#1
|
|||
|
|||
ممنوع التفكير!
ممنوع التفكير! إنَّ القارئ المُنصفَ للقرآن الكريم لَيعترفُ دون مُكابرةٍ بأنَّ التفكُّر والتدبُّر والتأمّل والفقه هي من أكثر ما يدعو إليه القرآن، ويؤكّدُ عليه، وهو في ذلك يستخدم أساليب شتّى فيمتدح العقل والتفكُّر، وينعي على المُخالفين عدم ذلك، ويأمر بالسير والنظر في الأرض وفي السماء وفي النَّفس، وفي سائر المخلوقات، وينهى عن التقليد الأعمى للآباء وللسادة والكبراء الذين يحتكرون الرأي، ويصِفُ الذين يُعطِّلون عقولهم عن التفكير بأنَّهم أحطُّ منزلة من الأنعام، وأنَّ شرَّ الدوابِّ الصُّمُّ عن سماع الحقِّ البُكمُ عن القول به الذين لا يعقلون، ثمَّ يجعل العقل مناط التكليفِ؛ لأنَّه جوهر الإنسان، ولا خير في عبادةٍ لا عقل معها. ولذا أُثر عن بعض السلف أنَّ تفكُّر ليلةٍ خيرٌ من عبادةِ كذا وكذا سنة. ومن عشراتِ الآيات الدالَّةِ على ما سبق نُورِدُ ثلاثًا منها، وهي تُفصح أبلغ الإفصاحِ عن احتفاء القرآن الكريم بالتفكُّر والتدبُّر والتفقُّه: 1- ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179]. 2- ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46]. 3- قوله تعالى على لسان الكفار بعد دخولهم جهنم أعاذنا الله منها: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10]. وحين يمنعُ الشَّرعُ الخوض في بعض المسائلِ؛ فليس ذلك خوفَ أن يكتشف الناظرُ فيه ما يدلُّ على بطلانه، فذلك محالٌ غير كائنٍ: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]، وإنَّما كان النهيُ عن ذلك لأنَّ حكمة الله - عز وجل - أنَّه فوق كلِّ ذي علمٍ عليمٌ، فعقولنا لها حدٌّ تنتهي إليه لا تجاوزه قِيدَ شَعَرةٍ، ومِنَ الظُلم البيِّنِ أن تُكلِّفَ عقلكَ فوق طاقته، ففيه إهدارٌ لطاقته: كالذي يُحاولُ أن يُفتِّتَ أقسى الصخور بقبضته، فلا هو يستطيع، ولا هو حفِظَ يديه من الكلل والكسر. ولْتحاول - مثلًا - أن تتخيَّل مفهوم اللانهاية في الرياضيَّات، وفكِّر في العدم الذي خُلِقَ منه الكونُ، بل فكِّر في رُوحِكَ: ما كُنهها؟ وأين هي؟ وأين تذهبُ بعد الموت؟. . . إلى غير ذلك؛ ستجدُ أنَّ العقلَ له مُنتهى ينتهي إليه. فالقضايا التي يُمنع فيها الكلامُ بإطلاقٍ؛ فهي تلك القضايا التي لا يصلح العقل أن يكون حَكَمًا فيها، ويتوجَّه هذا الحَجْر إلى بضعة أمور مثل: • أمور لا يُدركها العقل الإنسانيُّ، كالذات الإلهية، فليس مما يعرفه العقل شيءٌ يماثلها حتى يمكن أن يقيسها عليه، و قد ذكر أنَّه ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، وقد دلَّ العقل السليمُ على أنَّ الخالق لابد أن يكون أزليًّا أبديًّا مُطلق القدرة مُطلق العلم واحدٌ أحدٌ لا تُغيِّره الحوادث[1]، ولكنَّ العقل حين يُحاوِل التعمُّقَ أكثر من ذلكَ؛ فقد يعتريه من الذهول والحيرةِ ما يقود غير الراسخين إلى الشكِّ المُخرج من الإيمان، ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لن يبرح الناس يسألون هذا الله خالق كلِّ شيءٍ فمن خلق الله؟»[2]. ثم أرشدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى علاج ذلك فقال: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول: من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته»[3]. • ومن القضايا الشائكةِ التي قد يحارُ فيها كثيرٌ من الأفهام مسألة القدرِ؛ وبسببها ظهرت الفِرَقُ الحائدة عن نهج الجماعة، ولذلك جاء تحذير النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه ومَن بعدهم تبعًا؛ فقال: «إذا ذُكِرَ القدرُ فأمسكوا»[4]. • ومنها: أمور لا تدخل في حدود الطبيعة البشرية المحددة كحقيقة الروح. • ومنها: أمور لا تلزم للنهوض بوظيفة الإنسان في الوجود، كالغيب المحجوب عن العلم البشريّ، الداخل في قوله تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ﴾[الأنعام: 59]، ومثاله: السعي وراء التحديد الدقيق لموعد يوم القيامة. وقد بين الحق / كيف ينبغي تلقِّي هذه الأمور، التي هي فوق إدراك العقول البشريَّة، فقال: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 7، 8]. وفيما عدا هذه الجوانب؛ فإن العقل البشريّ مدعوٌّ للتدبر والتفكُّر والاعتبار والتطبيق في عالم الضمير وعالم الواقع في إطار منهج الإسلام. وما من دين أو منهجٍ وضعيٍّ، احتفل بإيقاظ الإدراك البشري وإطلاقه من قيود الوهم والخرافة وصيانته في الوقت ذاته من التبدُّد كما فعل الإسلام. [5]. فليس هناك مناطق في التشريع الإسلامي التفكير فيها مُحرَّمٌ ما دام الباحث يلتزم المنهج العلمي الجادّ ويكون هدفه في ذلك الوصول إلى الحق مجردًا من الأهواء. [1] من الكتب الماتعة الحقيقة بالقراءة؛ كتاب: "الفيزياء ووجود الخالق" لفضيلة الشيخ الدكتور جعفر شيخ إدريس، وكتاب:"رحلة عقل"؛ للمفكر الدكتور عمرو شريف، فهو يعرض لتجارب بعض كبار الملحدين الذين قادتهم عقولهم إلى الإيمان بالله الخالق الذي لابد أن يكون موصوفًا بما ذكرنا. وفي الكتابين ترى كيف أنَّ العقل الناقد السليمَ الذي يعمل وَفْق منهجيَّةٍ مستقيمةٍ لابدَّ أن يقود صاحبه للرأي الصائب السليم الذي دلَّ عليه صحيح الشرائع السماوية. [2] متفق عليه. [3] متفق عليه. [4] انظر صحيح الجامع (ح545). [5] انظر: ثم صار المخ عقلًا (ص12-13).
__________________
|
#2
|
|||
|
|||
يسلموو ع ـاْلمجهوود الرآائع يعطيك الف ع ـآْاْفيه عوآآفي ع الطرح يالغلااآـآ لآـاْ حرمنَآأ الإبدآع و ـاْلتميُز منكَـ كُلْ ـاآلشُكًرْ
|
العلامات المرجعية |
|
|