اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > علوم القرآن الكريم (مكتوب و مسموع و مرئي)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-06-2013, 10:05 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,653
معدل تقييم المستوى: 20
عاشقة الموج is on a distinguished road
Mnn تابع تفسير سورة الزمر

{ 22 }

{ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }

أي: أفيستوي من شرح اللّه صدره للإسلام، فاتسع لتلقي أحكام اللّه والعمل بها، منشرحا قرير العين، على بصيرة من أمره، وهو المراد بقوله: { فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ } كمن ليس كذلك، بدليل قوله: { فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ } أي: لا تلين لكتابه، ولا تتذكر آياته، ولا تطمئن بذكره، بل هي معرضة عن ربها، ملتفتة إلى غيره، فهؤلاء لهم الويل الشديد، والشر الكبير.
{ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } وأي ضلال أعظم من ضلال من أعرض عن وليه؟ ومن كل السعادة في الإقبال عليه، وقسا قلبه عن ذكره، وأقبل على كل ما يضره؟"

{ 23 }

{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }

يخبر تعالى عن كتابه الذي نزله أنه { أَحْسَنَ الْحَدِيثِ } على الإطلاق، فأحسن الحديث كلام اللّه، وأحسن الكتب المنزلة من كلام اللّه هذا القرآن، وإذا كان هو الأحسن، علم أن ألفاظه أفصح الألفاظ وأوضحها، وأن معانيه، أجل المعاني، لأنه أحسن الحديث في لفظه ومعناه، متشابها في الحسن والائتلاف وعدم الاختلاف، بوجه من الوجوه. حتى إنه كلما تدبره المتدبر، وتفكر فيه المتفكر، رأى من اتفاقه، حتى في معانيه الغامضة، ما يبهر الناظرين، ويجزم بأنه لا يصدر إلا من حكيم عليم، هذا المراد بالتشابه في هذا الموضع.
وأما في قوله تعالى: { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } فالمراد بها، التي تشتبه على فهوم كثير من الناس، ولا يزول هذا الاشتباه إلا بردها إلى المحكم، ولهذا قال: { مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } فجعل التشابه لبعضه، وهنا جعله كله متشابها، أي: في حسنه، لأنه قال: { أَحْسَنَ الْحَدِيثِ } وهو سور وآيات، والجميع يشبه بعضه بعضا كما ذكرنا.
{ مَثَانِيَ } أي: تثنى فيه القصص والأحكام، والوعد والوعيد، وصفات أهل الخير، وصفات أهل الشر، وتثنى فيه أسماء اللّه وصفاته، وهذا من جلالته، وحسنه، فإنه تعالى، لما علم احتياج الخلق إلى معانيه المزكية للقلوب، المكملة للأخلاق، وأن تلك المعاني للقلوب، بمنزلة الماء لسقي الأشجار، فكما أن الأشجار كلما بعد عهدها بسقي الماء نقصت، بل ربما تلفت، وكلما تكرر سقيها حسنت وأثمرت أنواع الثمار النافعة، فكذلك القلب يحتاج دائما إلى تكرر معاني كلام اللّه تعالى عليه، وأنه لو تكرر عليه المعنى مرة واحدة في جميع القرآن، لم يقع منه موقعا، ولم تحصل النتيجة منه، ولهذا سلكت في هذا التفسير هذا المسلك الكريم، اقتداء بما هو تفسير له، فلا تجد فيه الحوالة على موضع من المواضع، بل كل موضع تجد تفسيره كامل المعنى، غير مراع لما مضى مما يشبهه، وإن كان بعض المواضع يكون أبسط من بعض وأكثر فائدة، وهكذا ينبغي للقارئ للقرآن، المتدبر لمعانيه، أن لا يدع التدبر في جميع المواضع منه، فإنه يحصل له بسبب ذلك خير كثير، ونفع غزير.
ولما كان القرآن العظيم بهذه الجلالة والعظمة، أثَّر في قلوب أولي الألباب المهتدين، فلهذا قال تعالى:
{ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } لما فيه من التخويف والترهيب المزعج، { ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ }
أي: عند ذكر الرجاء والترغيب، فهو تارة يرغبهم لعمل الخير، وتارة يرهبهم من عمل الشر.
{ ذَلِكَ } الذي ذكره اللّه من تأثير القرآن فيهم { هُدَى اللَّهِ } أي: هداية منه لعباده، وهو من جملة فضله وإحسانه عليهم،
{ يَهْدِي بِهِ } أي: بسبب ذلك { مَنْ يَشَاءُ } من عباده. ويحتمل أن المراد بقوله: { ذَلِكَ } أي: القرآن الذي وصفناه لكم.
{ هُدَى اللَّهِ } الذي لا طريق يوصل إلى اللّه إلا منه
{ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } ممن حسن قصده، كما قال تعالى { يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ }
{ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } لأنه لا طريق يوصل إليه إلا توفيقه والتوفيق للإقبال على كتابه، فإذا لم يحصل هذا، فلا سبيل إلى الهدى، وما هو إلا الضلال المبين والشقاء.

{ 24 - 26 }

{ أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ * كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }

أي: أفيستوي هذا الذي هداه اللّه، ووفقه لسلوك الطريق الموصلة لدار كرامته، كمن كان في الضلال واستمر على عناده حتى قدم القيامة، فجاءه العذاب العظيم فجعل يتقي بوجهه الذي هو أشرف الأعضاء، وأدنى شيء من العذاب يؤثر فيه، فهو يتقي فيه سوء العذاب لأنه قد غلت يداه ورجلاه، { وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ } أنفسهم، بالكفر والمعاصي، توبيخا وتقريعا: { ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ }
{ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } من الأمم كما كذب هؤلاء،
{ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ } جاءهم في غفلة أول نهار، أو هم قائلون.
{ فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ } بذلك العذاب { الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } فافتضحوا عند اللّه وعند خلقه { وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } فليحذر هؤلاء من المقام على التكذيب، فيصيبهم ما أصاب أولئك من ال*****.
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22-06-2013, 10:08 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,653
معدل تقييم المستوى: 20
عاشقة الموج is on a distinguished road
Mnn

{ 27 - 31 }

{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ }

يخبر تعالى أنه ضرب في القرآن من جميع الأمثال، أمثال أهل الخير وأمثال أهل الشر، وأمثال التوحيد والشرك، وكل مثل يقرب حقائق الأشياء، والحكمة في ذلك { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } عندما نوضح لهم الحق فيعلمون ويعملون.
{ قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ } أي: جعلناه قرآنا عربيا، واضح الألفاظ، سهل المعاني، خصوصا على العرب. { غَيْرَ ذِي عِوَجٍ } أي: ليس فيه خلل ولا نقص بوجه من الوجوه، لا في ألفاظه ولا في معانيه، وهذا يستلزم كمال اعتداله واستقامته كما قال تعالى:
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّمًا }
{ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } الله تعالى، حيث سهلنا عليهم طرق التقوى العلمية والعملية، بهذا القرآن العربي المستقيم، الذي ضرب اللّه فيه من كل مثل.
ثم ضرب مثلا للشرك والتوحيد فقال: { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا } أي: عبدا { فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ } فهم كثيرون، وليسوا متفقين على أمر من الأمور وحالة من الحالات حتى تمكن راحته، بل هم متشاكسون متنازعون فيه، كل له مطلب يريد تنفيذه ويريد الآخر غيره، فما تظن حال هذا الرجل مع هؤلاء الشركاء المتشاكسين؟
{ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ } أي: خالصا له، قد عرف مقصود سيده، وحصلت له الراحة التامة. { هَلْ يَسْتَوِيَانِ } أي: هذان الرجلان
{ مَثَلًا } ؟ لا يستويان.
كذلك المشرك، فيه شركاء متشاكسون، يدعو هذا، ثم يدعو هذا، فتراه لا يستقر له قرار، ولا يطمئن قلبه في موضع، والموحد مخلص لربه، قد خلصه اللّه من الشركة لغيره، فهو في أتم راحة وأكمل طمأنينة، فـ { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ } على تبيين الحق من الباطل، وإرشاد الجهال. { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }
{ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ } أي: كلكم لا بد أن يموت
{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ }
{ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } فيما تنازعتم فيه، فيفصل بينكم بحكمه العادل، ويجازي كُلًّا ما عمله { أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ }

