#136
|
||||
|
||||
|
#137
|
||||
|
||||
|
#138
|
||||
|
||||
مبدإ الجمعة قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال حدثني عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال كنت قائد أبي حين كف بصره فإذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان بها استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة فمكث حينا على ذلك فقلت : إن هذا لعجز ألا أسأله عن هذا فخرجت به كما كنت أخرج فلما سمع الأذان للجمعة استغفر له فقلت : يا أبتاه أرأيت استغفارك لأسعد بن زرارة كلما سمعت الأذان يوم الجمعة ؟ قال أي بني كان أسعد أول من جمع بنا بالمدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له : نقيع الخضمات . قلت فكم كنتم يومئذ ؟ قال أربعون رجلا . قال البيهقي ومحمد بن إسحاق إذا ذكر سماعه من الراوي وكان الراوي ثقة استقام الإسناد وهذا حديث حسن صحيح الإسناد انتهى . قلت : وهذا كان مبدأ الجمعة . ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأقام بقباء في بني عمرو بن عوف كما قاله ابن إسحاق يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجدهم ثم خرج يوم الجمعة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي وكانت أول جمعة صلاها بالمدينة وذلك قبل تأسيس مسجده . قال ابن إسحاق : وكانت أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن - ونعوذ بالله أن نقول على رسول الله ما لم يقل - أنه قام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ثم ليقولن له ربه وليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه ألم يأتك رسولي فبلغك وآتيتك مالا وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئا ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل ومن لم يجد فبكلمة طيبة فإن بها تجزى الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته قال ابن إسحاق : ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فقال إن الحمد لله أحمده وأستعينه نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إن أحسن الحديث كتاب الله قد أفلح من زينه الله في قلبه وأدخله في الإسلام بعد الكفر فاختاره على ما سواه من أحاديث الناس إنه أحسن الحديث وأبلغه أحبوا ما أحب الله أحبوا الله من كل قلوبكم ولا تملوا كلام الله وذكره ولا تقس عنه قلوبكم فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي قد سماه الله خيرته من الأعمال ومصطفاه من العباد والصالح من الحديث ومن كل ما أوتي الناس من الحلال والحرام فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا واتقوه حق تقاته واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم وتحابوا بروح الله بينكم إن الله يغضب أن ينكث عهده والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته |
#139
|
||||
|
||||
هديه صلى الله عليه وسلم في معاملته
كان أحسنَ النَّاسِ مُعاملةً. وكان إذا استلف سلفاً قضى خيراً منه. وكان إذا اسْتَسْلَفَ من رجل سَلَفاً، قضاه إياه، ودعا له، فقال: (بَارَكَ اللَّهُ لَكَ في أَهلِكَ وَمَالِكَ، إنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الحَمْدُ والأداءُ). واستسلف من رجل أربعين صاعاً، فاحتاج الأنصاريُّ، فأتاه، فقال صلى الله عليه وسلم: (مَا جَاءَنَا مِنْ شَيءٍ بَعد) فقال الرجل: وأَرَادَ أن يتكلم، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَقُلْ إلا خَيراً، فَأَنَا خَيرُ مَن تَسَلَّفَ) فأعطاه أربعين فضلاً، وأربعين سُلفة، فأعطاه ثمانين. ذكره البزار. واقترض بعيراً، فجاء صاحبه يتقاضاه، فأغلظ للنبي صلى الله عليه وسلم، فهمَ به أصحابُه، فقال: (دَعُوهُ فَإنَّ لِصَاحِبِ الحَق مَقَالاً) واشترى مرة شيئاً وليس عنده ثمنُه فأُرْبِحَ فيه، فباعه، وتصدَّق بالربح على أرامل بني عبد المطلب، وقال: (لاَ أَشْتَرِي بَعْدَ هَذَا شيْئاً إلاَّ وَعِنْدِي ثمنُه) ذكره أبو داود، وهذا لا يُناقض الشراء في الذمة إلى أجل، فهذا شيء، وهذا شيء. وتقاضاه غريم له ديناً، فأغلظ عليه، فهمَّ به عمرُ بن الخطاب فقال: (مَهْ يَا عُمَرُ كُنْتُ أَحْوَجَ إَلى أَنْ تَأْمرني بِالْوَفَاءِ. وَكَانَ أَحْوَج إلَى أَنْ تَأْمُرَهُ بِالصَّبْرِ)، وباعه يهودي بيعاً إلى أجل، فجاءه قبل الأجل يتقاضاه ثمنَه، فقال: لم يَحِلَّ الأجلُ، فقال اليهوديُّ: إنكم لَمطْل يَا بنَي عبدِ المطلب، فهمَّ به أصحابُه، فنهاهم، فلم يَزِدْه ذلك إلا حِلماً، فقال اليهودي: كُلُّ شيء منه قد عرفته من علامات النبوة، وبقيت واحدةٌ، وهي أنه لا تزيدُه شدةُ الجهل عليه إلا حلماً، فأردتُ أن أعْرِفَها، فأسلم اليهودي. |
#140
|
||||
|
||||
هديه صلى الله عليه وسلم في قص الشارب
قال أبو عمر بن عبد البر: روى الحسن بن صالح، عن سِماك، عن عِكرمة، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يقصُّ شاربه، ويذكر أن إبراهيمَ كان يَقصّ شارِبَه، ووقفه طائفة على ابن عباس وروى الترمذي من حديث زيد بن أرقم قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ، فَلَيْسَ مِنَّا) وقال: حديث صحيح، وفي (صحيح مسلم) عن أبي هريرة قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (قُصُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا المَجُوسَ) وفي (الصحيحين) عن ابنِ عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (خَالِفُوا المُشْرِكِينَ، ووفِّرُوا اللِّحى، وأَحفوا الشواربَ) وفي (صحيح مسلم) عن أنس قال: وَقَّتَ لَنَا النَّبيُ صلى الله عليه وسلم في قص الشوارب وَتَقْلِيمِ الأَظْفَار، أَلاَّ نَتْرُكَ أَكْثَر مِنْ أَرْبعِين يَوْماً وَلَيْلةً. واختلف السلفُ في قصِّ الشارب وحلقِه أيهما أفضل؟ فقال مالك في (موطئه): يُؤخذ من الشارب حتى تجدوَ أطرافُ الشفة وهو الإِطار، ولا يجزُّه فَيُمَثِّلَ بنفسه. وذكر ابن عبد الحكم عن مالك قال: يُحفي الشارب، ويُعفي اللِّحى، وليس إحفاءُ الشارب حلقَه، وأرى أن يُؤدَّبَ من حلق شاربه، وقال ابن القاسم عنه: إحفاءُ الشارب وحلقه عندي مُثلَةٌ، قال مالك: وتفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم في إحفاء الشارب، إنما هو الإِطار، وكان يكره أن يُؤخذ من أعلاه، وقال: أشهد في حلق الشارب أنه بدعة، وأرى أن يُوجَعَ ضرباَ مَنْ فعله، قال مالك: وكان عمر بن الخطاب إذا كَرَبَهُ أمر، نفخ، فجعل رجله بردائه وهو يفتل شاربه. وقال عمر بن عبد العزيز: السنة في الشارب الإِطار. وقال الطحاوي: ولم أجد عن الشافعي شيئاً منصوصاً في هذا، وأصحابهُ الَّذينَ رأينا المزنيُّ والربيعُ كانا يُحفيان شواربهما، ويدل ذلك على أنهما أخذاه عن الشافعي رحمه اللّه، قال: وأمّا أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد، فكان مذهبُهم في شعر الرأس والشوارب أن الإِحفاءَ أفضلُ من التقصير، وذكر ابن خُويز منداد المالكي عن الشافعي أن مذهبه في حلق الشارب كمذهب أبي حنيفة، وهذا قول أبي عمر. وأمّا الإِمام أحمد، فقال الأثرم: رأيتُ الإِمام أحمد بن حنبل يُحفي شاربه شديداً، وسمعته يُسأل عن السنة في إحفاء الشارب؟ فقال: يُحفي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (أحْفُوا الشَّوَارِبَ) وقال حنبل: قيل لأبي عبد اللّه: ترى الرجُلَ يأخذ شاربه، أو يُحفيه؟ أم كيف يأخذه؟ قال: إن أحفاه، فلا بأس، وإن أخذه قصاً فلا بأس. وقال أبو محمد بن قدامة المقدسي في (المغني): وهو مخير بين أن يُحفيه، وبين أن يقصه من غير إحفاء. قال الطحاوي: وروى المغيرةُ بن شعبة أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أخذ من شاربه على سِوَاك وهذا لا يكون معه إحفاء. واحتج من لم يرَ إحفاءه بحديثي عائشة وأبي هريرة المرفوعين (عشر من الفطرة) ... فذكر منها قَصَّ الشَّارِبِ وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه: (الفِطْرَة خَمْسٌ) وذكر منها قص الشارب. واحتج المحفون بأحاديث الأمر بالإحفاء، وهي صحيحة، وبحديث ابن عباس أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يَجُزُّ شَارِبَهُ، قال الطحاوي: وهذا الأغلب فيه الإِحفاء، وهو يحتمل الوجهين. وروى العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة يرفعه (جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى) قال وهذا يحتمل الإِحفاء أيضاً، وذكر بإسناده عن أبي سعيد، وأبي أُسَيْد، ورافع بن خديج، وسهل بن سعد، وعبد اللّه بن عمر، وجابر، وأبي هريرة أنهم كانوا يُحفون شواربهم. وقال إبراهيم بن محمد بن حاطب: رأيت ابن عمر يُحفي شاربه كأنه يَنْتِفُه وقال بعضهم: حتى يُرى بياضُ الجلد. قال الطحاوي: ولما كان التقصير مسنوناً عند الجميع، كان الحلق فيه أفضلَ قياساً على الرأس، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين واحدة، فجعل حلق الرأس أفضلَ مِن تقصيره، فكذلك الشارب.
