اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > محمد نبينا .. للخير ينادينا

محمد نبينا .. للخير ينادينا سيرة الحبيب المصطفى بكل لغات العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29-08-2014, 03:47 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

- دروس وعبر:

أ- بركة النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة حليمة: فقد ظهرت هذه البركة على حليمة السعدية في كل شيء، ظهرت في إدرار ثدييها وغزارة حليبها، وقد كان لا يكفي ولدها، وظهرت بركته في سكون الطفل ولدها، وقد كان كثير البكاء مزعجًا لأمه يؤرقها ويمنعها من النوم، فإذا هو شبعان ساكن جعل أمه تنام وتستريح، وظهرت بركته في شياههم العجفاوات التي لا تدر شيئًا, وإذا بها تفيض من اللبن الكثير الذي لم يُعهد.
ب- كانت هذه البركات من أبرز مظاهر إكرام الله له، وأكرم بسببه بيت حليمة السعدية التي تشرفت بإرضاعه، وليس من ذلك غرابة ولا عجب([1])، فخلف ذلك حكمة أن يُحب أهل هذا البيت هذا الطفل ويحنوا عليه ويحسنوا في معاملته ورعايته وحضانته، وهكذا كان فقد كانوا أحرص عليه وأرحم به من أولادهم([2]).
جـ- خيار الله للعبد أبرك وأفضل: اختار الله لحليمة هذا الطفل اليتيم وأخذته على مضض؛ لأنها لم تجد غيره، فكان الخير كل الخير فيما اختاره الله، وبانت نتائج هذا الاختيار مع بداية أخذه وهذا درس لكل مسلم بأن يطمئن قلبه إلى قدر الله واختياره والرضا به، ولا يندم على ما مضى وما لم يقدره الله تعالى.
د- أثر البادية في صحة الأبدان وصفاء النفوس، وذكاء العقول: قال الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله-: وتنشئة الأولاد في البادية, ليمرحوا في كنف الطبيعة، ويستمتعوا بجوها الطلق وشعاعها المرسل، أدنى إلى تزكية الفطرة وإنماء الأعضاء والمشاعر، وإطلاق الأفكار والعواطف.
إنها لتعاسة أن يعيش أولادنا في شقق ضيقة من بيوت متلاصقة كأنها علب أغلقت على من فيها، وحرمتهم لذة التنفس العميق والهواء المنعش.
ولا شك أن اضطراب الأعصاب الذي قارن الحضارة الحديثة يعود –فيما يعود– إلى البعد عن الطبيعة، والإغراق في التصنع، ونحن نقدر لأهل مكة اتجاههم إلى البادية لتكون ***اتها الفساح مدارج طفولتهم، وكثير من علماء التربية يودون لو تكون الطبيعة هي المعهد الأول للطفل حتى تتسق مداركه مع حقائق الكون الذي وجد فيه ويبدو أن هذا حلم عسر التحقيق([3]).
وتعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بادية بني سعد اللسان العربي الفصيح، وأصبح فيما بعد من أفصح الخلق، فعندما قال له أبو بكر t يا رسول الله ما رأيت أفصح منك. فقال صلى الله عليه وسلم: «وما يمنعني وأنا من قريش وأرضعت في بني سعد» ([4]).

---------------

([1]) فقه السيرة النبوية للبوطي, ص44. (2) انظر: السيرة النبوية لأبي فارس ص105.

([3]) انظر: فقه السيرة ص60، 61.
([4]) الروض الأنف للسهيلي (1/188).
__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29-08-2014, 03:49 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

