|
أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل |
|
أدوات الموضوع | ابحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
الرَّحْمَة
معنى الرَّحْمَة لغةً واصطلاحًا معنى الرَّحْمَة لغةً: الرحمة: من رحمة يرحمه، رحمة ومرحمة، إذا رقَّ له، وتعطف عليه، وأصل هذه المادة يدلُّ على الرقة والعطف والرأفة، وتراحم القوم: رحم بعضهم بعضًا. ومنها الرَّحِم: وهي عَلاقة القرابة. وقد تطلق الرَّحْمَة، ويراد بها ما تقع به الرَّحْمَة، كإطلاق الرَّحْمَة على الرِّزق والغيث . معنى الرَّحْمَة اصطلاحًا: (الرَّحْمَة رقَّة تقتضي الإحسان إلى الْمَرْحُومِ، وقد تستعمل تارةً في الرِّقَّة المجرَّدة، وتارة في الإحسان المجرَّد عن الرِّقَّة) . وقيل: (هي رِقَّة في النفس، تبعث على سوق الخير لمن تتعدى إليه) . وقيل: هي (رِقَّة في القلب، يلامسها الألم حينما تدرك الحواس أو تدرك بالحواس، أو يتصور الفكر وجود الألم عند شخص آخر، أو يلامسها السُّرور حينما تدرك الحواس أو تدرك بالحواس أو يتصور الفكر وجود المسرة عند شخص آخر) . |
#2
|
||||
|
||||
الفرق بين الرَّحْمَة والرَّأفة قال ابن عاشور: (والرَّأفة: رِقَّة تنشأ عند حدوث ضر بالمرؤوف به. يقال: رؤوفٌ رحيم. والرَّحْمَة: رقَّة تقتضي الإحسان للمرحوم، بينهما عمومٌ وخصوص مطلق) .
وقال القفال: (الفرق بين الرَّأفة والرَّحْمَة: أنَّ الرَّأفة مبالغة في رحمة خاصة، وهي دفع المكروه وإزالة الضَّرر، كقوله: وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ [النور: 2] أي: لا ترأفوا بهما فترفعوا الجلد عنهما، وأمَّا الرَّحْمَة فإنَّها اسم جامع، يدخل فيه ذلك المعنى، ويدخل فيه الانفصال والإنعام) . وقال أبو البقاء الكفوي: (الرَّحْمَة هي أن يوصل إليك المسار، والرَّأفة هي أن يدفع عنك المضار... فالرَّحْمَة من باب التزكية، والرَّأفة من باب التَّخلية، والرَّأفة مبالغة في رحمة مخصوصة، هي رفع المكروه وإزالة الضر، فذكر الرَّحْمَة بعدها في القرآن مطردًا لتكون أعم وأشمل) . وقيل: (الرَّأفة أشد من الرَّحْمَة)، وقيل: (الرَّحْمَة أكثر من الرَّأفة، والرَّأفة أقوى منها في الكيفية؛ لأنَّها عبارة عن إيصال النِّعم صافية عن الألم) . |
#3
|
||||
|
||||
|
#4
|
||||
|
||||
|
#5
|
||||
|
||||
|
#6
|
||||
|
||||
أقوال السَّلف والعلماء في الحَيَاء - قال عمر رضي الله عنه: (مَن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه، ومَن قلَّ ورعه مات قلبه) .