|
#141
|
||||
|
||||
هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة كان صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال: (اللَّهُ أَكْبَرُ) ولم يقل شيئاً قبلها ولا تلفَّظ بالنية البتة، ولا قال: أصلي للَّهِ صلاة كذا مُستقبِلَ القبلة أربعَ ركعات إماماً أو مأموماً، ولا قال: أداءً ولا قضاءً، ولا فرض الوقت، وهذه عشرُ بدع لم يَنْقُلْ عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مسند ولا مرسل لفظةً واحدةً منها البتة، بل ولا عن أحد من أصحابه، ولا استحسنه أحدٌ من التابعين، ولا الأئمةُ الأربعة، وإنما غَرَّ بعضَ المتأخرين قولُ الشافعي رضي اللّه عنه في الصلاة: إنها ليست كالصيام، ولا يدخل فيها أحد إلا بذكر، فظن أن الذكر تلفُّظُ المصلي بالنية، وإنما أراد الشافعي رحمه اللّه بالذكر: تكبيرةَ الإِحرام ليس إلا، وكيف يستحِبُّ الشافعيُّ أمراً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة واحدة، ولا أحدٌ مِن خلفائه وأصحابِه، وهذا هديُهم وسيرتُهم، فإن أَوْجَدَنَا أحدٌ حرفاً واحداً عنهم في ذلك، قبلناه، وقابلناه بالتسليم والقبول، ولا هديَ أكملُ من هديهم، ولا سنةَ إلا ما تلقَّوه عن صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم. وكان دأبُه في إحرامه لفظةَ: (اللَّهُ أَكْبَرُ) لا غيرَها، ولم ينقل أحدٌ عنه سواها. وكان يرفع يديه معها ممدودةَ الأصابع، مستقبلاً بها القبلةَ إلى فروع أُذنيه، ورُوي إلى منكبيه، فأبو حميد السَّاعديُّ وَمَنْ معه قالوا: حتى يُحاذيَ بهما المَنكِبيْنِ، وكذلك قال ابن عمر. وقال وائل بن حُجر: إلى حِيال أُذنيه. وقال البراء: قريباً من أُذنيه. وقيل: هو من العمل المخيَّر فيه، وقيل: كان أعلاها إلى فروع أُذنيه، وكفَّاه إلى منكبيه، فلا يكون اختلافاً، ولم يختلف عنه في محل هذا الرفع، ثم يضعُ اليُمنى على ظهرِ اليُسرى. وكان يستفتح تارة بـ (اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالمَاءِ وَالثَّلْج وَالبَرَدِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ). وتارة يقول: (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً مُسلِماً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَماتِي للَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَبِذلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ، لاَ إلهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاغتَرَفتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِر لِي ذُنُوبِي جَمِيعَهَا، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، وَاهدِنِي لأَحْسَنِ الأَخلاَق لاَ يَهْدِي لأِحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّىءَ الأَخْلاَقِ، لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَها إِلاَّ أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلٌ بِيَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ)، ولكن المحفوظ أن هذا الاستفتاح إنما كان يقوله في قيام الليل. وتارة يقول: (اللَّهُمَّ رَبَّ جبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السماوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِني لِمَا اخْتُلِفَ فِيه مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صرَاطٍ مُسْتَقِيم). وتارة يقول: (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمَنْ فِيهِنَّ ...) الحديث. وسيأتي في بعض طرقه الصحيحة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه كبر، ثم قال ذلك. وتارة يقول: (اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ للَّهِ كَثِيراً، الْحَمْدُ للَّهِ كَثِيراً، الْحَمْدُ للَّهِ كَثِيراً، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، سُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، سُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ). وتارة يقول: (اللَّهُ أَكْبَرُ عَشْرَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يُسَبِّحُ عَشْرَ مرَاتٍ، ثُمَّ يَحْمَدُ عَشْراً، ثُمَّ يُهَلِّلُ عَشْرَاً، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ عَشْراً، ثُمَّ يَقول: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاهْدِني وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي عَشْرَاً)، ثُمَّ يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ ضِيقِ المُقَامِ يَوْمَ القِيَامَةِ عَشْرَاً) فكل هذه الأنواع صحت عنه صلى الله عليه وسلم. وروي عنه أنه كان يستفتح بـ (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وتَعَالَى جَدُّكَ، وَلاَ إِلهِ غَيْرُكَ) ذكر ذلك أهلُ السنن من حديث علي بن علي الرفاعي، عن أبي المتوكل النَّاجي، عن أبي سعيد على أنه ربما أرسل، وقد رُوي مثله من حديث عائشة رضي اللّه عنها، والأحاديث التي قبله أثبتُ منه، ولكن صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يستفتح به في مقام النبي صلى الله عليه وسلم ويجهر به، ويعلِّمه الناس وقال الإِمام أحمد: أمّا أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر، ولو أن رجلاً استفتح ببعض ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاستفتاح كان حسناً. وإنما اختار الإمام أحمد هذا لعشرة أوجه قد ذكرتُها في مواضع أخرى. منها جهرُ عمر به يعلًّمه الصحابة. ومنها اشتمالُه على أفضل الكلام بعد القرآَن، فإن أفضل الكلام بعد القرآَن سبحان اللَّهِ، والحمد للّه، ولا إِله إِلا اللّه واللّه أكبر، وقد تضمنها هذا الاستفتاحُ مع تكبيرة الإِحرام. ومنها أنه استفتاح أخلصُ للثناء على اللّه، وغيره متضمن للدعاء، ولهذا كانت سورة الإِخلاص تَعدِلُ ثلث القرآن، لأنها أخلصت لوصف الرحمن تبارك وتعالى، والثناء عليه ، ولهذا كان (سبحان اللّه، والحمد للَّه ، ولا إِله إِلا اللّه ، واللّه أكبر) أفضل الكلام بعد القرآن ، فيلزم أن ما تضمنها من الاستفتاحات أفضل من غيره من الاستفتاحات. ومنها أن غيرَه من الاستفتاحات عامتُها إنما هي في قيام الليل في النافلة، وهذا كان عمرُ يفعله ، ويعلِّمه الناس في الفرض. ومنها أن هذا الاستفتاح إنشاء للثناء على الرّب تعالى، متضمن للإِخبار عن صفات كماله ، ونعوت جلاله ، والاستفتاح بـ (وجهت وجهي) إخبار عن عبودية العبد، وبينهما من الفرق ما بينهما. ومنها أن من اختار الاستفتاح بـ (وجهت وجهي) لا يكمله ، وإنما يأخذ بقطعة من الحديث ، ويذَرُ باقيه ، بخلاف الاستفتاح بـ (سبحانك اللهم وبحمدك) فإن من ذهب إليه يقوله كله إلى آخره. وكان يقول بعد ذلك: (أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم) ثم يقرأ الفاتحة، يجهر بـ (بسم اللّه الرَّحمن الرَّحيم) تارة، ويخفيها أكثر مما يجهر بها. ولا ريب أنه لم يكن يجهر بها دائماً في كل يوم وليلة خمس مرات أبداً، حضراً وسفراً، ويخفي ذلك على خلفائه الرَّاشدين ، وعلى جُمهور أصحابه ، وأهل بلده في الأعصار الفاضلة، هذا مِن أمحل المحال حتى يحتاج إلى التشبُّث فيه بألفاظ مجملة، وأحاديث واهية، فصحيح تلك الأحاديث غيرُ صريح ، وصريحُها غير صحيح ، وهذا موضع يستدعي مجلَّداً ضخما. وكانت قراءته مداً، يقِف عند كل آية، ويمدُّ بها صوته. فإذا فرغ من قراءة الفاتحة، قال: (آمين)، فإن كان يجهر بالقراءة رفع بها صوته وقالها من خلفه. وكان له سكتتانِ، سكتة بين التكبير والقراءة، وعنها سأله أبو هريرة، واختلف في الثانية، فروي أنها بعد الفاتحة. وقيل: إنها بعد القراءة وقبل الركوع. وقيل: هي سكتتان غير الأولى، فتكون ثلاثاً، والظاهر إنما هي اثنتان فقط، وأمّا الثالثة، فلطيفة جداً لأجل ترادِّ النَّفَس، ولم يكن يَصِل القراءة بالركوع، بخلاف السكتة الأولى، فإنه كان يجعلها بقدر الاستفتاح، والثانية قد قيل: إنها لأجل قراءة المأموم، فعلى هذا: ينبغي تطويلها بقدر قراءة الفاتحة، وأمّا الثالثة، فللراحة والنفس فقط، وهي سكتة لطيفة، فمن لم يذكرها، فلقصرها، ومن اعتبرها، جَعَلها سكتةً ثالثة، فلا اختلاف بين الروايتين، وهذا أظهر ما يقال في هذا الحديث وقد صح حديث السكتتين، من رواية سمرة، وأبي بن كعب، وعمران بن حصين، ذكر ذلك أبو حاتم في (صحيحه) وسمرة هو ابن جندب، وقد تبين بذلك أن أحد من روى حديث السكتتين سمرة بن جندب وقد قال: حفظتُ من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سكتتين: سكتةً إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} [الفاتحة: 7]. وفي بعض طرق الحديث: فإذا فرغ من القراءة، سكت وهذا كالمجمل، واللفظ الأول مفسِّر مبين، ولهذا قال أبو سَلمة بن عبد الرحمَن: للإمام سكتتان، فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكِتاب إذا افتتح الصلاة، وإذا قال: {ولا الضالين} [الفاتحة: 7] على أن تعيين محل السكتتين، إنما هو من تفسير قتادة، فإنه روى الحديث عن الحسن، عن سمرة قال: سكتتان حفظتهما عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في، فأنكر ذلك عمران، فقال: حفظناها سكتة، فكتبنا إلى أبيِّ بن كعب بالمدينة، فكتب أُبي أن قد حفظ سمرة، قال سعيد؟ فقلنا لقتادة: ما هاتان السكتتان قال: إذا دخل في الصلاة، وإذا فرغ من القراءة، ثم قال بعد ذلك: وإذا قال: ولا الضالين قال: وكان يعجبه إذا فرغ من القراءة أن يسكت حتى يترادَّ إليه نَفَسُه ومن يحتج بالحسن عن سمرة يحتج بهذا. فإذا فرغ من الفاتحة، أخذ في سورة غيرِها، وَيُخَفِّفُهَا لعارض مِن سفر أو غيره، ويتوسط فيها غالباً.
