اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية

قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #181  
قديم 23-10-2012, 12:02 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي محكمة جنايات القاهرة وقضية موقعة الجمل

محكمة جنايات القاهرة وقضية موقعة الجمل

Hani Sayed

ملاحظة حول قرار محكمة جنايات القاهرة في قضية "موقعة الجمل"

حكمت محكمة جنايات القاهرة ببراءة 24 متهماً في قضية "موقعة الجمل". "موقعة الجمل" (2-3 فبراير 2011) تشير إلى الهجوم على متظاهري التحرير من قبل أشخاص مستخدمين من قبل النظام السابق بلباس مدني، والذي أدى إلى مصرع 14 متظاهراً. استخدم المهاجمون جمالاً و أحصنة في محاولة لدهس المتظاهرين، بالإضافة إلى كوكتيل المولوتوف واحياناً بعض الأسلحة النارية. المتهمون ال24 كلهم من أقطاب النظام السابق. تلعب "موقعة الجمل" في مصر بعد ثورة 25 يناير دوراً محورياً في الخيال السياسي الجمعي و خاصة في تمثيل أي فعل جماهيري وتحديد علاقتنا به . فهي في الواقع أول ظهور إعلامي في التحرير لما يسمى البلطجية كفاعل سياسي سيدخل بعد الثورة أكثر من مرّة على الساحة العامة ( رمزياً و بالمعنى الحرفي) دائماً من اجل تخويف أو اسكات بعض النشطاء نهائياً، تمييع المشهد السياسي للمراقب الوطني والدولي، و بشكل عام كأسلوب من أساليب الاستبداد في ترهيب و قمع حراك ثوري جماهيري. و منذ موقعة الجمل أصبح "البلطجي" المقابل السياسي والأخلاقي لثوار التحرير. الخطاب السياسي السائد الذي يدور حول حراك الجماهير يفترض التمييز بين "البلطجي" و "الثائر" كبنية أساسية تحدد موقفنا الأخلاقي والسياسي من أي حراك شعبي. لم يكن استخدام بلطجية كأدوات للقمع في "موقعة الجمل" أسلوباً جديداً على النظام البائد. و كذلك فإن وصف المتظاهرين بأنهم بلطجية كان دائما موجود في خطاب الاستبداد. و لكن موقعة الجمل أعطت البلطجية في المخيلة السياسية للمصريين نقطة علام تاريخية. في "موقعة الجمل" تحول البلطجي من فئة موجودة فقط كأسطورة من أساطير الاستبداد إلى أشخاص حقيقيين يمكن ملاحظة أفعالهم و نتائجها على التلفزيون بنقل حي و مباشر. "موقعة الجمل" هي التي سمحت في الواقع لتهمة البلطجية أن تستمر إلى ما بعد الثورة و سقوط مبارك الشخص دون نظامه.

لن أدخل أكثر من ذلك في بنية الخطاب السياسي بعد 25 يناير حول تمثيل حراك الجماهير في الشارع، سوى لإعادة التأكيد على مركزية التمييز بين "البلطجية" و "ثوار التحرير" وعلى الأهمية الرمزية لموقعة الجمل في ترسيخ هذا التمييز. بالنسبة للكثيرين كان هذا التمييز مقبولاً بعد الثورة لأنه في الواقع يعتمد على منظومة قيمية أفرزتها الثورة والتي تبدأ من رفض النظام القديم وسياساته وممارساته. التمييز بين "البلطجي" و "الثائر" كان له مضمونه القيمي بالنسبة للثوار والمراقب المنحاز والذي سهل تداوله وانتشاره بعد الثورة لأننا أيضاً كنا نفترض أن "البلطجية" هم أدوات نظام مبارك. وأصبح التمييز بين البلطجي والثائر أحد ساحات الصراع السياسي الرمزي مع السلطة ليس فقط على المستوى الوطني بل أيضا في صراعات سياسية محلية في المعمل والجامعة. و من هنا فعندما تحكم محكمة جنايات القاهرة ببراءة ال24 متهماً من أقطاب النظام القديم وعدم مسؤوليتهم عن القتل والشروع بالقتل لمتظاهري التحرير، ثوار 25 يناير الحقيقيين، في "موقعة الجمل"، فان أثر ذلك سيتجاوز بشكل نوعي موضوع حق الشهيد وتحقيق العدالة بمحاسبة المجرم. حكم محكمة جنايات القاهرة في قضية "موقعة الجمل" سيسبب شرخاً بنيوياً في الخطاب السياسي و كيفية تمثيل الفعل الجماهيري فيه. الشعور بخيبة الأمل، الشعور بفقدان الأمل، الغضب، الشعور بالظلم المجحف المستوطن في صلب المجتمع، و حتى الشعور بعدم التوازن وفقدان نقاط علام في منظومة قيمنا السياسية كلها محتملة واستجابة إنسانية للعنف الرمزي الذي يمثله هذا القرار. بشكل أبسط الحكم ببراءة ال 24 متهم من الممكن أن يمغمغ التمييز بين "البلطجي" و "الثائر": كيف نصف ما حصل في مظاهرات 12 أكتوبر و ما هو الخط الفاصل بين البلطجي و الثائر و من يتحكم في هذا التصنيف؟ الغموض في منظومة القيم التي تسمح لنا أن نميز بين الثوري والفاشي، بين "الفلول" و سياسي له وجهة نظر مختلفة، سيبعد السياسة عن فئات كثيرة من المجتمع و يحد من قدرة النخب السياسية الفاعلة على تعبئة فئات من الشعب غير منظمة في حركات سياسية أو حزبية لأي عمل سياسي.

السؤال الذي لا بد طرحه في هذه الظروف من دون تأخير هو كيف وصلنا الى هنا؟ من السهل جداً ان ندخل في متاهة فساد القضاء، و ارتباطه بفلول النظام البائد. من السهل أيضا حتى أن ندخل في تفسيرات نحاول فيها وبكل جد و مثابرة أن نثبت أن قرار محكمة الجنايات هو تعبير عن الإرادة السياسية لــ "الدولة العميقة"، وأن نستغل هذه اللحظة الأليمة لكي نجدد العزم على إحداث تغيير جذري في مؤسسات الحكم، و على أن نواجه الدولة العميقة بثورة عميقة. و في ذات الوقت من الصعب على أي منا أن يؤكد أو ينفي هذه التفسيرات فهي بالفعل غير مستبعدة. و من الصعب أيضاً أن نختلف مع أي فعل سياسي من اجل تغيير جذري في مؤسسات المجتمع والحكم.

ولكنني كقانوني لم أجد قرار محكمة جنايات القاهرة في هذه القضية مفاجئاً أو حتى مخيباً للآمال . ما زلت أُقيّم هذا الحكم سياسياً كصفعة في وجه كل من وقف أمام الطغيان لعقود طويلة، و أخلاقياً على انه ازدراء معلل بلغة القانون لحقوق الشهداء و أحزان عائلاتهم. لم أجد الحكم مفاجئاً ومخيبا للآمال لأنني كقانوني منحاز سياسياً لليسار لا أرى من القانون إلا حدوده و ما يمكن توقعه بأحسن الظروف من محاكم الجنايات عندما تنظر في قضايا من نوع قضية "موقعة الجمل". بمعنى أن النتيجة، من منظور قانوني يساري، ستكون مخيبة للآمال و مدانة سياسياً و مرفوضة أخلاقياً حتى لو كان حكم محكمة الجنايات الإدانة لرموز النظام السابق. و من نفس المنظور فان استجابة السلطة التنفيذية لمصر بعد الثورة بإقالة النائب العام هي عرض لنفس المرض و مخيبة للآمال لأننا لا بد أن نتوقع من سلطة منتخبة بعد ثورة أكثر من ذلك بكثير.

القوانين الجزائية الوضعية، منذ الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، تفترض أن المسؤولية الجنائية 1) فردية؛ و 2) موضوعها أفعال مادية موصوفة مسبقاً بالتحديد في قوانين العقوبات. قضية "موقعةالجمل" و كذلك القضايا الجنائية المتعلقة بمجزرة ماسبيرو، قتل المتظاهرين في ثورة 25 يناير و كذلك قضايا الفساد ضد رموز النظام السابق، والقضاياالجنائية المتعلقة بمجزرة بور سعيد، لها طبيعة خاصة من ناحيتن. أولها إزدواجية الموضوع، فهي من جهة إجراءات قضائية تنتهي بتحديد مسؤولية أفراد عن أفعال مادية محددة. و هي من جهة أخرى إطار رمزي لمحاسبة طبقة سياسية كاملة عن جرائم من المستحيل حصرها أو حتى تصنيفها. ثانيها هو علاقة الكناية بين الموضوعين. والكناية بلاغة هي تعبير ينصرف فيه قصد قائله ليس إلى المعنى الحرفي لكلماته بل إلى معنى آخر ملازم ومسكوت عنه. أي أنه في سياق حديثنا هذا، جوهر القيمة الرمزية لهذه القضايا ليس المسؤولية الفردية عن أفعال مادية محددة، بل مدى قدرة هذه القضايا على أن تكون كناية مقبولة سياسياً لمحاسبة طبقة سياسية كاملة على عقود من القهر والاستبداد. في مثل هذه القضايا سيكون أي حكم قانوني قاصر ومخيب للآمال في أحسن الظروف. مسؤولية الفرد عن أعمال محددة لايمكن أن تختصر مسؤولية نظام عن عقود من الطغيان. ليس للغة القانون والمخيلة القضائية أي أدوات معرفية أو مفردات كافية تسمح لهما بأن ينتجان أحكاماً قادرة على أن تربط مسؤولية فرد عن أفعال مادية محددة والمسؤولية السياسية لنظام و رجاله. بل على العكس من ذلك فقد كانت مباشرة مثل هذه القضايا الجنائية، في أغلب الأحيان، محاولة لنخب سياسية انتقالية للهروب من استحقاقات العدالة والمسؤولية السياسية والأسئلة الصعبة التي لا بد لكل منّا ان يواجهها، إلى المسؤولية القانونية حيث يمكن التعايش مع وهم أننا نستطيع أن نتحكم بمسار الأمور بعد أن نفتح ”صندوق باندورا“.

التناقضات التي تفرزها هذه الإشكالية أكبر بكثير من أن يمكن تجاوزها بإجراءات تجميلية. القضاء الجنائي يفترض كشرط لعدالة المحاكمة أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته. والثقة العامة بعدالة المحاكمة لا بد أن تعني من ضمن ما تعنيه قبولنا أن أحد النتائج المحتملة للمحاكمة هو براءة المتهم. و هذا ما هو غير محقق في مصر بعد الثورة. لا بد لمسؤولية أقطاب نظام مبارك المباشرة عن انتهاكات دمرت حياة مئات الأولوف من المصريين أن تكون نقطة البداية في أي من هذه المحاكمات و ليست إحدى استنتاجاتها المحتملة. فإذا لم يكن كذلك فكأن الثورة لم تكن. و بالتالي فإن الإصرار على التعامل مع النظام البائد عن طريق المسائلة الجنائية يفترض ضمنا أننا نطلب من القضاء أن يكون غير عادلاً و أن تكون المحاكمة شكلية وأن تكون الضمانات الإجرائية التي تكفل للمتهم عدالة الإجراءات في نهاية الأمر مسرحية. هذه الصورية هي أسلوب النظام البائد في التعامل مع حكم القانون و ليس، كما هو سائد في المجال العام اليوم، تطبيق فعلي لشعارات سيادة القانون.

هذا لا يعني أن المساءلة الجنائية لمن اقترف جرائم بحق متظاهر أو معتقل أمر هامشي. بل على العكس من ذلك تماماً. المشكلة هي عندما نصور المسائلة الجنائية على أنها معادلة للمسائلة الشعبية السياسية وتحقيق للعدالة. السياسة في مصر بعد الثورة لا يمكن أن تتعامل مع العدالة على أنها علاقة بين جلاد و ضحيته. كل مصري طرف في هذه العلاقة. و ليس من المقبول أن يتعامل السياسيون في مصر مع مسألة العدالة كموضوع تقني على هامش السياسة يمكن حله بتبديل مناصب بينما تسير الآلة السياسية قدما بمشاريع اقتصادية وانتخابات و دستور. العدالة في مصر بعد الثورة، بل في جميع ثورات ما يسمى بالربيع العربي، هي المسألة التي يجب أن تبدأ منها كل السياسة.
رد مع اقتباس
  #182  
قديم 23-10-2012, 11:57 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي الربيع العربي: الصحة والرعاية في المرحلة الانتقالية

الربيع العربي: الصحة والرعاية في المرحلة الانتقالية
Adam Coutts, Sharif Ismail, and Mark Dempsey
أدّت الانتفاضات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مؤخرًا إلى بروز عدد من التغيرات السياسية التي طالت جميع بلدان المنطقة تقريبًا وزرعت التفاؤل والأمل بإحداث إصلاح إجتماعي وإقتصادي مهمّ في هذه البلدان. وفي حين تمّ التركيز في شكل خاص على التداعيات الأمنية والاقتصادية لهذه التغيرات، كان لهذه التحوّلات آثار كبيرة على صحة ورفاه السكان إلى جانب تأثيرها على نظم الحماية الإجتماعية. يُعاني عدد كبير من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من نقاط ضعف كبيرة وقصيرة الأمدّ من حيث الصحة بسبب الانتفاضات. وتتضمّن نقاط الضعف أولًا عدد القتلى والجرحى الذين وقعوا خلال الانتفاضات والذي سجّل نسبة كبيرة – أقله في سوريا- والذي لا يزال يشهد ارتفاعًا. كما تفاقمت مشكلة تهجير السكان لا سيّما في البلدان المجاورة لسوريا. وفي هذا السياق، تفيد التقارير إلى نزوح ما يزيد عن 500 ألف شخص من سوريا يعانون من تداعيات التهجير مثل الاضطرابات الناتجة عن إجهاد ما بعد الصدمة لا سيّما لدى الأطفال. ويشكّل الضرر اللاحق بنظم الصحة العامة أحد أكبر المخاطر القصيرة الأمدّ. على الرغم من استبعاد تدهور هذه النظم في البلدان التي لا تزال مستقرة، من المرجّح أن تتدهور هذه النظم في ليبيا وسوريا، كما تظهر الدلائل المتاحة الخاصة بتداعيات تدهور هذا النوع من الخدمات على صحّة السكان في العراق نتائج غير مطمئنة.

لا تزال البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تُعاني من نقاط ضعف مختلفة طويلة الأمدّ في مجال الصحة وكان عدد كبير من نقاط الضعف هذه ظاهرًا قبل بدء الانتفاضات ولكنّها تبلورت وأصبحت جليّة بعد اندلاعها. تشهد المنطقة انتشارًا واسع النطاق لمستويات البطالة المرتفعة لا سيّما في صفوف الشباب. وقد ازدادت مستويات البطالة ارتفاعًا بسبب الوضع الغير المتكافئ للمرأة التي تعاني من ارتفاع معدّلات الأميّة وتراجع مستويات مشاركتها السياسية والاقتصادية على الرغم من أنّ المرأة لعبت دورًا رياديًا في قيادة الانتفاضات. ولسوء الحظّ، لا يتمتّع عدد كبير من هذه البلدان بالقدرة الوافية للإستجابة إلى هذه الأزمة بسبب الإهمال الطويل الأمدّ لنظم الرعاية التي من شأنها أن تحمي السكان من تداعيات التقلّب الاقتصادي المدمّر الناجم عن عملية الانتقال السياسي. إلى جانب هذه التحديات، تعاني هذه البلدان من إرث العنف الحالي المتجذّر تاريخيًا والذي لا يزال عدد ضحاياه غير واضح.

من جهة أخرى، بلغ إجمالي النفقات على الرعاية الصحية في عدد من بلدان المنطقة مستوى إجمالي النفقات الصحية في البلدان ذات الدخل المرتفع ولكن مع اختلاف في العائدات على الإستثمار في الصحة. وقد أدّى هذا الواقع إلى حجب برامج الإصلاح المحدودة وغياب الاستثمار الحكومي المستدام في الصحة والعناية الصحية. عامةً، تُظهر بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مستويات منخفضة في الإنفاق الحكومي على الصحة إلى جانب تراجع معدلات التغطية الصحية، كما اعتادت هذه البلدان على الإنفاق من الأموال الخاصة. وفي هذا السياق، من المعروف أنّ قدرة الصحّة العامة في عدد كبير من بلدان المنطقة ضعيفة. ويعزى سبب هذا الضعف جزئيًا إلى النقص المزمن في الاستثمار: فبين العام 1990 و2006 إستثمرت الحكومات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما بين 1.7 في المائة (بيانات صندوق النقد الدولي) و2.8 في المائة (بيانات منظمة الصحة العالمية) من إجمالي الناتج المحلي في الصحة ما أدّى إلى عزل هذه المنطقة عن باقي بلدان العالم بسبب انخفاض الإنفاق على الصحة على الرغم من أنها دول ذات دخل متوسّط مرتفع.


تمّ تأسيس وتطوير نظم الصحة والرعاية الضعيفة هذه طوال السنين العشرين الماضية عندما كانت بلدان المنطقة تشهد انتقالًا سريعاً إلى إقتصادات السوق. وكان ذلك الانتقال مبنياً على تخفيضات غير دقيقة في الإنفاق الإجتماعي العام إلى جانب التخصيص الغير المصحوب بآليات الحماية الإجتماعية. وتمّ التركيز على التقدّم التكنولوجي في الرعاية الصحية عوضًا عن الوقاية في الصحة العامة والإصلاح على مستوى الحوكمة وإدماج الصحة كجانب أساسي من جوانب الأمن الإنساني.


تواجه الحكومات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديات كبيرة من حيث الاستجابة في الشكل الملائم إلى نقاط الضعف المذكورة في زمن التغيير المستمر. ستؤدّي عملية إعادة ترتيب الأولويات في الإنفاق الحكومي لمصلحة الصحة العامة إلى فرض تخفيضات على الإنفاق في مجالات أخرى بما فيها قطاع الدفاع. ونظراً إلى أنّ ستّ دول من بين البلدان العشرة الأكثر إنفاقاً على الترسانة العسكرية هي دول عربية (بالنسبة المئوية من إجمالي الناتج المحلي)، سيكون هذا التغيير في الإنفاق التحدّي الأكثر صعوبة – والأكثر ضرورة- بين جميع التحديات. وتبيّن نتائج الأبحاث التي طالت عمليات الانتقال الإجتماعي والسياسي في بلدان أخرى من العالم (بما فيها أوروبا الشرقية منذ العام 1989) أنّه من الضروري أن تولي الحكومات العربية الأولوية إلى المجالات التالية:


1- ضمان استثمار الموارد الملائمة لتنمية نظام الصحة العامة على الرغم من بروز عدد كبير من أولويات الإنفاق الأخرى.
2- الحؤول دون فرض تغيير إجتماعي إقتصادي لمصلحة الإصلاح الجذري.
3- التعامل مع المصالح الراسخة التي قد تختار القيام بعمليات إنتقالية لتحقيق إصلاحات الليبيرالية الجديدة في قطاع تطغى عليه صفة خدمة الخير العام.
4- تعزيز الشفافية والرقابة من خلال اعتماد نظم مراقبة متينة.

يعقد المكتب الإقليمي لشرق المتوسّط التابع لمنظمة الصحة العالمية جلسةً الشهر القادم في القاهرة بشأن "تعزيز النظم الصحية: التحديات والأولويات والخيارات للعمل في المستقبل". وستتمّ مناقشة معظم التحديات والوقائع المذكورة في هذا البحث إلى جانب اقتراح عدد من التوصيات في مجال الإصلاح مع التركيز على المشكلة الأساسية وهي أنّ " انخفاض الإنفاق الحكومي على الصحة ليس ناجمًا عن قيود المالية العامة وحسب بل هو ناتجٌ أيضًا عن عدم إعطاء الأولوية الكافية للصحة". وبالتالي، تدعو الحاجة إلى تغيير هذه المقاربة بالتحديد في أقرب وقت ممكن.


وأخيراً، يكمن السؤال الأساسي في معرفة ما إذا كانت حكومات الربيع العربي الجديدة قادرة على معالجة هذه المخاطر الطويلة الأمد التي تهدّد استقرار البلدان من خلال خدمة مصالح الشعوب التي ضحت أحياناً بحياتها أو ما إذا اختارت أن تسعى في نهاية المطاف إلى خدمة المصالح المترسّخة في سبيل تحقيق أرباح مالية شخصية. وبالتالي، ستحدّد المقاربة التي تعتمدها تلك الحكومات آفاق ومستقبل الصحة والرعاية في المنطقة للعقود القادمة.
رد مع اقتباس
  #183  
قديم 24-10-2012, 12:30 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي فلسطين وكالة من غير بواب!