{ 32 - 35 }

{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ * وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ }

يقول تعالى، محذرا ومخيرا: أنه لا أظلم وأشد ظلما
{ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ } إما بنسبته إلى ما لا يليق بجلاله، أو بادعاء النبوة، أو الإخبار بأن اللّه تعالى قال كذا، أو أخبر بكذا، أو حكم بكذا وهو كاذب، فهذا داخل في قوله تعالى:
{ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } إن كان جاهلا، وإلا فهو أشنع وأشنع.
{ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ } أي: ما أظلم ممن جاءه الحق المؤيد بالبينات فكذبه، فتكذيبه ظلم عظيم منه، لأنه رد الحق بعد ما تبين له، فإن كان جامعا بين الكذب على اللّه والتكذيب بالحق، كان ظلما على ظلم.
{ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ } يحصل بها الاشتفاء منهم، وأخذ حق اللّه من كل ظالم وكافر. { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }
ولما ذكر الكاذب المكذب وجنايته وعقوبته، ذكر الصادق المصدق وثوابه، فقال: { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ } في قوله وعمله، فدخل في ذلك الأنبياء ومن قام مقامهم، ممن صدق فيما قاله عن خبر اللّه وأحكامه، وفيما فعله من خصال الصدق.
{ وَصَدَّقَ بِهِ } أي: بالصدق لأنه قد يجيء الإنسان بالصدق، ولكن قد لا يصدق به، بسبب استكباره، أو احتقاره لمن قاله وأتى به، فلا بد في المدح من الصدق والتصديق، فصدقه يدل على علمه وعدله، وتصديقه يدل على تواضعه وعدم استكباره.
{ أُولَئِكَ } أي: الذين وفقوا للجمع بين الأمرين { هُمُ الْمُتَّقُونَ } فإن جميع خصال التقوى ترجع إلى الصدق بالحق والتصديق به.
{ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ } من الثواب، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فكل ما تعلقت به إرادتهم ومشيئتهم، من أصناف اللذات والمشتهيات، فإنه حاصل لهم، معد مهيأ، { ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ } الذين يعبدون اللّه كأنهم يرونه، فإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم { الْمُحْسِنِينَ } إلى عباد اللّه.
{ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } عمل الإنسان له ثلاث حالات: إما أسوأ، أو أحسن، أو لا أسوأ، ولا أحسن.

والقسم الأخير قسم المباحات وما لا يتعلق به ثواب ولا عقاب، والأسوأ، المعاصي كلها، والأحسن الطاعات كلها، فبهذا التفصيل، يتبين معنى الآية، وأن قوله: { لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا } أي: ذنوبهم الصغار، بسبب إحسانهم وتقواهم،
{ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ }
أي: بحسناتهم كلها
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا }
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22-06-2013, 10:12 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,653
معدل تقييم المستوى: 20
عاشقة الموج is on a distinguished road
افتراضي

{ 36 - 37 }

{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ }

{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } أي: أليس من كرمه وجوده، وعنايته بعبده، الذي قام بعبوديته، وامتثل أمره واجتنب نهيه، خصوصا أكمل الخلق عبودية لربه، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم، فإن اللّه تعالى سيكفيه في أمر دينه ودنياه، ويدفع عنه من ناوأه بسوء.
{ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } من الأصنام والأنداد أن تنالك بسوء، وهذا من غيهم وضلالهم.

{ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ } لأنه تعالى الذي بيده الهداية والإضلال، وهو الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. { أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ } له العزة الكاملة التي قهر بها كل شيء، وبعزته يكفي عبده ويدفع عنه مكرهم. { ذِي انْتِقَامٍ } ممن عصاه، فاحذروا موجبات نقمته.

{ 38 }

{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ }

أي: ولئن سألت هؤلاء الضلال الذين يخوفونك بالذين من دونه، وأقمت عليهم دليلا من أنفسهم، فقلت:
{ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } لم يثبتوا لآلهتهم من خلقها شيئا. { لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } الذي خلقها. وحده. { قُلْ } لهم مقررا عجز آلهتهم، بعد ما تبينت قدرة اللّه: { أَفَرَأَيْتُمْ } أي: أخبروني
{ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ } أيَّ ضر كان.
{ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ } بإزالته بالكلية، أو بتخفيفه من حال إلى حال؟. { أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ } يوصل إليَّ بها منفعة في ديني أو دنياي. { هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ } ومانعاتها عني؟.سيقولون: لا يكشفون الضر ولا يمسكون الرحمة.

قل لهم بعد ما تبين الدليل القاطع على أنه وحده المعبود، وأنه الخالق للمخلوقات، النافع الضار وحده، وأن غيره عاجز من كل وجه.عن الخلق والنفع والضر، مستجلبا كفايته، مستدفعا مكرهم وكيدهم: { قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ } أي: عليه يعتمد المعتمدون في جلب مصالحهم ودفع مضارهم،.فالذي بيده - وحده - الكفاية هو حسبي، سيكفيني كل ما أهمني وما لا أهتم به.

{ 39 - 40 }

{ قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ }

أي: { قُلْ } لهم يا أيها الرسول: { يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ } أي: على حالتكم التي رضيتموها لأنفسكم، من عبادة من لا يستحق من العبادة شيئا ولا له من الأمر شيء.
{ إِنِّي عَامِلٌ } على ما دعوتكم إليه، من إخلاص الدين للّه تعالى وحده. { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } لمن العاقبة
و { مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } في الدنيا. { وَيَحِلُّ عَلَيْهِ } في الأخرى { عَذَابٌ مُقِيمٌ } لا يحول عنه ولا يزول،.وهذا تهديد عظيم لهم، وهم يعلمون أنهم المستحقون للعذاب المقيم، ولكن الظلم والعناد حال بينهم وبين الإيمان.

{ 41 }
{ إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ }

يخبر تعالى أنه أنزل على رسوله الكتاب المشتمل على الحق، في أخباره وأوامره ونواهيه، الذي هو مادة الهداية، وبلاغ لمن أراد الوصول إلى اللّه وإلى دار كرامته، وأنه قامت به الحجة على العالمين.

{ فَمَنِ اهْتَدَى } بنوره واتبع أوامره فإن نفع ذلك يعود إلى نفسه { وَمَنْ ضَلَّ } بعدما تبين له الهدى { فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } لا يضر اللّه شيئا. { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها، وتجبرهم على ما تشاء، وإنما أنت مبلغ تؤدي إليهم ما أمرت به.

