|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]()
للأسف بسبب وجود خطأ في قاعدة بيانات المصدر هنضطر حاليا آسفين ان نبدأ من الجزء العاشر ثم نعاود تحميل الأحزاء الفائتة
<div align="center">الجزء العاشر :- الدولة الأموية</div></span> دراسة في مصادر التاريخ الأموي تعرَّضَ التاريخ الأموي إلى كثير من التشويه والتحريف، واتسعت هذه الظاهرة لتشمل جُلَّ مصادر التاريخ الأموي، وامتدت لتترك بصماتها على بعض كتب التفسير والحديث التي تشكل مصدرًا خصبًا من مصادر التاريخ الإسلامي في تلك الحقبة. وإذا كان الله تعالى قد قيض للحديث الشريف من يكشف صحيحه من ضعيفه وموضوعه، لما له من أهمية تشريعية خاصة فإن طبيعة علم التاريخ واتساع مجاله وتعدد عصوره وفيض رواياته قد وقفت حائلاً دون تتبع كل محاولات التحريف والكذب فيه على اتساع مصادره وتنوعها.. أدلة تحريف التاريخ الأموي: وتتعدد الأدلة على حدوث الكذب والتحريف في كتابة التاريخ الأموي؛ فقد أثبت بعض المؤرخين القدماء ذلك وحذروا منه، رغم أنهم لم يجدوا بُدًّا من ذكر هذه الأخبار الموضوعة لشيوعها أحيانًا، ولكيلا يتهمهم أحد بجهل شيء ذكره آخرون.. أو لأنهم كانوا يعتبرون من الأمانة العلمية أن يذكر أحدهم كل ما يُروَى له، واتجه فريق آخر منهم إلى الانتقاء من هذا الركام الكبير فاختار ما صَحَّ عنده، ونبه إلى زيف كثير مما عداه.. فيقول شيخ مؤرخينا القدماء ابن جرير الطبري في مقدمة كتابه "تاريخ الرسل والملوك": "فما في كتابي هذا من خبر يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجهًا في الصحة، فليعلم أنه لم يأت ذلك من قبلنا، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنما أدينا ذلك على نحو ما أُدِّيَ إلينا".. ويروي أبو الفرج الأصفهاني ما يعتبره من أكاذيب بعض الرواة وينبه إليه أحيانًا فيقول:"... وهذا من أكاذيب ابن الكلبي وإنما ذكرته على ما فيه لئلا يسقط من الكتاب شيء قد رواه الناس وتداولوه".. هذا بينما ينتقي ابن الأثير بعض الروايات ويهمل بعضها ويقول في سبب ذلك: ".. فإن الناس قد حشدوا تواريخهم بمقتضى الأهواء".. ويشن ابن العربي حملة عنيفة على أهل الأهواء من المؤرخين.. ولا يثق إلا برواية أهل الحديث الذين يتفحصون رواياتهم ويميزون بين غثها وسمينها، ويقول: "وغير ذلك هو الموت الأحمر والخطر الأكبر؛ فإنهم ينشئون أحاديث استحقار الصحابة والسلف والاستخفاف بهم، واختراع الاسترسال في الأقوال والأفعال عنهم.. فإذا قاطعتم أهل الباطل، واقتصرتم على رواية العدول سلمتم من هذه الحبائل".. وقد حاول خصوم الأمويين تشويه صورتهم أثناء وجود دولتهم وبعد زوالها.. من ذلك ما رواه أبو الفرج الأصفهاني من أنه لما تزوج خالد بن يزيد بن معاوية رملة بنت الزبير بن العوام أنشد فيها أبياتًا من الشعر، فتلقف بعض خصوم الأمويين هذه الأبيات وزاد فيها: فإن تسلمي نسلم وإن تتنصري يخط رجال بين أعينهم صلبانًا فلما سمع عبد الملك بن مروان هذا الشعر قال لخالد: تنصرت يا خالد؟ فقال: وما ذاك؟ فأنشده هذا البيت، فقال خالد: على من قاله ومن نحلنيه لعنةُ الله.. وقد يكون الخوف من بني أمية حال أحيانًا دون التمادي في صنع الروايات ضدهم، فلما ذهبت دولتهم اتسع نطاق الكذب ضدهم، حتى أصبح الكذابون يقدِّمون قصصًا مخترعة بكاملها فقد ذكر الأصفهاني - أيضًا - أنه قد وقع فَخَارٌ بين رجل من زنادقة الشعوبية ورجل من ولد الوليد بن عبد الملك ـ وذلك في دولة بني العباس ـ خرجا فيه إلى أن أغلظ المسابة، فوضع الشعوبي عليهم كتابًا زعم فيه أن أم البنين زوجة الوليد بن عبد الملك عشقت الشاعر وضاح اليمن، فكانت تدخله صندوقًا عندها، إذا خافت عليه أن ينكشف أمره، فوقف على ذلك خادم للوليد فأنهاه إليه، وأراه الصندوق فأخذه الوليد فدفنه، ودفن الشاعر فيه حيًا!!.. عوامل تحريف التاريخ الأموي: إن تدوين العلوم لم يصبح ظاهرة واسعة مشتهرة إلا في العصر العباسي، لكن ذلك لم يحدث فجأة، وإنما سبقته مراحل طويلة كانت العلوم تُدَوَّن فيها على استحياء كعامل يساعد الذاكرة والحفظ، الذي ظل يمثل عماد الحركة العلمية الأكثر احترامًا وتقديرًا.. وقد وُجِدَتْ عدة عوامل أحاطت بذلك التدوين التاريخي في طوره التمهيدي الباكر قبل العصر العباسي، وفي طوره النشط الذي أصبح فيه ظاهرة عامة.. وبعض هذه العوامل أثَّر تأثيرًا كبيرًا على تحريف التاريخ الأموي مثل ضياع معظم النتاج التاريخي الباكر، ومن المؤكد أن كثيرًا من ذلك النتاج التاريخي كان سينصف بني أمية، وسيلقي مزيدًا من الضوء على تاريخهم، وسيعطي وجهات نظر محايدة عنهم أو مؤيدة لهم، إذا كُتِبَ معظمُه في عهدهم، وبأيدي بعض رجالهم، أو علمائهم المقربين منهم والخبيرين بهم، لقد حكمت دولة بني أمية المسلمين أكثر من تسعين سنة، وكان لهم في هذه المدة دعاة وأولياء وحواريون من مؤرخين وفقهاء ومتأدبين وشعراء، وعلى ذلك فمن البديهي أن نفترض أنه كان هناك نتاج ضخم من الكتابات لصالح بني أمية ودولتهم، ولم يأخذ حظه من العناية والتدوين، أو من النشر والإذاعة، أو تعرض عمدًا للإضاعة والإخفاء، ويذكر المسعودي ما يعزز هذا الافتراض بقوله: "ورأيت في سنة 324 هـ بمدينة طبرية من بلاد الأردن من أرض الشام عند بعض موالي بني أمية ممن ينتحل العلم والأدب، ويتحيز إلى العثمانية.. كتابًا فيه نحو من ثلاثمائة ورقة بخط مجموع مترجم بكتاب "البراهين في إمامة الأمويين.. ونشر ما طوي من فضائلهم.. أبواب مترجمة، ودلائل مفصلة".. كما ضاعت جُلُّ الوثائق السياسية لذلك العصر بما تحمل من دلالات قوية على سير الحياة فيه من وجهة نظر حكومية أو إدارية. وقد ساعدت عدة أسباب على ضياع ذلك التاريخ: منها نظرة العلماء آنذاك إلى الآثار المكتوبة كعامل مساعد فقط على التذكرة والحفظ، دون أن يُعَوَّل عليها بشكل أساسي في التعليم وحلقات الدرس؛ وذلك لتخوُّفهم مما يَعْرِض للكتابة من تغيير وتبديل أو نسخ وإزالة أو تحريف وتصحيف... ومن هذه الأسباب قيام كثير من الثورات التي أكلت كثيرًا من التراث المعارض لها وسط مظاهر الغضب الجامح، بل إن كثيرًا من هذه الوثائق السياسية الخاصة بالعصر الأموي كان قد لحقها الدمار حين تعرضت بعض الدواوين التي كانت تحفظ فيها للحريق في أيام بني أمية، مثلما حدث في ديوان الكوفة الذي احترق بما كان يضمه من وثائق سنة 82 هـ إبان فتنة ابن الأشعث، ومثلما حدث لديوان الفسطاط الذي تعرَّض للحريق أيضًا في العصر الأموي.. وهكذا لم يبق من مستندات الدولة الأموية إلا ما ندر من أوراق البردي أو بعض المسكوكات التي عُثِرَ عليها أخيرًا، وبعض النصوص الوثائقية التي حفظتها لنا كتب التاريخ المتأخرة مثل ابن سعد والبلاذري والقلقشندي وغيرهم، والتي يجب تناولها بحذر شديد؛ إذ إن معظمها قد نَقَلَ من كتب متقدمة وليس من الأصول، كما أسفرت جهود العلماء حديثًا عن اكتشاف بعض قصور الخلفاء والأمراء الأمويين بالشام، مما يعطي صورة قريبة من واقع التطور المعماري والفني في العصر الأموي، واهتمام الأمويين بهذه النواحي الحضارية، ومدى ما بلغوه في هذا الشأن.. ومن المؤكد أن ضياع هذه الآثار التاريخية عن دولة الأمويين قد أساء كثيرًا إلى تاريخهم حيث انفردت الكتابات المتأخرة والتي تم معظمها في العصر العباسي بالتأثير الأكبر والدور الأعظم في رسم صورة بني أمية، ومعروف عداء العباسيين للأمويين. ومن أسباب ذلك التشويه الذي أصاب التاريخ الأموي تأثير الحزبية السياسي على عملية تدوينه، فقد شهد العصر الأموي تكوين عدد من التجمعات الإسلامية التي ناصبت الأمويين العداء كالشيعة والخوارج والزبيريين، وبعضها نشأ متأخرًا نتيجة اجتهادات دينية وكلامية مثل