- قال ابن القيِّم في حقيقة الحَيَاء: (قال صاحب المنازل: الحَيَاء: مِن أوَّل مدارج أهل الخصوص، يتولَّد مِن تعظيمٍ منوطٍ بودٍّ. إنَّما جَعَل الحَيَاء مِن أوَّل مدارج أهل الخصوص: لما فيه مِن ملاحظة حضور مَن يستَحيي منه، وأوَّل سلوك أهل الخصوص: أن يروا الحقَّ سبحانه حاضرًا معهم، وعليه بناء سلوكهم. وقوله: إنَّه يتولَّد مِن تعظيمٍ منوطٍ بودٍّ. يعني: أنَّ الحَيَاء حالة حاصلة مِن امتزاج التَّعظيم بالمودَّة، فإذا اقترنا تولَّد بينهما الحَيَاء، والجنيد يقول: إنَّ تولُّده مِن مشاهدة النِّعم ورؤية التَّقصير، ومنهم مَن يقول: تولُّده مِن شعور القلب بما يستحيي منه، فيتولَّد مِن هذا الشُّعور والنُّفرة، حالةٌ تُسَمَّى: الحَيَاء، ولا تنافي بين هذه الأقوال، فإنَّ للحياء عدَّة أسباب) . - وقال أيضًا: (حياة القلب يكون فيه قوَّة خُلُق الحَيَاء، وقلَّة الحَيَاء مِن موت القلب والرُّوح، فكلَّما كان القلب أحيى كان الحَيَاء أتم. - قال الجنيد: الحَيَاء: رؤية الآلاء ورؤية التَّقصير، فيتولَّد بينهما حالة تُسمَّى الحَيَاء، وحقيقته: خُلُقٌ يبعث على ترك القبائح، ويمنع مِن التَّفريط في حقِّ صاحب الحقِّ). - وقال الفضيل بن عياض: (خمسٌ مِن علامات الشَّقاوة: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلَّة الحَيَاء، والرَّغبة في الدُّنْيا، وطول الأمل) . - وقال أبو عبيدة النَّاجي: سمعت الحسن يقول: (الحَيَاء والتَّكرُّم خصلتان مِن خصال الخير، لم يكونا في عبد إلَّا رفعه الله عزَّ وجلَّ بهما) . - (وقال ابن عطاء: العلم الأكبر: الهيبة والحَيَاء؛ فإذا ذهبت الهيبة والحَيَاء، لم يبق فيه خير. - وقال ذو النُّون المصري: الحَيَاء، وجود الهيبة في القلب، مع وحشة ما سبق منك إلى ربِّك تعالى. - وقال أبو عثمان: مَن تكلَّم في الحَيَاء ولا يستحي مِن الله عزَّ وجلَّ فيما يتكلَّم به، فهو مُستَدرَج. - وقال الجريري: تعامل القرن الأوَّل مِن النَّاس فيما بينهم بالدِّين، حتى رقَّ الدِّين.. ثمَّ تعامل القرن الثَّاني بالوفاء حتى ذهب الوفاء، ثمَّ تعامل القرن الثَّالث بالمروءة حتى ذهبت المروءة، ثمَّ تعامل القرن الرَّابع بالحَيَاء حتى ذهب الحَيَاء، ثمَّ صار النَّاس يتعاملون بالرَّغبة والرَّهبة. - وقيل: مِن علامات المستحي: أن لا يُرَى بموضع يُسْتَحَيا منه) . - وقال ابن أبي الدُّنْيا: (قيل لبعض الحكماء: ما أنفع الحَيَاء؟ قال: أن تستحي أن تسأله ما تحبُّ، وتأتي ما يكره) . - وقال ربيط بني إسرائيل: (زين المرأة الحَيَاء، وزين الحكيم الصَّمت) . |
#7
|
||||
|
||||
فوائد الحَيَاء 1- أن الحَيَاء مِن خصال الإيمان.