نتنياهو: فلسطين وكالة من غير بواب!
نبيل عمرو

هذا العنوان هو قول متداول في مصر، يقال أكثر من مليون مرة في الساعة الواحدة، مثلا حين يتجرأ طفل ويختلس حبة مانجو من عربة أو حانوت، وحين يسطو متنفذ على أملاك عامة، بدءا من الاعتداء على متر أرض من الأراضي الحكومية، وليس انتهاء عند اقتباس عشرات المليارات من حقوق الآخرين.
هِيّ وكالة من غير بواب؟!

عندنا في فلسطين لا يستخدم هذا القول كثيرا، لأن هنالك شعورا جمعيا بأن الإسرائيليين يتعاملون مع البلد كله كوكالة من غير بواب، وأن طريقة عمل الطبقة السياسية فيها كرست ذلك، ولكل جمهورية من جمهوريات فلسطين معادلة.
جمهورية الضفة غير المستقلة وغير المستقرة، يتعامل الإسرائيليون معها من خلال استباحة أرضها، وحقوق أهلها، حتى إن نتنياهو بصدد دعوة كل إسرائيلي للاستيطان في أي مكان في الضفة، وذلك بعد أن تم تصنيف الاستيطان فنيا بين مستوطنات عشوائية يجري تفصيل قانون لها، ومستوطنات سياسية يمكن التفاوض عليها بغية إبقائها، ومستوطنات يراد لها أن تتجمع كي تتكرس كجزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل، ومستوطنات يحظر مجرد الحديث عنها أي تلك المقامة على أراضي القدس وبيت لحم، ومستوطنات لا يصح التخلي عنها لمكانتها الاقتصادية، وأخرى لأنها واقعة على حوض المياه الرئيسي، وأخرى لأنها ورد ذكرها في التوراة، وأخرى وعد باراك بإقامتها على رؤوس الجبال لحماية مطار بن غوريون!! وهكذا.
وحين أعلن نتنياهو أنه بصدد إقرار قانون يجيز الاستيطان في أي مكان في الضفة الغربية، قال خصومه الانتخابيون إنه يقوم بمجرد حملة انتخابية للحصول على أصوات المستوطنين الذين يعدون بمئات الألوف في الضفة والقدس، وكان يمكن تصديق أن الأمر مجرد دعاية انتخابية لو أن الحكومة الحالية في إسرائيل تتحدث عن الاستيطان أكثر مما تفعل. أما معارضوه فهم في الأساس مع الاستيطان، إلا أنهم يحذرون المبالغة في تبنيه وإعلانه، ليس هذا فحسب، فقد استفاق الفلسطينيون ذات صباح على واقعتين لهما دلالات مباشرة؛ الأولى حين زُرعت عند الحاجز المسمى بحاجز بيت أيل والذي لا يعبره إلا حملة بطاقات الـvip، شجرة زيتون رومية للإيحاء بأن الاحتلال باق إلى الأبد، وقد يجدون للزيتون شجرة عائلة تظهر أن أحد اليهود الأوائل هو من زرعها في هذا المكان.
وعلى مقربة من الشجرة استبدلت يافطة مكتب التنسيق والارتباط التي تجسد بقايا أوسلو بيافطة كُتب عليها «الإدارة المدنية لمنطقة يهودا والسامرة»، أي الإدارة التي تجسد الاحتلال، وتعامله المباشر مع الفلسطينيين كسلطة عليا تقدم لهم الخدمات، قافزة من فوق سطح السلطة التي استحدثت وزارة لهذا الغرض.
المأساة.. أن كثيرين من أقطاب السلطة لا يعرفون بذلك، والذين يعرفون يتظاهرون بأنهم لا يعرفون.
هذا في جمهورية الضفة، أما جمهورية غزة فالتعامل معها وصل إلى حد وضع جدول يبين كم سعرا حراريا يحتاج المواطن الغزي كي يبقى على قيد الحياة، فتتولى إسرائيل السماح بدخول هذه السعرات على هيئة شاحنات محدودة الحمولة والعدد، تعبر حاجز كارني أو كرم أبو سالم، وإذا ما أحب الغزيون الاستزادة فأمامهم الأنفاق، فما يدخل عبرها هو الترف الزائد عن اللزوم الذي يؤدي إلى استفحال البدانة!
نعم إنها وكالة من غير بواب، يدخل إليها الإسرائيليون ويبقون أو يخرجون دون اعتراض، وكل هذا مؤجل البت فيه فلسطينيا إلى ما بعد الذهاب إلى الأمم المتحدة والعودة منها.
وحين يسقط من التداول شرط وقف الاستيطان لاستئناف المفاوضات، ويحل محله اعتراف العالم بدولة غير عضو في الأمم المتحدة، سوف يجلد الإسرائيليون الفلسطينيين بسوط صنعوه بأيديهم. سيضاعفون الاستيطان، ولن يلومهم أحد، ثم يعاقبون الفلسطينيين على مجرد الذهاب للأمم المتحدة.
هذا هو الوضع الآن، وإلى أن نصل إلى اليوم الأخير من الحملات الانتخابية في إسرائيل سنسمع أكثر مما نسمع ونرى الآن، وليس لنا في هذا الأمر إلا الله الذي هو للجميع، والأمم المتحدة التي تحولت إلى حائط بكاء لا يشفع ولا ينفع.
رد مع اقتباس
  #184  
قديم 24-10-2012, 12:34 AM
الصورة الرمزية محمد محمود بدر
محمد محمود بدر محمد محمود بدر غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 23,386
معدل تقييم المستوى: 39
محمد محمود بدر is just really nice
افتراضي

لك الله يا فلسطين فالعروبة والقومية وناصر ماتوا
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا على الموضوع
رد مع اقتباس
  #185  
قديم 24-10-2012, 12:37 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي تركيا والسيناريو الروسي - أردوغان يحكم سيطرته علي السلطة

تركيا والسيناريو الروسي - أردوغان يحكم سيطرته علي السلطة
محمد عبد القادر خليل
باحث في مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام
كشف المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في أواخر سبتمبر 2012، ما يتمتع به زعيم الحزب رجب طيب أردوغان من طموح سياسي سواء على الصعيد الشخصي أو الحزبي أو الوطني، فبين حضور أكثر من 20 ألف شخص، وأكثر من 120 ضيف أجنبي استطاع أردوغان تنصيب نفسه سلطانا عثمانيا لفترة أخرى كرئيس لحزب استطاع أن يجدد دماءه بتصعيد عدد من قياداته الشابة، وأن يؤكد في ذات الوقت أن مرحلة الانتقال من رئاسة الوزراء إلى رئاسة الدولة والإقامة في قصر جاناكيا قد أشرفت، وذلك في ظل الاتجاه لإقرار دستور جديد تتحول بمقتضاه تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.

وقد استطاع "الباشبكان" أردوغان البالغ من العمر ثمانية وخمسون عاما خلال خطبته التي امتدت لساعتين وجاءت في ضاحية "بلجت" بالعاصمة أنقرة أن يصوغ معالم ثلاث خطوط تتقاطع لتشكل معا طموح الرجل لشخصه وحزبه ودولته، حتى عام 2023، والذي يمثل الذكرى الأولى لتأسيس الجمهورية التركية الحديثة، والتي يأمل أن يكون رئيسها حين تحل هذه الذكرى.

الطموح الشخصي

تعد السمة الرئيسية للحركات الأساسية والأحزاب السياسية الرئيسية في تركيا أنها تعرف بقياداتها وزعاماتها. هذه قاعدة أساسية أوضحتها حركة صعود وهبوط الأحزاب السياسية التركية تاريخيا، كما أنها حقيقة عكستها تجربة حزب العدالة والتنمية نفسه، والذي تأسس في 14 أغسطس عام 2001 ووصل إلى الحكم في العام التالي مباشرة (3 نوفمبر 2002)، بسبب عدد من العناصر الأساسية أهمها كاريزمية ومهارات زعيمه، الذي قال خلال مؤتمر حزبه أنه لن يذهب إلى منزل عائلته الريفي الصغير في مدينة ريزا المطلة على البحر الأسود للانزواء والجلوس على مقعد هزاز في استراحة محارب متقاعد، وإنما يتطلع للاستمرار في العمل السياسي وفي المنصب الذي يختاره له حزبه.

وعلى الرغم من أن أردوغان لم يحدد صراحة موقفه من ترشحه لمنصب الرئاسة إلا أن كافة المحيطين به يجمعون على أن تحول تركيا إلى النظام الرئاسي سيعني انتقال أردوغان إلى القصر الرئاسي ليجلس مكان صديقه عبد الله جول، غير أنه سيمسك حينها بصلاحيات واسعة تمكنه من حكم تركيا حتى عام 2025، حيث من المقرر أن تجرى الانتخابات الرئاسية في نهايات عام 2014، ويحق للرئيس بمقتضى التعديلات الدستورية التي أجريت على الدستور التركي أن يبقى في الحكم لفترتين متتاليتين، وذلك بعد أن أضحى ينتخب مباشرة من قبل المواطنين وليس من قبل أعضاء الجمعية الوطنية التركية.

وقد أعلن أردوغان أثناء المؤتمر الذي عقد في أواخر سبتمبر 2012، أن حزبه رغم امتلاكه الأغلبية البرلمانية إلا أنه دعا العديد من أحزاب المعارضة لتقديم رؤاها السياسية حيال الدستور الجديد للبلاد، مشيرا إلى أن هذا الدستور سيدعم مسيرة التحول الديمقراطي في تركيا وسيقوم على الحرية وسيسمح بالتنوع. ويهدف أردوغان من الدستور الجديد التغلب على العقبة القانونية التي تحول دون قدرته على الاستمرار في الحكم، حيث تمنعه القوانين المحلية من الترشح لولاية أخرى كرئيس للوزراء في الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في عام 2015.

كما يهدف أردوغان من الدستور الجديد إنهاء مرحلة حظر الأحزاب السياسية في تركيا، وتكليل نجاحات زعامة الحزب في إحداث قطيعة سياسية مع مراحل الانقلابات العسكرية، بما يضمن للحزب وقيادته دوام السيطرة على الحياة السياسية التي يتطلع لأن تتسم بدورها بقدر أكبر من الاستقرار المضمون والمصان بمقتضى نصوص الدستور الجديد.

الطموح الحزبي

يرتبط بطموح أردوغان الشخصي في أن يصبح رئيسا للجمهورية أن تستمر سيطرته على حزب العدالة والتنمية دون منازع، لذلك فقد استطاع أن يضمن رئاسة الحزب للمرة الثالثة وأن يحصد مع قائمته للمكتب التنفيذي التي اختارها بمفرده وتتألف من خمسين شخصية، على نحو 1421 صوت من أصل 1424. إذ اعتبرت ثلاثة أصوات لاغية، وهو ما يعني أنه فاز بنسبة 99.99 في المائة من سباق لم ينافسه فيه أحد.

وقد فوض المؤتمر أردوغان بصلاحيات اختيار مسئولين جدد لقيادة الحزب في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، حيث لا تسمح اللائحة الداخلية للحزب بتولي أعضاء الحزب مناصب أو الترشح للبرلمان أكثر من ثلاث دورات وبإجمالي خمسة عشرة سنة، بما يعني أن هناك تعديل حكومي مرتقب، كما أن قائمة الحزب لخوض الانتخابات البلدية في 2013، والبرلمانية في 2015 ستشهد تغيرات كبرى، لذلك فقد رفع المؤتمر الرابع للحزب شعار "إعطاء فرصة للقيادات الشابة داخل الحزب".

ويسعى أردوغان من وراء إلى ذلك تجديد دماء الحزب الحاكم عبر عمليات الإحلال والتبديل على مستوى القيادات، على نحو من شأنه أن يجنبه مآلات الأحزاب التركية التي سرعان ما اختفت من الساحة السياسية بسبب غياب أو تغيب قياداتها أو ترهل هياكلها أو شيخوخة نخبتها عمريا أو فكريا.

يأتي ذلك في ظل الرغبة في استمرار البقاء في الحكم، وذلك بعد أن نجح حزب العدالة في السيطرة على السلطة منفردا لثلاث دورات برلمانية متتالية، بل وازدادت شعبيته بعد كل انتخابات، حيث فاز الحزب بنسبة 34 في المائة في انتخابات 3 نوفمبر 2002 وبنسبة 42 في المائة في انتخابات مارس 2004 وبنسبة 40 في المائة في انتخابات 22 يوليو 2007. كما أجرى الحزب تعديلات دستورية نجح في إقرارها في 21 أكتوبر 2007 ثم في يوليو 2010.

وقد حقق أردوغان ذلك من خلال ضمان التماسك الداخلي لحزبه، وذلك على الرغم من أنه يضم كافة ألوان الطيف السياسي، من حيث العلمانيين والمتدينين، والمحافظين والليبراليين، والمحجبات والسافرات. وهذه المقومات حاول أردوغان توظيفها لتحقيق غايتين أساسيتين:

أولاها، أن يتحول حزب العدالة والتنمية من حزب قائم على شخصية الزعيم إلى مؤسسة تستطيع البقاء والنجاح، وذلك من خلال سياسات عديدة منها "عمليات التكتل والاندماج" التي يسعى إليها أردوغان بهدف ضم الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية تحت قيادة حزب العدالة والتنمية.

وثانيتها، يتمثل في أن يضمن قدرة الحزب على الفوز بالاستحقاقات الانتخابية الثلاث التي سيواجهها خلال السنوات الثلاث القادمة (انتخابات بلدية ورئاسية وبرلمانية)، وهى الاستحقاقات التي من شأنه أن تحدد مآل طموح أردوغان في الوصول إلى منصب رئاسة الجمهورية التركية.

الطموح الوطني

أوضح أردوغان في المؤتمر الذي عقد تحت شعار "شعب عظيم يمتلك قدرة عزيمة.. هدفنا عام 2023"، أن تركيا شهدت خلال فترة حكم الحزب عدد من الإنجازات الكبرى والمشروعات الاستثمارية العملاقة التي تم تدشينها خلال السنوات الماضية، والتي أهلت تركيا لأن تجني ثمار الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي، على نحو جعلها تطمح لأن تغدو إحدى القوى الاقتصادية العالمية خلال السنوات العشر المقبلة، وذلك بعد أن أصبحت تركيا القوة الاقتصادية السادسة عشر على مستوى العالم والسادسة على مستوى الدول الأوروبية، كما يستهدف الحزب أن تغدو تركيا القوى الاقتصادية العاشرة عالميا بحلول عام 2023. وذلك بعد أن حقق طفرات اقتصادية مهمة تمثلت في ارتفاع الدخل القومي التركي خلال عشر سنوات من 230 مليار دولار إلى 774 مليار دولار. ووصول نسبة النمو الاقتصادي إلى 8.5 في المائة بدلا من 5.3 في المائة. وزيادة الدخل القومي للفرد سنويا من 3500 دولار إلى 11 ألف دولار.

كما ارتفعت قيمة الصادرات التركية من 36 مليار إلى 135 مليار ومن المتوقع أن تصل إلى نحو 144 مليار دولار بنهاية عام 2012. وانخفضت نسبة البطالة بالتوازي مع ذلك من 9.8 في المائة بدلا من 10.2 في المائة. وارتفع عدد السياح من 13 مليون سائح إلى 31.5 مليون سائح سنويا، بإيرادات تقدر بـ23 مليار دولار. هذا فيما ارتفع إجمالي الاحتياطي الأجنبي من 27 مليار إلى 110 مليار دولار، وانخفض حجم الدين التركي من 23.5 مليار دولار إلى زهاء 1.3 مليار دولار، ومن المقرر أن يتم تصفيته بالكامل في أبريل 2013، بل وتتجه الحكومة التركية إلى إقراض صندوق النقد الدولي بمبلغ خمسة مليار دولار.

وبالتوازي مع ذلك فقد شهدت تركيا مشروعات بنية تحتية ضخمة على مستوى الطرق والأبنية التعليمية والجامعات والمستشفيات، فضلا عن إعادة صوغ البنية التشريعية الخاصة بالاقتصاد والتجارة والصناعة، بما أفضي إلى وصول حجم الاستثمار الأجنبي في تركيا لنحو 283 مليار دولار.

هذه التطورات في مجملها وضعت تركيا في مقدمة الدول الناهضة والقادرة على المنافسة دوليا وإقليميا، دون أن يكون ذلك على حساب قوة الدولة الناعمةSoft Power ، حيث شهدت تركيا خلال السنوات العشر الخالية نهضة كبرى في الفنون والآداب والسينما والدراما، التي باتت عنوانا لحضورها القوى على مستوى المنطقة العربية.

وقد دفع ذلك أردوغان لأن يتحرك على الساحة الإقليمية بثبات وفاعلية، على نحو جعل من مؤتمر الحزب منصة إقليمية وذلك بعد حضور عدد من القيادات منهم الرئيس المصري محمد مرسي ورئيس إقليم شمال العراق مسعود برزاني ورئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي، وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، الذي وصف أردوغان بـ"زعيم الأمة الإسلامية"، بما جعل المؤتمر وفق بعض أحزاب المعارضة التركية يشبه اجتماعات قادة الإخوان المسلمين.

وقد حاول أردوغان أن يضفي الطابع الإقليمي على المؤتمر الذي حضره عدد من رموز الإخوان في سوريا، وذلك حينما أكد على ثوابت تركيا حيال العديد من القضايا الإقليمية، وعلى رأسها الموقف من الثورة السورية، حيث طالب كل من إيران والصين وروسيا بتغير مقاربتهم حيال الثورة السورية مشيرا إلى أن التاريخ لن يسامح من وقفوا إلى جانب الأنظمة الوحشية. كما أكد أردوغان أن تركيا ستعمل على دعم القضية الفلسطينية في مواجهة السياسات الإسرائيلية، التي ترفضها تركيا، على نحو يدفعها إلى عدم تطبيع العلاقات معها إلا بعد الاعتذار ودفع التعويضات لضحايا قافلة الحرية وإنهاء الحصار الاقتصادي على غزة.

وقد استغل أردوغان وجود عدد من زعماء الأحزاب والجماعات الإسلامية العربية في المؤتمر ليؤكد أن تركيا أصبحت نموذج لدول العالم الإسلامي، وذلك بعد أن وصف قادة حزب العدالة أنفسهم بأنهم "ديمقراطيين محافظين" يعنيهم ضمان كافة الحقوق الأساسية لكافة المواطنين، مضيفا أن هذا الموقف تجاوز حدود تركيا وأصبح نموذجا يقتضى في العديد من البلدان الإسلامية.

استنتاجات وملاحظات

يمكن القول إن أردوغان استطاع أن يحقق نجاحات كبرى وأن يبقى في الحكم لمدة عشر سنوات، وهو إنجاز لم يتحقق منذ نصف قرن، كما أنه بات يسعى لأن يبقى حزبه في الحكم لأكثر من عقد آخر من الزمان، من أجل أن يبلغ مرحلة التأسيس الثاني للجمهورية التركية المعاصرة، ومع ذلك فإن مؤتمر الحزب قد كشف عن عدد من الملاحظات الأساسية:

أولاً: على الصعيد المحلي:

- شهد مؤتمر الحزب مقاطعة من أغلب أحزاب المعارضة، التي رأت أن حزب العدالة بقيادة أردوغان يتحول إلى الصيغة الديكتاتورية وليس الديمقراطية، في ظل رغبته في تحويل البلاد إلى النظام الرئاسي للتحايل على القوانين والقيود التي تحول دون بقاءه في السلطة أكثر من ثلاث دورات.

- اعتبرت العديد من الاتجاهات أن عدم إعلان أردوغان عن خليفته والقائد الجديد للحزب، يعني أن عبد الله جول قد أصبح بالفعل الرئيس القادم للحزب، إلا أن إعلان أسمه ينتظر عملية التسليم والتسلم للسلطة على الطريقة الروسية، والهدف من ذلك حسب بعض الاتجاهات المعارضة يتمثل في عدم الرغبة في خلق دافع للتظاهر من قبل المعارضة مبكرا وقبل إقرار الدستور الجديد.

- أثبت المؤتمر أن حزب العدالة لم يستطع حتى الآن تجاوز آفة الأحزاب التركية من حيث تمركزها حول قيادة تاريخية، حيث أنه من المرجح أن يظل أردوغان حتى بعض ترك رئاسة الحزب الزعيم الفعلي له، وذلك في ظل سيطرته الكاملة على عملية صنع القرار داخل الحزب.