المعتزلة، كما كان هناك بعض الموالي الفرس الذين اعتصموا بقوميتهم الفارسية وشكلوا جبهة مناوئة للأمويين في معظم فترات تاريخهم، وقد كان لهذه التجمعات جهود بارزة في تشويه صورة بني أمية كحلقة من حلقات العداء لهم أثناء قيام دولتهم وسيطرتها، كما أسهم بعض تلك التجمعات في تحريف تاريخ الأمويين عندما كُتِبَ ذلك التاريخ بعد ذهاب دولتهم، حيث برز كثير من المؤرخين الذين يدينون بأفكار تلك الاتجاهات المعادية للأمويين، وكان من الطبيعي أن تأتي كتاباتهم عنها متأثرة بذلك العداء.. وكان للشيعة الدور الأبرز في ذلك المجال.. حيث وضعوا الأحاديث في فضائل علي - رضي الله عنه - وبنيه، ووضعوا الأخبار الكاذبة على خصومهم الأمويين، حتى قال مؤرخهم ابن أبي الحديد:"واعلم أن أصل الأكاذيب في أحاديث الفضائل كان من وجهة الشيعة؛ فإنهم وضعوا في مبدأ الأمر أحاديث مختلقة في صاحبهم، حملهم على وضعها عداوة الخصوم".. وكان الإمام الشعبي يقول عنهم: لو أردت أن يعطوني رقابهم عبيدًا وأن يملئوا بيتي ذهبًا على أن أكذب لهم على عليٍّ لفعلوا، ولكن ولله لا كذبت أبدًا.. وكذلك كان بعض الصادقين من آل البيت يبرءون من هؤلاء الكذابين على الملأ، ويحذرون منهم مثل: علي زين العابدين وجعفر الصادق وعمر بن علي بن الحسين.. وإذا كان ذلك الكذب كله قد تم في العصر الأموي، وفي أثناء سيطرة الأمويين، وفي الحديث الشريف والتاريخ معًا، فإنه قد ظهر منهم جماعة في العصر العباسي من كبار المؤرخين الذين ترجموا تلك العداوة المتأصلة إلى تَزَيُّدٍ في روايات التاريخ الأموي، واختلاق لبعض الأخبار التي تسيء إلى بني أمية وتشوه سيرتهم، وتلوين لأخبار ثورات الشيعة ضد بني أمية بألوان البطولة والتعاطف مع الثائرين، والاتهام والتشنيع على الأمويين، ومن هؤلاء المؤرخين البارزين: أبو مخنف لوط بن يحيى وهشام بن الكلبي، وأبوه محمد بن السائب الكلبي ثم الأصفهاني واليعقوبي والمسعودي وغيرهم.. وبرع عديد من المؤرخين الموالي ـ من المسلمين غير العرب ـ في التاريخ وروايته مثل: الواقدي والمدائني وابن إسحاق وأبي معشر السندي وأبي عبيدة والبلاذري والطبري والدينوري وغيرهم.. واحتفظ بعض هؤلاء الموالي بقوميتهم الفارسية وأحقادهم على العرب واستعلائهم عليهم، وشمل ذلك العداء الدولة الأموية التي مثلت عندهم الرفعة العربية والانتصار الإسلامي مما كان له أثره في تلوين كتاباتهم عن الأمويين بألوان التعصب والعنصرية والبغضاء.. وبرع بعض هؤلاء الموالي في تأليف كتب المثالب يجمعون فيها كل ما يشتهون من مساويء العرب وقبائلهم ورجالهم وقد ينسبون بعض هذه الكتب إلى رجال من قادة العرب أنفسهم، ليخفى غرضهم، ويشيع وضعهم ومن أبرز هؤلاء المؤرخين الموالي: أبو عبيدة معمر بن المثنى، وغيلان الشعوبي، والهيثم بن عدي... وقد ضاعت كتب المثالب فلم تصلنا، ولكن وصلتنا روايات أصحابها في كتب التاريخ.. وما أحرانا أن نقف عندها وقفة متريثة وقد عرفنا اتجاهات أصحابها ونواياهم.. وظهرت فرقة المعتزلة في الفترة الأخيرة من عمر الدولة الأموية، وكان موقف المعتزلة من الأمويين سافر العداء؛ إذ يعدونهم فاسقين وفاقدين للعدالة التي يجب توافرها في الخلفاء، وهم يعتبرون أن الفاسق في منزلة بين الإيمان والكفر - وهو ما يعبرون عنه في أحد أصولهم الخمسة بالمنزلة بين المنزلتين - وهو على ذلك في النار، إذ لا توجد في الآخرة إلا الجنة والنار.. ومعروف أن الصلة وثيقة بين التشيع والاعتزال؛ فقد تأثر المعتزلة كثيرًا ببعض آراء الشيعة، مما أدى إلى كراهية مشتركة للأمويين وتحامل عليهم.. وكان جماعة من أبرز المؤرخين والأدباء يدينون بالاعتزال، وقد ظهر ذلك واضحًا في كتاباتهم المعادية للأمويين، والتي يُخرج بعضها الأمويين عن دائرة الإسلام إلى دئرة الكفر - لا الفسوق فحسب!! - ومن أشهر هؤلاء وأشدهم عداًء للأمويين: الجاحظ، وابن أبي الحديد.. وقد مر بنا القول بأن حركة تدوين التاريخ - والعلوم عامةً - إنما نشطت وأصبحت ظاهرة عامة في العصر العباسي.. وقد كان ذلك من سوء حظ بني أمية الذين كُتِبَ تاريخهم في ظل السيطرة العباسية المعادية.. كتاريخ دولة مهزومة، يحيط بتدوين تاريخها مناخ فكري معادٍ لها، ومناخ سياسي متسلط ضدها، وقديمًا قيل: ويل للدولة المهزومة حين يكتب تاريخها المنتصرون.. على أن قوة الأمويين لم تنتهِ بانهيار دولتهم.. بل انبعث أحدهم - عبد الرحمن بن معاوية "الداخل" - عبر البحار والمفاوز ليصل إلى بلاد الأندلس، فيقيم بها دولة ظلت تنافس العباسيين وتهددهم في بعض الأحيان، وظلت ذكراهم عالقة في في نفوس بعض المسلمين الذين صدمهم الواقع بعد ذهاب دولة الأمويين، وتبخُّر الأحلام في تغيير حقيقي ورديء، حتى قال قائلهم: يا ليت جور بني أمية عاد لنا يا ليت عدل بني العباس في النار ونتيجة لهذا الخوف من الخطر الجاثم في الشمال الغربي الأقصى واحتمالات امتداده عبر ما تبقى من عصبية للأمويين في المشرق، مع ما يغذي هذه المخاوف من ماضٍ مؤلم من الحروب والصراع بين الأمويين وخصومهم إبان حكمهم... نتيجة هذه العوامل جاء الانتقام المريع من الأمويين على يد العباسيين وأعوانهم، وقصص هذا الانتقام تملأ صفحات من التاريخ، ورغم ما قد يكون فيها من تحيز ومبالغة وافتعال فإنها تظل حية الدلالة على مشاعر الكراهية التي حكمت سنوات من خلافة العباسيين ضد الأمويين، فقد أعمل العباسيون القتل الذريع فيمن اشتهر من رجالهم، حتى اضطر كثير منهم إلى الاختفاء عن العيون والتسمي بغير أسمائهم، والانتساب إلى غير جدودهم.. ولم يكن ذلك العداء مقصورًا على الفترة التي تلت نجاح العباسيين في إقامة دولتهم بل ظل يثور ويخبو حينًا بعد حين، حتى إننا نجد الخليفة المعتضد العباسي يصدر منشورًا سنة 284 هـ يُقرَأ على العامة يقول فيه: "اللهم العن أبا سفيان بن حرب ومعاوية ابنه ويزيد بن معاوية ومراون بن الحكم وولده، اللهم العن أئمة الكفر، وقادة الضلال، وأعداء الدين ومجاهدي الرسول ومغيري الأحكام وسفاكي الدم الحرام، اللهم إنا نبرأ إليك من موالاة أعدائك..... " إلخ.. ولما ضعف سلطان الخلفاء وذهبت قوة الخلافة في العصر العباسي الثاني، أصبحت السلطة الكاملة في يد المتغلبين من الجند، وقامت الدويلات المستقلة التي اتخذ بعضها التشيع الغالي مذهبًا، كالفاطميين والبويهيين، ولقد ظهر في ذلك العصر جماعة من أشهر المؤرخين في تاريخ الإسلام كالطبري (ت310هـ) والمسعودي (ت346هـ) وابن الأثير (ت630هـ) ولم يعد توجه الدولة السياسي صوب معاداة بني أمية؛ فقد ذهبت دولتهم وزال خطرهم، وظهرت مستجدات سياسية جديدة.. غير أن عوامل أخرى أسهمت في استمرار النظرة التاريخية المتحاملة على الأمويين: منها استقرار الرواية التاريخية إلى حد كبير بشأن الدولة الأموية؛ فبعد مضي عقود من الزمان على ذهاب تلك الدولة كانت أجيال من الرواة لأخبارها الذين نشئوا في عصر العداء الشديد لها قد تركوا رواياتهم وكتبهم لتمثل المادة التي سيبني عليها المتأخرون من المؤرخين في العصر العباسي الثاني وما تلاه. ومنها أنه في غياب السلطة الشرعية المؤثرة للخلافة المقهورة، وشيوع روح الخوف والبطش من الجند المتغلبين على الخلافة، علا شأن طبقة من العوام والغوغاء، تغذوها مشاعر الكراهية التي تأصلت منذ عصور سالفة ضد الأمويين، كما تغذوها اتجاهات بعض الدويلات المستقلة من التشيع والمغالاة والرفض.. كانت هذه أبرز العوامل التي أدت إلى تحريف التاريخ الأموي، وإن وُجدت عوامل أخرى مساعدة قادت إلى نفس النتيجة وإن لم تقصد إليها: من ذلك ظهور التأثيرات الإقليمية على الكتابات التاريخية، وقد بدا ذلك عندما ظهرت مدارس تاريخية متميزة في عدد من الأمصار الإسلامية.. مثل