2- هجر المعصية خجلًا من الله سبحانه وتعالى. 3- الإقبال على الطَّاعة بوازع الحبِّ لله عزَّ وجلَّ. 4- يبعد عن فضائح الدُّنْيا والآخرة. 5- أصل كلِّ شعب الإيمان. 6- يكسو المرء الوَقَار فلا يفعل ما يخلُّ بالمروءة والتوقير ولا يؤذي مَن يستحقُّ الإكرام. 7- لا يمنع مِن مواجهة أهل الباطل ومرتكبي السوء. 8- مَن استحى مِن الله ستره الله في الدُّنْيا والآخرة. 9- يُعدُّ صاحبه مِن المحبوبين عند الله وعند النَّاس. 10- يمنع الشَّخص عن الفواحش، ويجعله يستتر بها إذا هو سقط في شيء مِن أوحالها. 11- يدفع المرء إلى التَّحلِّي بكلِّ جميل محبوب، والتَّخلِّي عن كلِّ قبيح مكروه . |
#8
|
||||
|
||||
نماذج مِن حياء السَّلف - عن الشَّعَبي، قال: سمع عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه امرأة تقول: دعتني النَّفس بعد خروج عمرو***إلى اللَّذَّات تطَّلع اطِّلاعا فقلت لها عجلت فلن تطاعي***ولو طالت إقامته ربَاعا أحاذر أن أطيعك سبَّ نفسي***ومخزاة تحلِّلني قناعا فقال لها عمر: (ما الذي منعك مِن ذلك؟ قالت: الحَيَاء وإكرام زوحي. فقال عمر: إنَّ في الحَيَاء لهَنات ذات ألوان، مَن استحيى اختفى، ومَن اختفى اتَّقى، ومَن اتَّقى وُقِي) .
- وقال الجرَّاح الحكمي: (تركت الذُّنوب حياءً أربعين سنة، ثمَّ أدركني الورع) . - ورُوِي أنَّ عمرو بن عتبة بن فرقد كان يصلِّي ذات ليلة، فسمعوا صوت الأسد، فهرب مَن كان حوله، وهو قائم يصلِّي فلم ينصرف، فقالوا له: أما خفت الأسد؟ فقال: إنِّي لأستحي مِن الله أن أخاف شيئًا سواه . - وقال جعفر الصَّانع: كان في جيران أبي عبد الله أحمد بن محمَّد بن حنبل، رجل ممَّن يمارس المعاصي والقاذورات، فجاء يومًا إلى مجلس أحمد يسلِّم عليه، فكأن أحمد لم يردَّ عليه ردًّا تامًّا وانقبض منه، فقال له: يا أبا عبد الله! لم تنقبض منِّي؟ فإنِّي قد انتقلت عمَّا كنت تعهدني برؤيا رأيتها. قال: وأيُّ شيء رأيت؟ قال: رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في النَّوم كأنَّه على علوٍّ مِن الأرض، وناس كثير أسفل جلوس، قال: فيقوم رجلٌ رجلٌ منهم إليه، فيقول: ادع لي! فيدعو له حتى لم يبق مِن القوم غيري، قال: فأردت أن أقوم فاستحييت مِن قبيح ما كنت عليه، قال لي: يا فلان! لم لا تقوم إلي فتسألني أدعو لك؟ قال: قلت: يا رسول الله! يقطعني الحَيَاء لقبيح ما أنا عليه. فقال: إن كان يقطعك الحَيَاء فقم فسلني أدع لك فإنَّك لا تسبُّ أحدًا مِن أصحابي. قال: فقمت، فدعا لي، فانتبهت وقد بغَّض الله إليَّ ما كنت عليه. قال: فقال لنا أبو عبد الله: يا جعفر، يا فلان، حدِّثوا بهذا واحفظوه فإنَّه ينفع . - وكان الرَّبيع بن خُثَيم مِن شدَّة غضه لبصره وإطراقه يَظُنُّ بعض النَّاس أنَّه أعمى، وكان يختلف إلى منزل ابن مسعود عشرين سنة، فإذا رأته جاريته قالت لابن مسعود: صديقك الأعمى قد جاء، فكان يضحك ابن مسعود مِن قولها، وكان إذا دقَّ الباب تخرج الجارية إليه فتراه مطرقًا غاضًّا بصره . - ولما احتُضر الأسود بن يزيد بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لا أجزع؟ ومَن أحقُّ منِّي بذلك؟ والله لو أُتيت بالمغفرة مِن الله لأهمَّني الحَيَاء منه ممَّا قد صنعت، وإنَّ الرَّجل ليكون بينه وبين الرَّجل الذَّنْب الصَّغير، فيعفو عنه، ولا يزال مستحييًا منه . |