|
#142
|
||||
|
||||
قراءته صلى الله عليه وسلم في الصلاة
وكان يقرأ في الفجر بنحو ستين آية إلى مائة آية، وصلاها بسورة (ق)، وصلاها بـ (الروم) وصلاها بـ (إذَا الشَّمسُ كُوِّرَت) وصلاها بـ (إِذَا زُلْزِلَتْ) في الركعتين كليهما، وصلاها بـ (المعوِّذَتَيْنِ) وكان في السفر وصلاها، فافتتح بـ (سورة المؤْمِنِين) حتى إذا بلغ ذكر موسى وهارون في الركعة الأولى، أخذته سَعْلَةٌ فركع. وكان يُصليها يومَ الجمعة بـ (ألم تنزيلا السَّجدة) وسورة (هل أتى على الإِنسان ) كاملتين، ولم يفعل ما يفعلُه كثيرٌ منِ النَّاس اليوم من قراءة بعض هذه وبعض هذه في الركعتين، وقراءة السجدة وحدَها في الركعتين، وهو خلاف السنة. وأما ما يظنه كثيرٌ مِن الجهال أن صبحَ يوم الجمعة فُضِّلَ بسجدة، فجهل عظيم، ولهذا كره بعضُ الأئمة قراءةَ سورة السجدة لأجل هذا الظن، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين لما اشتملتا عليه من ذكر المبدإِ والمعاد، وخلقِ آدم، ودخولِ الجنَّة والنَّار، وذلك ممّا كان ويكونُ في يومِ الجمعة، فكان يقرأ في فجرها ما كان ويكون في ذلك اليوم، تذكيراً للأمة بحوادث هذا اليوم، كما كان يقرأ في المجامع العظام كالأعياد والجمعة بسورة (ق) و (واقتربت) و (سبِّح) و (الغاشية). فصل وأما الظهر، فكان يُطيل قراءتَها أحياناً، حتى قال أبو سعيد: (كانت صلاةُ الظهر تُقام، فيذهب الذاهب إلى البقيع، فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله، فيتوضأ، ويدرك النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى ممّا يطيلُها) رواه مسلم. وكان يقرأ فيها تارة بقدر (ألم تنزيل) وتارة بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (الليل إذا يغشى) وتارة بـ (السماء ذات البروج) و (السماء والطارق). وأما العصر، فعلى النصف مِن قراءة صلاة الظهر إذا طالت، وبقدرها إذا قصُرت. وأما المغرب، فكان هديُه فيها خلافَ عمل الناس اليوم، فإنه صلاها مرة بـ(الأعراف) فرَّقها في الركعتين، ومرة بـ (الطور) ومرة بـ (المرسلات). قال أبو عمر بن عبد البر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في المغرب بـ (المص) وأنه قرأ فيها بـ (الصافات) وأنه قرأ فيها بـ (حم الدخان) وأنه قرأ فيها بـ(سبح اسم ربك الأعلى) وأنه قرأ فيها بـ (التين والزيتون) وأنه قرأ فيها بـ (المعوِّذتين) وأنه قرأ فيها بـ (المرسلات) وأنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل قال: وهي كلها آثار صحاح مشهورة. انتهى. وأما المداومة فيها على قراءة قِصار المفصل دائماً، فهو فعلُ مروان بن الحكم، ولهذا أنكر عليه زيدُ بن ثابت، وقال: مَالَكَ تقرأ في المغرب بقصار المفصَّل؟! وقد رأيتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بطولى الطُوليين. قال: قلت: وما طُولى الطوليين؟ قال: (الأعراف) وهذا حديث صحيح رواه أهل السنن. وذكر النَّسائي عن عائشة رضي اللّه عنها أن النبي قرأ في المغرب بسورة (الأعراف) فرقها في الركعتين. فالمحافظة فيها على الآية القصيرة، والسورةِ من قِصار المفُصَّل خلافُ السنة، وهو فعل مروان بن الحكم. وأما العشاء الآخرة، فقرأ فيها صلى الله عليه وسلم بـ (التين والزيتون) ووقَّت لمعاذ فيها بـ (الشمس وضحاها) و (سبِّح اسم ربك الأعلى) و (الليل إذا يغشى) ونحوها، وأنكر عليه قراءتَه فيها بـ (البقرة) بعدما صلَّى معه، ثم ذهب إلى بني عمرو بن عوف، فأعادها لهم بعدما مضى من الليل ما شاء اللّه، وقرأ بهم بـ (البقرة) ولهذا قال له: (أفتان أنت يا معاذ) فتعلق النَّقَّارون بهذه الكلمة، ولم يلتفِتوا إلى ما قبلها ولا ما بعدها. وأما الجمعةُ، فكان يقرأ فيها بسورتي (الجمعة) و (المنافقين ) كَامِلَتَينِ و (سورة سبِّح) و (الغاشية). وأما الاقتصار على قراءة أواخر السورتين من (يا أيها الذين آمنوا) إلى آخرها، فلم يفعله قطُّ، وهو مخالف لهديه الذي كان يُحافظ عليه. وأما قراءته في الأعياد، فتارة كان يقرأ سورتي (ق) و (اقتربت) كاملتين، وتارة سورتي (سبِّح) و (الغاشية) وهذا هو الهدي الذي استمر صلى الله عليه وسلم إلى أن لقي اللَّهَ عز وجل، لم ينسخه شيء. ولهذا أخذ به خلفاؤه الراشدون من بعده، فقرأ أبو بكر رضي الله عنه في الفجر بسورة (البقرة) حتى سلَّم منها قريباً من طلوع الشمس، فقالوا: يا خليفَة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ كادت الشمسُ تطلعُ، فقال: لو طلَعت لم تجدنا غافلين. وكان عمر رضي اللّه عنه يقرأ فيها بـ (يوسف) و (النحل) و بـ (هود) و (بني إسرائيل) ونحوها من السور، ولو كان تطويلُه صلى الله عليه وسلم منسوخاً لم يخفَ على خلفائه الراشدين، وَيَطَّلعْ عليه النَّقَّارون. وأما الحديث الذي رواه مسلم في (صحيحه) عن جابر بن سَمُرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر {ق والقرآنِ المجيد} [ق: 1] وكانت صلاته بعد تخفيفاً فالمراد بقوله (بعدُ) أي: بعد الفجر، أي: إنه كان يطيل قراءة الفجر أكثر من غيرها، وصلاته بعدها تخفيفاً. ويدل على ذلك قولُ أم الفضل وقد سمعت ابن عباس يقرأ و (المرسلات عرفاً) فقالت: يا بني لقد ذَكَّرْتَنِي بقراءة هذه السورة، إنها لآخِرُ ما سمعتُ من رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب فهذا في آخر الأمر. وأيضاً فإن قوله: وكانت صلاته(بعدُ) غايةٌ قد حذف ما هي مضافة إليه، فلا يجوز إضمارُ ما لا يدل عليه السياقُ، وترك إضمار ما يقتضيه السياقُ، والسياقُ إنما يقتضي أن صلاته بعد الفجر كانت تخفيفاً، ولا يقتضي أن صلاتَه كلَّها بعد ذلك اليوم كانت تخفيفاً، هذا ما لا يدل عليه اللفظ، ولو كان هو المرادَ، لم يخف على خلفائه الراشدين، فيتمسكون بالمنسوخ، ويدعون الناسخ. وأمّا قولُه صلى الله عليه وسلم: (أَيُّكُم أَمَّ النَّاسَ، فَلْيُخَفِّفْ) وقول أنس رضي اللّه عنه: كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أخَفَّ النَّاسِ صَلاَةً في تَمامٍ فالتخفيف أمر نسبي يَرْجِحُ إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وواظب عليه، لا إلى شهوة المأمومين، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمرهم بأمر، ثم يُخالفه، وقد عَلمَ أن من ورائه الكبيرَ والضعيفَ وذَا الحاجة، فالذي فعله هو التخفيفُ الذي أمرَ به، فإَنه كان يُمكن أن تكون صلاتُه أطولَ منِ ذلك بأضعاف مضاعفة، فهي خفيفةٌ بالنسبة إلى أطول منها، وهديُه الذي كان واظب عليه هو الحاكمُ على كل ما تنازع فيه المتنازعون، ويدل عليه ما رواه النسائي وغيره عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: كان رسولُ اللّه يأمرنا بالتخفيف ويؤمُّنا بـ (الصافات) فالقراءة بـ (الصافات) من التخفيف الذي كان يأمر به، واللّه أعلم. فصل وكان صلى الله عليه وسلم لا يعين سورة في الصلاة بعينها لا يقرأ إلا بها إلا في الجمعة والعيدين، وأمّا في سائر الصلوات، فقد ذكر أبو داود من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه أنه قال: مَا منَ المفصَّلِ سورةٌ صغيرةٌ ولا كبيرةٌ إلا وقد سمِعتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم يَؤمُّ الناسَ بها في اَلصَّلاةِ المَكْتُوبةِ. وكان من هديه قراءةَ السورة كاملة، وربما قرأها في الركعتين، وربما قرأ أول السورة. وأما قراءة أواخر السور وأوساطِها، فلم يُحفظ عنه. وأما قراءةُ السورتين في ركعة، فكان يفعله في النافلة، وأما في الفرض، فلم يُحفظ عنه. وأما حديثُ ابن مسعود رضي اللّه عنه: إني لأعرف النظائِرَ التي كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يقرُن بينهن السورتين في الركعة (الرحمن) و (النجم) في ركعة و (اقتربت) و (الحاقة) في ركعة و (الطور) و (الذاريات) في ركعة و (إذا وقعت) و (ن) في ركعة الحديث فهذا حكاية فعل لم يُعين محلَّه هل كان في الفرض أو في النفل؟ وهو محتمِل. وأما قراءةُ سورة واحدة في ركعتين معاً، فقلما كان يفعله. وقد ذكر أبو داود عن رجل من جُهينة أنه سمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح (إذا زلزلت) في الركعتين كلتيهما، قال: فلا أدري أنسيَ رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم، أم قرأ ذلك عمداً. فصل وكان صلى الله عليه وسلم يُطيلُ الركعة الأولى على الثانية مِن صلاة الصُّبح ومِن كل صلاة، وربما كان يُطيلها حتى لا يسمَعَ وقْعَ قدمٍ، وكان يُطيل صلاة الصبح أكثرَ مِن سائر الصلوات، وهذا لأن قرآن الفجر مشهود، يشهده اللَّهُ تعالى وملائكتُه، وقيل: يشهدُه ملائكةُ الليلِ والنهارِ، والقولان مبنيان على أن النزولَ الإِلهي هل يدومُ إلى انقضاء صلاة الصبح، أو إلى طلوع الفجر؟ وقد ورد فيه هذا وهذا. وأيضاً فإنها لما نقص عددُ ركعاتها، جُعِلَ تطويلُها عوضاً عما نقصته من العدد. وأيضاً فإنها تكون عقيبَ النوم، والناس مستريحون. وأيضاً فإنهم لم يأخذوا بَعْدُ في استقبال المعاش، وأسباب الدنيا. وأيضاً فإنها تكون في وقت تواطأ فيه السمعُ واللِّسان والقلبُ لفراغه وعدمِ تمكن الاشتغال فيه، فَيفهمُ القُرآنَ ويتدبره. وأيضاً فإنها أساس العمل وأولُه، فأُعطيت فضلاً من الاهتمام بها وتطويلها، وهذه أسرار إنما يعرفها من له التفات إلى أسرار الشريعة ومقاصدها وَحِكَمِهَا، واللّه المستعان. فصل وكان صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من القراءة، سكت بقدر ما يترادُّ إليه نفسُه، ثم رفع يديه كما تقدَّم، وكبَّر راكعاً، ووضع كفَّيه على رُكبتيه كالقابض عليهما، ووتَر يديه، فنحاهما عن جنبيه، وبسط ظهره ومدَّه، واعتدل، ولم يَنْصِبْ رأسه، ولم يَخفِضْه، بل يجعلُه حيالَ ظهره معادِلاً له. وكان يقول: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ)وتارة يقول مع ذلك، أو مقتصِراً عليه: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي) وكان ركوعُه المعتادُ مقدارَ عشرِ تسبيحات، وسجودُه كذلك. وأما حديث البراء بن عازب رضي اللّه عنه: رَمَقْتُ الصلاةَ خَلْفَ النبي صلى الله عليه وسلم، فكان قيامُه فركوعُه فاعتدالُه فسجدتُه، فجلستُه ما بين السجدتين قريباً من السواء. فهذا قد فَهِمَ منه بعضُهم أنه كان يركع بقدر قيامه، ويسجُد بقدره، ويعتدِل كذلك. وفي هذا الفهم شيء، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح بالمائة آية أو نحوها، وقد تقدم أنه قرأ في المغرب بـ (الأعراف) و (الطور) و (المرسلات) ومعلوم أن ركوعه وسجوده لم يكن قدر هذه القراءة، ويدل عليه حديثُ أنس الذي رواه أهل السنن أنه قال: ما صليتُ وراءَ أحد بعدَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أشبهَ صلاة برسول اللّه صلى الله عليه وسلم. إلا هذا الفتى يعني عمرَ بن عبد العزيز، قال: فحزرْنَا في ركوعه عشرَ تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات هذا مع قول أنس أنه كان يؤمهم بـ (الصافات) فمرادُ البراء - واللّه أعلم - أن صلاته صلى الله عليه وسلم كانت معتدِلة، فكان إذا أطال القيام، أطال الركوع والسجود، وإذا خفف القيام، خفف الركوعَ والسجود، وتارة يجعلُ الركوع والسجود بقدر القيام، ولكن كان يفعَلُ ذلك أحياناً في صلاة الليل وحدها، وفعله أيضاً قريباً من ذلك في صلاة الكسوف، وهديه الغالبُ صلى الله عليه وسلم تعديلُ الصلاة وتناسبها. وكان يقول أيضاً في ركوعه (سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلاَئِكَةِ والرُّوح). وتارة يقول: (اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِك آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِى وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي). وهذا إنما حُفظ عنه في قيام الليل. ثم كان يرفع رأسه بعد ذلك قائلاً: (سَمعَ اللَّهُ لِمنْ حَمِدَه) وَيَرْفَع يديه كما تقدم، وروى رفعَ اليدين عنه في هذه المواطن الثلاثة نحوٌ من ثلاثين نفساً، واتفق على روايتها العشرةُ، ولم يثبت عنه خِلافُ ذلك البتة، بل كان ذلك هديَه دائماً إلى أن فارق الدنيا، ولم يصح عنه حديثُ البراء: ثم لا يعود بل هي من زيادة يزيد بن زياد. فليس تركُ ابنِ مسعود الرفعَ ممّا يُقدَّم على هديه المعلوم، فقد تُركَ من فعل ابن مسعود في الصلاة أشياء ليس مُعَارِضُها مقارباً ولا مدانياً للرفع، فقد ترك مِنْ فعله التطبيق والافتراش في السجود، ووقوفه إماماً بين الاثنين في وسطهما دون التقدُّم عليهما، وصلاته الفرض في البيت بأصحابه بغير أذان ولا إقامة لأجل تأخير الأمراء، وأين الأحاديثُ في خلاف ذلك من الأحاديث التي في الرفع كثرةً وصحة وصراحةً وعملاً، وباللّه التوفيق. وكان دائماً يُقيم صُلبه إذا رفع من الركوع، وبينَ السجدتين، ويقول (لاَ تُجْزِىء صلاةٌ لاَ يُقِيمُ فِيهَا الرَّجُلُ صُلْبَهُ في الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) ذكره ابن خزيمة في (صحيحه). وكان إذا استوى قائماً، قال: (رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) وربما قال: (رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ)وربما قال: (اللَّهُمَّ رَبَّنَا لك الْحَمْد)صح ذلك عنه. وأما الجمع بين (اللَّهُمَّ) و (الواو) فلم يصح. وكان من هديه إطالةُ هذا الركن بقدر الركوعِ والسجود، فصح عنه أنه كان يقول: (سَمعَ اللَّهُ لِمن حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الأَرْض، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُنَا لَكَ عَبْدٌ لاَ مَانعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ). وصح عنه أنه كان يقول فيه: (اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِد بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ). وصح عنه أنه كرر فيه قوله: (لِرَبِّيَ الْحَمْدُ، لِرَبِّيَ الْحَمْدُ) حتى كان بقدر الركوع. وصحَّ عنه أنه كان إذا رفع رأسه من الركوع يمكُث حتى يقول القائل: قد نسِيَ من إطَالَتِه لهذا الرُّكن. وذكر مسلم عن أنس رضيَ اللَّهُ عنه: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قال سَمعَ اللَّهُ لِمنْ حَمِدَه، قام حتى نقول: قَدْ أَوهَمَ، ُثمَّ يسجُدُ، ثم يَقْعُدُ بين السجدتين حتى نقولَ: قد أوهم. وصح عنه في صلاة الكُسوف أنه أطال هذا الركنَ بعد الركوع حتى كان قريباً من ركوعه، وكان ركوعُه قريباً من قيامه. فهدا هديُه المعلوم الذي لا مُعارِض له بوجه. وأما حديثُ البراء بن عازب: كان ركوعُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وسجودُه وبينَ السجدتين، وإذا رَفَعَ رأسه من الركوع - ما خلا القيامَ والقعُودَ - قريباً مِنَ السواء. رواه البخاري فقد تشبَّث به مَن ظن تقصيرَ هذين الركنين، ولا متعلق له، فإن الحديث مصرّح فيه بالتسوية بين هذين الركنين وبين سائر الأركان، فلو كان القيامُ والقعود المستَثْنَيَيْنِ هو القيامَ بعد الركوع والقعودَ بين السجدتين، لناقض الحديثُ الواحد بعضَه بعضاً، فتعيَّن قطعاً أن يكون المرادُ بالقيام والقعود قيامَ القراءة، وقعود التشهد، ولهذا كان هديُه صلى الله عليه وسلم، فيهما إطالَتهما على سائر الأركان كما تقدم بيانُه، وهذا بحمد اللّه واضح، وهُو مما خفي من هدي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم صلاته على من شاء اللّه أن يخفى عليه. قال شيخنا: وتقصيرُ هذين الركنين مما تصرَّف فيه أمراءُ بني أمية في الصلاة، وأحدثُوه فيها، كما أحدثوا فيها تركَ إتمام التكبير، وكما أحدثوا التأخيرَ الشديد، وكما أحدثوا غيرَ ذلك مما يُخالف هديَه صلى الله عليه وسلم ورُبِّيَ في ذلك مَنْ رُبَيّ حتى ظن أنه من السنة. فصل ثم كان يُكبِّر وَيخِرُّ ساجداً، ولا يرفع يديه وقد روي عنه أنه كان يرفعهما أيضاً، وصححه بعضُ الحفاظ كأبي محمد بن حزم رحمه اللّه، وهو وهم، فلا يَصِحُّ ذلك عنه البتة، والذي غرَّه أن الراويَ غلط من قوله: كان يُكبر في كل خفض ورفع إلى قوله: كان يرفع يديه عند كل خفض ورفع، وهو ثقة ولم يفطن لسبب غلط الراوي ووهمه، فصححه. واللّه أعلم. وكان صلى الله عليه وسلم يَضَعُ رُكبتيه قبل يديه، ثمَّ يديه بعدهما، ثم جبهتَه وأنفَه، هذا هو الصحيح الذي رواه شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حُجر: رأيتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا سجد، وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض، رفع يديه قبل ركبتيه، ولم يُرو في فعله ما يُخَالِفُ ذلك. وأما حديثُ أبي هريرة يرفعه: (إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فَلاَ يَبْرُك كَمَا يَبْرُكُ البَعِيرُ، وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ ركْبَتَيْهِ) فالحديث - واللّه أعلم - قد وقع فيه وهم من بعض الرواة، فإن أوَّله يُخالف آخره، فإنه إذا وَضَع يديه قبل ركبتيه، فقد بَرَكَ كما يبرَك البعير، فإن البعير إنما يضع يديه أولاً، ولما علم أصحابُ هذا القول ذلك، قالوا: ركبتا البعير في يديه، لا في رجليه، فهو إذا برك، وضع ركبتيه أولاً، فهذا هو المنهي عنه، وهو فاسد لوجوه. أحدها: أن البعير إذا برك، فإنه يضع يديه أولاً، وتبقى رجلاه قائمتين، فإذا نهض، فإنه ينهض برجليه أولاً، وتبقى يداه على الأرض، وهذا هو الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم،وفعل خلافه. وكان أول ما يقع منه على الأرض الأقربُ منها فالأقربُ، وأول ما يرتفع عن الأرض منها الأعلى فالأعلى. وكان يضع ركبتيه أولاً، ثم يديه، ثم جبهتَه. وإذا رفع، رفع رأسه أولاً، ثم يديه، ثم ركبتيه، وهذا عكسُ فعل البعير، وهو صلى الله عليه وسلم نهى في الصلاة عن التشبه بالحيوانات، فنهى عن بُروك كبُروكِ البعير، والتفات كالتفات الثعلب، وافتراش كافتراش السَّبُع، وإقعاء كإقعاء الكلب، ونقر كنقر الغراب ورفعِ الأيدي وقت السلام كأذناب الخيل الشُّمْسِ، فهدْيُ المصلي مخالفٌ لهدي الحيوانات. الثاني: أن قولهم: رُكبتا البعير في يديه كلام لا يُعقل، ولا يعرفه أهل اللغة وإنما الركبة في الرجلين، وإن أطلق على اللتين في يديه اسم الركبة، فعلى سبيل التغليب. الثالث: أنه لو كان كما قالوه، لقال: فليبرُك كما يبرك البعير، وإن أول ما يمسُّ الأرضَ من البعير يداه. وسِرُ المسألة أنَّ من تأمل بُروك البعير، وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بُروك كبروك البعير، علم أن حديث وائل بن حُجر هو الصواب، واللّه أعلم. وكان يقع لي أن حديث أبي هريرة كما ذكرنا ممّا انقلب على بعض الرواة متنُه وأصلُه، ولعله: (وليضع ركبتيه قبل يديه) كما انقلب على بعضهم حديثُ ابن عمر (إِنَ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بليل، فكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يُؤَذِّنَ ابنُ أُمِّ مكتوم). فقال: (ابنُ أُمِّ مكتوم يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يُؤذِّن بِلال). وكما انقلب على بعضهم حديثُ (لاَ يَزَالُ يلقى في النَّارِ، فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ... إلى أن قال: وَأَمَّا الجَنَةُ فَيُنْشِىءُ اللَّهُ لهَا خَلْقاً يُسْكِنُهُم إيَّاهَا) فقال: (وَأَمَّا النَّار فينشىءُ اللّه لها خلقاً يُسكنهم إِيَّاها) حتى رأيتُ أبا بكر بن أبي شيبة قد رواه كذلك، فقال ابن أبي شيبة: حدثنا محمد بن فضيل،عن عبد اللّه بن سعيد، عن جدِّه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِرُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيهِ، وَلاَ يَبْرُكْ كَبُرُوكِ الفَحْلِ) ورواه الأثرم في (سننه) أيضاً عن أبي بكر كذلك. وقد روي عن أبي هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم ما يُصدِّق ذلك، ويُوافق حديثَ وائل بن حُجر. قال ابن أبي داود: حدثنا يُوسُف بن عدي، حدثنا ابن فضيل هو محمد، عن عبد اللّه بن سعيد، عن جدِّه، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه. وقد روى ابن خزيمة في (صحيحه) من حديث مُصعب بن سعد، عن أبيه قال: كنا نضعُ اليدين قبل الركبتين، فَأُمرنا بالرُّكبتين قبل اليدين وعلى هذا فإن كان حديثُ أبي هريرة محفوظاً، فإنه منسوخ، وهذه