريد لقاء ربه" .. اى الأنس بلقاء الله .. فان كنت تعمل للذات وليس للعطاءات .. فانك تكون فى انس الله يوم القيامة .. والذى عمل للجنة سيأخذها .. والذى عمل لما فوق الجنة يأخذه او لم يخلق الله تعالى جنة ونار ، اما كان اهلا لأن يعبد ؟! ولقد قالت رابعة العدوية :" اللهم ان كنت تعلم انى اعبدك طمعا فى جنتك فاحرمنى منها ، وان كنت تعلم انى اعبدك خوفا من نارك فارسلنى فيها ، انا اعبدك لأنك تستحق ان تعبد " والحق سبحانه وتعالى : يريدك عندما تقرأ القرآن .. ان تصفى نفسك له سبحانه وتعالى وهو جل جلاله يعلم مكائد الشيطان ومداخله الى النفس البشرية وانه سيوسوس لك ما يفسد عليك فطرتك الإيمانية .. فيأتى القرآن على فطرة فسدت . فلا يحدث استقبال لفيوضاته على النفس البشرية .. ولكن اذا استعذت بالله فقد استعذت بخالق .. فلا يجرؤ الخلق على الإقتراب منك ولذلك ان اردت من جهاز استقبالك ان يكون صالحا لصفاءات الأرسال ، سامعا لكلام الله .. لأن الله هو الذى يتكلم .. فالقرآن ليس كلام القارىء له . ولكنه كلام الله سبحانه وتعالى .. ولذلك قال سيدنا جعفر الصادق رضى الله عنه .. وكان اكثر آل بيت رسول الله معرفة باسرار القرآن الكريم .. ان مفزعات الحياة عند الأنسان .. الخوف والغم والهم والضر وزوال النعمة.. قال عجبت لمن خاف ولم يفزع الى قول الله سبحانه وتعالى : حسبنا الله ونعم الوكيل . فقد سمعت الله بعده يقول " فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء " وعجبت لمن ابتلى بالضر ولم يفزع الى قول الله سبحانه وتعالى " انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين" فقد سمعت الله بعده يقول " فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر ". وعجبت لمن ابتلى بالغم كيف لم يفزع الى قول الله تعالى " لا اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين" فقد سمعت الله بعده يقول " فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجى المؤمنين " وعجبت لمن اضير .. ولم يفزع لقول الله سبحانه وتعالى " وافوض امرى الى الله ان الله بصير بالعباد " فقد سمعت الله تعالى بعدها يقول " فوقاه سيئات ما مكروا" وانت مادمت فى معية خالقك لا يجرؤ الشيطان ان يذهب اليك ابدا وحين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غار ثور ومعه ابو بكر الصديق رضى الله عنه يوم الهجرة .. والكفار عند مدخل الغار بسلاحهم .. ماذا قال ابو بكر رضى الله عنه ؟ قال لو نظر احدهم تحت قدميه لرآنا .. وهذا واقع لا يكذب الا بصفاء ايمانى .. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبه : ما ظنك باثنين الله ثالثهما وما تشير اليه الآية الكريمة بقوله تعالى : لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا(40)
سورة التوبة اذا فرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ابو بكر رضى الله عنه كلاهما فى معية الله ولكن هل كونهما فى معية الله .رد على قول ابى بكر : لو نظر احدهم تحت قدميه لرآنا .. نقول نعم .. لأنهما فى معية الله � والله لا تدركه الأبصار � فلا تدرك رسول الهه صلى الله عليه وسلم وابا بكر الأبصار كذلك ماداما فى معية الله . |
#2210
|
||||
|
||||
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴿18﴾وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ﴿19﴾وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ ﴿20﴾وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ﴿21﴾وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ ﴿22﴾ إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ ﴿23﴾إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴿24﴾وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴿25﴾ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴿26﴾أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴿27﴾وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴿28﴾إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ﴿29﴾لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴿30﴾
|
#2211
|
||||
|
||||
وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴿31﴾ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴿32﴾جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴿33﴾وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴿34﴾الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴿35﴾وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ﴿36﴾وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ﴿37﴾إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿38﴾هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا ﴿39﴾قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا ﴿40﴾إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴿41﴾وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا ﴿42﴾اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴿43﴾أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴿44﴾وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ﴿45﴾
|
#2212
|
||||
|
||||
سورة يسن