#9
|
||||
|
||||
الحَيَاء في واحة الشِّعر قال الشَّاعر: إذا لم تخشَ عاقبةَ الليالي***ولم تستحِ فاصنعْ ما تشاءُ فلا واللهِ ما في العيشِ خيرٌ***ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ يعيشُ المرءُ ما استحيا بخيرٍ***ويبقَى العودُ ما بقي اللِّحاءُ وقال أميَّة بن أبي الصَّلت يمدح ابن جُدْعَان بالحَيَاء: أأذكرُ حاجتي أم قد كفاني***حياؤُك؟ إنَّ شيمتَك الحَيَاءُ إذا أثنى عليك المرءُ يومًا***كفاهُ من تعرُّضِك الثَّناءُ وقال آخر: إذا قلَّ ماءُ الوجهِ قلَّ حياؤهُ***لا خيرَ في وجهٍ إذا قلَّ ماؤهُ حياءَك فاحفظْه عليك فإنَّما***يدلُّ على فضلِ الكريمِ حياؤهُ وقال آخر: كريمٌ يغضُّ الطَّرفَ فضلَ حيائِه***ويدنو وأطرافُ الرِّماحِ دواني وكالسَّيفِ إن لاينته لَانَ متنُه***وحدَّاهُ إن خاشنته خَشِنانِ وقال العرجي: إذا حُرِم المرءُ الحَيَاءَ فإنَّه***بكلِّ قبيحٍ كان منه جديرُ له قِحةٌ في كلِّ شيءٍ، وسرُّه***مباحٌ، وخدناه خنًا وغرورُ يرى الشَّتم مدحًا والدَّناءة رفعةً***وللسَّمع منه في العظات نفورُ ووجهُ الحَيَاء مُلبَّسٌ جلدَ رِقَّةٍ***بغيضٌ إليه ما يشينُ كثيرُ له رغبةٌ في أمرِه وتجرُّدٌ***حليمٌ لدى جهلِ الجهولِ وقورُ فرجِّ الفتى مادام يحيا فإنَّه***إلى خيرِ حالاتِ المنيبِ يصيرُ وقال آخر: ما إن دعاني الهوى لفاحشةٍ***إلَّا نهاني الحَيَاءُ والكَرَمُ فلا إلى فاحشٍ مددتُ يدي***ولا مَشَتْ بي لريبةٍ قدمُ
آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 03-05-2013 الساعة 11:30 PM |
#10
|
||||
|
||||
الرَّحْمَة معنى الرَّحْمَة لغةً
معنى الرَّحْمَة لغةً: الرحمة: من رحمة يرحمه، رحمة ومرحمة، إذا رقَّ له، وتعطف عليه، وأصل هذه المادة يدلُّ على الرقة والعطف والرأفة، وتراحم القوم: رحم بعضهم بعضًا. ومنها الرَّحِم: وهي عَلاقة القرابة. وقد تطلق الرَّحْمَة، ويراد بها ما تقع به الرَّحْمَة، كإطلاق الرَّحْمَة على الرِّزق والغيث . معنى الرَّحْمَة اصطلاحًا: (الرَّحْمَة رقَّة تقتضي الإحسان إلى الْمَرْحُومِ، وقد تستعمل تارةً في الرِّقَّة المجرَّدة، وتارة في الإحسان المجرَّد عن الرِّقَّة) . وقيل: (هي رِقَّة في النفس، تبعث على سوق الخير لمن تتعدى إليه) . وقيل: هي (رِقَّة في القلب، يلامسها الألم حينما تدرك الحواس أو تدرك بالحواس، أو يتصور الفكر وجود الألم عند شخص آخر، أو يلامسها السُّرور حينما تدرك الحواس أو تدرك بالحواس أو يتصور الفكر وجود المسرة عند شخص آخر) . |
#11
|
||||
|
||||
الفرق بين الرَّحْمَة والرَّأفة قال ابن عاشور: (والرَّأفة: رِقَّة تنشأ عند حدوث ضر بالمرؤوف به. يقال: رؤوفٌ رحيم. والرَّحْمَة: رقَّة تقتضي الإحسان للمرحوم، بينهما عمومٌ وخصوص مطلق) .
