|
الجودة والإعتماد التربـوى كل ما يخص الجودة و الدراسات التربوية و كادر المعلم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
*`•.¸.•´* أخطاء في علاج الأخطاء *`•.¸.•´*
أخطاء في علاج الأخطاء يمثل تصحيح الخطأ جانباً مهماً من الأدوار التي يقوم بها المربي؛ إذ كثيراً ما يجد نفسه أمام أخطاء من يربيهم، وقد تكون أخطاءً فردية أو عامة، وقد تكون نتاج البيئة المنزلية أو المجتمع الأوسع، وقد تكون طارئة أو مزمنة. وأياً كان الأمر فهي تحتاج إلى مراجعة منهجنا وأساليبنا في التعامل معها، وفي هذا المبحث سنتناول بعض الأخطاء التي قد نقع فيها في علاجنا لأخطاء من نربيهم. 1 - اعتبار تصحيح الأخطاء وحده هو منهج التربية: يمثل تصحيح الأخطاء عند بعض المربين المنطلق الوحيد للتربية، وعليه فالتربية عندهم تبدأ من تحديد قائمة بالأخطاء والملحوظات، ومن ثم ترتيب البرامج لتصحيحها وتلافيها، فتمثل الأخطاء المنطلق الوحيد في رسم البرامج، والمعيار الوحيد في تحديد نوعية ما يقدم للناس، وتبدو آثار هذا الأسلوب من التفكير في اختيار الموضوعات التي يتحدث فيها لفئة معينة من الناس، فحين يستضاف أحد المتحدثين يُقترح عليه موضوعات تدور حول الأخطاء والملحوظات الشائعة لدى المخاطبين، أو يَسْأل هو عنها لتكون محور حديثه. وهذا الأسلوب يتولد منه آثار غير محمودة؛ فحين نسلك هذا المسلك فغاية ما نحققه إذا نجحنا - ولن نحقق النجاح الكامل - أن نحافظ على الإنسان عند مستوى محدد. وثاني هذه الآثار أن تسيطر لغة النقد على حديثنا فتترك هذه اللغة أثرها على أولئك الذين لم يعد يطرق سمعهم غيرها، فيعيشون حالة من الإحباط والشعور بالفشل والنقص على الدوام. وفرق بين عطاء هؤلاء، وأولئك الذين غرست لديهم الثقة بإمكاناتهم وقدراتهم، ورفعت لهم المنارات ليتطلعوا إليها ويسيروا نحوها. وثالثة الأثافي أن يحصر العطاء في زوايا محددة وهي تلك التي تبدو فيها أخطاء واضحة صارخة، أما البناء وتفعيل الطاقات وتنمية المواهب فلن يجد له مكاناً عند هؤلاء الذين يسيطر عليهم هذا المنطق في التفكير. 2 - تجاهل الخطأ حتى يستفحل: إن المشكلات الكبار لا تولد دفعة واحدة، والنار تنشأ من مستصغر الشرر، لذا فكثير من الصفات السيئة في البشر تبدو بذرة صغيرة يسقيها الإهمال والتسويف، ويُمدها التجاهل بماء الحياة حتى تنمو وتترعرع لتتجذر في النفس فيصعب اقتلاعها وزوالها. وأعظم شاهد على ذلك ما نراه من أن كثيراً ممن يضِلّون بعد الهدى، وينتكسون بعد الاستقامة، كان سبب ذلك أخطاء وأحوال من الضعف تدرجت بهم وتركوها حتى تستفحل. وكثيرة هي المشكلات والأخطاء التي نقع فيها نحن، أو يقع فيها من نتولى تربيته، ونهملها ولا نعبأ بها فلا تلبث أن تستفحل وتأسرنا لتصبح جزءاً من سلوكنا. وسواء كان الدافع لإهمال العلاج وتأخيره التسويف والعجز والكسل، أو افتراض أن الزمن كفيل بحله وتجاوزه، أو المبالغة في مراعاة نفسية المخطئ والخوف على جرح مشاعره، سواء كان هذا أو ذاك فالنتيجة لا تعدو واحدة من ثلاث: أ - أن يذوب السلوك السيئ في نفس صاحبه ويصبح جزءاً من شخصيته، فيسعى لتبريره والدفاع عنه، واتهام من يلومه بالغلو والتشدد، وما أكثر ما نرى هذه الصورة. ب - أن يستفحل في النفس فيرى صاحبه أنه قد صار صفة ملازمة له، وأنه لا يستطيع الخلاص منه أو الفكاك، وقد يدعوه ذلك إلى الإفراط في ركوب الانحراف والشطط. ج - أن يستفيق بعد فترة، فيلوم أولئك الذين تجاهلوا هذا الخطأ، والأغلب أن يبالغ في ذلك، وقد يقوده هذا إلى التخلي عن بعض الميادين الخيرة. 