﴿ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ يس ﴿1﴾وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ﴿2﴾إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴿3﴾عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿4﴾تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ﴿5﴾لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ﴿6﴾لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿7﴾إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ ﴿8﴾وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ﴿9﴾وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴿10﴾إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴿11﴾إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴿12﴾وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ﴿13﴾إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ﴿14﴾قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ﴿15﴾قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ﴿16﴾وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ﴿17﴾قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿18﴾قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴿19﴾وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴿20﴾اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴿21﴾وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿22﴾ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ ﴿23﴾إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴿24﴾إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴿25﴾ |
#2213
|
||||
|
||||
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴿26﴾بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴿27﴾وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴿28﴾إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿29﴾يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون ﴿30﴾أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴿31﴾وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿32﴾وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ﴿33﴾وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ ﴿34﴾لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴿35﴾سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ﴿36﴾وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ﴿37﴾وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴿38﴾وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴿39﴾لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴿40﴾
|
#2214
|
||||
|
||||
وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴿41﴾وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ﴿42﴾وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ ﴿43﴾إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ﴿44﴾وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴿45﴾وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ﴿46﴾وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿47﴾وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿48﴾مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ﴿49﴾فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ﴿50﴾وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ﴿51﴾قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ﴿52﴾إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿53﴾فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿54﴾إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ﴿55﴾هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ ﴿56﴾لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ ﴿57﴾سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ﴿58﴾وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ﴿59﴾
|
#2215
|
||||
|
||||
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴿60﴾وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴿61﴾وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ﴿62﴾هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴿63﴾اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴿64﴾الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿65﴾وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ﴿66﴾وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ ﴿67﴾وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ﴿68﴾وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ﴿69﴾لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴿70﴾ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ﴿71﴾وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ﴿72﴾وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴿73﴾وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ ﴿74﴾لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ ﴿75﴾فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴿76﴾أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ ﴿77﴾وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴿78﴾قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴿79﴾الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ﴿80﴾أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴿81﴾إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴿82﴾فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿83﴾
|
#2216
|
||||
|
||||
شكرا لمروركم جميعا
