|
#1
|
||||
|
||||
(59 /53) حَـوَادِث عَام 9 هـ أ. غزوة تبوك: وسبب الغزوة: فقد تناهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الرُّوم جمعت جُموعها الهائلة بالشام لغزو المدينة، والقضاء على الإسلام والمسلمين ... فأَمَر الناسَ بالتَّجهُّز للخروج، وسُمِّي ذلك الجيش بــ "جَيْش العُسْرَة" لجَدب الأرض وشِدَّة الحَرِّ، حتى إن المنافقين أعلنوا نفاقهم وتخلَّفوا عن رَكْب الجيش، وأنفق المسلمون بسخاء على هذا الجيش، فجهَّز عُثْمان بن عَفَّان رضي الله عنه نصف الجيش لوحده، وتصدَّق أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه بكل ماله، وتصدَّق عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه بنصف ماله، وأثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم لصنيعهم هذا وسُرّ به ... ثم خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تَبُوك، وكان تعداد الجيش ثلاثين، وقيل أربعين وقيل سبعين ألف مقاتـل؛ ولم يجد أثراً للروم، فقد ارتاعوا وتقهقروا إلى داخل بلادهم مدافعين ... وعَسْكَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بجيشه عند تبوك حيث أرهب الأعداء، ثم آتاه أهل أَيْلَة وجَرْبَا وأَذْرُح وأعطوه الجِزية، وعاد للمدينة بعد بضع عشرة ليلة، وكانت آخر غزوة غزاها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه. ب. خَبَر المُتَخَلِّفِين عَن غَزْوَة تَبُوك: في غزوة تبوك كانت قصة تخلُّف كَعْب بن مَالِك ومُرَارَة بن الرَّبِيع وهِلاَل بن أُمَيَّة، وهم مِمَن شَهِدوا بَدراً؛ رضي اللهُ عنهم ... ولم يكن لهم عُذْر في التَّخَلُّف، فقاطعهم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون شَهْرًا حتى أنزل اللهُ تعالى فيهم: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}. (سورة التوبة، الآيتان: 117، 118) ج. عَامُ الوُفُود: أنزل اللهُ عَزَّ وجَلّ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}. (سورة النصر)؛ بعد إسلام قريش -وهي سيدة القبائل- أسلمت كل قبائل الجزيرة، فأرسلت وُفُودها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لإعلان إسلامها وسُمِّي ذلك العام بـــ "عَام الوُفُود" ... وهكذا عَمَّت الدَّعوة الإسلامية شبه الجزيرة العربية، وسُرَّ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأن رأى زرعه يُثمِر، ودين الله يَنتشِر على يديه. د. حَجَّة 9 هــ: بَعَث النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْر الصِّدِّيق أَمِيراً على الحج في هذا العام، ونزلت سورة "التَّوْبَة" في نَقْض ما بين الرسول صلى الله عليه وسلم والمُشْرِكين مِن عُهُود، فأَعلن أنه لا يَحُجَّ بعد العام مُشْرِك، ومَن له عند رسول الله عَهْد فهو إلى مُدَّتِه.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