{ 42 }

{ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

يخبر تعالى أنه المتفرد بالتصرف بالعباد، في حال يقظتهم ونومهم، وفي حال حياتهم وموتهم، فقال: { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا } وهذه الوفاة الكبرى، وفاة الموت.
وإخباره أنه يتوفى الأنفس وإضافة الفعل إلى نفسه، لا ينافي أنه قد وكل بذلك ملك الموت وأعوانه، كما قال تعالى:
{ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ }
{ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ }
لأنه تعالى يضيف الأشياء إلى نفسه، باعتبار أنه الخالق المدبر، ويضيفها إلى أسبابها، باعتبار أن من سننه تعالى وحكمته أن جعل لكل أمر من الأمور سببا.

وقوله: { وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا } وهذه الموتة الصغرى، أي: ويمسك النفس التي لم تمت في منامها، { فَيُمْسِكُ } من هاتين النفسين النفس { الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ } وهي نفس من كان مات، أو قضي أن يموت في منامه.
{ وَيُرْسِلُ } النفس { الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } أي: إلى استكمال رزقها وأجلها. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } على كمال اقتداره، وإحيائه الموتى بعد موتهم.

وفي هذه الآية دليل على أن الروح والنفس جسم قائم بنفسه، مخالف جوهره جوهر البدن، وأنها مخلوقة مدبرة، يتصرف اللّه فيها في الوفاة والإمساك والإرسال، وأن أرواح الأحياء والأموات تتلاقى في البرزخ، فتجتمع، فتتحادث، فيرسل اللّه أرواح الأحياء، ويمسك أرواح الأموات.
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22-06-2013, 10:20 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,653
معدل تقييم المستوى: 20
عاشقة الموج is on a distinguished road
Mnn

{ 43 - 44 }

{ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

ينكر تعالى، على من اتخذ من دونه شفعاء يتعلق بهم ويسألهم ويعبدهم. { قُلْ } لهم - مبينا جهلهم، وأنها لا تستحق شيئا من العبادة-: { أَوَلَوْ كَانُوا } أي: من اتخذتم من الشفعاء
{ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا } أي: لا مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، بل وليس لهم عقل، يستحقون أن يمدحوا به، لأنها جمادات من أحجار وأشجار وصور وأموات،.فهل يقال: إن لمن اتخذها عقلا؟ أم هو من أضل الناس وأجهلهم وأعظمهم ظلما؟.
{ قُلْ } لهم: { لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا } لأن الأمر كله للّه.وكل شفيع فهو يخافه، ولا يقدر أن يشفع عنده أحد إلا بإذنه، فإذا أراد رحمة عبده، أذن للشفيع الكريم عنده أن يشفع، رحمة بالاثنين. ثم قرر أن الشفاعة كلها له بقوله { لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي: جميع ما فيهما من الذوات والأفعال والصفات. فالواجب أن تطلب الشفاعة ممن يملكها، وتخلص له العبادة. { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } فيجازي المخلص له بالثواب الجزيل، ومن أشرك به بالعذاب الوبيل.

{ 45 - 46 }

{ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

يذكر تعالى حالة المشركين، وما الذي اقتضاه شركهم أنهم { إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ } توحيدا له، وأمر بإخلاص الدين له، وترك ما يعبد من دونه، أنهم يشمئزون وينفرون، ويكرهون ذلك أشد الكراهة.
{ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } من الأصنام والأنداد، ودعا الداعي إلى عبادتها ومدحها، { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } بذلك، فرحا بذكر معبوداتهم، ولكون الشرك موافقا لأهوائهم، وهذه الحال أشر الحالات وأشنعها، ولكن موعدهم يوم الجزاء. فهناك يؤخذ الحق منهم، وينظر: هل تنفعهم آلهتهم التي كانوا يدعون من دون اللّه شيئا؟.
ولهذا قال { قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي: خالقهما ومدبرهما. { عَالِمَ الْغَيْبِ } الذي غاب عن أبصارنا وعلمنا { وَالشَّهَادَةِ } الذي نشاهده.
{ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } وإن من أعظم الاختلاف اختلاف الموحدين المخلصين القائلين: إن ما هم عليه هو الحق، وإن لهم الحسنى في الآخرة دون غيرهم، والمشركين الذين اتخذوا من دونك الأنداد والأوثان، وسووا فيك من لا يسوى شيئا، وتنقصوك غاية التنقص، واستبشروا عند ذكر آلهتهم، واشمأزوا عند ذكرك، وزعموا مع هذا أنهم على الحق وغيرهم على الباطل، وأن لهم الحسنى.

قال تعالى:
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }

وقد أخبرنا بالفصل بينهم بعدها بقوله:
{ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } إلى أن قال: { إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ }

وقال تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ }

ففي هذه الآية، بيان عموم خلقه تعالى وعموم علمه، وعموم حكمه بين عباده،.فقدرته التي نشأت عنها المخلوقات، وعلمه المحيط بكل شيء، دال على حكمه بين عباده وبعثهم، وعلمه بأعمالهم، خيرها وشرها، وبمقادير جزائها، وخلقه دال على علمه { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ }

{ 47 - 48 }

{ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }

لما ذكر تعالى أنه الحاكم بين عباده، وذكر مقالة المشركين وشناعتها، كأن النفوس تشوقت إلى ما يفعل اللّه بهم يوم القيامة، فأخبر أن لهم { سُوءَ الْعَذَابِ } أي: أشده وأفظعه، كما قالوا أشد الكفر وأشنعه، وأنهم على - الفرض والتقدير - لو كان لهم ما في الأرض جميعا، من ذهبها وفضتها ولؤلؤها وحيواناتها وأشجارها وزروعها وجميع أوانيها وأثاثها ومثله معه، ثم بذلوه يوم القيامة ليفتدوا به من العذاب وينجوا منه، ما قبل منهم، ولا أغنى عنهم من عذاب اللّه شيئا،
{ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }
{ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ }
أي: يظنون من السخط العظيم، والمقت الكبير، وقد كانوا يحكمون لأنفسهم بغير ذلك.
{ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا } أي: الأمور التي تسوؤهم، بسبب صنيعهم وكسبهم. { وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } من الوعيد والعذاب الذي نزل بهم، وما حل عليهم العقاب.

{ 49 - 52 }

{ فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

يخبر تعالى عن حالة الإنسان وطبيعته، أنه حين يمسه ضر، من مرض أو شدة أو كرب. { دَعَانَا } ملحا في تفريج ما نزل به { ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا } فكشفنا ضره وأزلنا مشقته، عاد بربه كافرا، ولمعروفه منكرا. و { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ } أي: علم من اللّه، أني له أهل، وأني مستحق له، لأني كريم عليه، أو على علم مني بطرق تحصيله.

قال تعالى: { بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ } يبتلي اللّه به عباده، لينظر من يشكره ممن يكفره. { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } فلذلك يعدون الفتنة منحة، ويشتبه عليهم الخير المحض، بما قد يكون سببا للخير أو للشر.
قال تعالى: { قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } أي: قولهم { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ } فما زالت متوارثة عند المكذبين، لا يقرون بنعمة ربهم، ولا يرون له حقا،.فلم يزل دأبهم حتى أهلكوا، ولم يغن { عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } حين جاءهم العذاب.

{ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا } والسيئات في هذا الموضع: العقوبات، لأنها تسوء الإنسان وتحزنه. { وَالَّذِينَ ظَلَمُوا من هؤلاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا } فليسوا خيرا من أولئك، ولم يكتب لهم براءة في الزبر.