و بارك الله فيكم و جزاك خيرى الدنيا و الآجرة و اليوم نستكمل سورة الزمر إن شاء الله
__________________
دخول متقطع أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب |
#2217
|
||||
|
||||
تابع تفسير سورة الزمر
{ 22 }
{ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } أي: أفيستوي من شرح اللّه صدره للإسلام، فاتسع لتلقي أحكام اللّه والعمل بها، منشرحا قرير العين، على بصيرة من أمره، وهو المراد بقوله: { فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ } كمن ليس كذلك، بدليل قوله: { فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ } أي: لا تلين لكتابه، ولا تتذكر آياته، ولا تطمئن بذكره، بل هي معرضة عن ربها، ملتفتة إلى غيره، فهؤلاء لهم الويل الشديد، والشر الكبير. { أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } وأي ضلال أعظم من ضلال من أعرض عن وليه؟ ومن كل السعادة في الإقبال عليه، وقسا قلبه عن ذكره، وأقبل على كل ما يضره؟" { 23 } { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } يخبر تعالى عن كتابه الذي نزله أنه { أَحْسَنَ الْحَدِيثِ } على الإطلاق، فأحسن الحديث كلام اللّه، وأحسن الكتب المنزلة من كلام اللّه هذا القرآن، وإذا كان هو الأحسن، علم أن ألفاظه أفصح الألفاظ وأوضحها، وأن معانيه، أجل المعاني، لأنه أحسن الحديث في لفظه ومعناه، متشابها في الحسن والائتلاف وعدم الاختلاف، بوجه من الوجوه. حتى إنه كلما تدبره المتدبر، وتفكر فيه المتفكر، رأى من اتفاقه، حتى في معانيه الغامضة، ما يبهر الناظرين، ويجزم بأنه لا يصدر إلا من حكيم عليم، هذا المراد بالتشابه في هذا الموضع. وأما في قوله تعالى: { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } فالمراد بها، التي تشتبه على فهوم كثير من الناس، ولا يزول هذا الاشتباه إلا بردها إلى المحكم، ولهذا قال: { مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } فجعل التشابه لبعضه، وهنا جعله كله متشابها، أي: في حسنه، لأنه قال: { أَحْسَنَ الْحَدِيثِ } وهو سور وآيات، والجميع يشبه بعضه بعضا كما ذكرنا. { مَثَانِيَ } أي: تثنى فيه القصص والأحكام، والوعد والوعيد، وصفات أهل الخير، وصفات أهل الشر، وتثنى فيه أسماء اللّه وصفاته، وهذا من جلالته، وحسنه، فإنه تعالى، لما علم احتياج الخلق إلى معانيه المزكية للقلوب، المكملة للأخلاق، وأن تلك المعاني للقلوب، بمنزلة الماء لسقي الأشجار، فكما أن الأشجار كلما بعد عهدها بسقي الماء نقصت، بل ربما تلفت، وكلما تكرر سقيها حسنت وأثمرت أنواع الثمار النافعة، فكذلك القلب يحتاج دائما إلى تكرر معاني كلام اللّه تعالى عليه، وأنه لو تكرر عليه المعنى مرة واحدة في جميع القرآن، لم يقع منه موقعا، ولم تحصل النتيجة منه، ولهذا سلكت في هذا التفسير هذا المسلك الكريم، اقتداء بما هو تفسير له، فلا تجد فيه الحوالة على موضع من المواضع، بل كل موضع تجد تفسيره كامل المعنى، غير مراع لما مضى مما يشبهه، وإن كان بعض المواضع يكون أبسط من بعض وأكثر فائدة، وهكذا ينبغي للقارئ للقرآن، المتدبر لمعانيه، أن لا يدع التدبر في جميع المواضع منه، فإنه يحصل له بسبب ذلك خير كثير، ونفع غزير. ولما كان القرآن العظيم بهذه الجلالة والعظمة، أثَّر في قلوب أولي الألباب المهتدين، فلهذا قال تعالى: { تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } لما فيه من التخويف والترهيب المزعج، { ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ } أي: عند ذكر الرجاء والترغيب، فهو تارة يرغبهم لعمل الخير، وتارة يرهبهم من عمل الشر. { ذَلِكَ } الذي ذكره اللّه من تأثير القرآن فيهم { هُدَى اللَّهِ } أي: هداية منه لعباده، وهو من جملة فضله وإحسانه عليهم، { يَهْدِي بِهِ } أي: بسبب ذلك { مَنْ يَشَاءُ } من عباده. ويحتمل أن المراد بقوله: { ذَلِكَ } أي: القرآن الذي وصفناه لكم. { هُدَى اللَّهِ } الذي لا طريق يوصل إلى اللّه إلا منه { يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } ممن حسن قصده، كما قال تعالى { يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ } { وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } لأنه لا طريق يوصل إليه إلا توفيقه والتوفيق للإقبال على كتابه، فإذا لم يحصل هذا، فلا سبيل إلى الهدى، وما هو إلا الضلال المبين والشقاء. { 24 - 26 } { أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ * كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } أي: أفيستوي هذا الذي هداه اللّه، ووفقه لسلوك الطريق الموصلة لدار كرامته، كمن كان في الضلال واستمر على عناده حتى قدم القيامة، فجاءه العذاب العظيم فجعل يتقي بوجهه الذي هو أشرف الأعضاء، وأدنى شيء من العذاب يؤثر فيه، فهو يتقي فيه سوء العذاب لأنه قد غلت يداه ورجلاه، { وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ } أنفسهم، بالكفر والمعاصي، توبيخا وتقريعا: { ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ } { كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } من الأمم كما كذب هؤلاء، { فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ } جاءهم في غفلة أول نهار، أو هم قائلون. { فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ } بذلك العذاب { الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } فافتضحوا عند اللّه وعند خلقه { وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } فليحذر هؤلاء من المقام على التكذيب، فيصيبهم ما أصاب أولئك من ال*****.