ثانياً: على الصعيد الإقليمي:

- ركز مؤتمر الحزب الحاكم في تركيا بالأساس على العلاقات مع دول العالم الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط، ولم يتم التطرق بحديث حقيقي حيال موضوع العضوية الأوروبية، بما يعني أن الحزب لا يرى أن الأوضاع التي يمر بها الاتحاد الأوروبي تمنح تركيا دافعا للإلحاح لنيل العضوية الأوروبية.يؤكد ذلك أن حزب العدالة والتنمية يرى أن مستقبل تركيا يرتبط بقيادة منطقة الشرق الأوسط وليس بالانخراط في تفاعلات مع بعض القوى العالمية والدولية التي يمكن التنسيق معها إزاء كل ما يخص مصالح تركيا من دون اندماج كامل قد يعزل تركيا عن منطقة حيوية مصالحها معها باتت أعمق وأكثر تشعبا.

- رسخ المؤتمر القطيعة بين الحكومة العراقية والقيادة التركية، وذلك بعدما رفض الرئيس العراقي نوري المالكي تلبية دعوة رئيس الوزراء التركي لحضور المؤتمر، وذلك بسبب السياسات التركية حيال إقليم شمال العراق، لاسيما بعد زيارة وزير الخارجية التركية مدينة كركوك من دون تنسيق مسبق مع الحكومة الاتحادية. هذا بالإضافة إلى تباين المواقف حيال الثورة السورية، فضلاً عن أن حضور نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي والمحكوم عليه بالإعدام غيابيا من قبل القضاء العراقي، قد أفضى إلى توتر علاقات تركيا مع العديد من القوي السياسية العراقية، التي اعتبرت أن تركيا باتت تتدخل في الشئون الداخلية لبغداد دون أن تراعي القواعد السياسية والدبلوماسية إزاء إحدى دول الجوار.

- أوضح المؤتمر عمق الخلافات التركية مع إيران، حيث أنه لا مسئول إيراني حضر المؤتمر الذي شهد هجوما تركيا كبيرا على السياسات الإيرانية فيما يخص موقفها من الثورة السورية، وهو الأمر الذي ينذر بتصاعد التوتر بين تركيا وكل من العراق وسوريا وإيران، لاسيما في ظل ما تشهده الحدود التركية - السورية من تصاعد للتحركات العسكرية وتزايد لعمليات القصف الصاروخي المتبادل على جانبي الحدود التركية - السورية.

وفي الإجمال يمكن القول إن أردوغان قد يكون الرئيس القادم لتركيا، وأنه قد يتبادل المواقع مع رئيس الجمهورية الحالي عبد الله جول في تكرار لسيناريو فلاديمير بتويتن - دميتري ميدفيديف. بيد أن تحقق ذلك سيظل مرتبط في التحليل الأخير بتزايد احتمالات تصاعد المواجهات الداخلية مع أحزاب المعارضة، التي باتت ترى أن الحزب الحاكم بات يتبع في سياساته الداخلية إستراتيجية "تكميم الأفواه"، وذلك بعد التضييق المستمر على حرية الصحافة، ويتبنى سياسات خارجية تعتمد إستراتيجية "خلق الأعداء"، وذلك بعدما شهدت علاقات تركيا مع أغلب الدولة المجاورة لها حالة من التوتر والعداء. ‬
رد مع اقتباس
  #186  
قديم 24-10-2012, 12:44 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي السلفية التقليدية والسلفية الجهادية

في هذه الدراسة المقارنة سندافع عن فرضية أساسية وهي أنه بين السلفية التقليدية والسلفية والجهادية لا يجب البحث عن فرق لاهوتي بين المجموعتين، فإذا استثنينا قضيتي نصرة الجهاد العالمي والانخراط فيه والموقف من أهل الذمة، فإن كلا الاتجاهين يتشابهان في أولوية الإصلاح العقدي، ومنه ذم البدع وتربية الناس على العبادة الصحيحة.

أولا: أوجه التشابه بين السلفية التقليدية والسلفية الجهادية :

فمن بين أوجه التشابه الكثيرة بين السلفية التقليدية والسلفية الجهادية السمات التالية:

1ـ الاعتناء بمسألة التوحيد:

إن التيمة الأساسية في إيديولوجيا الحركات السلفية سواء كانت تقليدية أو جهادية هي التوحيد، ويعني إفراد الله بالعبادة دون سواه، فالمجتمع انعكاس، أو ينبغي أن يكون انعكاسا لهذا التوحيد الإلهي، فإذا كان التوحيد صفة أساسية للذات الإلهية، فإنه في المجتمع تحتاج إلى تحقق وبناء، وترجمة التوحيد على مستوى المجتمع لا يتم إلا عن طريق تحقيق مجموعة من مشاريع الوحدة: منها وحدة العقيدة، ووحدة الشعائر...

أن الحقل الدلالي الذي يفتح عليه مفهوم التوحيد لا يقف عند هذا الموقف الأصولي في الاعتقاد والذي مضمونه:" الاعتقاد بالله كما وصف به نفسه من غير تعطيل أو تـأويل"، وإنما يمتد ليشمل ضوابط للممارسة الدينية، فإذا كان الإسلام يقيم العقيدة على مقولة التوحيد، فإن السلوك والممارسة ينضبطان بهذا المبدأ انضباطا مطلقا لا مجال فيه لإشراك غير الله في العبادة بأي طريقة سواء كانت صلاة أو تقربا أو دعاء.

إن انتقال الكلام عن التوحيد من مجال المعتقدات إلى مجال الممارسة، جعلت السلفيين ليسوا فقط أصحاب رؤية عقدية بالمعنى الحصري للكلمة، وإنما أصحاب مواقف وردود على واقع الممارسة التعبدية في المجتمع، وهذا ما يجعل من السلفية نوعا من البروتستانتية الإسلامية بتأكيدها على انه لا حكم لغير الله، ورفض لكل تهاون في مسألة الوحدانية وما يرتبط بها من أخلاقيات.

و من خلال مفهوم التوحيد يصبح الإيمان عند السلفية وحدة كمية قابلة للقياس،بحيث يمكن في كل وقت وحين اختبار سلوكيات المؤِمن وممارساته التعبدية والنظر فيما إذا كانت موافقة ومجسدة لمبدأ التوحيد،وفي ذلك مسافة كبيرة من المفهوم الصوفي للإيمان الذي يفسر بمنطق عاطفي روحاني وليس باعتباره مكونا فيزيائيا يعتمد على المعطيات الحسية.

2ـ تصلب الخطاب:

هناك مبدءان يشكلان منبع هذا التصلب: الأول ، رفض الشرك والإصرار على التوحيد الذي يجب أن يخضع له كل سلوك بشري، بحيث يشكل مبدأ التوحيد الخلفية التي تقاس عليها شرعية كل التصرفات والمواقف والأفعال والمقولات حتى ولو لم تكن بالضرورة دينية. فأي نوع من التفكير والفعل لا ينطلق من التوحيد هو نوع من عبادة الذات. وبذلك تضع السلفية المسلم أمام طريقين لا ثالث لهما فإما أن يكون سلفيا أو لا يكون مسلما بإطلاق. والثانى ؤية الصارمة جدا والملتزمة بحرفية القرآن وفق التقليد الحنبلي ، والذي يجعل كل شيء يعود إلى منطوق القرآن والسنة.

وبهذا تكون السلفية محاولة نشطة لتكوين أورثوذوكسية واحدة لكافة السكان، نوع من الإصرار على تأسيس مذهب فقهي متجانس مع العقيدة، وثورة على التقاليد الدينية الكلاسيكية واعتماد الإسلام النصوصى الذي يحيل على القران والسنة كمناط كل تفكير وسلوك.

يؤدي الانطلاق من هذين المبدأين إلى اتصاف السلفية بطابع عام، يجعلها نمطا فكريا أحادي الطبيعة، مجموعة من المقولات القاطعة والحاسمة المكتفية بذاتها التي لا حاجة لها إلى منبه خارجي يوقظ وعي الذات السلفية، بل بمجرد الارتداد إلى تعاليم السلف.

ولهذا التصلب انعكاسات هامة، إذ أنه سمة تستغرق مختلف الأنشطة السلفية بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن مظاهر ذلك أن معظم دروس الطائفة موجه نحو التحذير من البدع والطوائف المتبنية لها بشكل ينتج عنه هجوم شرس على مجموعة من صيغ الإسلام:

- الإسلام الشعبي متمثلا في ما ترسب في المجتمع المغربي من عادات دينية، مثل الاحتفال بعيد المولد النبوي وزيارة المقابر ومظاهر الاحتفال الصوفية وتقديس الأولياء، وغيرها من المظاهر التى ينافى إسلام السلف حسب المذهب السلفي.

- الإسلام الحركي متمثلا في الحركات الإسلامية، لما قامت علية من "انحرافات عقدية ومخالفات لمنهج الدعوة القائم على أولوية مهمة الإصلاح العقائدي والتربوي وهامشية الإصلاح السياسي مقارنة مع هذه المهمة العبادية".

-الإسلام العالم "الذي يسلك منهج التوفيق في كل الأمور الدينية بما فيها العقائدية والعبادية بشكل أضاع معه رسالة الدعوة".

- الإسلام الرسمي لتعصبه لمذهبية واحدة دون سائر المذاهب.

3ـ الآباء المؤسسون:

يشترك السلفيون أيضا في القول بضرورة الأخذ عن السلف الصالح المشهود له بالخيرية، و ذلك باستعمال ما كان من كلامهم الذي هو الفهم الصحيح للكتاب والسنة، وهكذا فالطريق إلى الوصول على المعنى الصحيح هو الرجوع إلى ما كان عليه الأولون والأخذ بفهومهم للنص الديني.

ويتنج عن المكانة التي يحتلها السلف الصالح عند السلفيين الإصرار على واجب التعامل معهم كناقلين لمعرفة مقدسة، وفي نفس الوقت فإن السلف هي الجماعة المنتجة للآليات التي يجب التعامل بها مع تلك المعرفة، فلا وجود لآية من كتاب الله أو حديث نبوى فاتت الصحابة والتابعين أو تركوها بدون تفسير واضح.

فبإحالتها على السلف، لا تقصد الإيديولوجيا السلفية مجرد الارتداد على أسماء يحتفظ لها التاريخ بمكانة اعتبارية، بل تريد السلفية تأكيد تساميها وتفوقها على ما يخالفها من أفكار عبر التاريخ الإسلامى.

كما يطعن السلفيون في ما يشكل سلفا بالنسبة لاتجاهات الفكر الديني الأخرى ومن أبرزها ما ينعتونه "بالمدرسة العقلية" التي تمثل لديهم خطا فكريا متواصلا امتد من الغزالي وتجسد عند الأفغاني ومحمد عبده، ووجد ترجمته في خطاب الحركات الإسلامية المعاصرة، واصفين سلف وخلف هذه المدرسة بالحمق والطيش لما نشأت عليه من عقائد فاسدة، وما مارسته من توفيقية فكرية كان هدفها التصالح مع الغرب.

وتتجسد المكانة التي يتبوؤها السلف في المساحة التي تحتلها مقولاتهم في المتن السلفي بحيث تستغرق هذه الأخيرة مقولات هؤلاء معظم مساحات الكتب الحديثة الصادرة عن السلفيين قدمائهم ومعاصريهم، فما أن يقدم المؤلف لموضوعه حتى يبدأ في استعراض أقوال السلف ممن أفاضوا في المسألة محل البحث، فيكون المؤلف عبارة عن تجميع مقولات كثيرة يراد لها أن تقوم مقام الحجة بالنسبة للمؤلف، بحيث لا يظهر دور هذا الأخير إلا بعد صفحات متعددة من الإحالات ليسجل فضل هؤلاء وعبقريتهم التي لم تترك له مجالا للإضافة أو التحسين، وإنما مجرد المحاججة بأقوالهم على ما يخالفها من تفسيرات.

4 ـ النصوصية:

تشترك السلفيات على اختلاف أنواعها باتسام خطابها بالنصوصية: يكمن اعتبار السلفية نمطا من الفكر يقتصر على استخدام المصطلح الإسلامي الأصلي، ويتخذ من قيم الإسلام ومبادئه المعيار الوحيد في النظر والحكم، ومن النص النقلي مرجعه النهائي في التدليل والإثبات، دون ان يستوحي عناصر فكرية مستقلة من خارج الأصولية الإسلامية للاستعانة في تبريره الفكري ودفاعه العقدي.

يضخم السلفيون من دور النص، ويتجاهلون دور العامل الإنساني الذي يقوم بتفسير النص، ويرون أن النص ينظم معظم جوانب الحياة، ومن يحدد معناه هو قراءة من الصحابة ، أما الآخرون ، فتنحصر وظيفتهم في تلقي النص وتطبيقه. ففى النموذج السلفي، لا علاقة لذاتيات الطرف المفسر غير الصحابي بفهم الأحكام الإلهية أو تنفيذها ، فهذه الأحكام موجودة بالكامل وبوضوح في حرفية فهم السلف للنص، وبالتالي لا دور للتأملات الأخلاقية والجمالية الخاصة بالطرف المفسر ولا دور لتجاربه، بل لا حاجة إليها أصلا.

إن تركيز السلفية على النصوص يجعل منها إسلاما أورثوذوكسيا مستغرقا في دقائق الشريعة وإذعان لسلطان مستمد من الشريعة وحدها. والنتيجة، عدم قدرة الخطاب السلفي على تطوير خطاب منظر للعقيدة حيث يخلو من مفاهيم ونظريات المقعدة هذا المبحث، لصالح مجموع مواقف عقائدية متصلبة لا تبني ذاتها و لا تبرر وجودها إلا من خلال احتكار الفهم الصحيح للنصوص، و التميز بذلك عن الاتجاهات العقائدية الأخرى.

ونظرا لهذه النصوصية، يرفض الخطاب السلفي استخدام السببية الاجتماعية كعنصر في التحليل، بحيث ينظر إلى المجتمع على أنه ككيان توحده العقيدة وليس كجسم تربطه مصالح اجتماعية وعلاقات إنسانية ، وإذا صادف أن أشير إلى بعض مظاهر الحركية المجتمعية في سياق الحديث، فإنها تفعل ذلك في معرض التبرير أو التنديد بدون أدنى تحليل للأسباب و الدوافع.

5 ـ الشكلانية:

تظهر شكلانية الخطاب على مستوى السلوكيات التعبيرية للخطاب السلفي وهو ما يتبين من خلال طرق السلفيين إدارة الدروس اليومية في أسلوبهم في الحوار والمجادلة والحجاج.

ففي الدروس اليومية تعضد الشكلانية بواسطة التكرار الطقوسي للمواضيع وشرحها شروحات مستفيضة، فهناك كلمات محورية يدور حولها جميع الدروس، كما أن نفس المواضيع تكون حاضرة باستمرار داخل كل الدروس الملقاة، ويهدف هذا التكرار إلى توحيد الدلالة عند المستمعين، أي انها مواضيع منغلقة سيميائيا على نفسها بشكل يجعل النمطية تتسرب إلى الدروس، بحيث لا تقدم للمتلقي المستقل الحافز لمعاودة الحضور إليها.

وإذا كانت الخصائص السابقة هي سمة لكل الخطابات الأيديولوجية، فإنها تبلغ أقصى درجاتها عند السلفيين، بحيث يؤدي السرد المتكرر والمتواصل للوثوقيات والبديهيات الدينية إلى إبعاد المتلقي عن كل محاولة للنقد أو إصدار أحكام خارج محددات الإيديولوجيا

يختلف أسلوب الحجاج الذي يستخدمه السلفيون في مواجهة المتناظرين معهم، وذلك حسب مستوى المعارف العقائدية المتوفرة لدى هؤلاء، هكذا تتراوح الإستراتيجية الحجاجية السلفية بين نوعين، النقد الشديد في حالة التمكن العقائدي، أو المشاركة النقاشية في حال الإيمان العقائدي المتردد أو غير الواعي. ففي الحالة الأولى، توصي منهجية الدعوة بالتوقف عند مرحلة عرض الأدلة المضادة les contre arguments) ) وغيرها من المضادات الدفاعية، دون الدخول في جدل قد يؤثر في الداعية السلفي نفسه في حالة التمكن العقائدي للمتجادل معه. أما في الحالة الثانية، فيكون المجهود الدعوي أكثر انبناء لأنه لا يتوقف عند مستوى هدم المرتكزات العقائدية السابقة، بل يروم إلى إعادة بناء مذهبية جديدة. فعلى الداعية السلفي أن لا يترك المتلقي إلا وقد تمت أعلن هدايته، أو عندما يضمن انخراطه اللغوي(adhésion verbale) على الأقل .

وقد بنى السلفيون المغاربة منهجهم في الجدل بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، بما يوفق الظرفية الجديدة، فقد أوصى المغراوي أتباعه بمنهج دعوي جديد يقتصر على الإخبار بالسنة فإن قبلت منهم فهو ذاك وإلا سكتوا، على عكس رموز السلفية الجهادية الذين روجوا أنفسهم إعلاميا بعد تلك الأحداث.

6- الموقف من الطقوس العبادية:

هنا يستعمل السلفيون مفهوم البدعة لتعني المحدثات التي لا أصل لها في القرآن وسلوك الصحابة.

يوظف السلفيون مفهوم البدعة كثيرا عند حديثهم عن وسائل الدعوة، وخصوصا عندما يريدون تمييز منهجيتهم الدعوية عن تلك السائدة لدى الحركات الإسلامية، فإذا كان الكثير من الفاعلين في هذه الحركات يرون أن هذه الوسائل اجتهادية، بما يعني حرية الداعي في اختيار ما يراه مناسبا من الوسائل التي تحقق الصلاح و الهداية للمدعوين، يقول السلفيون أن وسائل الدعوة مبنية كلها على التوقيف ، ذلك أن حال الأمة الإسلامية لا يصلح عندهم إلا بما صلح بها الأولون وأصلحوا، فالطريق إلى إصلاح الناس هو السبيل الذي درج عليه النبي ودرج عليه صحابته. وهذه السبل هي على سبيل التحديد: الخطب المشروعة كخطبة الجمعة والعيدين، والحلقات العلمية، والإفتاء، والجهاد في سبيل الله، والنصيحة لائمة المسلمين وعامتهم. أما غيرها من الوسائل التي تستعملها الحركات الدعوية الأخرى فهي بدعية، كالسماع المجرد ، وتلحين القصائد، والتغني بها ، والتمثيل والمسرحيات، وغيرها مما اعتاد عليه الإسلاميون عند إقامتهم أنشطتهم الدعوية. والخلاصة أنه لا يجوز بحال اتخاذ وسائل دعوية غير شرعية لا دليل عليها في السنة ولا سوابق لها عند الصحابة.

7- طرق التلقين:

من خلال تتبع نشاط الحركات السلفية باختلاف أنواعها، يتبين اعتمادها على ميكانيزم التلقين كوسيلة للانتشار والتعبئة، لكن المعطيات توضح بجلاء اختلافا في مستويات الانفتاح والانغلاق الذي يواكب هذه العملية ، فداخل جمعية محددة ونظرا للتركيز على المذهبية واعتبارها مركز العملية التعليمية، تتم عملية التلقين في فضاء تواصلي مغلق، حصري، ودائري، في حين يسود داخل جمعيات أخرى قدر من التسامح وحرية وإن كان ذلك لا يتعدى حدود المذهبية بل يبقى داخل أسوارها.

وعلى كل حال، و بالرغم من اختلاف طرق بث المضمون الديني في كلا النوعين من السلفية، فإنهما يتفقان على أن الهدف النهائي هو تلقين الإيديولوجيا السلفية بحيث يمكن اعتبار المعرفة والعقيدة شيئا واحدا على أساس أنهما يحملان رؤية أحادية في تفسير العالم وإعطاء معنى موحدا للعالم والأشياء..

يعتبر التماهي من بين اللآليات السيكولوجية التي تستعين بها الحركات السلفية في عملية التلقين الإيديولوجي، ولا يتحقق هذا التماهي عند المجموعات السلفية بمجرد الأداء الجماعي والموحد للطقوس الدينية، بل بسلوكيات أخرى منها ما ليس منحدرا من التعاليم الدينية بالضرورة، ففي البداية، يستعمل السلفيون المقابلات الرمزية التي تعوض الأسماء الحقيقية للأتباع ( أبو حفص- أبو سهل...)في علامة على تفضيل الانتماء على الطائفة على الانتماءات الاجتماعية الأخرى، كما يعد الالتزام بالسمتhabitus) ) السلفي شرطا أساسيا لقبول الفرد في التنظيم، فمن القواعد المهمة التي يجب أن يظهرها الدعاة، الحرص على التمسك بالسنة ظاهرا وباطنا، في علاقاتهم الخاصة والعامة على السواء، يجب أن يكونوا صورة يتحرك من خلالها القرآن. ففي التصور السلفي لا تملي العقيدة السلوك التعبدي المثالي فحسب، وإنما آداب الحياة بما فيها تفاصيل الأكل واللباس والهيئة (الرائحة الطيبة والتجمل الموافق للسنة..) فكل ذلك عوامل مساعدة في الدعوة،مما يمكن معه اعتبار السلفية ذات نزعة تدينية استعراضية.