ولما ذكر أنهم اغتروا بالمال، وزعموا - بجهلهم - أنه يدل على حسن حال صاحبه، أخبرهم تعالى، أن رزقه، لا يدل على ذلك، وأنه { يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ } من عباده، سواء كان صالحا أو طالحا { وَيَقْدِرُ } الرزق، أي: يضيقه على من يشاء، صالحا أو طالحا، فرزقه مشترك بين البرية،.والإيمان والعمل الصالح يخص به خير البرية. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي: بسط الرزق وقبضه، لعلمهم أن مرجع ذلك، عائد إلى الحكمة والرحمة، وأنه أعلم بحال عبيده، فقد يضيق عليهم الرزق لطفا بهم، لأنه لو بسطه لبغوا في الأرض، فيكون تعالى مراعيا في ذلك صلاح دينهم الذي هو مادة سعادتهم وفلاحهم، واللّه أعلم.
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22-06-2013, 10:30 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,653
معدل تقييم المستوى: 20
عاشقة الموج is on a distinguished road
Mnn

{ 53 - 59 }

{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ }

يخبر تعالى عباده المسرفين بسعة كرمه، ويحثهم على الإنابة قبل أن لا يمكنهم ذلك فقال: { قُلْ } يا أيها الرسول ومن قام مقامه من الدعاة لدين اللّه، مخبرا للعباد عن ربهم: { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ } باتباع ما تدعوهم إليه أنفسهم من الذنوب، والسعي في مساخط علام الغيوب.

{ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعا من الشرك، وال***، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار والصغار. { إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } أي: وصفه المغفرة والرحمة، وصفان لازمان ذاتيان، لا تنفك ذاته عنهما، ولم تزل آثارهما سارية في الوجود، مالئة للموجود،.تسح يداه من الخيرات آناء الليل والنهار، ويوالي النعم على العباد والفواضل في السر والجهار، والعطاء أحب إليه من المنع، والرحمة سبقت الغضب وغلبته، .ولكن لمغفرته ورحمته ونيلهما أسباب إن لم يأت بها العبد، فقد أغلق على نفسه باب الرحمة والمغفرة، أعظمها وأجلها، بل لا سبب لها غيره، الإنابة إلى اللّه تعالى بالتوبة النصوح، والدعاء والتضرع والتأله والتعبد،. فهلم إلى هذا السبب الأجل، والطريق الأعظم.

ولهذا أمر تعالى بالإنابة إليه، والمبادرة إليها فقال:
{ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ } بقلوبكم { وَأَسْلِمُوا لَهُ } بجوارحكم، إذا أفردت الإنابة، دخلت فيها أعمال الجوارح، وإذا جمع بينهما، كما في هذا الموضع، كان المعنى ما ذكرنا.

وفي قوله { إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ } دليل على الإخلاص، وأنه من دون إخلاص، لا تفيد الأعمال الظاهرة والباطنة شيئا.
{ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ } مجيئا لا يدفع { ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ } فكأنه قيل: ما هي الإنابة والإسلام؟ وما جزئياتها وأعمالها؟

فأجاب تعالى بقوله: { وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } مما أمركم من الأعمال الباطنة، كمحبة اللّه، وخشيته، وخوفه، ورجائه، والنصح لعباده، ومحبة الخير لهم، وترك ما يضاد ذلك.
ومن الأعمال الظاهرة، كالصلاة، والزكاة والصيام، والحج، والصدقة، وأنواع الإحسان، ونحو ذلك، مما أمر اللّه به، وهو أحسن ما أنزل إلينا من ربنا، فالمتبع لأوامر ربه في هذه الأمور ونحوها هو المنيب المسلم،.
{ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ }
وكل هذا حثٌّ على المبادرة وانتهاز الفرصة.
ثم حذرهم { أَن } يستمروا على غفلتهم، حتى يأتيهم يوم يندمون فيه، ولا تنفع الندامة.
و
{ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ } أي: في جانب حقه. { وَإِنْ كُنْت } في الدنيا { لَمِنَ السَّاخِرِينَ } في إتيان الجزاء، حتى رأيته عيانا.
{ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }
و"لو" في هذا الموضع للتمني،.أي: ليت أن اللّه هداني فأكون متقيا له، فأسلم من العقاب وأستحق الثواب، وليست "لو" هنا شرطية، لأنها لو كانت شرطية، لكانوا محتجين بالقضاء والقدر على ضلالهم، وهو حجة باطلة، ويوم القيامة تضمحل كل حجة باطلة.

{ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ } وتجزم بوروده { لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً } أي: رجعة إلى الدنيا لكنت { مِنَ الْمُحْسِنِينَ } قال تعالى: إن ذلك غير ممكن ولا مفيد، وإن هذه أماني باطلة لا حقيقة لها، إذ لا يتجدد للعبد لَوْ رُدَّ، بيان بعد البيان الأول.

{ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي } الدالة دلالة لا يمترى فيها. على الحق { فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ } عن اتباعها { وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ } فسؤال الرد إلى الدنيا، نوع عبث،
{ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }

{ 60 - 61 }

{ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }

يخبر تعالى عن خزي الذين كذبوا عليه، وأن وجوههم يوم القيامة مسودة كأنها الليل البهيم، يعرفهم بذلك أهل الموقف، فالحق أبلج واضح كأنه الصبح،.فكما سوَّدوا وجه الحق بالكذب، سود اللّه وجوههم، جزاء من *** عملهم.

فلهم سواد الوجوه، ولهم العذاب الشديد في جهنم،
ولهذا قال:
{ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ } عن الحق، وعن عبادة ربهم، المفترين عليه؟ بلى واللّه، إن فيها لعقوبة وخزيا وسخطا، يبلغ من المتكبرين كل مبلغ، ويؤخذ الحق منهم بها.

والكذب على اللّه يشمل الكذب عليه باتخاذ الشريك والولد والصاحبة، والإخبار عنه بما لا يليق بجلاله، أو ادعاء النبوة، أو القول في شرعه بما لم يقله، والإخبار بأنه قاله وشرعه.
ولما ذكر حالة المتكبرين، ذكر حالة المتقين، فقال:
{ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ } أي: بنجاتهم، وذلك لأن معهم آلة النجاة، وهي تقوى اللّه تعالى، التي هي العدة عند كل هول وشدة. { لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ } أي: العذاب الذي يسوؤهم
{ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } فنفى عنهم مباشرة العذاب وخوفه، وهذا غاية الأمان.

فلهم الأمن التام، يصحبهم حتى يوصلهم إلى دار السلام، فحينئذ يأمنون من كل سوء ومكروه، وتجري عليهم نضرة النعيم، ويقولون { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ }

{ 62 - 63 }

{ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }

يخبر تعالى عن عظمته وكماله، الموجب لخسران من كفر به فقال: { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } هذه العبارة وما أشبهها، مما هو كثير في القرآن، تدل على أن جميع الأشياء - غير اللّه - مخلوقة، ففيها رد على كل من قال بقدم بعض المخلوقات، كالفلاسفة القائلين بقدم الأرض والسماوات، وكالقائلين بقدم الأرواح، ونحو ذلك من أقوال أهل الباطل، المتضمنة تعطيل الخالق عن خلقه.