3 - ردة الفعل وعلاج الخطأ بخطأ آخر: يترك الخطأ أثره الواضح عند من يرقبه، وقد تكون مشاعره جياشة فيولد وقوع الخطأ لديه أثراً قد يغفل فيه عن الأسلوب الأمثل في التعامل معه، وهو موقف طبعي في النفس الإنسانية، ولعل من أمثلة ذلك ما وقع لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم في حالات عدة. ومنها قصة الأعرابي الذي بال في المسجد وهي مشهورة في السنة؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قام أعرابي فبال في المسجد، فتناوله الناس فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلّم: "دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء؛ فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ومثله حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: "إن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، قالوا: مه مه، فقال: ادنه. فدنا منه قريباً، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك ؟... - إلى أن قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء ففي هذه النصوص نظر الصحابة - رضوان الله عليهم - إلى عظم الخطأ فتعاملوا معه بما يرون أنه يليق به، أما النبي صلى الله عليه وسلّم فنظر إلى أمر أبعد من ذلك، ألا وهو أثر ذلك على صاحب الخطأ نفسه. [كثير من المتحدثين يحتجون بهذه الأحاديث وغيرها، ويشددون على الذين يقعون في هذا الخطأ، ويغفلون عن أن الصحابة رضوان الله عليهم وقعوا في ذلك، وإن كانت الحجة في فعل النبي صلى الله عليه وسلّم وقوله، إلا أن وقوع مثل ذلك من الصحابة يدل على أن الأمر لا يخلو منه بشر، واعتراضنا على هؤلاء ليس منصباً على مطالبتهم للدعاة بالرفق، إنما ينصب على أن نطالبهم بأن يرفقوا هم فيمن يطالبونه بالرفق كما رفق النبي صلى الله عليه وسلّم بالصحابة الذين وقعوا في التعنيف]. وحين نطالب المربي بأن يكون متزناً في تعامله مع الأخطاء فهذا لا يعني أن نطالبه بالعصمة وبإلغاء مشاعره، لكن بالاجتهاد قدر الإمكان. هذه حالة، وثمة حالة أخرى قد لا يكون المربي أمام خطأ معين مباشر يريد علاجه، بل أمام قصور أو ثغرة لا تتمثل في موقف محدد فهنا يكون عذره أقل من الصورة السابقة إن هو لم يتحكم بردة فعله. إن ردة الفعل قد ينشأ منها تضخيم الخطأ وربما إشعار صاحبه باليأس، أو قد ينشأ عنها غلو وشطط على النفس، أو قد ينشأ عنها خطأ آخر في الطرف المقابل. فقد يكتشف الإنسان خطأً في نفسه وحينئذٍ يدعوه الحماس إلى تصحيحه فيتعامل مع نفسه بردة فعل غير متزنة؛ فعلى سبيل المثال: حين يكتشف المرء أنه مقصر في طلب العلم الشرعي، ويرى أن أقرانه قد فاقوه وسبقوه سبقاً بعيداً، فيسعى إلى تصحيح هذا الخطأ ويرسم لنفسه برنامجاً طموحاً لا يطيق أن يصبر على بعضه فضلاً عن أن يطيقه كله، وحين يبدأ التنفيذ ويخوض الميدان يصطدم بالواقع ويرى أن ثمة مسافة هائلة بين المثال والواقع؛ ثمة مسافة بين تلك الصورة التي رسمها لنفسه وكان يتطلع إليها وبين ما يمكن أن يصل إليه من قدر من التصحيح، وحين يصل إلى هذا الحال فإنه في الأغلب لا يعود إلى التوازن مرة أخرى، وقد يدعوه ذلك إلى إهمال واجبات وحقوق أخرى، وما أكثر ما نقع في هذا. بل الأمر يتعدى ذلك حين تكون ردة الفعل مسئولة عن رسم المناهج أصلاً؛ فكم نرى من مناهج للتغيير يراهن أصحابها عليها ويرون أنه لا منهج لتغيير الأمة إلا هذا، وأي امرئ يسلك غير هذا الطريق بل أي امرئ لا يتطرف هذا التطرف الذي يتطرف فيه أصحابه