وقال القفال: (الفرق بين الرَّأفة والرَّحْمَة: أنَّ الرَّأفة مبالغة في رحمة خاصة، وهي دفع المكروه وإزالة الضَّرر، كقوله: وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ [النور: 2] أي: لا ترأفوا بهما فترفعوا الجلد عنهما، وأمَّا الرَّحْمَة فإنَّها اسم جامع، يدخل فيه ذلك المعنى، ويدخل فيه الانفصال والإنعام) . وقال أبو البقاء الكفوي: (الرَّحْمَة هي أن يوصل إليك المسار، والرَّأفة هي أن يدفع عنك المضار... فالرَّحْمَة من باب التزكية، والرَّأفة من باب التَّخلية، والرَّأفة مبالغة في رحمة مخصوصة، هي رفع المكروه وإزالة الضر، فذكر الرَّحْمَة بعدها في القرآن مطردًا لتكون أعم وأشمل) . وقيل: (الرَّأفة أشد من الرَّحْمَة)، وقيل: (الرَّحْمَة أكثر من الرَّأفة، والرَّأفة أقوى منها في الكيفية؛ لأنَّها عبارة عن إيصال النِّعم صافية عن الألم) . |
#12
|
||||
|
||||
باااااااااااااااارك الله بمجهودكم المتميز استاذي الفاضل ......
فجزااااااااااكم الله خيراااااااااااااا
__________________
|
#13
|
||||
|
||||
|
#14
|
||||
|
||||
أولًا: في القرآن الكريم
ذكر الله هذه الصفة العظيمة في غير ما آية من كتابه الكريم، إمَّا في معرض تسميه واتصافه بها، أو في معرض الامتنان على العباد بما يسبغه عليهم من آثارها، أو تذكيرهم بسعتها، أو من باب المدح والثناء للمتصفين بها المتحلِّين بمعانيها، أو غير ذلك من السياقات، ومن ذلك: - تَسمِّيه جلَّ وعلا باسم الرَّحمن والرَّحيم، واتصافه بصفة الرَّحْمَة: وهذا كثير جدًّا في القرآن، نذكر منه على سبيل المثال لا الحصر: قوله تعالى: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة: 3]، فقد سمى الله نفسه بهذين الاسمين المشتملين على صفة الرَّحْمَة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (هما اسمان رقيقان، أحدهما أرق من الآخر، أي أكثر رحمة) . - ومن ذلك أنَّ الله جعل هذه الصفة لصفوة خلقه، وخيرة عباده، وهم الأنبياء والمرسلين، ومن سار على نهجهم من المصلحين، فقد قال الله تعالى ممتنًا على رسوله صلى الله عليه وسلم على ما ألقاه في قلبه من فيوض الرَّحْمَة، جعلته يلين للمؤمنين، ويرحمهم ويعفو عنهم، ويتجاوز عن أخطائهم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ [آل عمران: 159]. أي: فبسبب رحمة من الله أودعها الله في قلبك يا محمد، كنت هيِّنًا، لين الجانب مع أصحابك، مع أنهم خالفوا أمرك وعصوك . - ومن ذلك ثناء الله على المتَّصفين بالرَّحْمَة والمتخلِّقين بها، فقد قال تعالى واصفًا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الذين معه: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ [الفتح: 29]، فهم أشدَّاء على الكفار، رحماء بينهم، بحسب ما يقتضيه منهم إيمانهم، فالإيمان بالله واليوم الآخر متى تغلغل في القلب حقًّا، غرس فيه الرَّحْمَة بمقدار قوته وتغلغله . - وقال تعالى: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ [البلد: 11 – 18]. قال محمد الطاهر بن عاشور: (خصَّ بالذِّكر من أوصاف المؤمنين، تواصيهم بالصَّبر، وتواصيهم