وليس كلام اللّه من الأشياء المخلوقة، لأن الكلام صفة المتكلم، واللّه تعالى بأسمائه وصفاته أول ليس قبله شيء، فأخذ أهل الاعتزال من هذه الآية ونحوها أنه مخلوق، من أعظم الجهل، فإنه تعالى لم يزل بأسمائه وصفاته، ولم يحدث له صفة من صفاته، ولم يكن معطلا عنها بوقت من الأوقات، والشاهد من هذا، أن اللّه تعالى أخبر عن نفسه الكريمة أنه خالق لجميع العالم العلوي والسفلي، وأنه على كل شيء وكيل، والوكالة التامة لا بد فيها من علم الوكيل، بما كان وكيلا عليه، وإحاطته بتفاصيله، ومن قدرة تامة على ما هو وكيل عليه، ليتمكن من التصرف فيه، ومن حفظ لما هو وكيل عليه، ومن حكمة، ومعرفة بوجوه التصرفات، ليصرفها ويدبرها على ما هو الأليق، فلا تتم الوكالة إلا بذلك كله، فما نقص من ذلك، فهو نقص فيها.

ومن المعلوم المتقرر، أن اللّه تعالى منزه عن كل نقص في صفة من صفاته،.فإخباره بأنه على كل شيء وكيل، يدل على إحاطة علمه بجميع الأشياء، وكمال قدرته على تدبيرها، وكمال تدبيره، وكمال حكمته التي يضع بها الأشياء مواضعها.

{ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي: مفاتيحها، علما وتدبيرا،
فـ { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

فلما بين من عظمته ما يقتضي أن تمتلئ القلوب له إجلالا وإكراما، ذكر حال من عكس القضية فلم يقدره حق قدره، فقال:
{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ } الدالة على الحق اليقين والصراط المستقيم. { أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } خسروا ما به تصلح القلوب من التأله والإخلاص للّه،. وما به تصلح الألسن من إشغالها بذكر اللّه، وما تصلح به الجوارح من طاعة اللّه،.وتعوضوا عن ذلك كل مفسد للقلوب والأبدان، وخسروا جنات النعيم، وتعوضوا عنها بالعذاب الأليم.

{ 64 - 66 }

{ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ }

{ قُلْ } يا أيها الرسول لهؤلاء الجاهلين، الذين دعوك إلى عبادة غير اللّه: { أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ } أي: هذا الأمر صدر من جهلكم، وإلا فلو كان لكم علم بأن اللّه تعالى الكامل من جميع الوجوه، مسدي جميع النعم، هو المستحق للعبادة، دون من كان ناقصا من كل وجه، لا ينفع ولا يضر، لم تأمروني بذلك.
وذلك لأن الشرك باللّه محبط للأعمال، مفسد للأحوال،
ولهذا قال:
{ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ } من جميع الأنبياء.
{ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } هذا مفرد مضاف، يعم كل عمل،.ففي نبوة جميع الأنبياء، أن الشرك محبط لجميع الأعمال، كما قال تعالى في سورة الأنعام - لما عدد كثيرا من أنبيائه ورسله قال عنهم:
{ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

{ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } دينك وآخرتك، فبالشرك تحبط الأعمال، ويستحق العقاب والنكال.

ثم قال: { بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ } لما أخبر أن الجاهلين يأمرونه بالشرك، وأخبر عن شناعته، أمره بالإخلاص فقال: { بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ } أي: أخلص له العبادة وحده لا شريك له، { وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ } للّه على توفيق اللّه تعالى،.فكما أنه تعالى يشكر على النعم الدنيوية، كصحة الجسم وعافيته، وحصول الرزق وغير ذلك،.كذلك يشكر ويثنى عليه بالنعم الدينية، كالتوفيق للإخلاص، والتقوى، بل نعم الدين، هي النعم على الحقيقة، وفي تدبر أنها من اللّه تعالى والشكر للّه عليها، سلامة من آفة العجب التي تعرض لكثير من العاملين، بسبب جهلهم، وإلا، فلو عرف العبد حقيقة الحال، لم يعجب بنعمة تستحق عليه زيادة الشكر.
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 22-06-2013, 10:42 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,653
معدل تقييم المستوى: 20
عاشقة الموج is on a distinguished road
Mnn

{ 67 }

{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }

يقول تعالى: وما قدر هؤلاء المشركون ربهم حق قدره، ولا عظموه حق تعظيمه، بل فعلوا ما يناقض ذلك، من إشراكهم به من هو ناقص في أوصافه وأفعاله، فأوصافه ناقصة من كل وجه، وأفعاله ليس عنده نفع ولا ضر، ولا عطاء ولا منع، ولا يملك من الأمر شيئا.

فسووا هذا المخلوق الناقص بالخالق الرب العظيم، الذي من عظمته الباهرة، وقدرته القاهرة، أن جميع الأرض يوم القيامة قبضة للرحمن، وأن السماوات - على سعتها وعظمها - مطويات بيمينه، فلا عظمه حق عظمته من سوَّى به غيره، ولا أظلم منه.
{ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }
أي: تنزه وتعاظم عن شركهم به.

{ 68 - 70 }

{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ }

لما خوفهم تعالى من عظمته، خوفهم بأحوال يوم القيامة، ورغَّبهم ورهَّبهم فقال: { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ } وهو قرن عظيم، لا يعلم عظمته إلا خالقه، ومن أطلعه اللّه على علمه من خلقه،. فينفخ فيه إسرافيل عليه السلام،. أحد الملائكة المقربين، وأحد حملة عرش الرحمن.

{ فَصَعِقَ } أي: غشي أو مات، على اختلاف القولين:
{ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ } أي: كلهم، لما سمعوا نفخة الصور أزعجتهم من شدتها وعظمها، وما يعلمون أنها مقدمة له. { إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ } ممن ثبته اللّه عند النفخة، فلم يصعق، كالشهداء أو بعضهم، وغيرهم. وهذه النفخة الأولى، نفخة الصعق، ونفخة الفزع.

{ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ } النفخة الثانية نفخة البعث { فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ ينظرون } أي: قد قاموا من قبورهم لبعثهم وحسابهم، قد تمت منهم الخلقة الجسدية والأرواح، وشخصت أبصارهم { يَنْظُرُونَ } ماذا يفعل اللّه بهم.

{ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } علم من هذا، أن الأنوار الموجودة تذهب يوم القيامة وتضحمل، وهو كذلك، فإن اللّه أخبر أن الشمس تكور، والقمر يخسف، والنجوم تندثر، ويكون الناس في ظلمة، فتشرق عند ذلك الأرض بنور ربها، عندما يتجلى وينزل للفصل بينهم، وذلك اليوم يجعل اللّه للخلق قوة، وينشئهم نشأة يَقْوَوْنَ على أن لا يحرقهم نوره، ويتمكنون أيضا من رؤيته، وإلا، فنوره تعالى عظيم، لو كشفه، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.

{ وَوُضِعَ الْكِتَابُ } أي: كتاب الأعمال وديوانه، وضع ونشر، ليقرأ ما فيه من الحسنات والسيئات، كما
قال تعالى:

{ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا }
ويقال للعامل من تمام العدل والإنصاف:
{ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا }
{ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ } ليسألوا عن التبليغ، وعن أممهم، ويشهدوا عليهم. { س وَالشُّهَدَاءِ } من الملائكة، والأعضاء والأرض. { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ } أي: العدل التام والقسط العظيم، لأنه حساب صادر ممن لا يظلم مثقال ذرة، ومن هو محيط بكل شيء، وكتابه الذي هو اللوح المحفوظ، محيط بكل ما عملوه، والحفظة الكرام، والذين لا يعصون ربهم، قد كتبت عليهم ما عملوه، وأعدل الشهداء قد شهدوا على ذلك الحكم، فحكم بذلك من يعلم مقادير الأعمال ومقادير استحقاقها للثواب والعقاب.