مدرسة العراق والحجاز ومصر والشام، وقد نشطت حركة التدوين التاريخي في مدرستي العراق والحجاز، وكلا المصرين كان من المعارضين في أحيان كثيرة للأمويين؛ فتأثرت كتابات مؤرخيه بهذا العداء القديم.. ونظرة عجلى في تاريخ الطبري تثبت تغلب الروايات الحجازية والعراقية على ما سواها، والطبري شيخ لكثير ممن تلاه، وعلى ذلك جاءت معظم أخبار أحداث ثورة الحسين وغيرها من ثورات الشيعة وثورات الخوارج، ومعظم أخبار ولاة الأمويين البارزين كزياد والحجاج وخالد القسري من رواة مدرسة العراق، مما لونها بألوان العداء، كذلك جاء معظم أخبار أحداث ثورة الحَرَّة، وثورة ابن الزبير، وأخبار مجتمع الحجاز.. متأثرة برواة مدرسة الحجاز التاريخية، ومن المؤسِف ذلك الضمور الملحوظ في نشاط التدوين في مدرسة الشام آنذاك، والتي كنا نتوقع أن تجيء أكثر إنصافًا للأمويين ودولتهم.. أهم مصادر التاريخ الأموي: فضلاً عن كتب التاريخ العام التي تمثل المصدر الأهم للتاريخ الإسلامي، فإن كتب الأدب العربي تمثل مصدرًا مهمًا من مصادر ذلك التاريخ، ويحتل تاريخ بني أمية مكانة مهمة في هذه الكتب التي لم تقصر اهتمامها على فنون الأدب المعروفة من شعر ونثر.. بل: تطرقت إلى ذكر لمحات من التاريخ السياسي للدولة. واهتمت بجوانب شتى من حياة الخلفاء والأمراء والقادة الذين أسهموا في تشكيل أحداث ذلك التاريخ. كما اهتمت بالعلاقات الاجتماعية لهؤلاء الخلفاء والقادة، وصلاتهم ببعض الشعراء والأدباء الذين لعبوا دورًا بارزًا في أحداث ذلك العصر. وصوَّرت الحياة الخُلُقية في المجتمع الإسلامي في العصر الأموي تصويرًا خاصً، يحقق غايات كتب الأدب التي تهدف أول ما تهدف إلى تقديم المتعة الفنية واللذة الأدبية للقاريء.. وعلى ذلك فإن مكانة الأدب في العصر الأموي، وحركة المجتمع وتكويناته، ورقي الأخلاق وتدنيها، وتوزيع الفقر والثروة، وتحضُّر الدولة وبداوتها، كل ذلك تسعفنا فيه كتب الأدب أكثر من غيرها.. وكتب التاريخ عادة يتداولها فريق من الناس له شغف خاص به، أو قدرة على التعامل معها، أما كتب الأدب فتشيع عند الجماهير، ويتداولها عوام الخلق ممن لا قدرة لهم على تمييز الصحيح من الزائف في أخبار هذه الكتب.. بينما تغريهم سلاسة أسلوبها وطرافة مادتها والتصاقها بالنفس، فيصدِّقون ما فيها دون نقد أو درس أو تمحيص.. وبهذا تكون في بعض جوانبها أشد خطورة وأعمق أثرًا من كتب التاريخ العام ومصادر التاريخ الأخرى.. يحتاج القارئ لكتب الأدب إلى حذر شديد وحيطة أشمل، قبل اعتماد ما ورد فيها من أخبار وروايات تخص حقائق التاريخ وأحداثه؛ فإن القصد الأول من هذه الكتب تقديم جرعات متنوعة من الثقافة العامة، بطريقة مشوِّقة، تدفع الملل عن القاريء، وتُدخل على نفسه المتعة واللذة والمؤانسة، وتستعين على ذلك بسوق الأمثال والحكم والطرائف والنوادر متخففة في ذلك من نقد مصادرها فيختلط فيها الجد بالهزل.. والحزم بالسخف، وأحاديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخبار الراشدين والصالحين بأخبار المجّان والمغنيين والساقطين وقصص الأدب المكشوف!!.. وذلك ما صرح به أصحابها، وأعلنه كتَّابها، ولكنه غاب عن ذهن بعض القارئين والدارسين في عصرنا وغيره، مثلما فعل ابن قتيبة في مقدمة كتابه "عيون الأخبار" وأبو الفرج الأصفهاني في بعض مواضع من كتابه "الأغاني" وكذلك ابن عبد ربه في مقدمة كتابه "العقد الفريد".. وإذا كان بعض الأكابر من أدبائنا القدامى يمكن تصنيفهم ضمن المتحاملين على بني أمية.. مثل: الجاحظ وأبي الفرج الأصفهاني وابن أبي الحديد... فإن تلك النبرة من العداء لبني أمية تخفُّ كثيرًا عند عدد آخر من الأدباء.. حتى نراهم يفسحون في كتاباتهم بعض الشيء للروايات المعتدلة عن الأمويين.. أو يقل نشاطهم في جمع المادة عن الأمويين وتاريخهم، ضمن المواد الثقافية المتعددة التي تزخر بها كتبهم مثل: ابن قتيبة وابن عبد ربه.. ومن المعروف مدى الفائدة الكبيرة التي تقدمها الدراسات الإسلامية من تفسير وحديث وفقه وغيره للتاريخ الإسلامي، وبخاصة في هذه الفترة المبكرة منه في عصر الراشدين والأمويين، وقد وجدنا ذلك عند بحث أحوال رواة التاريخ الأموي، والاستئناس بأقوال علماء الحديث والجرح والتعديل عنهم، كما سوف نجد هذه المعونة الدائمة في عديد من مواطن البحث التاريخي عن الأمويين، غير أن علماءنا وفقهاءنا لم يقصروا جهودهم على هذا الجانب من الدراسات، بل كان لبعضهم جهود تاريخية أصيلة، وكتب اهتمت كلها أو بعضها ببحث فترات التاريخ... فجاء إسهام بعضهم في شكل تاريخ متصل للدولة الإسلامية حتى عصره كما فعل ابن كثير في البداية والنهاية، وابن خلدون في كتابه "العبر" كما تناول بعض مباحث التاريخ الأموي في "مقدمته".. وجاء معظم إسهام الآخرين على شكل مسائل متفرقة في التاريخ ضمن مباحث كتبهم، فقد كتب ابن حزم الأندلسي (ت454هـ) عن المفاضلة بين الصحابة ضمن كتابه "الفِصَل بين الملل والأهواء والنحل"، وكتب ابن العربي (ت543هـ) "العواصم من القواصم" على صورة شبهات حول تاريخ صدر الإسلام والدولة الأموية والرد عليها، وكتب ابن تيمية (ت728هـ) عن بعض أحداث التاريخ الأموي ضمن ردوده على أحد المعتزلة الروافض في كتابه "منهاج السنة النبوية".. ولا شك أن الذي دفع بهؤلاء الفقهاء إلى كتابة هذه المباحث التاريخية التي اتجه معظمها إلى نواحٍ معينة في تاريخ صدر الإسلام والدولة الأموية هو ما لها من أهمية دينية، إذ تخص حياة الجيل الأول من رجالات الإسلام من الصحابة والتابعين، وهم موضع القدوة ومناط الأسوة للمسلمين، وعلى ذلك فقد اتجه اهتمام هؤلاء الفقهاء إلى بحث هذه الشبهات التي أثارتها بعض الفرق الإسلامية وعلى رأسها الرافضة والمعتزلة، فبحثوا أسباب اختلاف الصحابة أثناء الفتنة الكبرى بعد مقتل عثمان ـ رضي الله عنه ـ وما أدت إليه من أحداث كان أهمها قيام الدولة الأموية.. كما بحثوا مكانة عدد من رجال ذلك العهد مثل: معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، ومروان بن الحكم وابنه عبد الملك وعمر بن عبد العزيز وغيرهم، غير أن روح الإنصاف عندهم تجلت على نحو خاص عند بحث بعض المسائل التي كانت موضع طعن على الأمويين مثل: ولاية العهد، ومقتل الحسين، ومهاجمة المدينة المنورة أيام يزيد بن معاوية، واقتحام مكة أثناء فتنة ابن الزبير وغيرها... وأهم ما يلاحظ على بحوث الفقهاء التاريخية السابقة هو شيوع روح الإنصاف للأمويين على نحو ملحوظ، وقد كان ذلك لعدة أسباب ترجع في مجملها إلى سببين رئيسين هما: التحرر من الحزبية السياسية والأهواء المنهجية؛ لما امتازوا به من شدة في الحق، والتزام بالوسطية الإسلامية.. إلى جانب تأثير منهج علم الحديث على الجهد التاريخي لهؤلاء الفقهاء.. ذلك التأثير المتمثل في رفضهم روايات أهل البدع والأهواء من الرافضة والموالي والخوارج وغيرهم.. واعتمادهم كتب الحديث والفقه كمصدر تاريخي موثوق، وفيما مارسوه من النقد الداخلي للروايات التاريخية.. أما كتابات المؤرخين المعاصرين فقد تأثرت بالروايات الشائعة المستقرة التي أمدتهم بها مصادرنا التاريخية القديمة عن الأمويين، والتي تتصف بالتحامل عليهم، فرددها كثير من مؤرخينا دون تمحيص ودراسة كافيين.. وفضلاً عن ذلك فقد أسهمت دراسات كثير من المستشرقين في زيادة التحامل على الأمويين متأثرة في ذلك بما حمله الاستشراق من رؤى غربية قد لا تتفهم على نحو جيد طبيعة الإسلام وتاريخه وأهله، ومتأثرة أيضًا بارتباط أغلب أو كل المستشرقين بالاستعمار الغربي والتبشير النصراني.. مما قادهم إلى تشويه التاريخ الإسلامي جملةً لأغراض لا شأن لها بالنزاهة العلمية والمنهج الموضوعي.. وقد تأثرت طائفة من كبار مؤرخينا العرب والمسلمين بهذه المناهج والرؤى الاستشراقية، مما أدى بهم إلى ذات السبيل التي سار فيها أيضًا ثلة من مفكرينا وأدبائنا من غير المتخصصين في الدراسات التاريخية.. بينما وُجدت جماعة أخرى من المؤرخين والمفكرين - قليل عددهم - أنصفوا الأمويين متخذين من الحذر من روايات القدماء ومناقشة شبهاتهم وإبراز مآثر الأمويين ركائز لذلك الإنصاف.. <div align="center"> <span style="color:#3333FF">~~~~~~ يتبع ~~~~~~</div>