طريقةُ صاحب (المغنى) وغيره، ولكنْ للحديث علتان: إحداهما: أنه من رواية يحيى بن سلمة بن كهيل، وليس ممن يُحتج به، قال النَّسائي: متروك. وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً لا يُحتج به، وقال ابن معين: ليس بشيء. الثانية: أن المحفوظ من رواية مصعب بن سعد عن أبيه هذا إنما هو قصةُ التطبيق، وقول سعد: كنا نصنع هذا، فأمرنا أن نضع أيدينا على الركب. وأما قول صاحب (المغني) عن أبي سعيد قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فَأُمِرْنَا أن نضع الركبتين قبل اليدين، فهذا - واللّه أعلم - وهم في الاسم، وإنما هو عن سعد، وهو أيضاً وهم في المتن كما تقدم، وإنما هو في قصة التطبيق، واللّه أعلم. وأما حديث أبي هريرة المتقدم، فقد علله البخاري، والترمذي، والدارقطني. قال البخاري: محمد بن عبد اللّه بن حسن لا يُتابع عليه، وقال: لا أدري أَسَمعَ من أبي الزناد، أم لا. وقال الترمذي: غريب لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا ا لوجه. وقال الدارقطني: تفرد به عبد العزيز الدراوردي، عن محمد بن عبد اللّه بن الحسن العلوي، عن أبي الزناد، وقد ذكر النسائي عن قتيبة، حدثنا عبد اللّه بن نافع، عن محمد بن عبد اللّه بن الحسن العلوي، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَعْمِدُ أَحَدُكُم في صلاته، فَيَبْرُكُ كما يَبْرُكُ الجَمَلُ) ولم يزد. قال أبو بكر بن أبي داود: وهذه سنة تفرد بها أهلُ المدينة، ولهم فيها إسنادان، هذا أحدهما، والآخر عن عبيد اللّه، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: أراد الحديثَ الذي رواه أصبغ بن الفرج، عن الدراوردي، عن عبيد اللّه، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يضَع يَدَيهِ قَبْلَ رُكبتيه، ويقول:كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك. رواه الحاكم في (المستدرَك) من طريق محرز بن سلمة عن الدراوردي وقال: على شرط مسلم وقد رواه الحاكمُ مِنْ حديث حفص بن غياث، عن عاصم الأحول، عن أنس قال: رأيتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم انحطَّ بالتكبير حتى سَبَقَتْ رُكبتاه يَدَيْهِ قال الحاكم: على شرطهما، ولا أعلم له علة. قلت: قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألتُ أبي عن هذا الحديث، فقال: هذا الحديث منكر. انتهى. وإنما أنكره - واللّه أعلم - لأنه من رواية العلاء بن إسماعيل العطار، عن حفص بن غياث، والعلاء هذا مجهول لا ذكر له في الكتب الستة. فهذه الأحاديث المرفوعة من الجانبين كما ترى. وأما الآثار المحفوظة عن الصحابة، فالمحفوظ عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه كان يضع ركبتيه قبل يديه، ذكره عنه عبد الرزاق وابن المنذر، وغيرهما، وهو المروي عن ابن مسعود رضي اللّه عنه، ذكره الطحاوى عن فهد عن عمر بن حفص، عن ابيه، عن الأعمش، عن إبراهيمِ، عن أصحاب عبد اللّه علقمة والأسود قالا: حفظنا عن عمر في صلاته أنه خرَّ بعد ركوعه على ركبتيه كما يَخِرُّ البعير، ووضع ركبتيه قبل يديه، ثم ساق من طريق الحجاج بن أرطاة قال: قال إبراهيم النخعي: حفظ عن عبد اللّه بن مسعود أن ركبتيه كانتا تقعان على الأرض قبل يديه، وذكر عن أبي مرزوق عن وهب، عن شعبة، عن مغيرة قال: سألت إبراهيم عن الرجل يبدأ بيديه قبل ركبتيه إذا سجد؟ قال: أو يصنع ذلك إلا أحمق أو مجنون! قال ابن المنذر: وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب، فممن رأى أن يضع ركبتيه قبل يديه عمرُ بن الخطاب رضي اللّه عنه، وبه قال النخعيُّ، ومسلمُ بن يسار، والثوريّ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وإسحاق، وأبو حنيفة وأصحابُه، وأهلُ الكوفة. وقالت طائفة: يضع يديه قبل ركبتيه، أدركنا النَّاس يضعون أيديَهم قبل رُكبهم: قال ابنُ أبي داود: وهو قول أصحاب الحديث. قلت: وقد روي حديثُ أبي هريرة بلفظ آخر ذكره البيهقي، وهو:(إذا سجد أحدكم، فلا يبرُك كما يبرُك البعيرُ، وليضع يديه على ركبتيه) قال البيهقي: فإن كان محفوظاً، كان دليلاً على أنه يضع يديه قبل ركبتيه عند الإِهواء إلى السجود. وحديث وائل بن حُجر أولى لوجوه. أحدها: أنه أثبت من حديث أبي هريرة، قاله الخطابي، وغيره. الثاني: أن حديث أبي هريرة مضطرب المتن كما تقدم، فمنهم من يقول فيه: وليضع يديه قبل ركبتيه، ومنهم من يقول بالعكس، ومنهم من يقول: وليضع يديه على ركبتيه، ومنهم من يحذف هذه الجملة رأساً. الثالث: ما تقدم من تعليل البخاري والدارقطني وغيرهما. الرابع: أنه على تقدير ثبوته قد ادعى فيه جماعة من أهل العلم النسخَ قال ابن المنذر: وقد زعم بعضُ أصحابنا أن وضع اليدين قبل الركبتين منسوخ، وقد تقدم ذلك. الخامس: أنه الموافق لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بروك كبروك الجمل في الصلاة، بخلاف حديث أبي هريرة. السادس: أنه الموافق للمنقول عن الصحابة، كعمر بن الخطاب، وابنه، وعبد اللّه بن مسعود، ولم ينقل عن أحد منهم ما يُوافق حديثَ أبي هريرة إلا عن عمر رضي اللّه عنه على اختلاف عنه. السابع: أن له شواهد من حديث ابن عمر وأنس كما تقدم، وليس لحديث أبي هريرة شاهد، فلو تقاوما، لَقُدِّم حديثُ وائل بن حُجر من أجل شواهده، فكيف وحديثُ وائل أقوى كما تقدم. الثامن: أن أكثر الناس عليه، والقول الآخر إنما يُحفظ عن الأوزاعي ومالك، وأمّا قول ابن أبي داود: إنه قول أهل الحديث، فإنما أراد به بعضهم، وإلا فأحمد والشافعي وإسحاق على خلافه. التاسع: أنه حديث فيه قصة مَحكية سيقت لحكاية فعله صلى الله عليه وسلم، فهو أولى أن يكون محفوظاً، لأن الحديث إذا كان فيه قصة محكية، دلَّ على أنه حفظ. العاشر: أن الأفعال المحكية فيه كلها ثابتة صحيحة من رواية غيره، فهي أفعال معروفة صحيحة، وهذا واحد منها، فله حكمها، ومعارضُه ليس مقاوماً له، فيتعين ترجيحه، واللّه أعلم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسجُد على جبهته وأنفه دون كُور العِمامة، ولم يثُبت عنه السجودُ على كُور العِمَامَةِ من حديث صحيح ولا حسن، ولكن روى عبد الرزاق في (المصنف) من حديث أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجُد على كُور عِمامته، وهو من رواية عبد اللّه بن مُحَرَّرٍ، وهو متروك وذكره أبو أحمد الزبيري من حديث جابر، ولكنه من رواية عمر بن شَمر عن جابر الجعفي، متروك عن متروك، وقد ذكر أبو داود في المراسيل أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يُصلي في المسجد، فسجد بجبينه، وقد اعتم على جبهته، فحسر رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم عن جبهته. وكان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يسجدُ على الأرض كثيراً، وعلى الماء والطين، وعلى الخُمْرَةِ المتَّخذة من خُوص النخل، وعلى الحصير المتَّخذ منه، و الفروة المدبوغة. وكان إذا سجد، مكَّن جبهته وأنفه من الأرض، ونحَّى يديه عن جنبيه، وجافى بهما حتى يُرى بياضُ إبطيه، ولو شاءت بَهْمَة - وهي الشاة الصغيرة - أن تمُرَّ تحتهما لمرت. وكان يضع يديه حَذو منكبيه وأُذنيه، وفي (صحيح مسلم) عن البراء أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا سَجَدْتَ، فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ). وكان يعتدِل في سجوده، ويستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة. وكان يبسُط كفيه وأصابعَه، ولا يُفرِّج بينها ولا يقبضها، وفي (صحيح ابن حبان): (كان إذا ركع، فرج أصابعه، فإذا سَجَدَ، ضمَّ أصابعه). وكان يقول: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى) وأمر به. وكان يقول: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي). وكان يقول: (سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلاَئِكةَ والرُّوحِ). وكان يقول (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ). وكان يقول: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصي ثَنَاءً عَلَيكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ). وكان يقول: (اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سجد وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ،تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقينَ). وكان يقول: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّه وَجِلَّه، وَأَوَّلَه وَآخِرَهُ،وَعَلانِيَتَهُ وَسِرَهُ). وكان يقول: (اللَّهُمَّ اغْفِر لِي خَطِيئَتي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي في أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلي، وَخَطَئِي وَعَمدِي، وَكلُّ ذلِكَ عنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِر لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إٍلهِي، لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ). وكان يقول: (اللَّهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُوراً، وَفِي سَمْعِي نُوراً، وَفِي بَصَرِي نُوراً، وَعَنْ يَمِينِي نوراً، وَعَنْ شِمَالِي نُوراً، وَأَمَامِي نُوراً، وَخَلْفِي نُوراً، وَفَوْقِي نُوراً، وَتَحْتِي نُوراً، وَاجْعَلْ لِي نُوراً). وأمر بالاجتهاد في الدعاء في السجود وقال: (إِنَّهُ قَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ). وهل هذا أمر بأن يُكثر الدعاء في السجود، أو أمر بأن الداعيَ إِذا دعا في محل، فليكن في السجود؟ وفرق بين الأمرين، وأحسنُ ما يحملُ عليه الحديثُ أن الدعاء نوعان: دعاء ثناءٍ، ودعاءُ مسألة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يُكثر في سجوده من النوعين، والدعاءُ الذي أَمَرَ به في السجود يتناول النوعين. والاستجابة أيضاً نوعان: استجابةُ دعاءِ الطالب بإعطائه سؤالَه، واستجابةُ دعاء المُثني بالثواب، وبكل واحد من النوعين فُسِّرَ قوله تعالى: {أجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 187] والصحيح أنه يعم النوعين.