__________________
دخول متقطع أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب |
#2218
|
||||
|
||||
{ 27 - 31 }
{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } يخبر تعالى أنه ضرب في القرآن من جميع الأمثال، أمثال أهل الخير وأمثال أهل الشر، وأمثال التوحيد والشرك، وكل مثل يقرب حقائق الأشياء، والحكمة في ذلك { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } عندما نوضح لهم الحق فيعلمون ويعملون. { قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ } أي: جعلناه قرآنا عربيا، واضح الألفاظ، سهل المعاني، خصوصا على العرب. { غَيْرَ ذِي عِوَجٍ } أي: ليس فيه خلل ولا نقص بوجه من الوجوه، لا في ألفاظه ولا في معانيه، وهذا يستلزم كمال اعتداله واستقامته كما قال تعالى: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّمًا } { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } الله تعالى، حيث سهلنا عليهم طرق التقوى العلمية والعملية، بهذا القرآن العربي المستقيم، الذي ضرب اللّه فيه من كل مثل. ثم ضرب مثلا للشرك والتوحيد فقال: { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا } أي: عبدا { فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ } فهم كثيرون، وليسوا متفقين على أمر من الأمور وحالة من الحالات حتى تمكن راحته، بل هم متشاكسون متنازعون فيه، كل له مطلب يريد تنفيذه ويريد الآخر غيره، فما تظن حال هذا الرجل مع هؤلاء الشركاء المتشاكسين؟ { وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ } أي: خالصا له، قد عرف مقصود سيده، وحصلت له الراحة التامة. { هَلْ يَسْتَوِيَانِ } أي: هذان الرجلان { مَثَلًا } ؟ لا يستويان. كذلك المشرك، فيه شركاء متشاكسون، يدعو هذا، ثم يدعو هذا، فتراه لا يستقر له قرار، ولا يطمئن قلبه في موضع، والموحد مخلص لربه، قد خلصه اللّه من الشركة لغيره، فهو في أتم راحة وأكمل طمأنينة، فـ { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ } على تبيين الحق من الباطل، وإرشاد الجهال. { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } أي: كلكم لا بد أن يموت { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ } { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } فيما تنازعتم فيه، فيفصل بينكم بحكمه العادل، ويجازي كُلًّا ما عمله { أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ } { 32 - 35 } { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ * وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } يقول تعالى، محذرا ومخيرا: أنه لا أظلم وأشد ظلما { مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ } إما بنسبته إلى ما لا يليق بجلاله، أو بادعاء النبوة، أو الإخبار بأن اللّه تعالى قال كذا، أو أخبر بكذا، أو حكم بكذا وهو كاذب، فهذا داخل في قوله تعالى: { وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } إن كان جاهلا، وإلا فهو أشنع وأشنع. { وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ } أي: ما أظلم ممن جاءه الحق المؤيد بالبينات فكذبه، فتكذيبه ظلم عظيم منه، لأنه رد الحق بعد ما تبين له، فإن كان جامعا بين الكذب على اللّه والتكذيب بالحق، كان ظلما على ظلم. { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ } يحصل بها الاشتفاء منهم، وأخذ حق اللّه من كل ظالم وكافر. { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } ولما ذكر الكاذب المكذب وجنايته وعقوبته، ذكر الصادق المصدق وثوابه، فقال: { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ } في قوله وعمله، فدخل في ذلك الأنبياء ومن قام مقامهم، ممن صدق فيما قاله عن خبر اللّه وأحكامه، وفيما فعله من خصال الصدق. { وَصَدَّقَ بِهِ } أي: بالصدق لأنه قد يجيء الإنسان بالصدق، ولكن قد لا يصدق به، بسبب استكباره، أو احتقاره لمن قاله وأتى به، فلا بد في المدح من الصدق والتصديق، فصدقه يدل على علمه وعدله، وتصديقه يدل على تواضعه وعدم استكباره. { أُولَئِكَ } أي: الذين وفقوا للجمع بين الأمرين { هُمُ الْمُتَّقُونَ } فإن جميع خصال التقوى ترجع إلى الصدق بالحق والتصديق به. { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ } من الثواب، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فكل ما تعلقت به إرادتهم ومشيئتهم، من أصناف اللذات والمشتهيات، فإنه حاصل