__________________
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت *** أن السعــادة فـيها تـرك ما فيهـا لا دار للمرء بعد المــوت يسكنهـا *** الا التــي كان قبل المـوت بانيها فـإن بنـــاها بخيـر طـاب مسكنـــه *** وإن بناهــــا بشـر خـاب بانيهـــا أمـــوالنا لذوي الميراث نجمـعــها *** وبيـوتـنـا لخــراب الدهر نبنيــهـا
|
#2
|
||||
|
||||
![]() <div align="center">تابع الجزء العاشر :- الدولة الأموية</div></span> الخليفة معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه و مكانته بعد استشهاد الإمام علي كرَّم الله وجهه سنة 40 هـ تم الصلح بين معاوية والحسن بن علي ـ رضي الله عنهم ـ سنة 41 هـ.. تنازل بمقتضاه الحسن عن الخلافة وبويع معاوية، ودخل الكوفة وبايعه الحسن والحسين سنة 41 هـ واستبشر المسلمون بهذه المصالحة التي وضعت حدًا لسفك الدماء والفتن، وسموا هذا العام عام الجماعة، وهذه إشارة واضحة لرضا الناس عن خلافة معاوية رضي الله عنه واستقبالها استقبالاً حسنًا، فقد تولى الخلافة ووراءه تجربة طويلة في الحكم والإدارة وسياسة الناس، فولايته على الشام قبل الخلافة لمدة تزيد عن العشرين عامًا، أكسبته خبرة كبيرة هيأت له النجاح في خلافته، والحقيقة أن معاوية رضي الله عنه كان يتمتع بصفات عالية ترشحه لأن يكون رجل الدولة الأول وتجعله خليقًا بهذا المنصب الخطير.. يقول ابن الطقطقا: وأما معاوية رضي الله عنه كان عاقلاً في دنياه لبيبًا عالمًا حاكمًا ملكًا قويًا جيد السياسة، حسن التدبير لأمور الدنيا عاقلاً حكيمًا فصيحًا بليغًا، يحلم في موضع الحلم، ويشتد في موضع الشدة إلا أن الحلم كان أغلب عليه، وكان كريمًا باذلاً للمال محبًا للرياسة شغوفًا بها، كان يَفْضُلُ على أشراف رعيته كثيرًا، فلا يزال أشراف قريش مثل: عبد الله بن العباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن جعفر الطيار، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وأبان بن عثمان بن عفان، وناس من آل أبي طالب رضي الله عنهم يفدون عليه بدمشق فيكرم مثواهم، ويحسن قِرَاهم ويقضي حوائجهم، ولا يزالون يحدثونه أغلظ الحديث ويجبهونه أقبح الجَبَه، وهو يداعبهم تارة، ويتغافل عنهم أخرى، ولا يعدهم إلا بالجوائز السَّنِيَّة، والصلات الجمَّة... إلى أن يقول: واعلم أن معاوية رضي الله عنه كان مربي دول وسائس أمم، راعي ممالك، ابتكر في الدولة أشياء لم يسبقه إليها أحد.. وأما اليعقوبي والمسعودي فقالا: "وكان لمعاوية حلم ودهاء ومكر ورأي وحزم في أمر دنياه، وجود بالمال".. وثناء هؤلاء الثلاثة من المؤرخين على معاوية رضي الله عنه وحسن سياسته وإدارته لشئون الدولة، أمر له مغزاه وأهميته لما عُرِف عنهم جميعًا من ميول شيعية ملموسة.. وأما إعجاب ابن خلدون به فيتمثل في قوله:"وأقام في سلطانه وخلافته عشرين سنة ينفق من بضاعة السياسة، التي لم يكن أحد من قومه أوفر فيها منه يدًا، من أهل الترشيح من وَلَدِ فاطمة وبني هاشم، وآل الزبير وأمثالهم".. ويروي ابن الأثير في أسد الغابة عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: "ما رأيت أحدًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود من معاوية؛ فقيل له: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي؟ فقال: كانوا والله خيرًا من معاوية وأفضل، ومعاوية أسود.. ويروي الطبري مرفوعًا إلى عبد الله بن عباس قوله: "ما رأيت أحدًا أخلق للملك من معاوية، إن كان ليرد الناس منه على أرجاء وادٍ رَحْب".. ويقول ابن تيمية: "فلم يكن من ملوك المسلمين ملك خيرًا من معاوية، إذا نُسِبَتْ أيامه إلى أيام من بعده، أما إذا نسبت إلى أيام أبا بكر وعمر ظهر التفاضل".. وذُكِرَ عمر بن عبد العزيز عند الأعمش فقال: فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: في حلمه، قال: لاوالله، في عدله"، وإليك شهادة الذهبي له: حيث يقول:"وحَسْبُك بمن يؤمِّره عمر ثم عثمان على إقليم فيضبطه، ويقوم به أتم قيام، ويُرضي الناس بسخائه وحلمه، فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفَرْط حلمه وسعة نفسه، وقوه دهائه ورأيه".. وهكذا يكاد ينعقد إجماع علماء الأمة من الصحابة والتابعين ومن تلاهم على الثناء على معاوية رضي الله عنه وجدارته بالخلافة، وحُسْنِ سياسته وعدله، مما مكَّن له في قلوب الناس، وجعلهم يجمعون على محبته، يقول ابن تيمية رحمه الله:"وكانت سيرة معاوية في رعيته من خيار سير الولاة وكانت رعيته تحبه"، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتُصلُّون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم".. وقد ورد كثير من الأخبار بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية رضي الله عنه فقد روى الترمذي في فضائل معاوية رضي الله عنه أنه لما تولى أمر الناس كانت نفوسهم لا تزال مشتعلة عليه؛ فقالوا: كيف يتولى معاوية وفي الناس من هو خير مثل الحسن والحسين؟!! فقال عبد الرحمن بن أبي عميرة ـ هو أحد الصحابة: لا تذكروه إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اجعله هاديًا مهديًا وَاهْدِ به.. رواه الإمام أحمد في المسند 4/216 وصحَّحه الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/236. وكانت صلاته رضي الله عنه أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُوي عن أبي الدرداء أنه قال: "ما رأيت أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من أميركم هذا ـ يعني معاوية.. كما ثبت في الصحيح أنه كان فقيهًا يعتد الصحابة بفقهه واجتهاده؛ فقد روى البخاري في صحيحه في كتاب المناقب عن أبي مليكة قال: "أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس؛ فأتى ابن عباس فأخبره، فقال: دعه؛ فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أخرى قيل لابن عباس: "هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال: أصاب إنه فقيه. وقد كان لمعاوية ـ رضي الله عنه ـ شرف قيادة أول حملة بحرية، وهي التي شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم بالملوك على الأَسِرَّة؛ فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه من طريق أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت: نام النبي صلى الله عليه وسلم يومًا قريبًا مني، ثم استيقظ يبتسم، فقلت: ما أضحك؟ قال: أناس من أمتي عرضوا علي يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة، قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم نام الثانية، ففعل مثلها فقالت قولها، فأجابها مثلها، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت من الأولين، فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازيًا أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية رضي الله عنه، فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين فنزلوا الشام، فَقُرِّبَت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت.. البخاري مع الفتح (6/22).. قال ابن حجر معلقًا على رؤيا رسول الله صلى الله عليه سلم قوله: (ناس من أمتي عرضوا عليَّ غزاة...) يشعر بأن ضحكه كان إعجابًا بهم، فرحًا لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة. وأخرج البخاري ـ أيضًا ـ من طريق أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا".. قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: أنتِ فيهم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم "أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر ـ أي القسطنطينية ـ مغفور لهم".. فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا. ومعنى أوجبو: أي فعلوا فعلاً وبجت لهم به الجنة.. قال ابن حجر في الفتح 6/121 ومن المتفق عليه بين المؤرخين أن غزو البحر وفتح جزيرة قبرص كان في سنة 27 هـ في إمارة معاوية رضي الله عنه على الشام أثناء خلافة عثمان رضي الله عنه.. ومن فضائله: ما قاله الخلال: أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال: قلت: لأحمد بن حنبل: أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل صهر ونسب فيقطع إلا صهري ونسبي"؟ قال: بلى، قلت: وهذه لمعاوية؟ قال: نعم. له صهر ونسب، قال: وسمعت ابن حنبل يقول: ما لهم ومعاوية، نسأل اللهَ العافية.. السنة للخلال برقم 654، وإسناد الحديث حسن.. وكان معاوية رضي الله عنه موضع ثقة النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك جعله من جملة الكتاب بين يديه صلى الله عليه وسلم الذين يكتبون الوحي له، فقد روى هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "لما كان يوم أم حبيبة من النبي صلى الله عليه وسلم دقَّ الباب دَاقٌّ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انظروا من هذ؟ قالوا: معاوية، قالوا: ائذنوا له، فدخل وعلى أذنه قلم يخط به، فقال: ما هذا القلم على أذنك يا معاوية؟ قال: قلم أعددته لله ولرسوله، فقال: جزاك الله عن نبيك خيرًا، والله ما استكتبتك إلا بوحي من الله، وما أفعل صغيرة ولا كبيرة إلا بوحي من الله".. (3) وكذلك كان رضي الله عنه موضع ثقة الخلفاء الراشدين من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحق أن معاوية كان أهلاً لهذه الثقة؛ فلذلك ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام بعد وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان، ثم جاء بعد عمر عثمان بن عفان رضي الله عنهما فجعل معاوية واليًا على الشام كله، وحسبك بمن ولاه عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم؛ فقد كان معاوية رضي الله عنه أهلاً للإمارة والخلافة معًا، ومن أجل هذه الأهلية ظل أميرًا على الشام عشرين سنة، وخليفة للمسلمين ما يقرب من عشرين سنة فلم يهجه أحد في دولته بل دانت له الأمم، وحكم على العرب والعجم، وكان ملكه على الحرمين ومصر والشام والعراق وخراسان وفارس والجزيرة واليمن والمغرب وغير ذلك.. وذكر الطبراني في تاريخه (4) والبلاذري في أنساب الأشراف (5) والذهبي في السير.. لما قدم عمر الشام تلقاه معاوية في موكب عظيم وهيئة؛ فلما دنا منه قال: أنت صاحب الموكب العظيم؟ قال: نعم. قال: هذا حالك مع ما بلغني عنك من طول وقوف ذوي الحاجات ببابك؟ قال: نعم. قال: ولم تفعل ذلك؟ قال: نحن بأرضٍ جواسيسُ العدوِّ بها كثير، فيجب أن نظهر من عز السلطان ما يرهبهم فإن نهيتني انتهيت. قال: يا معاوية ،ما أسألك عن شيء إلا تركتني في مثل رواجب الضرس، لئن كان ما قلتَ حقًا إنه لرأى أريب، وإن كان باطلاً، فإنه لخدعة أديب.. قال: فمُرْني. قال: لا آمرك ولا أنهاك. فقيل: يا أمير المؤمنين ما أحسن ما صدر عما أوردته. ويروي أيضًا أن معاوية دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وعليه حُلَّة خضراء؛ فنظر إليها الصحابة، فوثب إليه عمر بالدرة، فجعل يقول: اللهَ اللهَ يا أميرَ المؤمنين فيم فيم؟ فلم يكلمه حتى رجع، فقالو: لم ضربته، وما في قومك مثله؟! قال: ما رأيت وما بلغني إلا خيرًا، ولكني رأيته وأشار بيده فأحببت أن أضع منه ما شمخ.. قال عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد رجوعه من صفين: أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية؛ فإنكم لو فقدتموها رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كأنها الحنظل.. (6) وقد حزن معاوية رضي الله عنه لمقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه حزنًا شديدًا فيروي أنه عندما جاءه خبر قتله بكى بكاءً شديدًا؛ فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال: ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم.. (7) أما الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقد قال عنه: ما رأيت أحدًا بعد عثمان رضي الله عنه أقضى بحق من صاحب هذا الباب.يعني معاوية. ابن كثير ج:8، ص:155. وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة، فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة، وهو أول الملوك، كان ملكه ملكًا ورحمة.. (8) وسُئِل عنه عبد الله بن المبارك ذات مرة أيهما أفضل: معاوية بن أبي سفيان أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال: والله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بألف مرة، صلى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية: ربنا ولك الحمد. فما بعد هذ؟ (9) وبلفظ قريب منه عند الآجرى في كتابه الشريعة (10) وقد قال أبو زرعة الدمشقي عن دحيم عن الوليد عن الأوزاعي: قال: أدركت خلافة معاوية عدة من الصحابة منهم أسامة وسعد وجابر وابن عمر وزيد بن ثابت وسلمة بن مخلد وأبو سعيد ورافع بن حديج وأبو إمامة وأنس بن مالك، ورجال أكثر وأطيب ممن سمينا بأضعاف مضاعفة كانوا مصابيح الهدى وأوعية العلم حضروا من الكتاب تنزيله ومن الدين جديده، وعرفوا من الإسلام ما لم يعرفه غيرهم وأخذوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأويل القرآن، ومن التابعين لهم بإحسان ما شاء الله، منهم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، وعبد الله بن محيريز، وفي أشباه لمن لم ينزعوا يدًا من جماعة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم. (11) وقال عبد الملك بن مروان يومًا وذكر معاوية فقال: ما رأيت مثله في حلمه واحتماله وكرمه، وقال قبيصة بن جابر: ما رأيت أحدًا أعظم حلمًا ولا أكثر سئوددًا ولا أبعد أناة ـ أي حلم ورفق ـ ولا ألين مخرجًا ولا أرحب باعًا بالمعروف من معاوية.. وقال بعضهم: أسمع رجل معاوية كلامًا سيئًا شديدًا، فقيل: لو سطوت عليه؟ فقال: إن لأستحيي من الله أن يضيق حلمي عن ذنب أحد من رعيتي، وفي رواية قال الرجل: يا أمير المؤمنين ما أحلمك!!