2- ما يستفاد من حادثة شق الصدر:
تعد حادثة شق الصدر التي حصلت له عليه الصلاة والسلام أثناء وجوده في مضارب بني سعد من إرهاصات النبوة ودلائل اختيار الله إياه لأمر جليل([1]).
وقد روى الإمام مسلم في صحيحه حادثة شق الصدر في صغره، فعن أنس بن مالك: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه([2])، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه –يعني ظئره– فقالوا: إن محمدًا قد ***، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال إنس: وقد كنت أرى أثر المخيط في صدره([3]).
ولا شك أن التطهير من حظ الشيطان هو إرهاص مبكر للنبوة، وإعداد للعصمة من الشر وعبادة غير الله، فلا يحل في قلبه إلا التوحيد الخالص، وقد دلت أحداث صباه على تحقق ذلك فلم يرتكب إثمًا، ولم يسجد لصنم([4]) رغم انتشار ذلك في قريش([5]).
وتحدث الدكتور البوطي عن الحكمة في ذلك فقال: يبدو أن الحكمة في ذلك إعلان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وتهييؤه للعصمة والوحي منذ صغره بوسائل مادية ليكون ذلك أقرب إلى إيمان الناس به وتصديقهم برسالته، إنها إذن عملية تطهير معنوي، ولكنها اتخذت هذا الشكل المادي الحسي، ليكون فيه ذلك الإعلان الإلهي بين أسماع الناس وأبصارهم([6]), إن إخراج العلقة منه تطهير للرسول صلى الله عليه وسلم من حالات الصبا اللاهية العابثة المستهترة, واتصافه بصفات الجد والحزم والاتزان وغيرها من صفات الرجولة الصادقة، كما تدلنا على عناية الله به وحفظه له، وأنه ليس للشيطان عليه سبيل([7]).
------------------------


([1]) انظر: فقه السيرة للبوطي ص47.
([2]) جمعه وضم بعضه إلى بعض (شرح النووي على مسلم 2/216).
([3]) مسلم، كتاب الإيمان، (1/45)رقم 259.
([4]) زعم المستشرق نيكلسون أن حديث شق الصدر أسطورة نشأت عن تفسير الآية ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) وأنه لو كان لها أصل فعلينا أن نخمن أنها تشير إلى نوع من الصرع، وهذا الذي زعمه نيكسون سبقه إليه المشركون حين اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنون فنفى الله عنه ذلك ( وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ).
([5]) انظر: السيرة النبوية الصحيحة للعمري (1/104).
([6]) انظر: فقه السيرة للبوطي, ص47.
([7]) انظر: السيرة النبوية لأبي فارس ص106، 107.
__________________
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29-08-2014, 03:51 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

خامسًا: وفاة أمه وكفالة جده ثم عمه:
توفيت أم النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ست سنين بالأبواء بين مكة والمدينة، وكانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار تزيره إياهم، فماتت وهي راجعة به إلى مكة,([1]) ودفنت بالأبواء, وبعد وفاة أمه كفله جده عبد المطلب، فعاش في كفالته، وكان يؤثره على أبنائه أي أعمام النبي صلى الله عليه وسلم - فقد كان جده مهيبًا, لا يجلس على فراشه أحد من أبنائه مهابة له، وكان أعمامه يتهيبون الجلوس على فراش أبيهم، وكان صلى الله عليه وسلم يجلس على الفراش ويحاول أعمامه أن يبعدوه عن فراش أبيهم, فيقف الأب الجد بجانبه, ويرضى أن يبقى جالسًا على فراشه متوسمًا فيه الخير، وأنه سيكون له شأن عظيم([2]) وكان جده يحبه حبًا عظيمًا، وكان إذا أرسله في حاجة جاء بها وذات يوم أرسله في طلب إبل فاحتبس عليه([3]) فطاف بالبيت وهو يرتجل يقول:
رب رد راكبي محمدا --- رده لي واصنع عندي يدا




فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم وجاء بالإبل فقال له: يا بني, لقد حزنت عليك كالمرأة حزنًا لا يفارقني أبدًا([4]).
ثم توفي عبد المطلب والنبي صلى الله عليه وسلم في الثامنة من عمره([5])، فأوصى جده به عمه أبا طالب فكفله عمه وحنّ عليه ورعاه([6]).
أرادت حكمة الله أن ينشأ رسوله يتيمًا، تتولاه عناية الله وحدها، بعيدًا عن الذراع التي تمعن في تدليله, والمال الذي يزيد في تنعيمه، حتى لا تميل به نفسه إلى مجد المال والجاه، وحتى لا يتأثر بما حوله من معنى الصدارة والزعامة، فيلتبس على الناس قداسة النبوة بجاه الدنيا، وحتى لا يحسبوه يصطنع الأول ابتغاء الوصول إلى الثاني([7]) وكانت المصائب التي أصابت النبي صلى الله عليه وسلم منذ طفولته كموت أمه ثم جده بعد أن حرم عطف الأب وذاق كأس الحزن مرة بعد مرة، كانت تلك المحن قد جعلته رقيق القلب مرهف الشعور، فالأحزان تصهر النفوس وتخلصها من أدران القسوة والكبر والغرور، وتجعلها أكثر رقة وتواضعًا.
------------------


([1]) ابن هشام في السيرة (1/168) وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث.
([2]) انظر: السيرة النبوية لأبي فارس، ص101. (3) صحيح السيرة النبوية للعلي ص 56.