(59 /54) حَـجَّةُ الوَدَاعِ عَام 10 هـ حَجَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالمسلمين في هذه السَّنَة (وهي حَجَّتُه الوَحِيدة) وخرج معه قريباً من مائة ألف حَاجٍّ أو أزيد بقليل، فعَلَّمَ النَّاسَ مَنَاسِكَهم وسُنَنَ حَجِّهِم، وخَطَب خُطْبَتَه التي بَيَّن فيها مِنْهَاج المسلمين ... ومـنــهـــا: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، فَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلاَ فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلَّالًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ»، ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟!». قَالُوا: "نَعَمْ"، قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ». ثم عاد بعدها النبيُّ عليه الصلاة والسلام للمدينة وبدأ به مَرَض المَوْت.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
(59/ 55) بَعْثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَام 11 هـ جهَّز الرسول عليه الصلاة والسلام جيشاً لقتال الرُّوم في البَلْقَاء (الأردن) بقيادة أسامة بن زيد بن حارثة (وعمره آنذاك 18 عاماً) وفي الجيش كِبَار الصَّحابة رضي اللهُ عنهم، ولم يخرج الجيش لمرض النبي صلى الله عليه وسلم.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
(59 /56) مَرَضُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ووَفَاتُهُ بَدَأ بالنبي عليه الصلاة والسلام الوَجَع والحُمَّى، فاستأذن نِسَائه أن يُمَرّض في بيت عائشة رضي اللهُ عنها، فأَذِنَّ له، وفي آخر مرَّة صعد فيها المنبر، كان مما قاله: «أُوصِيكُمْ بِالأَنْصَارِ، فَإِنَّهُمْ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَقَدْ قَضَوُا الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَبَقِيَ الَّذِي لَهُمْ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ»، ...ولما اشتدَّ به المَرَض قال: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ». ثم تُوفي الرسول صلى الله عليه وسلم في ضُحَى يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام 11هـ الموافق عام 632م، وكان عليه الصلاة والسلام في الثالثة والستين (63) مِن عُمُره ... وأصاب المسلمين حزن عظيم، فلم يُصَدَّق عُمَرُ بموت النبي صلى الله عليه وسلم، وأُغْمِيَ عَلَى عُثْمَانٍ، وجلس عَلِيُّ يبكي ومعه الصحابة، فخطب فيهم أبو بكر وقال: "أَلاَ مَنْ كان يَعبُد محمداً صلى الله عليه وسلم فإن محمداً قد مات؛ ومَن كان يَعبُد اللهَ فإن اللهَ حَيٌّ لاَ يَمُوت"؛ ثم تَلاَ قَوْل اللهِ تَعَالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}. (سورة آل عمران، الآية رقم: 144)؛ فأفاق النَّاسُ، وأفاق عُمَرُ حتى إنه قال: "واللهِ، ظَنَنْتُ أنه ليس في القُرآن هذه الآية حتى ذَكَّرنِيهَا أبو بكر". نعم، تُوُفي النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن بلَّغ الرسالة وأدَّ الأمانة ونصح الأُمَّةَ، وسَنَّ لَنَا سُنَنًا وحَدَّ لَنَا حُدُودًا فمَن سار عليها اِهتدى، ومَن أبى فقد هلك! - وقَد رَثَى نَبِينَّا بعضُ الصَّحابة رضي اللهُ عنهم ... فَمِنْهُم عَمَّتُهُ أَروَى بِنْتُ عَبْدِ المُطَّلِب، إِذْ قالت: أَلاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتَ رَجَاءَنَا ... وَكُنْتَ بِنَا بَرًّا