#1
|
||||
|
||||
جُهود يوسف بن عبد المؤمن في حِفْظ ثُغُور الإسلام
جُهود يوسف بن عبد المؤمن في حِفْظ ثُغُور الإسلام (1)
دَوْرُ قَبِيْلَتَي مَصْمُودة وكُوْمِيَّة الأَمازِيْغِيَّتَيْن في حِفْظ ثُغُور الإسلام أُمَمٌ نَشَرت نورَ الإسلام في العالَمِيْن (14) أ. حسام الحفناوي خَلَف يوسفُ بن عبد المؤمن بن علي[1] أباه في حُكْم المُوَحِّدِيْن، فلما حاصر العدو مدينة بَطْلَيُوس سنة 564هـ، أرسل جَيْشًا بقيادة أبي حَفْص الهِنْتاتِي لاسْتِنْقاذها من الحِصار، فلما بلغوا إشْبِيْلِيَة، عَلِموا أن حامية المُوَحِّدِيْن، وأهلُ بَطْلَيُوس قد هزموا العدو، وأَسَروا قائد جَيْشه، فسار أبو حَفْص إلى قُرْطبة.[2] ثم أرسل يوسفُ أخاه أبا حَفْص في العام الذي يَليه إلى الأندلس على رأس جيش، فدخل بلاد العدو، ثم أرسل أبو حَفْص أخاه أبا سعيد إلى مدينة بَطْلَيُوس، فعَقَد الصُّلْح مع مَلِك قشتالة.[3] ثم عَبَر يوسفُ بن عبد المؤمن إلى الأندلس بنفسه على رأس جَيْش كبير، فنَزَل قُرْطبة، ثم إشْبِيْلِيَة، ثم تَسَلَّم جميع بلاد شرق الأندلس من أبناء مَرْدَنِيْش[4]، وإخوته - وكان أبوهم يَأْبَى الدخول تحت حكم المُوَحِّدِيْن - بعد وفاته، وصاهَرَهم[5]، فصَفَت له الأندلس كلها، فخرج من إشْبِيْلِيَة غازيًا، فحاصَر مدينة وَبْذة[6] شهورًا، حتى اشْتَدَّ عليهم الحِصار، فطلبوا الأمان، فأبى، ثم نزل مَطَر عظيم، فسُقوا، فرَحل عنهم بعد أن هادَنَهم سبع سنين، وبَثَّ سراياه إلى أرض العدو للإغارة، حتى امتلأت قلوب الأعداء بالرُّعْب.[7] [1] قال عنه ابن الأثير: كان حسن السيرة، وكان طريقه ألين من طريق أبيه - يعني عبد المؤمن بن علي - مع الناس، يحب العلماء، ويقربهم، ويشاورهم، وهم أهل خدمته، وخاصته، وأحبه الناس، ومالوا إليه، وأطاعه من البلاد ما امتنع على أبيه، وسلك في جباية الأموال ما كان أبوه يأخذه، ولم يتعده إلى غيره، واستقامت له البلاد بحسن فعله مع أهلها، ولم يزل كذلك إلى أن توفي، رحمه الله تعالى، انتهى. وقال ابن خلكان: كان يوسف فقيهًا، حافظًا، متقنًا؛ لأن أباه هذبه، وقرن به وبإخوته أكمل رجال الحرب والمعارف، فنشؤوا في ظهور الخيل بين أبطال الفرسان، وفي قراءة العلم بين أفاضل العلماء، وكان ميله إلى الحكمة والفلسفة أكثر من ميله إلى الأدب وبقية العلوم، وكان جمّاعًا مناعًا، ضابطًا لخراج مملكته، عارفًا بسياسة رعيته. وكان ربما يحضر حتى لا يكاد يغيب، ويغيب حتى لا يكاد يحضر، وله في غيبته نواب وخلفاء وحكام، قد فوض الأمور إليهم؛ لما علم من صلاحهم لذلك، والدنانير اليوسفية المغربية منسوبة إليه، انتهى. ونقل في موضع آخر عن بعض المؤرخين وصفه ليوسف بأنه كان رقيق حواشي اللسان، حلو الألفاظ، حسن الحديث، طيب المجالسة، أعرف الناس كيف تكلمت العرب، وأحفظهم لأيامها في الجاهلية والإسلام، صرف عنايته إلى ذلك، ولقي فضلاء إشبيلية أيام ولايته لها، ويقال: إنه كان يحفظ صحيح البخاري، وكان سديد الملوكية، بعيد الهمة، سخيًا جوادًا، استغنى الناس في أيامه، وكان يحفظ القرآن العظيم مع جملة من الفقه، ثم ذكر طموحه لمعرفة علوم اليونان، وصحبته لابن طفيل، وابن رشد، وجمعه العلماء من كل فن من جميع الأقطار. وقد أطال ابن أبي زرع في الأنيس المطرب في سرد جميل أوصافه، ومحاسن شمائله، كانتفاء وجود المكوس في جميع بلاده، وتوقفه عن سفك الدماء. انظر ترجمته في: الكامل لابن الأثير (10/127)، ووفيات الأعيان (7/130-138)، والبيان المغرب (ص164-167)، وتاريخ الإسلام (40/318-323)، والأنيس المطرب (ص205-208)، وشذرات الذهب (4/264)، والتذكار لابن غلبون (ص88)، والاستقصا (2/157،156)، وأعلام الزركلي (8/241). [2] ذكر ابن عذاري في البيان المغرب قسم الموحدين (ص104-107) تفصيل هذه الوقعة، وبين أن ابن الرنق صاحب قلمرية - وهو ملك البرتغال واسمه ألفونسو هنريكيز - قد حاصر مدينة بطليوس، ونجح في دخولها، وأنه حصر الموحدين الذين فيها في قصبة المدينة، وكان يعاونه في ذلك القائد جراندة الجليقي المعروف بالشجاعة والفتك والدهاء - وقد عظمت بلية المسلمين به في غرب الأندلس وآذاهم أشد الإيذاء - فلما خرج جيش أبي حفص عمر بن يحيى لدفع العدو عن بطليوس، ووصل إلى إشبيلية، إذا بملك ليون البيبوج بن أذفونش المعروف بالسليطين - واسمه ألفونسو ريمونديس - قد جاء لنجدة المسلمين المحاصرين