فيحصل حكم يقر به الخلق، ويعترفون للّه بالحمد والعدل، ويعرفون به من عظمته وعلمه وحكمته ورحمته ما لم يخطر بقلوبهم، ولا تعبر عنه ألسنتهم،
ولهذا قال:

{ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ }

{ 71 - 75 }

{ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ * وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

لما ذكر تعالى حكمه بين عباده، الذين جمعهم في خلقه ورزقه وتدبيره، واجتماعهم في الدنيا، واجتماعهم في موقف القيامة، فرقهم تعالى عند جزائهم، كما افترقوا في الدنيا بالإيمان والكفر، والتقوى والفجور، فقال: { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ } أي: سوقا عنيفا، يضربون بالسياط الموجعة، من الزبانية الغلاظ الشداد، إلى شر محبس وأفظع موضع، وهي جهنم التي قد جمعت كل عذاب، وحضرها كل شقاء، وزال عنها كل سرور، كما قال تعالى: { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } أي: يدفعون إليها دفعا، وذلك لامتناعهم من دخولها.

ويساقون إليها { زُمَرًا } أي: فرقا متفرقة، كل زمرة مع الزمرة التي تناسب عملها، وتشاكل سعيها، يلعن بعضهم بعضا، ويبرأ بعضهم من بعض. { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا } أي: وصلوا إلى ساحتها
{ فُتِحَتْ } لهم أي: لأجلهم { أَبْوَابُهَا } لقدومهم وقِرًى لنزولهم.
{ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا } مهنئين لهم بالشقاء الأبدي، والعذاب السرمدي، وموبخين لهم على الأعمال التي أوصلتهم إلى هذا المحل الفظيع: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ } أي: من ***كم تعرفونهم وتعرفون صدقهم، وتتمكنون من التلقي عنهم؟.
{ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ } التي أرسلهم اللّه بها، الدالة على الحق اليقين بأوضح البراهين.
{ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } أي: وهذا يوجب عليكم اتباعهم والحذر من عذاب هذا اليوم، باستعمال تقواه، وقد كانت حالكم بخلاف هذه الحال؟
{ قَالُوا } مقرين بذنبهم، وأن حجة اللّه قامت عليهم: { بَلَى } قد جاءتنا رسل ربنا بآياته وبيناته، وبينوا لنا غاية التبيين، وحذرونا من هذا اليوم. { وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ } أي: بسبب كفرهم وجبت عليهم كلمة العذاب، التي هي لكل من كفر بآيات اللّه، وجحد ما جاءت به المرسلون، فاعترفوا بذنبهم وقيام الحجة عليهم.

فـ { قِيلَ } لهم على وجه الإهانة والإذلال: { ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ } كل طائفة تدخل من الباب الذي يناسبها ويوافق عملها. { خَالِدِينَ فِيهَا } أبدا، لا يظعنون عنها، ولا يفتر عنهم العذاب ساعة ولا ينظرون. { فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } أي: بئس المقر، النار مقرهم، وذلك لأنهم تكبروا على الحق، فجازاهم اللّه من *** عملهم، بالإهانة والذل، والخزي.

ثم قال عن أهل الجنة: { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ } بتوحيده والعمل بطاعته، سوق إكرام وإعزاز، يحشرون وفدا على النجائب.
{ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا } فرحين مستبشرين، كل زمرة مع الزمرة، التي تناسب عملها وتشاكله. { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا } أي: وصلوا لتلك الرحاب الرحيبة والمنازل الأنيقة، وهبَّ عليهم ريحها ونسيمها، وآن خلودها ونعيمها. { وَفُتِحَتْ } لهم { أَبْوَابُهَا } فتح إكرام، لكرام الخلق، ليكرموا فيها. { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا } تهنئة لهم وترحيبا:
{ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ } أي: سلام من كل آفة وشر حال.عليكم { طِبْتُمْ } أي: طابت قلوبكم بمعرفة اللّه ومحبته وخشيته، وألسنتكم بذكره، وجوارحكم بطاعته. { فـ } بسبب طيبكم { ادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } لأنها الدار الطيبة، ولا يليق بها إلا الطيبون.

وقال في النار { فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } وفي الجنة { وَفُتِحَتْ } بالواو، إشارة إلى أن أهل النار، بمجرد وصولهم إليها، فتحت لهم أبوابها من غير إنظار ولا إمهال، وليكون فتحها في وجوههم، وعلى وصولهم، أعظم لحرها، وأشد لعذابها.

وأما الجنة، فإنها الدار العالية الغالية، التي لا يوصل إليها ولا ينالها كل أحد، إلا من أتى بالوسائل الموصلة إليها، ومع ذلك، فيحتاجون لدخولها لشفاعة أكرم الشفعاء عليه، فلم تفتح لهم بمجرد ما وصلوا إليها، بل يستشفعون إلى اللّه بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، حتى يشفع، فيشفعه اللّه تعالى.

وفي الآيات دليل على أن النار والجنة لهما أبواب تفتح وتغلق، وأن لكل منهما خزنة، وهما الداران الخالصتان، اللتان لا يدخل فيهما إلا من استحقهما، بخلاف سائر الأمكنة والدور.

{ وَقَالُوا } عند دخولهم فيها واستقرارهم، حامدين ربهم على ما أولاهم ومنَّ عليهم وهداهم: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ } أي: وعدنا الجنة على ألسنة رسله، إن آمنا وصلحنا، فوفَّى لنا بما وعدنا، وأنجز لنا ما منَّانا. { وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ } أي: أرض الجنة
{ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ } أي: ننزل منها أي مكان شئنا، ونتناول منها أي نعيم أردنا، ليس ممنوعا عنا شيء نريده.

{ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } الذين اجتهدوا بطاعة ربهم، في زمن قليل منقطع، فنالوا بذلك خيرا عظيما باقيا مستمرا.

وهذه الدار التي تستحق المدح على الحقيقة، التي يكرم اللّه فيها خواص خلقه،.ورضيها الجواد الكريم لهم نزلا، وبنى أعلاها وأحسنها، وغرسها بيده، وحشاها من رحمته وكرامته ما ببعضه يفرح الحزين، ويزول الكدر، ويتم الصفاء.

{ وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ } أيها الرائي ذلك اليوم العظيم
{ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ } أي: قد قاموا في خدمة ربهم، واجتمعوا حول عرشه، خاضعين لجلاله، معترفين بكماله، مستغرقين بجماله.
{ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } أي: ينزهونه عن كل ما لا يليق بجلاله، مما نسب إليه المشركون وما لم ينسبوا.

{ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } أي: بين الأولين والآخرين من الخلق { بِالْحَقِّ } الذي لا اشتباه فيه ولا إنكار، ممن عليه الحق.
{ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } لم يذكر القائل من هو، ليدل ذلك على أن جميع الخلق نطقوا بحمد ربهم وحكمته على ما قضى به على أهل الجنة وأهل النار، حمد فضل وإحسان، وحمد عدل وحكمة.
تم تفسير سورة الزمر بحمد اللّه وعونه.
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 22-06-2013, 10:45 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,653
معدل تقييم المستوى: 20
عاشقة الموج is on a distinguished road
Post

لله الحمد والمنة والثناء الحسن



تم

الانتهاء من تفسير سورة الزمر


و نتابع بإذن المولى

تفسير سورة غافر



فما كان من التوفيق فمن الله و رسوله





و إن كان خطأ فمن النفس و الشيطان




هذا رابط للاستماع لمختلف القراءات لمختلف مشايخ المسلمين




http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=surahlist


__________________
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 24-06-2013, 06:07 PM
hamzaragab hamzaragab غير متواجد حالياً
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Aug 2012
العمر: 62
المشاركات: 111
معدل تقييم المستوى: 14
hamzaragab is on a distinguished road
افتراضي