وَلَمْ تَكُ جَافِيَا! وَكُنْتَ بِنَا رَءُوفًا رَحِيمًا نَبِيَّنَا ... لِيَبْكِ عَلَيْكَ اليَوْمَ مَنْ كَانَ بَاكِيًا! لَعَمْرُكَ مَا أَبْكِي النَّبِيَّ لِمَوْتِهِ ... وَلَكِنْ لِهَرْجٍ كَانَ بَعْدَكَ آتِيَا كَأَنَّ عَلَى قَلْبِي لِذِكْرِ مُحَمَّدٍ ... وَمَا خِفْتُ مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّ المَكَاوِيَا أَفَاطِمُ، صَلَّى اللَّهُ رَبُّ مُحَمَّدٍ ... عَلَى جَدَثٍ أَمْسَى بِيَثْرِبَ ثَاوِيَا! أَبَا حَسَنٍ فَارَقْتَهُ وَتَرَكْتَهُ ... فَبَكِّ بِحُزْنٍ آخِرَ الدَّهْرِ شَاجِيَا! فِدًا لِرَسُولِ اللَّهِ أُمِّي وَخَالَتِي ... وَعَمِّي وَنَفْسِي قُصْرَةً ثُمَّ خَالِيَا فَلَوْ أَنَّ رَبَّ النَّاسِ أَبْقَاكَ بَيْنَنَا ... سَعِدْنَا وَلَكِنْ أَمْرُنَا كَانَ مَاضِيَا! عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ السَّلامُ تَحِيَّةً ... وَأُدْخِلْتَ جَنَّاتٍ مِنَ العَدْنِ رَاضِيَا! - وقَالَ ابْنُ عَمَّهِ أَبُو سُفْيَان بْنُ الحَارِث: أَرِقْتُ فَبَاتَ لَيْلِي لاَ يَزُوْلُ ... وَلَيْلُ أَخِي المُصِيْبَةِ فِيْهِ طُوْلُ وَأَسْعَدَنِي البُكَاءُ وَذَاكَ فِيْمَا ... أُصِيْبَ المُسْلِمُوْنَ بِهِ قَلِيْلُ فَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيْبَتُنَا وَجَلَّتْ ... عَشِيَّةَ قِيْلَ قَدْ قُبِضَ الرَّسُوْلُ فَقَدْنَا الوَحْيَ وَالتَّنْزِيْلَ فِيْنَا ... يَرُوْحُ بِهِ وَيَغْدُو جَبْرَائِيلُ وَذَاكَ أَحَقُّ مَا سَالَتْ عَلَيْهِ ... نُفُوْسُ الخَلْقِ أَوْ كَادَتْ تَسِيْلُ نَبِيٌّ كَانَ يَجْلُو الشَّكَّ عَنَّا ... بِمَا يُوْحَى إِلَيْهِ وَمَا يَقُوْلُ وَيَهْدِيْنَا فَلاَ نَخْشَى ضَلاَلاً ... عَلَيْنَا وَالرَّسُوْلُ لَنَا دَلِيْلُ فَلَمْ نَرَ مِثْلَهُ فِي النَّاسِ حَيّاً ... وَلَيْسَ لَهُ مِنَ المَوْتَى عَدِيْلُ أَفَاطِمُ، إِنْ جَزِعْتِ فَذَاكَ عُذْرٌ ... وَإِنْ لَمْ تَجْزَعِي فَذَاكَ السَّبِيْلُ فَقَبْرُ أَبِيْكِ سَيِّدُ كُلِّ قَبْرٍ ... وَفِيْهِ سَيِّدُ النَّاسِ الرَّسُوْلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________________
|
#5
|
|||
|
|||
مشكوووووووووور
|
#6
|
||||
|
||||
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
(60) عَهْدُ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِين لم تتجاوز الخِلاَفة الرَّاشدة الثلاثين عاماً، وقد تميزت بأن الخلفاء سَارُوا على نَهج رسول الله صلى الله عليه وسلم تماماً، حسب الطريق المستقيم الذي ارتضاه اللهُ لعباده، فكانت هذه الفترة هي الصورة الصحيحة للحُكم الإسلامي، وللدولة الإسلامية؛ وهذه الصورة يجب أن تكون القُدوة لكل حاكم يريد لنفسه السعادة في الدَّارين، ولشَعبِه الصلاح والحياة السعيدة ... وقد بلغت الحضارة في هذه المُدَّة أوجّها، حيث حصل الأفراد على السعادة التامة في المساواة والعَدل والأَمن والطُّمأنينة، والحاجات الأساسية ... ثم بعد هذه الفترة، ظهرت الفتن التي عصفت بالمسلمين، وفرَّقتهم إلى أحزاب وفِرَق، ولا زالوا إلى الآن على هذا الحال؛ فاللهُ المُسْتعَان.