ومما يقوي التماهي بين أعضاء الجماعة، ما تخضع الحياة الجماعية في مقرات الحركات السلفية من قواعد صارمة تنسحب على جميع نواحي الحياة، فهناك شكليات تنسحب على تفاصيل الحياة اليومية بشكل يجعل الأتباع مراقبين باستمرار، و بشكل يبعد التابع الجديد رمزيا على الأقل، عن وسطه القديم ويقربه من محيطه الجديد داخل الجماعة السلفية.

وبقدر ما يولد التماهي مصدرا للاعتبار الذاتي وشعورا بالاعتزاز من خلال الانتماء إلى جماعة سلفية، بقدر ما يولد ذلك نوعا من الكبرياء والتعالي وقدرا من التعصب لمعايير الجماعة وتقاليدها. والنتيجة: تحقيق التمايز عن العالم الخارجي وتوجيه العدوانية الرمزيه تجاهه من طرف التنظيمات السلفية التقليدية والمادية من طرف السلفية الجهادية ، وبشكل عام تبقى الجماعة السلفية ايا كان نوعها بالنسبة للمنتمين إليها المصدر الوحيد لكل قيمة واعتبار.

ثانيا: أوجه الاختلاف بين السلفية التقليدية والجهادية:

كما أن الاشتراك في الانتماء إلى مذهبية دينية واحدة يحدث تماسكا أخلاقيا واجتماعيا كبيرا، فإن الاختلاف الذي يحدث في فهم أحد عناصر هذه المذهبية يحدث تباينا بين الأطراف المتبنية لهذه المذهبية حيث تشحن المذهبية بمساهمات جديدة أقل أو أكثر تصلبا ، هذا إذا لم تصبح، تحت ضغط الأحداث، متسمة بقوة البراغماتية.أو بالمزيد من الراديكالية السياسية.

1-السلفية والسياسة:

فإذا كانت جميع السمات السابقة مشتركة عند كل الحركات السلفية، فإن ما يفرق بينها هو الشرط الموضوعي المتمثل في الموقف من السلطة السياسية تحديدا، ويكاد هذا الشرط يشكل المفصل المميز بين بقاء الخطاب عند حدود العنف الرمزي أو تلك التي تجاوز ذلك نحو تبني العنف المادي. لكن يجب الانتباه إلى ذلك حتى ولو لم يكن هناك عنف مادي عند المسماة تقليدية أو معتدلة، حتى ولو لم تكن الحلول التي يتبناها هذا التيار ثورية بالمعنى المادي، إلا انها كذلك من الناحية الرمزية، فالشعور بابتعاد المجتمع عن الدين الصحيح يؤدي إلى تفاديه للعيش على شكل طوائف منعزلة من حيث وجودها الرمزي.

في مقابل تضخم البعد السياسي في خطاب السلفية الجهادية فى المقابل نجد خطاب السلفية التقليدية يزدرى السياسة ويبعدها من اهتماماته، لكنه إذا كان من المستحيل، الحديث عن خطاب سياسي لدى الاتجاهات السلفية التقليدية، فإن الامتثالية السياسيةConformisme politique) ) تشكل مبدأ ناظما لفعلها السياسي، إذ تختصر السلفية فعلها السياسي في هذا المبدأ، وتبعد من خلاله كل حديث مفصل عن السياسة بكل ما يتفرع عنه من قضايا.

على المستوى النظري، تظهر هذه الامتثالية في منع الاشتغال على الإشكاليات السياسية بحيث تعتبر السلفية التقليدية أن من ترف العلم صياغة نظريات سياسية ثم التحدث في شأنها وصياغة احتمالات بصددها مثل: لمن الحق في إزالة الحاكم غير الخاضع لحكم الشريعة؟ فالخوض في ذلك يجانب منهج السلف الصالح الذين لا يتحدثون في القضايا إلا عند وقوعها, وهذا هو أسلوب الدعوة الذي يجب أن يتبع، وليس التنظير وبناء الأحكام على تصورات خيالية.

ومن المبادئ المؤسسة للامتثالية عند السلفية التقليدية الشعار القائل "لا نكران ولا هجران ولا خروج". والمعنى، أن التمرد والخروج على ولي الأمر فيه مفاسد كثيرة ولا خير فيه للأمة الإسلامية..مهما بلغ ظلمهم وجورهم.

من الواضح إذن، أن جزءاً من الحورارت السلفية المعاصرة تكتفي بترديد الإيديولوجيا التقليدية التي روجها العلماء القدامى، عندما قالوا بوجوب الطاعة الكاملة وعدم شرعية الإعلان عن الجهاد على السلطان وجر الأمة إلى الفتنة وخدمة العدو، ليبقى مجال التحرك السياسي الوحيد المتوفر هو النصيحة، من خلال المشورة مع إبدائها بمراعاة للضوابط الشرعية، بعيدا عن لغة الإلزام أو التشهير، فالبلاغ يقيم الحجة ويبرئ الأمة.

إن إنكار العمل السياسي مقابل العمل الذي يعتبر عند السلفيين شرعيا ومنطقيا في آن واحد: نبدأ بالعقيدة ثم بالعبادة ثم بالسلوك تصحيحا وتربية، أما التحرك السياسي قبل تحقيق التصفية و التربية، فلن تكون له سوى نتائج سيئة.

2ــ الموقف من الجهاد:

يؤدي ازدراء الجهاد من لدن السلفية التقليدية إلى الإشتغال بالنشاطات خيرية ويتحملون نفقات الأطفال في المدارس القرآنية ويجمعون العاطلين في المساجد للصلاة، ويعملون على إعادة تنظيم وجودهم بتقليد المثال النبوي حرفيا، فهم يبعدون هؤلاء عن الجنوح والسلوكيات الاحتجاجية كما يبعدونهم عن السلفية الجهادية.

لقد جرت الامتثالية المطلقة للتيارات السلفية التقليدية للسلطة على نفسها هجوما من أقطاب السلفية الجهادية بحيث ينعتونهم بالمهادنين والمعطلين بفريضة الجهاد حتى أن بعضهم يصرون على تسمية اتجاههم الدعوي باسم أهل السنة والجماعة تمييزا للخط السلفي التقليدي.

لكنه عند الحركات الجهادية ، لا يعبر الجهاد سوى عن عمل فردي بمعنى انه غير مؤطر أيديولوجية محددة يصبح معها عملا جماعيا مؤسساتيا، فبالرغم مما يعطيه من الجهاديون من أهمية وأولوية للجهاد، فإنه يبقى واجبا شخصيا (فرض عين) على كل فرد وفي كل وقت، في حين أن التقليد الجماعي ومنه التقليد السلفي التقليدي يعتبره واجبا جماعيا (فرض كفاية)، أي أنه ينحصر ضمن حدود جغرافية زمنية، ويتوجب على كل جماعة تتعرض لتهديد عدواني، وعليه فإن السلفية الجهادية تتصور العنف الذى يمارس باسم الإسلام، أنه عبادة فرد لا تعبر مطلقا عن إرادة الجماعة.

وبما انه جهاد فردي، فإنه لا يعتمد على أي خطة استراتيجية ولا يرسم أي أهداف سياسية، والدليل أنه لم يرسم أية خطة لما بعد 11سبتمبر 2001 . فعلى عكس عنف الإسلاميين الكلاسيكيين الذي يبقى دوما قابلا للمفاوضة، بعكس العنف السلفي الذي لا يسعى إلى تطبيق برنامج محدد ولا يرتجي نتيجة ملموسة، بل يختار أتباعه الموت لما يحمله من معان ورموز. لذلك فالتفاوض معهم مستحيل.

3ــ التنظيم:

يعبر الخط السلفي التقليدي عن نفسه عبر عدة جمعيات تحمل أسماء متعددة مثل جمعية الدعوة وجمعية الإمام مالك جمعية الحافظ بن عبد البر، ولكن بعض شيوخ السلفية الجهادية يرفضون تأسيس الجمعيات ويعتبرون ذلك طريقة بدعية في ممارسة الدعوة ويتجهون نحو ممارسة النشاط في خلايا صغيرة ( الميلودي زكرياء)، أو إلى ممارسة الدعوة عبر الانخراط في المنظمات الأهلية كالوداديات السكنية (أبو حفص)، في حين دفع رفض السلطة الترخيص لجمعية أهل السنة والجماعة بفاس بالفيزازي إلى الحراك في جمعية الدعوة إلى الله التي يوجد مقرها بنفس المدينة.

بالرغم من إغلاق العديد من دور القرآن ومنع كثير من الجمعيات الدينية من ممارسة نشاطها عقب الأحداث، فقد تمكن العمل السلفي التقليدي من مواصلة التعبير عن نفسه، و يبدو أن السلفية التقليدية قد وضعت في حسابها ما قد يعرفه المجال الديني من تقلبات، واحتمال تغير هذه السياسة الرسمية وبالتالي تغير موقف السلطات إزاءها. لذلك، فإن إغلاق دور القرآن التابعة رسميا لجمعية الدعوة، لم ينجم عنه اجتثاث فروعها المتمثلة في دور القرآن التابعة لجمعيات مستقلة اسميا، ولكنها تابعة للخط السلفي التقليدي. ، وبهذا الشكل يتخذ تنظيم جمعية الدعوة وضعية نسق فرعي sous système) ) داخل المجتمع، مما يجعلها قادرة على مواجهة متطلبات المراحل القادمة واحتمالات تصادمها مع المصالح المتغيرة هذا عكس السلفية الجهادية التي اجتثث فروعا واعتقل زعماؤها بسرعة بعد أحداث 16 مايو.

ومن خلال المظاهر التنظيمية التي نجحنا في رصدها تبين أن نتيجة عامة وهي أن تنظيم الطوائف الدينية هو في حد ذاته عامل محدد لما للحركة من إمكانات التطور وانتداب الأتباع. بحيث أن تلك الهيكلة التي تطبع تنظيمات السلفية التقليدية يسعفها في تقوية مستوى الاستقطاب والحفاظ على المستقطبين على صفوفها في حين أن عدم تحقق السلفية الجهادية تنظيميا لا يسعفها في ذلك، إذ أن كل ما تحصل عليه من المستقطبين هو الإقرار اللفظي بالانتماء دون أن يتجسد ذلك بالانخراط في تنظيم معين.

كما ان انعدام تنظيم محدد وجلي في صفوف التيارات الجهادية منعنا من دراسة مسألة القيادة في حين أن وجود هذا التنظيم عند التيارات التقليدية مكن من ذلك فقد انتهينا من خلال دراسة هذا الجانب، إلى وجود نوعين من القيادة: قيادة مركزية اوتوقراطية تغيب فيها تراتبيات السلطة، ثم القيادة الاندماجية التي تقوم على نظام الاعتماد المتبادل، تكون القيادة فيه تعاونية يعمل فيها القائد كخادم للجماعة، فالكل يشارك كأقران في صنع القرارات. كما يتحمل الكل المسؤولية الناجمة عن تلك القرارات.

4- سوق الاستقطبات:

من خلال عينة قام بها الباحث فى دراسة له تبين أن سن الأتباع المنتمين إلى الجمعيات السلفية التقليدية والسلفية الجهادية متقارب جدا، بحيث يتراوح سن الأفراد ما بين 17 و28 سنة.

ومن ناحية المستوى التعليمي، يتضح أن أغلب أتباع السلفية سواء كانت تقليدية أو جهادية قد تلقوا تربية دينية، من أهم مظاهرها إما ارتياد المدارس الدينية العتيقة أو مؤسسات دور القرآن.

بالنسبة لمستويات أفراد العينة من التعليم العصري فكثيرا ما يلاقي السلفيون التقليديون والجهاديون صعوبة في تتمة مسارهم الدراسي مع ملاحظة أن ارتياد دور القرآن وغيرها من المعاهد السلفية كان عند البعض حلا لأزمة عاشوها مع التعليم النظامي ممثلا في الرسوب المتكرر.

إن المعطيات التي توفرت بوساطة البحث الميداني توضح أن أغلب الحساسيات السلفية ليس لها سوى حظ يسير من التربية المؤسساتية، فأتباعها إما عاطلون عن العمل أو شباب يافعون فقراء أو أرباب أسر حائرون يواجهون أبناء فقدوا سلطتهم التقليدية عليهم، ويعبرون عن احتجاجهم بتعاطي الكحول والمخدرات والانحراف قبل أن يتحولوا بفعل الدعاية السلفية إلى مبشرين ووعاظ هدفهم إرجاع البقية إلى جادة الدين.

إذن، ليس الاستقطاب من داخل القاعدة الاجتماعية خاصا بالسلفية الجهادية وحدها ، لكنه أمر ملازم للحركات السلفية التقليدية ذاتها، بحيث إن ولوج العديد من الأشخاص إلى جمعية الدعوة يجد تفسيره في نجاحها في إخراج البعض منهم من الإدمان كان يفسد أخلاقهم، إلى وضعية أرقى تمكنهم من انتزاع اعتراف اجتماعي جديد، الشيء الذي كون انطباعا بجدوى وفعالية هذه الجمعيات ، و أعطاها نوعا من المصداقية لدى الرأي العام، زاد منه ما قامت به من ربط بين عمل الوعظ والإرشاد وحركة إدماج الشباب في مقاولات اقتصادية صغيرة، مما وفر لبعض أتباعها مداخيل مالية.

ظهر من البحث أيضا أن بعض الجمعيات التقليدية الأكثر اشتغالا بتعليم العلم الشرعي مثل جمعية الحافظ ابن عبد البر التي تقوم بإعادة تأهيل أتباعها وتوفر لهم إمكانية استئناف مشوارهم الدراسي ذلك أنها تؤهل هؤلاء لاجتياز باكالوريا التعليم الأصيل، بحيث يمكن اعتبار المعهد جسرا يعبر منه طلبة المدارس العتيقة إلى الكليات النظامية.

تكمن محفزات الانتماء لهذا النوع من الجمعيات إذن في أنها تمكن الطالب من "استدراك" ما فات أتباعها وإعادة إدماجهم في مستويات متقدمة وقريبة من مستوى السنة الأخيرة من الباكالوريا، بحيث يمكن لأتباع الجمعية الترشح لهذا المستوى بعد سنوات قليلة من الدراسة في المعاهد السلفية التقليدية.

من الناحية الاقتصادية، بين التصنيف السوسيومهني لأفراد العينة أن العاطلين والممارسين لمهن هامشية وموسمية يأتون في مقدمة أتباع الحركات السلفية، فهم ينتمون في العادة إلى مدن الصفيح أو المدن الهامشية ، فغالبيتهم باعة متجولون و مستخدمون وعمال ثم ممارسون لمهن صغيرة كالبقالة وبيع الخضر .. وهكذا دواليك حتى نصل إلى الخياط، والإسكافي، وبائع ماء الإعشاب، وبائع السمك، وسائق سيارة الأجرة، والميكانيكي، والكهربائي..إنها مهن يومية لا تتيح لأصحابها انخراطا قويا في العالم، وبالتالي فهي مجال مهم للنشاط التعبوي للحركات السلفية، التي يمكن اعتبارها حركة تمارس التعبئة على مستوى القاعدة المجتمعية.(un mouvement de masse)

يتعلق الأمر إذن بشعور بدونية اقتصادية واضحة، لكنه وإذا ما كانت الحركات الجهادية تواجه هذه الدونية الاقتصادية بتعبئة أتباعها بالدعوة إلى نصرة الجهاد أو إلى القيام به، فإن الحركات السلفية التقليدية تواجهه بالوعظ الديني، وبذلك فهي تقوم، في واقع الأمر، بإخفاء الأسباب الحقيقية التي رجحت الإقبال عليها، إنها تقوم بمكافحة الفقر بالمعاني الجمعية التي تتشكل من خلال العيش داخلها ، فليس من مصلحة الحركة أن يعي أتباعها طبيعة الحرمان الذي كان في مصدر انتمائهم لها، لأنها ستضطر عندئذ إلى وضح حلول عقلانية ودنيوية للتغلب على الحرمان مما سيقضي عليها كحركة دينية، فالحل الديني الذي يتمثل في حالتنا بخطاب الوعظ هو في الحقيقة تعويض عن الشعور بالدونية الاقتصادية أكثر منه مجهودا للتغلب عليها. ومن ناحية أخرى قادت دراسة الصلاة العائلية والقرابية للمناضلين السلفيين الجهاديين إلى استنتاج تمايز في طرق التعبئة بين السلفية التقليدية والجهادية. ففيما يتعلق بحركة الجهاد السلفي، فإن للعائلة والصداقة دورا كبيرا في مواصلة تعبئة المجندين، حيث يتم الالتحاق بالحركات الجهادية عبر ثلاث مراحل: مرحلة الانخراط الاجتماعي في الجهاد بدافع الصداقة أو القرابة ، ثم الترسيخ التدريجي للقناعات وللعقيدة حتى قبول إيديولوجية الجهاد السلفي، فالدخول الرسمي في الجهاد الذي يبدأ من خلال العثور على قناة تقود إليه، أما الأوضاع المزرية النسبية والاستعداد الديني القبلي والانجذاب الإيديولوجي فتبقى من العوامل الضرورية، ولكنها ليست كافية من أجل إقناع الفرد باتخاذ قرار الاندماج في الجهاد.

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 24-10-2012 الساعة 12:48 AM
رد مع اقتباس
  #187  
قديم 24-10-2012, 07:25 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي نمط جديد للعلاقات بين واشنطن والإخوان في دول الثورات العربية

نمط جديد للعلاقات بين واشنطن والإخوان في دول الثورات العربية

عفراء أحمد البابطين
باحثة في الشئون السياسية - دولة الكويت

رغم اندلاع ثورات "الربيع العربي" في تونس ومصر وليبيا واليمن، ونجاحها في إسقاط أنظمتها، لا تزال هذه الدول تمر بمرحلة ممزوجة بالفوضى وعدم وضوح شكل وأسلوب ومنهج أنظمة الحكم الجديدة. فوصول جماعات الإسلام السياسي إلى سدة الحكم في بعض هذه الدول، وتنامي نفوذها السياسي في دول أخرى؛ بدأ يطرح تساؤلات عدة حول كيفية إدارة تلك الجماعات لدولها، وحول طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها القوة الأكثر تأثيرًا في المنطقة، وهذه الجماعات.

وتشيرُ عدة وقائع سياسية إلى أن هناك قبولًا أمريكيًّا لجماعات الإسلام السياسي، وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمين، على خلاف ما كان سائدًا منذ عقود من الزمن؛ حيث كانت الجماعة تنتقد الولايات المتحدة الأمريكية لدعمها الديكتاتوريات القائمة آنذاك في الدول العربية، ومن الجهة المقابلة، كانت الولايات المتحدة تخشى هذه الجماعة وغيرها من جماعات الإسلام السياسي، وتعتقد أنها غير قادرة على تبني قواعد الديمقراطية والالتزام بها؛ حيث لم تر فيها "حليفا إستراتيجيا" يحافظ على المصالح الأمريكية في المنطقة.

إن هذا التحول السريع في العلاقات بين الولايات المتحدة وجماعة الإخوان المسلمين، لم يكن ليحدث لولا التغيرات السياسية الأخيرة في المنطقة، فلطالما كانت واشنطن مترددة في دعم مشاريع دعم الديمقراطية في العالم العربي خوفا من تصاعد الوزن السياسي لجماعات الإسلام السياسي في ظل ضعف التيارات الليبرالية في المنطقة، ولكن بعد أن تغير المشهد السياسي نتيجة الثورات العربية وإسقاط معظم النظم السلطوية الحاكمة؛ تغيرت رؤية واشنطن لهذه الجماعات.

وفي هذا الإطار؛ تحاول هذه الورقة تحليل أبعاد ودوافع هذا التحول في العلاقة بين الولايات المتحدة وجماعات الإسلام السياسي، وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها الجماعة الأكثر تأثيرًا في المشهد السياسي العربي؛ حيث تحولت العلاقات بين الجانبين من انعدام الثقة المتبادلة، إلى ما يشبه "الشراكة" بينهما. كما تحلل الورقة العوائق والإشكاليات التي يمكن أن تكتنف هذه العلاقة الجديدة خلال الفترة المقبلة، وكيف ستتم إدارتها.