لهم، معد مهيأ، { ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ } الذين يعبدون اللّه كأنهم يرونه، فإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم { الْمُحْسِنِينَ } إلى عباد اللّه. { لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } عمل الإنسان له ثلاث حالات: إما أسوأ، أو أحسن، أو لا أسوأ، ولا أحسن. والقسم الأخير قسم المباحات وما لا يتعلق به ثواب ولا عقاب، والأسوأ، المعاصي كلها، والأحسن الطاعات كلها، فبهذا التفصيل، يتبين معنى الآية، وأن قوله: { لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا } أي: ذنوبهم الصغار، بسبب إحسانهم وتقواهم، { وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي: بحسناتهم كلها { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا }
__________________
دخول متقطع أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب |
#2219
|
||||
|
||||
{ 36 - 37 }
{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ } { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } أي: أليس من كرمه وجوده، وعنايته بعبده، الذي قام بعبوديته، وامتثل أمره واجتنب نهيه، خصوصا أكمل الخلق عبودية لربه، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم، فإن اللّه تعالى سيكفيه في أمر دينه ودنياه، ويدفع عنه من ناوأه بسوء. { وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } من الأصنام والأنداد أن تنالك بسوء، وهذا من غيهم وضلالهم. { وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ } لأنه تعالى الذي بيده الهداية والإضلال، وهو الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. { أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ } له العزة الكاملة التي قهر بها كل شيء، وبعزته يكفي عبده ويدفع عنه مكرهم. { ذِي انْتِقَامٍ } ممن عصاه، فاحذروا موجبات نقمته. { 38 } { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ } أي: ولئن سألت هؤلاء الضلال الذين يخوفونك بالذين من دونه، وأقمت عليهم دليلا من أنفسهم، فقلت: { مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } لم يثبتوا لآلهتهم من خلقها شيئا. { لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } الذي خلقها. وحده. { قُلْ } لهم مقررا عجز آلهتهم، بعد ما تبينت قدرة اللّه: { أَفَرَأَيْتُمْ } أي: أخبروني { مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ } أيَّ ضر كان. { هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ } بإزالته بالكلية، أو بتخفيفه من حال إلى حال؟. { أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ } يوصل إليَّ بها منفعة في ديني أو دنياي. { هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ } ومانعاتها عني؟.سيقولون: لا يكشفون الضر ولا يمسكون الرحمة. قل لهم بعد ما تبين الدليل القاطع على أنه وحده المعبود، وأنه الخالق للمخلوقات، النافع الضار وحده، وأن غيره عاجز من كل وجه.عن الخلق والنفع والضر، مستجلبا كفايته، مستدفعا مكرهم وكيدهم: { قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ } أي: عليه يعتمد المعتمدون في جلب مصالحهم ودفع مضارهم،.فالذي بيده - وحده - الكفاية هو حسبي، سيكفيني كل ما أهمني وما لا أهتم به. { 39 - 40 } { قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ } أي: { قُلْ } لهم يا أيها الرسول: { يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ } أي: على حالتكم التي رضيتموها لأنفسكم، من عبادة من لا يستحق من العبادة شيئا ولا له من الأمر شيء. { إِنِّي عَامِلٌ } على ما دعوتكم إليه، من إخلاص الدين للّه تعالى وحده. { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } لمن العاقبة و { مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } في الدنيا. { وَيَحِلُّ عَلَيْهِ } في الأخرى { عَذَابٌ مُقِيمٌ } لا يحول عنه ولا يزول،.