بالمدينة؛ وفاء منه بما كان قد عاهد عليه صهره فرناندو، والذي كان قد عاهد يوسف بن عبد المؤمن من قبل هو وإخوته من الدخول في طاعة الموحدين، والتحالف معهم على أعدائهم، فخلصوا المدينة من جيش البرتغاليين، وهزموهم، وأصيب ملكهم ابن الرنق، وأحسن يوسف بن عبد المؤمن إلى البيبوج لصنيعه. انظر: المن بالإمامة لابن صاحب الصلاة (ص284-290)، (ص295-298)، وتاريخ ابن خلدون (6/239)، والاستقصا للناصري (2/148). وقد ذكر ابن عذاري في البيان المغرب قسم الموحدين (ص88) عن ابن صاحب الصلاة - وهو أحد مؤرخي الدولة الموحدية المعاصرين لها وله كتاب يسمى المَنُّ بالإمامة - أن أبا سعيد ابن الحسين، وأبا عبد الله بن يوسف قد هزما شرذمة كبيرة من أهل شنترين النصارى، وغنموا ما معهم، وذلك بعد أن أرسلوا 500 فارس نحو بطليوس لحمايتها. وانظر هذا الخبر أيضًا في: دولة الإسلام في الأندلس (3/15). ثم ذكر ابن عذاري (ص93) أن نصارى شنترين قد غزوا نواحي إشبيلية سنة 561ه-، فخرج عسكر إشبيلية في أثرهم، فهزموهم، واستنقذوا الغنائم منهم، وأسروا عددًا من جنودهم. وانظر خبر هذه الغزوة أيضًا في دولة الإسلام في الأندلس (3/20). ثم ذكر ابن عذاري أيضًا (ص102،101) أنه خرج في سنة 563ه- جمع من نصارى وادي آش، فغزوا ناحية مدينة رندة، وغنموا، فأرسل الشيخ أبو عبد الله ابن أبي إبراهيم من غرناطة جيشًا كبيرًا في أثرهم، ف***وهم شر م***ة، واستنقذوا الغنائم منهم، وغنموا منهم، وأسروا. وذكر ابن صاحب الصلاة في المن بالإمامة (ص284،283)، وابن عذاري (ص103) أن الموحدين افتتحوا مدينة طَبِيرة، وكان بها قوم من المفسدين ينهبون أموال المسلمين، وطبيرة تختلف عن طلبيرة، وتقع في البرتغال قرب الساحل كما يقول إحسان عباس في حاشيته على الروض المعطار (ص387)، وذكرها ياقوت في معجمه (4/21) منفردة عن طلبيرة التي ذكرها (4/38،37). ولما استقر أبو حفص في قرطبة، أرسل ولده أبا يحيى في سنة 564ه- واليًا على بطليوس، فدارت بينه وبين جيرالدو المعروف في المصادر الإسلامية بجراندة الجليقي النصراني حروب عديدة، يدفع فيها صولته عن مدن غرب الأندلس، إلى أن أكمن جراندة لجيشه حيلة منه، فأسر من جيش أبي يحيى جملة من الجند، افتدى أبو يحيى أكثرهم بماله. وقد *** جراندة هذا في عام 569ه- بعد أن رام الدخول في طاعة يوسف بن عبد المؤمن، ومعاونته على النصارى، فأكرمه يوسف، ولكن ملك البرتغال أرسل إليه يحضه على الرجوع إلى سابق عهده، حتى هم بالاستجابة، فقبض عليه، وقُتِل. انظر: البيان المغرب (ص130). [3] كذا في تاريخ ابن خلدون (6/239)، والاستقصا للناصري (2/149). وفي البيان المغرب قسم الموحدين (ص112،111) أن أبا سعيد قد خرج لبطليوس سنة 566هـ ليستنقذها من جيوش جراندة ومن معه من أهل شنترين البرتغاليين، وكانوا قد حاصروها، ومنعوا عنها الإمدادات، واستولوا على إعانات أهل إشبيلية لها، فاتفق خروجه لصد حملة جراندة عنها مع خروج البيبوج لدفع حملتهم أيضًا كما فعل من قبل، وافتتح أبو سعيد حصنًا يسمى جلمانية عنوة، وهدمه، وانصرف إلى إشبيلية. وفي الأنيس المطرب (ص211) أنه غزا طليطلة بجيش من الموحدين والمتطوعة قوامه عشرين ألف مقاتل. [4] هكذا ضبطها ابن خلكان في وفيات الأعيان (7/133)، وقال: وهو بلغة الفرنج اسم العذرة،انتهى. وكانت معركة قد وقعت بين جيوش الموحدين وجيش ابن مَرْدَنِيْش في بداية حكم يوسف بن يعقوب، وكان يحالف ابن مَرْدَنِيْش في تلك المعركة بعض نصارى الأندلس، قال ابن أبي زرع في الأنيس المطرب (ص210)، وعنه أبو العباس الناصري في الاستقصا (2/147): وفي سنة ستين وخمسمائة كانت وقعة الجلاب بالأندلس بين السيد أبي سعيد ابن عبد المؤمن وجيوش الفرنج مع ابن مَرْدَنِيْش، وكانت الفرنج ثلاثة عشر ألفًا، فهُزم ابن مَرْدَنِيْش، وقُتل مَنْ معه من الفرنج بأجمعهم، وكتب السيد أبو سعيد بالفتح إلى أخيه أمير المؤمنين يوسف،انتهى. وهذه الأحداث مذكورة عند الذهبي في تاريخ الإسلام (40/321،320)، وابن خلدون (6/238). وقد بين الذهبي أن أولئك الفرنج الذين كانوا مع ابن مردنيش في تلك المعركة كانوا جنودًا يستعملهم في جيشه، لا جيشًا نصرانيًا استعان به. ولكن ابن عذاري الذي ذكر تفصيل هذه المعركة في البيان المغرب قسم الموحدين (ص88-90) قد ذكر أن ابن مردنيش استدعى حلفاءه من نصارى طليطلة القشتاليين. وانظر: دولة الإسلام