فهو لا يملك التأهل لإنقاذ الأمة والتغيير. وحين تتأمل في هذا المنهج كله تراه لا يعدو أن يكون ردة فعل تجاه خطأ آخر، بل لو تأملت الواقع ووضعت أمامك قائمة من مناهج التغيير المطروحة في الساحة لرأيت أن عدداً منها لا يعدو أن يكون ردة فعل لعلاج خطأ في مناهج أخرى. 4 - الإفراط في العقوبة: النفس البشرية تعتريها حالات من الضعف والقصور، ويقعد بها الهوى وتستجيب أحياناً لداعي الشهوة على حساب أحكام الشرع ومنطق العقل، ومن ثم احتاجت إلى أن يؤخذ بزمامها، وأن تسلك معها وسائل متنوعة؛ إذ الإقناع وحده لا يكفي في حمل النفوس على الامتثال. ومن ثم جاء الشرع بمبدأ العقوبة لتكون رادعاً عن وقوع النفوس في المحظورات وتقصيرها في المأمورات، وتنوعت العقوبات بين العقوبات الدنيوية التي يراها الناس حاضرة والأخروية التي تُدخر لهم في البرزخ والقيامة - عافانا الله وحمانا - وبين العقوبات الكونية التي تصيب الناس في أموالهم وأولادهم وأمنهم، والعقوبات الشرعية التي أُمر الناس أن يوقعوها على من أصاب ما يستوجب ذلك كالحدود والتعزيرات. وكما أن إهمال العقوبات وتعطيلها مخالف لأمر الله، فالإفراط فيها ووضعها في غير موضعها هو الآخر مخالف لأمر الله تعالى، ومؤدٍ لتعطل مقاصد العقوبة وفواتها. لذا نهى النبي صلى الله عليه وسلّم عن أن يُتجاوز في العقوبة - فيما لا معصية فيه - عشرة أسواط، فقال: "لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله . والمقصود بحدود الله على الصحيح المخالفات الشرعية، كما قال تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا). [البقرة: 229]. وكما قال صلى الله عليه وسلّم في الحديث الآخر: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها…". وحين يفرط المربي في العقوبة ينقلب الأمر إلى تأثير مضاد، فيدفع المتربي شعوره بأنه مظلوم إلى الإصرار على الخطأ وتبريره، وينشغل بالعقوبة التي وجهت له عن الاعتناء بإصلاح الخطأ، وكثيراً ما يصر عليه ويتشبث به، ويكره الحق وأهله. كما ينشأ عن ذلك أيضاً أن تنمو لديه مشاعر الكراهية والبغض لمن عاقبه، وكثيراً ما نرى بعض الأبناء يكرهون آباءهم أو معلميهم بل ربما يتمنون هلاكهم، والسبب في ذلك ما يلقونه منهم من إفراط في العقوبة. ولا شك أن ترسخ هذه النظرة لديه تجاه معلمه أو والده تقف عائقاً كبيراً أمام تقبله للتوجيه والتربية. 5 - المثالية: حين يعيش المرء في ميدان التنظير يحلق في أجواء الخيال، ويرسم صوراً مثالية يصعب أو يستحيل تحققها. وهو أسلوب قد يمارسه المرء مع نفسه، فيرسم لها أهدافاً وبرامج وخططاً طموحة، ومن ثم يصطدم بجدار الواقع فيرى أنه عاجز عن تحقيق جزء يسير مما رسمه لنفسه. وقد يمارسه المرء مع من يربيه، فالأم كثيراً ما تعاتب طفلها وربما تعاقبه على أخطاء لا بد أن يقع فيها مادام طفلاً؛ فحين يعبث ببعض أثاث المنزل، أو يعمد إلى آنية فيكسرها، أو يسيء إلى أحد إخوانه الصغار تعاتبه وتعاقبه، وربما كانت العقوبة شديدة، إنها تطلب منه أن يكون منضبطاً مثالياً فلا يسيء إلى إخوانه الصغار ولا يعبث بالتراب ولا يعبث بالأثاث ولا يرفع صوتاً ولا يبكي. والأستاذ قد يرسم صورة مثالية للطالب؛ فيرى أنه ذاك الطالب الذي يلتزم بالأدب التام فلا يسيء الأدب مع أستاذه في استئذانه وحديثه وتعامله، ولا يسيء الأدب مع زملائه، ولا يمكن أن يتأخر عن أداء الواجب يوماً من الأيام، ولا بد أن يفهم ما يلقى عليه فهماً سليماً، ولا يسوغ له أن ينشغل عن الدرس، ولا أن يلهو، ولا أن يتأخر عن الحضور