بالمرحمة، لأنَّ ذلك أشرف صفاتهم بعد الإيمان، فإنَّ الصَّبر ملاك الأعمال الصَّالحة كلِّها؛ لأنَّها لا تخلو من كبح الشَّهوة النَّفسانيَّة وذلك من الصَّبر. والمرحمة، ملاك صلاح الجماعة الإسلاميَّة قال تعالى: رُحَمَاء بَيْنَهُمْ [الفتح: 29]، والتَّواصي بالرَّحمة فضيلة عظيمة، وهو أيضًا كناية عن اتِّصافهم بالمرحمة، لأنَّ من يوصي بالمرحمة هو الذي عرف قدرها وفضلها، فهو يفعلها قبل أن يوصي بها) . |
#15
|
||||
|
||||
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة أما السُّنَّة فقد استفاضت نصوصها الداعية إلى الرَّحْمَة، الحاثَّة عليها، المرغِّبة فيها إمَّا نصًّا أو مفهومًا، كيف لا وصاحبها صلى الله عليه وسلم هو نبي الرَّحْمَة كما وصف نفسه فقال: ((أنا محمد، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرَّحْمَة)) .
- فعن النُّعمان بن بشير رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ترى المؤمنين في تراحمهم، وتوادِّهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى عضوًا، تداعى له سائر جسده بالسَّهر والحمَّى)) . يقول النووي معلقًا على هذا الحديث: (هذه الأحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثِّهم على التراحم، والملاطفة، والتعاضد، في غير إثم ولا مكروه) . وقال ابن أبي جمرة: (الذي يظهر أنَّ التَّراحم، والتوادد، والتعاطف، وإن كانت متقاربة في المعنى لكن بينها فرق لطيف، فأما التَّراحم فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضًا بأخوة الإيمان، لا بسبب شيء آخر، وأما التوادد فالمراد به التواصل الجالب للمحبة، كالتزاور والتهادي، وأما التعاطف فالمراد به إعانة بعضهم بعضًا، كما يعطف الثوب عليه ليقويه) . - وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت: ((جاء أعرابيٌّ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: تقبِّلون الصِّبيان فما نقبِّلهم، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرَّحْمَة؟)) . قال ابن بطال: (رحمة الولد الصغير، ومعانقته، وتقبيله، والرفق به، من الأعمال التي يرضاها الله ويجازي عليها، ألا ترى قوله عليه السلام للأقرع بن حابس حين ذكر عند النَّبي صلى الله عليه وسلم أن له عشرة من الولد ما قبل منهم أحدًا: ((من لا يرحم لا يرحم))؟ . - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرَّاحمون يرحمهم الرَّحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السَّماء)) . قال شمس الدين السفيري: (فندب صلى الله عليه وسلم إلى الرَّحْمَة، والعطف على جميع الخلق من جميع الحيوانات، على اختلاف أنواعها في غير حديث، وأشرفها الآدمي، وإذا كان كافرًا، فكن رحيمًا لنفسك ولغيرك، ولا تستبد بخيرك، فارحم الجاهل بعلمك، والذَّليل بجاهك، والفقير بمالك، والكبير والصغير بشفقتك ورأفتك، والعصاة بدعوتك، والبهائم بعطفك، فأقرب النَّاس من رحمة الله أرحمهم بخلقه، فمن كثرت منه الشفقة على خلقه، والرَّحْمَة على عباده، رحمه الله برحمته، وأدخله دار كرامته، ووقاه عذاب قبره، وهول