|
#143
|
||||
|
||||
هديه صلى الله عليه وسلم في سجود السهو
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُوني). وكان سهوه في الصلاة من تمام نعمة اللّه على أمته، وإكمالِ دينهم، ليقتدوا به فيما يشرعُه لهم عند السهو، وهذا معنى الحديث المنقطع الذي في (الموَطأ): (إِنَّمَا أنْسَى أوْ أنَسَّى لأَسُنَ). وكان صلى الله عليه وسلم ينسى، فيترتب على سهوه أحكامٌ شرعية تجري على سهو أمته إلى يوم القيامة، فقام صلى الله عليه وسلم من اثنتين في الرُّباعية، ولم يجلس بينهما، فلما قض صلاته، سجد سجدتين قبل السلام، ثم سلم، فأخذَ من هَذا قاعدة: أن من ترك شيئاً من أجزاء الصلاة التي ليست بأركان سهواً، سَجد له قبل السلام، وأخذَ من بعض طرقه أنه: إذا ترك ذلك وشرع في ركن، لم يرجع إلى المتروك، لأَنه لما قام، سَبَّحُوا، فأشار إليهم: أن قوموا. واختلف عنه في محل هذا السجود، ففي (الصحيحين) من حديث عبد اللّه بن بُحَيْنَة، أنه صلى الله عليه وسلم قام من اثْنَتَيْنِ من الظهر، ولم يَجْلس بينهما، فلما قضى صلاته، سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثم سلًّم بعد ذلكَ. وفي رواية متفق عليها: يكَبِّر في كل سجدة وهو جالِس قبل أن يُسَلِّمَ. وفي (المسند) من حديث يزيد بن هارون، عن المسعودي، عن زياد بن عِلاقة قال: صلَّى بنا المغيرةُ بن شعبة، فلما صلى ركعتين، قام ولم يجلِس، فسبَّح به مَن خلفه، فَأشار إليهم: أن قوموا، فلما فَرَغَ من صلاته، سلَّم، ثم سجد سجدتين، وسلَّم، ثم قال: هكذا صنع بنا رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم، وصححه الترمذي وذكر البيهقي من حديث عبد الرحمن بن شمَاسَة المَضري قال: صلَّى بنا عقبة بن عامر الجُهني، فقام وعليه جلوسٌ، فقالَ الناس: سُبحانَ اللَّهِ، سبحان اللَّه، فلم يجلس، ومضى على قيامه، فلما كان في آخر صلاته، سجد سجدتي السَهو وهو جاَلس، فلما سلَّم، قال: إني سمعتكم آنفاً تقولون: سبحانَ اللَّهِ لكيما أجلس، لكِنَّ الَسُّنَّةَ الَّذِي صنَعْت وحديث عبد اللّه بن بُحينة أولى لثلاثة وجوه. أحدها: أنه أصحُّ من حديث المغيرة. الثاني: أنه أصرح منه، فإن قول المغيرة: وهكذا صنع بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجوز أن يرجع إلى جميع ما فعل المغيرة، ويكون قد سجد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا،السهو مرة قبل السلام، ومرة بعده، فحكى ابن بُحينة ما شاهده، وحكى المغيرةُ ما شاهده، فيكون كِلا الأمرين جائزاً، ويجوز أن يُريد المغيرة أنه صلى الله عليه وسلم قام ولم يرجع، ثم سجد للسهو. الثالث: أن المغيرة لعله نسي السجود قبل السلام وسجده بعده، وهذه صفة السهو، وهذا لا يمكن أن يقال في السجود قبل السلام، واللّه أعلم. فصل وسلّم صلى الله عليه وسلم من ركعتين في إحدى صلاتي العَشِيِّ، إما الظُّهرِ، وإما العَصْرِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ، ثُمَّ أتَمَّهَا، ثُمَّ سلَّم، ثمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بعد السَّلامِ والكلام، يُكبِّر حِين يسجدُ، ثمَّ يُكبِّر حين يرفع. وذكر أبو داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى بهم، فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلَّم، وقال الترمذي: حسن غريب. وصلى يوماً فسلَّم وانصرف، وقد بقي مِن الصلاة ركعة، فأدركه طلحةُ بن عبيد اللّه، فقال: نسيتَ من الصلاة ركعة، فرجع فدخل المسجد، وأمر بلالاً فأقام الصلاة، فصلى للناس رَكْعَةً ذكره الإِمام أحمد رحمه اللّه. وصلى الظهر خمساً، فقيل له: زِيدَ في الصلاة؟ قال: وما ذاكَ؟ قالوا: صليتَ خمساً، فسجَدَ سجدتين بعدما سلم. متفق عليه. وصلى العصر ثلاثاً، ثم دخل منزله، فذكَّره الناس، فخرج فصلى بهم ركعة، ثم سلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم. فهذا مجموعُ مَا حُفِظَ عنه صلى الله عليه وسلم من سهوه في الصلاة، وهو خمسة مواضع، وقد تضمن سجودهُ في بعضه قبلَ السلام، وفي بعضه بعدَه. فقال الشافعي رحمه اللّه: كُلُّه قبل السلام. وقال أبو حنيفة رحمه اللّه: كُلُه بعد السلام. وقال مالك رحمه اللّه: كُلُّ سهو كان نقصاناً في الصلاة، فإن سجوده قبل السلام، وكُلُّ سهو كان زيادة في الصلاة، فإن سجوده بعد السلام، وإذا اجتمع سهوانِ: زيادة ونقصان، فالسجودُ لهما قبل السلام. قال أبو عمر بن عبد البر: هذا مذهبُه لا خلاف عنه فيه، ولو سجد أحد عنده لسهوه بخلاف ذلك، فجعل السجود كلَّه بعد السلام، أو كلَّه قبل السلام، لم يكن عليه شيء، لأنه عنده من باب قضاء القاضي باجتهاده، لاختلاف الآثار المرفوعةِ، والسلفِ من هذه الأمة في ذلك. وأما الإِمام أحمد رحمه اللّه، فقال الأثرم: سمعت أحمد بن حنبل يُسأل عن سجود السهو: قبل السلام، أم بعده؟ فقال: في مواضع قبل السلام، وفي مواضع بعده، كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم حين سلَّم من اثنتين، ثم سجد بعد السلام، على حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين. ومن سلم من ثلاث سجد أيضاً بعد السلام على حديث عمران بن حصين وفي التحري يسجد بعد السلام على حديث ابن مسعود، وفي القيام من اثنتين يسجد قبل السلام على حديث ابن بُحينة وفي الشك يَبني على اليقين، ويسجدُ قبل السلام على حديثِ أبي سعيد الخدرى وحديثِ عبد الرحمن بن عوف. قال الأثرم: فقلتُ لأحمد بن حنبل: فما كان سِوى هذه المواضع؟ قال يسجدُ فيها كلِّها قبل السلام، لأنه يتم ما نقص من صلاته، قال: ولولا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، لرأيتُ السجودَ كلَّه قبل السلام، لأنه من شأن الصلاة، فيقضيه في السلام، ولكن أقولُ: كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد فيه بعد السلام، يسجد فيه بعد السلام، وسائر السهو يسجد فيه قبل السلام. وقال داود بن علي: لا يسجد أحد للسهو إلا في الخمسة المواضع سجد فيها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. انتهى. وأما الشكُّ، فلم يَعرِض له صلى الله عليه وسلم، بل أمر فيه بالبناء على اليقين، وإسقاط الشك، والسجود قبل السلام. فقال الإِمامُ أحمد: الشكُّ على وجهين: اليقين والتحري، فمن رجع إلى اليقين، ألغى الشك، وسجَد سجدتي السهو قبل السلام على حديث أبي سعيد الخدري، وإذا رجع إلى التحرِّي وهو أكثرُ الوهم، سجدتي السهو بعد السلام على حديث ابن مسعود الذي يرويه منصور. انتهى. وأما حديث أبي سعيد، فهو (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ، فلَمْ يَدْرِ كَمَْ صلى أَثَلاَثاً أَمْ أَرْبَعَاً، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ، وَليَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أن يُسَلِّمَ) وأما حديثُ ابن مسعود، فهو (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُم فِي صَلاَتِهِ، فليتحر الصَّوَابَ، ثُمَّ لِيَسجُد سَجدَتَينِ) متفق عليهما. وفي لفظ (الصحيحين): (ثم يُسَلِّم، ثمَّ يَسْجدَ سَجدَتَينِ) وهذا هو الذي قال الإِمامُ أحمد، وإذا رجع إلى التحري، سجد بعد السلام. والفرق عنده بين التحري واليقين، أن المصلي إذا كان إماماً بنى على غالب ظنِّه وأكثرِ وهمه، وهذا هو التحري، فسجد له بعد السلام على حديثِ ابن مسعود، وإن كان منفرداً، بنى على اليقين، وسجد قبل السَّلام على حديثِ أبي سعيد، وهذه طريقةُ أكثر أصحابه في تحصيل ظاهر مذهبه. وعنه: روايتان.أخريان: إحداهما: أنه يبني على اليقين مطلقاً، وهو مذهبُ الشافعي ومالك، والأخرى: على غالب ظنه مطلقاً، وظاهر نصوصه إنما يدل على الفرق بين الشك، وبين الظن الغالب القوي، فمع الشكِّ يبني على اليقين، ومع أكثرِ الوهم أو الظنِّ الغالب يتحرَّى، وعلى هذا مدارُ أجوبته. وعلى الحالين حملُ الحديثين، واللّه أعلم. وقال أبو حنيفة رحمه اللّه في الشك: إذا كان أوّلَ مَا عَرَضَ له، استأنفَ الصلاة، فإن عرض له كثيراً، فإن كان له ظنٌّ غالب، بنى عليه، وإن لم يكن له ظن، بنى على اليقين. |
#144
|
||||
|
||||
فصل
ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تغميضُ عينيه في الصلاة، وقد تقدم أنه كان في التشهد يُومىء ببصره إلى أصبعه في الدعاء، ولا تجَاوِزُ بَصرهُ إشارتَه وذكر البخاري في (صحيحه) عن أنس رضي اللّه عنه قال: كان قِرَامٌ لعائشة، سترت به جانِبَ بيتها، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (أَمِيطِي عَنِّي قِرَامَكِ هَذَا، فَإِنَة لاَ تَزَالَ تصاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِي في صَلاَتِي) ولو كان يُغمض عينيه في صلاته، لما عَرَضَتْ له في صلاته. وفي الاستدلال بهذا الحديث نظرٌ، لأن الذي كان يعرِض له في صلاته: هل تذكُّر تلك التصاوير بعد رؤيتها، أو نفس رؤيتها؟ هذا محتمل، وهذا محتمل، وأبينُ دلالةَ منه حديثُ عائشة رضي اللّه عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى في خَمِيصَةٍ لها أعلامٌ، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: (اذْهَبُوا بِخَمِيصَتي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ، وأْتُونِي بِانْبِجانِيَّةِ أَبِي جَهمٍ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنى آنفاً صَلاَتِي).وفي الاستدلال بهذا أيضاً ما فيه، إذ غايتُه أنه حانت منه التفاتة إليها فشغلته تلك الالتفاتةُ ولا يدُلُ حديثُ التفاته إلى الشِّعب لما أرسل إليه إليه الفارس طليعة، لأن ذلك النظرَ والالتفاتَ منه كان لِلحاجة، لاهتمامه بأمورِ الجيش، يدُلُ على ذلك مَدُّ يده في صلاة الكسوف ليتناولَ العُنقود لما رأى الجنة، وكذلك رؤيتهُ النَّارَ وصاحبةَ الهرة فيها، وصاحِبَ المِحْجَنِ وكذلك حديثُ مدافعته للبهيمة التي أرادت أن تمر بين يديه، وردُّه الغلامَ والجارية، وحجزُه الجاريتين، وكذلك أحاديثُ ردِّ السلام بالإِشارة على من سلم عليه و الصلاة، فإنه إنما كان يُشير إلى من يراه، وكذلك حديثُ تعرُّضِ الشيطان له فأخذه فخنفه، وكان ذلك رؤيةَ عين، فهذه الأحاديثُ وغيرُها يُستفاد مِن مجموعها العلم بأنه لم يكن يُغْمِضُ عينيه في الصلاة. وقد اختلف الفقهاء في كراهته، فكرِهه الإِمامُ أحمد وغيرُه، وقالوا:هو فعلُ اليهود، وأباحه جماعة ولم يكرهوه، وقالوا: قد يكونُ أقربَ إلى تحصيل الخشوع الذي هو روحُ الصلاة وسرُّها ومقصودها. والصواب أن يُقال: إن كان تفتيحُ العين لا يُخِلُ بالخشوع، فهو أفضل، وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يُشوش عليه قلبه، فهنالك لا يُكره التغميضُ قطعاً، والقولُ باستحبابه في هذا الحال أقربُ إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة، والله أعلم. فصل: فيما كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يقوله بعد انصرافه من الصلاة، وجلوسِه بعدَها، وسرعةِ الانتقال منها، وما شرعه لأمته من الأذكار والقراءة بعدها كان إذا سلم، استغفر ثلاثاً، وقال: (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ، ومنكَ السلاَمُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ) ولم يمكث مستقبِلَ القِبلة إلا مقدارَ ما يقولُ ذلك، بل يُسرع الانتقالَ إلى المأمومين. وكان ينفتِل عن يمينه وعن يساره، وقال ابن مسعود: رأيتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كثيراً ينصرِف عن يساره. وقال أنس: أكثرُ ما رأيتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه، والأول في (الصحيحين) والثاني في (مسلم). وقال عبد الله بن عمرو: رأيتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ينفتِلُ عن يمينه وعن يساره