اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > علوم القرآن الكريم (مكتوب و مسموع و مرئي)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 31-10-2014, 11:08 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New تأملات في سورة إبراهيم


تأملات في آيات من القرآن الكريم

سورة إبراهيم

1- ﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1].
القرآن الكريم هو كتاب الهداية والإرشاد، وهو بآياته وأحكامه عُدَّة الداعين إلى سبيل الله تعالى، وآياتُ الله تعالى كانت عدة الأنبياء السابقين في المهمة ذاتها؛ ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [إبراهيم: 5]، فالمرسَلون بعَثهم إله واحد، بمنهج واحد، ولغاية واحدة، وهي إخراج أممهم من الظلمات إلى النور، ووجدوا من المدعوِّين موقفًا متشابهًا، فمن استجاب اهتدى بعِلم الله السابق، ومن أنكَر فقد آثر التمسك بما ورثه عن آبائه، وتنكَّب عن طريق الله.

والخطاب في هذه الآية الكريمة موجَّهٌ مباشرةً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في أنه عليه الصلاة والسلام خُصَّ بالكتاب وبالرسالة؛ لهداية الناس إلى الصراط المستقيم.

وكلا الأمرين؛ الرسالةُ - أي: التكليف بالمهمة الربانية - والهدايةُ - أي: استجابة الناس لذلك التبليغ -: لا يكون إلا بإذنه سبحانه، فهو - جل شأنه - مالك الكون، يتصرف في ملكه كيف يشاء، فيجتبي من عباده مَن يكرمه برسالته، ويشرح صدر من هو عالم بتقبُّله السير على الصراط المستقيم من بين عباده في مجتمع الدعوة؛ ولهذا قال: ﴿ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ﴾؛ للفْتِ النظر إلى الربوبية الدالة على الملك والتصرف في هذا الشأن.

ولأن الاجتباء لأداء الرسالة، وكذلك الاستجابة لها، يستوجبان الحمد والثناء؛ فقد ختمت الآية بقوله تعالى: ﴿ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾، بجمْع صفتي ﴿ الْعَزِيزِ ﴾ المتفرد الذي لا يُغالَب، والذي يفعل ما يشاء، و﴿ الْحَمِيدِ ﴾ المستحق لكل أنواع الحمد، وينطوي اجتماع هاتين الصفتين على الإشارة إلى أنه سبحانه وتعالى يُفيض من هاتين الصفتين على مَن اختارهم، فيُعز رسولَه صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعه المؤمنين، وينصرهم، ويُجري على الألسنة حمدهم، وفي ذلك ما يستوجب - أيضًا - شكرهم وحمدهم لله تعالى.

إن الطريق هو طريق الله سبحانه؛ ولهذا كان لفظ الجلالة في: ﴿ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [إبراهيم: 2] بالكسر على الإتباع والبيان لـ ﴿ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾؛ لبيان عائدية الصراط إليه سبحانه.

ومن قرأ لفظ الجلالة ﴿ اللَّهُ ﴾ مرفوعًا على الاستئناف؛ فلبيان ملكية الله تعالى لما في السموات والأرض، وهي الملكية التي دلّت عليها كلمة ﴿ رَبِّهِمْ ﴾ في الآية الأولى.

إن الله تعالى لا يرضى لعباده الكفر، ويريدهم على صراطه المستقيم، ولكن هامش الحرية التي يمتلكها الإنسان هو الذي يُبعده عن ذلك الصراط، ويزيّن له التنكب عنه.

والحياة الدنيا تقود إلى الآخرة، وعندما تكون الآخرة ماثلةً في وجدان الإنسان، فإنه يتعامل مع دنياه بقيم المراقبة والعدل، المفضية إلى الاستقرار الاجتماعي، وإلى عمارة الأرض، في سلمٍ واطمئنانٍ وائتلاف.