([4]) أخرجه الطبراني في الكبير:5524، و صححه إبراهيم العلي في صحيح السيرة النبوية ص56.
([5]) انظر: السيرة النبوية لأبي فارس ص101. (6) انظر: مدخل لفهم السيرة، اليحيى ص119.


([7]) انظر: فقه السيرة للبوطي ص46.
__________________
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29-08-2014, 03:55 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

سادسًا: عمله صلى الله عليه وسلم في الرعي:
كان أبو طالب مُقلاًّ في الرزق فعمل النبي صلى الله عليه وسلم برعي الغنم مساعدة منه لعمه، فلقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن نفسه الكريمة وعن إخوانه من الأنبياء أنهم رعوا الغنم، أما هو فقد رعاها لأهل مكة وهو غلام وأخذ حقه عن رعيه، ففي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم» فقال: أصحابه: وأنت؟ قال: «نعم, كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة» ([1])، إن رعي الغنم كان يتيح للنبي صلى الله عليه وسلم الهدوء الذي تتطلبه نفسه الكريمة، ويتيح له المتعة بجمال الصحراء، ويتيح له التطلع إلى مظاهر جلال الله في عظمة الخلق، ويتيح له مناجاة الوجود في هدأة الليل وظلال القمر ونسمات الأشجار، يتيح له لونًا من التربية النفسية من الصبر والحلم والأناة, والرأفة والرحمة, والعناية بالضعيف حتى يقوى, وزم قوى القوي حتى يستمسك للضعيف ويسير بسيره، وارتياد مشارع الخصب والري وتجنب الهلكة ومواقع الخوف من كل ما لا تتيحه حياة أخرى بعيدة عن جو الصحراء وهدوئها وسياسة هذا الحيوان الأليف الضعيف([2]).
وتذكرنا رعايته للغنم بأحاديثه صلى الله عليه وسلم التي توجه المسلمين للإحسان للحيوانات([3]) فكان رعي الغنم للنبي صلى الله عليه وسلم دربة ومرانًا له على سياسة الأمم.
ورعي الغنم يتيح لصاحبه عدة خصال تربوية منها:
1- الصبر: على الرعي من طلوع الشمس إلى غروبها، نظرا لبطء الغنم في الأكل، فيحتاج راعيها إلى الصبر والتحمل، وكذا تربية البشر([4]).
إن الراعي لا يعيش في قصر منيف ولا في ترف وسرف، وإنما يعيش في جو حار شديد الحرارة، وبخاصة في الجزيرة العربية، ويحتاج إلى الماء الغزير ليذهب ظمأه، وهو لا يجد إلا الخشونة في الطعام وشظف العيش، فينبغي أن يحمل نفسه على تحمل هذه الظروف القاسية، ويألفها ويصبر عليها([5]).
2- التواضع: إذ طبيعة عمل الراعي خدمة الغنم, والإشراف على ولادتها، والقيام بحراستها والنوم بالقرب منها، وربما أصابه ما أصابه من رذاذ بولها أو شيء من روثها فلم يتضجر من هذا، ومع المداومة والاستمرار يبعد عن نفسه الكبر والكبرياء، ويرتكز في نفسه خلق التواضع([6])، وقد ورد في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» فقال رجل: الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا؟ فقال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بَطَرُ الحق وغَمْطُ الناس» [7]).
3- الشجاعة: فطبيعة عمل الراعي الاصطدام بالوحوش المفترسة، فلا بد أن يكون على جانب كبير من الشجاعة تؤهله للقضاء على الوحوش ومنعها من افتراس أغنامه([8]).
4- الرحمة والعطف: إن الراعي يقوم بمقتضى عمله في مساعدة الغنم إن هي مرضت أو كُسرت أو أصيبت، وتدعو حالة مرضها وألمها إلى العطف عليها وعلاجها والتخفيف من آلامها, فمن يرحم الحيوان يكون أشد رحمة بالإنسان، وبخاصة إذا كان رسولاً أرسله الله تبارك وتعالى لتعليم الإنسان, وإرشاده وإنقاذه من النار وإسعاده في الدارين([9]).
5- حب الكسب من عرق الجبين: إن الله قادر على أن يغني محمدا صلى الله عليه وسلم عن رعي الغنم، ولكن هذه تربية له ولأمته للأكل من كسب اليد وعرق الجبين، ورعي الغنم نوع من أنواع الكسب باليد.
روى البخاري عن المقدام t عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أكل أحد طعاما قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود -عليه السلام- كان يأكل من عمل يده» ([10]).
ولا شك أن الاعتماد على الكسب الحلال يكسب الإنسان الحرية التامة والقدرة على قول كلمة الحق والصدع بها([11]) وكم من الناس يطأطئون رؤوسهم للطغاة، ويسكتون على باطلهم، ويجارونهم في أهوائهم خوفًا على وظائفهم عندهم([12]).
إن إقبال النبي صلى الله عليه وسلم على رعي الأغنام لقصد كسب القوت والرزق يشير إلى دلائل هامة في شخصيته المباركة منها: الذوق الرفيع والإحساس الدقيق اللذان جمّل الله تعالى بهما نبيه صلى الله عليه وسلم ، لقد كان عمه يحوطه بالعناية التامة، وكان له في الحنو والشفقة كالأب الشفوق، ولكنه صلى الله عليه وسلم ما إن آنس في نفسه القدرة على الكسب حتى أقبل يكتسب ويتعب نفسه لمساعدة عمه في مؤونة الإنفاق، وهذا يدل على شهامة في الطبع وبر في المعاملة، وبذل للوسع([13]).
والدلالة الثانية: تتعلق ببيان نوع الحياة التي يرتضيها الله تعالى لعباده الصالحين في دار الدنيا، لقد كان سهلاً على الله أن يهيئ للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو في صدر حياته من أسباب الرفاهية ووسائل العيش ما يغنيه عن الكدح ورعاية الأغنام سعيًا وراء الرزق.
ولكن الحكمة الربانية تقتضي منا أن نعلم أن خير مال الإنسان ما اكتسبه بكد يمينه ولقاء ما يقدمه من الخدمة لمجتمعه وبني ***ه ([14]).
__________________
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 04-09-2014, 02:18 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