فقال: إني لأستحيي أن يكون جرم أحد أعظم من حلمي.. وقال الأصمعي عن الثوري: قال معاوية: إن لأستحيي أن يكون ذنب أعظم من عفوي، أو جهل أكبر من حلمي، أو تكون عورة لا أوريها بستري.. (12) معاوية في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم: صحب معاوية رضي الله عنه الرسول الله صلى الله عليه سلم وكتب له وشهد معه حنيناً والطائف وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين مائة من الإبل وأربعين أوقية وهاجر إلى المدينة فأخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أحد أصحابه. وكان زيد بن ثابت الأنصاري من بني النجار ألزم الناس للقيام بواجب الكتابة للنبي صلى الله عليه وسلم و ثم تلاه معاوية بعد الفتح ، فكانا ملازمين للكتابة بين يديه فى الوحي وغير ذلك ،لا عمل لهما غير ذلك. ولقد نال معاوية شرف الصحبة وشرف الجهاد تحت لواء الرسول صلى الله عليه وسلم. معاوية مع أبي بكر وعمر وعثمان: وفي أثناء خلافة أبي بكر رضي الله عنه سير الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه أربعة جيوش إلى الشام بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، ويزيد بن أبي سفيان، وكان كل جيش منها يضم سبعة آلاف مقاتل تقريبًا، واجتمع إلى أبي بكر بعدها أناس؛ فوجههم إلى الشام وأمَّر عليهم معاوية رضي الله عنه، وأَمَرَه باللحاق بأخيه يزيد، فخرج معاوية حتى لحق به، وكانت هذه أول مهمة قيادية يتولاها معاوية في الفتوح وشهد معاوية اليرموك وفتح دمشق تحت راية أخيه يزيد.. وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل يزيد بن أبي سفيان حملة بإمرة أخيه معاوية إلى سواحل الشام ففتحها.. (13) وفي سنة 15 هـ أَمَّر عمر معاوية بن أبي سفيان على قيسارية وكتب إليه: "أمَّا بعد فقد وَلَّيتُك قيسارية؛ فسِرْ إليها واستنصِرِ اللهَ عليهم، وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهُ ربُّنا وثقتُنا ورجاؤُنا ومولانا فنعم المولى ونعم النصير".. فسار إليها فحاصرها وزاحفه أهلها مراتٍ عديدة، فاقتتلوا قتالاً عظيمًا؛ فاجتهد معاوية في القتال حتى فتح الله عليه، وقتل منهم نحوًا من مائة ألف، وبعث بالفتح والأخماس إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.. (14) وفي عام 18 هـ حدث طاعون عمواس، فذهب بكثير من رجالات المسلمين منهم: أبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وكان يزيد قد أقام أخاه معاوية مكانه في دمشق، فلما هلك يزيد أمَّر عمر بن الخطاب رضي الله عنه معاوية على دمشق ثم أضاف له الأردن وفلسطين وحمص إذ توفى شرحبيل بن حسنة بطاعون عمواس وهو على الأردن، وسار عمرو بن العاص لفتح مصر وكان على فلسطين، ومات عمير بن سعد الذي كان واليًا على حمص بعد وفاة عياض بن غنم.. وقد لاحظ معاوية رضي الله عنه وهو ينازل الروم باستمرار أن قوتهم في البحر هي العامل الأساسي في بقائهم، وأن التهديدات البرية للروم لا قيمة لها إذ إن المدن الساحلية في الشام معرضة باستمرار للتهديد؛ لذا فلابد من إقامة قوة إسلامية بحرية توقف سلطان الروم البحري عند حده، وأحب قبل القيام بهذا المشروع استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب؛ فكتب له:"يا أمير المؤمنين إن بالشام قرية يسمع أهلُها نباحَ كلاب الروم وصياح ديوكهم، وهم تلقاء ساحل من سواحل حمص فإن أذنت بركوب البحر".. فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنهما ليصف له البحر، فأجابه: "إني رأيت خلقًا عظيمًا يركبه خلق صغير ليس إلا السماء والماء، إِنْ ركن خرق القلوب، وإن تحرك أزاغ العقول، إن مال غرق، وإن نجا برق".. فلما قرأ عمر هذا الوصف كتب إلى معاوية: "لا والذي بعث محمدًا بالحق لا أحمل فيه مسلمًا أبدًا.. وتاللهِ لمسلمٌ أحبُّ إليَّ مما حَوَتِ الروم، فإياك أن تعرض لي، وقد تقدمت إليك، وقد علمت ما لقي العلاء مني، ولم أتقدم إليه في مثل ذلك".. فلمَّا تولى عثمان بن عفان الخلافة أعاد معاوية طلب بناء قوة بحرية للمسلمين من الخليفة الجديد فلم يزل به معاوية حتى عزم على ذلك، ولكن قال له: لا تنتخب الناس ولا تُقْرِعْ بينهم، خيِّرهم فمن اختار الغزو طائعًا فاحمله وأعنه؛ ففعل واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الحارثي حليف بني فزارة، وأصبحت السفن تُبنى في عكَّا وصور وطرابلس على سواحل بلاد الشام. وغزا معاوية رضي الله عنه جزيرة قبرص، وصالح أهها على سبعة آلاف دينار يؤدونها إلى المسلمين كل سنة، وذلك في عام 27 هـ، وساعد أهل مصر في تلك الغزوة بإمرة عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وكان معاوية على الناس جميعًا، وكان بين الغزاة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو ذر الغفاري وعبادة بن الصامت وكانت معه زوجته أم حرام، فكان معاوية رضي الله عنه أول من ركب البحر كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في الحديث الذي روته أم حرام بنت ملحان.. ثم نقض أهل قبرص عهدهم فأرسل إليهم حملة مؤلَّفةً من اثني عشر ألفً، ونقلها إلى الجزيرة بمهمة حمايتها، فأقامت المساجد هناك، وبقيت الحامية هناك حتى أيام يزيد بن معاوية جهاده في خلافته كانت الغارات على بلاد الروم أثناء خلافة معاوية رضي الله عنه لا تنقطع صيفًا أو شتاءً، وكان الغرض من هذه الغارات استنزاف قوة العدو، ومن أشهر القواد المجاهدين في بلاد الروم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وبُسْر بن أرطأة الذي تقدم على رأس شاتية عام 43هـ حيث اقترب من القسطنطينية، ومالك بن هبيرة، وأبو عبد الرحمن القيني وعبد الله بن قيس الفزاري، وفضالة بن عبيد الأنصاري، وغيرهم كثير. وكان هدف هذه الغزوات جميعها القسطنطينية، وفي عام 50 هـ جهز معاوية حملة كبيرة من البر والبحر لتغزو القسطنطينية، وأعطى قيادة جيش البر لسفيان بن عوف الأزدي، وجعل ابنه يزيد في قيادة الحملة إلا أن يزيد لم يخرج مع الحملة، أما الأسطول فقد قاده بسر بن أرطأة، وحوصرت عاصمة الروم، وجرت اشتباكات بين الطرفين خسر فيها المسلمون خسائر كبيرة فعمل معاوية على إرسال نجدة كبيرة بقيادة ابنه يزيد ومعه أبو أيوب الأنصاري، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن العباس، وبوصول النجدة ارتفعت معنويات المجاهدين فاشتد الحصار وأصاب المسلمون من الروم وإن لم يستطيعوا فتح القسطنطينية، وقد استُشهِد في هذا القتال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه وعبد العزيز بن زرارة الكلابي، وقد كانا على رأس الذين يثيرون حماسة المجاهدين. استطاع معاوية رضي الله عنه أن يضيق الخناق على الدولة البيزنطية بالحملات المستمرة والاستيلاء على جزر رودس وأرواد، وقد كان لجزيرة أرواد أهمية خاصة لقربها من القسطنطينية، حيث اتخذ منها الأسطول الإسلامي في حصاره الثاني للمدينة أو حرب السنين السبع 54 ـ 60 هـ قاعدة لعملياته الحربية، وذلك أن معاوية رضي الله عنه أعد أسطولاً ضخمًا وأرسله ثانية لحصار القسطنطينية، وظل مرابطًا أمام أسوارها من سنة 54 هـ إلى سنة 60 هـ، وكانت هذه الأساطيل تنقل الجنود من هذه الجزيرة إلى البر لمحاصرة أسوار القسطنطينية، وقد أرهق هذا الحصار البري والبحري والبيزنطيين كما أنزل المسلمون بالروم خسائر فادحة، وعلى الرغم من ذلك فلم يستطع المسلمون فتح القسطنطينية.. ومن أجل بناء أسطول إسلامي بحري قوي، أقام معاوية رضي الله عنه دارًا لصناعة السفن البحرية في جزيرة الروضة بمصر عام 54 هـ. كما نفذ معاوية خطة لنقل أعداد من العرب المسلمين إلى الجزر في البحر الأبيض المتوسط لحمايتها ونشر الإسلام على ربوعها. فتم نزول المسلمين بصقلية عام 48هـ، واستطاع فضالة بن عبيد الأنصاري فتح جزيرة (جربا) عام 49هـ وقد سار إليها على رأس شاتية في ذلك العام. وعندما تولى معاوية بن حديج أَمْرَ المغرب فتح بنزرت عام 41هـ، كما دخل قمونية موضع القيروان عام 45هـ، وأرسل عبد الله بن الزبير ففتح سوسة في العام نفسه، ورجع معاوية بن حديج إلى مصر فتولى أمر المغرب رويفع بن ثابت الأنصاري، وبقي عقبة بن نافع على برقة ففتح (سرت) و (مغداس) وأعاد فتح ودَّان، ودخل فزَّان، ووصل إلى جنوبها إلى كاوار، ودخل غدامس وقفصة وابتنى القيروان، كما فتح كورًا من بلاد السودان. وفي عام 50هـ تولى أمر مصر مسلمة بن مخلد فعزل عقبة بن نافع عن أمر المغرب وولَّى أبا المهاجر دينار فوصل إلى المغرب الأوسط، هذا ما كان أيام معاوية في إفريقية. أما في الجبهة الشرقية للدولة الإسلامية فقد غزا المسلمون بلاد اللان