غير أن العمى عن الآخرة يجعل الكافرين يعملون على تحريف الطريق واعوجاجه؛ من أجل مآربهم العاجلة، فهم ﴿ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 3]، ولا يقتصر شر هؤلاء على ذواتهم، بل يتعداهم إلى المؤسسة الاجتماعية كلها، فتقوم - تحت سلطانهم - على الظلم، والقهر، والاستعباد، والفوضى، وهم لا يرونها منحرفة زائغة؛ لما على أبصارهم من غشاوة تُعمِيهم عن الآخرة.

2- ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [إبراهيم: 4].
إن الإخراج من الظلمات إلى النور في الآية السابقة تعبيرٌ بالكناية عن الهداية؛ ولذلك اقترن بالربِّ، وأما في هذه الآية الرابعة، فإن القول ورد على الحقيقة لا الكناية؛ ولهذا نسب الإضلال والهداية إلى ذاته العلية، باستعمال اسم الجلالة الجامع للصفات الإلهية؛ من العلم، والقدرة، والإرادة وغيرها، واختتمت هذه الآية - أيضًا - بصفة ﴿ الْعَزِيز ﴾ الذي لا يغالَبُ في أمره، وبصفة ﴿ الْحَكِيم ﴾ الذي يدل على أنه سبحانه يعلم بعلمه الواسع الأزلي، مَن يهتدي مِن الناس، ومَن يضل.

ومع أن الغاية من إرسال الرسل هي الهداية، إلا أن ذِكْر الإضلال تقدَّم عليها في الآية الكريمة؛ وذلك لأن الأقوام التي جاءها المرسلون كانت على ضلالة، وأن المغالبة بينهم وبين رسلهم كانت على مسألة الضلالة هذه، فكان الرسل يريدون إخراجهم من ظلمات الضلال إلى نور الهداية والرشاد، وكانت الأقوام تريد البقاء في الظلام الذي عهدوه، ومن جهة أخرى فإن الأكثرين - عمومًا - كانوا يبقون على الضلال، فتقدم ذكره؛ لقوته حين أُرسل الرسل، ولأن الناس في الغالب آثَرُوه على النور.

3- ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [إبراهيم: 5].
تشير الآية بوضوح إلى أن رسالة موسى عليه السلام كانت خاصة بقومه، وكذلك كان الشأن مع الأنبياء الآخرين، إذ أُرسلوا إلى أقوامهم ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾، بينما كانت رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس جميعًا.

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾، فخصَّه بإخراج قومه من الظلمات إلى النور، وأما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقد خُصَّ بإخراج الناس ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾.

4- ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 6].
قد يكون المراد بـ ﴿ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾ أشياعه ومناصريه، وقد يراد به حكم تلك العائلة المالكة، وقد يراد المعنيان، وهو الإنجاء من حكم تلك العائلة وأركانها وأنصارها، فقد خرج فرعون بنفسه وأتباعه في ملاحقة موسى عليه السلام، فغرقوا، وآلَ الحكمُ بعدهم إلى غيرهم، كما قال الله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ﴾ [الدخان: 28]، وتحدَّد الآخرون في آيات أخرى ببني إسرائيل؛ كقوله سبحانه: ﴿ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الشعراء: 53 - 59].

5- ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
لعل هذه الكلمات من وعد الله سبحانه لعباده، وقد تكون - والله أعلم - مما قاله موسى عليه السلام لقومه، ولكن لعموميته على بني إسرائيل وعلى غيرهم؛ تكرر ذكر موسى في الآية التالية: ﴿ وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 8]، وصارت الآيات التاليات استمرارًا لخطابه الدعوي، وما كان الرد عليه وعلى رسل الله من قبله، وكيف كان المآل، وقد صرح بالزيادة على الشكر ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾، وعرَّض بال***** ﴿ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾، وهما جميعًا مؤكدان بتوكيدين؛ فالأول باللام ونون التوكيد، والثاني بإنَّ واللام؛ ليتساوى الرجاء والخوف، غير أن موضع الشكر آكد؛ للدلالة الحركية في الجملة الفعلية، ولإسناد الفعل إلى فاعله.

6- ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ [إبراهيم: 9].
﴿ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ ﴾ كناية عن منع الأقوام للرسل من التبليغ، أو للإيحاء بمَللهم مما كانوا يسمعون، ولأن ملّة الكفر واحدة؛ فإن سلوك الكافرين إزاء المرسلين كان واحدًا، وكان رد الرسل وأتباعهم تعبيرًا عن الثبات والصبر على الأذى ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ [إبراهيم: 13، 14].

وفي استعراض ما لقيه الرسل السابقون وأتباعهم بشارةٌ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتباعه بالنصر، وتحذيرٌ للكافرين من سوء المآل الذي ينتظرهم في الحياة الدنيا قبل الآخرة.

7- ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [إبراهيم: 18 - 20].

إن الجاحدين على مدار التاريخ يعملون على عزل الحياة عن الهدف من إيجادها - وهو الآخرة - وتسييرها بحسب مناهجهم الوضعية، والآخرة هي غاية الوجود، وتنظيم الحياة الدنيا مُعَدٌّ ليستوي مع هذه الغاية، وعزلهما بعضهما عن بعض يؤدي إلى الباطل والاضطراب، وربطهما يعني الحق والاتساق، ولأن موقف الكافرين مبني على الرؤية القاصرة، المضللة باقتصارها على الدنيا؛ فإن أعمالهم تصير كالرماد في يوم عاصف، ويكون التنبيه إلى كيفية تجنب هذا المصير، بملاحظة النظام في السموات والأرض، فإذا ما انتهى المرء إلى تبيان النظام في البناء الكوني، كان ذلك إشارة إلى ضرورة أن يكون هذا النظام ذا هدف معلوم، وغايةٍ مرسومة؛ ليكون حقًّا، وأما إذا خلا منهما، فإنه لا يعدو أن يكون ضربًا من الباطل؛ ولهذا فإن كلمة ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ في قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾، جاءت لإفادة هذا المعنى.

8- ﴿ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ * وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 21، 22].

تشير الآية إلى تبرُّؤ المتبوعين من الذين اتبَعوهم في الدنيا؛ المستكبرين أولاً، والشيطان ثانيًا؛ لأن الضعفاء أسلَموا قيادهم للمستكبرين، وأسلم هؤلاء قيادهم للشيطان، فصاروا كلهم لعبة بيده؛ ولهذا فإنه إذ خطبهم في جهنم، لم يفرق بين ضعيفهم ومستكبرهم، بل اعتبرهم جميعًا ظالمين.

إن حوار الضعفاء والمستكبرين يُظهرهم كأنهم - وهم في ذلك الموقف العصيب - يتصرفون كما كانوا يتصرفون في الدنيا، فيسأل الضعفاء المستكبرين أن يتحملوا عنهم شيئًا من العذاب، لقاءَ التبعية والطاعة، ويرُد المستكبرون وكأنهم ما زالوا قادةً ومتحكِّمين ﴿ لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ﴾، ومع ما في السؤال وجوابه مِن تقريع وحسرة، إلا أنه ما زال مُنْبِئًا عن تخلي الضعفاء عن إرادتهم الخاصة، فقد كانوا تابعين في الدنيا، ويريدون من متبوعيهم شيئًا من الجزاء، فيرد المستكبرون بما ينبئ عن أنهم ما زالوا يحملون في نفوسهم صفة الولاية على الأتباع؛ أي: إنهم لم يدركوا وهم في جهنم، أو يشيروا إلى أن قضية الإيمان كانت مسؤولية فردية، بل أبقوا على أنفسهم متحكمين في مصاير أتباعهم ﴿ لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ﴾، ومع أنهم تبينوا خطأهم في موقفهم الذي اتخذوه في الدنيا، إلا أنهم لم (يعتذروا) لمتبوعيهم، ولم يُحمِّلوهم المسؤولية الشخصية - أيضًا - في هذا الموضع، على إلغاء تدبرهم الذاتي وعقولهم، بل كان قولهم ﴿ لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ﴾ دالاًّ على "استمرار" صلفهم وتكبرهم، وعلى أنهم ما زالوا على رأيهم في تعطيل الآخرين عن التفكير، ومصادرة آرائهم.