سابعًا: حفظ الله تعالى لنبيه قبل البعثة:
إن الله تعالى صان نبيه صلى الله عليه وسلم عن شرك الجاهلية وعبادة الأصنام, روى الإمام أحمد في مسنده عن هشام بن عروة عن أبيه قال: حدثني جار لخديجة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول لخديجة: «أي خديجة، والله لا أعبد اللات والعزى أبدًا» ([1]) وكان لا يأكل ما *** على النصب، ووافقه في ذلك زيد بن عمرو بن نفيل([2]).
«وقد حفظه الله تعالى في شبابه من نزعات الشباب ودواعيه البرئية التي تنزع إليها الشبوبية بطبعها، ولكنها لا تلائم وقار الهداة وجلال المرشدين»([3]) فعن علي بن أبي طالب t قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به، إلا مرتين من الدهر، كلتيهما يعصمني الله منهما، قلت ليلة لفتى كان معي من قريش بأعلى مكة في أغنام أهله يرعاها: أبصر إليَّ غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة، كما يسمر الفتيان، قال: نعم، فخرجت، فجئت أدنى دار من دور مكة، سمعت غناء، وضرب دفوف، ومزامير، فقلت: ما هذا؟» فقالوا: فلان تزوج فلانة، رجل من قريش تزوج امرأة من قريش، فلهوت بذلك الغناء وبذلك الصوت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا حر الشمس فرجعت فقال: ما فعلت؟ فأخبرته، ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك، ففعل، فخرجت، فسمعت مثل ذلك، فقيل لي مثل ما قيل لي، فلهوت بما سمعت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا مس الشمس، ثم رجعت إلى صاحبي فقال: فما فعلت؟ قلت: ما فعلت شيئًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فوالله ما هممت بعدها بسوء مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بنبوته» ([4]).
وهذا الحديث يوضح لنا حقيقتين كل منهما على جانب كبير من الأهمية:
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعًا بخصائص البشرية كلها، وكان يجد في نفسه ما يجده كل شاب من مختلف الميول الفطرية التي اقتضت حكمة الله أن يجبل الناس عليها، فكان يحس بمعنى السمر واللهو، ويشعر بما في ذلك من متعة، وتحدثه نفسه لو تمتع بشيء من ذلك كما يتمتع الآخرون.
2- أن الله عز وجل قد عصمه مع ذلك عن جميع مظاهر الانحراف وعن كل ما لا يتفق مع مقتضيات الدعوة التي هيأه الله لها([5]).
ثامنًا: لقاء الراهب بحيرا بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو غلام:
«خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا([6]) على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم([7]) فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يسيرون، فلا يخرج إليهم ولا يلتفت.
قال: فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب ([8]) حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خرَّ([9]) ساجدًا، ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف([10]) كتفه مثل التفاحة.
ثم رجع فصنع لهم طعاما، فلما أتاهم به، وكان هو في رعية الإبل([11]) قال: أرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة تظله, فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس مال فيء الشجرة([12]) عليه، فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه.
قال: فبينما هو قائم عليهم، وهو يناشدهم([13]) أن لا يذهبوا به إلى الروم فإن الروم إذا عرفوه بالصفة في***ونه، فالتفت فإذا سبعة قد أقبلوا من الروم، فاستقبلهم، فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جاءنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر، فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس، وإنا قد أخبرنا خبره، بعثنا إلى طريقك هذا، فقال: هل خلفكم أحد هو خير منكم؟
قالوا: إنما اخترنا خيره لك لطريقك هذا، قال: أفرأيتم أمرًا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا: لا. قال: فبايعوه وأقاموا معه.
قال: أنشدكم الله أيكم وليه([14])؟ قالوا: أبو طالب فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب([15]).