إلى الفصل، ولا أن يتغيب…إلخ هذه القائمة التي ربما عجز الأستاذ نفسه حين كان طالباً عن استجماعها وتحقيقها. إننا حين نرسم للناس صورة مثالية سوف نحاسبهم على ضوئها، فنرى أن النقص عنها يعد قصوراً في تربيتهم، فتأخذ مساحة الأخطاء أكثر من مداها الطبيعي الواقعي. وقد أخبر صلى الله عليه وسلّم أصحابه أنهم لن يصلوا إلى منزلة لا يواقعون فيها ذنباً، فقال: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم". وحين حضرت أبا أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - الوفاة قال: كنت كتمت عنكم شيئاً سمعته من رسول الله؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: "لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقاً يذنبون يغفر لهم". وقد قال أيضاً صلى الله عليه وسلّم: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون" . إن الواقعية في التفكير، وإدراك الطبيعة البشرية، والهدوء في الدراسة والمراجعة، والخبرة المتراكمة؛ كل ذلك يسهم إلى حد كبير في الاقتراب من الواقعية والبعد عن المثالية المجنحة في الخيال. 6 - الإفراط في الواقعية: وهو خطأ في الطرف المقابل للخطأ السابق، فينطلق صاحبه من نظرته لبشرية الناس وامتناع عصمتهم إلى تبرير الأخطاء والدفاع عنها بحجة الواقعية، وهي نظرة تنعكس أيضاً على أهداف المرء وبرامجه فتصبغها بصبغة التخاذل ودنو الهمة والطموح. وتسهم هذه النظرة في تكريس الأخطاء وإعطائها صفة المشروعية، ولعل من أصدق الأمثلة على ذلك ما اعتدناه من الفوضى في مواعيدنا وأوقاتنا، حتى أصبح الانضباط شذوذاً، وصار يقال إن في بني فلان رجلاً منضبطاً في مواعيده وأوقاته. فالمثالية في التعامل مع هذه القضية تتمثل في التشدد في الدقائق فلا يقبل المرء عذر من تأخر عن موعده ولو لدقائق قليلة، والواقعية المفرطة تتمثل في التساهل بما هو أكثر من ذلك وهو الأغلب، وحين يراد تحديد الموعد تترك هذه الروح الفوضوية أثرها في تفكيرنا فنضيف ساعة أو نحواً من ذلك احتياطاً. 7 - إهمال البعد الزمني في تصحيح الخطأ: لقد خلق الله الإنسان من عجل فهو يستعجل النتائج والثمرات بطبعه، ويريد أن يحقق في ساعات ما لا يتم إلا في أيام، وحين يضاف إلى ذلك حرصه على بلوغ الغاية وحماسه لها يزداد الأمر عجلة. إن إهمال البعد الزمني في التفكير مرض ورثه بعض الدعاة والخيرين من عقلية المجتمعات الإسلامية التي لا تفكر إلا فيما تزرعه اليوم وتحصده في الغد وتأكله في اليوم الثالث. فهل يمكن أن تعالج الأخطاء التربوية المتراكمة - التي أصحبت تشكل جزءاً من كيان الشخص وتربيته، وترسبت لديه من خلال مؤثرات عدة - في أيام قصيرة، أو من خلال توجيهات بخطأ هذا السلوك، ووجوب نهج السلوك الآخر؟ والأمر أكثر وأشد تعقيداً حين ننظر إلى جيل الصحوة أجمع، فعمره لا يزال قصيراً، وهذا الجيل المتوافد على الخير والهداية نتاج تربية آباء وتربية أمهات وتربية مؤسسات تربوية عامه؛ إنه إفراز لمجتمع يعيشه، فمسؤولية واقعه التربوي ليست قاصرة على الصحوة ذاتها. وحين نسعى إلى تصحيح الأخطاء في هذا الجيل، وإلى تحقيق قدر من النضج فلا بد أن نعطيه المدى الزمني الذي يمكن أن يؤهله لحل هذه المشكلة إذا أردنا أن نكون واقعيين. 8 - إحراج الواقع في الخطأ: إنه ليس من أهداف تصحيح الخطأ إصدار حكم بإدانة صاحبه وإثبات التهمة في حقه، لذا فالجدل الطويل حول إثبات التهمة، أو السعي للتصريح بالاعتراف بالتقصير والوقوع في الخطأ أمر لا مبرر له. وحين يأخذ المربي في حسبانه مراعاة مشاعر الناس وعواطفهم، ويكون همه منصباً على الإصلاح والتغيير فلن يسعى لإحراج صاحبه، ولقد أشار النبي صلى الله عليه وسلّم إلى مراعاة هذا الجانب. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم يقول: "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر". فمع أن هذه الأمة قد وقعت في ذنب عظيم وخطيئة كبيرة، إلا أن إقامة الحد كانت كافية في زجرها فلا ينبغي المبالغة والتثريب عليها. وقد طبق النبي صلى الله عليه وسلّم هذا الهدي في سنته العملية؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلّم برجل قد شرب قال: "اضربوه"قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: "لا تقولوا هكذا؛ لا تعينوا عليه الشيطان". وقد ينشأ الإحراج نتيجة الإصرار على الإدانة وانتزاع الاعتراف بالخطأ، أو نتيجة المواجهة المباشرة، أو نتيجة اللوم والتأنيب والإغلاظ في الحديث. 9 - المبالغة في تصوير الخطأ: إن الاعتدال سنة الله في الكون أجمع، وحين يقع الخطأ فليس ذلك مبرراً للمبالغة في تصوير حجمه والحديث عنه. إن تحويل الحادثة إلى ظاهرة، والمشكلات الفردية إلى قضايا عامة، وربط المشكلات المعقدة بقضية محددة؛ كل ذلك إفراز للمبالغة في التعامل مع الأخطاء وتجنب الاعتدال، وما أكثر ما نسمع أمثلة صارخة تثير الاستغراب حين الحديث عن ظاهرة من الظواهر، وكون هذه الأمثلة تملك قدراً من الغرابة أعظم دليل على شذوذها وأنها مما لا يقاس عليه. وحتى في الحديث عن المعاصي والمخالفات الشرعية - فما لم يقد الأمر إلى الاستهانة بحدود الله - لا يجوز تحويل الشبهة إلى أمر مقطوع بتحريمه، واللمم والصغيرة إلى موبقة من الموبقات. 10 - الاحتفاظ بصورة سلبية عن المخطئ: يتطلع كثير ممن يقع في الخطأ ويلومه الناس على ذلك أن يثبت لهم أنه قد تجاوزه، وأن يغير هؤلاء النظرة السلبية التي ارتسمت لديهم تجاهه. لذا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلّم يرعى هذا الجانب فهو يعتني صلى الله عليه وسلّم ببيان الخطأ لمن يقع فيه حين يقتضي الموقف البيان، لكنه لا يتحول إلى نظرة ثابتة ترسخ الشعور بالفشل والإحباط لدى الواقع في الخطأ، أو تؤدي به إلى الشعور بأن هذا الخطأ أصبح أمراً ملازماً له لا يفارقه. عن أنس رضي الله عنه أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم النبي صلى الله عليه وسلّم فأنزل الله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض..). إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح"فبلغ ذلك اليهود فقالوا: مايريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه؛ فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله، إن اليهود تقول كذا وكذا فلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فأرسل في آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما. وحتى حين يقتضي الخطأ الإغلاظ على صاحبه والتشديد عليه، فإنه لا يبقى ملاحقاً له في كل موقف، كما حصل مع أسامة بن زيد - رضي الله عنه - في موقف يرويه هو فيقول: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: "يا أسامة أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟"قلت: كان متعوذاً، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. وبعد هذه الواقعة أمَّره صلى الله عليه وسلّم على جيش أكبر من ذلك، ألا وهو الجيش الذي سيغزو الروم وشعر بعض الناس أن هذه المهمة ربما ينوء بها أسامة - رضي الله عنه - ، وأنه