في الصلاة. ثم كان يُقبِل على المأمومين بوجهه، ولا يخصُّ ناحيةً منهم دون ناحية. وكان إذا صلى الفجرَ، جلس في مصلاه حتى تَطْلُعَ الشمسُ. وكان يقولُ في دُبُر كلِّ صلاة مكتوبة: (لاَ إله إِلاَّ اللّه وَحْدَه لاَ شَرِيكَ لَهُ،له المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وهُوَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانعَ لِمَا أَعْطَيْتَ،وَلا معْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ) وكان يقول: (لاَ إله إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلهُ الْحَمدُ، وَهوَ عَلَى كُلِّ شَيء قَديرٌ، وَلاَ حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّه، لاَ إلهَ إلاَّ اللَّهُ، وَلا نَعْبُدُ إلاَ إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ، وَلًهُ الَفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لاَ إله إِلاًّ اللًّهُ، مُخْلصينَ لَهُ الدًّينَ وَلَو كَرِه الْكَافِرُونَ) وذكر أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان إذا سلَّم من الصلاة قال: (اللَّهُمَّ اغْفرْ لي مَا قَدًّمْتُ، وَمَا أخَّرْت، وَمَا أسْرَرْتُ، وَمَا أعْلَنْتُ، وَمَا أسْرَفتُ، وَمَا أنْتَ أَعْلَمُ به منِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ، وَأنْتَ المُؤَخِّرُ، لاَ إلهَ إِلا اْنْتَ). هذه قطعة من حديث علي الطويل الذي رواه مسلم في استفتاح الصلاة والسلام، وما كان يقوله في ركوعه وسجوده. ولمسلم فيه لفظان أحدُهما: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله بين التشهد والتسليم، وهذا هو الصواب والثاني: كان يقوله بعد السلام، ولعله كان يقوله في الموضعين، واللّه أعلم. وذكر الإمام أحمد عن زيد بن أرقم قال: كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يقولُ كُلِّ صلاة: بعضها إلى بعض مع تبايُن طرقها واختلافِ مَخَارِجها، دلت على أن الحديث له أصل وليس بموضوع. وبلغني عن شيخنا أبي العباس ابن تيمية قدَّس اللّه روحَه أنه قال: ما تركتُها عقيبَ كُلِّ صلاة. وفي المسند والسُّنن، عن عُقبة بن عامر قال: (أمرني رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أن أقرأ بالمُعَوِّذَاتِ في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ) ورواه أبو حاتم ابن حبان في (صحيحه)، والحاكم في (المستدرك)، وقال: صحيح على شرط مسلم. ولفظ الترمذي (بالمعوذتين). وندب أمته إلى أن يقولُوا في دُبر كل صلاة: سُبحانَ اللَّهِ ثلاثاً والحمدُ للَّهِ كذلك، واللَّهُ أكبرُ كذلك، وتمام المائة: لا إلهَ إلا اللّه وَحْدَه لا شريك له، لَهُ المُلْك وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَعلى كُلِّ شيءٍ قدير. وفي صفة أخرى: التكبيرُ أربعاً وثلاثين فتتم به المائه وفي صفة أخرى: (خمساً وعشرين تسبيحة، ومثلها تحميدة، ومثلها تكبيرة، ومثلها لا إله إلا اللَّهُ وحدَه لا شَرِيكَ له، له الملكُ وله الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيءٍ قَدِير) وفي صفةٍ أخرى: (عشر تسبيحات، وعشر تحميدات، وعشر تكبيرات) وفي صفة أخرى (إحدى عشرة) كما في (صحيح مسلم) في بعضِ روايات حديث أبي هريرة (وَيُسَبِّحُونَ، وَيَحْمَدُونَ، وَيُكَبِّرُونَ دُبُرَ كُلِّ صلاة ثلاثاً وثلاثين إحدى عشرة، وإحدى عشرة، وإحدى عشرة، فذلك ثلاثة وثلاثون) والذي يظهر في هذه الصفة، أنها مِن تصرف بعض الرواة وتفسيره، لأَن لفظ الحديث (يُسَبِّحُونَ وَيَحْمَدُونَ، وَيُكَبِّرُونَ دُبُرَ كُلِّ صلاة ثلاثاً وثلاثين) وإنما مُرَادُه بهذا أن يكون الثلاث والثلاثون في كل واحدة من كلماتِ التسبيح والتحميد والتكبير، اى (قولوا: (سُبحانَ اللَّهِ، والحَمْدُ للَّه، واللّه أكبر، ثلاثاً وثلاثين) لأن راوي الحديث سُمي عن أبي صالح السمان، وبذلك فسره أبو صالح قال: قولوا: (سُبحانَ الله والحمدُ للَّهِ، واللَّهُ أكبر، حتى يكون منهن كُلِّهن ثلاث وثلاثون). وأما تخصيصُه بإحدى عشرة، فلا نظير له في شيء من الأذكار بخلاف المائة، فإن لها نظائر، والعشر لها نظائرُ أيضاً، كما في السنن من حديث أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قَالَ فِي دُبُرِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَيْهِ قَبْلَ أن يَتكَلَّمَ، لاَ إلهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ يُحيِي وَيُمِيتُ وهو عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مَرَّات، كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمُحِيَ عَنْهَُ عشر سَيِّئَاتٍ، وَرُفعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكَانَ يَوْمَهُ ذلِكَ كُلَّهُ في حِرْزٍ مِنْ كُلِّ مَكْرُوه وَحُرِسَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَلَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْم إِلاَّ الشِّرْكَ بالله) قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وفي (مسند الإِمام أحمد) من حديث أم سلمة، أنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم علَّم ابنته فاطمة لما جاءت تسأله الخادم، فأمرها: أن تسبِّحَ اللّه عند النوم ثلاثاً وثلاثين، وتحمدَه ثلاثاً وثلاثين، وتكبِّره ثلاثاً وثلاثين، وإذا صلَّت الصبحَ أن تقول: (لاَ إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، عَشْرَ مَرَّاتٍ، وَبَعْدَ صَلاَةِ المَغْربِ، عَشْرَ مَرَّات). وفي (صحيح ابن حبان) عن أبي أيوب الأنصاري يرفعه: (مَنْ قَالَ إِذا أَصْبَحَ: لاَ إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْد وَهُوَ عَلَى كُلَ شىء قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ، كُتِبَ لَهُ بِهِنَّ عَشرُ حَسَنَاتٍ، وَمُحِيَ عَنْهُ بِهِنَّ عَشْرُ سَيئَاتٍ، وَ لَهُ بهنَّ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكُنَّ لَهُ عِدْلَ عَتَاقَةِ أَرْبَع رِقَابٍ، وَكُنَّ لَهُ حَرَساً مِنَ الشيطان حَتَى يُمْسِى، وَمَنْ قَالَهُنَّ إِذَا صَلَّى المَغْرِبَ دُبُرَ صَلاتِهِ فَمِثْلُ ذلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ) وقد تقدم قولُ النبي صلى الله عليه وسلم في الاستفتاح (اللَّهُ أكبرُ عشراً، والحمدُ للَّهِ عشراً وسبحانَ اللَهِ عشراً، وَلاَ إلهَ إِلاَّ اللَهُ عَشْراً، ويستغفِرُ اللّه عشرا، ويقول: اللهم، اغفر لي، وَاهْدِني وارزقني عشراً، ويتعوذ مِن ضِيق المقام يوم القيامة عشراً) فالعشر في الأَذكار والدعوات كثيرة. وأما الإِحدى عشرة، فلم يجىء ذكرُها شيء من ذلك البتة إلا في بعض طُرق حديث أبي هريرة المتقدم واللّه أعلم. وقد ذكر أبو حاتم في (صحيحه)، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقولُ عند انصرافه من صلاته: (اللَّهُمَّ أصْلحْ لِي دِينِي الَّذي جَعَلْتَهُ عِصْمَةَ أَمْرِي، وَأَصْلحْ لي دُنْيايَ،التي جَعَلْتَ فِيهَا مَعَاشِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِعَفْوِكَ من نِقْمَتِكَ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ مَانعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ). وذكر الحاكم في (مستدركه) عن أبي أيوب أنه قال: ما صليتُ وراء نبيكم صلى الله عليه وسلم إلا سمعتُه حِين ينصرِفُ مِن صلاته يقول: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خطَايَايَ وَذُنُوبِي كُلَّهَا، اللَّهُمَّ أَنْعِمْنِي وَأَحْينِي وَارْزُقنِي، وَاهْدِنِي لِصَالِح الأعْمَالِ والأَخلاَقِ، إِنَّهُ لاَ يَهْدِي لِصَالِحِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَلاَ يَصْرِفُ عَنْ سَيئِهَا إِلاَّ أَنْتَ). وذكر ابن حبان في (صحيحه) عن الحارث بن مسلم التميمي قالَ: قال لي النبيّ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا صَلَّيتَ الصُّبْحَ، فَقُلْ قَبْلَ أَنت تتكَلَّم: اللَّهُمَّ أَجِرْني مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ مِنْ يَوْمِكَ، كَتَبَ اللَّهُ لَكَ جَواراً مِنَ النَّار، وَإِذَا صَلَيْتَ المَغْرِبَ، فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تتكَلَّمَ: اللَّهُمَّ أَجِرْني مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَإِنَّكَ إِنْ مُتَ مِنْ لَيْلَتِكَ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ جِوَاراً مِنَ النَّارِ) وقد ذكر النسائي في (السنن الكبير) من حديث أبي أمامة قال: قال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِي في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبة، لَم يَمْنعهُ من دُخُولِ الجَنَّةِ إِلاَّ أَنْ يَموتَ). وهذا الحديثُ تفرد به محمد بن حمير، عن محمد بن زياد الألهاني، عن أبي أمامة، ورواه النسائي عن الحسين بن بشر، عن محمد بن حمير. وهذا الحديثُ مِن الناس مَن يصححه، ويقول: الحسين بن بشر قد قال فيه النسائي: لا بأس به، وفي موضع اَخر: ثقة. وأما المحمدان، فاحتج بهما البخاري في (صحيحه) قالوا: فالحديث على رسمه، ومنهم من يقول: هو موضوع، وأدخله أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه في الموضوعات، وتعلق على محمد بن حمير، وأن أبا حاتم الرازي قال: لا يُحتج به، وقال يعقوب بن سفيان: ليس بقوي، وأنكر ذلك عليه بعضُ الحفاظ، ووثقوا محمداً، وقال: هُو أجلُّ من أن يكون له حديثٌ موضوع، وقد احتج به أجلُّ من صنف في الحديث الصحيح، وهو البخاري، ووثقه أشدُّ الناس مقالة في الرجال يحيى بن معين، وقد رواه الطبراني في (معجمه) أيضاً من حديث عبد اللّه بن حسن عن أبيه، عن جده قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ في دُبُرِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ، كَانَ في ذِمَّةِ اللَّهِ إِلَى الصَّلاَةِ الأُخْرَى) وقد رُوي هَذَا الحديثُ مِن حديث أبي أمامة، وعلي بن أبي طالب، وعبد اللّه بن عمر، والمغيرة بن شعبة، وجابر بن عبد اللّه، وأنس بن مالك، وفيها كُلِّها ضعف، ولكن إذا انضم بعضها إلى بعض مع تبايُن طرقها واختلافِ مَخَارِجها، دلت على أن الحديث له أصل وليس بموضوع. وبلغني عن شيخنا أبي العباس ابن تيمية قدَّس اللّه روحَه أنه قال: ما تركتُها عقيبَ كُلِّ صلاة. وفي المسند والسُّنن، عن عُقبة بن عامر قال: (أمرني رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أن أقرأ بالمُعَوِّذَاتِ في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ) ورواه أبو حاتم ابن حبان في (صحيحه)، والحاكم في (المستدرك)، وقال: صحيح على شرط مسلم. ولفظ الترمذي (بالمعوذتين). وفي (معجم الطبراني)، و (مسند أبي يعلى المَوْصِلي) من حديث عمر بن نبهان، وقد تُكلِّم فيه عن جابر يرفعه: (ثَلاثٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ الإِيمَانِ، دَخَلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الجَنَّةِ شَاءَ، وَزُوِّجَ مِنَ الحُورِ العِينِ حَيْثُ شَاءَ، مَنْ عَفَا عَنْ قَاتِلِه، وَأَدَّى دَيْناً خَفِيَّاً، وَقَرَأَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فقال أبو بَكرٍ رضي اللّه عنه: (أَوْ إِحْدَاهُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ): قَالَ: (أَوْ إحْدَاهُنَّ). وأوصى معاذاً أن يقول في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ: (اللَّهمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ) وَدُبُرُ الصلاة يحتمل قبل السلام وبعده، وكان شيخنا يُرجِّح أن يكون قبل السلام، فراجعته فيه، فقال: دُبُرُ كُلِّ شيء منه، كدُبُرِ الحيوان.