-----------------------



(3) نفس المصدر ص51. (4) انظر: محمد رسول الله، محمد عرجون (1/51).

([4]) صحيح السيرة النبوية، إبراهيم العلي ص57.
([5]) انظر: فقه السيرة النبوية للبوطي ص50، 51. (2) أشرفوا: طلعوا.

(3) حلو رحالهم: أي أنزلــــوها وفتحــــوها.

([8]) يتخللهم: يمشي بينهم.(5) خر: سقط.


([10]) الغضروف: رأس لوح الكتف. (7) رعية الإبل: رعايتها.


(8) مال فيء الشجرة عليه، مال ظلها (9) يناشدهم: يقسم عليهم.
(10) أيكم وليه: قريبه.(11) انظر: صحيح السيرة النبوية ص58، 59.
__________________
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 04-09-2014, 02:23 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

عاشرا: حلف الفضول:
كان حلف الفضول بعد رجوع قريش من حرب الفجار، وسببه أن رجلا من زبيد([1]) قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل، ومنعه حقه فاستعدى عليه الزبيدي أشراف قريش، فلم يعينوه لمكانة العاص فيهم، فوقف عند الكعبة واستغاث بآل فهر وأهل المروءة ونادى بأعلى صوته:
يا آل فهر لمظلوم بضاعته --- ببطن مكة نائي الدار والنفر



ومحرم أشعث لم يقض عمرته --- يا للرجال وبين الحِجر والحَجَر



إن الحرام لم تمت كرامته --- ولا حرم لثوب الفاجر الغُدر([2])




فقام الزبير بن عبد المطلب فقال: ما لهذا مترك. فاجتمعت بنو هاشم، وزهرة، وبنو تَيْم بن مرة في دار عبد الله بن جدعان فصنع لهم طعامًا، وتحالفوا في شهر حرام، وهو ذو القعدة، فتعاقدوا وتحالفوا بالله ليكونُنّ يدًا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يُرد إليه حقه ما بل بحر صوفة، وما بقي جَبَلا ثبير وحراء مكانهما([3]).
ثم مشوا إلى العاص بن وائل، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي، فدفعوها إليه.
وسمت قريش هذا الحلف حلف الفضول، وقالوا: لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر.
وفي هذا الحلف قال الزبير بن عبد المطلب:
إن الفضول تعاقدوا وتحالفوا --- ألا يقيم ببطن مكة ظالم