وهذا تهديد عظيم لهم، وهم يعلمون أنهم المستحقون للعذاب المقيم، ولكن الظلم والعناد حال بينهم وبين الإيمان. { 41 } { إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } يخبر تعالى أنه أنزل على رسوله الكتاب المشتمل على الحق، في أخباره وأوامره ونواهيه، الذي هو مادة الهداية، وبلاغ لمن أراد الوصول إلى اللّه وإلى دار كرامته، وأنه قامت به الحجة على العالمين. { فَمَنِ اهْتَدَى } بنوره واتبع أوامره فإن نفع ذلك يعود إلى نفسه { وَمَنْ ضَلَّ } بعدما تبين له الهدى { فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } لا يضر اللّه شيئا. { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها، وتجبرهم على ما تشاء، وإنما أنت مبلغ تؤدي إليهم ما أمرت به. { 42 } { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يخبر تعالى أنه المتفرد بالتصرف بالعباد، في حال يقظتهم ونومهم، وفي حال حياتهم وموتهم، فقال: { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا } وهذه الوفاة الكبرى، وفاة الموت. وإخباره أنه يتوفى الأنفس وإضافة الفعل إلى نفسه، لا ينافي أنه قد وكل بذلك ملك الموت وأعوانه، كما قال تعالى: { قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } { حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ } لأنه تعالى يضيف الأشياء إلى نفسه، باعتبار أنه الخالق المدبر، ويضيفها إلى أسبابها، باعتبار أن من سننه تعالى وحكمته أن جعل لكل أمر من الأمور سببا. وقوله: { وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا } وهذه الموتة الصغرى، أي: ويمسك النفس التي لم تمت في منامها، { فَيُمْسِكُ } من هاتين النفسين النفس { الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ } وهي نفس من كان مات، أو قضي أن يموت في منامه. { وَيُرْسِلُ } النفس { الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } أي: إلى استكمال رزقها وأجلها. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } على كمال اقتداره، وإحيائه الموتى بعد موتهم. وفي هذه الآية دليل على أن الروح والنفس جسم قائم بنفسه، مخالف جوهره جوهر البدن، وأنها مخلوقة مدبرة، يتصرف اللّه فيها في الوفاة والإمساك والإرسال، وأن أرواح الأحياء والأموات تتلاقى في البرزخ، فتجتمع، فتتحادث، فيرسل اللّه أرواح الأحياء، ويمسك أرواح الأموات.
__________________
دخول متقطع أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب |
#2220
|
||||
|
||||
{ 43 - 44 }
{ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } ينكر تعالى، على من اتخذ من دونه شفعاء يتعلق بهم ويسألهم ويعبدهم. { قُلْ } لهم - مبينا جهلهم، وأنها لا تستحق شيئا من العبادة-: { أَوَلَوْ كَانُوا } أي: من اتخذتم من الشفعاء { لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا } أي: لا مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، بل وليس لهم عقل، يستحقون أن يمدحوا به، لأنها جمادات من أحجار وأشجار وصور وأموات،.فهل يقال: إن لمن اتخذها عقلا؟ أم هو من أضل الناس وأجهلهم وأعظمهم ظلما؟. { قُلْ } لهم: { لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا } لأن الأمر كله للّه.وكل شفيع فهو يخافه، ولا يقدر أن يشفع عنده أحد إلا بإذنه، فإذا أراد رحمة عبده، أذن للشفيع الكريم عنده أن يشفع، رحمة بالاثنين. ثم قرر أن الشفاعة كلها له بقوله { لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي: جميع ما فيهما من الذوات والأفعال والصفات. فالواجب أن تطلب الشفاعة ممن يملكها، وتخلص له العبادة. { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } فيجازي المخلص له بالثواب الجزيل، ومن أشرك به بالعذاب الوبيل. { 45 - 46 } { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } يذكر تعالى حالة المشركين، وما الذي اقتضاه شركهم أنهم { إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ } توحيدا له، وأمر بإخلاص الدين له، وترك ما يعبد من دونه، أنهم يشمئزون وينفرون، ويكرهون ذلك أشد الكراهة. { وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } من الأصنام والأنداد، ودعا الداعي إلى عبادتها ومدحها، { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } بذلك، فرحا بذكر معبوداتهم، ولكون الشرك موافقا لأهوائهم، وهذه الحال أشر الحالات وأشنعها، ولكن موعدهم يوم الجزاء. فهناك يؤخذ الحق منهم، وينظر: هل تنفعهم آلهتهم التي كانوا يدعون من دون اللّه شيئا؟. ولهذا قال { قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي: خالقهما ومدبرهما. { عَالِمَ الْغَيْبِ } الذي غاب عن أبصارنا وعلمنا { وَالشَّهَادَةِ } الذي نشاهده. { أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } وإن من أعظم الاختلاف اختلاف الموحدين المخلصين القائلين: إن ما هم عليه هو