في الأندلس (3/16-18). [5] انظر: الكامل في التاريخ (10/37)، ووفيات الأعيان (7/131)، والبيان المغرب قسم الموحدين (ص122،121،135)، وتاريخ الإسلام (40/321)، والأنيس المطرب (ص212،211)، وتاريخ ابن خلدون (6/240)، والاستقصا (2/150،149). [6] هكذا ضبطها ياقوت في معجم البلدان (5/359) وقال: مدينة من أعمال شنت برية بالأندلس، وذكر بعدها مباشرة مدينة تسمى [وبذى] وقال: مدينة بالأندلس قرب طليطلة،انتهى. والظاهر أنها هي هي. وقال الحميري في الروض المعطار (ص607): هي حصن على واد بقرب أقليش، انتهى. وقال الإدريسي في نزهة المشتاق: ووبذى وأقليش مدينتان متوسطان، ولهما أقاليم، ومزارع عامرة، وبين وبذى وأقليش ثمانية عشر ميلًا،انتهى. وأقليش من أعمال شنت برية كما في معجم البلدان (1/237). وتقع شنت برية شرق قرطبة، وهي مدينة كبيرة كما في المصدر المذكور (3/366) وقد قال ياقوت في نفس الصفحة قبلها بقليل: شنت بفتح أوله، وسكون ثانيه، أظنها لفظة يعني بها البلدة أو الناحية؛ لأنها تضاف إلى عدة أسماء تراها هنا،انتهى. ثم ذكر عدة مدن بالأندلس تبدأ بشنت. والظاهر أن معنى كلمة شنت هو من يلقبه النصارى بالقديس؛ فهي مثل كلمة سانت بالإنجليزية، أو سان بالفرنسية، فشنتمرية هي القديسة مارية، وشنت ياقوب هو القديس يعقوب، وهكذا، والله تعالى أعلم. [7] انظر: وفيات الأعيان (7/135)، وتاريخ الإسلام (40/321)، وتاريخ ابن خلدون (6/240)، والاستقصا (2/150). قال ابن الأثير في الكامل (10/48،47) في حوادث سنة 568ه-: جمع أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن عساكره، وسار من إشبيلية إلى الغزو، فقصد بلاد الفرنج، ونزل على مدينة وبذة - وهي بالقرب من طليطلة شرقاً منها - وحصرها، واجتمعت الفرنج على ابن الأذفونش ملك طليطلة في جمع كثير، فلم يقدروا على لقاء المسلمين، فاتفق أن الغلاء اشتد على المسلمين، وعُدمت الأقوات عندهم، وهم في جمع كثير، فاضطروا إلى مفارقة بلاد الفرنج، فعادوا إلى إشبيلية، وأقام أبو يعقوب بها سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وهو في ذلك يجهز العساكر، ويسيرها إلى غزو بلاد الفرنج في كل وقت، فكان فيها عدة وقائع وغزوات، ظهر فيها من العرب من الشجاعة ما لا يوصف، وصار الفارس من العرب يبرز بين الصفين، ويطلب مبارزة الفارس المشهور من الفرنج، فلا يبرز إليه أحد، ثم عاد أبو يعقوب إلى مراكش،انتهى. وذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان (7/131) نحوه مختصرًا. وعند ابن أبي زرع في الأنيس المطرب (ص211) أن يوسف قد غزا في سنة 567ه- طليطلة، وفتح حصونًا كثيرة من أحوازها، و*** خلقًا كثيرًا من الروم، وغنم، وسبى، وانصرف إلى إشبيلية مؤيدًا منصورًا. ثم ذكر إنشاءاته المعمارية العديدة في نفس العام في إشبيلية، وحيازته لبلاد ابن مردنيش بعد وفاته. ثم ذكر ابن عذاري إغزاء يوسف ولده أبا بكر إلى بلاد نصارى الأندلس، وبلوغه طليطلة، وإثخانه فيهم، وأنه خرج له جيش نصراني كبير بقيادة قائد يدعى سانشو خيمينو، ويعرف بأبي برذعة، ف*** ذلك القائد، وعامة من كان معه بعد قتال شديد، ولم يفلت منهم إلا القليل، وكان عدد ال***ى منهم نحو 36 ألف. ثم ذكر غزو يوسف بن عبد المؤمن بنفسه مدينة في شرق الأندلس تسمى كركونة - والظاهر أنها كونكة التي سيأتي ذكرها في المقال القادم إن شاء الله تعالى وهي تقع شرقي وبذة التي تقع بدورها شرقي طليطلة - وإثخانه في جهتها. وأوضح ابن عذاري أن يوسف قد عاد إلى المغرب بعد أن مكث في الأندلس نحو أربعة أعوام، وعشر أشهر. وذكر ابن عذاري في البيان المغرب أيضًا (ص123) أنه قد وقعت ليوسف بن عبد المؤمن حروب يطول ذكرها في خروجه لحصار وبذة، وأنه فتح حصن بلج، وحصن ألكرس في طريقه. وبين (ص124،123) أنه قد وقعت معارك بين المسلمين وأهل الحصن من النصارى بعد أن سقوا، ولم يرحلوا بمجرد نزول الغيث عليهم مباشرة. |
#2
|
||||
|
||||
جُهود يوسف بن عبد المؤمن في حِفْظ ثُغُور الإسلام (2)