دوافع التحول في العلاقة:

لقد تراجعت مكانة الولايات المتحدة الأمريكية عالميًّا، وهو أمر يمكن تَلَمُّسُهُ من خلال إخفاقها في المجالين الاقتصادي والعسكري؛ حيث تراجعت قوة الولايات المتحدة أمام الصين وروسيا بصورة كبيرة مقارنة بفترات سابقة، وتُعتبر أزمتا إيران وكوريا الشمالية والصراع في سوريا مثالا واضحا على ذلك؛ حيث لم تستطع الولايات المتحدة أن تفرض هيمنتها ولا قوتها المعتادة على الصين أو روسيا لحل هاتين الأزمتين، وخاضت حروبًا ودخلت في تصفيات سياسية وأمنية كبيرة للحد من ظاهرة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ومن ذلك حربها ضد حكم طالبان في أفغانستان؛ حيث لا يزال الوضع مرتبكًا وضبابيًّا هناك دون تحقيق نجاح يذكر. كما فشلت الولايات المتحدة في حربها على العراق؛ حيث أخفقت في تحويل العراق إلى "نموذج" للديمقراطية في الوطن العربي. لذا فإن الفشل في حل تلك القضايا أرهق الإدارة الأمريكية، ووضعها في حرج كبير، ناهيك عن أنها في الفترة الأخيرة لم تستطع أن تضع حلولا لإنهاء الصراع في سوريا.

ويمكن القولُ، إن رغبة الولايات المتحدة في تجاوز هذا الوضع، وتحقيق اصطفافات سياسية تضمن أمنها الإستراتيجي، ومصالحها في المنطقة؛ لم يُبقِ أمامها من خيارٍ بعد قيام ثورات الربيع العربي إلا مساعدة الشعوب العربية في تحقيق الديمقراطية والحرية وضمان الشفافية ومكافحة الفساد لكي تنشأ من خلالها بيئة مستقرة تخدم مصالحها. وبالتالي، وجدت الولايات المتحدة نفسها "مضطرة" للتقرب من جماعة الإخوان المسلمين، كإحدى قوى الإسلام السياسي، والتي حققت انتصارًا شعبيًّا في أغلب دول الثورات العربية.

وهذا التقاربُ الاضطراري قد يحل محل النمط القديم الذي ميز السياسات الأمريكية؛ حيث كانت تصنف تيارات الإسلام السياسي عامة، على أنها جماعات وأحزاب وحركات متطرفة وإرهابية غير قادرة على دعم الديمقراطية. وبذلك فإن الولايات المتحدة تنتهج مسعى جديدًا يهدف إلى دعم هذه الجماعات التي أصبحت واقعًا سياسياً؛ حيث أصبحت هي من يحكم، ويرعى مصالح شعوبها عبر القانون والدستور الذي من المفترض أن يحمي حقوقَ الإنسان، ويدعم حرية الفكر والتعبير، ويضمن حماية الأقليات، ويدعم حقوقَ المرأة.

البحث عن شراكة "حقيقية"؟

منذ اندلاع ثورات "الربيع العربي"، احتفت الولايات المتحدة بتونس كونها أول دولة تصنع "الربيع العربي الديمقراطي"، ففي خطاب الرئيس باراك أوباما لتونس أشار إلى أن "قصة تقرير المصير بدأت مع الشاب التونسي محمد البوعزيزي، الذي أحرق نفسه وأدى الى اندلاع ثورة حتى غادر الديكتاتور". وتحليل خطاب الإدارة الأمريكية تجاه ما يحدث في الشرق الأوسط، وخصوصا بعد أحداث "الربيع العربي"؛ توضح التحول السريع والتقبل المسبق لنتائج الثورات العربية، سواء كانت حكومات إسلامية أم غيرها؛ حيث قدمت الولايات المتحدة كل ما تحتاجه مصر وتونس من دعم معنوي ودبلوماسي، سواء على مستوى خطابات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أو تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون.

فبعد ثورة الياسمين التونسية؛ انتقد الكثير من المحللين السياسيين عدمَ قدرة الحكومات التونسية -وخاصة حكومة محمد الغنوشي وقائد السبسي- على تسويق الثورة التونسية في واشنطن، على نحو يوفر ما تحتاجه تونس من دعم اقتصادي، وفي هذا الخصوص، يرى رضوان المصمودي أن الحكومتين التونسيتين بعد الثورة "أضاعتا كثيرا من الفرص للحصول على الدعم الاقتصادي الكافي لإنجاح الانتقال الديمقراطي، فالدعم السياسي الأمريكي لتونس موجود، وساهم في حماية الثورة من كثير من أعدائها في الداخل والخارج، ولكن الدعم الاقتصادي بالخصوص ما زال دون المطلوب، وأن الشراكة بين البلدين لم تبلغ المستوى المأمول". وبالتالي، تحتاج تونس إلى الدعم الاقتصادي الأمريكي بقدر حاجتها للدعم السياسي والدبلوماسي.

أما في حالة مصر؛ فبعد أن كان الرئيس السابق حسني مبارك من أقوى حلفاء واشنطن الإستراتيجيين في المنطقة، نظرا لما لمصر من مكانة وقوة ووزن في منطقة الشرق الأوسط؛ لم تختلف الرؤية الأمريكية حول الثورة المصرية وحق الشعب المصري في الانتفاض وتغيير النظام عن حالة تونس وليبيا واليمن آنذاك. ومتابعة التطورات اللاحقة، تكشف عن مدى التقارب والقبول الأمريكي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، بدءًا من حصول حزب الحرية والعدالة على 45% من مقاعد مجلس الشعب المصري، حتى وصول الرئيس محمد مرسي إلى سدة الحكم في مصر. ويبدو أن الجانب الأمريكي يراهن على قدرة الإخوان المسلمين على تبني مبادئ الديمقراطية، والحفاظ عليها، والالتزام بها، كونها أصبحت مطلبًا شعبيًّا يجعل من الصعب أن تحيد عنه جماعة الإخوان، وخصوصا بعد أحداث "الربيع العربي".

وهذا الوضع يفرز إشكالية جديدة في شكل وطبيعة علاقة واشنطن مع دول الثورات العربية، فالحكومات العربية الجديدة تسعى لتوطيد العلاقات مع واشنطن بشرط عدم الاصطفاف وراء القرار السياسي الأمريكي كما كان يحدث في السابق، فعندما ثارت الشعوب العربية على أنظمتها، لم تكن الشئون الخارجية لدولها -وتحديدًا في حالتي تونس ومصر- منفصلة عن الشئون الداخلية. حيث إن نظرية "التابع والمتبوع" ونظرية "الولاء المطلق" للولايات المتحدة، وكسب لقب الحليف أو الصديق الإستراتيجي، لم تعد من اهتمامات هذه الشعوب في الوقت الراهن، حيث تريد هذه الشعوب من الولايات المتحدة شراكات اقتصادية وتكنولوجية وعلمية حقيقية، على أسس تقوي من اقتصاد دولها، وتحول دون اعتمادها على المعونات والمساعدات المالية.

أربعة معوقات متصورة:

من الضروري القول إن الولايات المتحدة لم تخرج عن المألوف في تصريحاتها تجاه الثورات العربية، فطالما كانت واشنطن طرفا أساسيا في محادثات السلام في الشرق الأوسط، وفي التأثير في عملية التغيير السياسي في المنطقة العربية، ولها من العلاقات والمصالح في دول الشرق الأوسط ما يجعلها قوة مهمة لا يمكن إغفالها. لكن الواقع السياسي الجديد يؤكد أنه إذا كانت الولايات المتحدة مهتمة باستمرار علاقاتها "الجيدة" مع الدول العربية، فلا بد لها من تغيير إستراتيجياتها احترامًا لرغبة الشعوب العربية، وتأكيدًا منها على حرية التعبير والتداول السلمي للسلطة.

ولكن هذا لا يعني أن تغير واشنطن إستراتيجياتها تجاه المنطقة بما يضر مصالحها، وينشئ بيئة جديدة تضر بها، سواء من خلال الإرهاب أو أي صورة أخرى. فهناك أولويات محددة في سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، وأية انحرافات في سياسات جماعة الإخوان المسلمين على نحو يضر بالمصالح الأمريكية سيشكل عوائق وكوابح يمكن أن تسبب ارتباكًا في تلك العلاقة الجديدة. ويمكن أن نوجز تلك الأولويات الأمريكية تجاه المنطقة في أربع قضايا رئيسية.

تتمثل القضية الأولى، في أمن إسرائيل، والذي يُعتبر قضية جوهرية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة. فالولايات المتحدة لا يمكن أن تطور علاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين بدون ضمانات فعلية لحماية أمن إسرائيل، ويعد الهجوم الذي وقع مؤخرا في سيناء، وأودى بحياة 16 من قوات حرس الحدود المصرية؛ أول اختبار حقيقي لجماعة الإخوان في هذه القضية، ورغم أهمية قرارات الرئيس مرسي التي اتخذها بعد هذه العملية، والخاصة بإحالة وزير الدفاع المشير طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان للتقاعد؛ إلا أن ما يهم واشنطن هو أن يلتزم بالمعاهدات الدولية، وخصوصًا معاهدة السلام مع إسرائيل، وأن يقف في وجه الجماعات الإرهابية؛ حيث لا يمكن أن تتوطد العلاقات بين الجانبين دون تأمين فعليٍّ للحدود والمعابر بين غزة والحدود المصرية، والتي تعتبر الضامن لأمن إسرائيل.

وتتعلق القضية الثانية بالعلاقات مع إيران؛ حيث إن شكل وطبيعة علاقة جماعة الإخوان المسلمين مع إيران ستؤثر على شكل وطبيعة علاقتها مع واشنطن، وتتطلب البراجماتية من الطرفين أن يستوعب كل طرف مصالحه في المنطقة، فبلا شك، لا تريد واشنطن أن تكون لإيران مساندة عربية، كما أنها لا تريد أن يكون لإيران قوى ونفوذ في الدول العربية، كما أن عزل إيران على المستوى الدولي يشكل إحدى أولويات واشنطن في المنطقة. وبالتالي، فإن اتجاه الجماعة للتقارب أو التحالف سياسيًّا مع إيران، سيكون عائقا لاستمرار حالة القبول الأمريكي لها.

وتنصرف القضية الثالثة إلى مدى قدرة جماعة الإخوان المسلمين على تطبيق وتنفيذ مبادئ الديمقراطية في دولها، فوصول جماعة الإخوان إلى الحكم -من ناحية- يفرض عليها استيعاب كافة شرائح المجتمع، وتقبل الرأي الآخر، وتوسيع قاعدة الحقوق والحريات، وإذا ما فشل الإخوان في تحقيق ذلك، سيكون من الصعب عليها الحفاظ على استمرار الدعم الشعبي لها، وبالتالي فإن الإخفاق في ذلك سيكون عائقًا كبيرًا أمام الولايات المتحدة؛ حيث أصبح تعزيز فرص الحكم الديمقراطي يشكل اليوم نقطة الالتقاء بين الجانب الأمريكي وجماعات الإسلام السياسي، فالسياسة الأمريكية كانت ولا تزال تبني ائتلافاتها وعلاقاتها وتحقق مصالحها من باب المزاوجة بين المصالح والقيم والقوة. ومن ناحية أخرى، لا تستطيع جماعة الإخوان أن تحيد عن مطالب الشعوب العربية في الكرامة والإنسانية، وحكم القانون، والحد من السلطات المطلقة للرئيس.

وتتعلق القضية الرابعة بعلاقة الإخوان المسلمين بجماعات الإسلام السياسي الأخرى، فرغم إطلاق واشنطن "الحرب العالمية على الإرهاب" بعد أحداث 11 سبتمبر، والتي تمخض عنها إسقاط حكم طالبان في أفغانستان، وإضعاف تنظيم القاعدة؛ إلا أن الإدارة الأمريكية لديها منظور متكامل حول كيفية التعامل مع الجماعات الإسلامية المتشددة.

وقد بدأ العديدُ من المحللين السياسيين بعد ثورات الربيع العربي ووصول الإخوان المسلمين للحكم، في طرح تساؤل في غاية الأهمية: هل يمكن أن تكون مصر وتونس دولتين حاضنتين للجماعات الإسلامية المتشددة؟، وقد أجاب راشد الغنوشي عن ذلك مدللا: "إن الثورة المصرية والتونسية السلمية فتحت طريقًا ثالثًا للتغيير في العالم، بعيدًا عن العنف والانقلابات المسلحة، في وقت نؤكد فيه أن الجماعات الإسلامية المتشددة التي نشأت في القاهرة لن تعود، وأنها نشأت بسبب القمع الذي من الطبيعي أن يكفر الشخص بجلاده، بعدما تعرضوا للتعذيب والجلد في السجون، كما أن هذه الثورة لن تصنع فرعونًا جديدًا لمصر طالما استمر الشعب في ثورته السلمية، وكذلك في ظل عصر فضاء وإعلام مفتوح يرصد ويتابع خطوات وتحركات الرئيس".

ويمكن القول، إن العلاقة الأمريكية الجديدة مع جماعة الإخوان المسلمين يجب أن تعمل في ظل تطبيقات فعلية للحد من انتشار واتساع نفوذ الجماعات الإسلامية المتشددة، فإذا كانت جماعة الإخوان قد حققت انتصاراتٍ شعبيةً أوصلتها إلى مراحل متقدمة جدًّا في الحكم؛ فإنه أصبح مُلِحًّا أن تقنع واشنطن بأن الإسلام كفكر ومنهج حياة لا يتعارض في صميمه ومضمونه مع التجربة الديمقراطية التعددية، ويرفض العنف والتشدد في الدين.

لكن معطيات الواقع تفرض احتمال أن يصطدم الإخوان المسلمين يوما بالولايات المتحدة بشأن حركة المقاومة الإسلامية حماس، فحركة حماس التي تتوافق فكريا مع جماعة الإخوان المسلمين، قد تكون بمثابة "الشوكة" في العلاقة بين الجانبين؛ حيث تطالب الولايات المتحدة حماس بالاعتراف بإسرائيل، ونزع سلاح المقاومة، وإثبات "حسن السير والسلوك" في إدارة العلاقات الدولية، ويبقى التساؤل مرتبطا بمدى قدرة جماعة الإخوان في مصر وتونس على مواجهة الولايات المتحدة، وتثبيت حق حركة حماس في المقاومة، واستخدام السلاح ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما هو الحال مع حزب الله اللبناني، وغيره من الحركات والفصائل والتنظيمات التي تدعو إلى مقاومة إسرائيل علنًا وتتبنى العمليات العسكرية ضدها.

خاتمة:

إن أول ما يتبادر إلى الذهن عند تحليل القبول الأمريكي لجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من جماعات الإسلام السياسي، أن هذه العلاقة يمكن أن تتحول إلى شراكة فعلية حقيقية مبنية على احترام وجهات النظر، وقواسم اقتصادية وعلمية وتكنولوجية مشتركة، تحقق التنمية الإنسانية العربية أولا، وتعزز من أمن واستقرار المنطقة ثانيًا.

ولا يعني هذا القبول الأمريكي تغيرا راديكاليا في توجهات واشنطن، وخصوصا فيما يتعلق بتعزيز الحريات والكرامة الإنسانية، والمطلوب من الحكومات العربية الجديدة أن تقوم بتعزيز حرية التعبير، وتطبيق العدالة والتسامح الديني والإثني، واحترام الملكية الخاصة، واحترام المرأة، وسيادة القانون، والتداول السلمي للسلطة، فهذا بدون شك سيدفع إلى بناء أرضية مشتركة بين الطرفين يتم فيها تجاوز كل الإشكاليات الأيديولوجية والفكرية بينهما.

ومن جهة أخرى؛ يجب أن تتحمل الحكومات العربية الجديدة مسئولياتها، وأن تبتعد عن الأزمات التي يمكن أن تخلق جوا من التصادم مع واشنطن، في بيئة لم تحقق حتى الآن الاستقرار المأمول والاقتصاد المريح لشعوبها. فالمهادنة والتروي والدبلوماسية الحكيمة يمكن أن تصب في صالح تلك الشعوب، وتحقق إنجازات كبيرة على المديين المتوسط والبعيد.

وأخيرًا ومن باب الواقعية السياسية، فإن الاستقلالية في القرار وفي عمل وإدارة حكومات دول الثورات قد يعطي زخما داخليا، ولكن على مستوى العلاقات الدولية فهناك تشابك كبير في المصالح العالمية، وإذا ما أرادت جماعات الإسلام السياسي أن تشارك في العمل الدولي وتكون شراكات حقيقية مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية، فعليها أن تستوعب جيدا مصالحها ومصالح تلك القوى، وأن توجد قواسم مشتركة معها، وأن تعمل من أجل تقليل حدة الاختلافات الأيديولوجية، كما عليها أن تسعى لتحقيق علاقات سياسية ودبلوماسية دائمة، بحيث تطور ثوابت وركائز للعلاقات مع هذه القوى، لتضمن استمرار المخرجات الجيدة من تلك الشراكة للأجيال القادمة.
رد مع اقتباس
  #188  
قديم 25-10-2012, 08:41 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي تداعيات التصعيد بين الحكومة الكويتية والمعارضة الإسلامية

[CENTER]
تداعيات التصعيد بين الحكومة الكويتية والمعارضة الإسلامية


أشرف عبدالعزيز عبدالقادر
احث في الشئون الخليجية
جاء الخطاب الأخير الذي ألقاه أمير دولة الكويت (الجمعة 19 أكتوبر 2012) ووجه فيه نحو تعديل آلية التصويت في الانتخابات البرلمانية القادمة التي سوف تجرى في الأول من ديسمبر 2012( ليكون لكل ناخب صوت واحد فقط بدلا من أربعة أصوات)، ليزيد من وتيرة التصعيد ويرفع من سقف المواجهة مع المعارضة التي يهيمن عليها التيار الإسلامي بشقيه السلفي والإخواني

، حيث اعتبرتها المعارضة تكتيك جديد لجأت إليها الحكومة للتقليل من فرصها في الانتخابات البرلمانية القادمة، خاصة بعد أن رفضت المحكمة الدستورية الكويتية الطعن الحكومي بشأن إدخال تعديلات على نظام الدوائر الانتخابية المعمول بها حاليا، وإبقاء المحكمة عليه (نظام الخمس دوائر).

هذه التطورات تثير عدة تساؤلات رئيسية، يحاول المقال التطرق إليها، منها: ما هي الأبعاد الرئيسية للتصعيد الجاري بين الحكومة الكويتية والمعارضة التي يسيطر عليها التيار الإسلامي؟، وما هي تداعياته على المشهد السياسي الكويتي قبيل الانتخابات البرلمانية القادمة؟

أولاً: الصعود السياسي للمعارضة الإسلامية وآليات تعامل الحكومة الكويتية معه:

لم تكن الكويت استثناءً من "المزاج العام" الذي خيم على المنطقة العربية، في أعقاب ما عُرف بـ "ثورات الربيع العربي"، والذي صب بوضوح في مصلحة الإسلاميين بتياراتهم المختلفة، وهذا ما عكسته نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في فبراير الماضي 2012، وحصد فيها التيار الإسلامي على 27 مقعدا، ليشكل مع بعض النواب الآخرين كتلة أغلبية معارضة سيطرت على 34 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغة 50 مقعدا.

ومثلما حدث في دول عربية أخرى، بعد أن نجح التيار الإسلامي في تشكيل كتلة الأغلبية المعارضة في برلمان 2012 المبطل، اتجه إلى الانفراد بتحديد أولويات الأجندة التشريعية دون التشاور مع الكتل السياسية الأخرى، كما اتجه إلى العمل على أسلمة القوانين، على نحو ما عكسه إصرار التيار السلفي على تعديل المادة الثانية والمادة 79 من الدستور، بما يفرض على البرلمان عدم سن أي تشريع، إلا إذا كان "موافقا للشريعة الإسلامية"، وكذلك وما أثير بشأن "قانون الحشمة" الذي لم يخرج إلى النور، وغيرها من القضايا في الاتجاه ذاته.

هذا بالإضافة، إلى استخدام أداة الاستجواب بشكل مكثف في مواجهة عدد من أعضاء الحكومة بما في ذلك رئيس الحكومة الشيخ جابر المبارك، مما خلق نوع من التأزيم غير المسبوق في العلاقة بين الحكومة والبرلمان، لاسيما في ظل امتلاك المعارضة الإسلامية الأغلبية اللازمة لتمرير تلك الاستجوابات.