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
(60/ 1) خَلِيفة رَسُول الله/ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق نَسَبُه؛ هــو: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ القُرَشِيُّ، ثُمَّ التَّيمِيُّ؛ الصِّدِّيق الأعظم وخليفة رسول رب العالمين وأفضل الخلق بعد الأنبياء والمرسلين. يُلقَّب بالعَتِيق، ويُكنَى بأَبِي بَكْر، ويُعرَف بالصِّدِّيق. كان في الجاهلية من وجهاء قريش وأشرافهم، وكان أعرف قريش بالأنساب، وكان تاجراً يرتحل البلاد، وقد حرَّم على نفسه الخمر في الجاهلية، ولم يسجد لصنم قط، وكان صَدِيقاً ونَدِيماً للنبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، وكان دخوله في الإسلام وسَبْقه رَفَعَه عمَّن سواه وأشهره، وهو يُعدَّ الشخص الثاني في الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
__________________
|
#9
|
||||
|
||||
(60/ 2) حياته في الإسلام هو أَوَّل مَن أسلم مِن الرِّجال، وصحب أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم، مِن حين أسلم إلى أن تُوفي، وهاجر معه، وكان صاحبه في الغار أثناء الهجرة، وهو المُراد بقوله تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}. (سورة التوبة، الآية رقم: 40)؛ وشَهِد مع الرسول صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها، وثَبَت يوم أُحُد وحُنَين، وقد فرَّ النَّاسُ، وكان مِن أشجع الناس، يثبت في المعارك، ولا يحيد خطوة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يُدافِع ويَذُود عنه، وكان كريماً، أنفق معظم ماله في سبيل الله تعالى، وهو المقصود بقوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى. الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى}. (سورة الليل، الآيتان: 17، 18)؛ وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ، مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ». وفي غزوة تَبُوك تصدَّق بكل ماله لتجهيز الجيش، وكانت راية المسلمين في يده في هذه الغزوة، وقد أسلم على يده عدد كبير من كبار الصحابة، منهم عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وقد اشترى وأعتق عددًا مِن المُعَذَّبين منهم: بِلاَل بْنُ رَبَاح، وعَامِر بْن فُهَيْرَة رضي الله عنهما، وغيرهما؛ وبعثه النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَمِيراً على الحج في عام 9 هـ؛ وعندما مرض الرسول صلى الله عليه وسلم مرض الموت، قال: «مُرُوا أَبَابَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ».
__________________
|
#10
|
||||
|
||||
(60/ 3) بــَيــْـعـَـــتُــــــهُ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، شعر الأنصار، وهم أهل المدينة، أنهم بحاجة إلى اختيار خليفة يتولى شؤون المدينة، وأمر المسلمين، وإلا تعرضت المدينة للتهديد، وقد ظنوا أن المهاجرين ربما يعودون إلى موطنهم مكة المكرمة، فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، وتشاوروا بينهم، واتفقوا على اختيار سعد بن عبادة، فبايعوه بالخلافة ... وعندما علم المهاجرون، فجاء أبو بكر وعمر والزبير وغيرهم، فخطب أبو بكر ومما قاله: "إن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لقريش"، وأكَّد عُمَرُ على ذلك. فاقتُرِح: أن يتولاها مهاجري ثم أنصاري وهكذا؛ ولكن قُوبِل هذا بالرفض. ثم اقترح بعض الأنصار: أن يكون من المهاجرين أمير، ومن الأنصار أمير؛ ورُفِض هذا الرأي أيضًا. وعندما رأى الأنصار أن المهاجرين سيبقون في المدينة، ولن يغادروها، اقتنعوا بأنهم أولى بهذا الأمر، فوافقوا، فتقدَّم عُمَر وبايع أَبَا بكر، ثم بايعه كل أهل السقيفة، وفي اليوم الثاني بايعه الناس البيعة العامة، ثم خطب أبو بكر في المسجد، فكان مما قاله: "أطيعوني ما أطعتُ اللهَ ورسولَه فيكم، فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم".
__________________
|
#11
|
||||
|
||||
(60/ 4) أعماله وفُتوحاته كانت فَترة ولاية أبي بكر الصديق رضي الله عنه قصيرة (سنتين و3 شهور)، ومع ذلك فقد كانت مليئة بالأعمال الجليلة، أهــمــــهـــــــا: (60/ 5) إِنْفَاذ جَيْش أُسَامة بن زَيْد اقترح الكثيرون عدم إرسال هذا الجيش، نظراً لردة أغلب سكان الجزيرة، وإحداق الخطر بالمدينة، ورغم ذلك أنفذه أبو بكر، تنفيذاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم مهما كانت النتائج، وفي إرسال هذا الجيش بيان للجميع بقوة المسلمين المادية والمعنوية، وعاد الجيش منتصراً، وكان ذلك سبباً في ثَباَت الكثيرين على الإسلام.