الحق، وإن لهم الحسنى في الآخرة دون غيرهم، والمشركين الذين اتخذوا من دونك الأنداد والأوثان، وسووا فيك من لا يسوى شيئا، وتنقصوك غاية التنقص، واستبشروا عند ذكر آلهتهم، واشمأزوا عند ذكرك، وزعموا مع هذا أنهم على الحق وغيرهم على الباطل، وأن لهم الحسنى. قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } وقد أخبرنا بالفصل بينهم بعدها بقوله: { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } إلى أن قال: { إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } وقال تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ } ففي هذه الآية، بيان عموم خلقه تعالى وعموم علمه، وعموم حكمه بين عباده،.فقدرته التي نشأت عنها المخلوقات، وعلمه المحيط بكل شيء، دال على حكمه بين عباده وبعثهم، وعلمه بأعمالهم، خيرها وشرها، وبمقادير جزائها، وخلقه دال على علمه { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ } { 47 - 48 } { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } لما ذكر تعالى أنه الحاكم بين عباده، وذكر مقالة المشركين وشناعتها، كأن النفوس تشوقت إلى ما يفعل اللّه بهم يوم القيامة، فأخبر أن لهم { سُوءَ الْعَذَابِ } أي: أشده وأفظعه، كما قالوا أشد الكفر وأشنعه، وأنهم على - الفرض والتقدير - لو كان لهم ما في الأرض جميعا، من ذهبها وفضتها ولؤلؤها وحيواناتها وأشجارها وزروعها وجميع أوانيها وأثاثها ومثله معه، ثم بذلوه يوم القيامة ليفتدوا به من العذاب وينجوا منه، ما قبل منهم، ولا أغنى عنهم من عذاب اللّه شيئا، { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } { وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } أي: يظنون من السخط العظيم، والمقت الكبير، وقد كانوا يحكمون لأنفسهم بغير ذلك. { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا } أي: الأمور التي تسوؤهم، بسبب صنيعهم وكسبهم. { وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } من الوعيد والعذاب الذي نزل بهم، وما حل عليهم العقاب. { 49 - 52 } { فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يخبر تعالى عن حالة الإنسان وطبيعته، أنه حين يمسه ضر، من مرض أو شدة أو كرب. { دَعَانَا } ملحا في تفريج ما نزل به { ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا } فكشفنا ضره وأزلنا مشقته، عاد بربه كافرا، ولمعروفه منكرا. و { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ } أي: علم من اللّه، أني له أهل، وأني مستحق له، لأني كريم عليه، أو على علم مني بطرق تحصيله. قال تعالى: { بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ } يبتلي اللّه به عباده، لينظر من يشكره ممن يكفره. { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } فلذلك يعدون الفتنة منحة، ويشتبه عليهم الخير المحض، بما قد يكون سببا للخير أو للشر. قال تعالى: { قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } أي: قولهم { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ } فما زالت متوارثة عند المكذبين، لا يقرون بنعمة ربهم، ولا يرون له حقا،.فلم يزل دأبهم حتى أهلكوا، ولم يغن { عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } حين جاءهم العذاب. { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا } والسيئات في هذا الموضع: العقوبات، لأنها تسوء الإنسان وتحزنه. { وَالَّذِينَ ظَلَمُوا من هؤلاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا } فليسوا خيرا من أولئك، ولم يكتب لهم براءة في الزبر. ولما ذكر أنهم اغتروا بالمال، وزعموا - بجهلهم - أنه يدل على حسن حال صاحبه، أخبرهم تعالى، أن رزقه، لا يدل على ذلك، وأنه { يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ } من عباده، سواء كان صالحا أو طالحا { وَيَقْدِرُ } الرزق، أي: يضيقه على من يشاء، صالحا أو طالحا، فرزقه مشترك بين البرية،.والإيمان والعمل الصالح يخص به خير البرية. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي: بسط الرزق وقبضه، لعلمهم أن مرجع ذلك، عائد إلى الحكمة والرحمة، وأنه أعلم بحال عبيده، فقد يضيق عليهم الرزق لطفا بهم، لأنه لو بسطه لبغوا في الأرض، فيكون تعالى مراعيا في ذلك صلاح دينهم الذي هو مادة سعادتهم وفلاحهم، واللّه أعلم.
__________________
دخول متقطع أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
تفسير, قران |
|
|