موقفه، وأظله بظله إذ كل ذلك من رحمته) . - وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تنزع الرَّحْمَة إلَّا من شقيٍّ)) . قال ابن العربي: (حقيقة الرَّحْمَة إرادة المنفعة، وإذا ذهبت إرادتها من قلب شقي بإرادة المكروه لغيره، ذهب عنه الإيمان والإسلام) . ويقول المناوي: (لأنَّ الرَّحْمَة في الخلق رقة القلب، ورقته علامة الإيمان، ومن لا رأفة له لا إيمان له، ومن لا إيمان له شقي، فمن لا رحمة عنده شقي) . - وعن جرير بن عبد اللَّه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يرحم الله من لا يرحم النَّاس)) . يقول السعدي: (رحمة العبد للخلق من أكبر الأسباب التي تنال بها رحمة الله، التي من آثارها خيرات الدنيا، وخيرات الآخرة، وفقدها من أكبر القواطع والموانع لرحمة الله، والعبد في غاية الضرورة والافتقار إلى رحمة الله، لا يستغني عنها طرفة عين، وكل ما هو فيه من النِّعم واندفاع النقم، من رحمة الله. فمتى أراد أن يستبقيها ويستزيد منها، فليعمل جميع الأسباب التي تنال بها رحمته، وتجتمع كلها في قوله تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 56]، وهم المحسنون في عبادة الله، المحسنون إلى عباد الله. والإحسان إلى الخلق أثر من آثار رحمة العبد بهم) . أما من كان بعيدًا عن الإحسان بالخلق، ظلومًا غشومًا، شقيًّا، فهذا لا ينبغي له أن يطمع في رحمة الله وهو متلبس بظلم عباده. - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التَّميمي جالسًا، فقال الأقرع: إنَّ لي عشرة من الولد ما قبَّلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قال: من لا يَرحم لا يُرحم)) . قال ابن بطال بعد أن ذكر عددًا من الأحاديث، وذكر هذا الحديث من جملتها: (في هذه الأحاديث الحض على استعمال الرَّحْمَة للخلق كلهم، كافرهم، ومؤمنهم، ولجميع البهائم والرفق بها، وأن ذلك مما يغفر الله به الذنوب، ويكفر به الخطايا، فينبغي لكل مؤمن عاقل أن يرغب في الأخذ بحظه من الرَّحْمَة، ويستعملها في أبناء ***ه وفي كل حيوان) . وقد دل الواقع والمشاهدة، أنَّ من لا يرحم النَّاس ولا يعطف عليهم إذا صادف موقفًا يحتاج فيه إلى رحمتهم، فإنهم لا يرحمونه ولا يعطفون عليه، وقد ذكر صاحب الأغاني أنَّ محمد بن عبد الملك كان يقول: الرَّحْمَة خور في الطبيعة، وضعف في المنة، ما رحمت شيئًا قط. فكانوا يطعنون عليه في دينه بهذا القول، فلما وضع في الثقل والحديد قال: ارحموني فقالوا له: وهل رحمت شيئًا قط فترحم؟ هذه شهادتك على نفسك وحكمك عليها . واستفاضت الأحاديث الدالة على الرَّحْمَة بمفهومها وهي لا تكاد تحصى؛ وذلك لأنَّه ما من معاملة من المعاملات، أو رابطة من الروابط الاجتماعية أو الإنسانية، إلا وأساسها وقوام أمرها الرَّحْمَة. فمن علاقة الإنسان بنفسه التي بين جنبيه، وعلاقته بذويه وأهله، إلى علاقته بمجتمعه المحيط به، إلى معاملته لجميع خلق الله من إنسان أو حيوان، كل ذلك مبني على هذا الخلق الرفيع، والسَّجيَّة العظيمة. |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
موسوعة, الاخلاق, الاسلامية, الشاملة |
|
|