أمر عليه تعاقدوا وتواثقوا --- فالجار والمُعتـرّ([4]) فيهم سالم




وقد حضر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحلف الذي هدموا به صرح الظلم، ورفعوا به منار الحق، وهو يعتبر من مفاخر العرب وعرفانهم لحقوق الإنسان.([5]) وقد قال صلى الله عليه وسلم: «شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحب أن لي حمر النعم، وأني أنكثه» ([6]).
وقال صلى الله عليه وسلم: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفًا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت» ([7]).
دروس وعبر وفوائد:
1- إن العدل قيمة مطلقة وليست نسبية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يظهر اعتزازه بالمشاركة في تعزيز مبدأ العدل قبل بعثته بعقدين، فالقيم الإيجابية تستحق الإشادة بها حتى لو صدرت من أهل الجاهلية([8]).
2- كان حلف الفضول واحة في ظلام الجاهلية، وفيه دلالة بينة على أن شيوع الفساد في نظام أو مجتمع لا يعني خلوه من أي فضيلة, فمكة مجتمع جاهلي هيمنت عليه عبادة الأوثان والمظالم والأخلاق الذميمة كالظلم والزنا والربا، ومع هذا كان فيه رجال أصحاب نخوة ومروءة يكرهون الظلم ولا يقرونه، وفي هذا درس عظيم للدعاة في مجتمعاتهم التي لا تحكِّم الإسلام، أو تحارب الإسلام([9]).
3- إن الظلم مرفوض بأي صورة، ولو وقع الظلم على أقل الناس([10])، إن الإسلام يحارب الظلم ويقف بجانب المظلوم دون النظر إلى لونه ودينه ووطنه و***ه([11]).
4- جواز التحالف والتعاهد على فعل الخير وهو من قبيل التعاون المأمور به في القرآن الكريم قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )[المائدة:2]، ويجوز للمسلمين أن يتعاقدوا في مثل هذا الحال لأنه تأكيد لشيء مطلوب شرعًا، على ألا يكون ذلك شبيهًا بمسجد الضرار، بحيث يتحول التعاقد إلى نوع من الحزبية الموجهة ضد مسلمين آخرين ظلمًا وبغيًا، وأما تعاقد المسلمين مع غيرهم على دفع ظلم أو في مواجهة ظالم، فذلك جائز لهم، على أن تلحظ في ذلك مصلحة الإسلام والمسلمين في الحاضر والمستقبل، وفي هذا الحديث دليل([12]). والدليل فيه قوله صلى الله عليه وسلم: «ما أحب أن لي به حمر النعم»([13]) لما يحقق من عدل، ويمنع من ظلم، أو النكث به مقابل حمر النعم، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ولو دعيت به في الإسلام لأجبت» ([14]) طالما أن يردع الظالم عن ظلمه, وقد بين صلى الله عليه وسلم استعداده للإجابة بعد الإسلام لمن ناداه بهذا الحلف([15]).
5- وعلى المسلم أن يكون في مجتمعه إيجابيًا فاعلاً، لا أن يكون رقمًا من الأرقام على هامش الأحداث في بيئته ومجتمعه، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم محط أنظار مجتمعه، وصار مضرب المثل فيهم، حتى ليلقبوه بالأمين وتهفو إليه قلوب الرجال والنساء على السواء بسبب الخلق الكريم الذي حبا الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم ، وما زال يزكو وينمو حتى تعلقت به قلوب قومه, وهذا يعطينا صورة حية عن قيمة الأخلاق في المجتمع، وعن احترام صاحب الخلق ولو في المجتمع المنحرف([16]).

* * *







([2]) انظر: الروض الأنف للسهيلي (1/155-156). (4) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/213).

(5) المعتر: الزائر من غير البلاد.
([5]) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/214).
([6]) صحيح السيرة النبوية، إبراهيم العلي, ص59، وصححه الألباني رحمه الله.
([7]) السيرة النبوية لابن هشام (1/134) فقه السيرة للغضبان، ص102.
([8]) انظر: السيرة النبوية الصحيحة للعمري (1/112).
([9]) انظر: فقه السيرة النبوية للغضبان ص110. (4) انظر: فقه السيرة للغضبان ص110.


([11]) انظر: السيرة النبوية لأبي فارس ص121.
([12]) انظر: الأساس في السنة وفقهها - السيرة النبوية (1/171، 172).
([13]،8) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (1/134). (9) انظر: الأساس في السنة (4/172).