هذه الأجواء خلقت لدى الحكومة الكويتية إدراكا بخطورة سيطرة هذه الأغلبية الإسلامية المعارضة على البرلمان، فاتجهت إلى التعامل مع هذا "الخطر" وفق آليتين:

 الآلية الأولى: استغلال بعض الثغرات الإجرائية القانونية التي وقعت قبيل إجراء انتخابات فبراير 2012، والدفع بها لدى المحكمة الدستورية الكويتية التي حكمت بالفعل ببطلان إجراء هذه الانتخابات وبالتالي بطلان مجلس 2012، والحكم بعودة مجلس 2009 الذي يشكل فيه التيار الإسلامي أقلية ويسيطر عليه أغلبية موالية للحكومة، وهو ما تم بالفعل..

 الآلية الثانية: التقدم بطعن لدى المحكمة الدستورية العليا من أجل إعادة النظر في نظام الدوائر الانتخابية المعمول به (نظام الخمس دوائر) والمطالبة بتغييره أو إدخال تعديلات عليه.
ولكن هاتين الأليتين ثبت حدود فاعليتهما، خاصة بعد رفض الطعن الذي تقدمت به الحكومة الكويتية إلى المحكمة الدستورية بشأن إعادة النظر في نظام الدوائر الانتخابية في الكويت، واضطرار أمير الكويت إلى حل مجلس الأمة لعام 2009 بعد أن باءت جميع محاولات الحكومة لعقد جلسة واحدة لهذا المجلس بالفشل، نتيجة اتفاق نواب كتلة الأغلبية على عدم حضورها.

ثانياً: أزمة تعديل آلية التصويت في الانتخابات

يبدو أن الحكومة الكويتية تنظر إلى المواجهة الحالية مع المعارضة على أنها معركة "مصيرية" أو "معركة بقاء ووجود"، وقررت بذل كل ما يمكن فعله من أجل عدم تكرار مشهد انتخابات 2012 مرة أخرى، ولكن الملاحظة العامة على سلوك الحكومة هنا، هي حرصها على الأبعاد القانونية والدستورية لجميع تصرفاتها، بدءً من الدفع نحو الإبطال القانوني لمجلس 2012 اعتماداً على بعض الثغرات القانونية في تنفيذ مرسوم حل المجلس السابق له (مجلس 2009)، مروراً بالمحاولة لتعديل نظام الدوائر الانتخابية المعمول به حالياً عبر المحكمة الدستورية، وصولاً إلى تعديل آلية التصويت في الانتخابات، وفق نص المادة 71 من الدستور والتي تجيز للأمير إصدار مراسيم بقوانين أثناء حل مجلس الأمة لمعالجة أي سلبيات قد تستوجبها الضرورة.

ورغم أن أمير الكويت برر في خطابه الأخير تعديل آلية التصويت في الانتخابات القادمة، بالرغبة في "تلافي سلبيات نظام التصويت الحالي الذي أدى إلى نتائج تجافي العدالة والتمثيل الصحيح لأطياف المجتمع الكويتي في البرلمان، وإبراز التحالفات المصلحية البعيدة عن مصلحة الوطن، بالإضافة إلى الإقصاء الدائم للعديد من الشرائح الاجتماعية عن التمثيل البرلماني، الأمر الذي انعكس سلبا على أداء مجلس الأمة، وتسبب في انحرافه في أداء مهامه ومسؤولياته"، إلا أنه يمكن القول أن التحرك الحكومي في هذا السياق ربما يكون مدفوعا بعدد آخر من الاعتبارات، منها:

 تقييم الحكومة الكويتية الخاص وإدراكها للسوابق غير المعهودة –على مدار تاريخ الكويت السياسي- في أداء وسلوك المعارضة الإسلامية وتحديدا منذ سيطرتها على البرلمان في فبراير 2012، ورفع لهجة التصعيد عبر التصريحات التي باتت تطول شخص الأمير ذاته والذي ظل محصناً من النقد لعقود طويلة ربما ترجع إلى بداية تأسيس دولة الكويت.

 أخذها على محمل الجد التحذيرات التي صدرت من مسئولين إماراتيين بشأن وجود مخطط لدى جماعة الإخوان المسلمين في منطقة الخليج للسيطرة على الحكم، وأن البداية ستكون من دولة الكويت، وربما دعم من ذلك المطلب الذي طرحته بعض القوى السياسية الكويتية مؤخراً وفي مقدمتها الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الكويت، بشأن "الإمارة الدستورية"، التي تتشكل فيها الحكومة من الأغلبية في البرلمان، ويكون رئيسها من خارج الأسرة الحاكمة.

 إدراكها لوجود دعم خليجي لتحركاتها ضد أي محاولات لتغيير نظام الحكم في الكويت، وحالة التدخل الخليجي في البحرين تعد سابقة مهمة في هذا الشأن.

 رهانها على كسب تأييد شعبي لتحركاتها تجاه المعارضة الإسلامية تحديداً، اعتماداً على السلبيات التي شابت أداء التيار الإسلامي خلال الفترة القصيرة التي قضاها في مجلس 2012 (أربعة أشهر)، لاسيما ما يتعلق بتبنيه عدة قضايا توحي برغبته في تحويل الكويت إلى دولة دينية، وتجاهل الأولويات والشعارات التي رفعها خلال الحملات الانتخابية ودغدغ بها مشاعر الناخبين كإقرار قانون مكافحة الفساد، والمضي قدماً في خطط التنمية المعطلة منذ فترة طويلة. لذلك لم يكن غريبا أن يصدر بالتزامن مع مرسوم تعديل آلية التصويت في الانتخابات، مرسوم آخر يستهدف مكافحة الفساد.
المعارضة من جانبها اعتبرت نفسها المستهدف الرئيسي من وراء هذا التعديل، الذي اعتبرته محاولة من الحكومة للتحكم في مخرجات العملية الانتخابية، واتخذت ردود فعلها الأولية مظهرين رئيسيين:

الأول: الاتجاه نحو مقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة، وقد تكون المقاطعة القادمة هي الأكبر من نوعها طوال الحياة البرلمانية، في مشهد يعيد إلى الأذهان مقاطعة الكويتيين لانتخابات المجلس الوطني عام 1990

الثاني: النزول إلى الشارع وحشد الجماهير، وتعتبر المظاهرات التي دعت إليها المعارضة بالتنظيم والتنسيق مع بعض التجمعات الشبابية يوم الأحد 21 أكتوبر 2012 (مسيرة كرامة وطن) مؤشر أولي لذلك، حيث شارك في تلك التظاهرات عشرات الآلاف (قدرتها بعض المصادر بمائة ألف متظاهر)، وشهدت مصادمات عنيفة مع قوات الأمن أدت إلى إصابة عدد من المتظاهرين واعتقال عدد آخر منهم، كما تم إعلان حالة الاستنفار العام في صفوف الجيش والحرس الوطني.

ويمكن القول أن المعارضة تراهن في هذا النوع من التحرك على عدد من الاعتبارات، يتمثل أبرزها في:

 أن "المزاج الثوري العام" في المجتمع الكويتي ما يزال قائماً، تعبر عنه التظاهرات المختلفة التي نظمتها كتلة الأغلبية المعارضة بالتنسيق مع بعض الحركات والتجمعات الشبابية حتى قبل خطاب الأمير الأخير، ويدعم هذا "المزاج" عدم صدور أحكام نهائية قاطعة بشأن قضية الإيداعات المليونية المتهم فيها عدد من نواب مجلس 2009 بالحصول على مبالغ مالية كبيرة لقاء مواقف مساندة للحكومة في البرلمان وقرار النيابة مؤخراً بحفظ التحقيقات فيها، وهي القضية التي اكتسبت زخماً شعبياً كبيراً وكان لها دور كبير في الأغلبية التي حصل عليها التيار الإسلامي في برلمان 2012.

 التنظيم الجيد الذي يميز تحركات التيار الإسلامي وقدرته على جذب مستويات عالية من الحشد والتأييد الشعبي، في مواجهة ضعف وهشاشة التيار الليبرالي الذي يفتقد إلى قاعدة شعبية نتيجة تحالفاته الدائمة مع الحكومات الكويتية المتعاقبة ودعم مواقفها في البرلمان.

 الرهان على اتساع نطاق المعارضة للحكومة بعد الخطاب الأخير
لأمير الكويت، لتشمل قوى سياسية أخرى كانت اقرب لتأييد الحكومة في بعض مواقفها.

ثالثا: الإخوان المسلمون في الكويت ومطلب الإمارة الدستورية

بُعد آخر مهم من أبعاد التصعيد والمواجهة بين التيار الإسلامي والحكومة الكويتية يتعلق بمطلب الإمارة الدستورية الذي تم الحديث عنه بشكل مكثف منذ شهر يوليو الماضي أي بعد حوالي شهر من قرار المحكمة الدستورية الكويتية بحل مجلس 2012.

هذا المطلب تدعمه بشكل أساسي الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) الممثلة لإخوان الكويت، وبعض نواب المعارضة المحسوبين عليها أو المتحالفين معها، وقامت الحركة بمحاولات لدعم هذا المطلب وحشد أكبر تأييد ممكن له، من خلال تشكيل ما سمي بـ "الجبهة الوطنية لحماية الدستور" التي أعلن عن تأسيسها في التاسع من شهر سبتمبر الماضي 2012 بمشاركة عدد من الكتل السياسية المتحالفة مع حركة حدس. ووضعت الجبهة ضمن أهدافها الثمانية الملزمة للمشاركين فيها والراغبين في الانضمام إليها، هدف " استكمال التطور الديمقراطي نحو نظام برلماني كامل" وهو الوجه الآخر لمطلب الإمارة الدستورية.

ولكن ما تواجهه حركة حدس من تحديات في هذا الشأن، يكمن بالأساس في عدم تحول هذا المطلب إلى "مطلب شعبي"، فضلاً عن عدم وجود توافق فيما بين الكتل السياسية بشأنه، حيث ترفضه الكتل السياسية الممثلة للتيار الليبرالي التي لم تشارك في الجبهة الوطنية لحماية الدستور، كما يعد التيار السلفي من أهم التيارات القوية التي ترفضه، حيث يعتبر أن اختيار شخص رئيس الوزراء هو صلاحية مطلقة لأمير البلاد لا يجوز التدخل فيه، وهو ما يبرر رفض التيار السلفي المشاركة في الجبهة الوطنية لحماية الدستور أيضاً.

لذلك، يمكن القول أن هذا المطلب يحمل نوع من المواجهة المؤجلة، لافتقاده التأييد الشعبي والسياسي حتى الآن، ولكن التطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة السياسية الكويتية قد تدفع جماعة الإخوان إلى التصعيد السياسي حول هذا المطلب، والعمل على تحويله إلى مطلب سياسي وشعبي، باعتباره أحد آليات الضغط والتصعيد في مواجهة التحرك الحكومي نحو تعديل آلية التصويت في الانتخابات البرلمانية.

خاتمة:

في ضوء ما سبق، يمكن القول أن المرحلة الحالية في الكويت، تشهد نوع من "المواجهة المفتوحة" على كل الاحتمالات بين كل من الحكومة والقيادة السياسية من جهة، والمعارضة التي يسيطر عليها التيار الإسلامي من جهة أخرى. هذه المواجهة لها بعدين رئيسيين، أحدهما يعكس المواجهة الحالية ويتعلق بأزمة تعديل آلية التصويت في الانتخابات البرلمانية القادمة، والآخر يحمل نوع من المواجهة المؤجلة يتعلق بمطلب الإمارة الدستورية، الذي تدعمه بشكل أساسي جماعة الإخوان المسلمين في الكويت. وسيكون لهذين البعدين، تداعيات مباشرة على مجمل المشهد السياسي في الكويت، لاسيما بعد أن أصبح الشارع لاعب أساسي في مجمل التفاعلات الدائرة في هذا المشهد

آخر تعديل بواسطة aymaan noor ، 25-10-2012 الساعة 08:44 PM
رد مع اقتباس
  #189  
قديم 26-10-2012, 10:59 AM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي روسيا و«المساومة الكبرى» في سوريا

روسيا و«المساومة الكبرى» في سوريا
هاني شادي
كاتب وصحافي مصري مقيم في موسكو
يرجع الموقف الروسي المتحفظ والحذر من الربيع العربي إلى أسباب وأبعاد عدة، منها ما يتعلق بالجيوسياسة في منطقة الشرق الأوسط ومحاولة التنافس مع الولايات المتحدة والغرب، ومنها ما يتعلق بالداخل الروسي وطبيعة النظام السياسي في روسيا. ويتشابك الخارج والداخل في الموقف الروسي من الثورات العربية، في معادلة روسية برغماتية تختلط فيها بقوة المصالح والهواجس. فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي دعت روسيا وما زالت إلى بناء عالم متعدد الأقطاب في محاولة للحفاظ على مصالحها بسبب اقتراب حلف الناتو من حدودها، ومرابطة طائرات هذا الحلف في دول البلطيق على مقربة من العاصمة الروسية، والتهديدات التي تراها محتملة على أمنها من جراء الدرع الصاروخية. سارعت القيادة الروسية مع وصول بوتين إلى سدة الحكم في عام 2000 إلى ترتيب أوراقها على الساحة الدولية والشرق الأوسط . فكان أكثر زعيم روسي في عدد زيارته إلى البلدان العربية أثناء ولايته الرئاسية الثانية (2004 ـ 2008 ) حيث زار مصر والجزائر والمغرب والمملكة العربية السعودية والإمارات وقطر والأردن وليبيا والأراضي الفلسطينية. وأكمل ميدفيديف هذه الزيارات بزيارة سوريا في العام 2010 إلى جانب بعض الدول العربية الأخرى من بينها مصر والجزائر.
وكان الهدف من وراء هذه الزيارات فتح الطريق أمام الشركات الروسية العاملة في مجال الطاقة ومشاريع البنية الأساسية للعمل في هذه البلدان وبيع الأسلحة الروسية لها. وبالفعل تمكنت القيادة الروسية من زيادة حجم التبادل التجاري مع البلدان العربية من أقل من ملياري دولار في عهد الرئيس الروسي الأول بوريس يلتسين في تسعينيات القرن الماضي إلى حوالي 8 مليارات دولار في 2010. ومع أن المبلغ المذكور لا يعد كبيراً مقارنة بحجم التبادل التجاري لروسيا مع دولة مثل تركيا الذي يتجاوز الأربعين مليار دولار، إلا أن موسكو شعرت بالخطر عندما اندلع الربيع العربي.
في مقاله الذي نشرته صحيفة «موسكوفسكييه نوفوستي» الروسية في عددها الصادر 27 فبراير الماضي تحت عنوان «روسيا والعالم المتغير»، يفصح بوتين بوضوح عن هواجسه من تأثير الربيع العربي على المصالح الاقتصادية الروسية في البلدان العربية. فيقول «إن الشركات الروسية تفقد مواقع عملت من أجلها خلال عشرات السنين في أسواق البلدان التي اجتازت «الربيع العربي» ويتم تجريدها من عقود مربحة كبيرة في هذه الأسواق، مثلما حصل في العراق في وقت سابق، وتحتل هذه المواقع شركات الدول التي كانت لها اليد الطولى في تغيير أنظمة الحكم.. وقد يخطر على بال المرء أن الأحداث المأساوية لا يقف وراءها الحرص على حماية حقوق الإنسان بقدر ما تقف وراءها رغبة أحد ما في إعادة اقتسام الأسواق.. على أي حال فإننا لا يمكن أن ننظر نظرة هادئة إلى هذا، ونعتزم العمل مع السلطات الجديدة في البلدان العربية على استعادة مواقعنا الاقتصادية في وقت سريع». إلى هنا ينتهي الاقتباس من مقال بوتين الذي يعكس بوضوح أن الموقف الروسي من الثورات العربية يتعلق في ما يتعلق بأسواق فقدتها أو قد تفقدها روسيا بسبب هذه الثورات، وأنها تسعى حالياً للبحث عن طرق لاستعادة هذه الأسواق، بما في ذلك التعامل مع الحركات الإسلامية الصاعدة في المنطقة والتي عبر بوتين مراراً وتكراراً عن خشيته منها على شمال القوقاز. وربما يفسر هذا جزئياً تشدد روسيا تجاه الثورة السورية، فالأمر يبدو وكأنه يتعلق بحصول موسكو على ضمانات كافية للبقاء في السوق السورية وغيرها من البلدان العربية.
في هذا السياق دأبت روسيا على تعداد خسائرها بسبب الربيع العربي عبر وسائل إعلامها. ففي مقال نُشر في صحيفة «نيزافيسمايا» الروسية ذائعة الصيت يكتب ايغور ناؤموف «إن تغيير وخلع الانظمة الحاكمة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا يحمل ضرراً كبيراً للاقتصاد الروسي.. ومن ثم ستتحمل ميزانية الدولة الروسية خسائر بمليارات الدولارات». ويفسر كاتب المقال موقف موسكو من الأزمة السورية بحجم استثمارات الشركات الروسية في الاقتصاد السوري التي يقدرها بـ20 مليار دولار في مشاريع البنية الأساسية والطاقة والسياحة. ويضيف إلى هذه الخسائر بعض العقود العسكرية المحتملة التي تم بحثها مع النظام السوري بمبلغ 4 مليارات دولار، بجانب شطب روسيا لأربعة مليارات دولار أخرى من ديون سوريا كانت مستحقة للاتحاد السوفياتي. ويختتم الكاتب الروسي مقاله هذا بالتحذير من أن ما حصل مع روسيا في العراق في 2003 وخسرت موسكو بموجبه أكثر من 30 مليار دولار (حسب تقديراته) يتكرر اليوم معها في ليبيا وسوريا وبعض البلدان العربية الأخرى بسبب الثورات العربية. ويضيف بعض المراقبين الروس، إلى أسباب تشدد روسيا في موقفها من الثورة السورية، وجود قاعدة عسكرية بحرية روسية في طرطوس. ولكن هذه «القاعدة» في حقيقة الأمر هي مجرد مركز لصيانة السفن وتزويد الأسطول العسكري الروسي بالوقود عند مروره عبر البحر المتوسط. وفي السنوات الماضية كثر الحديث عن تحويل هذا المركز إلى قاعدة عسكرية فعلية للأسطول العسكري البحري الروسي، ولكن لم تُتخذ خطوات عملية في هذا الموضوع حتى يومنا الحاضر.
ويمكن القول ومن دون مبالغات كبيرة إن الربيع العربي أثر بدرجة ما على الداخل الروسي . ففي آذار/ مارس 2011 أوضح استطلاع للرأي أن 49 % من الروس الذين شاركوا في الاستطلاع عبروا عن استعدادهم للخروج إلى الشارع للاحتجاج ضد السلطات الرسمية بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية في روسيا. وبالفعل بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي والتي شابها التزوير، انطلقت احتجاجات شعبية لم يسبق لها مثيل في موسكو ومدن روسية أخرى منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي. وطالبت هذه الاحتجاجات بإجراء انتخابات نزيهة وتنحي بوتين عن السلطة وعدم عودته إلى الكرملين. ولكنه عاد إلى عرش الكرملين مرة أخرى عبر انتخابات رئاسية في الرابع من آذار/ مارس الماضي، تقول عنها المعارضة الشعبية إنها كانت مزورة أيضاً. وبالرغم من تراجع حدة الاحتجاجات الشعبية، إلا أن مخاوف موسكو من تأثير الربيع العربي عليها ما زال قائماً.
إن طبيعة النظام السياسي الذي تشكل في روسيا مع صعود فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم في عام 2000 تعتبر، في رأينا، عاملاً هاماً في تفسير الموقف الروسي المتحفظ من الربيع العربي. فهذا النظام يعتمد ما يسمى «الديموقراطية الموجهة» التي تسمح بتداول السلطة العليا في البلاد داخل النخبة الحاكمة الضيقة. ومثال اختيار بوتين لميدفيديف ليخلفه في رئاسة روسيا في الانتخابات الرئاسية لعام 2008 لدليل واضح على ذلك. كما أن عودة بوتين من جديد للكرملين تعكس بوضوح هذا الأمر الذي بدأ الكثير من الروس يشعرون بالتململ منه.
بجانب ذلك يخشى الكرملين أن يؤثر صعود الاسلاميين في بلدان الربيع العربي على منطقة القوقاز الروسي وعلى المسلمين الروس عموما الذين تقدر أعدادهم اليوم بأكثر من 20 مليون مسلم. ويسود اعتقاد لدى الكرملين بأن الصعود الاسلامي في البلدان العربية قد يُنعش النزعة الانفصالية في القوقاز الروسي من جديد حيث حذر بوتين مراراً من هذا الأمر منذ بداية الربيع العربي. إن الخوف من انتقال «عدوى» الربيع العربي إلى روسيا عامة أو إلى القوقاز خاصة دفعت ببعض المحللين الروس للحديث عن «تحالف أميركي ـ إسلامي سني» ضد روسيا، وهو ما يلقى رواجاً في بعض الدوائر الرسمية والإعلامية الروسية.
بعد عودته إلى الكرملين من جديد لولاية رئاسية ثالثة، لمدة ست سنوات قادمة قد تطول حتى عام 2024 يتردد السؤال: هل سيتخلى بوتين عن بشار الأسد ونظامه؟ يقول بوتين في مقاله المنشور بتاريخ 27/2/2012 «لا يجوز لأحد أن يحاول تنفيذ السيناريو الليبي في سوريا.. ويجب أن يبذل المجتمع الدولي جهوده في سبيل تحقيق المصالحة بين السوريين». وكانت موسكو قد سارعت إلى دعم خطة كوفي أنان ذات النقاط الست، وشاركت بفاعلية في اجتماع مجموعة العمل المتعلقة بسوريا في جنيف في الثلاثين من يونيو الماضي. ورداً على تفسير وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لمقررات لقاء جنيف بشأن ضرورة تنحي الأسد، يقول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: «عندما يقول المسؤولون الغربيون انه لا يمكن فعل اي شيء في ما يخص الحوار السياسي ما دام الرئيس بشار الأسد في السلطة، فهذا يعني دعوة للراديكاليين في المعارضة السورية الى مواصلة العمل المسلح ومواصلة استفزاز النظام ليرد بالسلاح». ويعلن لافروف من دون مواربة أن موسكو لن تؤيد اتخاذ إجراءات ضد النظام السوري في مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع. ولكن هذا لا يمنع لافروف نفسه (في إطار البرغماتية) من التصريح أكثر من مرة بأن بلاده لا تدافع عن بشار الأسد أو تتمسك به وإنما تدافع عن القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة الذي يحفظ سيادة الدول.
إن روسيا تدرك جيداً العجز الحالي للولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى عن القيام بعمل عسكري ضد نظام بشار الأسد، ولذلك نعتقد أنها ستواصل سياستها البرغماتية في انتظار إجراء «مساومة كبرى» مع الغرب تحافظ من خلالها على مصالحها الحالية والمحتملة في أي ترتيبات جديدة في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط في إطار ما تدعو إليه مع الصين من ضرورة بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب بغض النظر عن سقوط آلاف الضحايا.
رد مع اقتباس
  #190  
قديم 26-10-2012, 12:38 PM
الصورة الرمزية محمد محمود بدر
محمد محمود بدر محمد محمود بدر غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 23,386
معدل تقييم المستوى: 39
محمد محمود بدر is just really nice
افتراضي