دَوْرُ قَبِيْلَتَي مَصْمُودة وكُوْمِيَّة الأَمازِيْغِيَّتَيْن في حِفْظ ثُغُور الإسلام أُمَمٌ نَشَرت نورَ الإسلام في العالَمِيْن (15) أ. حسام الحفناوي بَلَغ يوسفَ خروجُ العدو إلى أرض المسلمين مع قائد لهم يُدْعى القومس الأَحْدَب من مدينة آبلة[1]، فخرج إليهم، وأوقع بهم بناحية قلعة رَباح[2]، وأَثْخَن فيهم، وقُتِل الأَحْدَب، فاستراح المسلمون من شَرِّه؛ إذ كان يَشُنُّ الغارات شَرْقًا وغًرْبًا على مُسْلِمي الأندلس[3]، ورجع إلى إشْبِيْلِيَة، وأمر بالعديد من الإصلاحات المِعْمارية، والإنشاءات فيها[4]. وفي سنة 570هـ نَقَض مَلِك قشتالة الصُّلْح، وأَغار على بلاد المسلمين، فحَشَد يوسفُ، وأرسل جَيْشًا بقيادة أخيه أبي حَفْص، فغَزاه بعُقْر داره، وافتتح مدينة قَنْطرة السَّيْف[5]، وهزم جُموع نَصارى قشتالة في أكثر من جهة.[6] وفي سنة 572هـ نَقَض صاحب طُلَيْطِلة المُلَقَّب بنونة العَهْد، ونازَل مدينة كُوْنْكة[7]، فاستغاث أهلها بيوسف بن عبدالمؤمن، فأمر أخاه أبا الحسن علي، وأخاه أبا علي الحسن أن يَقوما بغَزْو جهات طَلَبِيْرة، وطُلَيْطَلة؛ ليُقْلِع العدو عن كُوْنْكة، فخرج عَسْكر قُرْطبة مع أبي الحسن، وأغار على طُلَيْطَلة، وعاد سالمًا غانمًا، وخرج أبو علي الحسن بعسكر إشْبِيْلِيَة، فغَزا جِهة طَلَبِيْرة، وفتح حِصْنًا على ضَفَّة وادي نهر تاجه (التاجو)، وكان قد حَلَف أن يَعْبُر نهر التاجة؛ نِكاية في العدو، فبَرَّ بقَسَمه، ثم عاد لغَزْو الوادي، ثم رجع مُحَمَّلًا بالغَنائم، والأَسْرى.[8] ثم خرج البيبوج صاحب السبطاط في نفس العام، وأغار على وادي إشْبِيْلِيَة، فخرج إليه عَسْكَرُها، ولَحِقوا بطائفة من جَيْشه، وأَحْدَقوا بهم، ف***وهم عن آخرهم، واستنقذوا ما معهم من الغَنائم التي سَلَبوها من المسلمين.[9] عَقَد يوسف لصِهْره غانم بن محمد بن مَرْدَنِيْش سنة 575هـ على قيادة أُسْطول بَحْري، فغَزا مدينة لشبونة[10]، فغَنِم، ورجع.[11] وتُوفي أبو حَفْص عمر بن عبدالمؤمن في نفس العام بعد أن بالغ في النِّكاية في العدو في الأندلس، وأَبْلَى في ذلك، وقَدِم ولداه على يوسف يُخْبِرانه بانْتِقاض ملك قشتالة، فعَزَم على الجهاد، وأخذ في اسْتِدعاء العرب من إفريقية.[12] ثم بلغ يوسف بن عبدالمؤمن مُنازَلة مَلِك قشتالة لقُرْطُبة، وشَنِّه الغارات على جهات مالَقَة[13]، ورُنْدة[14]، وغَرْناطة، وإسْتِجة[15]، وتَغَلَّب القشتالي على حِصْن شقيلة[16]، وأَسْكَن به النَّصارى، ثم انصرف، فاسْتَنْفَر أبو إسحاق ابن عبد المؤمن سائرَ الناس للغَزْو، ونازل حِصْن شقيلة ليَسْتَرِدَّه، فخرج أغلبُ أهل الحِصْن للإغارة، فالتقاهم المسلمون، وهزموهم، ثم رجع أبو إسحاق عن الحِصْن لما بلغه خروج مَلِك قشتالة بجُمُوعه من طُلَيْطَلة[17]، فوصل القشتالي فلم يَجِد من جنود الحِصْن إلا قِلَّة قليلة؛ لمَقْتل أكثرهم خارج الحِصْن، فأمرهم بالرحيل عنه. وغَزا محمد بن وانودين الهِنْتاتِي بجيوش إشْبِيْلِيَة يابورة، وقليج[18]، فأَثْخَن فيهم، وغَنِم، وألقى الله تعالى في قلوبهم الرعب منه.[19] [1] ذكر هذه المدينة الإدريسي في غير موضع من نزهة المشتاق، ووصفها بأنها عبارة عن مجموعة من القرى المجتمعة، ووصف أهلها بأنهم أهل نجدة، يركبون الخيل، وأن بينها وبين مدينة شلمنقة خمسون ميلًا، وذكر ابن سعيد المغربي في الجغرافيا أنها على نهر سنترة، ووصفها بأنها مشهورة في الغزوات. وهذه المدينة تقع إلى الشمال الغربي من طليطلة، وطلبيرة، وإلى الجنوب الشرقي من شلمنقة، وَفْقًا للخريطة التي أوردها الدكتور محمد عبد الله عنان رحمه الله في كتابه دولة الإسلام في الأندلس (4 /173)، وكانت إحدى مدن مملكة قشتالة، وكان الأحدب المذكور حاكمها، وكان أحدبًا بالفعل. وانظر: المرجع المذكور (4 /87). [2] قلعة رباح مدينة بالأندلس، تقع بين طليطلة وقرطبة، ولها حصن حصين على نهر يسمى آنه، وهي من بناء الأمويين في الأندلس، وسميت باسم التابعي الجليل علي بن رباح الذي دخل الأندلس مع الفاتحين المسلمين الأوائل، ويتبع لها عدة قرى، ونواح، وقد تملكها النصارى حوالي سنة 540هـ، وبقيت في أيديهم إلى أن أوقع يعقوب بن يوسف الموحدي بنصارى الأندلس في موقعة الأرك الشهيرة ـ والأرك حصن بقرب رباح ـ سنة 591هـ، فطهر جامعها، وولى عليها يوسف بن قادس، ثم سلمها ابن قادس للنصارى قبل موقعة العقاب؛ ليلحق بجيش الناصر محمد بن يعقوب الموحدي بمن معه من الجيش سالمين، ف***ه الناصر دون أن يسمع حجته، وكان ذلك من أكبر الأخطاء التي وقعت قبل موقعة العقاب التي آذنت بزوال شمس الإسلام من الأندلس، وتساقط مدنها في أيدي النصارى واحدة تلو أخرى. وانظر عن القلعة: معجم البلدان لياقوت (3 /23)، والروض المعطار (ص419،416). [3] انظر: تاريخ ابن خلدون (6 /240)، والاستقصا (2 /151). وقد ذكر ابن عذاري في البيان المغرب قسم الموحدين (ص123-125) تفاصيل خروج الأحدب، وعيثه في بلاد المسلمين، ثم ما وقع به وبجيشه من الهزيمة، وم***ه مع أكثر أهل جيشه، واستنقاذ أسرى المسلمين. وانظر كذلك: دولة الإسلام في الأندلس (4/87ـ89). وأبان أن الأحدب المذكور هو الكونت خمينو، وكان حاكمًا على مدينة آبلة من قبل مملكة قشتالة. [4] انظر: المن بالإمامة لابن صاحب الصلاة (ص372-378)، (ص382-392)، والاستقصا (2 /151)، ودولة الإسلام في الأندلس (4 /87). [5] في تاريخ ابن خلدون (6 /240)، والاستقصا (2 /151) [قنصرة بالسيف] ولم نقف على مدينة باسم قنصرة، والأقرب أن يكون المراد بها قنطرة السيف التي يسميها الإسبان ألكنترا، ويؤكد ذلك ما ذكره ابن الأبار في التكملة لكتاب الصلة (2 /41) أن ثغر قنطرة السيف فتح عنوة سنة 569هـ، ونقل ذلك عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء (39 /369). كما يؤكده وقوعها في البيان المغرب (ص131) كذلك، وقد وصف الإدريسي في نزهة المشتاق (ص183)، وعنه الحميري في الروض (ص473) قنطرة السيف بأنه حصن منيع على نهر القنطرة بينه وبين ماردة يومان، وأن أهله متحصنون فيه، ولا يقدر لهم أحد على شيء، وأن القنطرة لا يأخذها القتال إلا من بابها فقط، قال: والقنطرة هذه قنطرة عظيمة على قوس من عمل الأول، في أعلاها سيف معلق، لم تغيّره الأزمنة، ولا يدري ما تأويله،انتهى. والظاهر أن هذا سبب تسمية الثغر بقنطرة السيف. [6]انظر: تاريخ ابن خلدون (6 /240)، والاستقصا (2 /151). وقد ذكر ابن عذاري في البيان المغرب (ص131،130) أن البيبوج ابن أذفونش قد نكث عهده مع يوسف بن عبد المؤمن بعد أن كان له من البلاء الحسن في استخلاص بطليوس ما له، فغزاه أبو حفص ابن عبد المؤمن في عقر داره، وفتح قنظرة السيف، ومدينة أخرى تسمى ناضوش، كذا وقعت عنده، فكان من عاقبة ذلك أن طلب ابن الرنق صاحب البرتغال الصلح من يوسف بن عبد المؤمن، ورغب فيه. [7] هكذا ضبطها ياقوت في معجم البلدان (4 /415)، وذكر أنها مدينة من أعمال شنتبرية. وقال الدكتور إحسان عباس في تحقيقه للذخيرة للشنتريني (5 /531) قونكة أو كونكة: مدينة تقع على بعد 50 كيلو مترًا شرقي وبذة. [8] انظر: البيان المغرب (ص138،137). [9] انظر: البيان المغرب (ص138). [10] هي عاصمة البرتغال حاليًا، وتطل على ساحل المحيط الأطلنطي [11] انظر: البيان المغرب قسم الموحدين (ص140)، وتاريخ ابن خلدون (6 /240)، والاستقصا (2 /152). وقد ذكر ابن عذاري أنه تغلب على قطعتين بحريتين لأهل لشبونة، ثم ذكر (ص143) أن النصارى أسروه في سنة 576هـ هو وأخوه أبو العلا، وجملة من أصحابه، و*** بقية إخوانه، وجماعة من المسلمين، فأرسل يوسف في فكاك أسره ومن معه. [12] انظر: البيان المغرب قسم الموحدين (ص140)، وتاريخ ابن خلدون (6 /240)، والاستقصا (2 /152). [13] هكذا ضبطها ياقوت في معجمه (5 /43)، وقال: هي كلمة أعجمية، ومالقة مدينة قديمة تقع على ساحل البحر المتوسط في جنوب شرق الأندلس بين الجزيرة الخضراء والمرية. وانظر: الروض المعطار (ص518،517). [14] هكذا ضبطها ياقوت، وهي مدينة قديمة حصينة، بها آثار كثيرة، وتقع بين إشبيلية ومالقة، وتطل على نهر ينسب إليها، سقطت في يد الأسبان سنة 860 هـ. انظر: معجم البلدان (3 /74)، والروض المعطار (ص269). [15] هكذا ضبطها ياقوت، وهي مدينة قديمة، تقع جنوب شرقي قرطبة، على نهر يسمى شنيل أو سنجل، واشتهر أهلها بكثرة الثورات قبل الفتح الإسلامي وبعده، وكانت كثيرة الخيرات، عامرة الأسواق، واسعة. وقيل: إن معنى استجة: جمعت الفوائد. انظر: معجم البلدان (1 /174)، والروض المعطار (ص53). [16] هكذا وقع في تاريخ ابن خلدون، والاستقصا، ووقع في البيان المغرب [شنتفيلة]. [17] ذكر ياقوت أن هذا الضبط أكثر ما سمعه من المغاربة، ونقل قبلها عن الحميدي أنه ضبطها بضم الطاءين، وفتح اللامين [طُلَيْطُلَة]. وهي قاعدة بلاد الأندلس، ومركزها قبل الفتح الإسلامي، وبعده، حيث تتوسط شبه الجزيرة الأندلسية، ويحيط بها نهر تاجه من جهات ثلاث، وهي مدينة قديمة البناء، كثيرة السكان، عظيمة المساحة، شديدة الحصانة، وكانت تتمتع بثروات زراعية، وحيوانية كبيرة جدًا، ويقال: إن معنى طليطلة: فرح ساكنها، وقد كانت عاصمة مملكة القوط قبل الفتح، ثم اتخذها المسلمون قاعدة للثغر الأدنى بعد الفتح، وحكمها بنو ذي النون في عصر الطوائف، إلى أن سقطت في يد ألفونس السادس ملك قشتالة سنة 478هـ. انظر: معجم البلدان (4 /40،39)، والروض المعطار (ص393-395). [18] كذا في البيان المغرب، ويبعد أن تكون أقليش؛ لأن أقليش من أعمال طليطلة، ويابرة بالبرتغال، تقع شرق لشبونة، وغرب بطليوس، وقد مر التعريف بأقليش، ويابرة. [19] انظر: البيان المغرب (ص144-147). |