عام 41هـ، وفتحوا الرخج وغيرها من بلاد سجستان عام 43هـ، ودخل الحكم بن عمرو الغفاري منطقة القيقان في طخارستان وغنم غنائم كثيرة عام 45هـ، كما فتح المسلمون قوهستان، وفي عام 55هـ قطع عبيد الله بن زياد نهر جيحون ووصل إلى تلال بخارى.. وغزا المسلمون في عام 44هـ بلاد السند بإمرة المهلب بن أبي صفرة كما غزوا جبال الغور عام 47هـ، وكان المهلب مع الحكم بن عمرو الغفاري، وكان سكان المنطقة الشرقية ينكثون بالعهد مرة بعد أخرى، ويعود المسلمون لقتالهم ودخول أراضيهم؛ لذلك نلاحظ أن مناطق تلك الجهات قد فُتِحَت عدة مرات، واستمرت مدة من الزمن على هذه الحال حتى دانت نهائيًا أيام الوليد بن عبد الملك.. معاوية وولاية العهد ليزيد: للإسلام نظامه السياسي الخاص به، وهذا النظام قد حددته آيات القرآن وأحاديث الرسول صلَّى الله عليه وسلم بشكل إجمالي يتحاشى التفصيلات التي تتغير بتغير الزمان والمكان ليظل ذلك النظام صالحًا لكل زمان ومكان.. كما يُلاحَظ أنه لم يكن هناك طريقة واحدة لاختيار الخليفة في عصر الراشدين بحيث يُعَدُّ تجاوُزُها خروجًا عن الإسلام أو ضربًا لنظامه السياسي، غير أن تعدد طرق اختيار الخليفة جاء دائمًا محكومًا برضا أهل الحل والعقد من قادة المسلمين وذوي الرأي والتأثير فيهم، وهذا الرضا كان يعني بطبيعة الحال استيفاء المرشح للخلافة شروطها، وتميزه عمَّن سواه في هذا الصدد، كما يعني ضمان رضاء الأمة تبعًا لرضا قادتها من أهل الحل والعقد. وحين نحتكم إلى أقوال علمائنا في معنى أهل الحل والعقد نجدهم يختلفون إلى عدة أقوال يرجح منها أنهم أصحاب الشوكة والعصبية والقوة القادرين على الاختيار وتحقيق إرادتهم، وإمضاء رغبتهم على مخالفيهم، وهذا ما تحقق في ذلك الظرف التاريخي في أهل الشام.. لقد بدأ معاوية رضي الله عنه يفكر فيمن يكون الخليفة من بعده، فرأى أنه إن لم يستخلف ومات ترجع الفتنة مرة أخرى. فقام معاوية باستشارة أهل الشام في الأمر، فاقترحوا أن يكون الخليفة من بعده من بني أمية فرَشَّح ابنه يزيد، فجاءت الموافقة من مصر وباقي البلاد، وأرسل إلى المدينة يستشيرها، وإذا به يجد المعارضة من الحسين وابن الزبير، وابن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عباس.. إلا أن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما قد بايعا فيما بعد طوعًا ليزيد، وكان اعتراضهما ليس على يزيد في شخصه، ولكن على أن يولي الخليفة ابنه، وأن يُوَرَّث الحكم. واعتبر معاوية رضي الله عنه أن معارضة هؤلاء ليست لها أثر، وأن البيعة قد تمت، حيث أجمعت الأمة على هذه البيعة. وقد أورد المؤرخون عدة روايات بشأن البيعة ليزيد عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه وعن غيره، ومن ذلك ما ذكره ابن العربي والسيوطي أن معاوية رضي الله عنه قد استدعى هؤلاء النفر كلاً منهم على حده، وحدثهم بشأن البيعة ليزيد فاختلفت ردودهم حيث وافق ابن عمر قائلاً لمعاوية رضي الله عنهما: " أما بعد فإنه قد كان قبلك خلفاء لهم أبناء ليس ابنك خيرًا منهم، فلم يروا في ابنهم ما رأيت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار، وإنك تحذرني أن أشق عصا المسلمين، ولم أكن لأفعل، وإنما أنا رجل من المسلمين، فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا واحد منهم".. أما عبد الرحمن بن أبي بكر فامتنع عن البيعة قائلاً: "إنك واللهِ لوددت أنا وكلناك في أمر ابنك إلى الله، وإنا والله لا نفعل، والله لتردنَّ هذا الأمر شورى في المسلمين، أو لتفرنها عليك جذعة".. أي لتنكشفنَّ عليك فتنة في أشد حالاتها ـ ويلاحظ أن الذين انتحلوا هذه الأقوال في الاستطالة على معاوية لم يطعنوا في كفاءة يزيد وأهليته لأنه آخر ما يرتابون فيه.. أما عبد الله بن الزبير فقد تحفظ قائلاً لمعاوية: "إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلها وهَلُمَّ ابنك فَلْنبايعه. أرأيت إذا بايعتُ ابنك معك لأيكما نسمع؟ لأيكما نطيع؟ لا تجتمع البيعة لكما أبدًا..وتبدو حُجَّةُ ابن الزبير في هذه الرواية واهية؛ لأن ابن الزبير رضي الله عنه يعلم تمامًا أن بيعة يزيد إنما هي بولاية العهد، وأنه لن يكون خليفةً يُطاعُ إلا بعد موت أبيه، فالذين اخترعوا هذه الأخبار وأضافوها إلى وهب بن جرير بن حازم يكذبون كذبًا مفضوحًا. ويروي أيضًا أن معاوية رضي الله عنه رحل إلى الحجاز معتمرًا سنة 56هـ حيث التقى هناك بأبناء الصحابة البارزين وحاول إقناعهم بالبيعة ليزيد.. ويبدو أن معاوية رضي الله عنه قد أصاب في محاولة إقناعهم بعض التوفيق، وإن لم يقتنع بعضهم بما أراد، وقد تعرض ذلك الموقف إلى تحريف كبير لدى بعض المؤرخين الذين اخترعوا قصة محبوكة ـ يسجلها ابن الأثير ـ مُؤَدَّاها أن معاوية رضي الله عنه أجبر الصحابة المعارضين وهم الحسين وابن الزبير وابن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر على البيعة لولده تحت تهديد السلاح! فهم يزعمون أنه سار إلى الحجاز في ألف فارس فقدم المدينة حيث قابله هؤلاء النفر خارجها، فعنَّف بهم وهاجمهم هجومًا مرًا، وسبهم فأقبلوا خلفه فلم يلتفت إليهم، فلما أيسوا منه ساروا إلى مكة، وأنه لقي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه في المدينة فأوصته بالرفق بهم، فلما سار إلى مكة وقابلوه رَحَّبَ بهم، وتلطَّف إليهم، فتركهم يعجبون من موقفيه، وتحدث باسمهم ابن الزبير فعرض على معاوية أن يختار بين عدة خصال إما أن يترك الأمة بغير اختيار كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو أن يعهد إلى رجل غير ذي قرابة كما فعل أبو بكر، أو يجعلها شورى في بضع رجال كما فعل عمر، فأبى معاوية ذلك، ثم قال لهم: "إنه قد أعذر من أنذر، إني كنت أخطب فيقوم إليَّ القائم منكم فيكذبني على رؤوس الناس، فأحمل ذلك وأصفح عنه، ألا وإني قائم بمقالة، فأقسم بالله لئن رَدَّ علي أحد كلمة في مقامي هذا ألا ترجع إليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف إلى رأسه، فلا يبقين رجل إلا على نفسه، ثم دعا قائد حرسه، وأمره أن يقيم على كل رجل منهم حارسين في المسجد الحرام، ليبادروا إلى من يعارضه بقطع رأسه، كما بَثَّ بقية حراسه في أرجاء المسجد، ثم دخل ودخلوا فقال:" أيها الناس إن هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم، ولا يُقضى أمرٌ إلا عن مشورتهم وإنهم قد رضوا وبايعوا ليزيد، فبايعوا على اسم الله، وهم جلوس لا يجرؤ أحدهم على الحديث مخافة القتل، وظَنَّ الناس الصدق في حديث معاوية فبايعوا... (16) موقف ابن عمر من البيعة ليزيد: لقد روى البخاري في صحيحه ما يبطل جميع الروايات المتقدمة، قعن عكرمة بن خالد أن ابن عمر قال: دخلتُ على حفصة ونوساتها تنظف، قلت: قد كان من الأمر ما ترين، فلم يجعل لي من الأمر شيء، فقالت: "الحق فإنهم ينتظرونك، وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فُرْقَةٌ فلم تدعه حتى ذهب"، فلما تفرَّق الناس خطب معاوية؛ فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به منه ومن أبيه، قال حبيب بن مسلمة: فهلا أجبته؟ قال عبد الله: فحللت حبوتي، وهممت أن أقول: أَحَقُّ بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تُفرِّق بين الجمع وتسفك الدم، ويحمل عني غير ذلك، فذكرت ما أعدَّ الله في الجنان، فقال حبيب: حُفِظتَ وعُصِمْتَ. وروى البخاري أيضًا أن أهل المدينة لما خلعوا يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يُنصَبُ لكل غادر لواءٌ يوم القيامة، وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لاأعلم غدرًا أعظم من أن نبايع رجلاً على بيع الله ورسوله ثم ننصب له القتال، وإني لاأعلم أحدًا منكم خلعه، ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه. وهذا ابن عمر يعلن في أحرج المواقف ـ أي في ثورة أهل المدينة على يزيد بتحريض ابن الزبير وداعيته ابن المطيع أن في عنقه كما في أعناقهم بيعة شرعية لإمامهم على بيع الله ورسوله وأن من أعظم الغدر أن تبايع الأمة إمامها ثم تنصب له القتال، ولم يكتف ابن عمر بذلك في تلك الثورة على يزيد بل روى مسلم في كتاب الإمارة من صحيحه (ج6/ ص22) أن ابن عمر جاء إلى ابن مطيع داعية ابن الزبير ومثير هذه الثورة؛ فقال ابن مطيع: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة.. فقال ابن عمر: إني لم آتِكَ لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثًا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله: "من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حُجَّةَ له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ".. ويُروى أيضًا أن بن عمر قال عندما بويع يزيد قال: "إن كان خيرًا رضينا، وإن كان شرًا صبرنا".. وثبت عن حميد بن عبد الرحمن قال: دخلنا على رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استُخلِف يزيد بن معاوية فقال: تقولون إن يزيد بن معاوية ليس بخير أمة محمد، ولكن واللهِ لأن تجتمع أمة محمد أحب إلي من أن تفترق، أرأيتم بابًا دخل فيه أمة محمد ووسعهم أكان يعجز عن رجل واحد دخل فيه؟ قلنا: لا. قال أرأيتم لو أن أمة محمد قال كل رجل منهم: لا أريق دم أخي ولا آخذ ماله، أكان هذا يسعهم؟ قلنا: نعم. قال: فذلك ما أقول لكم. ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يأتيك الحياء إلا خير".. قيل: إن الصاحب الذي كنَّى عنه حميد بن عبد الرحمن هو ابن عمر والله أعلم. فهذه الرواية تدل على أن ولاية المفضول نافذة، وإن كان هنالك من أهو أفضل منه إذا عُقِدَتْ له، ولِمَا في حلها أو طلب الفضل من استباحة ما لا يباح، وتشتيت الكلمة، وتفريق أمر الأمة.. فهذه الأخبار الصٍِّحَاح توضح أن ابن عمر كان مسلمًا في أمر يزيد، وأنه بايع له والتزم بهذه البيعة هو ومن معه. معاوية رضي الله عنه يُعِدُّ ابنه يزيد للخلافة: وحتى يكون يزيد أهلاً للخلافة فقد عمل معاوية رضي الله عنه جهده من البداية في سبيل إعداد ولده يزيد، وتنشئته التنشئة الصحيحة ليشب عليها عندما يكبر، فلذلك أرسله معاوية رضي الله عنه إلى البادية عند أخواله لكي يشب على حياة الشدة والفصاحة، وليتربى على فنون الفروسية، ويتحلى بشمائل النخوة والشهامة والكرم والمروءة، إذ كان البدو أشد تعلقًا بهذه التقاليد. كما أجبر معاوية رضي الله عنه ولده يزيد على الإقامة في البادية، وذلك لكي يكتسب قدرًا من الفصاحة في اللغة، كما هو حال العرب في ذلك الوقت. وعندما رجع يزيد من البادية، نشأ وتربى تحت إشراف والده، ونحن نعلم أن معاوية رضي الله عنه كان من رواة الحديث (ابن حجر: تهذيب التهذيب).. فروى يزيد بعد ذلك عن والده هذه الأحاديث، وبعض أخبار أهل العلم، مثل حديث: من يُرِدِ الله به خيرًا يفقهه في الدين، وحديث آخر في الوضوء، وروى عنه ابنه خالد وعبد الملك بن مروان، وقد عَدَّه أبو زرعة الدمشقي في الطبقة التي تلي الصحابة، وهي الطبقة العليا. (17). وقد اختار معاوية رضي الله عنه دغفل بن حنظلة السدوسي الشيباني ت 65هـ مؤدِّبًا لولده يزيد، وكان دغفل علامة بأنساب العرب وخاصة نسب قريش، وكذلك كان عارفًا بآداب اللغة العربية <div align="center"> <span style="color:#3333FF">~~~~~~ يتبع ~~~~~~</div>
__________________
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت *** أن السعــادة فـيها تـرك ما فيهـا لا دار للمرء بعد المــوت يسكنهـا *** الا التــي كان قبل المـوت بانيها فـإن بنـــاها بخيـر طـاب مسكنـــه *** وإن بناهــــا بشـر خـاب بانيهـــا أمـــوالنا لذوي الميراث نجمـعــها *** وبيـوتـنـا لخــراب الدهر نبنيــهـا
|
#3
|
||||
|
||||
![]()
<div align="center">تابع الدولة الأموية</span></div>
مروان بن الحكم هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، أبو عبد الملك ويقال: أبو الحكم، ويقال: أبو القاسم، وهو صحابي عند طائفة كثيرة لأنه وُلِدَ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، أما ابن سعد فقد عَدَّه في الطبقة الأولى من التابعين. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا في صلح الحديبية، والحديث في صحيح البخاري عن مروان والمسور بن مخرمة، كما روى مروان عن عمر وعثمان، وكان كاتبَه ـ أي كان كاتب عثمان ـ وروى عن علي وزيد بن ثابت، وبسيرة بنت صفوان الأزدية، وكانت خالته وحماته. وروى عنه ابنه عبد الملك وسهل بن سعد، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعلي بن الحسين (زين العابدين) ومجاهد وغيرهم. <span style="color:#FF0000">مكانته و فضله كان مروان بن الحكم من سادات قريش وفضلائها، وقد قاتل مروان يوم الدار قتالاً شديدًا، وقَتَلَ بعض الخوارج، وكان على الميسرة يوم الجمل، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يكثر السؤال عن مروان حين انهزم الناس يوم الجمل، يخشى عليه من القتل، فلما سُئِلَ عن ذلك قال: إنه يعطفني عليه رحم ماسة، وهو سيد من شباب قريش. كان قارئًا لكتاب الله، فقيهًا في دين الله، شديدًا في حدود الله، ومن أجل ذلك ولاه معاوية رضي الله عنه المدينة غير مرة، وأقام للناس الحج في سنين متعددة. كما كان مروان قضَّاء يتتبع قضايا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان جوادًا كريمًا فقد روى المدائني عن إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد أن مروان أسلف علي بن الحسين رضي الله عنهما حين رجع إلى المدينة بعد مقتل الحسين رضي الله عنه ستة آلاف دينار، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه عبد الملك أن لا يسترجع من علي بن الحسين شيئًا، فبعث إليه عبد الملك بذلك فامتنع من قبولها، فألح عليه فقبلها، وقال: الشافعي: إن الحسن والحسين كان يصليان خلف مروان ولا يعيدانها، ويعتدان بها. وكان مروان حكيمًا ذا عقل وكياسة، ومما يدل على حكمته وعقله أنه كان أثناء ولايته على المدينة إذا وقعت مشكلة شديدة جمع مَنْ عنده من الصحابة فاستشارهم فيها، وهو الذي جمع الصيعان فأخذ بأعدلها فنسب إليه الصاع؛ فقيل: صاع مروان. قال عنه أبو بكر بن العربي: "مروان رجل عَدْلٌ من كبار الأمة عند الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين، أما الصحابة فإن سهل بن سعد الساعدي روى عنه، وأما التابعون فأصحابه في السن، وإن كان جازهم باسم الصحبة في أحد القولين، وأما فقهاء الأمصار فكلهم على تعظيمه، واعتبار خلافته، والتَّلَفُّت إلى فتواه، والانقياد إلى روايته، وأما السفهاء من المؤرخين والأدباء فيقولون على أقدارهم". مروان و الخلافة
__________________
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت *** أن السعــادة فـيها تـرك ما فيهـا لا دار للمرء بعد المــوت يسكنهـا *** الا التــي كان قبل المـوت بانيها فـإن بنـــاها بخيـر طـاب مسكنـــه *** وإن بناهــــا بشـر خـاب بانيهـــا أمـــوالنا لذوي الميراث نجمـعــها *** وبيـوتـنـا لخــراب الدهر نبنيــهـا
|
#4
|
||||
|
||||
![]()
جزاك الله كل خير علي اهتمامك ده
__________________
![]() يااااااااااااااااااااااااااارب ارحم موتانا وموتي المسلمين يارب ارحمهم وثبتهم عند السؤال
|
#5
|
||||
|
||||
![]()
بارك الله فيك
|
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|