__________________
|
#12
|
||||
|
||||
(60/ 6) حُروب الرِّدَّة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ارتدَّت كل الجزيرة عن الإسلام، ما عدا مكة والمدينة والطائف، فقِسم مِن المُرتدِّين عادوا إلى الكفر واتباع مُدَّعِي النُّبوة، وقِسم امتنعوا فقط عن دفع الزكاة ... فأشار الصحابة بعدم قتـالهم نَظَراً للظروف الحَرِجة، ولخروج جيش أسامة بن زيد فرفض أبو بكر الصديق بكل شدة، وعارضه عمر بن الخطاب حيث قال: كَيْفَ تُقَاتِـلُ النَّاسَ؟! وقَد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِـلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ، إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ»؛ فَقَالَ أبو بكر: واللَّهِ لَأُقَاتِـلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ والزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ، واللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ"، فَقَالَ عُمَرُ: "فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَقُّ". وبمجرد أن شيَّع أبو بكر جيش أسامة جعل الصحابة على منافذ المدينة لحراستها، وأمر المسلمين بالتواجد في المسجد للطوارئ خوفاً من مهاجمة المدينة، وحصلت غارة فردُّوها، وكان يخرج بنفسه إلى المنافذ ... ثم جاءت بعد فترة قصيرة صَدَقات كثيرة، ومن جهات عديدة، وبعد شهرين عاد جيش أسامة منتصراً كما أسلفنا؛ فعقد أبو بكر أَحَدَ عَشَر لواءً لقتـال المُرتدِّين في كل الجزيرة بقيادة خالد بن الوليد ... ثم انطلق خالد فقاتـل أَسَد وغَطَفَان وعَامِر، وكان يقودهم طُلَيحة بن خُوَيلد الأَسَدِي (مُدَّعِي النُّبُوَّة)، فالتقاهم خالد عند بئر بُزاخة، فنكَّل بهم، حتى انهزموا وتابوا. ثم خالد سار إلى منازل بني يربوع وبني تميم بالبطاح، وقد تنبأت فيهم سجاح، وقاتـلهم، فقتـل قائدهم مالك بن نويرة وأخضعهم.
__________________
|
#13
|
||||
|
||||
رائعة جدا أستاذنا الفاضل مستر حاتم
جزاك الله خيرا و بارك الله فيك |
#14
|
||||
|
||||
اقتباس:
أسعدني وشرفني مرورك الجميل مستر/ أيمن
فجزيل شكري وتقديري لحضرتك
__________________
|
#15
|
||||
|
||||
(60/ 7) معركة اليمامة 11 هــ ... وما بعدها من القبائل ثم سارت الجيوش إلى بني حنيفة في اليمامة، وقد تَنبَّأ فيهم مُسَيْلِمَة الكَذَّاب، فَنَشَب قتـال ضَارِي؛ وانتصر المسلمون أخيراً. وقُتِـل مُسَيْلِمَة، وتاب القومُ وعادوا إلى الإسلام، وقد اسْتُشِهَد في المعركة عدد كبير من الصحابة، ومِن حَمَلَة القرآن؛ وهذا ما حَمَل أبو بكر فيما بعد إلى التفكير في جَمْع القرآن بين دَفَّتْي مصحف. ثم أرسل أبو بكر جيوشاً بقيادة حُذَيْفَة بن مِحْصَن وعَرْفَجَة بن هَرْثَمَة وعِكْرِمَة إلى أهل عُمَان ودبا ومهرة، فأخضعا تلك الجهات. ثم أُخْضِعَت بَحْرَان وحَضْرَمَوْت واليَمَن، وكان قد تَنبَّأ فيها الأَسْوَد العَنْسِيُّ؛ ومِن قُوَّادِها المشهورين المُهَاجِر بْن أَبِي أُمَيَّة، وعِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْلٍ. ثم أرسل العَلاَءَ بْن الحضرمي إلى البحرين، فأخضعها ودانت له. ثم أُخْضِعَت باقي الجهات بالقتـال أو عادت إلى الحق بدون قتـال، فاستقرَّت الأمور في الجزيرة العربية، ودانت أطرافها، ورفرف الإسلام عليها.
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|