والغريب أن موقف الشيطان الذي كان يُضِلُّ على علم، يبدو وكأنه أقل استكبارًا من موقف المستكبرين الآدميين، الذين كانوا يُضلُّون على جهل، فقد صرح لهم بأنه لم يفِ لهم بما كان يَعِدُهم، وأنه لم يكن ذا سلطان عليهم، وأنهم بأعيانهم الفردية يتحملون وزر ما صاروا إليه، وتبرأ منهم جميعًا ﴿ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ﴾.

لقد قصَّ القرآن الكريم ندم الناس على ما فرطوا في حياتهم الدنيا، بعد أن كان مآلهم إلى النار، ولكنه لم يقص عما قاله الشيطان غيرَ هذه الآية التي يعترف فيها بظلمه، وأن له عذابًا أليمًا ﴿ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.

9- ﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ ﴾ [إبراهيم: 31].
الكل عبادُه سبحانه وتعالى، المؤمنون به والكافرون، ولكن هذا الخطاب موجَّه لطائفةِ المؤمنين، فهم الذين يرون الوجود من طرفيه؛ الدنيا والآخرة، وهم الذين يستجيبون - بسبب هذه الرؤية الكاملة - لما يراد منهم أن يفعلوه، وإن الذي أُمروا به في هذه الآية الكريمة هو إقامة الصلاة والإنفاق، ولكليهما هيئة ظاهرة، وقد يفعلهما غير الصادق أيضًا، ولكن صدورهما عن القلب هو الذي يختص به المؤمنون الذين يستحقون أن تُنسب عبوديتهم لله تعالى ﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ ﴾.

وإقامة الصلاة بذلٌ معنوي للنفس والروح، والإنفاق بذل لما هو مادي؛ المال، ولما هو معنوي؛ لتعلق القلب به؛ ومِن ثَمَّ فإن الأمر يشتمل على الدعوة للخضوع المعنوي والمادي لمراد الله تعالى، وقد يكون المال هو المتبادر إلى الذهن في قوله: ﴿ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾، ولكن قد يكون المعنى أعم منه؛ ليشمل جميع ما آتاه الله الإنسانَ؛ مالاً كان أو غيره، فالـ ﴿ بَيْعٌ ﴾ يستحضر المال والمعاملة، والـ ﴿ خِلالٌ ﴾ يستحضر الصداقة والصلات، وما يترتب عليهما.

ولربما انحصر ﴿ سِرًّا وَعَلانِيَةً ﴾ بإنفاق المال، ولعله ينصرف - أيضًا - إلى أداء الصلاة غير المفروضة؛ إذ قد يكون إخفاؤها - ما لم يُسأل المرء عن أدائه لها - أدعى إلى استجماع الإخلاص، أو إن العلانية تكون للواجبات المفروضة، والسر لكل ما هو تطوعٌ من قربات، والله أعلم.

10- ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 32 - 34].

تشير الآية الكريمة إلى الخلق ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾، وإلى أسباب الحياة ﴿ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾، وإلى أسباب الحركة فيها ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ ﴾، وإلى أسباب ضبط الحياة والحركة فيها ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾، وهذه كلها مما يلحظه الإنسان يوميًّا من غير أن يحتاج فيها إلى برهان، وعلاوة على ذلك فإن عطاءه سبحانه لا يحده حد، ومع ذلك فإن الإنسان - ويا للعجب! - يجعل ﴿ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [إبراهيم: 30].