لو ولي غيره كان أولى فبين النبي صلى الله عليه وسلّم ذلك لهم؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعث بعثاً وأمر عليهم أسامة بن زيد، فطعن الناس في إمارته، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: "إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله، إن كان لخليقاً للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده". لقد أعطى هذا الموقف أسامة - رضي الله عنه - وغيره الشعور بأن الإنسان يمكن أن يتجاوز الخطأ، وليس بالضرورة يبقى علماً عليه لا يفارقه. لذا فإن ما يمارسه بعض الآباء من تكرار تذكير أبنائهم بأخطائهم أمر مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلّم ومنهجه في التربية. 11 - الاقتصار على الأسلوب المباشر وحده: وذلك بالحديث المباشر الصريح أن هذا الأمر المعين خطأ، وأن الشخص الذي قام بذلك العمل قد أخطأ. وثمة أخطاء تستوجب الحديث الصريح المباشر عنها، وثمة حالات لا يسوغ أن يتجاوز وصفها والحديث عنها هذه الكلمات أو مشتقاتها أو ما ينوب عنها، لكن ذلك لا يعني الاعتماد على هذا الأسلوب وحده. ومن تأمل المنهج النبوي وجد أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يعطي كل ذي حق حقه؛ فتارة يتحدث عن الخطأ حديثاً صريحاً دون مواربة، وتارة يومئ ويشير إليه، ومن هذه المواقف التي كان صلى الله عليه وسلّم يستخدم فيها هذا الأسلوب: عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلّم قالت: كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالي، فيأتون في الغبار يصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم إنسان منهم وهو عندي فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: "لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا". وعن سليمان بن صرد - رضي الله عنه – قال: "استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلّم ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضباً قد احمر وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". إن مثل هذه الأساليب غير المباشرة تترك أثرها في النفس، فهي توصل الرسالة التي يريدها المربي، وتنقذ المواجه بالخطأ من الحرج والخجل، وتشعره بحسن الخلق والتقدير والتوقير، إنه أسلوب الكرام العظام.
__________________
آخر تعديل بواسطة ايه كمال ، 22-07-2010 الساعة 01:38 AM |
#2
|
||||
|
||||
إن المشكلات الكبار لا تولد دفعة واحدة، والنار تنشأ من مستصغر الشرر، لذا فكثير من الصفات السيئة في البشر تبدو بذرة صغيرة يسقيها الإهمال والتسويف، ويُمدها التجاهل بماء الحياة حتى تنمو وتترعرع لتتجذر في النفس فيصعب اقتلاعها وزوالها.
كلام جميل جدا فالتجاهل أسوأ شئ قد يعصف بكل شئ جزاك الله خيرا |
#3
|
||||
|
||||
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
موضوع رائع جدا
بس هو فية امر كدة ان كل ما الواحد مثلا يحب يطبق الكلام دة فى المدرسة بيحس ان اسلوب الناس ذات نفسة فى المدرسة ككل سواء طلاب او مدرسين او ادارة بيخلية يمشى فى مسار معين ومش بيقدر يغيرة او يستعمل التوجيهات اللى فوق دية او اللى هى فى موضوع سلسلة مهارات المربى بس هى فعلا حاجات رائعة |
#5
|
|||
|
|||
بارك الله فيك
موضوع رائع |
#6
|
|||
|
|||
|
#7
|
||||
|
||||
اقتباس:
نورت الموضوع يا استاذ
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
__________________
|
العلامات المرجعية |
|
|