#3
|
||||
|
||||
جُهود يوسف بن عبد المؤمن في حِفْظ ثُغُور الإسلام (3)
دَوْرُ قَبِيْلَتَي مَصْمُودة وكُوْمِيَّة الأَمازِيْغِيَّتَيْن في حِفْظ ثُغُور الإسلام أُمَمٌ نَشَرت نورَ الإسلام في العالَمِيْن (16) خرج جيش مُوَحِّدِي بقيادة ابن وانودين من إشْبِيْلِيَة في سنة 578هـ، ونازل مدينة طَلَبِيْرة، فبَرَز إليه أهلها، فأَوْقَع بهم، وانْصَرف بالغَنائم، وكانت وَقْعة مَشْهودة[1]. ولما أُسِر غانم بن مَرْدَنِيْش صِهْر يوسف بن عبد المؤمن، وقائد أُسْطوله البَحْرِي، خَرَج أُسْطول آخر بقيادة عبد الله بن جامع قائد سَبْتة[2]، وأبي العباس الصِّقِلِّي قائد أُسْطول إشْبِيْلِيَة، والْتَقوا أُسْطول لشبونة في الموضع الذي كانوا قد أَسَروا فيه غانم بن مَرْدَنِيْش، فهزموهم هزيمة مُنْكَرة، و***وا منهم الكثير، وأَسروا منهم نحو ألف وثمانمائة رجل، وغَنْموا عشرين قطعة بحرية، مع الأَسْلاب والأسلحة، وقدموا على يوسف بالغَنِيْمة، فجعل بعضُ الأَسْرى في فِداء الأمير غانم[3]، ثم ضَرَب أعناق الباقين.[4] ثم اعْتَزم يوسف بن عبد المؤمن على مُعاودة الجهاد، وجاز إلى الأندلس بعد إتْمام الاستعدادات سنة 580هـ بجيوشه، ومعه المُتَطَوِّعة من العَرب، والأَمازيغ، فغَزا مدينة شَنترِيْن[5] بغرب الأندلس، وشَدَّد عليها الحِصار، والقتال، ثم حَدَث خَطأ في التَّخْطيط والتَدْبِيْر - وكل شيء بقَدَر - فرحل عامَّة الجيش دون علم يوسف المُوَحِّدِي، وبَقِي مَكانه في قِلًّة من خاصَّته، وحاشِيَته، فاغْتَنَم المُحاصَرون الفرصة، وخرجوا فهاجموا المُعَسْكر، وبَرز إليهم بنفسه، فقاتلهم، ثم طُعِن طَعْنة نافذة، ثم تَراجعت جيوش المسلمين التي كانت قد ارْتَحَلت، فأزاحوهم عن مَحِلَّة يوسف، ثم قاتلوهم قتالًا شديدًا، فهزموهم، حتى لَجَأ النَّصارى إلى المدينة بعد أن قُتِل منهم الكثير، ورحل المسلمون إلى إشْبِيْلِيَة، وتُوفي يوسف قرب الجَزيرة الخَضْراء[6] متأثرًا بجراحه[7] وهو مَحْمول يريد العُبور إلى المغرب.[8] قُوَّة المُوَحِّدِيْن بشَمال إفْرِيْقِية تُرْهِب النُّورْمان في صِقِلِّيَّة: خاف مَلِكُ صِقِلِّيَّة النُّورْمانيُ النَّصْرانيُ يوسفَ بن يعقوب المُوَحِّدِي خوفًا شديدًا، فصالَحَه، وهادَنَه على أن يَحْمِل إليه المَلِكُ الصِّقِلِّيُّ كل سَنَة مالًا اتَّفَقا عليه، وأَرْسل مَلِكُ صِقِلِّيَّة إلى يوسف ذَخائرَ مَعْدومة النَّظِيْر، منها حَجَر ياقوت على قَدْر اسْتِدارة حافِر الفَرَس، فكَلَّل الموحدون به نُسْخَة المُصْحَف العُثْمانِي الشريف التي كانت لديهم، مع أَحْجار نَفِيْسة.[9] جِهاد بَنِي غانِيَة أَصْحاب الجَزائِر الشَّرْقِيَّة للأَنْدَلُس[10]: كان لبَنِي غانِيَة في أثناء حُكْمِهم للجَزائر الشَّرْقِيَّة للأندلس - ميورقة ومنورقة ويابسة وهي الجُزُر المعروفة بجُزُر البليار - دَوْرٌ لا يُنْكَر في الجِهاد البَحْرِي، لاسِيَّما في عَصْر إسْحاق بن محمد بن غانِيَة الذي تُوفِّي في سنة 579هـ بعد أن حَكَم تلك الجُزُر لما يَقْرُب من ثلاثة عُقُود. وقد نَمَت مَوارِدُ الجُزُر بشكل كبير في عهد إسحاق؛ إذْ كَثُرَت غَزواتُه البَحْرِيَّة لأُمَم النَّصارى المُجاوِرَة في شواطئ أوروبا، حتى أن بعض الكُبَراء في أوروبا كانوا يَلْجَؤون للجُزُر الإسلامية؛ طَلَبًا للحِماية من اضْطهاد أُمرائهم ومُلوكهم، كما سَعَت الجُمْهوريَّات البَحْرِيَّة الإيطالية المُتَنامِيَة القُوَّة في ذلك الوقت لعَقْد الصُّلْح مع بَنِي غانِيَة مُلُوك جُزُر البليار، فعَقَدَت جَنَوَة، وبِيْزَة، والبُنْدُقِيَّة صُلْحًا مع إسحاق بن محمد، تَعَهَّد فيه كل طَرَف بعَدَم الإضْرار بالطرف الآخر في البَرِّ، والبَحْر. وقد حِيْزَت تلك المَكانة للجُزُر الشَّرْقِيَّة للأَنْدَلُس من نَتائج اشْتِداد حَمَلات إسْحاق على شَواطِئ أوروبا القريبة من الجُزُر؛ إذْ كان يَغْزوها مَرَّتَيْن كل عام، ويُثْخِن فيها، ويَحُوز غَنائِم كَبِيْرة منها، بل ذَكَرَت المَصادِر الأوروبِيَّة دُخُولَ المسلمين ثَغْر طُولون في جَنوب فَرَنْسا في سنة 1178م (574هـ) في عَهْد إسْحاق، واسْتيلائهم عليه، وأَسْرِهم لصاحب مَرْسيليا الفيكونت هوجو جود فريد، وغيره من كِبار النَّصارى في تلك البِقاع، وقد اسْتُشْهِد إسْحاق غازِيًا في بلاد الرُّوم، وقِيْل: أُصِيْب في إحْدى الغَزَوات، فحُمِل، ومات في قَصْره، وكان يُوارِي المُوَحِّدِيْن، فلا يُقاتِلُهم، ولا يُدْخُل في طاعتهم.