|
#145
|
||||
|
||||
جزاكم الله خيرا
متابع باذن الله |
#146
|
||||
|
||||
واياكم اخى الفاضل الكريم
ربنا يعزك ويبارك فيك ويكرمك |
#147
|
||||
|
||||
|
#148
|
||||
|
||||
هديه وسيرته صلى الله عليه وسلم في نومه وانتباهه
كان ينامُ على الفراش تارة، وعلى النِّطع تارة، وعلى الحصير تارة، وعلى الأرض تارة، وعلى السرير تارة بين رِمَالهِ، وتارة على كِساء أسود. قال عبَّاد بن تميم عن عمه: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم مُستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رِجليه على الأخرى. وكان فراشه أَدَماً حشوُه لِيف. وكان له مِسْحٌ ينام عليه يثنى بثَنيتين، وثُني له يوماً أربع ثنيات، فنهاهم عن ذلك وقال: (رُدُّوه إلَى حَالِهِ الأَوَلِ، فَإنَّه مَنَعَنِي صَلاَتِي اللَّيْلَة). والمقصود أنه نام على الفراش، وتغطى باللحاف، وقال لنسائه: (مَا أَتَانِي جِبْريلُ وَأَنَا في لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرَ عَائِشَة). وكانت وسادتُه أَدَماً حشوها ليف. وكان إذا أوى إلى فراشه للنوم قال: (بِاسمِك اللَّهُمَّ أَحْيَا وَأَموتُ). وكان يجمع كفَّيْهِ ثم ينفُث فيهما، وكان يقرأ فيهما: {قُلْ هُو اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأُ بهما على رأسه، ووجهه، وما أقبلَ مِنْ جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات. وكان ينام على شِقه الأيمن، ويضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، ثم يقول: (اللَّهُمَّ قِني عَذَابَكَ يَوْمَ تَبعَثُ عِبَادَكَ). وكان يقول إذا أوى إلى فراشه: (الحمدُ للهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لاَ كَافِيَ له وَلاَ مُؤْويَ) ذكره مسلم. وذكر أيضاً أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه: (اللّهم رب السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، وَرَب العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كلِّ شَيءٍ، فَالِقَ الحَبَ وَالنَّوى، منزلَ التَّوْرَاةِ وَالإنجِيلِ، وَالفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنتَ آخِذ بِنَاصِيتِهِ، أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيسَ قَبْلَكَ شَيءٌ، وَأَنتَ الآخِرُ، فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيءٌ، وَأَنتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ، فَلَيْسَ دُونَكَ شَيءٌ، اقضِ عَنَّا الدَّينَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الفقْرِ). وكان إذا استيقظ من منامه في الليل قال: (لاَ إلَه إِلاَّ أَنْتَ سبحَانَكَ، اللَّهمَ إنِّي أستغْفِركَ لِذَنبِي، وَأَسْأَلُكَ رَحمَتَكَ، اللَّهُمَّ زِدْني عِلماً، وَلاَ تُزِغ قَلبي بَعْدَ إِذ هَدَيتَني، وَهَبْ لي مِن لَدنكَ رَحْمَةَ، إِنَّكَ أَنتَ الْوَهاب). وكان إذا انتبه من نومه قال: (الْحَمْدُ لله الَّذِيَ أَحيَانَا بَعدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النّشُور). ثم يتسوَّك، وربما قرأَ العشر الآيات من آخر (آل عمران ) من قوله: {إنَ في خَلْقِ السَّموَاتِ والأَرْضِ} إِلى آخرها [آل عمران:190-200] وقال: (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَاواتِ والأَرْض وَمَنْ فِيهنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيَمُ السَّمَاوَاتِ والأَرضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْد، أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقُّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبيّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ). وكان ينام أول الليل، ويقوم آخره، وربما سهر أول الليل في مصالح المسلمين، وكان تنامُ عيناه، ولا ينامُ قلبُه. وكان إذا نام، لم يُوقظوه حتى يكونَ هو الذي يستقيظ. وكان إذا عرَّس بليل، اضطجع على شقه الأيمن، وإذا عرَّس قبيل الصبح، نصب ذراعه، ووضع رأسه على كفه، هكذا قال الترمذي. وقال أبو حاتم في (صحيحه): كان إذا عرَّس بالليل، توسد يمينه، وإذا عرَس قبيل الصبح، نصب ساعده، وأظن هذا وهماً، والصواب حديث الترمذي. وقال أبو حاتم: والتعريس إنما يكون قُبيل الصبح. وكان نومه أعدلَ النوم، وهو أنفع ما يكون من النوم، والأطباء يقولون: هو ثلث الليل والنهار، ثمان ساعات.
|
#149
|
||||
|
||||
هديه صلى الله عليه وسلم في الركوب
ركب الخيلَ والإِبل والبغال والحمير، وركب الفرس مُسْرَجَةً تارة، وَعَرِيَّا أخرى، وكان يُجريها في بعض الأحيان، وكان يركب وحده، وهو الأكثر، وربما أردف خلفه على البعير، وربما أردف خلفه، وأركب أمامه، وكانوا ثلاثة على بعير، وأردف الرجال، وأردف بعضَ نسائه، وكان أكثرَ مراكبه الخيل والإِبل. وأمّا البغال، فالمعروف أنه كان عنده منها بغلة واحدة أهداها له بعضُ الملوك، ولم تكن البغال مشهورة بأرض العرب، بل لما أهديت له البغلة قيل: ألا نُنزي الخيل على الحمر؟ فقال: (إِنَّمَا يَفْعَلُ ذِلِكَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ). فصل واتخذ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الغنم. وكان له مائة شاة، وكان لا يُحب أن تزيد على مائة، فإذا زادت بهمة، ذبح مكانها أخرى، واتخذ الرقيق من الإِماء والعبيد، وكان مواليه وعتقاؤه من العبيد أكثر من الإِماء. وقد روى الترمذي في (جامعه) من حديث أبي أمامة وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أيما امْرئٍ أَعْتَقَ امرءَاً مسلِماَ، كَانَ فِكَاكَه مِنَ النَّار، كلُّ عضوِ مِنهُ عضواً مِنهُ، وَأَيّمَا امْرئٍ مسلِم أَعتَقَ امْرَأَتين مسْلِمَتَين، كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنَ النَّارِ، يجَزِئُ كل عضوين مِنهُمَا عُضواً منِهُ) هذا حديث صحيح. وهذا يدل على أن عتق العبد أفضل، وأن عتق العبد يَعْدِل عتق أمتين، فكان أكثر عتقائه صلى الله عليه وسلم من العبيد، وهذا أحد المواضع الخمسة التي تكون فيها الأنثى على النصف من الذكر، والثاني: العقيقة، فإنه عن الأنثى شاة، وعن الذكر شاتان عند الجمهور، وفيه عدة أحاديث صحاح وحسان. والثالث: الشهادة، فإن شهادة امرأتين بشهادة رجل. والرابع: الميراث والخامس: الدية. فصل وباع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم واشترى. وكان شراؤه بعد أن أكرمه اللّه تعالى برسالته أكثَر من بيعه، وكذلك بعد الهجرة لا يكاد يُحفظ عنه البيع إلا في قضايا يسيرة أكثرها لغيره، كبيعه القدح والحلس فيمن يزيد، وبيعه يعقوب المدبَّر غلام أبي مذكورة، وبيعه عبداً أسود بعبدين. وأمّا شراؤه، فكثير، وآجر، واستأجر، واستئجاره أكثر من إيجاره، وإنما يُحفظ عنه أنه أجر نفسه قبل النبوة في رعاية الغنم، وأجر نفسه من خديجة في سفره بمالها إلى الشام. وإن كان العقد مضاربة، فالمضارب أمين، وأجير، ووكيل، وشريك، فأمين إذا قبض المال، ووكيل إذا تصرف فيه، وأجير فيما يُباشره بنفسه من العمل، وشريك إذا ظهر فيه الربح. وقد أخرج الحاكم في (مستدركه) من حديث الربيع بن بدر، عن أبي الزبير، عن جابر قال: آجرَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نفسه مِن خديجة بنت خويلد سفرتين إلى جَرَشَ كل سَفرَةٍ بِقَلُوصٍ، وقال: صحيح الإِسناد. قال في (النهاية): جُرَش، بضم الجيم وفتح الراء مِن مخاليف اليمن، وهو بفتحهما بلد بالشام. قلت: إن صح الحديث، فإنما هو المفتوح الذي بالشام، ولا يَصِحُّ، فإن الربيع بن بدر هذا هو عُلَيْلَة، ضعفه أئمة الحديث. قال النسائي والدارقطني والأزدي: متروك، وكأن الحاكم ظنه الربيع بن بدر مولى طلحة بن عبيد اللّه. وشارك رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ولما قدم عليه شريكهُ قال: أما تَعرِفُني؟ قال: (أما كُنْتَ شَرِيكي؟ فَنِعْمَ الشَّرِيكُ كُنْتَ لا تدَارِي ولا تُمَارِي). وتدارئ بالهمزة من المدارأة، وهي مدافعة الحق، صارت من المداراة، وهي المدافعة بالتي هي أحسن. ووكَّلَ وتَوَكَّل، وكان توكيلُه أكثرَ من توكّلِه. وأهدى، وَقَبِلَ الهدية، وأثاب عليها، ووهب، واتّهَبَ، فقال لسلمة بن الأكوع، وقد وقع في سهمه جارية: (هَبْهَا لِي) فوهَبَها له، فَفَادَى بها مِنْ أهْلِ مكّة أُسَارَى مِنَ المُسلمين. واستدان برهن، وبِغير رهن، واستعار، واشترى بالثمن الحالِّ والمؤجَّلِ.
|
#150
|
||||
|
||||
ما شاء الله جميل خالص
ربنا يجازيك كل الخير ويجعله في ميزان حسناتك ربنا يبارك فيك يارب ويكرمك ويرزقنا واياكم صحبه المصطفي عليه الصلاه والسلام
__________________
يااااااااااااااااااااااااااارب ارحم موتانا وموتي المسلمين يارب ارحمهم وثبتهم عند السؤال
|
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
المختار, المصطفى, النبى, ابا القاسم |
|
|