رحم الله سوريا واعانها على الظالم بشار
رد مع اقتباس
  #191  
قديم 26-10-2012, 03:21 PM
darch_99 darch_99 غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 1,824
معدل تقييم المستوى: 17
darch_99 is just really nice
افتراضي شكرا

السيد / ايمن نور جزاك الله خيرا مقال معبر عن الواقع ورائع حقا وخلاصة هذا المقال الرائع
1- روسيا تتخوف من قرب ووجود ونفوذ السياسة الامريكية والعسكرية في هذة المنطقة
2- التأثير الاقتصادي السلبي علي روسيا وخسائرها بسبب الربيع العربي

من هذين المنطلقين يمكن بكل بساطة انهاء هذة المجازر في سوريا في اقرب مما نتخيل عبر
تمئنة روسيا بشكل حقيقي ان دول الربيع العربي لن تكون منطلقا للنفوذ الغربي والامريكي

2- تمئنه روسيا من دول الربيع العربي وخاصة سوريا الان بأنه في حال انتهاء حكم بشار لن تتاثر المصالح الروسية بل يمكن ان تزيد المصالح الاقتصادية معها وبشكل افضل في حقبة ما بعد بشار

وارجو ان تصل هذه الكلمات القليله الي صانع القرار في الجيش السوري الحر ومؤسساته السياسية لان هذة الكلمات قد تكون مربص الفرص والبداية الحقيقة للتخلص من هذا النظام الجزار الذي يشكل راسه بشار فقطع هذة الرأس بوعي هذة الكلمات جيدا ثم الدخول في مفاوضات الطمانه لروسيا وبال وعقد الصفقات بسرية تامة والتي أقلها عدم دعم نظام بشار والتخلي عنه وهم اي الجيش الحر كفيلون بالباقي وهذة الصفقة تتضمن الضغط علي نظام الملالي في ايران بالتخلي ايضا عن هذا ىالجزار وتركه يواجه مصيره
كل ذلك مقابل ان الابقاء علي المصالح الروسية ودعم تنميتها مستقبلا بعد رحيل الجزار بشار

وجزاك الله خيرا اخي ايمن

__________________
#الإشـاعة يؤلفها #الحاقد وينشرها #الأحمق ويصدقها #الغبي حاول أن لا تكون من هؤلاء الثلاثة.
بالفيديو.. توثق أحداث الذكرى الثانية للثورة


رد مع اقتباس
  #192  
قديم 27-10-2012, 12:30 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد محمود بدر مشاهدة المشاركة
رحم الله سوريا واعانها على الظالم بشار
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة darch_99 مشاهدة المشاركة
السيد / ايمن نور جزاك الله خيرا مقال معبر عن الواقع ورائع حقا وخلاصة هذا المقال الرائع
1- روسيا تتخوف من قرب ووجود ونفوذ السياسة الامريكية والعسكرية في هذة المنطقة
2- التأثير الاقتصادي السلبي علي روسيا وخسائرها بسبب الربيع العربي

من هذين المنطلقين يمكن بكل بساطة انهاء هذة المجازر في سوريا في اقرب مما نتخيل عبر
تمئنة روسيا بشكل حقيقي ان دول الربيع العربي لن تكون منطلقا للنفوذ الغربي والامريكي

2- تمئنه روسيا من دول الربيع العربي وخاصة سوريا الان بأنه في حال انتهاء حكم بشار لن تتاثر المصالح الروسية بل يمكن ان تزيد المصالح الاقتصادية معها وبشكل افضل في حقبة ما بعد بشار

وارجو ان تصل هذه الكلمات القليله الي صانع القرار في الجيش السوري الحر ومؤسساته السياسية لان هذة الكلمات قد تكون مربص الفرص والبداية الحقيقة للتخلص من هذا النظام الجزار الذي يشكل راسه بشار فقطع هذة الرأس بوعي هذة الكلمات جيدا ثم الدخول في مفاوضات الطمانه لروسيا وبال وعقد الصفقات بسرية تامة والتي أقلها عدم دعم نظام بشار والتخلي عنه وهم اي الجيش الحر كفيلون بالباقي وهذة الصفقة تتضمن الضغط علي نظام الملالي في ايران بالتخلي ايضا عن هذا ىالجزار وتركه يواجه مصيره
كل ذلك مقابل ان الابقاء علي المصالح الروسية ودعم تنميتها مستقبلا بعد رحيل الجزار بشار

وجزاك الله خيرا اخي ايمن

جزاكم الله خيرا و بارك الله فيكم
رد مع اقتباس
  #193  
قديم 28-10-2012, 11:54 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي رؤية أوباما ورومني لقضايا الشرق الأوسط

رؤية أوباما ورومني لقضايا الشرق الأوسط

ستيف كليمونز
تعددت الكتابات والدراسات التي تستشرف آفاق السياسات التي قد تنتهجها الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه منطقة الشرق الأوسط، وتزايد الاهتمام في ظل تأثير التطورات والتغيرات التي تشهدها المنطقة على المصالح الأمريكية.

ومن تلك الدراسات الاستشرافية المهمة دراسة "ستيف كليمونز" التي أصدرها معهد "تشاتام هاوس" في أكتوبر الجاري تحت عنوان "السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بعد انتخابات 2012". وتركّز دراسة كليمونز (وهو صحفي بقسم الشئون الخارجية بمجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية، وأحد مؤسسي الفريق الخاص بالشرق الأوسط في مؤسسة "أمريكا الجديدة" البحثية الأمريكية المتخصصة في التحليلات السياسية الداخلية) على التحدي الذي سيشكله الشرق الأوسط لصناع القرار الأمريكيين في الإدارة الأمريكية الجديدة، وعلى الطريقة التي سيتعامل بها الرئيس المقبل مع قضايا المنطقة التي ستتقدم أجندة السياسة الخارجية للإدارة خلال السنوات الأربع القادمة.

فترة أوباما الثانية

يستهلُّ الباحثُ دراسته بالإشارة إلى أنه عندما تولى باراك أوباما منصبه الرئاسي في يناير 2009؛ كانت الولايات المتحدة بالفعل في حالة حرب مدتها ثماني سنوات في الشرق الأوسط. فقد كان مستوى التواجد العسكري الأمريكي كبيرًا في العراق وأفغانستان؛ حيث تحركت القوات الأمريكية لتضييق الخناق على عناصر تنظيم القاعدة.

وعلى الرغم من أن الخُطَب التي ألقاها أوباما عند توليه رئاسة الولايات المتحدة حظيت بثناء العالم، ولا سيما العالم العربي؛ رأى البعض فيما بعد أن الرئيس الأمريكي فشل في جعل تطلعاته ملموسة النتائج. ورغم ما تحظى به القضية الفلسطينية - الإسرائيلية من أهمية؛ لم تتحرك إدارة أوباما تحركًا حقيقيًّا نحو مسار السلام، كما أنه لم يكن ثمة تقدم أمريكي ملحوظ في ردع إيران عن تطوير برنامجها النووي، حسبما يرى الباحث.

ويُذكر أن أوباما رفض التدخل العسكري في البلدان العربية الأخرى المضطربة على غرار الحالة الليبية، فهو -على حد اعتقاد الكاتب- مقتنع تمامًا في قرارة نفسه بأن وضع كل بلد يختلف عن الآخر، وأن لكل أزمة حلا خاصًّا بها.

ويرجّح كليمونز أن تفتقر فترة ولاية أوباما الثانية إلى التماسك والرؤية الاستراتيجية التي تحدَّث عنها عند توليه منصبه. ورغم عدم وضوح نوايا أوباما بشأن التعامل مع القضية الإسرائيلية – الفلسطينية؛ فإن الباحث لا يستبعد أن يسعى الرئيس الأمريكي -حال فوزه في الانتخابات- إلى تشجيع الإسرائيليين والفلسطينيين على الجلوس على طاولة المفاوضات.

ويتوقع أن يتعامل أوباما بحذر مع الصراع السوري وحالة الإخفاق والاضطرابات التي تمر بها اليمن، ومصر، وتونس. كما يُرجِّح أن تعمل الولايات المتحدة في عهد أوباما على زيادة عدد الشركاء الدوليين الحريصين على تهدئة اضطرابات الشرق الأوسط، وأن تقلِّص جهودها المبذولة لكسب القلوب والعقول في المنطقة لحين استعادة الدول المتداعية توازنها.

ويرى الباحثُ أن مقتل السفير الأمريكي "كريستوفر ستيفنز" في ليبيا، وأحداث الشغب التي شهدتها البلدان ذات الأغلبية المسلمة من جرّاء ظهور فيلم مسيء للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)؛ ستجعل أوباما يخطو بعناية شديدة في منطقة الشرق الأوسط. ويتوقع أن تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون مع مصر والأردن ولبنان واليمن وبلدان أخرى في المنطقة لمساعدتهم في تعزيز اقتصاداتهم، ومحاولة توفير فرص عمل من خلال زيادة الاستثمارات.

ومن المرجح أن يهتم أوباما في فترة رئاسته الثانية بالملف الإيراني، نظرًا لأن برنامج طهران النووي يهدد بتقويض مساعي الرئيس الأمريكي الرامية إلى مقاومة انتشار أسلحة الدمار الشامل، على حد قول كليمونز الذي يلفت إلى أن الولايات المتحدة ستحرص في عهد أوباما على توطيد علاقتها مع المملكة العربية السعودية التي تقف ندًّا للجمهورية الإسلامية.

ولا يستبعد الباحثُ أن تتواصل إدارة أوباما مع قادة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حركة الإسلام السياسي المتنامية؛ فمن المرجح أن يحرص الرئيس الأمريكي على توطيد علاقته بالرئيس المصري محمد مرسي لتشجيعه على الانخراط في النظام الدولي.

وأخيرًا، يتوقع الباحث أن يُولي أوباما في فترة ولايته الثانية اهتمامًا أكبر بآسيا باعتبارها محركًا استثنائيًّا للنمو؛ فاقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ تمثّل نحو نصف تجارة العالم ونصف إنتاج العالم من السلع والبضائع والخدمات.

رئاسة رومني والتغير في السياسات الأمريكية

يشير الباحث إلى أن المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية "ميت رومني" ينتمي لحزب يتبنى التحالفات الطويلة، والاستثمارات القوية في الجيش، وتحديد أولويات الأمن القومي. وعلى حد وصف كليمونز، يتخذ رومني موقفًا أكثر تشددًا ضد الأعداء والمنافسين.

ويُذكر أن المرشح الجمهوري تحدث مرارًا وتكرارًا عن أن أمن إسرائيل وتعزيز مصالحها في الشرق الأوسط سيكون بمثابة انطلاقة لاستراتيجيته المتعلقة بالأمن القومي في المنطقة، فضلا عن كشفه عن ميله الشديد نحو تفضيل المصالح الإسرائيلية على تلك العربية. وعلى هذا الأساس، يمكن أن تختلف الاستراتيجية الإقليمية في عهد رومني عن تلك الخاصة بالرؤساء السابقين.

وقد قال المرشح الجمهوري في وقت سابق من هذا العام إنه لا يرى فرصة حقيقية لدفع عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين إلى الأمام، ومن شأن هذا النهج -من وجهة نظر الباحث- أن يغيّر طريقة التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط بشكل غير مسبوق. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن المرشح الجمهوري سيعتبر إيران النووية عدوًّا للمصالح الأمريكية والإسرائيلية، وستكون تلك المسألة محور اهتمامه وفقًا للدراسة.

وعلى الرغم من أن ملامح السياسة الخارجية التي سيشكّلها رومني ما زالت مجهولة إلى حد ما؛ فإن كليمونز يتوقع أن يكون رومني مؤمنًا في قرارة نفسه بأن اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط سينخفض انخفاضًا حادًّا في الوقت الذي تحدث فيه طفرة في الإنتاج الأمريكي. ومن شأن هذا التحول الذي سيجعل من الولايات المتحدة "قوة عظمى محتملة للطاقة العالمية" بدلا من كونها مستوردًا صافيًا للنفط والغاز أن يقلل من شأن المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول المنتجة للنفط، على حد اعتقاد كليمونز.

ويبدو أن رومني سيفضل وضع استراتيجية تحفظ أمن إسرائيل، وتوطّد العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة، كما أن من المحتمل أن يعمل المرشح الجمهوري على بناء قيادة عسكرية واقتصادية لإسرائيل تمكِّنها من مواجهة منافسيها في الشرق الأوسط، فضلا عن إمكانية تخليه عن فكرة إقامة دولة فلسطينية. هذا وقد يتخذ رومني -على حد قول الباحث- موقفًا صارمًا ضد إيران، ويواصل فرض عقوبات قاسية عليها.

ولا يستبعد الباحث أن يحافظ رومني في فترة رئاسته على الاستخدام المكثف للطائرات بدون طيار، والقدرات العسكرية الأخرى التي من شأنها ردع الإرهاب وشبكات تنظيم القاعدة.

تأثير سياسات الإدارة الجديدة على المنطقة

يرى الباحث أن المجتمع الدولي قد يضطر إلى إعادة تقويم التحالفات والعلاقات الأمريكية في عهد رومني، لا سيما أنه يُضخّم من حجم التهديدات مثل تلك التي تشكّلها إيران، ويدافع عن حلفاء مثل إسرائيل. وقد تتحرك مشاعر معادية ضد الولايات المتحدة في عهد أوباما إذا خفّض الالتزامات الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، وصبّ كل تركيزه على النمو الآسيوي.

ومن المرجح أن يثير دعم رومني لإسرائيل عسكريًّا حفيظةَ الدول المجاورة مثل مصر والأردن، الملتزمتيْن بمعاهدة السلام مع إسرائيل، حسبما يرى الباحث الذي يلفت أيضًا إلى أن هذا الدعم من شأنه أن يثير سخط الأحزاب السياسية الإسلامية.

ويعجز كليمونز عن توقُّع رد فعل رومني في هذه الحالة، لا سيما إذا ساهمت الاضطرابات في تجنيد الإرهابيين، وتعزيز أنشطتهم. بيد أنه لا يستبعد أن يدعو المرشح الجمهوري إلى تعزيز الإنفاق على الميزانية الدفاعية الأمريكية، وإلى استخدام القوة لمحاربة الإرهابيين، والدفاع عن مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.

ومن المرجح أيضًا أن تكون الولايات المتحدة أقل انخراطًا في الشرق الأوسط في عهد أوباما. أما في عهد رومني، فستتخذ الولايات المتحدة على الأرجح موقفًا أكثر حزمًا ضد المنطقة، وفقًا لما يراه الباحث.

وقد تضعف الشراكة بين بلدان الشرق الأوسط والولايات المتحدة إذا ما خفّضت اعتمادها على نفط وغاز المنطقة. وفي الوقت نفسه، قد تقرر الصين وروسيا تعزيز دوريهما الإقليميين لتحِلّان محل الولايات المتحدة لدى دول المنطقة. ومن ثم يرى كليمونز أن الشرق الأوسط سيجد إما معاملة ليّنة وتعاونا في عهد أوباما، أو معاملة جافة وعدوانية في عهد رومني.
رد مع اقتباس
  #194  
قديم 29-10-2012, 07:47 PM
الصورة الرمزية aymaan noor
aymaan noor aymaan noor غير متواجد حالياً
المدير التنفيذي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 26,981
معدل تقييم المستوى: 10
aymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond reputeaymaan noor has a reputation beyond repute
افتراضي نظرة داخل البيت السلفي

نظرة داخل البيت السلفي

Oct 28 2012
إسلام محمد عبد البارى
معلوم أن المحن تٌوحد ضد الخطر المشترك أما وقت الرخاء فيظهر فيه الخلاف بين المصالح أو الأيدلوجيات أو الأولويات وحتى على مستوى التيار الواحد أو الأحزاب الكبرى التي تتأسس في ظروف استثنائية عقب الثورات أو الاحتلال تجد الاجتماع بسبب الظرف الاستثنائي ومع مرور الوقت يحدث انفصال بين الأجنحة المختلفة التي سرعان ما تنفك عن أحزاب أصغر كما حدث مع الوفد في أواخر العشرينيات من القرن الماضي حين انفصل عنه حزبا الهيئة السعدية والأحرار الدستوريون.

لذا لا يعد ما يحدث داخل حزب النور من معركة ساخنة بين جبهتين تكاد أن تشطره نصفين مفاجأة حيث يعبر عن تطور طبيعي في الحركة السياسية السلفية وانعكاس لحركة اجتماعية متباينة ولكن ربما يقابله البعض باستغراب نتيجة لوقوعه فريسة لإطار التنميط stereotyping حيث يتحدث من خلاله صورته الذهنية عن السلفيين والتي يغلب عليها التسطيح بغض النظر عن مدى دقة هذه الصورة وارتباطها بالواقع فهم مجرد ألآت لا تفكر وتأتمر فقط بأوامر المشايخ أو هم ناس يمثلون الطهر السياسي لا يمكن أن تصدر منهم مخالفات أو يحدث بينهم شجار سواء كانت هذه النظرة بصدق أو لكي يستغل ذلك في الدعاية المضادة وتصويرهم في صورة أنهم من خدعوا الناس بالدين رغم أن السلفيين ليسوا بدعاً من القوم بل يسري عليهم ما يسري على غيرهم في الحياة السياسية.

يعاني المحللون السياسيون غالباً أثناء البحث في الشأن السلفي نتيجة نقص المعلومات عن التيار السلفي ككل بخلاف نظيرتها جماعة الأخوان المسلمين التي صنفت العديد من المؤلفات عن تاريخها وأدبياتها سواء بأيدي أبنائها أو من يعارضوها وحتى الجماعات الجهادية التي حظيت بقدر لا بأس به من التغطية الإعلامية نتيجة لنشاطها ضد الحكومات السياسية المختلفة.