وذكر الباري عز وجل: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾، من باب التغليب في أنه يظلم نفسه، ويجحد فضل المُنعِم، وكما قال في موضع آخر: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13].

11- ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾ [إبراهيم: 35 - 41].

الأمن أهم قِوام للحياة، ووجوده ضمانٌ للحرية التي وهبها الله تعالى للإنسان، وقدَّم إبراهيمُ الخليل عليه السلام ذِكْرَه في دعائه لبلدٍ لم يكن آهلاً وقتذاك، فكان الدعاء بالأمن مما يُرى ومما لا يرى، ولأهمية الأمن؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَن أصبح آمِنًا في سربه، معافًى في بدنه، عنده قُوت يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها))؛ (الترغيب والترهيب للمنذري 2: 45، صحيح الترغيب للألباني 833، وفي غيرهما ورد المعافى في بدنه أولاً).

وثنّى الخليل عليه السلام بطلب الاستقامة على التزام منهج الله، لنفسه، ولذريته الذين أوكَلَ أمْرَ العصاة منهم إلى رحمة الله تعالى وغفرانه، وكأنه يدعو لهم أن يعاملهم الله تعالى برحمته وغفرانه، لا أن يعاملهم بعدله.

و﴿ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾؛ أي أن تهوى الأفئدة هذا المكان، وَتَعْلَقَ به؛ لتستوطنه وتستقر فيه، لا أن تأتي إليه لزمنٍ، ثم ترحل، وكأنه انتابَهُ الشعورُ بالإشفاق؛ إذ ترَكَ الضعيفين: زوجه وولده الصغير، في ذلك المكان المقفر المجدب؛ استجابة لأمر الله، وكأنه تلمَّسَ إشفاق زوجه - أيضًا - مما ستكون فيه مع وليدها، ولعل هذا الإشفاق هو ما كان يُخفيه، ولكنه لكونه نبيًّا امتثل لأمر الله تعالى، وهو ما كان يبديه، فقال في تضرعه: ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾، وربما كان نداؤه بصيغة الجمع ﴿ رَبَّنَا ﴾ لهذا السبب؛ أي لِمَا كان يجده في نفسه، ويتحسسه في نفس زوجه، وقد استجاب الله تعالى له في الحال - والله أعلم - بأن طمْأنَ قلبه من خلال إيراد ولديه اللذين وهبهما الله تعالى له - وهو كبير - على خاطره، وإذ أتته تلك الرحمة ﴿ عَلَى الْكِبَرِ ﴾، فلا شك أنها ستغشى مَن أسكنهم ﴿ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ﴾.

إن التوحيد هو أساس دعائه عليه السلام في صدر الآية الكريمة، وإنَّ فِعْلَه - وقد ترك ولده وزوجه - تَرجمانٌ لإيمانه، وامتثاله لأوامر ربه، وسؤاله أن يكون مقيمَ الصلاة تضرعٌ للثبات على العهد، والاستمرار فيه.

ويلخص هذا الدعاء من أوله إلى آخره القضيةَ التي ينبغي للإنسان أن يشغل نفسه بها، وأن تستغرق حياته دون الشواغل الأخرى، وهذه القضية هي التوحيدُ؛ أي أن يقدر اللهَ تعالى حقَّ قدره، ويفرده بعبوديته، والصلاةُ، وهي الحبل الذي يستمسك به في صلته بالله تعالى، والباعثة على الاستجابة لأوامره ونواهيه، والدعاءُ، وهو مخ العبادة، فيُكرِّسه لنفسه، ولوالديه، وللمؤمنين، فيدعو لمن مضى منهم، ولمن يأتي لاحقًا، وليتحقق بذلك ارتباطه الوجداني بالمؤمنين، واستطعامه الانتماء إلى الأمة الواحدة؛ الأمَّةِ المؤمنة بوحدانية الله تعالى، من عهد آدم عليه السلام، إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.

__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 07:26 PM.