[11] [1] انظر: البيان المغرب لابن عذاري قسم الموحدين (ص149 - 151)، وتاريخ ابن خلدون (6/ 241)، والاستقصا (2/ 153)، ودولة الإسلام في الأندلس (4/ 101). وقد ذكر ابن عذاري (ص152،151) بعض أخبار الأمير القائد ابن وانودين، ومآثره في الجهاد رحمه الله تعالى. [2] ضبطها ياقوت في معجم البلدان (3/ 182) بفتح السين، ونقل عن الحازمي ضبطها بالكسر أيضًا. [3] لم يقتصر يوسف بن عبد المؤمن على مصاهرة أبناء مردنيش بالزواج من أختهم كما مر فحسب، بل كان من حسن علاقته بهم ما يتعجب منه من عرف عداء أبيهم مع الموحدين؛ فقد ذكر عبد الواحد المراكشي في المعجب (ص213،212) بعض ذلك، فقال: وكان كما ذكرنا - أي يوسف - سخيًا جوادًا، بلغني أنه أعطى هلال ابن محمد بن سعد - ومحمد بن سعد هو محمد بن سعد بن مردنيش - المتقدم الذكر، صاحب شرقي الأندلس اثنى عشر ألف دينار في يوم واحد، ولهلال هذا معه أخبار عجيبة من تقريبه إياه، وإحسانه إليه، وحبه له. أخبرني بعض ولد هلال هذا أنه سمع أباه يقول: رأيت في المنام في بعض الليالي كأن أمير المؤمنين أبا يعقوب ناولني مفتاحًا، فلما أصبحت إذا رسوله يستحثني، فركبت، وأتيت القصر، فدخلت عليه، وسلمت، فاستدناني حتى مست ثيابي ثيابه، ثم أخرج إلي من تحت برنسه مفتاحًا على النحو الذي رأيت في المنام، وقال: خذ إليك هذا المفتاح، فتهيبت أن أسأل عن شأن المفتاح، فقال لي ابتداء: يا أبا القمر، إن عامل مرسية أرسل إلينا في جملة ما أرسل صندوقًا وجده - زعم - في بعض خزائنكم، لا يدري ما فيه، وهذا مفتاحه، ونحن لا ندري ما فيه! فقلت: هلَّا أمر أمير المؤمنين أن يُفْتَح بين يديه، فقال: لو أردنا أن يفتح بين أيدينا لم نسلم إليك المفتاح، وأمر فحُمِل الصندوق إلي، ففتحته، فإذا فيه حُلِي وذخائر من ذخائر أبي ما يساوي أكثر من أربعين ألف دينار. ثم قال عبد الواحد: ولما تجهز أمير المؤمنين إلى غزو الروم، أمر العلماء أن يجمعوا أحاديث في الجهاد، تُمْلَى على الموحدين ليدرسوها - وهكذا جَرَت عادتهم إلى اليوم - فجمع العلماء ذلك، وجاؤوا به إليه، فكان يُمْليه على الناس بنفسه، فكان كل واحد من الموحدين والسادة - وهو لقب كان يطلق على ذرية عبد المؤمن بن علي - يجيء بلوح يكتب فيه الإملاء، فجاء هلال هذا المذكور يومًا ولا لوح معه، فأخرج القوم ألواحهم، فقال له الوزير: أين لوحك يا أبا القمر؟ فخجل، وافتتح يعتذر، فأخرج له أمير المؤمنين من تحت برنسه لوحًا، وناوله إياه، وقال: هذا لوحه! فلما كان من الغد جاء ومعه لوح غير الذي دفعه له أمير المؤمنين، فلما نظر إليه، قال: له: أين لوحك بالأمس يا أبا القمر؟ فقال: خبأته، وأوصيت إذا مِتُّ أن يُجْعَل بين جلدي وكفني، وأتبع ذلك بكاء، حتى أبكى بعض من كان في المجلس، فقال أمير المؤمنين: هذا المُحِبُّ الصادق! وأمر له بخَيْل، وأموال، وخِلَع، ولبَنِيْه بمثل ذلك،انتهى. وهلال هذا هو الذي أوفده يوسف بن عبد المؤمن في فداء أخيه غانم كما في الموضع الآتي من البيان المغرب لابن عذاري. [4] انظر: البيان المغرب قسم الموحدين (ص145). وقد كان اشتداد عدوان البرتغاليين في البر والبحر دافعًا ليوسف بن عبد المؤمن لإرسال الحملة البحرية التي قادها غانم تجاه لشبونة، فانطلقت حملة بحرية برتغالية انتقامية تجاه ولايات غرب الأندلس الإسلامي الجنوبية، ونجحت في الاستيلاء على جزيرة تسمى شلطيش، وأسرت الكثير من أهلها، وافتداهم يوسف بن عبد المؤمن، ثم أمر بإرسال حملة أخرى سنة 576هـ بقيادة غانم تجاه شمال البرتغال، ثأرًا من الحملة البرتغالية الغاشمة، فأَكْمَن البرتغاليون لهم بعد نزولهم البَرِّ، وانقضوا عليهم، وأسروا منهم عددًا من كبرائهم. وقد ذكر ابن عذاري روايتين مختلفتين في كيفية افتداء يوسف بن عبد المؤمن صهره من الأسر، منها الرواية