([16]) انظر: فقه السيرة للغضبان ص110، 111.
__________________
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 04-09-2014, 02:26 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

المبحث السادس


تجارته لخديجة وزواجه منها وأهم الأحداث إلى البعثة

أولاً: تجارته لخديجة وزواجه منها:
كانت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها أرملة([1]) ذات شرف ومال، تستأجر الرجال ليتجروا بمالها، فلما بلغها عن محمد صدق حديثه, وعظم أمانته, وكرم أخلاقه, عرضت عليه أن يخرج في مالها إلى الشام تاجرًا وتعطيه أفضل ما تعطي غيره من التجار، فقبل وسافر معه غلامها ميسرة، وقدما الشام، وباع محمد صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها، واشترى ما أراد من السلع، فلما رجع إلى مكة وباعت خديجة ما أحضره لها تضاعف مالها.
وقد حصل محمد صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة على فوائد عظيمة بالإضافة إلى الأجر الذي ناله، إذ مر بالمدينة التي هاجر إليها من بعد, وجعلها مركزًا لدعوته، وبالبلاد التي فتحها ونشر فيها دينه، كما كانت رحلته سببًا لزواجه من خديجة بعد أن حدثها ميسرة عن سماحته وصدقه وكريم أخلاقه([2])، ورأت خديجة في مالها من البركة ما لم تر قبل هذا وأُخبرت بشمائله الكريمة، ووجدت ضالتها المنشودة, فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منبه، وهذه ذهبت إليه تفاتحه أن يتزوج خديجة([3]) فرضي بذلك، وعرض ذلك على أعمامه، فوافقوا كذلك، وخرج معه عمه حمزة بن عبد المطلب فخطبها إليه، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصدقها عشرين بَكرة، وكانت أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت رضي الله عنها([4])، وقد ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلامين وأربع بنات، وابناه هما: القاسم، وبه كان صلى الله عليه وسلم يكنى وعبد الله، ويلقب بالطاهر والطيب. وقد مات القاسم بعد أن بلغ سنًّا تمكنه من ركوب الدابة، ومات عبد الله وهو طفل، وذلك قبل البعثة.
أما بناته فهن: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، وقد أسلمن وهاجرن إلى المدينة وتزوجن([5]). هذا وقد كان عمر الرسول صلى الله عليه وسلم حين تزوج خديجة رضي الله عنها خمسًا وعشرين سنة، وكان عمرها أربعين سنة([6]).
دروس وعبر وفوائد:
1- إن الأمانة والصدق أهم مواصفات التاجر الناجح، وصفة الأمانة والصدق في التجارة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم, هي التي رغبت السيدة خديجة في أن تعطيه مالها ليتاجر به ويسافر به إلى الشام، فبارك الله لها في تجارتها، وفتح الله لها من أبواب الخير ما يليق بكرم الكريم.
2- إن التجارة مورد من موارد الرزق التي سخرها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة, وقد تدرب النبي صلى الله عليه وسلم على فنونها، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن التاجر الصدوق الأمين في هذا الدين يُحشر مع الصديقين والشهداء والنبيين، وهذه المهنة مهمة للمسلمين ولا يقع صاحبها تحت إرادة الآخرين واستعبادهم وقهرهم وإذلالهم, فهو ليس في حاجة إليهم, بل هم في حاجة إليه وبحاجة إلى خبرته وأمانته وعفته.
3- كان زواج الحبيب المصطفى من السيدة خديجة بتقدير الله تعالى، ولقد اختار الله سبحانه وتعالى لنبيه زوجة تناسبه وتؤازره، وتخفف عنه ما يصيبه، وتعينه على حمل تكاليف الرسالة وتعيش همومه([7]).
قال الشيخ محمد الغزالي –رحمه الله-: وخديجة مثلٌ طيب للمرأة التي تكمل حياة الرجل العظيم، إن أصحاب الرسالات يحملون قلوبًا شديدة الحساسية, ويلقون غَبنا بالغًا من الواقع الذي يريدون تغييره، ويقاسون جهادًا كبيرًا في سبيل الخير الذي يريدون فرضه، وهم أحوج ما يكونون إلى من يتعهد حياتهم الخاصة بالإيناس والترفيه، وكانت خديجة سباقة إلى هذه الخصال، وكان لها في حياة محمد صلى الله عليه وسلم أثر كريم([8]).
4- نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذاق مرارة فقْد الأبناء، كما ذاق من قبل مرارة فقد الأبوين، وقد شاء الله –وله الحكمة البالغة– ألا يعيش له صلى الله عليه وسلم أحد من الذكور حتى لا يكون مدعاة لافتتان بعض الناس بهم، وادعائهم لهم النبوة، فأعطاه الذكور تكميلا لفطرته البشرية، وقضاء لحاجات النفس الإنسانية، ولئلا ينتقص النبي في كمال رجولته شانئ، أو يتقول عليه متقول، ثم أخذهم في الصغر، وأيضا ليكون ذلك عزاء وسلوى للذين لا يرزقون البنين، أو يرزقون ثم يموتون، كما أنه لون من ألوان الابتلاء، وأشد الناس بلاء الأنبياء([9]), وكأن الله أراد للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل الرقة الحزينة جزءًًا من كيانه؛ فإن الرجال الذين يسوسون الشعوب لا يجنحون إلى الجبروت, إلا إذا كانت نفوسهم قد طبعت على القسوة والأثرة، وعاشت في أفراح لا يخامرها كدر، أما الرجل الذي خبر الآلام فهو أسرع الناس إلى مواساة المحزونين ومداواة المجروحين([10]).
5- يتضح للمسلم من خلال قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة، عدم اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأسباب المتعة الجسدية ومكملاتها، فلو كان مهتما بذلك كبقية الشباب لطمع بمن هي أقل منه سنًا، أو بمن لا تفوقه في العمر، وإنما رغب فيها النبي صلى الله عليه وسلم لشرفها ومكانتها في قومها، فقد كانت تلقب في الجاهلية بالعفيفة الطاهرة.
6- وفي زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة ما يلجم ألسنة وأقلام الحاقدين على الإسلام وقوة سلطانه, من المستشرقين وعبيدهم العلمانيين, الذين ظنوا أنهم وجدوا في موضوع زواج النبي صلى الله عليه وسلم م***ا يصاب منه الإسلام، وصوروا النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الرجل الشهواني الغارق في لذاته وشهواته، فنجد أن النبي صلى الله عليه وسلم عاش إلى الخامسة والعشرين من عمره في بيئة جاهلية، عفيف النفس، دون أن ينساق في شيء من التيارات الفاسدة التي تموج حوله، كما أنه تزوج من امرأة لها ما يقارب ضعف عمره، وعاش معها دون أن تمتد عينه إلى شيء مما حوله، وإن من حوله الكثير وله إلى ذلك أكثر من سبيل، إلى أن يتجاوز مرحلة الشباب، ثم الكهولة، ويدخل في سن الشيوخ، وقد ظل هذا الزواج قائما حتى توفيت خديجة عن خمسة وستين عاما، وقد ناهز النبي عليه الصلاة والسلام الخمسين من العمر دون أن يفكر خلالها بالزواج بأي امرأة أخرى، وما بين العشرين والخمسين من عمر الإنسان هو الزمن الذي تتحرك فيه رغبة الاستزادة من النساء والميل إلى تعدد الزوجات للدوافع الشهوانية.
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفكر في هذه الفترة بأن يضم إلى خديجة مثلها من النساء: زوجة أو أمة، ولو أراد لكان الكثير من النساء والإماء طوع بنانه.
أما زواجه بعد ذلك من السيدة عائشة وغيرها من أمهات المؤمنين فإن لكل منهن قصة، ولكل زواج حكمة وسبب, يزيدان في إيمان المسلم بعظمة محمد صلى الله عليه وسلم ورفعة شأنه وكمال أخلاقه([11]).

-------------------------

([1]) تزوجها عتيق بن عائذ ثم مات عنها، فتزوجها أبو هالة ومات أيضا.
([2]) انظر: رسالة الأنبياء، عمر أحمد عمر (3/27). (3) انظر: مواقف تربوية ص56.

([4]) انظر: السيرة النبوية لأبي فارس ص122. (5) انظر: رسالة الأنبياء (3/28).


([6]) انظر: السيرة النبوية لأبي فارس ص122.
([7]) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/122، 123). (2) انظر: فقه السيرة للغزالي، ص75.

([9]) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/223، 224). (4) انظر: فقه السيرة، للغزالي ص78.

(1) انظر: فقه السيرة النبوية للبوطي ص53، 54.
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:54 PM.