جزاك الله خــــيــراً على هـــذا المجهود الـــرائع
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 09-07-2013, 03:55 PM
mona06 mona06 غير متواجد حالياً
عضو رائع
 
تاريخ التسجيل: Jun 2009
المشاركات: 744
معدل تقييم المستوى: 17
mona06 is on a distinguished road
افتراضي

شكرا لكم جزاكم الله عنا خير الجزاء
نسألكم الدعاء بظاهر الغيب
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 09-07-2013, 05:32 PM
الصورة الرمزية فتحي ماهر
فتحي ماهر فتحي ماهر غير متواجد حالياً
مــٌــعلــم
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 381
معدل تقييم المستوى: 16
فتحي ماهر will become famous soon enough
افتراضي


رد مع اقتباس
  #11  
قديم 09-08-2013, 11:31 AM
الصورة الرمزية alea2009
alea2009 alea2009 غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 1,914
معدل تقييم المستوى: 18
alea2009 is on a distinguished road
افتراضي

جزاك الله خيرآ وجعل هذا العمل فى ميزان حسناتك.
__________________
سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 17-08-2013, 03:51 PM
mednoor mednoor غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
العمر: 55
المشاركات: 13
معدل تقييم المستوى: 0
mednoor is on a distinguished road
افتراضي

جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 30-08-2013, 08:58 PM
الصورة الرمزية أحـمد قرنى
أحـمد قرنى أحـمد قرنى غير متواجد حالياً
معلم حاسب آلى
 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
المشاركات: 2,459
معدل تقييم المستوى: 18
أحـمد قرنى has a spectacular aura about
افتراضي

جزاكم الله خيراً
وجعله الله فى ميزان حسناتكم
__________________
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 18-10-2013, 11:05 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,653
معدل تقييم المستوى: 20
عاشقة الموج is on a distinguished road
افتراضي

شكرا لجميع من مر على الصفحة
و شكرا لمن ألغى تثبيت موضوع يهم كل زوار المنتدى
الشكر للجميع و سأكمل بإذن الله تعالى باقى التفسير إن شاء الله
و خالص الود للجميع
عاشقة الموج
__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 27-12-2013, 03:18 AM
الصورة الرمزية عاشقة الموج
عاشقة الموج عاشقة الموج غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 3,653
معدل تقييم المستوى: 20
عاشقة الموج is on a distinguished road
Mnn

40- تفسيرسورة المؤمن / غافر

عدد آياتها 85


وهي مكية

(
آية 1-22 )




{ 1 - 3 }

{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ }

يخبر تعالى عن كتابه العظيم وبأنه صادر ومنزل من الله، المألوه المعبود، لكماله وانفراده بأفعاله، { الْعَزِيزِ } الذي قهر بعزته كل مخلوق { الْعَلِيمِ } بكل شيء.
{ غَافِرِ الذَّنْبِ } للمذنبين { وَقَابِلِ التَّوْبِ } من التائبين، { شَدِيدِ الْعِقَابِ } على من تجرأ على الذنوب ولم يتب منها، { ذِي الطَّوْلِ } أي: التفضل والإحسان الشامل.
فلما قرر ما قرر من كماله وكان ذلك موجبًا لأن يكون وحده، المألوه الذي تخلص له الأعمال قال: { لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ }



ووجه المناسبة بذكر نزول القرآن من الله الموصوف بهذه الأوصاف أن هذه الأوصاف مستلزمة لجميع ما يشتمل عليه القرآن، من المعاني.


فإن القرآن:



إما إخبار عن أسماء الله، وصفاته، وأفعاله، وهذه أسماء، وأوصاف، وأفعال.
وإما إخبار عن الغيوب الماضية والمستقبلة، فهي من تعليم العليم لعباده.


وإما إخبار عن نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة، وما يوصل إلى ذلك، من الأوامر، فذلك يدل عليه قوله: { ذِي الطَّوْلِ }



وإما إخبار عن نقمه الشديدة، وعما يوجبها ويقتضيها من المعاصي، فذلك يدل عليه قوله: { شَدِيدِ الْعِقَابِ }



وإما دعوة للمذنبين إلى التوبة والإنابة، والاستغفار، فذلك يدل عليه قوله:
{ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ }



وإما إخبار بأنه وحده المألوه المعبود، وإقامة الأدلة العقلية والنقلية على ذلك، والحث عليه، والنهي عن عبادة ما سوى الله، وإقامة الأدلة العقلية والنقلية على فسادها والترهيب منها، فذلك يدل عليه قوله تعالى:
{ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ }



وإما إخبار عن حكمه الجزائي العدل، وثواب المحسنين، وعقاب العاصين، فهذا يدل عليه قوله: { إِلَيْهِ الْمَصِيرُ }



فهذا جميع ما يشتمل عليه القرآن من المطالب العاليات.


{ 4 - 6 }


{ مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ * وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ }



يخبر تبارك وتعالى أنه ما يجادل في آياته إلا الذين كفروا والمراد بالمجادلة هنا، المجادلة لرد آيات الله ومقابلتها بالباطل، فهذا من صنيع الكفار،



وأما المؤمنون فيخضعون لله تعالى الذي يلقي الحق ليدحض به الباطل، ولا ينبغي للإنسان أن يغتر بحالة الإنسان الدنيوية، ويظن أن إعطاء الله إياه في الدنيا دليل على محبته له وأنه على الحق ولهذا قال: { فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ } أي: ترددهم فيها بأنواع التجارات والمكاسب، بل الواجب على العبد، أن يعتبر الناس بالحق، وينظر إلى الحقائق الشرعية ويزن بها الناس، ولا يزن الحق بالناس، كما عليه من لا علم ولا عقل له.




ثم هدد من جادل بآيات الله ليبطلها، كما فعل من قبله من الأمم من قوم نوح وعاد والأحزاب من بعدهم، الذين تحزبوا وتجمعوا على الحق ليبطلوه، وعلى الباطل لينصروه، { و } أنه بلغت بهم الحال، وآل بهم التحزب إلى أنه { هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ } من الأمم

{ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } أي: ي***وه. وهذا أبلغ ما يكون الرسل الذين هم قادة أهل الخير الذين معهم الحق الصرف الذي لا شك فيه ولا اشتباه، هموا ب***هم، فهل بعد هذا البغي والضلال والشقاء إلا العذاب العظيم الذي لا يخرجون منه؟



ولهذا قال في عقوبتهم الدنيوية والأخروية: { فَأَخَذْتُهُمْ } أي: بسبب تكذيبهم وتحزبهم
{ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } كان أشد العقاب وأفظعه، ما هو إلا صيحة أو حاصب ينزل عليهم أو يأمر الأرض أن تأخذهم، أو البحر أن يغرقهم فإذا هم خامدون.
{ وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } أي: كما حقت على أولئك، حقت عليهم كلمة الضلال التي نشأت عنها كلمة العذاب، ولهذا قال: { أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ }

{ 7 - 9 }



{ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }





يخبر تعالى عن كمال لطفه تعالى بعباده المؤمنين، وما قيض لأسباب سعادتهم من الأسباب الخارجة عن قدرهم، من استغفار الملائكة المقربين لهم، ودعائهم لهم بما فيه صلاح دينهم وآخرتهم، وفي ضمن ذلك الإخبار عن شرف حملة العرش ومن حوله،