المذكورة أعلاه، ومنها أنه أرسل يفتديه بالمال. وقد كان خروج القائد ابن جامع من سبتة بأسطوله، والقائد أبي العباس من إشبيلية بأسطوله لأخذ زمام المبادرة؛ إيقافًا للحملة التي أراد منها البرتغاليون أن يوظفوا انتصارهم السابق على أسطول ابن غانم، فالتقيا في ثغر قادس، وشرعا جميعًا في السير بمحاذاة الشاطئ البرتغالي الجنوبي، ثم اتجهوا شمالًا، والتقوا أسطول البرتغاليين الذي كان خارجًا لحملة أخرى قرب لشبونة بعد عام من المعركة التي هزم فيها أسطول غانم بن مردنيش، وفي موضع قريب من الموضع الذي نزل فيه غانم من قبل، فنزل الظفر والنصر على المسلمين، وأكثروا ال*** والأسر فيهم، وكان قائد الأسطول البرتغالي أحد ال***ى، وحاز المسلمون عشرين سفينة، وغنموا غنائم وفيرة، فعادوا بها وبألف وثمانمائة أسير إلى يوسف بن عبد المؤمن. وانظر: تاريخ ابن خلدون (6/ 241،240)، ودولة الإسلام في الأندلس (4/ 99 - 101). [5] سبق الكلام عنها في الهامش رقم (16) من المقال رقم (10)، وهو بعنوان [جهود علي بن يوسف بن تاشفين رحمه الله تعالى في حِفْظ ثُغُور الإسلام وصِيانة حُرُمات أهله (1)]. وقد تحدث عنها ابن خلكان أيضًا في وفيات الأعيان (7/ 138). [6] هي مدينة ساحلية صغيرة في جنوب الأندلس، تقع غربي جبل طارق، وتسمى بجزيرة أم حكيم؛ لأن طارق ابن زياد ترك فيها جاريته أم حكيم حين عبر لفتح الأندلس، قال ياقوت: لا يحيط بها البحر كما تكون الجزائر، لكنها متصلة ببر الأندلس، لا حائل من الماء دونها، كذا أخبرني جماعة ممن شاهدها من أهلها، ولعلها سميت بالجزيرة لمعنى آخر، وقال: ومرساها من أجود المراسي للجواز وأقربها من البحر الأعظم - أي المتوسط - بينهما ثمانية عشر ميلًا. انظر: معجم البلدان (2/ 136)، والروض المعطار (ص223). [7] قال ابن خلكان (7/ 132): حاصر مدينة شنترين شهرًا، فأصابه مرض، فمات منه،انتهى. وقد ذكر ابن خلكان بعد ذلك (7/ 136،135) قصة طعنه وهو محاصر شنترين، ووفاته تأثرًا بالطعن، وكذا ذكر صاحب مضمار الحقائق (ص201)، وابن الأثير في الكامل (10/ 126)، وابن الوردي في تاريخه (2/ 92)، والحميري في الروض المعطار (ص346) أنه مرض في أثناء الحصار، فمات، وذكر ابن الخطيب في الحلل الموشية (ص120) أن وفاته كانت عند نهر تاجه، وكان على ظهر دابته، راجع من غزاة شنترين، وحكى ابن خلدون الاختلاف في سبب الوفاة (6/ 241)، ولم يجزم بشيء. [8] انظر: المعجب في تلخيص أخبار المغرب (ص215 - 218)، ومضمار الحقائق وسر الخلائق (ص201)، والكامل في التاريخ لابن الأثير (10/ 127،126)، ووفيات الأعيان (7/ 136،135،132،131)، والبيان المغرب قسم الموحدين (ص155 - 164)، وتاريخ الإسلام (40/ 323،322)، والأنيس المطرب (ص213 - 215)، وتاريخ ابن خلدون (6/ 241)، والروض المعطار (ص347،346)، وشذرات الذهب (4/ 264)، والاستقصا (2/ 153 - 156). قال ابن أبي زرع في الأنيس (ص215): قيل: إنه لم يمت حتى وصل مراكش. [9] انظر: المعجب في تلخيص أخبار المغرب (ص212)، وعنه الذهبي في تاريخ الإسلام (40/ 322). وقد ذكر عبد الواحد في المعجب قصة الذخائر بلاغًا. وانظر عن خبر نقل المصحف العثماني من جامع قرطبة إلى مراكش: الاستقصا (2/ 125 - 129). وقد أوضح عبد الواحد المراكشي في المعجب أن مراسلة ملك صقلية ليوسف بالإتاوة، ومصالحته إياه كان بعد هجوم يوسف بن عبد المؤمن على الخارجين عن طاعته بمدينة قفصة بإفريقية، وقضائه على الخلاف الذي قاده ابن الرند فيها. [10] من الممكن أن يُلْحَق هذا المَبْحَث بدور المرابطين في خدمة الإسلام، وصيانة ثغوره؛ لكون بَنِي غانِيَة امتداد سياسي للدولة المُرابِطِيَّة من جِهة، ولأنه قبيلتهم مَسُّوفة هي إحدى القبائل الصنهاجية التي شَكَّلَت دولة المرابطين منذ بداياتها، وكانت إحدى أجنحتها، ودعائمها من جهة أخرى، لكن مُزامَنة قيام مملكة بَنِي غانية في جُزُر شرق الأندلس لعصر دولة الموحدين عمومًا، وبروز دورها الجهادي البحري في عهد أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن الموحدي على وجه الأخص، جعل من المناسب إيراد دورهم المذكور في ثنايا الحديث عن الدولة الموحدية القائمة على قبيلتي مصمودة، وكومية. [11] انظر: المعجب في تلخيص أخبار المغرب (ص225،224)، (ص260،259)، وأعلام الزركلي (1/ 296)، ودولة الإسلام في الأندلس (4/ 146). |
العلامات المرجعية |
|
|