لذا يقع هؤلاء الخبراء إما في خطأ دراسة الجماعة في قوالب جاهزة خاصة بدراسة الإخوان أو المجموعات الجهادية و بالتالي لا تناسب السلفيين. لن نفهم أبعاد الأزمة قبل النظر لظروف نشأة التيار السلفي في مصر وحركتهم السياسية قبل الثورة .

ترجع نشأة التيار السلفي في مصر إلى عهد بعيد حيث واكب ظهور الحركة الوهابية في الجزيرة حركة سلفية في مصر وظهرت أسماء سلفية كبيرة في هذا الوقت كرشيد رضا ومحب الدين الخطيب بل إن ظروف نشأة الإخوان تدل أنها نشأت كجماعة وسط بين تيار سلفي ممثل في جماعة أنصار السنة وبين الجماعات الصوفية التي كانت تسيطر على جزء كبير من المشهد الديني في مصر وقتها.

هذا التيار السلفي منذ تواجده على الساحة قد نشأ كتيار قام على فكرة تعظيم الدليل ولا يوجد إمام أو قائد تُتبنى أقواله في جميع المسائل إلا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما يعبر عنه في أدبياتهم بالقول المأثور"كل يُؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم " فلا قدسية للأشخاص ولا يوجد من تٌلغي قرارك لقراره مما أوجد مشكلة في مسألة الالتزام الحزبي بخلاف جماعة منظمة مثل الإخوان ينبني أمرهم على مسألة الطاعة والبيعة.

هذه صورة مقبولة جدا في الدين ولكن في السياسة فنجاح أي تيار في السياسة مهما كان صغر حجمه يتوقف على مدى نجاحه في تحقيق هذا الالتزام الحزبي وأن يتحول لكتلة ضاغطة مؤثرة حيث أن تحركه ككيان واحد يجعل الجميع يحسب له حساباً ويستطيع أن يدافع عن مصالحه وفكره.

وكل هذا يتطلب من الفرد طبعاً تعظيم قيمة الجندية والالتزام بالقرار الجماعي على حساب القرار الفردي وبالطبع لا يعني ذلك إلغاء الأفراد ولكن لأن القرار يتم بعد مشاورات وتأن فإن مسؤوليته جماعية ويتم الدفاع عنه بمجرد اتخاذه من قبل جميع أفراد الكتلة حتى الذين عارضوه وهو ما افتقده غالباً التيار السلفي.

فقد اختلف التيار السلفي في توجهاته السياسية بين من يرى الحكام هم ولاة أمر شرعيين تجب طاعتهم ولا يجوز الخروج عليهم ومن يرى عقم المشاركة السياسية من الأساس لأن الأنبياء إنما بٌعثوا ليؤسسوا دعوة لا دولة وأن الجماعات والأحزاب هي سبب تفرق الأمة ومن تبنى العمل الجماعي كسبيل للتمكين ومن يسمى بالسلفية الجهادية بالإضافة لدعاة الفضائيات الذين يشتركون في المنهج ولا ينتمون تنظيمياً لأي فريق مما سبق مما أوجد فرقاً في ديناميكية العمل الجماعي والتنظيم والهيكلة بل حتى المحاولات التي قام بها البعض قديماً لتوحيدهم اصطدمت بعقبتين وهما الضغوط الأمنية ورفض الكثير الانضواء تحت راية عمل جماعي موحد بدعوى عدم الحزبية.

الجزء السلفي الذي تبنى العمل الجماعي أسس ما يسمى المدرسة السلفية في بداية السبعينات التي تحولت فيما بعد لاسم الدعوة السلفية والتي نشأت في الإسكندرية قبل أن تنتشر في باقي أرجاء مصر. الدعوة السلفية رغم تبنيها خيار المقاطعة السياسية إبان فترة النظام السابق لقناعتها بأن ما يحدث إنما هو محض تمثيلية لتجميل وجه النظام وأن سبيل التغيير هو إصلاح المجتمع من قاعدته فاهتموا بالعمل الدعوي والاجتماعي على حساب العمل السياسي واختاروا التوسع الأفقي وسط الجماهير وهو ما ظهر من انتشار متبعي مبادئهم في مختلف الأنحاء

لذا لم يظهر لهم نشاط في الانتخابات قبل الثورة حتى خلط البعض بينهم وبين من يحرمون السياسة ويرون عدم الخروج على الحكام إلا أنهم اعتادوا ممارسة السياسة عن طريق مقالات ومؤتمرات يوضحون فيها وجهة نظرهم في مختلف القضايا كقضية تحكيم الشرع ومؤتمرات السكان وحرب العراق ولبنان وغزة وغيرها.

لذا كانت المعاملة الأمنية للدعوة تتجه نحو التعرض للملاحقة الأمنية المستمرة والتضييق في مجالات العمل الدعوي بعيداً عن الإعلام للتحجيم داخل الإسكندرية ووضع سقف للعمل محدد من قبل جهات الأمن مع بخلاف الأخوان التي كانت مواجهتهم الأمنية موسمية ترتبط بالانتخابات. مع حدوث الثورة اختارت الدعوة عدم المشاركة ككيان في أحداث 25 يناير حماية للثورة من الإبادة إذا ظهرت بصورة دينية مع مشاركة الأفراد بصورة فردية واكتفت بأداء الدور تجيده من خلال حماية الجبهة الداخلية عبر اللجان الشعبية والأسواق.

بعد الثورة انصبت جهود الدعوة في اتجاهين الأول: هو إعادة ترتيب البيت من الداخل حيث تم تشكيل الجماعة بطريقة مؤسسية لها مجلس إدارة ومجلس أمناء وآخر للشورى ووضع لائحة للعمل ونظام لترقي الكوادر مع إشهار ذلك في العلن وتحولت الدعوة لجمعية خيرية مشهرة تحت اسم جمعية الدعاة بعد تعنت وزارة التضامن في إشهارها باسم الدعوة السلفية وكان ذلك الإشهار تحسباً لوجود دولة القانون عما قريب حيث يتم التضييق على أي عمل خارج عن مظلة القانون. الثاني: هو إحداث حالة من التقارب مع السلفيين الآخرين الذين لا ينتمون للدعوة مع الاحتفاظ بالدعوة السلفية كمركز للعمل السلفي دون الاندماج في كيانات أخرى.

على الجانب السياسي ونتيجة لحالة السيولة السياسية عقب الثورة ومع ظهور خطاب علماني قوي داخل وسائل الإعلام وظهور تخوفات على هوية البلد الإسلامية في ظل تصريحات مقلقة للسلفيين عن تغيير المادة الثانية من قبل مسؤولين رسميين مثل د.يحيي الجمل وبلوغ الاستقطاب داخل المجتمع أقصى حالاته لاسيما فترة الاستفتاء على التعديلات الدستورية ظهرت إشكالية هل يتم تشكيل حزب للسلفيين أم يتم الاكتفاء بأن يكون السلفيون لوبي ضاغط داخل المجتمع وحدث نوع من استطلاع الرأي على مختلف المستويات لاتخاذ هذا القرار.

استقر الأمر على تشكيل الحزب بسبب عدم الثقة في قدرة الأخوان على تمثيل وجهة النظر السلفية نظراً للخلافات الفكرية بينهما وأيضاً عدم رغبة السلفيين في اختزال المشروع الإسلامي في فصيل واحد لو تم ضربه انهار المشروع بالكلية أضف إلى ذلك تحولهم إلى عامل ضغط على الأخوان لعدم تقديم تنازلات في قضية الهوية أمام ضغوط العلمانيين مع وضع في الاعتبار أنه مازالت نظرة السلفيين للأمر أن الأصل هي الدعوة وهي طريق التغيير والتمكين وليس السياسة وبالتالي لا يمكن إلغاء الدعوة لصالح الحزب بل الحزب مجرد درع واقٍ لحماية الدعوة وإضفاء صبغة أكثر إسلامية على المجتمع من خلال التشريعات. رغم أن عبء إنشاء الحزب وقع بالكلية على الدعوة وكوادرها إلا أن الفترة الأولى من تشكيل الحزب شهدت صيغة أن حزب النور إنما هو حزب مقرب من الدعوة وليس ذراعاً سياسياً لها حسب تصريحات قياديين مثل المتحدث الرسمي للدعوة وبالتالي ضم الكثير من السلفيين ممن لا ينتمون للدعوة حتى في الهيئة العليا.

ظهر أول صدام بين الطرف المحسوب على الدعوة والطرف المضاد لها داخل الحزب على خلفية التصريحات التي تخرج من الحزب ويتم انتقادها علانية من الدعوة مثل تصريحات د.محمد يسري سلامة حينما كان يشغل منصب المتحدث الرسمي عن أدب نجيب محفوظ وعلى الجانب الآخر تصريحات الدعوة في قضايا تثير جدلاً مثل تغطية التماثيل بالشمع ويرى أفراد الحزب أنهم يتحملوا عبء الدفاع عنها بدون داعٍ وأن الأفضل لمشايخ الدعوة أن يلتزموا الصمت فيها خاصة أن مواقف الدعوة السياسية المعلنة كانت في غالبيتها تنطلق من منطق الفتوى والحلال والحرام وليس من منطق العمل السياسي وما يتطلبه من موائمات ومرونة واختيارات بين تفضيلات متعددة في حين ترى الدعوة أنها لابد لها من الجهر برأيها في كل قضية لأنهم دعاة بالأساس يبينون للناس ما يرونه حقاً وبالتالي غاية ما يمكن حدوثه لعدم حدوث تعارض أن يبين حزب النور الحكم الشرعي كاملاً ثم يبين أن لا يستطيع تطبيقه في الوقت الحالي لمحاذير معينة خصوصاً وأن الجميع متفق على أن التنازل لا يمكن إلا من خلال فتوى شرعية.

عندما خشيت الدعوة من انفلات التوجهات داخل الحزب أرادت ضبط الأمور داخل الحزب وهو ما عده الطرف الآخر محاولة الهيمنة على الحزب وإن كان ذلك عبارة عن تحصيل حاصل حيث أنه رغم آلية القرار منفصلة في الحزب عن الدعوة إلا أن غالبية أعضاء الحزب هم أبناء الدعوة وبالتالي هم المتحكمون في مفاصله لذا تسيطر رؤية الدعوة على الحزب.

الاتهام بمحاولة السيطرة على الحزب تهمة اختص بها الشيخ ياسر برهامي والدائرة المقربة حوله دوناً عن باقي مشايخ الدعوة وهي تهمة قديمة يتهمه بها دائماً خصومه من السلفيين بأنه المسيطر أيضاً على الدعوة وهي تهمة بالأساس راجعة للسمات الشخصية للشيخ وطبيعة دروسه التي دائماً ما تتناول القضايا الفكرية والأشخاص والجماعات المناوئة للفكر السلفي بالنقد مما أكسبه عداوات عديدة على أصعدة مختلفة أضف إلى ذلك قربه من الشباب نتيجة لأنه في الفترة منذ عام 1994 يتحمل معظم العبء الإداري لإدارة أنشطة الدعوة السلفية في مصر كلها بحيث أن جميع المجموعات التي تقوم بالأعمال ترتبط به شخصياً مما أوجد بطانة كبيرة متعصبة له.

لاشك أن العمل في الدعوة يقوم بشكل مؤسسي إلا إن الواقع يؤكد أن شبكة علاقات الشيخ ياسر الممتدة مع العاملين والقوى الأخرى دون عن باقي أعضاء مجلس إدارة الدعوة أدى لوجود تأثير كبير له على معطيات أي قرار يتم اتخاذه في الدعوة مما أكسبه سمعة بأنه الرجل القوي داخل الدعوة ومن يتحكم بالأمور خلف الستار داخل الحزب وهو وصف يفتقد الدقة وبشدة.

نفس هذه التهمة –سيطرة الشيخ ياسر- كانت لها آثار على قضية أخرى سببت مشكلة كبيرة لحزب النور ألا وهي موقف الدعوة والحزب من تأييد المرشح حازم صلاح أبو إسماعيل حيث سيطر هاجس لدى الكثير –ربما روج له أيضا بعض مناصري الشيخ حازم – أن الخلاف شخصي بينه وبين الشيخ ياسر لرفضه الانصياع لسيطرة الشيخ ياسر أثناء أحداث محمد محمود الشهيرة مما فتح أضعف كثيراً موقف الحزب وفقد الكثير من مؤيديه وكان هذا أيضاً سبباً لزيادة الشقاق بين طرفي الأزمة داخل الحزب ولا يعني هذا أن الدعوة لم تكن ترغب في ترشيح الشيخ حازم إلا أن القرار النهائي لم يكن في يد مجلس الإدارة بل ما تسفر عنه نتيجة التصويت في مجلس شورى الدعوة.

هذه الأزمة بالذات أظهرت خطأ ما يتحدث البعض عنه من أن الأزمة بوصفها صراع بين السياسيين و المشايخ داخل الحركة السلفية وهو وصف تعوزه الدقة والعمق في تشخيص طرفي الخلاف وأسبابه وسياقاته حيث كانت خيارات المشايخ سياسية بحتة حيث رأوا أن الشيخ حازم ليس هو الخيار الأنسب سياسياً فيما كانت خيارات الجمهور تميل للمرشح الذي يجيد خطابهم دينياً فقط.

ولأن جمهور حزب النور الذي لا يقتصر على سلفي الإسكندرية فقط يختلف عن جمهور الدعوة السلفية من ناحية ارتباطه بالمشايخ فهم لا يحملون لهم نفس القدر من التبجيل لذا حاز مشايخ الدعوة على قدر عالي من السخط بسبب اعتقاد مؤيدي التيار الإصلاحي أنهم وإن كانوا فقهاء إلا أن تقديراتهم السياسية سيئة وأيد ذلك تحفظ هذا الجمهور على موقف المشايخ السياسي من الثورة منذ البداية.

لعل فقدان الثقة في القيادة هو أسوأ ما يصيب الجماعات تكوينية الاختيار هي التي تكون فيها الرابطة التي تجمع الأفراد بالقادة هي مسألة الثقة بالقيادة ولأن الجماعات الدعوية هي من هذا القبيل حيث تكون الثقة هنا هي في التزام القائد بمبادئه وهذا ما افتقده قطاع كبير من جمهور النور الذي فقد الثقة في قيادته.

رغم أن خيارات المشايخ كانت هي الأوفق سياسياً إلا إن الحزب دفع ثمنها من شعبيته وتجلت أزمة السلفيين في الرئاسة في عدم قدرة القيادة على إقناع الأتباع بالمرشح في ظل حالة من تشتت التيار السلفي في مصر بعد أزمة أبو إسماعيل مما أدى لعزوف الكثيرين عن الانتخابات ورغبة البعض في ترشيح محمد مرسي مرشح الأخوان مقابل د.أبو الفتوح الذي تسانده الدعوة وحزب النور.

بالطبع لا أحد يستطيع أن يعفي الخطاب الإعلامي للحزب والدعوة من المشاركة في تحمل جزء من هذا الخطأ حيث يوجد ما يشبه أن يكون عجزاً متكرراً عن استباق الأزمات فلا تخرج التصريحات إلا بعد حدوث الأزمات فمثلا كان من الممكن تلافي قدر كبير من الشقاق الذي حدث من ظن الكثير أن الحزب والدعوة يأخذان موقفاً معادياً من الشيخ حازم صلاح أو أنهم يؤيدون خيرت الشاطر إذا تم التصريح للجميع منذ البداية بآلية الاختيار وأن كليهما سيخضع لفرص متساوية في التصويت الحر المباشر داخل مجلس الشورى العام للدعوة والحزب.

إذن هناك فريق منذ البداية ضد سيطرة المشايخ أتبع ذلك أزمة ثقة في المشايخ عقب انتخابات الرئاسة من قبل قطاع كبير من الأتباع فهل يتوقع إلا انفجار أزمة كبيرة عند أول بادرة خلاف وهي مسألة الانتخابات الداخلية للحزب التي بدأ الخلاف على موعدها وعلى أن من تم دعوته لحضورها هم أتباع الدعوة فقط رغم أن الدعوة كانت مفتوحة وتم إعادة الانتخابات للمتخلفين ومع ذلك لم يستطع تيار الإصلاح حشد أنصاره أن هذه الأزمة تم تصعيدها بشكل غير متوقع من قبل هذه الجبهة بسبب إحساسهم بضعف حجم مؤيديهم فاختاروا خيار شمشون بهدم المعبد على رؤوس الجميع وليكن شعار المرحلة علي وعلى أعدائي.

الخلاف الإداري حول اللائحة أو هل رئيس الحزب يتعامل بصيغة انفرادية أم لا؟ ما هو إلا ستار لخلاف منهجي بالأساس وإلا فإن الجبهة تعلم يقيناً أن حزب النور بدون الدعوة السلفية لن يعدو أن يكون رقماً على الهامش مثل الأحزاب الصغيرة كالأصالة حتى أن الجبهة التي تزعم أنها تريد الانفصال عن الدعوة حين اختارت من يحكم بينها وبين المؤيدين للدعوة اختارت مجلس أمناء الدعوة كحكم بين الطرفين! الانتخابات ليست قطعاً هي السبب الرئيس فيما حدث من انشقاق ولكنها رأس جبل الجليد الذي تكون عبر شهور في حزب النور وسنوات في التيار السلفي ككل بدلاً من أن تستغل في الدعاية الإيجابية للحزب كأول حزب يقوم بعمل امتحانات تثقيفية لأعضائه كشرط لترقيهم فيما يعد سابقة في الحياة السياسية.

خسائر السلفيين لاشك أنها فادحة من هذه الخلافات مثل عدم قدرة السلفيين على إدراك قيمة أن يتحولوا إلى كتلة مؤثرة ضاغطة ففي الوقت الذي يثني فيه السلفيون على غيرهم أياً كان الغير سواء أخوان أو حتى ألتراس بسبب تجمعهم وعدم تفرقهم تجد الكثير منهم يرفض رفضاً باتاً الانتظام في عمل جماعي منظم وتجد البعض لم يدرك مدى إنخفاض وزن السلفيين وتأثير قدرتهم التفاوضية نتيجة تفرقهم وهو ما يلقي بالظلال على القضية الأخطر وهي هل سيأبه أحد لمطالب السلفيين حول الدستور؟ وهل سيخشون من قدرتهم على حشد الجماهير لمنع أي مواد تغير هوية البلد أو تجمد قضية تحكيم الشريعة على سبيل المثال؟كذلك لا أحد يدري ما أثر ذلك على منافستهم في الانتخابات القادمة عما قريب.

أيضاً مازال حزب النور يعاني من القصور في الأداء الإعلامي حيث لا توجد قنوات اتصال بينه وبين القواعد إلا عن طريق المساجد مما جعل قادته لا يستطيعون حشد أتباعهم حول رؤيتهم وخسارتهم مزيد من الأتباع لمصلحة الأحزاب الإسلامية الجديدة وأصبحت نتيجته المتوقعة رهناً بمدى قدرته على مواجهة ضغوط الفصائل الإسلامية الأكثر تشدداًً وراديكالية على يمين الجسم السلفي الرئيسي وخاصة إذا ما فشلت السلفية السياسية وممثلها الحالي حزب النور في تحقيق نجاحات ملموسة من المنظور السلفي مثل ضمان هوية الدولة في الدستور الجديد.

الفشل في تحقيق ما سبق لن تؤدي فقط إلى زيادة الوزن النسبي للقوى الإسلامية المتشددة على حساب النور ولكنها قد تؤدي أيضا إلى يأس جماهير السلفية من العمل السياسي و انصرافهم عن السياسة والتفرغ للدعوة مرة أخرى في ضوء ما يرونه من ”عدم جاهزية الواقع المصري لحكم الشريعة الإسلامية“ وهو اتجاه قد بدأت بوادره في الظهور مؤخراً عند البعض منهم. لعل في هذه الخلافات دروسًا لأولئك الرموز التي هدمت أو أضعفت كيانها بنفسها لعلها تفيق قبل وقوع كوارث عما قريب.
رد مع اقتباس
  #195  
قديم 29-10-2012, 08:20 PM
darch_99 darch_99 غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 1,824
معدل تقييم المستوى: 17
darch_99 is just really nice
افتراضي شكرا

شكرا لك سيدي الفاضل
مقال واصف جامع للحالة هو كاتب المقال كان قاعد معانا ولا ايه
__________________
#الإشـاعة يؤلفها #الحاقد وينشرها #الأحمق ويصدقها #الغبي حاول أن لا تكون من هؤلاء الثلاثة.
بالفيديو.. توثق أحداث الذكرى الثانية للثورة


رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 05:04 PM.