وقربهم من ربهم، وكثرة عبادتهم ونصحهم لعباد الله، لعلمهم أن الله يحب ذلك منهم فقال: { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ } أي: عرش الرحمن، الذي هو سقف المخلوقات وأعظمها وأوسعها وأحسنها، وأقربها من الله تعالى، الذي وسع الأرض والسماوات والكرسي، وهؤلاء الملائكة، قد وكلهم الله تعالى بحمل عرشه العظيم، فلا شك أنهم من أكبر الملائكة وأعظمهم وأقواهم، واختيار الله لهم لحمل عرشه، وتقديمهم في الذكر، وقربهم منه، يدل على أنهم أفضل أجناس الملائكة عليهم السلام،


قال تعالى: { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ }
{ وَمَنْ حَوْلَهُ } من الملائكة المقربين في المنزلة والفضيلة { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } هذا مدح لهم بكثرة عبادتهم للّه تعالى، وخصوصًا التسبيح والتحميد، وسائر العبادات تدخل في تسبيح الله وتحميده، لأنها تنزيه له عن كون العبد يصرفها لغيره، وحمد له تعالى، بل الحمد هو العبادة للّه تعالى، وأما قول العبد: "سبحان الله وبحمده" فهو داخل في ذلك وهو من جملة العبادات.


{ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } وهذا من جملة فوائد الإيمان وفضائله الكثيرة جدًا، أن الملائكة الذين لا ذنوب عليهم يستغفرون لأهل الإيمان، فالمؤمن بإيمانه تسبب لهذا الفضل العظيم.


ثم ولما كانت المغفرة لها لوازم لا تتم إلا بها -غير ما يتبادر إلى كثير من الأذهان، أن سؤالها وطلبها غايته مجرد مغفرة الذنوب- ذكر تعالى صفة دعائهم لهم بالمغفرة، بذكر ما لا تتم إلا به،



فقال: { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا } فعلمك قد أحاط بكل شيء، لا يخفى عليك خافية، ولا يعزب عن علمك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، ورحمتك وسعت كل شيء، فالكون علويه وسفليه قد امتلأ برحمة الله تعالى ووسعتهم، ووصل إلى ما وصل إليه خلقه.


{ فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا } من الشرك والمعاصي { وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ } باتباع رسلك، بتوحيدك وطاعتك.
{ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } أي: قهم العذاب نفسه، وقهم أسباب العذاب.
{ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ } على ألسنة رسلك { وَمَنْ صَلَحَ } أي: صلح بالإيمان والعمل الصالح { مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ } زوجاتهم وأزواجهن وأصحابهم ورفقائهم { وَذُرِّيَّاتِهِمْ } { إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ } القاهر لكل شيء، فبعزتك تغفر ذنوبهم، وتكشف عنهم المحذور، وتوصلهم بها إلى كل خير
{ الْحَكِيمُ } الذي يضع الأشياء مواضعها، فلا نسألك يا ربنا أمرا تقتضي حكمتك خلافه، بل من حكمتك التي أخبرت بها على ألسنة رسلك، واقتضاها فضلك، المغفرة للمؤمنين.


{ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ } أي: الأعمال السيئة وجزاءها، لأنها تسوء صاحبها.



{ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ } أي: يوم القيامة { فَقَدْ رَحِمْتَهُ } لأن رحمتك لم تزل مستمرة على العباد، لا يمنعها إلا ذنوب العباد وسيئاتهم، فمن وقيته السيئات وفقته للحسنات وجزائها الحسن. { وَذَلِكَ } أي: زوال المحذور بوقاية السيئات، وحصول المحبوب بحصول الرحمة، { هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } الذي لا فوز مثله، ولا يتنافس المتنافسون بأحسن منه.


وقد تضمن هذا الدعاء من الملائكة كمال معرفتهم بربهم، والتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى، التي يحب من عباده التوسل بها إليه، والدعاء بما يناسب ما دعوا الله فيه، فلما كان دعاؤهم بحصول الرحمة، وإزالة أثر ما اقتضته النفوس البشرية التي علم الله نقصها واقتضاءها لما اقتضته من المعاصي، ونحو ذلك من المبادئ والأسباب التي قد أحاط الله بها علمًا توسلوا بالرحيم العليم.


وتضمن كمال أدبهم مع الله تعالى بإقرارهم بربوبيته لهم الربوبية العامة والخاصة، وأنه ليس لهم من الأمر شيء وإنما دعاؤهم لربهم صدر من فقير بالذات من جميع الوجوه، لا يُدْلِي على ربه بحالة من الأحوال، إن هو إلا فضل الله وكرمه وإحسانه.


وتضمن موافقتهم لربهم تمام الموافقة، بمحبة ما يحبه من الأعمال التي هي العبادات التي قاموا بها، واجتهدوا اجتهاد المحبين، ومن العمال الذين هم المؤمنون الذين يحبهم الله تعالى من بين خلقه، فسائر الخلق المكلفين يبغضهم الله إلا المؤمنين منهم، فمن محبة الملائكة لهم دعوا الله، واجتهدوا في صلاح أحوالهم، لأن الدعاء للشخص من أدل الدلائل على محبته، لأنه لا يدعو إلا لمن يحبه.


وتضمن ما شرحه الله وفصله من دعائهم بعد قوله: { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } التنبيه اللطيف على كيفية تدبر كتابه، وأن لا يكون المتدبر مقتصرًا على مجرد معنى اللفظ بمفرده، بل ينبغي له أن يتدبر معنى اللفظ، فإذا فهمه فهمًا صحيحًا على وجهه، نظر بعقله إلى ذلك الأمر والطرق الموصلة إليه وما لا يتم إلا به وما يتوقف عليه، وجزم بأن الله أراده، كما يجزم أنه أراد المعنى الخاص، الدال عليه اللفظ.


والذي يوجب له الجزم بأن الله أراده أمران:


أحدهما: معرفته وجزمه بأنه من توابع المعنى والمتوقف عليه.


والثاني: علمه بأن الله بكل شيء عليم، وأن الله أمر عباده بالتدبر والتفكر في كتابه.


وقد علم تعالى ما يلزم من تلك المعاني. وهو المخبر بأن كتابه هدى ونور وتبيان لكل شيء، وأنه أفصح الكلام وأجله إيضاحًا، فبذلك يحصل للعبد من العلم العظيم والخير الكثير، بحسب ما وفقه الله له وقد كان في تفسيرنا هذا، كثير من هذا من به الله علينا.
وقد يخفى في بعض الآيات مأخذه على غير المتأمل صحيح الفكرة، ونسأله تعالى أن يفتح علينا من خزائن رحمته ما يكون سببًا لصلاح أحوالنا وأحوال المسلمين، فليس لنا إلا التعلق بكرمه، والتوسل بإحسانه، الذي لا نزال نتقلب فيه في كل الآنات، وفي جميع اللحظات، ونسأله من فضله، أن يقينا شر أنفسنا المانع والمعوق لوصول رحمته، إنه الكريم الوهاب، الذي تفضل بالأسباب ومسبباتها.


وتضمن ذلك، أن المقارن من زوج وولد وصاحب، يسعد بقرينه، ويكون اتصاله به سببًا لخير يحصل له، خارج عن عمله وسبب عمله كما كانت الملائكة تدعو للمؤمنين ولمن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، وقد يقال:
إنه لا بد من وجود صلاحهم لقوله: { وَمَنْ صَلَحَ } فحينئذ يكون ذلك من نتيجة عملهم والله أعلم.


__________________



دخول متقطع
أرجو الدعـــــاء بظاهـــــــــر الغيب
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, قران


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 02:45 AM.